- En
- Fr
- عربي
إقتصاد ومال
البطالة، الربح السريع، مواقع التواصل الإجتماعي، ثلاثة عناصر رئيسة أوجدت نوعًا جديدًا من الوظائف الإلكترونية غير التقليدية أو ربما الإفتراضية إذا صحّ التعبير. في لبنان وإسوة بباقي الدول، إنخرط البعض في ممارسة هذه الوظائف عبر شبكات التواصل الإجتماعي، محققين أرباحًا طائلة وبفترة زمنية قصيرة. لكن ما هي المحاذير التي تترتّب على ذلك؟
استغفال أو استفادة؟
أثّرت ظاهرة الإعلام التواصلي، على مختلــف نواحي الحياة وأوجـهها. وأصبح العالم بأسـره في مدار الفن التكنولوجي الجـديد، القادم من رحـــم موقـعي Facebook وTwitter. وما أتى بعدهما من شركات التواصل الإجتماعي التي ابتكرت خدمات وتطبيقات التراسل المكتوبة والمسموعة، مثل خدمات الـ«WhatsApp» و«Skype» و«Candy crush» وغيرها الكثير (بالآلاف)، عملت من خلال شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية التي فرضتها على «استغفال» المستخدم أو الاستفادة من عدم تمكّنه من فهم ما بين السطور، إما بسبب عدم قراءة شروط الاستخدام أو بسبب اللغة. وبشكل أو بآخر تسعى هذه الشركات إلى إغراء العملاء باستخدام التطبيق، مجانًا مقابل المتاجرة بأهم شيء يملكونه وهو علاقاتهم، ومراسلاتهم وبياناتهم الشخصية.
وثمّة شركات تستفيد من إدمان المشتركين على الإنترنت فتسوّق لمنتوجاتها من خلال بعض التطبيقات، كما تعمل على إدخال البعض كشركاء في عملية التسويق. هؤلاء يدخلون اللعبة بغية الربح المادي السريع، علمًا أن الربح يتمّ في الإتجاهين: الأول عند إرسال الدعوة إلى مستخدم آخر والثاني إثر قبول الأخير لهذه الدعوة.
وسط ظروف إقتصادية صعبة في لبنان، ونسبة بطالة وصلت وفق صندوق النقد الدولي إلى 42 في المئة، تلاقي هذه «الوظائف الإفتراضية» قبول كثيرين. لكن وإن أمّنت هذه الوظائف الربح المادي لأصحابها، فهل هي قادرة على توفير المزايا الأخرى للوظائف؟ وهل يتحوّل هؤلاء «الموظّفون» إلى ما يشبه آلات تتعاطى مع عالم إفتراضي؟ ثمّة أسئلة كثيرة قد تطرح هنا.
شهد العام 2007 إنطلاقة ثورة الهاتف الذكي (Smart Phone) والتحوّل نحو عالم اتصالات البيانات بدلاً من اتصالات الهاتف، وسعت كبريات شركات الاتصالات العالمية للحصول على حصّة بشكل أو آخر من هذه السوق، ولا سيّما أن شركات الاتصالات هي العامود الفقري الذي يربط الأركان الأربعة لعالم سوق الاتصالات والمعلومات الجديدة. فالإتصالات بتقديمها لخدمات الـ«Broadband» المتمثّلة في الجيلين الثالث (3G) والرابع (4G)، ومن خلال شبكات «wifi» للبيانات، أصبحت بمثابة المحرّك الرئيس لأطراف هذه السوق والرابط ما بين أربعة أطراف:
الطرف الأول هو الشركات المصنّعة لجهاز الهاتف الذكي ومنها «Apple» و«Samsung» و«Nokia». أما الطرف الثاني فهو الشركات التي أنشأت أنظمة تلك الأجهزة المتنقّلة، ومن أهمها «Apple» بأنظمة IOS، و«Samsung» بأنظمة «Android»، و«Blackberry» بأنظمة «RIM». ويتمثّل الطرف الثالث في الشركات التي أنشأت سلسلة متاجر متخصصة، تضمّ مئات الآلاف من التطبيقات، ومن تلك المتاجر متجر «Apple» ومتجر «Google Play» الذين يضم كل منهما ما يزيد عن 800 ألف تطبيق. يضاف إلى هؤلاء مطوّرو التطبيقات وهم بالملايين ممّن وجدوا بيئة خصبة للابتكار والتطوير ( الألعاب، البطاقات البريدية، المحادثات، الترجمة، القاموس،...) لتلبية كل احتياجات الإنسان الحالية والمستقبلية.
أما الطرف الرابع فقوامه الشركات التي استفادت من هذه البيئة وابتكرت تطبيقات تحاكي احتياجات المستخدم لخدمات الاتصالات اليومية، ومن أهمها خدمات وتطبيقات التراسل المكتوبة والمسموعة، مثل خدمات الـ «WhatsApp» و«Skype» وغيرها الكثير.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن «WhatsApp» هناك أكثر من 17 مليار رسالة يوميًا على مستوى العالم تستطيع الشركة التصرّف بها، وبعدد أقل منها في كل من «Viber» و«سكايب» وغيرهما من تطبيقات التواصل الاجتماعي المجانية وغير المجانية.
