- En
- Fr
- عربي
مواسم وخيرات
عندما يدرك المزارعون أهميّة الرش الشتوي لأشجارهم وعرائشهم، وعندما يتقيّدون بإلزاميّة هذا الرش وضرورته، يمكن التخلّص من كمّ هائل من الآفات الزراعية التي تقلًّص اليوم إنتاج الفاكهة والعنب في لبنان إلى معدّل النصف، وفي بعض الحالات إلى القضاء عليه كلّيًا.
الآفات الزراعية
يصيب عدد كبيرمن الآفات الزراعية الأشجار المثمرة والعنب في لبنان، ما يؤدّي في بعض الحالات إلى تدهور كلي للانتاج. من هذه الآفات، دودة ثمار العنب وحشرة البق الدقيقي اللتان تفتكان بكروم العنب منذ سنوات، ومرض اللفحة النارية على التفّاح، وتجعّد أوراق الدرّاق، وتثقّب أوراق اللوزيّات، والعفن البنّي المنتشران على جميع أنواع اللوزيّات، (الدرّاق والخوخ والمشمش واللوز والجنارك والكرز) وغيرها من الأمراض والحشرات التي لا مجال لحصرها هنا. وعلى الرغم من انتشار بعضها في مختلف المناطق اللبنانية، واكتساب أكثريّتها خاصيَّة الوباء الذي بات يهدّد الزراعة اللبنانية بشكل عام، تدل الخبرة العمليّة على أن الغالبية من مزارعي الأشجار المثمرة والعنب في لبنان لا يستعملون الرش الشتوي، أو أنهم يستعملونه بشكل خاطىء أو ناقص. فللرش الشتوي أصول وشروط من الضروري التقيّد بها إن من حيث العمليّات الزراعيّة التي تسبق الرشّ، أو من حيث التوقيت وإختيار المبيدات ونسب تركيزها، أي عيار إستعمالها.
الخريف هو موسم التحضير للرشّ الشتوي
يدرك مزارعو الأشجار المثمرة والكرمة ذوي الخبرة أن التحضيرات للموسم الجديد تبدأ في الخريف بعد قطف المحصول، حيث تبدأ في البستان والكرم أعمال التنظيف، وهي جمع الأوراق المتساقطة على الأرض والثمار الجافة والمعلّقة على الأغصان (المصابة عادة بمرض العفن البني أو المونيليا)، وإزالة الأغصان القديمة واليابسة من تحت الأشجار وإخراجها من البستان والكرم وحرقها. فبذلك نقضي على نسبة كبيرة من مسبّبات الأمراض الزراعية. من بين العمليّات الزراعية التي تسبق الرش الشتوي نذكر أيضًا تنظيف جذوع الأشجار والأغصان الهيكليّة الأساسيّة بفرشاة معدنيّة بهدف تنظيف التجويفات والثغرات في القشرة من بيوض ويرقات مختلف الحشرات التي تعشعش فيها خلال فصل الشتاء، وفي حال بقاء كمّية كبيرة من الأوراق على الأغصان (في ظروف الخريف الدافىء كما هي عليه الحال في المناطق الساحلية والمناطق الجبلية في الآونة الأخيرة نتيجة تغيّر المناخ)، علينا أن نقوم بهزّ الشجرة حتّى يسقط ثلثاها على الأقل على الأرض قبل القيام بأي رش شتوي.
توقيت الرشّ الشتوي وخصائصه
يتمّ الرش الشتوي في مرحلة الثبات الشتوي أي السكون، ويستمر منذ لحظة التساقط الكلي للأوراق في الخريف وحتى مرحلة ما قبل تفتّح البراعم في الربيع القادم. وللإشارة، فإن أفضل نتائج الرش الشتوي في الظروف المناخية السائدة في المناطق الجبلية والداخلية للبنان يمكن الحصول عليها خلال شهري كانون الثاني وشباط بالنسبة إلى التفاحيّات والعنب، أمّا اللوزيّات فينبغي رشّها في فترة أبكر لأن براعمها تتفتّح باكرًا. أمّا في ما خصَّ ظروف الرش، فمن الضروري أن يتمّ في طقس جميل خالٍ من الرياح وأن لا تقل حرارة الهواء عن عشر درجات.
