- En
- Fr
- عربي
إعادة النظر في أداء الحكومات وعلاقتها بالمواطن في عصر المعلومات
المقدّمة
بلغ الدين العالمي الإجمالي ٢٥٣ تريليون دولار في نهاية شهر أيلول ٢٠١٩، أي بمعدل يمثل ٣٢٢٪ من الناتج المحلي العالمي، وفقًا لمعهد التمويل الدولي[1]. وعلى الرغم من ارتفاعه إلى أعلى المستويات على الإطلاق، إلا أنه لا يزال يرتفع بشكلٍ حثيث، ما يشكل تهديدًا لأهداف التنمية المستدامة إذ تنفق الحكومات المزيد من الأموال على خدمة الديون مقابل تراجع الإنفاق على البنية التحتية، التعليم، الصحة، الأمن وغيرها من الخدمات العامة التي هي شرط مسبق لتحسين رفاهية الفرد والمجتمع ككل. ويقدّر أن ٤٣٪ من البلدان المنخفضة الدخل ستكون عرضة للوقوع في أزمات مالية خطيرة[2]. لكن ما الذي أدى إلى هذا الواقع؟
تدين الحكومات بهذا المال للأفراد والمؤسسات التي اقترضت منها لتحقيق أهداف معيّنة، وذلك عندما لم تعد الإيرادات العامة كافية لتغطية النفقات العامة، وعندما يرتفع الدين العام بشكلٍ أسرع من الناتج، تحاول الحكومات أن تتدخل أكثر في الاقتصاد وتفرض المزيد من الضرائب، كما تخفّض إنفاقها على الخدمات العامة، ما يؤدي إلى تراجع المستويات المعيشية للأفراد. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة United Nations، تصل قيمة الرشى إلى تريليون دولار أميركي في العام الواحد، فيما تصل قيمة المبالغ المسروقة بواسطة الفساد إلى ما يزيد عن تريليونَين ونصف دولار أميركي. وهذا مبلغ يساوي ٥٪ من الناتج المحلي العالمي[3].
وقد أدى هذا الواقع المتردي في العام ٢٠١٩ إلى احتجاجات واسعة في كل ركن من أركان العالم ضد سياسات الحكومات - من باريس إلى بيروت، ومن برلين إلى القاهرة، وفي هونغ كونغ، سيدني، طهران، بودابست، لندن، نيودلهي، مانيلا وغيرها من المدن حتى موسكو. كانت المحفزات لتلك الاحتجاجات متنوعة، ولكن أتت كإنذارٍ نهائي لحكوماتهم لتبني تغييرات جذرية في أدائها، وتقديم خدمات جديدة، وتحسين رفاهية المواطنين، مع خفض التكاليف المالية إلى أدنى حد - أو للتنحي. تزامن ارتفاع حدة الاحتجاجات مع انخفاض ملحوظ في إقبال الناخبين حول العالم، على الرغم من زيادة عدد الناخبين، وفقًا للمعهد الدولي للديموقراطية والمساعدة الانتخابية International Institute for Democracy and Electoral Assistance. وتشير البيانات إلى أن أي تراجع بسيط في ثقة المواطن في الانتخابات يُحدث فرقًا كبيرًا، والمواطنين الذين لا يصوتون في الانتخابات يصوتون بدلًا من ذلك بأقدامهم في الشوارع.
ولعل القاسم المشترك بين عدد كبير من الحكومات حول العالم هو معاناتها من عجز واسع في الموازنة العامة، وعدم قدرتها على الحصول على المزيد من الأموال، سواء من الضرائب أو من القروض الخارجية، لتحسين أو لمواكبة احتياجات مكوناتها من السلع والخدمات العامة التي هي ضرورية لتأمين رفاهية المواطن وثقته بحكومته، وبالتالي، المحافظة على استقرار النظام السياسي. إذًا، كيف يمكن للحكومة أن تقدّم أفضل السلع والخدمات العامة من دون إنفاق المزيد من المال؟ كيف يمكن للمؤسسات العامة في حقبة ثورة المعلومات أن تخدم مواطنين أكثر اعتمادًا على التكنولوجيا وتواكب حاجاتهم المتزايدة والمتنوعة من الخدمات العامة؟ كيف يمكن للقادة أن يتفاعلوا مع ناخبيهم في زمن القنوات الاجتماعية والرقمية؟ كيف يمكن للحكومات الاستفادة من الكم الهائل من البيانات التي يتم إنشاؤها يوميًا واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي واللوغاريتم ووسائل التواصل الاجتماعي لخدمة مكوناتها بشكلٍ أفضل وتقديم خدمات جديدة وتحقيق رفاهية المواطنين مع خفض التكاليف المالية إلى أدنى حد؟
القسم الأول: الاتجاهات الجديدة للحكومات والخدمات العامة
أولًا: القدرة التحويلية للابتكارات على إدارة المجتمع
إن أول ظهور للكتاب Papyrus كان في مصر، في القرن الثالث قبل الميلاد، استخدمه الرومانيون أيضًا لكن بعد فترة زمنية طويلة[4]. في ذلك الوقت كانت وظيفة الكتاب محصورة ببعض الأشخاص الذين يعرفون القراءة والكتابة حتى القرن الخامس عشر. وكانت تُستخدم لإعداد وثائق إدارية، وإبرام عقود تجارية، وغيرها من السجلات القانونية والعائلية والدينية في مصر. وكان يُعتقد في تلك الحقبة أن مكتبة الإسكندرية تحتوي على مجموع المعرفة البشرية.
في العام ١٤٥٥، ابتكر Johannes Gensfleisch أو Gütenberg وسيلة لتسريع عملية إنتاج الكتب. هو لم يخترع الطباعة، إنما وجد وسيلة لتسريع عملية الإنتاج[5]. تحسين بسيط، لكن ثوروي. وقام بطباعة أول كتاب وهو الإنجيل B42، وبأقل من خمس سنوات كان هناك ستة ملايين نسخة منه في أوروبا. بعد خمسين عامًا أصبح هناك حوالى عشرين مليون نسخة[6].
لكن أيضًا انتشرت مع الإنجيل عقائد منتقدة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. عزّز ابتكار Gütenberg قدرة الأفراد على قراءة الكتب بأنفسهم، بخاصةٍ الكتاب المقدس، بعد أن كانت تلك القوة محتكرة بيد الكنيسة. وقد أدى ذلك إلى اندلاع حرب الثلاثين عامًا في ألمانيا، التي قتلت حوالى ٣٠٪ من سكان وسط أوروبا، والتي نتج عنها بروز مبدأ الدولة في العام ١٦٤٨ على أنقاض الإقطاع الذي كان سائدًا في القرون الوسطى.
إن مفهوم الدولة لم ينشأ في أوروبا إلا في أواخر القرن الثامن عشر، فكانت حقبة انتقالية من مجتمعات إقطاعية إلى الدول المعاصرة، التي انتشرت مبادئها حول العالم بواسطة الاستعمار الأوروبي إلى حد كبير. وتجدر الإشارة إلى أن الطريقة التي صُممت بها مؤسسات الدولة في القرن الثامن عشر كانت مركزية، وكان التفاعل الوحيد بين السلطة المركزية والأفراد يقوم على التصويت فقط.
قبل أفول القرن الثامن عشر، هزت بريطانيا وشمال أميركا سلسلة جديدة من الابتكارات العلمية، أدت إلى تحولات سياسية عميقة طالت بنية أنظمتها السياسية والمجتمعات المرتبطة بها. كانت هذه أول ثورة صناعية مع تصميم الآلات التي تعمل على الفحم والبخار.
جعلت هذه الثورة الصناعية من الدول الأوروبية أكثر تعقيدًا وقوة. من الناحية الداخلية، نُقلت القوة مرة جديدة عموديًا. فعمليًا، انتقل الفرد من فئة تابع إلى فئة مواطن لأنه أصبح يساهم بالإنتاج الاقتصادي. وبما أن النمو الاقتصادي يعني مبدأ التخصص، اكتسب الفرد المزيد من الحريات المدنية، أهمها المشاركة السياسية. هكذا، إن الانتقال أو التغير في وسائل الإنتاج يؤدي بشكلٍ أو بآخر إلى تغيّر في سلوك الفرد سياسيًا، لأنه ينتقل من فئة تابع إلى فئة منتج فمشارك سياسيًا. ذلك يعني أمرًا آخر وهو تفجّر الثورات السياسية في شمال أميركا في العام ١٧٧٥ التي بدأت مكوناتها برفض دفع أي ضريبة ما لم يقترن ذلك بتمثيلٍ سياسي أي التصويت. وتتوجت ببروز الولايات المتحدة الأميركية كدولةٍ مستقلة، وامتدت الثورات إلى أوروبا بخاصةٍ في فرنسا في العام ١٧٨٩، التي أطاحت بنظامها السياسي القائم آنذاك لصالح نظام أكثر انفتاحًا على مشاركة الأفراد في السلطة.
