- En
- Fr
- عربي
الأكراد في سوريا بين خياري الانفصال والوحدة
-1 المقدمة
تحدّثت في كتابي "الربيع العربي والبركان السوري – نحو سايكس بيكو جديد" عن بدء "المأساة" السورية ومأساة المنطقة، مع اتفاق سايكس – بيكو الذي وقّعته بريطانيا مع فرنسا في أيار/ مايو 1916، والذي نصّ على تقاسم النفوذ والمصالح على أجزاء واسعة من مناطق من السلطنة العثمانية في المشرق العربي والتي تضمّ بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية ووادي النيل (أي مصر حاليًا). وعملت سلطات الانتداب الفرنسي بعد توقيع معاهدة سان ريمو على إقامة سلطة منتدبة على بلاد الشام، مع محاولة تقسيمها إلى مجموعة دويلات إقليمية، وفق خطوط التقسيم الديمغرافي للأقليات.
سلخت اتفاقية سايكس–بيكو عما كان يعرف تاريخيًا ببلاد الشام عدة مناطق، محيطة بسوريا الكبرى، حيث خسرت بلاد الشام جميع هذه المناطق لتتحوّل لاحقًا إلى دولة سوريا بحدودها الراهنة.
حاولت سلطات الانتداب الفرنسي تفتيت ما تبقّى من بلاد الشام، فعملت على تفتيت سوريا من خلال استثارة المشاعر والمصالح المذهبية والطائفية، وتقسيمها إلى أربع دويلات وهي: دويلة دمشق ودويلة حلب ودويلة علوية على الساحل، ودويلة درزية في جبل العرب في الجنوب. لكن عادت سلطات الانتداب ووحّدت هذه الدويلات في العام 1924، ضمن ما بات يعرف بدولة سوريا، والتي استقلت بعد نيل لبنان استقلاله.
تشكّل سوريا نقطة مركزية في النظام الاقليمي الذي خلّفته اتفاقية سايكس–بيكو، وما تبعها من اتفاقيات فرنسية وبريطانية. وأعطت مركزية الموقع والدور الذي اضطلعت به سوريا في الصراع العربي – الاسرائيلي، وفي الحروب التي شهدتها المنطقة أهمية خاصة لدور سوريا في الحفاظ على الأمن والاستقرار الاقليميين، وهذا ما أكّدته الحرب اللبنانية، والاختلالات السياسية والاثنية التي شهدها العراق من جراء الغزو الاميركي في العام 2003. كما ظهر ذلك جليًا من خلال التنافس الايراني–التركي على كسب ود النظام السوري وصداقته، من أجل استعمال سوريا وموقعها المركزي كجسر لعبور نفوذهما إلى بلاد المشرق العربي[1].
حاول الرئيس السوري بشار الأسد استعمال هذا الموقع الجغرافي الفريد، مع كل ما تتضمّنه الديمغرافيا السورية من أقليات من أجل حماية النظام القائم من تداعيات الثورة الداخلية التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، خصوصًا بعد شعوره بأن الدول الغربية ومعها تركيا ومعظم الدول العربية قد تخلّت عنه، وقرّرت دعم القوى المعارضة لنظامه. وفي معرض ذلك، هدّد الرئيس الأسد بتفجير المنطقة وإثارة الذعر لدى الأقليات حول مصيرهم في حال سقوط النظام ودخول سوريا مرحلة من الفوضى والتشرذم بين مجموعات مسلّحة من المتطرّفين والإرهابيين.
حاول الرئيس الأسد من خلال هذه التهديدات إثارة المخاوف من حصول مذابح ومجازر ترتكب ضد الأقليات، إضافةً إلى التحذير من أن النزاع في سوريا سيؤدّي حتمًا إلى تداعيات واسعة تفتح الباب أمام إمكان إعادة رسم الحدود التي أنتجتها اتفاقية سايكس–بيكو[2].
تؤشر جميع التطوّرات والأحداث في المشهد الدولي وفي الداخل السوري إلى استحالة تحقيق أي خرق سياسي في جدار الأزمة السورية، ويبدو أن حظوظ مؤتمر جنيف-2 باتت ضئيلة، في ظل الاصطفاف الدولي والاقليمي لدعم النظام والمعارضة، والذي سيؤدّي حتمًا إلى نقل الصراع من صراع داخلي بين النظام والمعارضة المسلّحة، إلى حرب بالوكالة تمتدّ لسنوات عديدة.
في ظل المسار المتوقّع أن تأخذه الحرب في المستقبل المنظور بعد قرار الدول الغربية وبعض الدول العربية تزويد المعارضة المسلّحة بالأسلحة النوعية والثقيلة، فقد بات من المتوقّع تشظي الكيان السوري، خصوصًا في ظلّ جنوح بعض الأقليات المذهبية والإثنية إلى إنشاء كيانات مستقلة، ومحاولة هذه الكيانات إنشاء إدارات مستقلّة عن الحكومة المركزية، إضافةً إلى إنشاء ميليشيات مسلّحة تحميها من حمم الحرب وأحداثها.
يبدو بوضوح أن الأقلية الكردية الموجودة في شمال – شرق سوريا وخصوصًا في مناطق الحسكة وحلب وريفها قد سلكت الطريق لإقامة كيان شبه مستقل، وذلك بعد انسحاب قوات النظام في آذار/ مارس 2012 من هذه المناطق. واستغلّ الأكراد هذا الفراغ، من أجل عزل مناطقهم عن المناطق الأخرى ذات الأكثرية العربية. ويبدو أيضًا أن المنطقة الساحلية والمنطقة الجبلية العلوية قد باتتا شبه جاهزتين لإقامة كيان علوي منفصل عن بقية البلاد إذا ما أصبحت دمشق غير آمنة لبقاء النظام فيها.
في ظلّ هذا الواقع يبدو أنه بات من المحتمل، في حال التأخّر في التوافق دوليًا على حل سياسي يقضي بإقامة حكومة انتقالية قبل الدخول في مرحلة تفتيت مؤسّسات الدولة السورية، وخصوصًا مؤسساتها العسكرية والأمنية، أن تسعى بعض الأقليات، وفي طليعتها الأقلية الكردية، أن تستغل الأزمة، وغياب السلطة المركزية عن مناطقها، للعمل على إقامة كيانات "مستقلّة" عن الوطن الأم.
-2 الوجود الكردي في سوريا
تستدعي الأوضاع القائمة في منطقة الحسكة وبعض المناطق الشمالية المحاذية للحدود مع تركيا، ذات الأكثرية الكردية، والتي بدأت تطرح جديًا إمكان إقامة كيان كردي منفصل عن سوريا، إجراء مسح ديمغرافي وسياسي للجماعات والأحزاب الكردية المقيمة في هذه المناطق، وبالتالي التعرّف إلى مختلف النزاعات السياسية الراهنة، سواء كانت إنفصالية أو وطنية.
تشكّل الأقلية الكردية %12 من مجمل سكان سوريا، حيث يقدّر عددها بمليوني نسمة، وتعتبر أكبر أقلية من مكوّنات الأقليات العديدة في سوريا[3].
ولقد كانت الأزمة السورية سببًا أساسًا للتعرّف إلى هذه "الأقلية المنسية" أو "الأقلية المكتشفة حديثًا" وفق بعض التصنيفات.
