- En
- Fr
- عربي
ملف
دراسة واعداد العميد محمد ابراهيم محمود
الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ووسائل الوقاية منها
نظراً لخطورة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وما قد تسببه من أضرار، فإنه يجب اتخاذ الإجراءات الوقائية التي من شأنها توفير الحماية من الأضرار والتقليل منها. وتبدأ هذه الإجراءات بالاكتشاف المبكر لاستعمال الأسلحة المذكورة ومن ثم توفير الحماية الفعّالة للقوات. لقد عرف الإنسان الأسلحة الكيميائية بصورتها البدائية منذ عصر ما قبل الميلاد حيث اكتشف التأثير الضار لاستنشاق الأبخرة المتصاعدة من مادة الزرنيخ الذي كان يستخدم في ذلك العصر كسم قاتل. ومن هنا بدأ استخدام الزرنيخ كأول سلاح كيميائي في تاريخ البشرية لقتل قوات الأعداء. أما الأسلحة البيولوجية فقد تأخرت معرفتها الى القرن الثالث عشر الميلادي، عندما ظهرت الأوبئة القاتلة مثل الطاعون والكوليرا في كل من آسيا وأوروبا وقضت على أحياء وقرى بأكملها. عندها بدأ الإنسان بالتفكير في كيفية استغلال هذه الأوبئة في قتال عدوه وهي استغلت بشكل بدائي، إذ كانت الجثث المصابة بالأمراض المعدية تلقى في الأنهار التي يستعملها الأعداء لتلويثها.
الأسلحة الكيميائية
يقصد بالأسلحة الكيميائية استخدام المواد الكيميائية السامة في الحروب بغرض قتل أو تعطيل الإنسان أو الحيوان، ويتم ذلك عن طريق دخولها الجسم بالاستنشاق أو التناول عن طريق الفم أو ملامستها للعيون أو الأغشية المخاطية. استخدم الإنسان الأول المشاعل المتوهجة لحراسة مأواه من الحيوانات الضارية، وقد لجأ الى وسائل كثيرة لإطلاق اللهب وتوصيله الى الأهداف المراد إحراقها وتدميرها ومنها، الحيوانات: كالثعالب والثيران لإشعال النيران في حقول القمح والعنب والزيوت، والمعدات: السهام النارية والحراب وكرات وأسطوانات الزيت المشتعلة والمنجانيق، لإشعال النيران في المدن والقلاع الحصينة التي تقف سداً منيعاً أمام القوات المهاجمة.
وسائل استخدام المواد الحارقة
شهدت الحرب العالمية الأولى أول استخدام لقاذفات اللهب الفردية بواسطة الجيش الألماني في 26 شباط 1915 ضد الفرنسيين، كما استخدم الألمان الطائرات في إلقاء القنابل الحارقة على مدينة لندن. وفي العام 1937 أنتج الجيش الإيطالي قواذف اللهب المحمولة على عربات مدرعة. الأميركيون بدورهم أنتجوا النابالم وقد استخدموه في معاركهم ضد اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، كما صنعوا المواد الحارقة الفسفورية واستخدموها ضد الفيتناميين. وفي السبعينات تم ابتكار قنابل الوقود المتفجر جواً.
الغازات الحربية
عمدت القبائل الأولى الى خنق الخصوم بالدخان الناتج من احتراق أغصان الشجر وأوراقها أمام مداخل المغارات والكهوف. وفي حروب الهند القديمة استعملت الأبخرة التي تسبب الإرتخاء والنعاس والتثاؤب. أما أبخرة الزرنيخ فقد استعملت في عهد مملكة سونج الصينية. وفي عام 1456، قام أهل بلغراد بإشعال حزم الخشب المبللة بمواد تنشر غازات سامة عند اشتعالها لانقاذ مدينتهم من غزو العثمانيين لها، ومنعهم من اقتحامها واحتلالها. خلال الحرب الأهلية الأميركية استخدم الشماليون الخشب المشبع بالكبريت والملح والفحم حول نقاط دفاع الجنوبيين ليجبروهم على الخروج منها. وخلال الحرب العالمية الأولى استخدمت فرنسا الغازات الحربية المسيلة للدموع ضد القوات الألمانية. ورد الألمان بإطلاق مائة وثمانية وستين طناً من غاز الكلور السام على خطوط دفاع الفرنسيين، وهو ما يعتبر أول استخدام فعلي للأسلحة الكيميائية خلال القرن العشرين. الى ذلك استخدم الألمان غاز الفوسجين ضد القوات الإنكليزية عام 1915. واستعمل الروس غاز الكلوروبكرين الذي يخترق الأقنعة الواقية مجبراً مرتديها على نزعها ليلقى مصرعه بغاز آخر أشدّ سمية، وكان ذلك في آب العام 1916. بعد عام استعمل الألمان غاز الخردل لأول مرة ضد الحلفاء. ونظراً للتطوّر الهائل في اكتشاف وتطوير الغازات الحربية، فقد اتفق على عدم استخدامها خلال الحرب العالمية الثانية. في ما بعد استخدم الأميركيون خلال حربهم ضد الفيتناميين غازات الإزعاج والغازات النفسية والمواد الكيميائية، واستخدمت الذخائر الكيميائية خلال الغزو السوفييتي لأفغانستان. الى ذلك استخدم العراقيون غازات الحرب بين العام 1983 والعام 1988 ضد إيران.