بين نهاية القرن التاسع عشر والعقدَين الأولَين من القرن العشرين، أدى التقدم السريع في مجال الكهرباء وتوليد الطاقة إلى رفع القدرة على الإنتاج الضخم، فكان بروز الثورة الصناعية الثانية. إذ ساهمت الاختراقات في وسائل توزيع الكهرباء، الاتصالات السلكية واللاسلكية والمواصلات في نمو المدن، وانتشار المصانع ونمو الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ هائل. أصبحت حياة الناس تنظّمها الساعة بدلًا من الشمس. وشكّل ذلك تحولًا كبيرًا في مستوى حياة الأفراد[7]، والذي أصبحت وتيرته سريعة جدًا. يشير المؤرخون إلى أن هذه الحقبة قد انتهت قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وأعقبتها الثورة الصناعية الثالثة التي غيّرت فيها تكنولوجيا الاتصالات الرقمية والإنترنت طريقة نقل المعلومات والتفاعل مع بعضنا بعضًا.
كانت إحدى السمات المميزة والأكثر ديمومة للثورتَين الصناعيتَين الأولى والثانية هي نمو المدن. في مجتمع ما قبل الصناعة، كان أكثر من ٨٠٪ من الأفراد يعيشون في المناطق الريفية[8]. مع إنشاء المصانع وإنتاج الطاقة، انتقل الأفراد من الريف إلى المدن، فأصبحت المدن الصغيرة مدنًا كبيرة. بحلول العام ١٨٥٠، وللمرة الأولى في تاريخ العالم، بلغ عدد المقيمين في المدن البريطانية أكثر من المقيمين في المناطق الريفية. مع انتشار الصناعات حول العالم، استمر الأفراد بالتحضّر، بخاصةٍ طوال القرن التاسع عشر. وبدأ يترسخ مفهوم البيروقراطية والدولة الإدارية في إدارة مجتمعات كبيرة ومعقدة.
يعود ذلك إلى أن المدن الصناعية أصبحت مصادر ثروة اقتصادية للدولة. ما دفع بالدولة إلى إعادة النظر في كيفية التدخل لتنظيم التفاعلات داخل المدن، كإنشاء شبكات الصرف الصحي، الكهرباء، المياه والأمن وغيرها من المجالات لتحفيز نموها الاقتصادي. هكذا، شهد العالم شيئًا فشيئًا تغييرًا جذريًا في دور الدولة الذي أصبح أكثر تداخليًا في السياسات الاقتصادية العامة المؤثرة على تصحيح الاختلالات، لتحفيز دورات النمو الاقتصادية (ازدهار، انكماش، كساد)، والتدخل بطريقةٍ مباشرة وغير مباشرة في الأسواق المالية. فوجدت الحكومات نفسها في حاجة إلى زيادة الإنفاق العام لتحسين رفاهية المجتمع؛ وبسبب تدخّلها الكثيف، في فترات لم تكن قادرة على زيادة إيراداتها، لجأت إلى الاستدانة من الداخل والخارج لتغطية عجزها.
طوّر العلماء بعد منتصف القرن العشرين الأنظمة الرقمية والاتصالات، وعزّزوا قوة الحوسبة، مما أتاح طرقًا جديدة لتوليد المعلومات ومعالجتها ومشاركتها. وبدأ البحث باستخدام الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتمتة (automatisation) الإنتاج الاقتصادي. هكذا برزت الثورة الصناعية الثالثة التي جعلت العالم شيئًا فشيئًا أكثر سلكيًا، رقميًا ونوويًا. أصبحت الدول مرتبطة بشبكات سلكية متعددة المهام، كشبكات الإنترنت على سبيل المثال. هذه الثورة الرقمية رفعت القدرة على التفاعل بين الوحدات - الدول والأفراد - وضاعفت سرعتها ونوعيتها بشكلٍ كبير بينها. أصبحت الحكومات والمجتمعات والأفراد تعتمد بشكلٍ كثيف على التكنولوجيا في نشاطها اليومي. كما أصبحت إدارة البنى التحتية، الطاقة، التعليم، الصحة والاقتصاد تتم بواسطة أنظمة وشبكات تحكّم تكنولوجية، بخاصةٍ شبكات الإنترنت. في تلك الحقبة، نما الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ كبير، ومعه أنفقت الحكومات على السلع والخدمات لتحسين مستوى حياة الأفراد أكثر فأكثر.
مهدت الثورة الرقمية لثورةٍ صناعية رابعة في القرن الحادي والعشرين تُعرف بثورة تكنولوجيا المعلومات التي ستُحدث تغيرات جذرية - تختلف عن الثورات الصناعية السابقة جميعها. اليوم، هناك ما يكفي من المعلومات في العالم أضعاف ما يعتقد المؤرخون أنه تم تخزينه في مكتبة الإسكندرية. فإذا تم وضع معلومات اليوم على أقراص مضغوطة وتم تكديسها، يمكن مد خمسة أكوام منفصلة من الأقراص المضغوطة تصل جميعها إلى القمر[9].
هكذا، نقف اليوم على حافة ثورة تكنولوجية ستغيّر كل شيء، كالبيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وبشكلٍ نوعي الطريقة التي تعمل فيها الحكومات، والأساليب التي يعيش وفقها الأفراد ويتفاعلون مع بعضهم البعض. ولكن، خلافًا لما كان يحصل سابقًا، لم يعد الناتج المحلي الإجمالي يساهم في تحسين مستوى معيشة الأفراد. على الرغم من استمرار نمو الأول بشكلٍ مطرد، ظل الأخير متوقفًا عند حد معيّن. بات الجمود في مستوى المعيشة أو رفاهية الأفراد يهدد استقرار الأنظمة السياسية حول العالم. فكما نلاحظ، تزايدت الاضطرابات الداخلية في معظم الدول وبات التخوّف على مصير الديموقراطية حقيقيًا نتيجة تفشّي الفساد وتدنّي كمية الخدمات العامة ونوعيتها، بالإضافة إلى الشرخ الكبير بين الحكومة والمجتمع الذي لم يعد يؤمن بكفاءة أداء قرارات النخب الحاكمة وفعاليتها. لذلك، بدأت بعض الحكومات تبحث في كيفية الاستفادة من ثورة المعلومات لتحسين رفاهية مكوناتها من دون زيادة نفقاتها لإعادة الاستقرار الداخلي.
هذا الهدف من شأنه أن يؤدي إلى تحولَين مهمَين لم يشهدهما تاريخ البشرية من قبل: الأمر الأول، إعادة تشكيل الحكومة، ونمط إدارة الشأن العام، ومقاربتها للرفاهية والازدهار التي لن تعود حصرية أو تقليدية، إنما ستصبح متطورة وشاملة ومتكاملة من خلال استخدام أساليب جديدة في القياس وضم أصحاب مصلحة جدد، بخاصةٍ الأفراد في مسارات صنع القرارات وتنفيذها. الأمر الثاني، وهو إعادة تصميم الخدمات العامة، كالتعليم، الرعاية الصحية، التجارة وغيرها - تقريبًا جوانب حياة الأفراد جميعها - من أجل تحسين رفاهية المجتمع من دون زيادة النفقات العامة. من هنا، كيف أعادت الثورة الصناعية الرابعة، أي ثورة المعلومات، تشكيل الحكومة ومقاربتها للرفاهية؟ وما هي القيمة المضافة للبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي واللوغاريتم في تحسين الخدمات العامة والمستويات المعيشية للأفراد؟
ثانيًا: نحو مقاربة جديدة لمفهوم الرفاهية في عصر المعلومات
إن درجة التطور والابتكار التي شهدتها المجتمعات على الأصعدة السياسية، الاقتصادية،والأمنية، الاجتماعية، الثقافية والبيئية كافة أدت إلى تغيير في سلوك الأفراد، الذي انعكس بدوره على فحوى الرفاهية. فبحلول العام ٢٠٣٥، سيكون لدى العالم تريليون جهاز كمبيوتر متصلة بعضها ببعض، مدمجة في كل شيء بدءًا من تغليف المواد الغذائية، السجلات الطبية، الجسور، الطاقة، الأمن وحتى الملابس. ستقدّم هذه الابتكارات للدول العديد من الفوائد، وبشكلٍ خاص، ستحصل مكونات المجتمع - المستهلكون - ليس على المزيد من الرفاهية إنما على الرفاهية التي تبيّن البيانات الضخمة أنهم بحاجةٍ فعلًا إليها. ستكون للخدمات المحوسبة القدرة على القيام بوظائف لا يمكن للخدمات غير المحوسبة القيام بها. أهم هذه الوظائف هي تجميع المعلومات بشكلٍ ضخم وتحليلها لتحديد نمط سلوك الفرد ومعرفة حاجاته السياسية، الاقتصادية، الصحية، الاجتماعية، الثقافية، الأمنية والبيئية. وبناء على ذلك، يمكن للتعليم، الرعاية الصحية والحصول على معلومات حول الخدمات الأساسية أن يحسّن حياة الأفراد من خلال تقنيات ثورة المعلومات.