يمكن النظر إلى الأكراد في سوريا على أنهم ينقسمون إلى مجموعتين مختلفتين: الأولى، وتتألّف من الشرعية الكردية التي تعيش في المدن السورية الكبرى مثل حلب ودمشق وحماة وغيرها، والتي تحوّلت عبر السنين إلى جزء لا يمكن فصله عن الأكثرية العربية السنيّة التي تعيش في هذه المدن. في المقابل، تعيش أكثرية الأكراد في المنطقة الشمالية – الشرقية أي في دير الزور والقامشلي والحسكة، والتي بقيت معزولة عن التفاعل مع التجمّعات السكانية التقليدية، التي تسكنها الأكثرية السنيّة العربية. ويربط بعض المحللين والمؤرخين عزلة الأكراد في هذه المناطق، على أن هذه الأخيرة قد جرى اقتطاعها عن المناطق التركية والعراقية المحاذية، وجرى إلحاقها جغرافيًا وسياسيًا بسوريا في عمليات ترسيم الحدود بين دول المنطقة وذلك انطلاقًا من إتفاقية سايكس – بيكو والاتفاقيات اللاحقة، التي عقدت بين دول الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى. ويشعر الأكراد في هذه المناطق السورية أنه قد جرى فصلهم قسرًا عن قبائلهم وإخوانهم الذين يعيشون عبر الحدود في كل من تركيا والعراق. من هذه الحقيقة التاريخية، نشأت المعضلة الكردية في سوريا، والتي شكّلت "شوكة" في خاصرة الدولة السورية. وتحوّلت قضية الأكراد في هذه المنطقة إلى معضلة أساسية وإنسانية، خصوصًا بعد محاولة الحكومات البعثية المتعاقبة حلّها من خلال إجراء نقل سكاني، وذلك بهدف تعريب "منطقة الجزيرة"، وبالتالي الانتهاء من المعضلة الكردية في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية الخاصة، والموقع الجغرافي المميّز، والثروات النفطية والغازية المكتشفة فيها[4].
فشلت سياسة الحكومات البعثية في تعريب المنطقة، وكانت النتيجة لهذا الفشل رفض الحكومة السورية الاعتراف بحق ما يزيد عن 120 ألف كردي بالحصول على الجنسية السورية، إضافةً إلى سياسة الظلم والحرمان التي طبّقت في هذه المناطق، والتي واجهها الأكراد بالرفض المترافق مع حركات احتجاجية عنيفة[5].
-3 تاريخ الأكراد في سوريا
من أجل إدراك حقيقة ما يجري في المناطق الكردية في شمال– شرق سوريا، ومن أجل استقراء التطلّعات السياسية لهذه الأقلية الإثنية في ظل التطوّرات الدراماتيكية التي تشهدها، لا بدّ لنا من إجراء مراجعة سريعة لتاريخ الشعب الكردي، ولتوزّعه الجغرافي، وللتيارات السياسية الرئيسة التي تحاول أن ترسم صورة مستقبله السياسي والوطني. لا نجد أن هناك فائدة في هذا البحث من الرجوع إلى التاريخ القديم الذي يبحث في جذور الشعب الكردي وأصوله، أو من النظر إلى اللغة أو "اللهجات" التي تستعملها المجموعات الكردية الموزّعة ما بين سوريا وتركيا والعراق وإيران، ويمكن أن نكتفي بمراجعة سريعة لتاريخهم اعتبارًا من العام 1514، حيث ضمّ السلطان العثماني سليم الأول أرمينيا وكردستان إلى السلطنة بعد انتصاره على الشاه إسماعيل، وعهد إلى مؤرّخ كردي يدعى إدريس أمر تنظيم هذه المناطق وإدارتها. قسّّم هذا الأخير هذه المناطق إلى سناجق أو مقاطعات، مع تعيين قادة محليين لإدارتها. وفي القرن التاسع عشر، عمدت السلطات العثمانية إلى إعادة تنظيم حكم تلك المناطق وإدارتها وربطها مركزيًا، حيث نتج عن ذلك إضعاف لسلطات الأمراء الأكراد. وقد بقي هذا الوضع قائمًا إلى حين اندلاع انتفاضة كردية في العام 1880 بقيادة أحد الزعماء الإقطاعيين من عائلة "شمدينان" والذي كان يعرف بإسم عبيد الله. طالبت الانتفاضة بإعطاء الأكراد الحق بإقامة كيان سياسي مستقل، والاعتراف بدولة كردستان، وبوقف جميع تدخّلات السلطات التركية والإيرانية في شؤون الشعب الكردي. انتهت الانتفاضة الكردية بعملية قمع قادتها من قبل السلطات التركية، حيث انتهى عبيد الله وغيره من أعيان الشعب الكردي في المنفى في إسطنبول[6].
كانت الحركة الوطنية الكردية قد بدأت تتشكّل في نهاية الحرب العالمية الأولى مع سقوط الأمبراطورية العثمانية في إطار ردّة الفعل على المتغيّرات المتسارعة التي شهدتها تركيا، وفي طليعتها التحوّل القوي نحو العلمانية، والتي عارضتها التيارات الإسلامية الكردية، حيث شعرت هذه الجماعات بأن العلمنة تهدّد وجودها، كما أنها تتعارض مع تطلّعاتها لإقامة حكم كردي مستقل، وتقف عائقًا في وجه طموحاتها السياسية الخاصة.
في المقابل، ظهرت في هذه الفترة خلافات سياسية حول مستقبل كردستان، حيث توزّع الأكراد بين خيارين: الأول، إقامة كيان ثقافي مستقل ضمن إطار الخلافة الإسلامية العثمانية، والثاني، إقامة كيان قومي مرتكز على مبادئ الثورة الفرنسية وأفكارها، وذلك تزامنًًا مع الحماس الذي أبداه الرئيس الأميركي وودرو ويلسون لإقامة كردستان المستقلّة.
بلغ هذا الانقسام حدوده القصوى في أعقاب هزيمة السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى في العام 1918، حيث سارع الاستقلاليون إلى تشكيل بعثة خاصة وإيفادها إلى مؤتمر فرساي للمطالبة بالاعتراف "بالأمة الكردية"، ونجحت هذه البعثة في وضع القضية الكردية على طاولة المؤتمر الدولي.
نصّت معاهدة "Sèvres" التي أقرّتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، ووقّعت عليها تركيا في 10 آب/ أغسطس 1920، على توصية في الفصل 111 (البند 64) تقضي بإقامة دولة كردية على جزء من كردستان.
لكن معاهدة لوزان التي وقّعت في 24 تموز/ يوليو 1924 والتي عقدت مع تركيا بعد تفكيك الأمبراطورية العثمانية، عادت لتنقض هذا الحق الذي نصّت عليه معاهدة (Sèvres)، حيث خلت من أي ضمانات لتحقيق الوعد بإقامة دولة كردية، وألحقت المناطق الكردية بالدولة التركية. في حين لم تقرّر سلطات الانتداب الفرنسي والبريطاني المصير النهائي لمناطق شمال العراق الغنية بالنفط حيث أبقي مصيرها معلّقًا ما بين الدولتين المنتدبتين، وذلك انطلاقًا من طمع كل منهما باستغلال الثروات النفطية المعروفة في منطقة الموصل، بينما وضعت المناطق الكردية في منطقة "الجزيرة" السورية تحت الانتداب الفرنسي.
وكان الإقليم الكردي الإيراني، قد أبقي خاضعًا "للاستعمار" الإيراني، في الوقت الذي كانت بعض أجزائه خاضعة لسلطة الزعيم الكردي الثائر "سيمكو".
بعد تعرّض معاهدة (Sèvres) للسقوط، عادت السلطات البريطانية المستعمرة وقرّرت ضم المناطق الكردية في شمال العراق إلى الكيان العراقي، وقد اعترفت عصبة الأمم لاحقًا في العام 1925 بهذا الضمّ، مع وجود وعد بريطاني بإقامة كيان كردي "مستقلّ" في شمال العراق، عندما ينال هذا الكيان استقلاله[7].
