- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
لا شك في أنّ المصالح الروسية في سوريا، في جوهرها، هي ذات طبيعة سياسية استراتيجية وعسكرية واقتصادية وأمنية. ومن أهم هذه المصالح كما يجمع المراقبون، الاحتفاظ بالقاعدة العسكرية في ميناء طرطوس والتي تُعتبر مرفقًا روسيًا استراتيجيًا طويل الأمد. فبموجب اتفاقية موقّعة بين البلدين في العام 1971، يستضيف هذا الميناء قاعدة روسية للإمداد والصيانة تم تشييدها في الحقبة السوفياتية في أثناء الحرب الباردة، لدعم الأسطول السوفياتي في البحر الأبيض المتوسط. وتسعى روسيا منذ سنوات عديدة، إلى توسيع هذه القاعدة وتطويرها لتعزّز حضورها في البحر المتوسط، في الوقت الذي تخطط فيه واشنطن لنشر درع صاروخية في بولندا وللتضييق على روسيا ومصالحها في المنطقة. وفي هذا السياق شكّل انتشار القوات الروسية في شبه جزيرة القرم تأكيدًا عمليًا لجدية موسكو في التزام عقيدتها العسكرية الجديدة التي وقّعها الرئيس بوتين قبل نحو شهر، في خطوة اعتبرت مؤشرًا على تغيّر جذري في سياسات روسيا تجاه توسّع حلف الأطلسي، الذي ينتشر على حدودها من أوروبا إلى آسيا الوسطى، مهدّدًا أمنها القومي.
تثبيت النفوذ الروسي في الشرق الأوسط
لقد وافقت سوريا في العام 2008 على تحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة ثابتة للسفن النووية الروسية في الشرق الأوسط. ومنذ 2009 تقوم روسيا بتحديث القاعدة وتوسيع الميناء كي يستطيع استقبال سفن عسكرية أكبر حجمًا. ومن جانب آخر، تعمل روسيا من خلال خطواتها الاستراتيجية الأخيرة في سوريا على تثبيت نفوذها وتأثيرها في الشرق الأوسط كدولة عظمى، مما يساعدها على استعادة مكانتها الدولية، التي تأثرت سلبًا من جرّاء الأزمة الأوكرانية. وهذا الأمر أوضحه فيودور لوكيانوف رئيس مجلس السياسات الخارجية والدفاع الروسي بقوله : «سوريا والشرق الأوسط عمومًا، من المشكلات التي تجتذب الاهتمام العالمي، وبالتالي نحاول العودة إلى هناك لكي نكون لاعبين ناشطين».
مصالح اسرائيلية في سوريا!؟
في المقابل، تشدّد اسرائيل من ناحيتها على أنّ لها هي أيضًا مصالح حيوية واستراتيجية بعيدة المدى في سوريا. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة هآرتس العبرية عن وزير الدفاع موشيه يعالون، تأكيده أن «إسرائيل لديها هي الأخرى مصالح في سوريا، وستتحرك للدفاع عن تلك المصالح من دون الحصول على إذن مسبق من أحد، مثلما تحركت روسيا ومن قبلها أميركا وحتى فرنسا وبريطانيا، ونفّذت جميعها عمليات عسكرية في سوريا من دون استئذان أحد، حتى النظام السوري نفسه».
ويضيف يعالون: «لدينا مصالحنا في سوريا وعندما تصبح مهددة سوف نعمل ونواصل العمل للحفاظ عليها، وقد نقلنا هذه الرسالة بوضوح إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».
وفي حين اعتبرت الصحيفة أن «موسكو لم تهتم كثيرًا برأي الولايات المتحدة وإسرائيل في العمليات التي تشنّها ضد الإرهابيين في سوريا»، أكّد وزير دفاع العدو أنّ بلاده «لن تعترض على التدخل العسكري الروسي، لكنّها تضع خطوطًا حمراء لمصالحها في سوريا، ولن تسمح لأحد بتجاوزها أيًا كانت قوته، وأنّ حصول تنظيمات متطرّفة وإرهابية على الأسلحة يعد خطًا أحمر، لكنّ إقامة قواعد عسكرية إيرانية تهدّد إسرائيل، تمثل خطًا أحمر أيضًا».
إشكاليات وتداعيات
من جهته، رأى يعقوب عميدرور الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي أنّ التدخل العسكري الروسي في سوريا هو حصيلة ثلاثة أسباب: ضعف المجتمع الدولي، وفشل أوروبا في مواجهة مشكلة اللاجئين، والتبدل الكبير في موقف الولايات المتحدة وقبولها الضمني بالدور الإيراني- الروسي في المنطقة. وفي هذا السياق يطرح المحللون الإسرائيليون اسئلة حساسة هي:
1- هل سيغيّر الوجود العسكري الروسي قواعد اللعبة السائدة على الحدود مع سوريا ولبنان، وهل سيحدّ من حرية التحرك الإسرائيلي في الأجواء السورية؟
2- هل سيؤدي الوجود الروسي إلى تقليص نفوذ إيران في سوريا ولبنان، على الرغم من التحالف الوثيق بين البلدين؟
3- هل آن الأوان كي تقوم إسرائيل بتوسيع نفوذها في جنوب سوريا وهضبة الجولان لمنع تعاظم قوة التنظيمات الجهادية المتطرفة؟
4- ما الدور الذي يمكن أن تؤديه إسرائيل في التحالف الذي تقيمه روسيا لمحاربة داعش؟
أمام هذه الإشكاليات والتداعيات، يرى المحللون الإسرائيليون أن لكلّ من روسيا وإسرائيل أهدافًا مشتركة في منطقة كوباني (عين العرب). فإسرائيل تريد المحافظة على مناطق الأكراد المتعاطفين معها وإبقائها تحت سيطرة القوى الكردية نفسها، وبالتالي فمحاربة روسيا لتنظيم «الدولة» ومنع نشوب معارك بين الأطراف هناك، يصبّ في مصلحة الإسرائيليين، الذين يريدون أيضًا استقطاب الأقلية الدرزية في منطقة جبل الدروز القريب من الجولان المحتل.