بينما أعاد الإنترنت تصميم طريقة تواصل البشرية، حوّلت البيانات الضخمة كيفية معالجة أو تحليل المجتمع للمعلومات. وبمرور الوقت، ستغيّر البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي طريقة تفكير الحكومات وسياستها العامة وطريقة تحديدها واستجابتها لحاجات مكوناتها. فتحليل الحكومات للبيانات الضخمة مستعينة بالذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى مقاربات مختلفة جذريًا في سياستها العامة لحاجات المجتمع ولجزءٍ كبير من جوانب حياة الأفراد[10]، الذين يرغبون الحصول على التجربة ذاتها في القطاع العام Citizen Experience كما في القطاع الخاص Customer Experience.
نتيجة لاستمرار تحويل جوانب حياة الأفراد كافة إلى بيانات، برزت فرصة استخدام هذه البيانات الضخمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء الحكومي. فمن خلال استخدام البيانات الضخمة، التي من المتوقع أن تصبح المؤسسات العامة أكثر اعتمادًا عليها، تستطيع الحكومات، عوضًا عن فرض ضرائب جديدة أو البحث عن قروض مالية لسد عجزها، أن تزيد قدرتها على تسخير المعلومات وتحليلها بطريقةٍ جديدة، من أجل إيجاد حلول خلاقة للتحديات المجتمعية الرئيسة وإنتاج سلع وتقديم خدمات ذات قيمة عالية بتكلفةٍ زهيدة. بالتالي، تصبح الحكومات قادرة على تحسين نوعية حياة المواطنين بطرقٍ مبتكرة من دون التحجج بعدم توفر الاعتمادات المالية اللازمة. أضف إلى ذلك، من المتوقع أن ترتفع نسبة سكان العالم الذين يعيشون في المناطق الحضرية من ٥٤٪ في العام ٢٠١٤ إلى ٦٦٪ بحلول العام ٢٠٥٠. فإذا أرادت حكومات هذه المدن الحفاظ على حيويتها والاستمرار باجتذاب المواطنين للعيش فيها والشركات للاستثمار فيها، ستحتاج هذه الحكومات إلى إعادة تصميم السلع والخدمات العامة للمحافظة على القدرة التنافسية مع المناطق الحضرية الأخرى في العالم.
من هنا، لم تعد الحكومات، التي تكافح لمواكبة احتياجات الأفراد وتلبية توقعاتهم المتزايدة، قادرة على الإنفاق بالأساليب نفسها من أجل تحسين مستوى حياتهم. إذ على الرغم من الحجم الكبير للإنفاق العام، الذي عادل ٣٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام ٢٠١٦، فإن الحكومات تكافح لمواكبة مطالب المواطنين - أو تلبية توقعاتهم المتغيرة. فإن رضا المواطنين عن خدمات الدولة الرئيسة[11]، مثل وسائل النقل العام، المدارس ومرافق الرعاية الصحية يتراجع عالميًا مقارنة برضاهم عن خدمات القطاع الخاص. هكذا، مع دخول العالم في حقبة جديدة تحكمها درجة الابتكارات والمعلومات، تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، قد حان الوقت لتحويل مقاربة الحكومة في عملها لتحسين مستوى الرفاهية لمكوناتها بشكلٍ ناجع، لأن بقاء الحكومات خارج مسار ثورة المعلومات سيصبح مكلفًا، ولن تستطيع تفعيل أدائها ورفعه في إنتاج السلع وتقديم الخدمات المتغيرة لمكوناتها.
يوفر الطب أحد الأمثلة الجيدة على أهمية ثورة المعلومات في تحويل عمل الحكومات. فحتى تاريخ كتابتنا لهذه الأسطر، تسعى الحكومات في أنحاء العالم لاحتواء الفيروس التاجي sars-CoV-2، من خلال تسخير أدوات تكنولوجية متقدمة جدًا، كبرامج التعرف على الوجوه Facial Recognition، الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وتحليلات البيانات الضخمة Big Data، لتتبّع المصابين ومعرفة العدد المحتمل للأشخاص الذين اتصلوا بالمريض المصاب قبل تطبيق بروتوكولات العزل عليهم جميعًا[12]. فعززت ثورة المعلومات أداء الحكومة التايوانية، في حماية مواطنيها ورعايتهم والذين يعمل ويعيش مئات الآلاف منهم في الصين، من الفيروس التاجي sars-CoV-2 من خلال استخدام الحكومة للبيانات الضخمة في عملها. إحدى أهم التدابير التي اتخذتها الحكومة هي تحليل البيانات الضخمة من خلال دمج قاعدة بيانات التأمين الصحي الوطنية مع قاعدة بيانات الهجرة والجمارك لمواطنيها، ما يساعد على تحديد عدد الأشخاص المصابين والأشخاص المحتمل إصابتهم بالفيروس التاجي. أيضًا، يساعد الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة الباحثين الذين يتدافعون لتطوير لقاح لهذا الفيروس الذي يهدد البشرية ويدفع الاقتصاد العالمي نحو الكساد. فعلى المدى المتوسط، من المحتمل أن يكون الدمار الاقتصادي أسوأ من الأزمة المالية للعام ٢٠٠٨. من هنا، إن هذه الأزمة ستؤدي إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا من قبل الحكومة لتحسين استجابتها، أحيانًا بشكلٍ مبكر، للتحديات المجتمعية من خلال مقارنة البيانات الضخمة، واستخدام الذكاء الاصطناعي لرؤية العلاقة بين عدد كبير من المؤشرات بفعاليةٍ أكبر، حتى عندما تظل الأسباب الكامنة غامضة.
بالنسبة إلى المجال الاقتصادي، في هذا العصر من الطلبات المتزايدة على الخدمات الحكومية وتحديات الموازنة في أنحاء العالم كافة، يلوّح عدد قليل من الفرص المالية كي تستطيع الحكومات تغطية الهدر المالي. يعطي توظيف الذكاء الاصطناعي الحكومات القدرة على تحسين الأداء الإنتاجي للخدمات، ويقلل من الأخطاء والخسائر المالية الناشئة عن الاحتيال والهدر وسوء استخدام المال العام. على سبيل المثال، تقوم الحكومة الأميركية كل عام بدفع أكثر من ١٤٠ مليار دولار أميركي كدفعاتٍ مخالفة للأصول - ينتج عن ٤٠٪ منها خسارة مالية للحكومة[13]. وكذلك يتم فقدان ما يقارب ٢٠٪ من الإيرادات الحكومية أو حوالى ٥ تريليون دولار أميركي في كل عام في أنحاء العالم كافة، فإما هذه الأموال لم تدفع أبدًا أو تم دفعها بشكلٍ خاطئ[14].
لا شك في أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يساعد في سد التسربات في الأداء الحكومي من خلال توفير البيانات الضخمة والتحليلات المتقدمة للحكومات. مثلًا، أنشأت الإدارة المالية في بعض الولايات الأميركية وحدة جديدة لدمج مجموعات البيانات من الضرائب، الجمارك، سجلات الأعمال التجارية بالإضافة إلى البيانات الخارجية من القطاع المصرفي، لاستهداف الاحتيال وعدم الامتثال للقوانين المالية. دمج الفريق بسرعةٍ كبيرة البيانات والتحليلات الجديدة لتحديد أنماط الإقرارات الجمركية والمدفوعات الضريبية المشبوهة. في غضون أسابيع، حدد الفريق فجوات الإيرادات التي كانت ستستغرق سابقًا سنوات للكشف عنها. بناء على ذلك، اتخذت الحكومة الإجراءات الضرورية لزيادة إيراداتها والحدّ من التهرب الضريبي[15]. علمًا أن تحسين تحصيل الإيرادات بنسبة ١٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي يقضي على أكثر من ثلث العجز في الموازنة[16]، وذلك وفقًا لما تظهره دراسة لمعهد مكنزي العالمي McKinsey Global Institute.
وبناء على الدروس المستقاة من الحكومات التي بدأت باستخدام تقنيات البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي وغيره من تقنيات ثورة المعلومات، ستتمكن الحكومات عالميًا من توفير ٣٫٥ تريليون دولار أميركي بحلول العام ٢٠٢١، والقضاء على العجز المالي المستمر وإطلاق الموارد التي يمكن إعادة تخصيصها لتحسين جودة الخدمات الرئيسة مثل الرعاية الصحية، المدارس، الجامعات، الشرطة والنقل. وبفضل تجارب المواطنين المحسنة في القطاع العام، سترتفع مستويات الثقة في أداء الحكومات حول العالم[17]. ولكن، هل هناك أدوار أخرى يمكن أن تقودها التقنيات الحديثة على مستوى الحكومة والمواطن؟
القسم الثاني: ثورة المعلومات تضع الحكومة والمواطن في قلب التحولات السياسية
أولًا: دور البيانات الضخمة في صنع سياسات ناجعة وتعزيز إنتاجية الحكومة
تتعرض الحكومات في أجزاء كثيرة من العالم لضغوطٍ متزايدة لزيادة إنتاجيتها، أي أن تنتج المزيد من الخدمات بأقل كلفة ممكنة. وفي أعقاب الركود الاقتصادي العالمي الأخير، تواجه العديد من الحكومات الحاجة إلى الاستمرار في تقديم مستوى عال من الخدمات العامة في وقت يعاني من قيود كبيرة في الميزانية، لأنها تسعى إلى تقليل عجز الموازنة الضخم ومستويات الديون الوطنية التي تراكمت عندما أنفقت المال العام بشكلٍ كبير لتحفيز النمو. بالإضافة إلى ضغوط خفض مستويات الديون، تواجه العديد من البلدان قيودًا متوسطة إلى طويلة الأجل في الموازنة بسبب شيخوخة السكان، التغير المناخي والأوبئة التي ستزيد بشكلٍ كبير من الطلب على الخدمات الطبية، الاجتماعية والاقتصادية. تحتاج الحكومات إلى التعامل مع هذه الضغوطات المالية المتزايدة من خلال تحقيق تغيير تدريجي في إنتاجيتها[18].