يتوزّع الأكراد على منطقة جغرافية تعرف بكردستان، وهي مقسّمة بين أربع دول مستقلّة هي: سوريا وتركيا والعراق وإيران. يشكّل الأكراد نسبة %20 من سكان تركيا، وما يقارب -18 %20 من سكان العراق، و-9 %10 من سكان سوريا، و%7 من سكان إيران، حيث يقدّر العدد الإجمالي للمجموعات الكردية في الدول الأربع ما بين 30 و34 مليون نسمة، ويعيش في تركيا ما يقارب %55 منهم، بينما لا تتعدّى نسبة الأكراد في سوريا %5 من هذا المجموع. يصنّف الشعب الكردي في المرتبة الرابعة في التصنيف السكاني على مستوى منطقة الشرق الأوسط، حيث تتشكّل الأكثرية الساحقة من العرب والإيرانيين والأتراك. وتجدر الاشارة إلى وجود ما يقارب مليون ونصف كردي موزّعين بين مختلف دول العالم، وخصوصًا في آسيا وأوروبا[8].
وعلى الرغم من نجاح الأكراد في الحصول على حكم ذاتي لمناطقهم في شمال العراق، إلا أن الحلم التاريخي للشعب الكردي بتحقيق الدولة الكردية المستقلة مازال بعيد المنال، حيث أثبتت الدول الأربع التي يتوزّع عليها الأكراد تماسكًا وطنيًا، وتمسّكًا بوحدة الشعب والأرض، بحيث أنه سيكون من الصعب جدًا توقّع إنشاء كيانات شبه مستقلّة للأكراد في سوريا وتركيا وإيران على غرار الإقليم الكردي العراقي. ومازال من المبكر جدًا إمكان التكهّن بصيغة الحكم للمناطق الكردية في شمال – شرق سوريا، أما بالنسبة لتركيا وإيران فليس هناك أي أمل، في المستقبل، لقيام كيانات تحظى بالحكم الذاتي. وهكذا يبقى الأكراد أكبر مجموعة إثنية في العالم، لا يتوافر لها دولة خاصة بها، فقد تبدّدت جميع الوعود الدولية التي قطعت لهم قبل ما يزيد عن تسعة عقود ونصف، بإعطائهم الحق في تقرير مصيرهم.
على الرغم من تطلّع الأكراد إلى تحقيق هدف الاستقلال في دولة ذات سيادة، فإنهم في جميع البلدان التي يعيشون فيها منقسمون وفق خطوط الانقسام القبلي والعشائري والعائلي أو المناطقي. وهم ينقسمون أيضًا وفق اللغة أو اللهجة، حيث أن هناك ثلاث لغات خاصة يتكلمون بها.
يبدو بوضوح أن الأكراد لم يتعلّموا الكثير من دروس التاريخ، حيث تبقى خطوط الانقسام بينهم أعمق بكثير من خطوط الجمع، وهناك ما هو أوسع من ذلك، ألا وهي الفجوات التي تفصل بينهم وبين العرب أو الأتراك أو الإيرانيين. وهناك مؤشّرات عديدة حول تعذّر إيجاد قواسم مشتركة بين أكراد سوريا وأكراد العراق، مما يضعف فرصة تلاقيهم أو اندماجهم في كيان موحّد.
بعد هذا التقديم العام للهوية الكردية، وتوزيع الشعب الكردي بين أربع دول، حريصة جميعًا على الحفاظ على وحدة شعبها وتراثها، نركّز البحث على وضع الأكراد في سوريا، وما يمكن أن يواجهوه في ظل الحرب الداخلية الدائرة منذ أكثر من سنتين، من تحديات وفرص، يمكن أن يتقرّر من خلالها تغيير أو تثبيت الحدود التي جرى رسمها انطلاقًا من اتفاقية سايكس – بيكو، والمعاهدات اللاحقة التي تلتها.
-4 الأكراد وتطلّعاتهم للاستقلال
يعيش في سوريا ما يزيد عن مليوني كردي، ويعتبر عددهم في هذا البلد صغيرًا ومتواضعًا إذا ما قورن بهؤلاء الذين يقطنون في الدول المجاورة، حيث يقدّر العدد ما بين 5 و6 ملايين في العراق، وفي إيران ما يقارب 8 ملايين، وفي تركيا ما بين 14.5 و15 مليون نسمة. جدير بالذكر أن الأكراد في سوريا ينتسبون لجماعة السنّة، مع وجود أقلية تنتسب لليزيدية[9].
توزّع الأكراد على عدة مناطق في سوريا، بينما شكّلوا أكثرية السكان في منطقة "الجزيرة، في محافظة الحسكة، الواقعة في الشمال الشرقي للبلاد، أي في "المثلث الحدودي" السوري – العراقي – التركي". في بدايات القرن العشرين، كان عدد الأكراد في دمشق يقارب ال12000 كردي، بينما توزّعت المجموعات الكردية الأخرى ما بين جبل الأكراد ومنطقة جرابلس ومنطقة "الجزيرة". بعد فشل ثورة الأكراد في تركيا ضد حكم "أتاتورك" في عشرينيات القرن الماضي، تدفّقت أعداد كبيرة من اللاجئين الأكراد باتجاه منطقة "الجزيرة"، حيث زاد عدد الفارين من تركيا على 25000 لاجئ، أي ما يعادل %10من عدد الأكراد المقيمين هناك. وقامت سلطات الانتداب الفرنسي على سوريا بتجنيس هؤلاء اللاجئين، الذين انخرطوا في العمل الزراعي. لكن الحكومة السورية لم تتعامل بعدل وواقعية مع الأقلية الكردية، إنما حسبتهم مجموعات طارئة على المجتمع السوري، وبأنهم لا يملكون جميع الحقوق التي تتمتّع بها سائر الشرائح الاجتماعية هناك.
يتوزّع الأكراد في شمال سوريا على عدة مناطق: محافظة الحسكة حيث توجد الأكثرية، ومن أشهر مدن هذه المحافظة مدينتا الحسكة والقامشلي، وهناك مجموعة كبيرة في عين عرب ومنطقة جرابلس. وتوجد مجموعة ثالثة في جبل العرب في الشمال الغربي قرب مدينة عفرين في محافظة حلب، أي في المنطقة الموازية لمقاطعتي إصلاحية وكيريكان في تركيا، هذا إضافةً إلى الجاليات الكردية الأخرى التي تتوزّع على المدن السورية الكبرى، وفي طليعتها دمشق، حيث يشكّل الأكراد الأكثرية الساحقة في حي ركن الدين، والذي عرف سابقًا بإسم حي الأكراد[10].
يعود تاريخ وجود الأكراد في سوريا إلى فترة التاريخ الوسيط التي سبقت الحملات الصليبية، أي إلى بدايات القرن الحادي عشر. لكن هناك أبحاثًا أثبتت أن هناك جاليات وإقطاعيات كردية وجدت في سوريا قبل هذه الفترة، وقد بدأت التمركز في المناطق العلوية وفي القسم الشمالي من جبل لبنان، وأيضًا في منطقة حماة، وريفها. ويشير إلى ذلك وجود حصن الأكراد، الذي كان موقعًا عسكريًا كرديًا في الفترة التي سبقت وصول الصليبيين إلى بلاد الشام، وقد أضافت إليه بعض الأجزاء قوة صليبية فرنسية. وهناك أيضًا حصن الجبل الذي سكنه الأكراد قبل ما يزيد على ألف عام.
