- En
- Fr
- عربي
وعادوا أبطالا
من ثكناتهم نحدثكم
فإليكم فصلاً من فصول الشرف والتضحية والوفاء
سقط آخر معاقل الإرهابيين.
سكتت المدافع، هدأ أزيز الرصاص، وانقشع الغبار. الإرهابيون مجموعات من القتلى وأخرى من الجرحى والمعتقلين. قلّة نجحت في الفرار يتم تعقبها. أنجز العسكريون مهمة بدت أقرب الى المستحيل منها الى الممكن، وعادوا الى ثكناتهم.
عادوا متوجين بانتصارهم، وإنما أيضاً مجلّلين بحزن كبير. فقدوا رفاقاً أحباء، قاسوا من الأهوال ما يصعب إدراكه أو تصوره.
ها هم اليوم في ثكناتهم، يفتقدون مَن لم يرجعوا. يقفون أمام صور الشهداء، يهيئون الأماكن للذين ما زالوا قيد العلاج في المستشفيات.
يحصون عتادهم والسلاح يتعهدونه بالعناية، يتدربون ويجدّدون قدراتهم.
زرناهم في ثكناتهم، باركنا لهم بالنصر، وقفنا معهم في أماكن فيها الكثير من الذكريات. استمعنا الى ما يقولونه عن المعركة، عن اللحظات العصيبة، واللحظات المتوجة بالنصر والفخر.
سألناهم عن كلفة هذا النصر الذي صنعوه باللحم الحي والدم الدافق، وسألناهم عن أهلهم وعائلاتهم وأيام القلق الطويلة، والحجج التي كانوا يبتكرونها لطمأنة الأحباء.
أنصتنا الى حكايات البطولة وهم يروونها بتواضع وخجل ويصنّفونها في خانة الواجب. أنصتنا وكانت دموعنا في مرات كثيرة تعبيراً عن مشاعرهم التي يرفض إباء العسكري البوح بها.
حاولنا استكشاف الدوافع والعناصر التي تصنع تماسكهم ووحدتهم وتحرك اندفاعهم واستعدادهم للبذل الى آخر نقطة دم. واكتشفنا في سلوكهم وتعابير وجوهم وقلة كلماتهم، ما معنى «أخوّة السلاح» وفداء الوطن.
في أعماقنا تساءلنا: «ترى هل يمكن أن تتسع السياسة لأخوة من نوع «أخوة السلاح»؟!
في البداية سألناهم عن الأسماء والرتب والقطع... وحاولنا التعرف الى مَن من بينهم أُصيب وعاد... كم بدت تافهة كل الأسئلة. قاتلوا من دون أسماء ورتب، شرف البزة العسكرية كان الإسم والرتبة، وفداء الوطن كان العنوان. أمّا الطريق فتضحية. تضحية لا تحتسب مقاديرها بإصابات ومرات...
كان من الأسهل أن نسأل «مَن منكم لم يُصب إلاّ مرة واحدة يا شباب: بعضهم عاد من المعركة وجراحه لم تلتئم بعد.
جميعهم عادوا الى المعركة، حتى الذين كانوا في أسرّتهم في المستشفيات، كانوا خزاناً من الشجاعة لرفاقهم. الشهداء من عليائهم كانوا في المعركة يواكبون الرفاق وهؤلاء من أجلهم، من أجل دمائهم يقاتلون ويستبسلون.
المغاوير، المجوقل، ومغاوير البحر، طليعة القوى التي خاضت معمودية النار، قصدناهم في ثكناتهم.
أمضينا بينهم ساعات، أنصتنا اليهم، وبأمانة نحاول أن ننقل حكاياتهم وانطباعاتهم وأحاسيسهم، لكنّ للأمانة حدوداً، هي حدود قدرة القلم على التعبير.