يزداد وعي الحكومات بالقيمة الاقتصادية التي يمكن اكتسابها في القطاع العام من خلال استخدام البيانات الضخمة، إذ تقوم الحكومات بتوليد كميات هائلة من البيانات وجمعها من خلال أنشطتها اليومية، مثل إدارة المعاشات التقاعدية والبدلات، الأنظمة الصحية الوطنية، تحصيل الضرائب، تسجيل بيانات حركة المرور وإصدار الوثائق الرسمية. كيف يمكن للبيانات الضخمة أن تساعد القطاع العام على رفع مستوى إنتاجيته؟
إن استمرار انتشار الحوسبة في الخدمات العامة كافة، سيوفر للدولة كمية هائلة من البيانات حول سلوك الأفراد التي كانت في السابق موضع تساؤل. فالدولة هي المصدر الأكبر للبيانات الذي لا مثيل له. إن جمع البيانات يمكّنها من تقديم الخدمات العامة بشكلٍ ناجع، والتمكن من تنبؤ نوع الخدمات التي ستحتاجها مكوناتها مستقبلًا، وبالتالي، وضعها في برامجها وسياستها العامة[19]، عوضًا عن هدر المال العام على تجهيز خدمات غير مجدية وتقديمها، أو قد لا تقع ضمن أولويات المجتمع المؤتمنة على حسن إدارة شؤونه وتلبية حاجاته المتغيرة. هذا الأمر يرتبط بقدرتها على جمع البيانات، تنظيمها ودراستها. فما هي البيانات الضخمة؟ وكيف يمكنها أن تساعد الحكومات على ترشيد نفقاتها على الخدمات العامة؟
يعرّف معهد مكنزي العالمي McKinsey Global Institute في العام ٢٠١١ البيانات الضخمة بأنها أي مجموعة من البيانات التي هي بحجمٍ يفوق قدرة معالجتها باستخدام أدوات قواعد البيانات التقليدية من التقاط، مشاركة ونقل، تخزين، وإدارة وتحليل في غضون فترة زمنية مقبولة لتلك البيانات؛ ومن وجهة نظر مقدّمي الخدمات، هي الأدوات والعمليات التي تحتاجها المنظمات للتعامل مع كمية كبيرة من البيانات لغرض التحليل. الطرفان اتفقا على أنها بيانات هائلة لا يمكن معالجتها بالطرق التقليدية في ظل تلك القيود المذكورة آنفًا.
يشير البنك الدولي World Bank إلى مصطلح البيانات الضخمة لوصف النمو المطرد للبيانات، بخاصةٍ البيانات المتدفقة من الهواتف المحمولة في كل مكان، الأقمار الصناعية، أجهزة الاستشعار الأرضية، المركبات ووسائل التواصل الاجتماعي. كما يشرح صعود تقنيات الحوسبة واللوغاريتم Algorithm التي تستفيد من البيانات الضخمة للحصول على أفكار قيمة. في القطاع العام، تشير البيانات الضخمة عادة إلى استخدام مصادر البيانات غير التقليدية وابتكار البيانات لجعل الحلول الحكومية أكثر استجابة وفعالية[20].
يزداد حجم البيانات بشكلٍ مطرد على المستوى العالمي. أُنتجت ٩٠٪ من البيانات في العالم في السنتَين الماضيَتين، ويُتوقّع أن تزيد بمقدار ٤٠٪ سنويًا. والجزء الأكبر من تلك البيانات هي ما يمكن أن يُسمى عوادم البيانات، وهي البيانات التي تُجمع من حصيلة التفاعلات اليومية مع المنتجات والخدمات الرقمية، بما في ذلك الهواتف الخلوية، بطاقات الائتمان ومنصات التواصل الاجتماعي. ويُعرف هذا الطوفان من البيانات بـالبيانات الضخمة[21].
يوميًا، يتبادل الأفراد في كل أنحاء العالم معلومات تعد بمئات آلاف الملايين وبعشرات اللغات. تلك المحادثات تحتوي على معلومات آنية بشأن عدد كبير من القضايا، مثل كلفة الغذاء، الوظائف، إمكانية الحصول على الرعاية الطبية، جودة التعليم والتقارير بشأن الكوارث الطبيعية. تتيح إمكانية تحويل البيانات الضخمة إلى معلومات قابلة للاستخدام فرصة للحكومات لمساعدة مكوناتها في كل أنحاء الدولة.
أصبحت البيانات الضخمة هي شريان الحياة لعملية اتخاذ القرارات، في القطاعَين العام والخاص، كما أنها المادة الخام لعملية المساءلة. ففي القطاع العام اليوم، غدا تحليل البيانات الضخمة أمرًا أساسيًا من أجل تنميط المواطن وقولبة الخدمات لتناسب حاجاته، بخاصةٍ الفئات الضعيفة، فضلًا عن استخدام التحليل التنبؤي في تحديد حاجات الأفراد المستقبلية. ويمكن للمصادر الجديدة للبيانات، التكنولوجيات الجديدة والنُهج التحليلية الجديدة أن تجعل من مسار اتخاذ القرارات العامة القائمة على وقائع مسألة أكثر كفاءة ومرونة، فضلًا عن إمكانية تحسين قياس نوعية الخدمات بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة.
يمكن أن تولّد البيانات الضخمة فوائد اقتصادية للدولة في قطاعاتها العامة كافة. مثلًا، إذا كانت الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية تستخدم البيانات الضخمة بشكلٍ إبداعي وفعال لزيادة الكفاءة والجودة، فإن هذا القطاع يمكن أن يخلق قيمة اقتصادية تزيد عن ٣٠٠ مليار دولار أميركي كل عام. ويكون ثلثا هذا الرقم في شكل تخفيض الإنفاق على الرعاية الصحية بنحو ٨٪[22]. في أوروبا، يمكن للمسؤولين الحكوميين توفير أكثر من ١٠٠ مليار يورو في تحسين الكفاءة التشغيلية وحدها من خلال استخدام البيانات الضخمة، من دون ذكر الوفر الإضافي الذي سيحصل من خلال الحد من الاحتيال، الهدر والأخطاء وتعزيز تحصيل الإيرادات الضريبية. وتقدّر القيمة السنوية لاستخدام البيانات الضخمة في مجال إدارة القطاع العام في أوروبا بـ ٢٥٠ مليار يورو أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لليونان[23].
كما تعمل تقنيات البيانات الضخمة على مسارات لكشف الاحتيال، التواطؤ وتبييض الأموال من خلال تحليل بيانات المشتريات والمعلومات المالية. يتم استخدام اللوغاريتم Algorithm للتسلّل إلى سجلات المشتريات، الفواتير، المعلومات المصرفية، شهادات المنشأ وغيرها من البيانات لتحديد مكامن الاحتيال، التواطؤ والشركات الوهمية. يعد استخدام لوغاريتم Algorithm البيانات الضخمة فرصة مهمة لكشف مكامن الاحتيال وعدم الامتثال والاختناقات المالية في العمليات الحكومية.
يمكن للبيانات الضخمة أن تؤدي دورًا مشابهًا في البلدان والمناطق الأخرى أيضًا، بخاصةٍ تلك التي تواجه العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وأن يحقق استخدامها فوائد عديدة في ثلاثة مجالات رئيسة في القطاع العام، ويساهم في تخفيف الضغوطات على المالية العامة:
أولاً، ترفع البيانات الضخمة من الشفافية في القطاع العام، بخاصةٍ فيما يتعلق بالخدمات العامة. إن إتاحة إمكانية الوصول إلى المعلومات لأصحاب القرار أو المصلحة والأفراد في الوقت المناسب، يُحسّن مستوى السياسات العامة أو اتخاذ القرارات، ويساعد في تصميم وابتكار خدمات عامة أكثر كفاءة، فعالية، دقة وجودة قادرة على الإجابة على قضايا المجتمع بشكلٍ مستدام ومتزامن.
ثانياً، عندما تقوم الحكومات بإنشاء المزيد من بيانات المعاملات في شكل رقمي وجمعها، يمكنها جمع معلومات أكثر دقة وتفصيلًا عن كل شيء كالإيرادات، النفقات ومستوى الخدمات العامة بالإضافة إلى مؤشرات اقتصادية جديدة، كما يمكنها تجزئة فوائدها وخصائص مجتمعها أو تصنيفها لتحديد الإجراءات الناجعة التي يجب اتخاذها، والخدمات ذات الاحتياج الخاص التي يجب توفيرها. كذلك، يمكنها تحليل البيانات الضخمة من أجل الكشف عن التباين وتحسين أداء مؤسساتها. فيمكن للوغاريتم Algorithm أن يحلل البيانات الضخمة من مجموعة متنوعة من المصادر، ليحدد التناقضات، الأخطاء وعمليات الاحتيال، مثلًا، في جباية الضرائب أو تقديم الخدمات.