التأثير العام للغازات الحربية
تستخدم الغازات الحربية بغرض القتل أو تعجيز القوى البشرية أو تلويث الأرض، وتنشر بواسطة القصف السريع الذي لا يستغرق أكثر من 15 ثانية، لتحقيق المفاجأة وتوليد التركيز القاتل قبل تمكن الأفراد من ارتداء القناع الواقي. ويسمى هذا الهجوم بالهجوم المفاجئ أو الجرعة المفاجئة، وهو يتطلب سقوط معظم الذخيرة بمنطقة الهدف في وقت لا يزيد عن 15 ثانية. وعند مهاجمة قوات لا تتوفر لديها أقنعة واقية يمكن أن تستخدم الجرعة القاتلة الكلية خلال فترة تتعدى الـ 15 ثانية. تختلف الجرعات اللازمة وفترة القصف باختلاف نوع الغاز الحربي وطريقة دخوله الى الجسم.
أنواع الغازات الحربية وتأثيرها
ثمة انواع عدة من الغازات الحربية أبرزها: غازات الأعصاب، ومنها: الذارين، الزومان، التابون، الـVX. وهي مواد شديدة السمية تسبب تسمم ˜الأستيل كوينŒ (الماء المسؤول عن نقل النبضة العصبية في جسم الإنسان من خلية عصبية الى أخرى) وانهيار الجهاز العصبي. وتتميز هذه المواد بأنها: عديمة اللون والرائحة والطعم ذات معدل تطاير منخفض، سريعة الإمتصاص بواسطة العيون والرئتين والجلد وتحدث الموت بالإختناق خلال دقائق. يستخدم غاز VX على وجه خاص لإصابة الأفراد عن طريق الجلد، حيث تحدث الوفاة بعد 15 دقيقة من امتصاص الجسم للجرعة القاتلة، ويستمر مفعول قطرات غاز VX لفترة طويلة على التربة والأسطح المختلفة وتسبب تلوثاً مستمراً للأفراد عند تلامسهم معها أو استنشاق الهواء بالقرب من أماكن التلوث. يستخدم غاز الزارين أساساً كغاز قاتل سريع المفعول حيث تحدث الوفاة بعد نحو 15 دقيقة من امتصاص الجسم للجرعة القاتلة، وتكتيكياً يستخدم غاز الزارين بهدف القتل المفاجئ أو الهجوم المفاجئ والإزعاج.
- غازات الدم، ومنها: حمض سيان الماء، كلور السيانوجين، فوسفور الهيدروجين، زرنيخ الهيدروجين، ومركبات الكلور العضوية. وهي مواد تؤثر على الدم وجهاز الأعصاب المركزي ويظهر تأثيرها من خلال استنشاق الهواء الملوث بها فقط. تعتبر من الغازات الحربية القيّمة، يمكن استخدامها كغازات قاتلة وسريعة المفعول لتوليد الجرعة القاتلة ضد قوات لا تتوافر لديها وسائل الوقاية، كما يمكن استخدامها لاختراق القناع الواقي وفي هذه الحالة يلزم توليد تركيز كبير لمدة 15 دقيقة، ويلاحظ أن الرطوبة تقلل كثيراً من القدرة الوقائية لمرشح القناع الواقي.
- الغازات الخانقة، ومنها: الفوسجين، ثنائي الفوسجين، وكلور بيكرين: تعتبر من الغازات القديمة القاتلة سريعة المفعول، حيث يمكن أن يؤدي استخدامها الى القتل الفوري في حالة استخدام تركيزات كبيرة. ويمكن أن تحدث الوفاة خلال 3 ساعات عند استخدام تركيزات أقل. وتستخدم للهجوم المفاجئ بالقصف لمدة 30 ثانية لتوليد الجرعة القاتلة، بينما يستخدم القصف لمدة دقيقتين لتوليد العجز النصفي، الى ذلك فإن هذه الغازات ذات تأثير تراكمي على الإنسان.