في القرن الثاني عشر، شاركت بعض الأفواج الكردية مع صلاح الدين الذي كان كرديًا من سكان مدينة تكريت في العراق، في عملية الاستيلاء على المدن والممالك والإمارات تمهيدًا لتأسيس الدولة الأيوبية، والتي عاشت خلال الفترة ما بين 1179 و1241، والتي كانت عاصمتها دمشق. وعاشت هذه الأفواج الكردية حول دمشق في منطقة مستقلة ذاتيًا، عرفت لاحقًا باسم حي الأكراد ومقاطعة الصالحية، وهي تقع في الجهة الشمالية – الشرقية من مدينة دمشق. لم ينته الدور العسكري للأكراد مع نهاية الدولة الأيوبية بل استمر في عهد المماليك، وتابع امتداده إلى عهد السلطنة العثمانية. وكان من أبرز المهمات التي كانت تكلّف بها الأفواج الكردية، تلك الخاصة بحماية الطرقات التي يسلكها الحجّاج إلى مكة المكرمة. وتشكّلت خلال هذه الفترة قوات الانكشارية من أكراد سوريا، ولكن سرعان ما انضمّ إليها العديد من المهاجرين الأكراد من ديار بكر والموصل وكركوك، وهذا ما يفسّر النمو السريع للشريعة الكردية في العاصمة دمشق[11].
في الفترة العثمانية، ما بين العام 1299 إلى ما بعد انهيار السلطنة العثمانية في العام 1918، إنتقلت مجموعات كردية مختلفة من بلاد الأناضول باتجاه شمال سوريا. كانت أشهر القبائل الكردية التي وصلت إلى الشمال السوري قبيلة رشوان، التي قدمت من منطقة الديامان التركية، حيث وسّعت القبيلة انتشارها من الأناضول إلى سوريا، حيث امتدّ نفوذها إلى أمد طويل. ووصل نفوذ هذه القبيلة إلى ذروته في الفترة التي عيّن فيها شيخها تيمور حاكمًا لمنطقة الرقّة السورية. وتحدّث أحد الرحّالة الأوروبيين بعد زيارته لمنطقة "الجزيرة" عن وجود خمس قبائل كردية في المنطقة مقابل قبيلة عربية واحدة[12].
وصل الأكراد في تمدّدهم جنوبًا إلى سهل عكار في شمال لبنان، كما استوطنوا مناطق انطاكية واللاذقية، وتركّزت جالية كبيرة منهم في عفرين. في العام 1908، ثار الأكراد ضد العثمانيين، وانتهى بهم المطاف في نهاية الحرب العالمية الأولى موزّعين على جانبي الحدود الفاصلة ما بين سوريا وتركيا[13].
في نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد اندحار السلطنة العثمانية وتفكيكها أعطت معاهدة (Sèvres) التي وقّعت في 10 آب/ أغسطس 1920 وعدًا للأكراد في "كردستان العثمانية" بما فيها أكراد سوريا الحق بإقامة كيان كردي مستقل داخل الدولة التركية، على أن يتبع ذلك خيار في إقامة دولة ناجزة الاستقلال خلال عام واحد، من إنشاء الكيان المستقل. لكن حال صعود مصطفى كمال "أتاتورك" إلى السلطة، والانتصارات العسكرية التي حقّقها من أجل توحيد المناطق التركية، وتحريرها من الاحتلال، قد حال من دون تحقيق الحلم الكردي بالاستقلال. وقد فتحت انتصارات "أتاتورك" الباب لعقد إتفاقية لوزان في 24 تموز/ يوليو 1923، التي استعادت تركيا بموجبها السيادة على جميع المناطق الكردية الواقعة ضمن حدودها، وجرى توزيع المناطق الكردية الأخرى المتاخمة للحدود على مناطق الانتداب الفرنسي في سوريا ومناطق الانتداب البريطاني في العراق.
في ظل الانتداب الفرنسي على سوريا، حصل الأكراد على الدعم والاهتمام وذلك في ظل دأب الفرنسيين على تعزيز أوضاع مختلف الأقليات، من ضمن سياستهم المعتمدة "فرّق تسد". وقد لجأت السلطات الفرنسية إلى تطويع العديد من الأكراد والدروز والعلويين بالوحدات العسكرية التي شكّلتها والتي عرفت بقوات الشرق الخاصة.
في كانون الثاني/ يناير 1932، جرت أول انتخابات نيابية في سوريا، حيث دخل ندوة البرلمان ثلاثة نواب أكراد وهم: خليل بك ابن إبراهيم باشا عن محافظة الجزيرة، مصطفى بك ابن شاهين عن جرابلس، وحسين عوني عن جبل الأكراد[14].
في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، نشأت أول حركة استقلالية في منطقة "الجزيرة"، والتي اجتمع تحت مظلّتها الأكراد والسريان الكاثوليك. طالب هذا التحالف الكردي – المسيحي السلطات الفرنسية بالابقاء على منطقة "الجزيرة" تحت الحكم الفرنسي، في حال قرّرت هذه السلطات منح الاستقلال لسوريا، وذلك خوفًا من أن تقوم السلطات الجديدة في دمشق بتعيين موظفين من قبلها لحكم مناطقهم. لكن السلطات الفرنسية رفضت التجاوب مع مطالب الأقليات، كردية علوية ودرزية، حيث قرّرت توحيد سوريا في دولة مركزية، عرفت باسم الجمهورية السورية[15].
تبرز الآن الضرورة لتركيز البحث على وضع الأكراد في ظل الجمهورية السورية وخصوصًا لجهة الحركات السياسية التي نشأت في ظل دولة الاستقلال، ودراسة مختلف المشاريع السياسية التي سعت الدولة السورية أو الأحزاب الكردية إلى تحقيقها. وسيكون من الممكن على أساس هذا الاستعراض شبه الكامل لوضع الأكراد في سوريا عبر العصور، مناقشة التطلّعات الراهنة للأقلية الكردية لتحقيق كيان مستقل، جرى الترويج له منذ بدء الثورة في سوريا وعرف باسم "كردستان الغربية".
-5 الأكراد في ظل دولة الاستقلال
ينقسم الأكراد في سوريا إلى قسمين: الأول، ويضمّ الأكراد من سكان المدن الكبيرة الموزّعة على طول الأراضي السورية وعرضها وخصوصًا مدن حلب ودمشق وحماة وحمص، والثاني، ويضمّ الأكراد الذين يشكّلون أكثرية سكان منطقة الجزيرة. هذا واعتبرت منطقة "الجزيرة" تاريخيًا كأحد أجزاء المنطقة الجغرافية المعروفة ببلاد ما بين النهرين، حيث شكّلت هذه المنطقة ما كان يعرف "Upper Mesopotamia". بعد سقوط السلطنة العثمانية، وقد حكم القائد القبلي سليمان عباس هذا الإقليم، إلى أن جرى ضمّه إلى الجمهورية السورية في العام 1946.
في العام 1957، شكّل الناشطان السياسيان عثمان صبري وداهام ميرو بالاشتراك مع سياسيين آخرين الحزب الديمقراطي الكردي السوري (KDPS)، وذلك بهدف الدفاع عن حقوق الأكراد الثقافية، وتحسين الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، والتغيير الديمقراطي. لكن السلطات السورية لم تعترف بوجود هذا الحزب وقانونيته، وهذا ما دفعه للعمل السياسي السرّي، خصوصًا بعد الحملة التي شنتها الحكومة السورية ضد قيادات الحزب وقواعده في العام 1960، والتي جرى خلالها توقيف مجموعة من قياديي الحزب وسجنهم بتهمة العمل على الانفصال عن الدولة المركزية[16].