ثالثًا، تتيح التطورات في مجال معالجة البيانات الضخمة تقديم تحليلات متقدمة، من شأنها تعزيز قدرة الحكومات على كشف الحجم الحقيقي للهدر، فضلًا عن مكامن الغش، الاحتيال المالي وسوء إدارة المال العام. أيضًا، يمكنها استخدام تحليلات البيانات الضخمة في تصحيح خدماتها أو تقديم خدمات جديدة تمامًا لتحقيق التأثير المنشود، بناء على ما تعلمته من أداء هذه الخدمات في السابق.
ستصبح البيانات الضخمة ركيزة أساسية للمنافسة بمستوى الرفاهية بين الدول، مما يدفع الحكومات للاعتماد على البيانات الضخمة في تدخلاتها، لوضع سياسات عامة ناجعة ترفع كفاءة إنفاقها على السلع والخدمات، وتُحسّن رفاهية مجتمعها. ولكن، هل ما يضمن الشفافية في الإنفاق العام هو امتلاك الدولة للمعلومات وقدرتها على تحليلها وتنويع الخيارات المتاحة في مشترياتها؟ أم تعزيز قدرة الأفراد على المشاركة والتعاون في تحديد خيارات الحكومة في مشترياتها - الإنفاق العام - ومساءلتها؟ عمليًا، كيف يمكن أن يحصل ذلك؟
ثانيًا: الحكومة المفتوحة: تعميق تعاون المواطن في صنع السياسات العامة وتنفيذها
إن هدف الحكومات هو توجيه تدفّق أمرَين أساسيَين: القيم والخبرات من وإلى الحكومة، من وإلى المواطنين، إلى أن يتم صنع القرارات. لكن، كما رأينا في الفقرة الأولى، إن الطريقة التي صُممت بها المؤسسات الحكومية ما زالت تغلب عليها سمات مؤسسات القرن الثامن عشر؛ أي لا تزال تتسم بالمركزية وتقتصر علاقاتها مع المواطن في فترة الانتخابات فقط. إن هذا النموذج للحكومات لا يمكن أن يصمد في حقبة ثورة المعلومات، البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والأتمتة، التي تحلل سلوك الأفراد وتحدد حاجاتهم، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الاجتماعية، التي يعبّرون بها عن قيمهم وخبراتهم.
في الآونة الأخيرة، مع انتشار استخدام المواطنين لقنوات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم وشغفهم بكل شيء من المنتجات الاستهلاكية إلى الخدمات العامة إلى المناقشات السياسية، بدأت بعض الحكومات في بناء نظام تجربة المواطن Citizen Experience في القطاع العام، الذي يشبه نظام تجربة المستهلك Customer Experience/CX في القطاع الخاص، لتعزيز الثقة والتفاعل بين الحكومة والمواطنين وتمكينهم من إدارة طلبات الخدمة بشكلٍ أفضل. كذلك، ارتأت بعض الحكومات استخدام تحليلات البيانات الضخمة التي تحصدها عن قنوات التواصل الاجتماعي لتحسين أداء المؤسسات الحكومية، وتمكين الحكومة من اتخاذ قرارات أفضل، وتحسين تجربة المواطنين مع القطاع العام وتعزيز ثقتهم به.
يؤدي تعاون المواطنين ومشاركتهم في تشكيل السياسات العامة وتحديد خيارات الحكومة دورًا أساسيًا في تحسين تقديم السلع والخدمات العامة، ضمان المساءلة والشفافية في الإنفاق العام أي المشتريات العامة، وذلك عبر وضع التقنيات المعلوماتية الضرورية لترجمة أفكار المواطنين إلى أفعال ملموسة. هنا تؤدي تحليلات البيانات الضخمة دورًا كبيرًا في ترجمة هذا التفاعل بين المواطن والحكومة بشكلٍ أكثر ذكاء وأكثر استهدافًا واستجابة لحاجاته.
كانت التجربة الأولى في هذا المجال في أواخر القرن العشرين مع مسألة تطوير الحكومة الإلكترونية Electronic Government/E-Government التي أصبحت ظاهرة عالمية. حاولت الحكومات تحويل الطريقة التي تعمل بها مؤسساتها، لجعلها أكثر تواصلًا مع المواطن وفعالية من حيث التكلفة والكفاءة في تقديم السلع والخدمات العامة. وفي ذات الاتجاه، عملت الحكومة الإلكترونية على أتمتة وظائف الحكومة من خلال تطبيق أنظمة تكنولوجيا المعلومات ذات الصلة في الهيئات العامة جميعها. وقد تمثلت سياسة الحكومة الإلكترونية في زيادة الفعالية، الكفاءة،جودة المعلومات، تحسين آليات التفاعل بين الحكومة والمواطن وتحسين الخدمات العامة.
يتفق ذلك مع افتراض Scholl بأن الحكومة الإلكترونية هي إعادة تعريف لإدارة المعلومات في الحكومة مع تأثير مؤسسي قوي. مما يعني أيضًا تغيير طريقة تقديم الحكومات الخدمات للمواطنين [..]. وبالتالي، فإن الحكومة الإلكترونية ذات طبيعة تحويلية، وتؤثّر على إدارة الموارد والعمليات البشرية، التكنولوجية والتنظيمية [24]. كذلك، يعتبر Nordfors وEricson وLindell أن الحكومة الإلكترونية تعني استخدام التقنيات القائمة على الشبكة العالميـة لنشـر المعلومـات على المواطنيـن [...]. وفقًـا لـ De Ferranti، تشير الشفافية إلى تسهيل تدفّق المعلومات الموثوقة وذات الصلة للجمهور وزيادتها بشكلٍ شامل، واضح وبجودةٍ عالية فيما يتعلق بالأنشطة الحكومية"[25]. وساد الاعتقاد بأن الحكومة الإلكترونية هي المفتاح أو الأداة لحل العديد من القضايا كمكافحة الفساد والوقاية منه[26]. بناء على الاستخدام الفعال لأدوات تكنولوجيا المعلومات والتواصل، يعترف بعض الباحثين أن الحكومة الإلكترونية هي أداة فعالة لمكافحة الفساد والرشاوى، وتؤدي إلى مستويات أعلى من الشفافية[27]. كما ذهب البعض لاعتبار أن توفير البيانات والمعلومات، وإمكانية الوصول إليها ونشرها فيما يتعلق بالأنشطة الحكومية والأنشطة المختلفة، تؤدي إلى تحسين المشاركة العامة وأداء الحكومة.
ولكن، إن نشر المعلومات على المواطنين وحدهم لا يغيّر الطريقة التي تعمل بها الحكومة. كما لا يتيح نشر المعلومات لأي كان القيام بأي تغيير في حياته أو حياة الآخرين، ولا يعالج تراجع مستوى الخدمات العامة، وأبعد من ذلك، لا يستطيع تغيير طريقة عمل الحكومة. عمليًا، ما يؤدي إليه نشر المعلومات هو خلق ديناميكية نزاعية عامودية بين المجتمع المدني والحكومة من أجل السيطرة على المعلومات وحيازتها فقط لا غير. أضف إلى ذلك، إن نشر المعلومات في سبيل تعزيز الشفافية، بحدّ ذاته، لا يقلل من إمكانية سوء إدارة المال العام، وكما تظهر التجارب في عدد من الدول أن نشر المعلومات لم يؤدّ إلى مساءلة حقيقية، وبالتالي، لم يؤدّ إلى تحسين أداء الحكومة أو مستوى الرفاهية في المجتمع. من هنا، لم يعد بالإمكان الاعتماد فقط على توفير المعلومات أو البيانات للمواطنين أو حتى التواصل معهم من أجل تحسين أداء المؤسسات الحكومية.
أتت التجربة الثانية، في بداية القرن الحادي والعشرين، لتُكمل ما نقص في مفهوم الحكومة الإلكترونية، وتفعّل دور المواطن في تحديد توجّه الحكومة في صنع السياسات العامة. يُعرف هذا المفهوم بالحكومة المفتوحة Open Government، وتقوم على مبادئ حيوية ثلاثة هي: الشفافية، المشاركة والتعاون. تهدف الحكومة المفتوحة إلى تضييق الفجوة بين المواطن والحكومة، من خلال العمل على تحسين مستوى تقديم البيانات وتحليلاتها للمواطنين للتمكن من اتخاذ القرار الأمثل في تحديد نوع الخدمات التي هم فعليًا بحاجةٍ إليها، كما تساعد الحكومة المفتوحة المواطنين على مشاركة قادتهم في اتخاذ قرارات ناجعة بشأن السياسات العامة. ويمكن نشر البيانات الحكومية وتحليلاتها جميعها، طالما أنها لا تتعارض مع قيود الأمن القومي أو الخصوصية الفردية[28].
