- En
- Fr
- عربي
مناسبة
تذهب قيادة الجيش في احتفائها بأمهات الشهداء إلى أبعد من الفرح وأبعد من التقدير، فتؤدي في تكريمهن بمناسبة عيد الأم تحية الوفاء لتضحياتهن، وتتوجه إلى كل منهن بعبارةٍ: «أنت الحياة».
«تحية عسكرية» هي في الشكل والمضمون التزام أكيد لا تحول دون موجباته عوائق أو ظروف، وروابط عميقة لا تهزّها الأيام. فبين المؤسسة وأمهات شهدائها عهد كتبته الدماء الشريفة، وأودعته ضمير الوطن فبات الأمانة الغالية المصانة بشرف الوفاء. وإذ يُدرك كل من الطرفَين قدسية ارتباطه بالآخر، يستمر إرث الوفاء حاضرًا بينهما، ليشكل رافدًا لمسيرة الرفاق وسندًا لعائلات الشهداء.
إنّه هذا الإرث يتجلى في الأخوّة بين رفاق السلاح الذين لا ينسون شهيدهم، وفي الاستعداد الدائم للسير على خطاه، كما يتجلى في دعاء والدة مكسورة القلب لرفاق ولدها الشهيد: «الله يحميكن يا ماما، إنتو كلكن ولادي».
ترددت هذه العبارة كثيرًا في الاحتفال الذي نظّمه جهاز الرعاية والشؤون الاجتماعية للعسكريين القدامى في نادي الرتباء- الفياضية بمناسبة عيد الأم، وحضره قائد الجيش العماد جوزاف عون وعقيلته السيدة نعمت، وشارك في إحيائه الفنانون جورج خباز، ووائل كفوري وليليان نمري ويوسف الخال.
أي عيد لأمٍ فقدت ابنها؟ وهل في حياتها بعد متسع لعيد؟ نجحت قيادة الجيش في تحويل المناسبة الأكثر إيلامًا لأمهات الشهداء إلى مساحة تزخر بالتعاطف باحتضانها الوجع المختزن في نفوسهن وبوقوفها الدائم إلى جانبهن.
وكأنّها جميع الأمهات...
من كل المناطق ومن كل الأوجاع، أتيْنَ مجللات بالحزن، وبالعزاء والفخر أيضًا. بينهن نساء لم يمض على استشهاد أبنائهن ما يكفي من الوقت لاستيعاب الخسارة، وأخريات طويْنَ سنوات طويلة يناجيْنَ صورة معلقة في صدر الدار. اختصرت إحداهن المشهد بعناقٍ مؤثر لقائد الجيش، بدت وهي تغمره وكأنّها جميع الأمهات، أرادت لجبال الوجع أن تصعد من قلبها دفعة واحدة وهي تقول:» الله يحميك يا ماما»...
إنّها أم الشهيد، «أم الوطن» كما قال العماد عون في كلمته المقتضبة معبرًا عن عظمة الشهادة، وتضحيات من لا يترددون في تقديم حياتهم فداء للوطن، ومؤكدًا أنّ المؤسسة التي تفتخر بشهدائها لن تتوانى عن الوفاء بالتزامها حيال عائلاتهم والوقوف إلى جانبها، التزام يستمر على مدى السنين.
مشاركة الفنانين في الاحتفال كانت أشبه بنسماتٍ لطيفة تنعش نفوسًا تكتوي بالنار. قدّم المشاركون عطر مشاعرهم لأمهات الوطن، وانحنوا أمام عظمة تضحياتهن، مؤكدين أنّها سر بقاء الوطن وعودته للنهوض.
قديسون يحرسون الوطن
«جايي إيام خير ع لبنان بإذن الله والفضل بعود لولادكن»، قال جورج خباز. وأكد: «بكرا رح منشوف ولادكن بعيون الأطفال وبعيون كل حدا ناجح وبعيون كل حدا فخور ببلدو، رح نشوف ولادكن بازدهار لبنان ورح منشوف ولادكن بالسلام اللي رح منعيشو، تذكّروا شو عم قلكن، ولادكن بالنسبة لإلنا قديسين عم يحرسوا هيدا الوطن. مش معقول هيدا الوطن يموت بوجود ولادكن بمطرح أسمى بكتير من هون، عيونن عهالوطن اللي حبوه حتى الشهادة».
خباز عبّر عن فخره لأنّه في يوم من الأيام كان في صفوف المؤسسة التي يؤمن أنّها «خلاصنا الوحيد»، وتحدث في قصيدة عن لبنان الحلم الذي يسكن في البال، لبنان الرسالة الذي رسم صورته عاصي الرحباني.