بعد انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر في العام 1961، أعلنت الجمهورية العربية السورية بموجب الدستور المؤقت الصادر في 23 آب/ أغسطس 1962. وقامت السلطات الجديدة بعملية إحصاء سكاني لمنطقة "الجزيرة"، والتي تقطنها أكثرية كردية. سحبت الهوية السورية من حوالى 120 ألف مواطن كردي، حيث صنفتهم السلطات أجانب، كما صنّف بعضهم الآخر "مكتومي القيد"، وقد ترافقت عملية الإحصاء السكاني هذه مع حملة إعلامية قوية تحت شعار: "الحفاظ على عروبة الجزيرة ومواجهة التهديد الكردي"[17].
حدثت هذه التطورات بالتوازي مع الانتفاضة الكردية التي قادها الملا مصطفى البارازاني في شمال العراق، ومع اكتشاف وجود كميات من النفط في منطقة الجزيرة. قرّرت الحكومة السورية في حزيران/ يونيو 1963 المشاركة في الحملة العسكرية التي شنّتها السلطات العراقية ضد المعاقل الكردية في الشمال، وذلك من ضمن سياسة استباقية لمنع امتداد الانتفاضة إلى منطقة الجزيرة، وفي محاولة واضحة لخنق الحركة الانفصالية الكردية، الموجودة بين الأكراد على جانبي الحدود. بلغ حجم القوى العسكرية السورية التي شاركت في العمليات في شمال العراق ستة آلاف جندي، يدعمها بعض العربات المدرّعة والطائرات، حيث نجحت في مطاردة المقاتلين الأكراد واحتلال مدينة "زخّو" الكردية.
في العام 1965، قدّرت أعداد الأكراد، من قبل المنظمة الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين، في الجزيرة، وفي مناطق الحدود مع تركيا، ما بين 300 و500 ألف شخص حرموا الجنسية السورية وجميع حقوق المواطنة، بما فيها حقّ التملّك والتعليم، كما نزعت من العديد منهم الأراضي التي أعطيت لهم بموجب قانون الإصلاح الزراعي. في هذا العام، قرّرت الحكومة السورية إنشاء حزام "عربي" بطول 300 كلم وعرض يتراوح ما بين 10 و15 كلم من نقطة الحدود المشتركة مع العراق ويمتدّ إلى بلدة رأس العين غربًا، وبشكل متوازٍ مع الحدود التركية. لكن تنفيذ هذا المخطط للنقل السكاني تأخّر إلى العام 1973، حيث جرى نقل مجموعات من البدو والعرب إلى هذه المنطقة الحدودية، وتعريب أسماء القرى الموجودة داخل هذا الشريط. إضافةً إلى ذلك فقد تقرّر نقل 140 ألف كردي من هذه المناطق إلى البادية الشمالية، منطقة الراعد. وسجلت مؤسسات حقوق الإنسان ممارسات انتهاك لحقوق الإنسان والتمييز بين السكان العرب والأكراد، كما جرى منع تعليم اللغة الكردية، وحرم الأكراد حقّ التصويت الانتخابي (للذين لم يحصلوا على هوية)، كما حرموا العمل في الوظائف العامة، أو في المؤسسات الصناعية والزراعية التي تملكها الدولة[18].
إستمرّت السلطات السورية في ممارسة شتى أنواع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على الأكراد "السوريين". وبلغت التدابير الزاجرة ضدهم ذروتها في آذار/ مارس 1986، عندما أنذرت السلطات الأمنية السورية بضعة آلاف من الأكراد الذين تجمّعوا في دمشق من أجل الاحتفال بعيد (النيروز)، وهم يرتدون الأزياء الكردية، ولما لم يذعنوا لأوامر خلع ملابسهم الوطنية، أطلقت قوات الأمن النار في اتجاههم، حيث أردت أحدهم قتيلاً. شارك في تشييع هذا القتيل 40 ألف كردي في مدينة القامشلي، كما قتل في بلدة عفرين ثلاثة أشخاص من الأكراد في أثناء احتفالات عيد (النيروز).
وخلال مباراة كرة قدم في مدينة القامشلي بين فريق كردي محلي، وفريق زائر من مدينة دير الزور، وقعت مشادة بين جمهور الفريقين من الأكراد والعرب، في 12 آذار/ مارس 2004، حيث استعملت قوات الأمن، وفق المصادر الكردية، الرصاص الحي ضد المدنيين، وتسبّبت كثافة النيران المحكمة بمجزرة حيث بلغ عدد الإصابات 65 قتيلاً و160 جريحًا في الأيام التي تلت الشجار في الملعب، بينما كان عدد القتلى في اليوم الأول 12 قتيلاً.
وتحدّثت وسائل الإعلام ومنظّمة العفو الدولية عن توقيف السلطات السورية مئات الأكراد بتهمة المشاركة في الشغب الذي تلى المباراة. وتحدّثت تقارير المنظمة الدولية عن سوء معاملة الموقوفين الأكراد من قبل السلطات الأمنية، وعن تعرّضهم للضرب والتعذيب. ولم تقتصر الحملة على التدابير المتخذة ميدانيًا، بل تعدّتها لتشمل طرد عدد من تلامذة الجامعات من الأكراد بتهمة مشاركتهم بالتظاهرات والشغب الذي حصل في أثناء مباراة كرة القدم وبعدها[19].
يضاف إلى الضغوط الأمنية الحرمان الذي عاشته المناطق ذات الأكثرية الكردية، حيث ترافقت عملية النقل السكاني مع كل أشكال الاهمال الاقتصادي والاجتماعي، وذلك على الرغم من تحوّل منطقة "الجزيرة" إلى منطقة منتجة للنفط، وبما يفيض عن الكميات اللازمة للسوق المحلية، حيث جرى تصديرها إلى الخارج، وتحوّلت عائداتها إلى صندوق خاص في دمشق من دون أن يستثمر أي جزء منها محليًا. وتتحدّث التقارير عن بلوغ عائدات الصادرات النفطية خمسة مليارات دولار أميركي سنويًا.
والجدير بالذكر أن هذه الضغوط التي مورست ضد الأكراد خلال أواسط الثمانينيات وفي العام 2004، دفعت المواطنين الأكراد إلى الشعور بالغبن، والتعبير عن نقمتهم على النظام بتنظيم التظاهرات الحاشدة كلما سمحت الظروف بذلك، وكانت السلطات السورية تواجه هذه الاحتجاجات بمزيد من عمليات القمع. لم يلق الأكراد خلال هاتين الفترتين أي دعم من الجماعات المعارضة الأخرى، وقد تركوا يواجهون مصيرهم بمفردهم.
في الواقع كان الأكراد في سوريا جزءًا لا يتجزأ من المشكلة التي أوجدها الغرب من خلال تقسيم كردستان بين أربع دول، ووفق حدود جرى رسمها بصورة اعتباطية. لم تهتم تركيا ولا العراق بما كان يجري في المناطق الكردية في شمال سوريا، خصوصًا وأن الدولتين المذكورتين قد جندتا كامل طاقاتهما العسكرية للسيطرة على الحركات الكردية الاستقلالية لديهما. واللافت أنه على الرغم مما سبق، فقد شجّعت السلطات السورية ودعمت نشاطات حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، كما سمحت لمقاتلي الحزب المذكور بإقامة قواعد لهم داخل سوريا، وقد استمرّ هذا النشاط الداعم للحزب المذكور إلى حين خضوع الرئيس حافظ الأسد لتهديد جدي من قبل تركيا في العام 1998، حيث أصدر أمرًا بمنع حزب العمال الكردستاني من العمل في سوريا، كما طرد قائده عبدالله أوجلان، الذي جرت مطاردته بين عدة دول إلى حين إلقاء القبض عليه وسجنه من قبل السلطات التركية.