إن المعلومات أو البيانات ضرورية ليتمكن المواطن من تحديد توجهاته، والمشاركة بكفاءةٍ في صنع القرار. وفقًا لـ Lathrop و Ruma، إن الحكومة المفتوحة هي الحكومة إذ لا يتمكن المواطنون فقط من الوصول إلى المعلومات، الوثائق، البيانات والقرارات، ولكن يمكنهم أيضًا أن يصبحوا مشاركين بطريقةٍ ذات معنى[29]، ولأن معالجة مجموعة من البيانات الضخمة، حتى وإن كانت منظمة، هو أمر مرهق على الأفراد، مما يعني أن نشر المعلومات لا يؤدي حكمًا إلى الشفافية أو تحسين في أداء الحكومة. لذلك، تقوم فكرة الحكومة المفتوحة، مدعومة بالتكنولوجيات الجديدة، على تحليل البيانات الضخمة وصياغة تقارير مناسبة عن نشاطات الحكومة لتمكين المواطن من تتبّع قراراتها، فحصها، انتقادها ومحاسبة نتائجها في الوقت المناسب[30].
تشترك كلتا الحكومتين - الإلكترونية والمفتوحة - في العديد من الأهداف والخصائص المتشابهة، وأهمها أنهما يسعيان لجعل الحكومة أكثر شفافية، ومع ذلك، فهي ليست مترادفة. إنها مسارات مختلفة متداخلة المراحل في نمو تدريجي نحو الديموقراطية الإلكترونية Electronic Democracy . إن الحكومة المفتوحة مزودة بأفكارٍ مبتكرة لزيادة تفاعل المواطن مع حكومته، من أجل تفعيل المساءلة مع التركيز على الشفافية، المشاركة والتعاون بينهما[31]. بينما تقف الحكومة الإلكترونية عند تقديم الخدمات ونشر المعلومات، تسير الحكومة المفتوحة نحو مشاركة المعلومات مع المواطن والتعاون معه في اتخاذ القرارات وتصميم الخدمات العامة، أي مشاركة المواطنين لأفكارهم وخبراتهم مع الحكومة، والتعاون عبر استخدام التكنولوجيا والتقنيات الجديدة، لتطوير السياسات العامة وتحسين السلع والخدمات ومستوى رفاهية المجتمع[32].
تقوم الحكومة المفتوحة على قيم وقواعد الشفافية، المشاركة والتعاون، وترسّخها في أداء الدولة، وتدفع جهازها التنفيذي للعمل مع المواطن. فالهدف من الحكومة المفتوحة هو إتاحة المعلومات ومسارات صنع القرار في المؤسسات الحكومية لمعاينة المواطنين وإسهاماتهم؛ أي فتح مسارات صنع القرار التي كانت داخلية في السابق للمشاركة العامة، والتعاون مع المواطنين الذين هم على بيّنة واطلاع بالبيانات الحكومية Government Data مما يزيد ثقة المواطن في حكومته، ويغيّر بشكلٍ كبير العلاقة بين المواطنين وقادتهم.
تعبّر المشاركة عن تواصل بين الحكومة ومواطنيها. وأوضح Gatautis أن المشاركة الإلكترونية مهمة لتمكين المواطنين من القيام بدورٍ فعال في مسار صنع القرار في الحكومة لمساعدة واضعي السياسات على الوصول إلى قرارات أكثر استنارة[33]. إن الحكومات التي تصمم قنوات تكنولوجية فعالة للاستفادة من طاقة مواطنيها، وللاستماع إلى ملاحظاتهم وأولوياتهم حول الخدمات والخطط الحكومية، ستقوم بتصميم خدمات أكثر استجابة لاهتمامات الناس الحقيقية. إحدى أوجه مشاركة المواطن في الحكومة المفتوحة قد تقوم على تحديد الأولويات. على سبيل المثال، إن مشاركة المواطنين في وضع الموازنة، أي ما يعرف بـالموازنة التشاركية في ١٠٠ مدينة من المدن البرازيلية الكبرى، أتاح لهم أن ينقلوا قيمهم وخبراتهم للحكومات المحلية حول أولويات الإنفاق. كان لمشاركة المواطنين في تحديد الأولويات أثر عميق على مستوى رفاهية المجتمع. لقد أنفقت الحكومات المحلية البرازيلية التي اعتمدت الموازنة التشاركية أكثر من نظيراتها على التعليم والصرف الصحي، وشهدت انخفاضات فوق المعدل في وفيات الرضع، وهي قضية لها صدى حقيقي لدى المواطنين. لذا يمكننا أن نستنتج أن انفتاح الحكومة أمر حيوي لتحسين مستوى الرفاهية في المجتمع.
إن التعاون هو المستوى الأعلى من التواصل؛ إنه يعني التفاعل أو المشاركة الحقيقية للمواطنين مع الحكومة الوطنية والحكومات المحلية لتحقيق هدف مشترك، أي أن ترمي الحكومة إلى تحقيق هدف معيّن ولكن بمساعدة مواطنيها، تمامًا مثل المشاركة، يمكن أن يعزز التعاون فعالية الحكومات. يدعو التعاون مختلف قطاعات المجتمع للعمل معًا، مع الاعتراف بأن المواطنين يمتلكون معلومات تكميلية يمكن استخدامها لحل قضايا المجتمع. يأتي التعاون كشكلٍ معاصر للديموقراطية التشاركية، يجمع الأفراد ذوي الخبرة مع صناع القرار الحكوميين لإيجاد الحلول التي سيتم تنفيذها.
ولكن، إن التعاون لا يعني المشاركة. فالمشاركة تتمحور حول التواصل وتقديم الملاحظات. بينما ينطوي التعاون على العمل معًا بين أشخاص مختلفين في بيئات مختلفة وفي المستويات جميعها لتحقيق هدف مشترك[34]. إذًا، إن التعاون هو مستوى أعلى من المشاركة، فعوضًا من أن يعبّر المواطنون عن آرائهم حول تجاربهم مع بعض السلع والخدمات فقط، يقوم التعاون على إشراك المواطنين في تصميم السلع والخدمات وأحيانًا في تقديمها أيضًا. ويؤدي هذا التحوّل في عمل الحكومات إلى تعزيز الإنتاجية الحكومية ومضاعفة ثقة المواطن ورضاه عن حكومته وعن الخدمات العامة.
الخاتمة
توضح الحلول الواردة في هذه الدراسة كيف يمكن للبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي واللوغاريتم معالجة الاحتيال والفساد، تحقيق وفورات مالية، تحسين أداء الحكومة في صنع السياسات وكفاءة القطاع العام في تقديم الخدمات العامة، مما يجعل الحكومة أكثر ذكاء، وأكثر مساءلة وأكثر استجابة لاحتياجات المواطنين. ولا تؤدي هذه التقنيات إلى زيادة كفاءة الحكومة فحسب، بل تميل أيضًا إلى تحسين رضا المواطنين عنها.
تملك البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي القدرة على المساعدة في تشكيل حكومة قادرة على الاستماع إلى المواطنين، بخاصةٍ لملاحظاتهم، في سبيل تقديم خدمات فعالة، كما تعزز دور المواطن في المشاركة والتعاون في صنع القرار وتنفيذه. كما توضح هذه الدراسة، إن استخدام الحكومات للتقنيات التكنولوجية لتعزيز مشاركة المواطن وتعاونه باستمرارٍ في تحديد الأهداف، الأولويات، التصميم والتنفيذ ويتمتع باحتمالات نجاح أفضل بكثيرٍ من القرارات والسياسات الأحادية، كما يحقق عائدًا اقتصاديًا واجتماعيًا أعلى بكثيرٍ من الإنفاق العام الذي تم عن غير معرفة.
في الوقت نفسه، إن الشفافية لن تتحقق من خلال مجرد نشر المعلومات أو البيانات، بل يجب أن تكون موثوقة، صحيحة ومفيدة، والأهم من ذلك، يجب أن يتمكن المواطن من فهمها والمشاركة والتعاون بفعاليةٍ مع حكومته حول أهداف محددة مرتبطة بتعزيز رفاهية المجتمع. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الشفافية والمساءلة مجرد وعدَين فارغَين آخرَين، وسيساهم ذلك في تراجع ثقة المواطن أو الناخب في السلطة السياسية.