يعرف الرش الشتوي في الكثير من دول العالم باسم التغسيل الشتوي أو التحميم للأشجار والعرائش، وهذا يعني أن الرش يجب أن يكون غزيرًا وبضغط عال، حيث تغسل الأشجار والعرائش المقلّمة سابقًا قبل الرش، بشكل كثيف، وهذا يعني رشّها من جميع الجوانب بدءًا من قمّة تاجها ونزولًا إلى الأغصان ثم إلى الجذع والكعب بحيث يدخل المبيد ويتسرّب إلى جميع ثغرات القشرة.
هذا النوع من الرش هو ضروري لتنظيف جذوع أغصان الأشجار والعرائش وتطهيرها من الجراثيم الكونيديّة للأمراض الفطرية والبكتيريّة التي تتكوّن عليها فتنقلها الرياح والأمطار إلى قرب البراعم لتصاب بدورها بالمرض. كذلك فإن الرش ضروري للتخلُّص من بيوض ويرقات وبالغات الحشرات التي تختبئ في الشتاء في تجويفات الجذع والأغصان وتشققاتها وتحت القشرة.
إنّ غسل الشجرة بغزارة يعني استعمال كميّة كبيرة من محلول الماء يمكن تحديدها بوجه تقريبي على أساس عمر الشجرة بحيث يكون ليتر واحد لكل سنة من عمرها. فالشجرة التي عمرها عشر سنوات يلزمها عشرة ليترات من محلول الرش وتلك التي عمرها خمس عشرة سنة تحتاج إلى خمسة عشر ليترًا من الماء.
مبيدات الرشّ الشتوي ونسب تركيزها
تتكوّن أدوية الرش الشتوي من ثلاثة مقوّمات هي: الجنزارة والزيت المعدني ومبيد حشري. الجنزارة المتوافرة في السوق اللبنانية هي نوعان، الأول هيدروكسيد النحاس، والثاني أوكسي كلوريد النحاس وكلاهما معروفان باللون الأخضر المائل إلى الزرقة. والجنزارة مبيد فطري وقائي، غير جهازي، يؤثر باللمس على الفطريّات، وهذا يعني أنه يؤثر على القشرة الخارجية للنبتة من دون القدرة على التسرّب إلى أعضائها الداخلية. هذه الخاصية تحتّم استعمال الجنزارة بالعيار المحدّد لكل نوع من النبات ليشكّل طبقةً تغطي أجزاء الشجرة كلها بشكل متجانس بحيث تتلوّن بعد الرش بلون الجنزارة. ولا نبالغ إذا أكّدنا أن كل منطقة لا يغطّيها محلول الجنزارة هي بؤرة لإنبات الجراثيم الكونيدية للأمراض الفطرية والبكتيرية، لذلك فإن الشرط الأساسي لتأمين فعّالية كاملة للجنزارة هو التقيّد التام بالعيار المحدّد لها على كل نوع من النبات. كما ذكرنا، يوجد نوعان من الجنزارة هما:
• هيدروكسيد النحاس: يستعمل للرش الشتوي على التفاحيّات والعنب بنسبة 0.75% أي 750 غرامًا/100 ليتر ماء، وعلى اللوزيّات بنسبة 1% أي 1 كلغ/100 ليتر ماء.
• أوكسي كلوريد النحاس: يستعمل على التفّاحيات واللوزيّات والعنب بنسب تركيز تراوح بين 0.5 و0.7% أي 500-700 غرام/100 ليتر ماء وذلك حسب الأمراض التي يراد مكافحتها.
الكميات اللازمة لتوفير الحماية
إذا أردنا أن نستعمل الجنزارة لرش بستان تفّاح أو درّاق أو عنب أو أي نوع آخر من الفاكهة بمساحة 10-12 دونمًا مثلاً، يلزمنا صهريج رش سعة ثمانية براميل (1600 ليتر ماء)، وهذا يعني أن كمّية الجنزارة المطلوبة هي 12 كلغ. هذه الكمّية تفي بالغرض من إستعمال المبيد لأنها تستطيع أن تغطي جميع أجزاء النبات وعلى طول المساحة المرشوشة، إلاّ أننا، وللأسف، نلاحظ أن الغالبية العظمى من المزارعين لا تتقيّد بذلك بل تستعمل ربع الكمية (4 كلغ) أو نصفها (6 كلغ) على الأكثر، وهذا من الأخطاء الشائعة في الرش الشتوي التي يذهب ضحيّتها المزارع الذي يهدر ماله ووقته من دون أي جدوى.
