- En
- Fr
- عربي
أبعد من غزة
للانسحاب الإسرائيلي من غزة أشكال مختلفة من التفسيرات وردود الفعل، بدءاً من التحرير وانتصار المقاومة ضد الاحتلال، إلى الانسحاب الإسرائيلي الاضطراري، إلى مغادرة إسرائيل لبؤرة التوتر والكثافة السكانية المعروفتين، إلى تحويل غزة إلى سجن كبير، إلى خطوة في تنفيذ خريطة الطريق، إلى انسحاب مفخخ يهدف إلى إقحام الشعب الفلسطيني في حرب ضد نفسه... مسميات عديدة لخطوة ملتبسة في مسيرة سلام متعثرة، متخبطة في الدماء، محوطة بالدمار والتيّه السياسي.
ولهذا الانسحاب تقدير أميركي وثناء وثمن مالي من مليارات الدولارات، وتعويم لشارون أوروبياً بعدما كادت محاكم أوروبا تقبض عليه من جراء مجزرة صبرا وشاتيلا، بحيث اصبح رجل سلام بعيداً كل البعد عن الإرهاب، كل ذلك لأنه انسحب من غزة.
هذا النموذج من الانسحاب مع ما يخلّفه من مخزون المشاكل المعدّة للتفجير في لحظات سياسية مفصلية، هو محطة أساسية للأحداث لا بد من أن تسحب تأثيراتها أولاً على الضفة الغربية، وثانياً على الوضع العراقي المتفجر أصلاً، مع ما ينتظر سوريا ولبنان من وعود، وحديث عن غيوم سود تتلبد في السماء منذرة بعواقب لا حصر لها.
لا يمكن عزل الأحداث عن بعضها في هذه المنطقة، إنما الممكن والمطلوب هو الحد من تأثيراتها السلبية، والانتباه إلى المكائد الإسرائيلية و"الوجبات" المسمومة التي تقدم على الموائد السياسية، والتي تهدف إلى التعرض للاستقرار العام في البلاد تحت ذرائع مختلفة، فالاستقرار أساسي وضروري لمواجهة كل الاستحقاقات والتحديات، والحفاظ عليه يجب أن يوضع في أعلى سلم الأولويات.
الأبعد من غزة هو ضرب الاستقرار، والتصدي للتداعيات هو تحويل حدث غزة إلى انتصار، بدلاً من الاكتفاء به انسحاباً ملتبساً يدير ظهره أحياناً ويُظهر أنيابه أحياناً أخرى.