- غازات شل القدرة (النفسية والمهلوسة) ومنها: حامض الليرجيك، غاز BZ، والمسكالين. وهي غازات تؤثر على سلوك الإنسان وعلى مزاجه الشخصي كما تؤثر في اتزانه وفي طريقة تفكيره، ويظهر تأثيرها خلال 20دقيقة فقط.
- الغازات المقيئة، ومنها: ثنائي فينيل كلوروارسين، ثنائي فينيل سيانوارسين، أثيل كربزول، وكلوريد فينارسازين. وهي تسبب تهيج الأغشية المخاطية للأنف والحنجرة والحرقان والألم في الصدر والسعال، والقيء، وتستخدم في شكل دخان.
- الغازات المسيّلة للدموع، ومنها: كلورواستيون، بروميدينزيل، وكلوراسيتوفينون. تحدث تهيجاً في أغشية العين وألماً والتهابات في الأماكن الحساسة من الجلد وهي تستخدم في شكل دخان.
- الغازات المسببة للقروح، ومنها: غاز الخردل، كلوروفانيل ثنائي كلوروآرسين، ميثيل ثنائي كلوروآرسين، تخترق الثياب وتسبب حروقاً جلدية عميقة صعبة الشفاء، وتفوح منها عند تبخرها رائحة الثوم، ويظهر تأثيرها بعد مدة تتراوح بين 24و48 ساعة، وتستخدم في شكل ألغام أرضية. الى ذلك تجدر الإشارة الى أن الغازات الحربية تقسم من حيث استمراريتها الى نوعين: يشمل النوع الأول الغازات التي تحتفظ بخواصها وفعاليتها لفترة بضع ساعات أو حتى أيام من لحظة استخدامها، وفي هذه الفئة نجد الغازات الكاوية وغازات الأعصاب. ويتمثل النوع الثاني بالغازات التي تحتفظ بخواصها فقط بضع دقائق من لحظة استخدامها، وتشمل، غازات الدم والغازات الخانقة والغازات المقيئة والمسيلة للدموع وغازات شل القدرة.
الأسلحة البيولوجية
يقصد بالأسلحة البيولوجية الاستخدام المخطط للكائنات الحية أو سمومها، لإحداث الوفاة أو إضعاف القدرة البشرية، سواء كان ذلك في مسرح العمليات أو في الجبهة الداخلية، كما تستخدم في تدمير الثروة الحيوانية والزراعية.
● نشأة الأسلحة البيولوجية واستخدامها:
لاحظ العسكريون القدامى أن عدد القتلى بسبب الأمراض المعدية يفوق عدد القتلى بسبب المعارك الحربية. وقد اعتُبر الطاعون سلاحاً بيولوجياً منذ أن فتك في الفترة الممتدة من العام 1348 الى العام 1350، بما يزيد عن ربع سكان أوروبا، حتى أطلق عليه تعبير "˜الموت الأزرق"Œ. في العام 1763 قام أحد قادة الحملات البريطانية في أميركا بإرسال غطاءين ومنديل من مستشفى الجدري الى معسكر الهنود الحمر، مما أدى الى تفشي وباء الجدري بينهم. وخلال الحرب الأهلية الأميركية قام كل من الشماليين والجنوبيين بتسميم مياه الشرب بجثث الخنازير والخراف. وفي حرب البوير (1899-19020) قتل التيفوئيد أعداداً أكبر من تلك التي أسفرت عنها المعارك. كما ألقت الطائرات علباً مليئة بالحشرات على الخطوط الدفاعية السوفييتية عام 1941 لنشر الأوبئة والأمراض والذعر وخفض الروح المعنوية، واتهمت كل من الصين وكوريا الشمالية أميركا باستخدام أسلحة جرثومية ضدها وذلك بين العام 1950 والعام 1953. أيضاً استخدمت أميركا الأسلحة الجرثومية خلال الحرب الأميركية - الفييتنامية.
ثمة أنواع عدة من الكائنات الحية يمكن استعمالها كسلاح بيولوجي، كالبكتيريا والفيروسات والفطريات...
● أنواع الأسلحة البيولوجية وتأثيرها:
* البكتيريا:
هي أصغر الكائنات الحية ولا يمكن رؤيتها إلا بالميكروسكوب. تتكاثر بطريقة انقسام الخلية. ومن أنواع البكتيريا:
- الجمرة الخبيثة: تسبب توقف التنفس وغالباً ما تكون قاتلة وتتنقل بالاستنشاق أو بالعدوى من الحيوانات عن طريق اللمس. بإمكان هذه الجرثومة أن تتكيس وتصمد أمام كثير من التقلبات الطبيعية المناخية. تعود الجرثومة الى حالتها الطبيعية (أي تخرج من حال التكيس) عندما يصبح المحيط مناسباً لها وهي غير ذات فعالية في حالة التكيس. تنتقل الجرثومة عن طريق جثث الحيوانات المصابة أو عن طريق جلودها وأصوافها، وتسبب التهاباً رئوياً حاداً قد يؤدي الى الموت. تؤثر المضادات الحيوية في هذه الجرثومة الخبيثة بشرط استعمالها لمدة طويلة (عدة أسابيع) .