-6 الأحزاب الكردية والصراع على النفوذ
بعد الثورة في تونس ومصر، أعلن يوم 4 شباط/ فبراير2011 يوم غضب في سوريا، حيث دعا النشطاء على الشبكة العنكبوتية الناس لتنظيم تظاهرات حاشدة، تطالب بإصلاح النظام وبإطلاق الحريات. لم تلبِّ جماهير الشعب الدعوة، واقتصرت التظاهرات على أعداد ضئيلة، ومن بينها عدد من النشطاء الأكراد. في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 جرى اغتيال القائد الكردي مشعل تمّو في منزله على يد مجموعة من الملثمين، يعتقد أنهم ينتمون لأحد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. في اليوم التالي وفي أثناء تشييع تمّو في القامشلي بمشاركة ما يقارب خمسين ألف مواطن، أطلقت قوات الأمن النار على المشيعين، حيث قتل خمسة منهم. وقد شكّلت هذه الحادثة سببًا مباشرًا لمشاركة الأكراد في الانتفاضة التي عمّت مجمل المدن السورية، بدءًا من مدينة درعا[20].
لكن يبدو من المفيد قبل التوغّل في دور الأكراد في الانتفاضة العودة إلى الوراء للتذكير بما واجهه الأكراد من مصاعب وظلم في عهدي الرئيسين حافظ وبشار الأسد. بحيث لم يشهد وضع الأكراد في شمال سوريا أي تغيّرات جوهرية في حكم الرئيسين على الرغم من كل المشاكل المتعاظمة التي خلّفها استفتاء 1962، وكان اللافت إخفاق بشار الأسد في إعادة الجنسية للأكراد الذين حرموا منها، إضافة إلى أن الأكراد قد شعروا بمزيد من الإهمال الفاضح لمناطقهم، وذلك على الرغم من اكتشاف النفط واستغلاله في منطقة الجزيرة.
عند انطلاق الانتفاضة إنقسم الأكراد بين مؤيد لها، وبين غير متعاطف معها وذلك على خلفية الموقف غير المبالي للسكان غير الأكراد لعملية القمع التي تعرّض لها الأكراد في القامشلي في العام 2004. لكن في الواقع، تفاوتت ردود فعل الأكراد بين مدينة وأخرى، إلا أن الحركة الاحتجاجية بقيت تحت درجة مقبولة من السيطرة خوفًا من ردود فعل النظام القاسية.
هذا وقد أظهر نظام بشار الأسد حرصًا على عدم تسعير المواجهة مع الأكراد، وذلك ضمن سياسة الحفاظ على الأقليات إلى جانب النظام، والإبقاء على مقولة أن "الثورة" هي مجموعة من الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات السنيّة المتطرّفة. ولذلك فإنه بدل اللجوء إلى اعتماد القمع والقسوة، لجأ النظام إلى فتح حوار مع القيادات المحلية الكردية.
قام النظام في نيسان/ أبريل 2011 بمحاولة لاسترضاء الأكراد، وفصلهم عن المدّ الشعبي المعادي للنظام بمنح الجنسية السورية لآلاف الأكراد المصنّفين في فئتي الأجانب والمكتومين، والقاطنين في محافظة الحسكة. إعتبر الأكراد أن هذه المبادرة التي قام بها النظام لاسترضائهم قد جاءت متأخّرة، كما اعتبروا أن استمرار التظاهرات في مناطقهم ستدفع النظام لتقديم المزيد من التنازلات، تعويضًا عن كل "المظالم" التي ارتكبها بحقهم. وبالفعل فقد قام النظام بخطوة جديدة لاسترضاء الأكراد حيث أطلق في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وضمن اتفاقية توصّل إليها مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، عدد من السجناء السياسيين الأكراد، وذلك لقاء تعهّد قيادة الحزب بعدم السماح لمحازبيها بالمشاركة في التظاهرات[21].
في الأشهر الأولى للانتفاضة، طلب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني إلى محازبيه عدم المشاركة في التظاهرات ضد النظام، وجارته في ذلك أحزاب كردية أخرى. في المقابل ظهرت حركة شبابية كردية عرفت بإسم "لجان التنسيق المحلية" حيث قرّرت تنظيم تظاهرات في عامودا والمالكية ورأس العين. واستمرّت هذه اللجان في توسيع نشاطها، متضامنة مع المتظاهرين في سائر المناطق والمدن السورية. وكانت الشعارات التي يطلقها المتظاهرون في درعا وحمص وحماة تتردّد في اليوم التالي في القامشلي وعامودا وغيرها من المدن الكردية. وهكذا واجهت لجان التنسيق المحلية الكردية نفوذ الأحزاب الكردية، وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي شنّ حملات عديدة لقمع التظاهرات في مناطق نفوذه، وذلك التزامًا منه بالاتفاق المعقود مع النظام من جهة أولى وكجزء من محاولته لفرض سيطرته في مناطق نفوذه من جهة ثانية، ونتيجة ذلك عملت اللجان على تركيز تظاهراتها في القامشلي وعامودا، حيث لا يتمتع حزب الاتحاد بشعبية ونفوذ واسعين[22].
وجدت الحركة الشبابية الكردية صعوبة في النموّ والتوسّع داخل حركة المعارضة السورية، وذلك بسبب الانقسامات الكردية الداخلية التي شجّعها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني أو المجلس الوطني الكردستاني بعد تأسيسه في تشرين الأول/ أكتوبر 2011. كان هذان الحزبان يتظاهران لتعزيز مكانتهما بوجه لجان التنسيق الشبابية، كما بذلا الجهود لشقها وشرذمتها بواسطة توزيعهما للمال والسلاح على بعض فصائلها وأعضائها.
كان هم الأحزاب السياسية الكردية فرض هيمنتها وتسويق برامجها الخاصة، رافضة التضامن مع حركة التمرّد التي عمّت البلاد. ولم تتعدّ الشعارات التي رفعها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في أي تظاهرة من تظاهراته شعاري "لا للبعث" و "لا للتدخّل الأجنبي"، إضافةً إلى التعبير عن دعم عبدالله أوجلان في سجنه في تركيا. في المقابل، كانت تظاهرات المجلس الوطني الكردستاني تدعو إلى تحقيق مطالب كردية صرف وفي رأسها تسويق حقّ الأكراد في تقرير المصير، مع عدم مجاراة المعارضة السورية في توقيت التظاهرات يوم الجمعة بعد الصلاة، واستبدال يوم الجمعة بيوم الأربعاء من كل أسبوع. وكان أبرز المطالب التي جرى رفعها الدعوة إلى "تغيير النظام" بدل شعار "إسقاط النظام" الذي رفعته المعارضة السورية[23].
لا بدّ هنا من التذكير بتأثير دور تركيا، والتي بعد فشل محاولاتها لإقناع بشار الأسد بتغيير سياسته عمدت إلى قطع علاقاتها مع نظامه، مع إبداء استعدادها لإيواء المعارضة السورية وتقديم كل الدعم السياسي والعسكري لها. وردّت دمشق على هذا الموقف التركي باستمالة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني من أجل احتواء الاحتجاجات، والتلويح بدعم حزب العمال الكردستاني في عملياته ضد تركيا.
بعد توقيع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والمجلس الوطني الكردي تفاهم أربيل، أنشأ الطرفان وحدات الحماية الشعبية في تموز/ يوليو 2012، والتي بدأت عملها تحت قيادة "اللجنة الكردية العليا" "لغرب كردستان"، والتي اعتبرت كحكومة محلية للمناطق الكردية التي جرت السيطرة عليها تباعًا، وذلك اعتبارًا من 19 تموز/ يوليو 2012 وهي تشمل مدن: عين عرب وعفرين وعامودا والمالكية ورأس العين والدرباسيّة ومعبدا، بينما بقيت الحسكة والقامشلي تحت سيطرة النظام.