ويشير البعض إلى أن الكثير من المستخدمين لتطبيقات التواصل الاجتماعي، لا يعلم أنه من بين أهم شروط استخدام التطبيقات أن الشركة تستطيع الاستفادة من كل المحتويات الشخصية وبالتالي يمكنها نشرها أو تقديمها لأي جهة.
إتصل بي لأربح من جيبك!
في هذا الإطار، تمّ ابتكار «وظيفة» أخرى عبر الهواتف الذكية، بحيث يحدّد المشترك في خدمة «Cash In» مبلغًا إضافيًا من المال يدفع تكلفته كل من يقوم بالاتصال به، ويراوح هذا المبلغ بين بضعة سنتات وعشرة دولارات للدقيقة الواحدة. وبذلك فإن أي متصل بالمشترك في هذه الخدمة يدفع المبلغ المحدد بمجرّد إجرائه الإتصال بهذا المشترك، علمًا أن المتصل سيستمع إلى رسالة تحذير تخبره بالتكلفة الإضافية قبل أن يفتح الخط، وبالتالي يمكنه الإقفال من دون أن يخسر أمواله. أما إذا تمّت المكالمة فهو سيدفع مبلغًا إضافيًا يتقاضى نصفه المشترك ويذهب نصفه الآخر للشركة. لكن ماذا لو كان الشخص مضطرًا إلى إجراء المكالمة؟ وفي بلد كلبنان هل ستتردّد أم راغبة بالإطئمنان إلى أولادها في مكالمتهم وإن كلّفها ذلك مبالغ إضافية؟ وماذا لو أراد عاشق التحدّث إلى حبيبته؟ وما هو تأثير إنخراط المادي بالشخصي؟...
ثمّة أسئلة إضافية، من أين تربح الشركات التي تصرف الملايين على منتجاتها التي تقدمها لمستخدميها مجاناً؟ وما هو أثر التحوّل إلى جني الأموال عبر الإنترنت من دون أي جهد شخصي، على الشباب الذين هم في عمر الإنتاج والإبتكار...
الوظيفة والذات
يوضح الدكتور في علم الإجتماع السياسي (المعهد العالي للدكتوراه) الدكتور ميشال سبع أن العمل هو أساس وجود الإنسان وأساس تراتبية المجتمع. فلكل إنسان مركز ودور يرتبطان بعمله. المركز يحددّه الإطار الوظيفي والدور هو الوظيفة بحدِّ ذاتها. وقد تغيّرت هذه الأدوار والمراكز نتيجة لتطور المجتمع من زراعي إلى تجاري فصناعي وصولاً إلى المجتمع المعاصر القائم على التواصل، بحيث من الصعب أن يكون ثمّة عمل خارج إطار التواصل الإلكتروني. وهذا أدى إلى ظهور مجالات ووظائف جديدة وتقليص أخرى، وبالتالي إنحسرت التراتبية إلى حدًّ كبير وأصبح الدور أهم من المركز في العمل الجديد.
ويضيف الدكتور سبع: «تؤدي التقنيات الجديدة دورًا مزدوجًا، فالأشخاص الذين يقومون بعمل الوسيط أو الكاشف لمجالات العمل، أصبحوا أرباب عمل جدد، يعمل لديهم مكتشفو هذه الوظائف، لكن ربّ العمل الحقيقي خفي، وهو الوسائل الإلكترونية التي تسمح بهذا التواصل وتسجّل أرباحًا غير مرئية. وتسجل بعض الأرقام الخيالية مثلاً 850 ألف دولار أميركي سنويًا من خلال عمليات «Candy Crash» (تطبيق على موقع Facebook)، و2,4 مليون دولار من خلال إستعمال الإنترنت في العالم...».
وإذ أشار إلى أن كل تطور يأتي من خلال استنباط حلول، وكل استنباط يخلق مشكلات، فإن مشكلات هذا التطور في كونها متأتية من عمليات إفتراضية أكثر منها واقعية.
وإذا ما تابعنا وتيرة التحوّل السريع في عالم نقل الأموال، التبادل التجاري والتعارف والزواج... ندرك أن التواصل الإلكتروني بات واقعًا جديدًا ألغى ما يسمى بالمؤسـسات، وهو سيؤدي إلى تحوّل في البنية الثقافية والتعليمية والتربوية في المجتمع.
وتناول سبع دور العمل في تحقيق الذات، واعتبر أن الأشخاص الذين يربحون أمولاً من دون جهد كبير، متباهين بسذاجة الآخرين، تجعلهم هذه النزعة بحدّ ذاتهم سذجًا أمام الشركات التي يعملون لمصلحتها، لأنهم في الواقع لا يتطوّرون ولا يحقّقون ذواتهم، فهم مجرّد أدوات تواصلية وليس عندهم حسّ الإبتكار ولا الإبداع. وبالتالي فإن الوقت سرعان ما يتخطاهم عند بروز تقنيات جديدة للتواصل...