• الزيت الشتوي المعدني: يحتوي على مادة فعّالة بنسبة 90%، ويستعمل على التفّاحيات بنسبة تركيز 4% أي 4 ليترات/100 ليتر ماء، وعلى اللوزيّات والعنب بنسبة تركيز 3% أي 3 ليترات/100 ليتر ماء.
إذا أردنا أن نضيف الزيت الشتوي إلى الجنزارة ونرشّ بالصهريج نفسه بستان درّاق أو كرم عنب (مساحة 10-12 دونمًا) فإن كميّة الزيت الشتوي التي نحتاج إليها هي 6 ليترات للبرميل الواحد أي 48 ليترًا للخزان. هذه الكمية ضرورية لكي تستطيع تكوين طبقة تغلّف جميع أجزاء النبات وعلى طول المساحة المرشوشة، لا سيّما أن الزيت المعدني يقطع الهواء عن الحشرات وبيضها ويسبّب إختناقها. لذلك، فإن أي تخفيض للكمية المذكورة يؤدي إلى عدم الجدوى من الرش الشتوي.
• المبيدات الحشرية: يتم عادة إختيار أحد المبيدات الفوسفورية التي تمتاز بفعّالية عالية طويلة الأمد وبتأثير خارجي لمسي على الحشرات أمثال، متيل باراتيون ومتيداتيون وديازينون بنسبة تركيز 0.2% أي بعيار200 ملل/100 ليتر ماء. هذا يعني أن الخزان سعة ثمانية براميل يتطلّب ثلاثة ليترات من المبيدات الحشرية المذكورة لرش بستان أو كرم عنب مساحة 10-12 دونمًا.
فوائد الرشّ الشتوي للتفاحيّات
يساعد الرش الشتوي على التخلّص من العديد من الأمراض الفطرية التي تصيب التفّاح والإجاص والسفرجل كالرمد والجرب والتبقّع وغيرها. كذلك يساعد على التخلّص من الأمراض البكتيرية كاللفحة النارية، ومن بيوض الأكاروز والمن الأخضر والبسيلا ودودة الثمار ومن التفّاح القطني وغيرها.
في ما يتعلَّق باللوزيات، يستعمل الرش الشتوي للتخلّص من عدد كبير من الأمراض الفطرية كتجعّد ورق الدرّاق والعفن البنّي والبياض الدقيقي والجرب، ومن الأمراض البكتيريّة كالتدرّن التاجي على الدرّاق والصدأ على المشمش والبقع الحمراء على الخوخ. كذلك يساعد الرش الشتوي في القضاء على الكثير من الحشرات وبيوضها كمنّ الدرّاق الأسود وثاقبة الأغصان والمنّ المدرّع وخنفساء قلف الأشجار ومنّ الكرز الأسود ودبّور وذبابة الكرز وغيرها.
يجدر بالإشارة أن عمليّة الرشّ الشتوي للوزيّات يجب أن تتم خلال فترة سكون العصارة وقبل انتفاخ البراعم بشهر تقريبًا، لأن كل تأخير بإمكانه أن يسبّب أضرارًا على البراعم المتفتّحة باكرًا.
كما بالنسبة إلى التفّاحيّات واللوزيّات، فللرشّ الشتوي حسنات جمّة على العنب أيضًا، إذ يساعد في القضاء على العديد من الأمراض الفطريّة والبكتيريّة كاللفحة والتبقّع الأسود والعفن البنّي والرمد والتدرّن السرطاني، وعلى الحشرات وبيوضها، أمثال دودة الهريان والبقّ الدقيقي والعنكبوت الأحمر والأكاروز وغيرها. لا بدّ هنا أيضًا من التذكير بضرورة القيام بجملة من العمليّات التقنيّة الزراعيّة قبل الرش الشتوي وهي التقليم وتقشير العرائش ولو مرّة كلّ عامين (الحشرات تقضي الشتاء تحتها وفي شقوقها)، وجمع الأوراق والأغصان اليابسة وإخراجها من الكرم وحرقها.