خلال هذه الفترة جرى تأسيس جمعية محلية منتخبة، وظيفتها تقديم الخدمات الاجتماعية للمناطق الكردية. عرفت هذه الجمعية بـ"المجلس الشعبي لغربي كردستان" الذي يضمّ ممثلين محليين من جميع المناطق الكردية السورية. كما جرى إنشاء بلديات وقيادات محلية في المدن. وقد تكوّن المجلس من 320 عضوًا.
هذا ويتركّز نشاط "المجلس الشعبي لغرب كردستان" على حشد دعم السكان الأكراد لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بواسطة شبكات الخدمات والرعاية الاجتماعية، من خلال شبكة الإدارة التي ملأت الفراغ الحاصل بعد انسحاب موظّفي الدولة من المناطق الكردية. ويشدّد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني على نزاهة عمل المجلس الشعبي، وعلى نوعية الخدمات التي يقدّمها بالمقارنة مع النموذج المناقض الذي يقدّمه المجلس الوطني الكردستاني، والذي يشكو من سوء التنظيم والفساد الكلي.
-7 العلاقات مع الأكراد في تركيا والعراق
في ظل الحرب الأهلية والتشظي الداخلي الذي تشهده سوريا، يسعى الأكراد إلى الاستفادة من الفرصة المتاحة لهم لتحقيق طموحاتهم السياسية، بعد إفلاتهم من سيطرة الحكم، الذي مارس ضدّهم أنواعًا شتى من الضغوط الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بما فيها حرمان مئات الألوف منهم حق الحصول على الجنسية السورية. لكن يبدو بوضوح أنه لن يكون باستطاعتهم أن يقرّروا بمفردهم المسار السياسي الذي سيتبعونه في معزل عن المبادرات التي يقرّرها حزب العمال الكردستاني والحكم الكردي في إقليم كردستان في العراق. كما أن عليهم أن يدرسوا بدراية وتمعّن ردات فعل القوى الاقليمية المحيطة بكردستان، وخصوصًا كل من تركيا وإيران المعروفتين بمعارضتهما للحركات الكردية الاستقلالية. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أهمية نتائج المباحثات التي تجريها السلطات التركية في الوقت الراهن مع قيادات حزب العمال الكردستاني على المستقبل السياسي للأكراد السوريين، في ظلّ الصراع الذي تشهده سوريا. إنما لا يمكن البحث في مستقبل هؤلاء بمعزل عن قوة الجذب التي تمارسها القوى الكردية الموجودة في العراق وتركيا، أي الحكم الكردي القائم في شمال العراق، وحزب العمال الكردستاني برئاسة عبدالله أوجلان في تركيا. لقد نجح الأكراد العراقيون في إقامة كيان مستقل في الشمال بعد حرب الخليج الأولى العام 1991، وقد تكرّس هذا الكيان بعد الغزو الأميركي للعراق العام 2003، حيث تحوّل إلى كيان مستقل له حكومته وبرلمانه، وهو يسعى للاستيلاء على مزيد من السلطات من الحكومة العراقية المركزية. وتتشكّل قوتان رئيستان داخل الكيان الكردي المستقل في شمال العراق وهما: الحزب الديمقراطي الكردي برئاسة مسعود البارازاني، والاتحاد الوطني الكردي بقيادة جلال الطالباني. شارك التنظيمان في الصراع ضد حكم البعث في بغداد، ولكن يبدو الآن أن مسعود البارازاني قد دعم موقعه من خلال ترؤسّه لدويلة الإقليم "المستقل"[24]. في المقابل نشأ حزب العمال الكردستاني في تركيا في العام 1984 على أثر حملة القمع القاسية التي تعرّض لها الأكراد هناك في أثناء فترة حكم الجنرالات. أطلق حزب العمال الكردستاني حرب عصابات ضد السلطات التركية، بلغت ذروتها في التسعينيات من القرن الماضي، حيث تسبّبت بمقتل 30.000 مواطن تركي، وبنزوح كثيف للسكان الأتراك من جنوب – شرق تركيا باتجاه العراق وسوريا وصولاً إلى إيران. وحصّن حزب العمال الكردستاني مواقعه داخل الأراضي العراقية من أجل الاستمرار في حربه على تركيا، كما لقي مساعدة قوية من قبل نظام الرئيس حافظ الأسد، إمتد إلى العام 1998. وكان للحزب فرع في الجزء الإيراني من كردستان عرف باسم "حزب الحياة الحرة الكردستاني". يسعى الفريقان الكرديان الأساسيان المتمثلان بالحزب اليمقراطي الكردي وحزب العمال الكردستاني إلى مدّ نفوذهما إلى المناطق الكردية في الجزيرة السورية أو ما بات يعرف الآن بـ"كردستان الغربية"، والاستفادة من الفراغ الذي حصل بعد انسحاب قوات النظام السوري من المنطقة. وكان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني القريب من حزب العمال الكردستاني قد فرض في تموز/ يوليو 2012 هيمنته على خمس بلدات شمال – شرق سوريا وخارج مدينة القامشلي، من خلال نشر ميليشياته المعروفة بوحدات الحماية الشعبية.
هذا ويواجه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني قوّة منافسة معروفة باسم المجلس الوطني الكردي. ويتألّف هذا المجلس من 16 حزبًا كرديًا يدور معظمهم في دائرة نفوذ البارازاني. ويحظى المجلس الوطني الكردي أيضًا بميليشياته الخاصة. ونظرًا للتنافس الحاصل بين الفريقين الكرديين في شمال العراق، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يتمتّع بدعم خاص من الاتحاد الوطني الكردي بقيادة الطالباني[25].
وبمبادرة من مسعود البارازاني اجتمع الفريقان الكرديان السوريان في 12 تموز/ يوليو 2012 في أربيل، واتفقا على تشكيل اللجنة الكردية العليا من أجل إقامة سلطة موحدة داخل "كردستان الغربية". صحيح أن اتفاق أربيل قد أوجد صيغة تعايش بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبين المجلس الوطني الكردي، لكنه لم يحقّق تحالفًا حقيقيًا، وهكذا يبقى احتمال حصول خلافات تؤدي إلى اشتباكات مسلّحة مفتوحًا، وقد حصل ذلك بالفعل في مناطق حلب في آذار/ مارس 2013. ويبدو أن العلاقات المستقبلية بين الفريقين مازالت ترتبط بالتطوّرات الجارية داخل سوريا وفي تركيا، وخصوصًا ما يعود منها لما يمكن أن تحقّقه المباحثات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، بعد إعلان عبدالله أوجلان من سجنه وقفًا عامًا لإطلاق النار بين حزبه والسلطات التركية.
لم تنجح المعارضة السورية والجيش الوطني الحر في استقطاب أي من الفريقين الكرديين، ويعود ذلك إلى إصرار الفريقين الكرديين على المعارضة السورية للاعتراف منذ الآن بحق الأكراد في سوريا بإقامة كيان مستقل ضمن سوريا موحدة، ورفضهما لإعلان سوريا كدولة عربية الهوية.
يذكّر اتفاق أربيل بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبين المجلس الوطني الكردي بالاتفاق الذي عقد في خلال فترة الحرب الأهلية الكردية في العراق بين أنصار بارازاني وأنصار طالباني، حيث يمثّل الاتفاق المعقود الإطار اللازم للتعايش بين الأحزاب الكردية في منطقة الجزيرة. وتدرك السلطة في إقليم كردستان العراق أن أي قتال ينشب بين الأكراد السوريين سيكون له تداعيات على أمن شمال العراق واستقراره، وسيهدّد حتمًا الاستقرار والازدهار الذي يشهده الإقليم[26].