كل هذه الأمور قد تتحول في النهاية إلى مفتاح التحسينات الملموسة في نتائج السياسات وجودة الخدمات العامة. ومع ذلك، فإن تحقيق مثل هذه النتائج عبر الاستفادة من الفرص التي توفرها تقنيات ثورة المعلومات سيتطلب حتمًا إعادة تشكيل هيكل الحكومة وإعادة تنظيمها، أيضًا، تحولًا ثقافيًا داخل القطاع العام وقرارات صعبة من القادة - والتي غالبًا ما تنطوي على كسر القيم، النمط والقواعد القائمة في الإدارة العامة. كذلك، يجب النظر إلى تقنيات ثورة المعلومات على أنها ركيزة أساسية وليست ناتجًا ثانويًا للعمل الإداري، حتى تصبح جزءًا من مسار أوسع لتحويل القطاع العام بعيدًا عن النموذج البيروقراطي الموروث من القرن الثامن عشر، ونحو نسخة أكثر مرونة وإنتاجية من القرن الحادي والعشرين. يشكّل هذا التحوّل مفتاح استعادة ثقة المواطن في الحكومة التي تآكلت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، للاستفادة من تقنيات ثورة المعلومات، كالبيانات الضخمة بشكلٍ فعال من أجل أداء حكومي أفضل، يجب على الحكومات أن تعزز الأطر التقنية والقانونية للوصول إلى البيانات واستخدامها بمسؤوليةٍ وشفافية. والأهم من ذلك، أنها بحاجةٍ إلى تطوير إمكاناتها لوضع خطط الاستفادة من البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي واللوغاريتم موضع التنفيذ، والاستجابة بفعاليةٍ لملاحظات المواطنين على السياسات والخدمات العامة. أيضًا، تحتاج الحكومات إلى التعاون مع المواطنين والمجتمع المدني من أجل وضع تنظيم واضح ومبادئ توجيهية فعالة لاستخدام البيانات الضخمة، حماية البيانات الشخصية والتصدي لمشكلة الأمن السيبراني. وأخيرًا، بما أن القطاع الخاص يمتلك الخبرة الضرورية في مجال البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي واللوغاريتم، يمكن للشراكة بين القطاعَين العام والخاص أن ترفع كفاءة إدارة الحكومة للبيانات الضخمة وتحليلها وعوائدها المالية.
المراجع والمصادر
المصادر
• GUTERRES António, “Global Cost of Corruption at Least 5 Per Cent of World Gross Domestic Product, Secretary-General Tells Security Council, Citing World Economic Forum Data”, Security Council, 8346TH Meeting, SC/13493, 10 September 2018.
• United States Government Accounting Office, Statement of Gene L. Dodaro, Comptroller General of the United States, “Government efficiency and effectiveness: Opportunities to Address Pervasive Management Risks and Challenges while Reducing Federal Costs”, in Testimony Before the Committee on the Budget U.S. Senate, 17 May 2017.
• UNDESA, “UN E-government Survey Report: E-government for the Future We Want”, in UN Department of Economic and Social Affairs, New York, 25 June 2014.
المراجع
• BOOT Max, War Made New: Technology, Warfare and the Course of History 1500 to Today, Gotham Books, New York, 2006.
• FERRANTI D.M.D., How to Improve Governance: A New Framework for Analysis and Action, Brookings Institution Press, Brookings, 2009.
• FREEMAN Joshua B., Behemoth: A History of the Factory and the Making of the Modern World, First Edition, W. W. Norton & Company, New York, 2018.
• SVÄRD Proscovia, Enterprise Content Management, Records Management and Information Culture Amidst e-Government Development, 1st Edition, Chandos Publishing, India, 2017.
الأبحاث والتقارير
• ABU-SHANAB E., HARB Y., Al-ZO’BIE S., “Government as an Anti-Corruption Tool: Citizens Perceptions”, in International Journal of Electronic Governance, Vol. 6, No. 3, 2013.
• BAILY Martin N., CROXSON Karen, DOHRMANN Thomas, MENDONCA Lenny, “The Public Sector Productivity Imperative”, McKinsey & Company, March 2011.
• CORYDON Bjarne, DOBBS Richard, FINE David, ALLAS Tera, BERCHOWITZ Andrea, DALY Eoin, DIMSON Jonathan, GUPTA Rajat, WOETZEL Jonathan, HIGGINS Richard, “Government productivity: Unlocking the $3.5 Trillion Opportunity”, McKinsey Center for Government, April 2017.
• CUKIER Kenneth Neil, MAYER-SCHOENBERGER Viktor, “The Rise of Big Data How It's Changing the Way We Think About the World”, in Foreign Affairs, Vol. 92, No. 3, May-June 2013.
• CUNNINGHAM Susan, DAVIS Jonathan, DOHRMANN Tom, “McKinsey on Government”, McKinsey & Company, May 2018.
• GANAPATI S., REDDICK C. G., “The Use of ICT for Open Government in US Municipalities: Perceptions of Chief Administrative Officers”, in Public Performance and Management Review, Vol. 37, No. 3, 2014.
• GATAUTIS R., “Creating Public Value Through E-Participation: Wave Project”, in Economics and Management, Vol. 15, 2010.
• De GUINEA A. O., “The Level Paradox of E-Collaboration: Dangers and Solutions”, in Interdisciplinary Applications of Electronic Collaboration Approaches and Technologies, Vol. 7, No. 4, 2012.
• HEISE A., NAUMANN F., “Integrating open government data with Stratosphere for more transparency”, in Journal of Web Semantics: Science, Services and Agents on the World Wide Web, Vol. 14, 2012.
• Al-KHOURI A. M., “Open Data: A Paradigm Shift in The Heart of Government”, in Journal of Public Administration and Governance, Vol. 4, No. 3, 2014.
• LATHROP D., RUMA L., Open Government: Collaboration, Transparency, and Participation in Practice, O'Reilly Media, Inc., Sebastopol, 2010.
• MANYIKA James, CHUI Michael, BROWN Brad, BUGHIN Jacques, DOBBS Richard, ROXBURGH Charles, BYERS Angela, Big Data: The Next Frontier for Innovation, Competition, And Productivity, McKinsey Global Institute, 2011.
• NOLAN Seán, DELL’ARICCIA Giovanni, KEEN Michael, SAHAY Ratna, “Macroeconomic Developments and Prospects in Low-Income Developing Countries—2019”, in IMF Policy Paper, International Monetary Fund Washington, D.C., December 2019.
• TIFTIK Emre, MAHMOOD Khadija, POLJAK Jadranka, “Global Debt Monitor: Sustainability Matters”, in The Institute of International Finance, Inc., 13 January 2020.
• WISEMAN Jane, “The Case for Government Investment in Analytics: Why every government executive should care about data”, in DataSmart City Solutions, Cambridge: Harvard Kennedy School, 3 September 2019.
• World Bank, “Big Data in Action for Government: Big Data Innovation in Public Services, Policy, and Engagement”, in Solutions Brief, World Bank Group, Washington, D.C., 2017.
المقالات
• GRIND Kirsten, McMILLAN Robert, MATHEWS Anna Wilde, “To Track Virus, Governments Weigh Surveillance Tools That Push Privacy Limits”, in The Wall Street Journal, 17 March 2020.
• Sans Auteur, “L’Histoire des Inventions: Jusqu’où Irons-Nous?”, in La Vie-Le Monde Hors-Série, Paris, 2015.
المواقع الإلكترونية
• https://ourworldindata.org/urbanization
[1]- :Emre TIFTIK, Khadija MAHMOOD, Jadranka POLJAK, “Global Debt Monitor
.Sus tainability .Matters”, in The Ins titute of International Finance, Inc., 13 January 202
[2]- Seán NOLAN, Giovanni DELL’ARICCIA, Michael KEEN, Ratna SAHAY, “Macroeconomic Developments and Prospects in Low-Income Developing Countries-2019”, in
.IMF Policy Paper.International Monetary Fund Washington, D.C., December 2019, p. 14
[3]- GUTERRES António, “Global Cos t of Corruption at Leas t 5 Per Cent of World Gross Domes tic Product, Secretary-General Tells Security Council, Citing World Economic Forum Data”, Security Council, 8346TH
.Meeting, SC/13493, 10 September 2018
[4]- .Sans Auteur, “L’His toire des Inventions: Jusqu’où Irons-Nous?”, in La Vie-Le Monde Hors-Série, Paris, 2015.p. 51
[5]- .ibid.p. 64
[6]- ,Max BOOT, War Made New: Technology, Warfare and the Course of His tory 1500 to Today, Gotham Books
.New York, 2006, p. 39
[7]- Joshua B. FREEMAN, Behemoth: A His tory of the Factory and the Making of the Modern World, Firs t Edition
.W. W. Norton & Company, New York, 2018
[8]- .https://ourworldindata.org/urbanization
[9]- Kenneth Neil CUKIER, Viktor MAYER-SCHOENBERGER, “The Rise of Big Data How It's Changing the Way
.We Think About the World”, in Foreign Affairs, Vol. 92, No. 3, May-June 2013
[10]- .Kenneth Neil CUKIER, Viktor MAYER-SCHOENBERGER, op. cit
[11]- في الدورات الانتخابية خلال العامين ٢٠١٦ و٢٠١٧، تم عزل أو هزيمة الحزب الحاكم أو رئيس الدولة المنتخب في خمسة من أكبر عشرة اقتصادات في العالم.
