- En
- Fr
- عربي
متقاعد يتذكر
المؤهل الأول المتقاعد سليم عيد
37 سنة ونصف من الذكريات الحلوة، وفخر واعتزاز كبيران حملهما قلبه على مرّ السنين.
المؤهل أول المتقاعد سليم عيد ابن السبعين عاماً، قدّم ابنه شهيداً على مذبح الوطن، مدركاً بأن واجب هذه المؤسسة الأول والأخير، سكب دمائها ذوداً عن لبنان...
بدأ المتقاعد عيد حديثه قائلاً: كل صباح كان شقيقي يستيقظ باكراً ويرتدي بزّته الزيتية وينطلق الى عمله في المؤسسة العسكرية، فيأخذ قلبي معه؛ كنت أحسده على كونه عسكرياً الى أن بلغت سن الرشد، فانخرطت في الجيش وكان ذلك في العام 1953. تابعت دورة لمدة 6 أشهر في معهد التعليم (في طرابلس آنذاك) وقد حللت ثالثاً في هذه الدورة فاختارني العميد المسؤول نظراً للياقتي البدنية الممتازة لألتحق بمدرسة الرياضة، وقد حللت الأول في سباق المئة متر والرماية.
شكلت بعد فترة الى الفوج الثالث الذي كان مركزه في ثكنة صربا حيث عملت كرئيس قلم وتعلمت أصول الأعمال الإدارية حتى برعت فيها.
في العام 1957 وفي ثكنة صربا عملت في كتيبة الاستطلاع الثانية كمدقق حسابات، ثم نقلت عند تأليف الألوية الى اللواء الخامس حيث تسلمت وظيفة رئيس محاسبة اللواء. وقد كُلّفت تأليف الإدارة ورفعها من مستوى كتيبة الى مستوى لواء؛ فقمت بهذه المهمة على أكمل وجه واستحقيت التهنئة على جهودي من قبل رؤسائي. واستمريت بوظيفة الادارة الى أن تم تسريحي برتبة مؤهل أول في بداية العام 1991.
وبما اني لم أستطع أن أعيش بعيداً عن الجو العسكري العزيز على قلبي، عدت وانخرطت كمدني في الجيش وعملت كمنتدب من قبل قيادة الجيش ومدرب في مدرسة الإدارة أعمل على تدريب الضباط المنتسبين الى الجيش من حملة الإجازات، وعملت في هذه الوظيفــة لمدة سنتين إلى أن سرّحت في العام 1993.
خلال حياتي العسكرية تدرجت بالرتب بحسب المكاتب الدراسية، فكنت كل 3 سنوات أتدرج برتبة. وفي كل دورة منها كنت أحلّ في المرتبة الاولى أو الثانية بين المتبارين.
وخلال حياتي العسكرية تجاوزت الكثير من الظروف الصعبة ونفذت المهام الموكلة إلي بنجاح واستحقيت تهنئة رؤسائي. أما إدارياً فقد طلب مني رئيسي في أحد الأيام أن أقدم له لائحة بأسماء وأرقام عناصر السرية كلهم، وكانوا 135 عسكرياً؛ وبعد نصف ساعة كانت اللائحة جاهزة كتبتها من ذاكرتي، فتعجب مني الضابط المسؤول وسأل للمقارنة، عن بعض الأسماء والأرقام، فهنأني على حدة ذاكرتي.
وعن خلاصة سنوات عمله في الجيش قال المتقاعد عيد:
أنا أقدس البذة العسكرية وأذكر كم كان الجيل القديم يحترم هذه البذّة، ففي أحد الأيام كنت مع رفاقي نمر في بلدة بسكنتا أثناء مهمة عسكرية شاهدنا رجل من البلدة فركض ناحيتنا قائلاً: "جئنا اليكم نقبل الأيادي".
أوقات كهذه لا أنساها وهي أكثر من أن تحصى، فالجيش كان وسيبقى حياتي كلها. ابني ميلاد تطوّع كتلميذ ضابط ثم تخرج ضابطاً مغواراً، لكنه سقط شهيد ساحة الشرف في هذه المؤسسة الغالية. لقد قدمت ولدي لهذا الوطن وهو بدوره ضحى بحياته من أجل سيادة لبنان وهي أمور علّمنا اياها الجيش منذ اللحظة الأولى، فهو جيش الصدق والانضباط والاستقامة كما انه مصنع الرجال الشجعان يربيهم على حب الوطن والشعب والتضحية في سبيلهما.
تصوير: فادي البيطار