- الحمى المتموجة (القلاعية) :
مرض يحتمل استخدامه كسلاح جرثومي، يصيب عادة الأبقار فتجهض، وينتقل الى الإنسان عن طريق الحليب. لهذا المرض مضاعفات قد تؤدي الى العجز الدائم مثل العمى. ويصعب تشخيصه لتنوع أعراضه وكثرتها. لكن نسبة الوفيات بين الناس بسببه قليلة.
- الكوليرا: يعتبر من أهم الأمراض التي تصلح كسلاح جرثومي. يسبب الغثيان والتقيؤ مع إسهال ومغص كلوي. ويؤدي في أغلب الأحيان الى وفاة المريض. تنتقل عدوى الكوليرا إما بشكل مباشر عن طريق اللمس أو بشكل غير مباشر عن طريق الطعام والماء الملوثين. أبرز مصادر التلوث، الحاجات التي يستعملها المصاب أثناء الأكل أو التقيؤ أو التغوّط، وفضلات المصاب التي ترمى في العراء، كما يمكن أن ينقل العدوى إنسان يحمل الجرثومة من دون أن يتأثر بالمرض بسبب مناعته القوية.
- الطاعون: هو أفتك الأوبئة جميعاً، جرثومته سهلة الزرع والحفظ حيث تعيش في التراب العادي وتفرز إفرازات شديدة السم تقتل المحقون بها قبل مضي بضع ساعات وهو نوعان: الأول اسمه دبلس، ويقتل ثمانية في المئة من إصاباته، وينقله البرغوث الى الإنسان من الخنازير والفئران المريضة. والثاني هو الطاعون الرئوي، الذي لا يرحم ضحيته قط، وهو ينتقل بالهواء من المريض الى السليم فيقتله.
- داء التلرمات: داء يصيب القوارض ويصيب الإنسان بحمى متقطعة تستمر أسابيع عدة وهو يقتل ما بين 5 و8 في المئة من المصابين به وينتقل عن طريق الإستنشاق أو بتناول الطعام أو لدغ الحشرات، وهو لهذه الخصائص يعتبر مناسباً جداً للإستخدام كسلاح جرثومي في العمليات الحربية.
* الفيروسات:
هي كائنات حية صغيرة جداً وحجمها بمثابة جزء من عشرة بالنسبة لحجم البكتيريا. وهي لا تنمو خارج الجسم إلا على أنسجة حية، وهذه الصفات جعلت من الصعب إنتاج الفيروسات المسببة للأمراض على نطاق واسع وبكميات كبيرة ولمدة طويلة. ومن الفيروسات المسببة للأمراض الأنواع الآتية:
- حمى أبو الركب: غالباً ما توهن ونادراً ما تسبب الوفاة. تنتقل عن طريق لدغ البعوض أو بالاستنشاق وتشكل عاملاً جيداً لشل القدرة وخفض نشاط الجسم.
- النكاف: غالباً ما يضعف الجسم ولكنه لا يسبب خطراً على حياة المصاب، ينتقل عن طريق الإستنشاق ولا يعتبر ذا أهمية حربية وذلك لانتشار اللقاح ضده.
- شلل الأطفال: غالباً ما يسبب شللاً دائماً وأحياناً يسبب الوفاة للمصاب، ينتقل باستنشاق الهواء الرطب أو بتناول الطعام ولا يعتبر ذا أهمية حربية لانتشار اللقاح ضده.
- حمى الببغاء: تسبب حمى خفيفة وأحياناً حادة وتسبب الوفاة لنسبة ضئيلة من المصابين، تنتقل عن طريق الاستنشاق أو بتناول الطعام أو من لدغ الحشرات وهي واسعة الإنتشار.
- الجدري: مرض قديم جداً، دخل أوروبا لأول مرة عن طريق الصليبيين العائدين من الحملات، وقد انتشر في القرن الثامن عشر بشكل واسع بحيث لم يبلغ أحد من سكان أوروبا سن الرشد من دون أن يصاب بهذا المرض. وقد بلغت نسبة الوفيات 90%. أما في آسيا فإن المرض كان مستوطناً فيها، وقد انتقل الى أميركا عن طريق الأوروبيين. وكان له تأثير مرعب على السكان الأصليين هناك (الهنود الحمر) ، وهو حاد جداً وغالباً ما يقتل المصاب به وينتقل عن طريق الاستنشاق أو بتناول الطعام، واللقاح الخاص به منتشر.