[12]- Kirs ten GRIND, Robert McMILLAN, Anna Wilde MATHEWS, “To Track Virus, Governments Weigh
.Surveillance Tools That Push Privacy Limits”, in The Wall Street Journal, 17 March 2020
[13]- United States Government Accounting Office, Statement of Gene L. Dodaro, Comptroller General of the United States, “Government Efficiency and Effectiveness: Opportunities to Address Pervasive Management Risks and Challenges while Reducing Federal Cos ts”, in Tes timony Before the Committee on the Budget U.S
.Senate, 17 May 2017
[14]- Susan CUNNINGHAM, Jonathan DAVIS, Tom DOHRMANN, “McKinsey on Government”, McKinsey
.Company, May 2018
[15]- Jane WISEMAN, “The Case for Government Inves tment in Analytics: Why every government executive
.should care about data”, in DataSmart City Solutions, Cambridge: Harvard Kennedy School, 3 September 2019
[16]- .Susan CUNNINGHAM, Jonathan DAVIS, Tom DOHRMANN, op. cit
[17]- Bjarne CORYDON, Richard DOBBS, David FINE, Tera ALLAS, Andrea BERCHOWITZ, Eoin DALY, Jonathan DIMSON, Rajat GUPTA, Jonathan WOETZEL, Richard HIGGINS, “Government
.productivity: Unlocking the $3.5 Trillion Opportunity”, McKinsey Center for Government, April 2017
[18]- Martin N. BAILY, Karen CROXSON, Thomas DOHRMANN, Lenny MEN DONCA, “The Public Sector
.Productivity Imperative”, McKinsey & Company, March 2011
[19]- James MANYIKA, Michael CHUI, Brad BROWN, Jacques BUGHIN, Richard DOBBS, Charles ROXBURGH, Angela BYERS, Big Data: The Next Frontier for Innovation, Competition, And Productivity, McKinsey Global Ins titute, 2011
[20]- .World Bank, op. cit
[21]- James MANYIKA, Michael CHUI, Brad BROWN, Jacques BUGHIN, Richard DOBBS, Charles ROXBURGH
.Angela BYERS, op. cit
[22]- .ibid
[23]- .ibid
[24]- Proscovia SVÄRD, Enterprise Content Management, Records Management and Information Culture Amids t
.e-Government Development, 1s t Edition, Chandos Publishing, India, 2017
[25]- D.M.D. FERRANTI, How to Improve Governance: A New Framework for Analysis and Action, Brookings
.Ins titution Press, Brookings, 2009, p. 7
[26]- E. ABU-SHANAB, Y. HARB, S. Al-ZO’BIE, “Government as an Anti-Corruption Tool: Citizens Perceptions”
.in International Journal of Electronic Governance, Vol. 6, No. 3, 2013, pp. 232–248
[27]- L. IONESCU, “The Impact that E-Government can have on Reducing Corruption and Enhancing Transparency”, in Economics, Management and Financial Markets, Vol. 2, 2013, pp. 210–215; E. ABU-SHANAB, Y. HARB
.S..Al-ZO’BIE, op. cit
[28]- UNDESA, “UN E-government Survey Report: E-government for the Future We Want”, in UN Department of
Economic and Social Affairs, New York, 25 June 2014.
[29]- D. LATHROP, L. RUMA, Open Government: Collaboration, Transparency, and Participation in Practice
.O'Reilly Media, Inc., Sebas topol, 2010, p. xix
[30]- A. HEISE, F. NAUMANN, “Integrating open government data with Stratosphere for more transparency”, in
.Journal of Web Semantics: Science, Services and Agents on the World Wide Web, Vol. 14, 2012, pp.45–56
[31]- S. GANAPATI, C.G. REDDICK, “The Use of ICT for Open Government in US Municipalities: Perceptions of
.Chief Adminis trative Officers”, in Public Performance and Management Review, Vol. 37, No. 3, 2014, pp.365–387
[32]- A. M. Al-KHOURI, “Open Data: A Paradigm Shift in The Heart of Government”, in Journal of Public
.Adminis tration and Governance, Vol. 4, No. 3, 2014, pp. 217–244
[33]- R. GATAUTIS, “Creating Public Value Through E-Participation: Wave Project”, in Economics and
.Management, Vol. 15, 2010, pp. 483–490
[34]- A. O. De GUINEA, “The Level Paradox of E-Collaboration: Dangers and Solutions”, in Interdisciplinary
.Applications of Electronic Collaboration Approaches and Technologies, Vol. 7, No. 4, 2012, pp. 1–21
Rethinking the Performance of Governments and their Relations with Citizens in the Information Age
As global public debt is rising faster than economic outputs, governments are interfering more in the economy, to impose more taxes, and to reduce spending on public services, which led, up to now, to a decline in the living standards of citizens, particularly for women and children. Additionally, according to United Nations reports, every year, one trillion dollars are paid in bribes, while another 2.6 trillion are stolen - equivalent to more than five percent of global GDP - all due to corruption.
Research has shown that whatever its form, ramping up public debt and corruption always come at someone's expense and it holds a threat to the sustainable development goals (SDGs). That is to say, they often lead to weaker institutions, poor infrastructure, less prosperity, less employment, denial of basic services, as well as more inequality and environmental disasters that altogether form the essential prerequisites for improving the well-being of the society.
Consequently, in 2019, widespread protests erupted in every corner of the world against governments performance and policies - from Paris to Prague, from Beirut to Bogota and Berlin, from Catalonia to Cairo, and in Hong Kong, Santiago, Sydney, and Seoul, Jakarta, Tehran, Algeria, Baghdad, Budapest, London, New Delhi, Manila and even Moscow. These protests came as a final warning to their governments to embrace fundamental changes in their performance, provide new public services, and improve the welfare of citizens while minimizing financial costs - or to step down.
Based on a review of the literature on government, public service delivery and information revolution, the core of addressing these challenges is the adoption of new technologies. From big data to artificial intelligence, algorithm, robots, automation, and social media, the Fourth Industrial Revolution of the 21st century ushered in a variety of innovative technologies that could help governments improve their finances and keep up with increasing demand for goods and citizen service delivery at the lowest possible cost.
The solutions outlined in this study demonstrate how big data, artificial intelligence, and algorithms can handle fraud and corruption, achieve financial savings, and improve government performance in policy-making and increase the efficiency of the public sector in providing public services, making the government smarter, more accountable, and more responsive to citizens ’needs. Not only these technologies increase government efficiency, but they also tend to improve citizen satisfaction. Moreover, the information revolution technologies strengthen citizens participation and cooperation with their government to make and implement better policy choices, as well as, to design and sometimes provide, public services that better match their needs, while enhancing government transparency and accountability.
Repenser la Performance des Gouvernements et leurs Relations avec les Citoyens à l'Ère de l'Information
La dette publique mondiale augmentant plus rapidement que les rendements économiques, les gouvernements interfèrent davantage dans l'économie, imposent plus d'impôts et réduisent les dépenses de services publics, ce qui a conduit, jusqu'à présent, à une baisse du niveau de vie des citoyens, en particulier pour les femmes et les enfants. En outre, selon les rapports des Nations Unies, chaque année, un trillion de dollars sont versés en pots-de-vin, tandis que 2,6 trillions sont volés - soit plus de cinq pour cent du PIB mondial - en raison de la corruption.
La recherche a montré que, quelle que soit sa forme, l'augmentation de la dette publique et la corruption se font toujours aux dépens de quelqu'un et menacent les objectifs de développement durable (ODD). Autrement dit, ils conduisent souvent à des institutions plus faibles, à des infrastructures médiocres, à moins de prospérité, à moins d'emplois, au déni des services de base, ainsi qu'à plus d'inégalités et de catastrophes environnementales qui constituent, ensemble, les conditions essentielles pour améliorer le bien-être de la société.
En conséquence, en 2019, des protestations généralisées ont éclaté aux quatre coins du monde contre les performances et les politiques des gouvernements - de Paris à Prague, de Beyrouth à Bogota et Berlin, de la Catalogne au Caire, à Hong Kong, Santiago, Sydney et Séoul, Jakarta, Téhéran, Algérie, Bagdad, Budapest, Londres, New Delhi, Manille et même Moscou. Ces protestations ont été un dernier avertissement à leur gouvernements respectifs pour qu’ils adoptent des changements fondamentaux dans leurs performances, fournissent de nouveaux services publics et améliorent le bien-être des citoyens, tout en minimisant les coûts financiers - ou de démissionner.
En s’appuyant sur une analyse de la documentation spécialisée sur le gouvernement, la prestation des services publics et la révolution de l'information, l'adoption de nouvelles technologies est au cœur de ces défis. Du big data à l'intelligence artificielle, les algorithmes, les robots, l'automatisation et les médias sociaux, la quatrième révolution industrielle du 21ème siècle a inauguré une variété de technologies innovantes qui pourraient aider les gouvernements à améliorer leurs finances et à répondre à la demande croissante de biens et de services aux citoyens à un coût le plus bas possible.
Les solutions décrites dans cette étude démontrent comment les big data, l'intelligence artificielle et les algorithmes peuvent traiter la fraude et la corruption, réaliser des économies financières, améliorer les performances du gouvernement dans l'élaboration des politiques publiques et accroître l'efficacité du secteur public dans la fourniture de services publics, ce qui rend le gouvernement plus intelligent, plus responsable et plus sensible aux besoins des citoyens. Non seulement ces technologies augmentent l'efficacité du gouvernement, mais elles tendent également à améliorer la satisfaction des citoyens. De plus, les technologies de la révolution de l'information renforcent la participation et la coopération des citoyens avec leur gouvernement pour faire et mettre en œuvre de meilleurs choix politiques, ainsi que pour concevoir et, parfois, fournir des services publics qui répondent mieux à leurs besoins, tout en améliorant la transparence et la responsabilité du gouvernement.