هل تتغيّر موازين القوى في المنطقة؟
يعتبر أمير بوحبوط، محلل الشؤون العسكرية في موقع «والا» الاستخباري الإسرائيلي، أنّ التدخل الروسي في سوريا من شأنه أن يغيّر موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط. ويضيف أن العلاقة بين سوريا وروسيا تعود لعشرات السنين، ومنذ اندلاع الأحداث الدموية في سوريا (2011) رفضت روسيا التخلي عن حليفتها. وقد تطوّر الموقف الروسي من تقديم الاستشارات العسكرية النظرية إلى تقديم إمدادات الأسلحة والخبراء العسكريين، ثم أخيرًا توفير قوات جوية واستخباراتية روسية داخل الأراضي السورية. ولفت المحلل إلى أن الموقف الروسي بالتدخل، جاء بسبب الخوف من فقدان موطئ قدم مهم وأخير لروسيا في المياه الدافئة في الشرق الأوسط، وانتقاله بالتالي إلى النفوذ الأميركي المباشر، بالإضافة إلى الخوف من تهديدات فصائل إرهابية شيشانية موالية لداعش، بشنّ عمليات تستهدف المصالح الروسية الحيوية. ورأى بوحبوط أن التواجد الروسي في سوريا سوف يحدّ من قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ أي عمليات داخل سوريا، في ظل وجود الطائرات والأسلحة الروسية، وأيضًا رادارات وأجهزة الرصد والتعقب، المتطورة للغاية، والتي يمكن أن ترصد وتردع أي عملية عسكرية للطائرات الإسرائيلية داخل سوريا.
ويؤكد بوحبوط أن إسرائيل بمفردها لن تتمكن من مجابهة الوجود الروسي في سوريا، وأنها لن تسعى للاحتكاك به إلا إذا لاقت دعمًا مستميتًا من جانب الإدارة الأميركية، في حين أن زيادة التدخل الروسي في سوريا هي دليل على توتر العلاقة بين الإدارة الأميركية وإسرائيل بشكل غير مسبوق، وهي أيضًا إشارة لدول مثل مصر مفادها أن روسيا لا تترك حلفاءها مثلما تفعل الولايات المتحدة.
القلق الإسرائيلي من التدخل العسكري الروسي في سوريا
يرى يوسي ميلمان المعلّق الأمني في صحيفة معاريف، «أنّ ثمة تخوفًا اسرائيليًا من أن يقلّص استمرار الوجود الروسي في سوريا هامش المناورة أمام الجيش الإسرائيلي عمومًا وسلاح الجوّ خصوصًا، في الشمال». ويضيف: «إنّ اسرائيل لا تريد التدخل في الحرب الأهلية في سوريا، ومع ذلك فهي كانت تتدخل فيها بين حين وآخر كلما اعتقدت أن مصالحها الأمنية تتطلب هذا التدخل».
وبحسب المعلّق، فإنّ هذه المصالح كما جاءت على لسان وزير الحرب موشيه يعلون ورئيس الأركان ايزنكوت، هي «منع وصول السلاح الجديد والمتطور إلى حزب الله، وإجهاض تنفيذ عمليات ضد اسرائيل، وبذل الجهود من أجل عدم إلحاق الضرر بالطائفة الدرزية في سوريا»، على حدّ زعمه.
ويذكر ميلمان أن «سلاح الجو الإسرائيلي كان يتحرك كلّما توافرت معلومات استخبارية ومن دون الحاجة إلى التنسيق مع أي جهة، لكن من الآن فصاعدًا ستضطر اسرائيل إلى تنسيق خطواتها مع روسيا». كذلك رأى أن «اسرائيل قلقة من إرسال السلاح إلى ايران ومنها إلى سوريا وحزب الله، والتقديرات هي أنه وصلت إلى أيدي حزب الله في السنوات الأخيرة صواريخ بر – بحر من صنع روسيا». وهو يرى أيضًا أن ثمة قلقًا آخر لدى اسرائيل يتركز حول جهود ايران التي تستمر منذ سنة بمساعدة حزب الله على إقامة «شبكات مقاومة» في الجولان السوري. ومع ذلك يرى ميلمان أن تكثيف التدخل الروسي في سوريا، إنما يحقق هدفًا استراتيجيًا إسرائيليًا من الطراز الأول، يتمثل في «إطالة أمد الحرب، الأمر الذي يعني إرهاق جميع الأطراف بشكل يخدم في النهاية المصالح الإسرائيلية». ويضيف أن إطالة أمد المواجهة الدائرة في سوريا، سيفضي إلى تقليص فرص تورّط إسرائيل بشكل مباشــر في سوريا، ما يمكّن تل أبيب من تحقيــق مصالحهــا بصمــت، ومــن دون دفــع أثمــان سياسيــة وأمنيــة كبيــرة.