- الحمى الصفراء: مرض وبائي يحدث تقيّؤاً دموياً أسود ويرقاناً، ويستوطن القسم الشمالي من أميركا الجنوبية وأواسط أفريقيا. يمكن لبعض الحيوانات المفترسة أن تختزن الفيروس الذي يسبب المرض ثم تنقله الى الإنسان عن طريق بعوض "Aedes Egypyس. وتعتبر أفريقيا المهد الأصلي لهذا المرض، الذي انتقل الى أميركا عن طريق تجارة الرقيق، وقتل عدداً كبيراً من سكان جزر الهند الغربية. وقد أخّرت ˜الحمى الصفراءŒ شق قناة بنما حيث أصابت أكثر العمال وقتلت عدداً كبيراً منهم. عام 1934 تمكنت فرنسا من صنع لقاح واق من الحمى الصفراء وانتهى المرض تقريباً في المناطق التي استعمل فيها اللقاح، إلا أن هذا الأخير يسبب مضاعفات خطيرة.
- الركتيسيا: هي كائنات حية دقيقة تشبه البكتيريا من ناحية الحجم والشكل، وتشبه الفيروسات في أنها لا تنمو خارج الجسم أو في وسط صناعي لا يحتوي على خلايا حية، وهي تقاوم درجات الحرارة المنخفضة والجفاف ومن أبرز أنواعها:
- حمى كيري: التي ترفع درجة حرارة الجسم المصاب وتسبب قشعريرة في الجسم وألماً في العضلات، وهي تنتقل عن طريق الاستنشاق أو بتناول الطعام أو اللدغ بواسطة القراد وتأثيرها عال جداً.
- التيفوس الوبائي: وهو قاتل لكل من يصيبه وينتقل للمصابين عن طريق القمل أو بالاستنشاق أو بتناول الطعام. ويعالج بالمضادات الحيوية، وهو لا يعتبر مرضاً معدياً حيث يصعب انتقاله من إنسان لآخر، ومن غير المحتمل استخدامه في الحرب البيولوجية لضعف قدرته على البقاء.
* الفطريات:
كائنات حية دقيقة مثل البكتيريا ولكنها تختلف عنها في تعقيد تكوينها وكذلك طرق تكاثرها. لا تهتم كثيراً بنوع الغذاء، لذا يمكنها النمو في الأوساط المختلفة ودرجة مقاومتها للمواد الكيميائية والظروف الطبيعية غير الملائمة تفوق مقاومة البكتيريا لها. تتحمل بسهولة الجفاف وأشعة الشمس والمواد المطهرة ومنها ˜"توكسيد ميوكبسŒ" الذي يسبب حمى خفيفة للمصاب ونادراً ما تكون حمى قاتلة، ينتقل عن طريق الإستنشاق ويعالج بالمضادات الحيوية ولا يعتبر من الأوبئة، وهو ملائم للاستخدام الحربي لقدرته العالية على البقاء.
- السميات: يعتبر الـ"كلوستريديم بتولينيوم" فطراً غير سام ولكنه ينتج واحداً من أخطر السموم المعروفة للإنسان، وهو يقتل في الحال أي شخص يأكل من لحوم أو أسماك فاسدة، ويقتل من 60 الى 70 % من المصابين به. ينتقل عن طريق الاستنشاق أو تناول الطعام ويصعب علاجه، وهو سريع الفاعلية جداً في الحرب الجرثومية، إذ تفوق فعاليته أي عامل جرثومي آخر.
الوقاية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية
تتمثل أبرز تدابير الوقاية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بما يلي:
● اكتشاف تحضيرات العدو لاستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية:
في هذا الإطار يجب كشف مدى توفر وسائل استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لدى العدو، والمستودعات والقواعد التي يستخدمها لتخزين الذخائر المزودة برؤوس كيميائية وبيولوجية، واكتشاف مناطق مرابض نيران المدفعية والصواريخ القادرة على استخدام هذه الأسلحة، وكشف مناطق زرع الألغام الأرضية الكيميائية، إضافة الى كشف الوحدات الكيميائية المتوفرة لدى العدو من حيث عددها وقوتها وامكانياتها ومناطق تمركزها وطبيعة عملها وخططها الوقائية.
● تدمير وإضعاف هجمات العدو بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية:
تعتبر هذه الإجراءات الأهم في إطار الوقاية وتتمثل بتدمير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في المستودعات والقواعد وفي مرابض النيران وعرقلة استخدامها. تضطلع بهذه المهمة القوات الجوية والصواريخ والمدفعية بعيدة المدى، إضافة الى الجواسيس والعملاء.