تحت جناحيها
وائل كفوري الذي أحببناه في أغنية «أنا رايح بكرة عالجيش» وأبكانا حين غنى لهذا الجيش خلال معركة نهر البارد، قال: «الإم قديسة فكيف إذا كانت إم شهيد؟ من هون بدي عيّدكن وقلكن إنتو إماتنا ونحنا ولادكون اللي منفتخر فيكن. ومتل ما الإم بتلّم، المؤسسة العسكرية هيي إم بتعرف كتير منيح كيف تجمعنا تحت جناحها. يطول بعمركون».
ولقائدنا بدي قلك: الله يحميك وربنا يضل مرافقك وتضلك «بالمجد معمّرها وبالعز مزنّرها».
«شي غيمة تقلّي»
«أنا بكيت وقت حكيوا معي، لإنو كتير بحب هالمؤسسة»... هذا ما بدأت به كلامها الممثلة ليليان نمري، صاحبة الحضور المحبب تحدثت عن عظمة الأم الحقيقية، الأم التي لا يمكن أن تقول «ما بقدر، ما فيي»، وتكون دائمًا جاهزة للعطاء. وهذه الأم هي التي عندما يأتي ابنها ويقول لها: يا إمي أنا بكرا رايح عالجيش، ما بتقلّو لأ، بتقلّو روح يا إمي والله يكون معك. روح والله يحميك وترفعلنا راسنا بالعالي». لكنها عادت لتكمل بكلماتٍ تقارب مشاعر الأم التي استشهد ابنها، وهي تناجيه:
«عم غسّل الوديان بهالدمعات، ببعتلك شي غيمة تقلي إنك هون، حتى عطرك يملّي كل الكون».
نحنا بالخدمة
للفنان القدير يوسف الخال سجل حافل بالمشاركة في مناسبات الجيش اللبناني، وفي هذه المناسبة كانت له إضافة إلى الفيديو الذي عرض في الاحتفال، كلمة اعتبر فيها «أنّ الشهيد إنسان كبير بالسما». وقال: «السبب اللي عم يخلينا نحنا نبقى بلبنان هوي إنتو قيادة الجيش، الجيش، الجيش هوي دولتنا، الجيش هوي اللي عم يحمينا. وإم الشهيد هيي أسمى صفة للإم».
وأضاف:»أنا تحديدًا ما عم هاجر كرمالكن، بركي بتشوفوا امتداد لولادكن من خلال هالشباب اللي عم يبقوا بلبنان. الله يرحم الشهدا والله يرحم العايشين بهالظرف. بشكركن ونحنا بالخدمة».
الأم السنبلة
الاحتفال بأمهات الشهداء كان تحت شعار «إنت الحياة»، وهذا الشعار جسدته سنبلة قمح أحد جانبَيها في مرحلة التفتتح، بينما الآخر في مرحلة اكتمال النضج. السنبلة والأم رمز العطاء. «تْنَيناتُن بيحملوا وبيتحمّلوا» يقول العقيد الركن جهاد مرعي رئيس جهاز الرعاية والشؤون الاجتماعية للعسكريين القدامى. ويوضح: «السنبلة بتحمل القمحة اللي بقلبها وبتنحني على تقلها، بتتحمّل الريح والهوا والشتي، لآخر شي تعطينا القمحة اللي بتصير خبز لكل الناس. وإم الشهيد، بتحمل ابنها، بتعطيه روحها، وبترجع بتقدمو للجيش. بيستشهد بيعطي للوطن أغلى ما عطيتوه ياه إمو: دمو وروحو، لحتى يحمي كل الناس... من هون كان شعار «إنت الحياة».
ويضيف العقيد مرعي: «نحن في الجيش نؤدي التحية للعلم وللسلطة الأعلى، لكن في عيدها، الأم هي بحد ذاتها العلم والسلطة الأعلى وبخاصةٍ إذا كانت أم شهيد، لذلك هي تستحق التحية العسكرية تقديرًا وإجلالًا لعطاءاتها وتضحياتها».
تتحدث غالية أبو نمري والدة الشهيد زياد محمد الماسي بلسان ابنها ولسان كل شهيد مخاطبًا أمه: «نفسي ضمّك يا إمي من بَعدِك ما حدا يلمني»... الوالدة تضم لوعتها إلى لوعة الأمهات الأخريات ليصبح احتمالها ممكننًا. وتلاقيها البعض منهن بكلماتٍ ملؤها العنفوان. فها هي والدة المعاون الشهيد حسين وهبي تعبّر عن شعورها بالقول: «حاسة بالقوة، حاسة إنو انشالله الجيش يضل كبير، يضل قوي. ابني استشهد بالجيش، وهيدا فخر وعز».