● إنذار القوات بحظر الهجمات الكيميائية والبيولوجية:
يجب توحيد إشارات الإنذار عن الهجوم الكيميائي والبيولوجي مع مراعاة الآتي:
- سهولة إرسال واستقبال الإشارة بواسطة القوات وإبلاغها بكافة وسائل الإتصالات المتيسرة، مع إعطائها أسبقية في الإرسال، بالإضافة الى الإشارات المرئية والمسموعة.
- اختبار قادة التشكيلات والوحدات لكيفية وصول إشارات الإنذار الى الوحدات والوحدات الفرعية والأفراد مع مراقبة الإجراءات المتخذة حيال هذه الإشارات.
- وضع اختبار الإنذار ضمن برنامج التدريب على رفع حالات الإستعداد القتالي. وتتضمن أسس إصدار إشارة الإنذار ما يلي:
- وجود بيانات من عناصر الإستطلاع عن تحضيرات العدو للهجوم الكيميائي والبيولوجي. وقوع هجوم كيميائي أو بيولوجي ضد منطقة عمل الوحدات.
- اكتشاف منطقة ملوثة كيميائياً أو بيولوجياً.
- توجيه من القائد الأعلى للقوات المسلحة. يتم إصدار الإشارات بالإنذار على التوالي بواسطة القادة على مختلف المستويات مع إعطاء مراكز الإنذار الكيميائي الحق في إصدار الإشارة عند اكتشافهم لمناطق تلوث بواسطة أجهزة الكشف الموجودة معهم.
● اعمال الاستطلاع الكيميائي والبيولوجي:
ينظم الإستطلاع الكيميائي والبيولوجي بغرض اكتشاف استخدام المواد الكيميائية والبيولوجية وتحديد المناطق الملوثة وطبيعة التلوث. ويعتبر تنظيم الاستطلاع الكيميائي والبيولوجي مسؤولية القائد وهيئة القيادة على جميع المستويات ويشرف رئيس الفرع الكيميائي على الإستطلاع الكيميائي والإشعاعي، بينما يشرف كبير الأطباء على الإستطلاع البيولوجي. ينفذ الإستطلاع الكيميائي بواسطة وحدات فرعية صغرى من الأسلحة المقاتلة المدربة على ذلك، وكذلك بواسطة عناصر استطلاع ودوريات استطلاع. ينفذ عناصر الاستطلاع مهام:
- الملاحظة المستمرة لنشاط طائرات ومدفعية العدو.
- الملاحظة المستمرة لاتجاهات السحابة الكيميائية.
- اختبار المنطقة القريبة والمحيطة بنقط الملاحظة للكشف عن أي تلوث بالغازات الحربية والمستحضرات البيولوجية، وذلك بصفة دورية وبنوع خاص بعد الهجمات المركزة بواسطة طيران العدو ومدفعيته. وتكلف دوريات الاستطلاع الكيميائي بالمهام الآتية:
- كشف وجود ونوع ودرجة تركيز غازات الحرب، ووضع علامات تحديد المناطق الملوثة على امتداد طريق التحرك أو في موقع الوحدة والوحدة الفرعية.
- اخذ عينات من الطعام والماء والتربة والأشياء الأخرى الملوثة لاجراء التحليلات اللازمة. إيجاد طرق لتفادي المناطق الملوثة وإيجاد ممرات لعبور هذه المناطق.
- تقدير اتجاهات تحرّك الهواء الملوث ومناطق ركوده.
● الإجراءات عند إعطاء إشارة الهجوم الكيميائي:
- تستمر الوحدات الرئيسية والوحدات الفرعية في تنفيذ مهام القتال المخصصة لها.
- يتم ارتداء بذات الوقاية الفردية.
- تجري أعمال الإستطلاع الكيميائي لتحديد نوع الغاز ودرجة تركيزه في المناطق الملوثة كيميائياً. تُقدم الخدمات الطبية العاجلة والاسعافات الأولية للمصابين.
- تُنفذ أعمال التطهير الجزئي للأفراد والأسلحة والمعدات.
- تترك المنطقة الملوثة لتنفيذ أعمال التطهير الكلي، وهذا يتوقف على الموقف التكتيكي وعلى قرار القائد الأعلى.
- لا تعطى إشارة بانتهاء الهجوم الكيميائي للعدو ولكن تعود القوات الى حالتها الأولى طبقاً لقرارات القيادة على مختلف المستويات عندما يتم التأكد من زوال خطر الهجوم الكيميائي. أما الاستطلاع البيولوجي فينفذ أساساً بواسطة عناصر الخدمات الطبية، ويعتبر واجباً إضافياً للوحدات الفرعية الكيميائية، حيث يتم عن طريق ملاحظة المظاهر الخارجية الدالة على استخدام العدو للأسلحة البيولوجية. وتقوم الخدمات الطبية بأخذ عينات من الهواء والتربة والنباتات والمياه والأطعمة والحشرات من المناطق التي يشك في تلويثها بالمواد البيولوجية، وترسل العينات الى المعامل الطبية لإجراء التحاليل ومعرفة نوع المواد البيولوجية المستخدمة.
● المظاهر الخارجية للهجمات الكيميائية:
- الصوت الناتج عن انفجار الذخيرة الكيميائية، فهو أقل شدة من ذلك الذي تحدثه ذخيرة شديدة الإنفجار. - رؤية طائرة تظهر متبوعة بسحب سوداء وتتحرك مع اتجاه الريح، كما أن ارتفاع الطائرة خلال رش الغازات يكون منخفضاً جداً (حتى 30 متراً) .
- مشاهدة نقط زيتية في مناطق انفجارات الذخيرة الكيميائية.
- مشاهدة سحابة ذات لون رمادي أو بني في أماكن انفجارات الذخيرة الكيميائية، والسحابة تأخذ في التلاشي شيئاً فشيئاً.
- مشاهدة توهجات نيران وشعلات نيران عند إطلاق دخان سام، كما تظهر سحابة دخان تتحرك من ناحية العدو وفي اتجاه القوات المستهدفة.
- وجود رائحة غير عادية في المنطقة.
● المظاهر الخارجية للهجمات البيولوجية:
- وجود سحب بيولوجية وآثار لبعض المساحيق على الأرض بالقرب من نقط الإنفجار.
- وجود مجموعات من الحشرات والبراغيث والقوارض في المناطق التي تعرضت للهجوم.
- أخيراً، ينفذ استطلاع حقول الألغام الأرضية الكيميائية أو حقول الألغام المختلفة بواسطة المهندسين، وبالطريقة نفسها التي تعتمد في الكشف على حقول الألغام.
● انتشار القوات والتنظيم الهندسي للأرض:
تقتضي الوقاية من الهجومات الكيميائية والبيولوجية القيام بعمليات انتشار للقوات وفقاً لمعايير محددة تراعي عاملي التخفي والتغيير الدوري للمواقع، ويتحقق ذلك من خلال:
- اتساع مساحات مناطق تجميع القوات، وتلافي حشدها في مناطق محددة وخصوصاً تلافي المضائق الجبلية والمعابر الحيوية.
- الإكثار من المناطق والمواقع التبادلية والهيكلية، وإجراء تغيير مستمر في احتلال القوات للمناطق والمواقع.
- استخدام الليل وحالات الرؤية الضعيفة في تنفيذ التحركات وإعادة تجميع القوات.
- اختيار طرق تتوفر فيها مزايا وقائية للأرض عند تحرك القوات.
- عند اختيار طرق تحرك متوازية للقوات، يجب أن يكون الفاصل بينها كبيراً.
- استغلال المزايا الوقائية التي توفرها الأرض. إنشاء الخنادق وخنادق المواصلات وملاجئ الأفراد مع تغطية أجزاء من الخنادق.
- إنشاء الحفر والدشم للأسلحة والمعدات والاحتياجات. تزويد الملاجئ بأجهزة ترشيح وتنقية الهواء، وتزويد مداخل الملاجئ بأبواب مزدوجة محكمة لعزلها عن الهواء الخارجي.
- تحقق الملاجئ المحكمة عدم تسرب الهواء وعندما لا تكون مزودة بأجهزة ترشيح وتنقية الهواء فهي لا تسمح بوقاية الأفراد لفترة طويلة من الغازات الحربية، لكنها توفر إمكانية بقائهم فيها وهم يرتدون الأقنعة الواقية، وبالتالي وقاية أنفسهم ضد التأثيرات المفاجئة للغازات الحربية. كما يتيح استعمال أغطية الرأس وتغطية أجزاء من الخنادق، الوقاية من رذاذ الغاز والمواد البيولوجية.
● الإجراءات الصحية والوقائية الخاصة:
- لأغراض الوقاية ضد المواد البيولوجية تتخذ القوات الإجراءات الصحية الوقائية الآتية:
- اختبار مناطق تجميع القوات للوقوف على الشؤون الصحية والوقائية فيها.
- الإشراف الطبي على تخزين ونقل الطعام والماء وحالة عربات المطبخ وعملية الطبخ.
- مراعاة قواعد الصحة الشخصية للأفراد وملاحظة الحالة الصحية في مناطق التجمع.
- الإشراف الطبي والبيطري على الأطعمة والماشية.
- التلقيح الوقائي للقوات والحيوانات التي تخدم القوات في الميدان ضد الأمراض المعدية المحتمل استخدامها بواسطة العدو.
- تزويد الأفراد بعقاقير وأدوية خاصة تستخدم بأوامر.
- منع استخدام الأطعمة والمياه المستولى عليها من العدو إلا بعد اختبارها.
● إمداد القوات بوسائل الوقاية:
يجب إمداد القوات بوسائل الوقاية وأبرزها:
- وسائل الوقاية الفردية وتشمل الأقنعة والبزات الواقية.
- وسائل وقاية جماعية وتشمل، الملاجئ المجهزة بأجهزة ترشيح وتنقية الهواء وباقي الملاجئ الأخرى. - وسائل التطهير الفردية، والغرض منها هو إجراء التطهير الجزئي لجسم الإنسان وسلاحه الشخصي. وتحوي علب التطهير الفردي على مواد ضد التسمم (حقن أتروبين) وتستخدم في الحالات الطارئة أثناء التلوث الكيميائي.
- وسائل الوقاية في حالات الطوارئ (مضادات حيوية، أدوية أخرى) ومساعدات لزيادة المناعة.
● إجراءات وقاية الأفراد عند العمل في أرض ملوثة بالغازات الحربية والمواد البيولوجية:
- تعتبر الطريقة المثلى تفادي المناطق الملوثة وعدم العمل فيها، ولكن قد يكون من الصعب على القوات تفادي هذه المناطق أو قد يتطلب موقف العمليات أن تعمل القوات في مناطق ملوثة فترة من الوقت، وهذا بالتالي سوف يؤثر على قدراتها القتالية ما لم تتخذ الإجراءات الوقائية عند العمل في هذه المناطق أو عند عبورها. تتحقق الوقاية عند العمل في أراض ملوثة بالغازات الحربية والمواد البيولوجية بالآتي:
- السرعة والمهارة في ارتداء بذات الوقاية الكيميائية تحت ظروف التلوث. السرعة والمهارة في استخدام المنشآت الدفاعية في الأرض الملوثة.
- عدم تناول الطعام والشراب وعدم التدخين خلال التواجد في المنطقة الملوثة. وعند عبور مناطق ملوثة يجب أن يوضع في الاعتبار الآتي:
- مهمة الوحدة والوحدة الفرعية ومكانها في تشكيل القتال عند عبورها المنطقة الملوثة. حدود المنطقة الملوثة واتجاه الريح.
- طبيعة التلوث ونوعه. وعلى ضوء هذه الاعتبارات يتم تحديد طريق ومكان العبور وتوقيته.
● إزالة الآثار المترتبة على استخدام العدو للغازات الحربية والمواد البيولوجية:
تشمل إزالة الآثار المترتبة على استخدام العدو للغازات الحربية والمواد البيولوجية إعادة السيطرة المفقودة على القوات واستعادة كفاءتها القتالية، ويتم ذلك من خلال:
- إعادة المواصلات مع الوحدات المعنية والقيادة.
- حصر الأفراد والمعدات التي لم تتأثر بهجوم العدو وتحديد مستوى الكفاءة القتالية والقدرة على تنفيذ المهام المخصصة للوحدة. وعلى ضوء ذلك يحدد القائد الأعلى حجم الدعم اللازم للوحدة لاستعادة كفاءاتها القتالية لتنفيذ المهام المكلفة بها أو إعادة تكليفها بمهام جديدة تتفق مع وضعها الراهن، أو إعفائها من المهام المخصصة لها واستبدالها بقوات جديدة.
- القيام بأعمال الإنقاذ والعلاج والإخلاء.
● التطهير من التلوث الكيميائي والبيولوجي:
تنقسم عمليات تطهير الافراد والأسلحة ومعدات القتال الى نوعين: جزئي وكلي. ينفذ التطهير الجزئي فور حدوث التلوث مباشرة من دون إيقاف مهام القتال، ويتم ذلك تحت إشراف القادة المباشرين وباستخدام علب التطهير الموجودة مع القوات. أما التطهير الكلي فيتم في محلات التطهير التي تقوم بفتحها الوحدات الفرعية الكيميائية، ويجري بعد تحقيق مهمة القتال أو عندما يسمح الموقف بذلك طبقاً لتعليمات القائد الأعلى. كذلك يتم تطهير الأرض الملوثة على عاتق الوحدات المكلفة بهذه المهام إضافة الى تطهير وتنقية المواد الغذائية والمياه.
* العميد محمود من إدارة الشؤون العسكرية في جامعة الدول العربية.
المراجع
1- "الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية في عالمنا المعاصر" اللواء الدكتور ممدوح حامد - الكويت.
2- "الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المحرقة والوقاية من أخطارها" الدكتور صلاح يحياوي - الكويت.
3- "الحرب الكيميائية" الدكتور نزار رباح الريس - الكويت.