أراد مسعود البارازاني، الذي يعتبر نفسه زعيمًا لجميع الأكراد، أن يحقّق كسبًا استراتيجيًا من خلال اتفاق أربيل، حيث نصّب نفسه السلطة الضامنة للسهر على تنفيذ الاتفاق المذكور. لقد فتحت مفاوضات أربيل الطريق أمام حوار جدي بين بارازاني ومسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المعروف بقربه من أوجلان. ويرى بارازاني أن ذلك يشكّل بداية للتأثير على مسار الأحداث في داخل المناطق الكردية السورية.
ويقوم بارازاني بتقوية نفوذه في الإقليم الكردي السوري من خلال تدريب المقاتلين الأكراد السوريين في العراق، وذلك على أمل ربط القوى المقاتلة على الأرض به، في محاولة لإيجاد توازن مع ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المدرّبة على أيادي حزب العمال الكردستاني. ويسعى بارازاني في نهاية المطاف إلى إقامة قوة ترتبط بشكل وثيق بالبشمركة التابعة له.
إذا نجحت خطة بارازاني في تحقيق النفوذ الذي يريده في منطقة الجزيرة، فإن بإمكانه استثمار هذا الفائض من النفوذ من أجل تقوية علاقاته الجيدة مع السلطات التركية، كما أنها ستدعم موقعه مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد.
تفاعل الأكراد السوريون في العقود الماضية مع الحركة الوطنية الكردية التي حمل مشعلها أوجلان وحزب العمال الكردستاني، والذي كان يحظى بدعم الحكومة السورية بقيادة الرئيس حافظ الأسد، والذي سمح له أيضًا بالعمل على الأراضي السورية، واستمر هذا الوضع إلى التسعينيات، حين خضع النظام السوري للتهديدات التركية، وأمر بطرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني مع أوجلان من أراضيه، مفضلاً التقارب مع تركيا على علاقاته مع الأكراد. لهذا السبب، يبدو أن محاولة بارازاني لكسب المزيد من النفوذ لدى أكراد سوريا قد لا تتكلّل بالنجاح بسبب العلاقات التاريخية مع حزب العمال الكردستاني. وهذا ما تؤكّده الشعبية الكبيرة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بين الأكراد السوريين. وإذا تمكّن حزب العمال الكردستاني من النجاح باستقطاب الأكراد السوريين فإن ذلك لن يصب في مصلحة المسعى التركي لاحتواء الجناح المسلح للحزب وقد يؤمن ذلك نفوذًا على جانبي الحدود لصالحه، وسيؤدّي هذا حتمًا إلى تهديد إعلان وقف إطلاق النار الذي أعلنه أوجلان من سجنه في تركيا.
-8 الدور التركي المحوري
لا بدّ أن تنطلق أي مراجعة للموقف التركي تجاه التطوّرات الجارية في المناطق الكردية في سوريا من خلال إدراك أبعاد الموقف التركي من الحرب الجارية في سوريا، وموقفها العدائي من النظام ودعمها للمعارضة، ومن خلال الصراع الطويل الذي خاضته تركيا على مدى أربعة عقود مع حزب العمال الكردستاني، والذي بلغت كلفته ما يقارب 300 مليار دولار، ومقتل 30.000 شخص. لقد فتحت تركيا أبوابها للمعارضة السورية، فسمحت لجناحيها السياسي والعسكري لتركيز قياداتها على الأراضي التركية، كما فتحت حدودها لتسهيل مرور اللاجئين السوريين إلى أراضيها، ولتمرير جميع وسائل الدعم للمقاتلين السوريين في شمال سوريا، وصولاً إلى إدلب وحلب وحماة ودير الزور[27].
في المقابل، تراقب تركيا عن كثب ما يجري في محافظة الحسكة وعلى طول الحدود حيث يوجد الأكراد، ويبدو أن لدى تركيا هواجس تجاه التطورات الجارية في هذه المناطق. وعبّرت السلطات التركية عن هذه الهواجس، وذلك بالتحذير بشكل واضح وصريح "أننا لن نسمح بإقامة مخيمات لمجموعات إرهابية في شمالي سوريا، لأن ذلك يشكّل خطرًا على تركيا". وكان رئيس الحكومة التركية رجب طيّب أردوغان قد هدّد بصراحة بأن تركيا ستتخذ أي خطوة تعتبرها مناسبة ضد أي وجود إرهابي في شمال سوريا.
تعتبر السلطات التركية أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يُمثّل نسخة أو امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. وهي تعتبر أن التحوّلات، التي يحاول الحزب إظهارها الآن، تتعلّق بالشكل، في الوقت الذي مازال المضمون هو نفسه. ويرى المسؤولون الأتراك أن على قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني أن تثبت الآن استقلالية الحزب عن حزب العمال الكردستاني، وبالتالي وقف نقل الأسلحة والمعدات العسكرية بينهما.
وعبّرت تركيا عن هواجسها تجاه ما يجري في المناطق الكردية السورية، وذلك بنشر وحداتها العسكرية في المناطق التركية المقابلة للقامشلي وعامودا وعين عرب، وهي ترصد عن كثب التحرّكات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ويمكن لتركيا أن تتدخّل لمنع إقامة قواعد في الأراضي السورية مماثلة لتلك القائمة في جبال قنديل، يمكن أن يستعملها مقاتلو حزب العمال الكردستاني لشن هجمات ضد الجنوب الشرقي لتركيا.
نقلت القنوات الفضائية العربية في 7 تموز/ يوليو 2013 أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني قد طرد من أحد المعابر الحدودية مع تركيا عناصر من جبهة النصرة، وهو يقوم بالتحضير لتشكيل حكومة محلية بالاشتراك مع قبيلة طي العربية الموجودة في منطقة الجزيرة، وهي قبيلة معروفة بولائها للنظام السوري. كما أنه ينوي حماية الإقليم من هجمات "جبهة النصرة أو الجيش الحر" من خلال قوات عسكرية إستقدمها صالح مسلم زعيم الحزب من جبال قنديل، وسيشارك في هذا الانتشار العسكري رجال مسلحون من القبيلة المذكورة. وتؤكّد هذه التطوّرات على واقعية النظرة التركية للتطورات المرتقبة في منطقة الجزيرة. وكان بعض المصادر التركية قد ذهب إلى حد اعتبار أن قيام "كردستان الكبرى" لم يعد فكرة نظرية، وإن التطورات الحاصلة في الجيوبوليتيك الاقليمي تؤشر إلى ذلك، وستشكّل هذه التطوّرات تحديات كبيرة للدول التي تنتشر فيها الجاليات الكردية مثل سوريا وتركيا والعراق وإيران. ويبدو بوضوح من خلال الواقع الراهن أن حكومة إقليم العراق تحاول مساعدة الأكراد في الجزيرة من أجل تحقيق كيان مستقل، في الوقت الذي تستمر فيه التحالفات القائمة منذ عقود بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، وخصوصًا من أجل العمل على توفير القوة العسكرية لحماية الإقليم السوري وتطلّعاته نحو الاستقلال الذاتي. وهكذا يمكن القول أن أراضي كردستان باتت تستعمل كجسر عبور لكل الصراعات العابرة لحدود الدول المذكورة أعلاه.
وكانت تركيا قد استبقت هذه التطوّرات الميدانية في الجزيرة، فنشرت قوّاتها العسكرية على طول حدودها المقابلة لمحافظة الحسكة، كما قامت بمناورات عسكرية في المنطقة، وذلك بحجة مواجهة تطورات نشوء أزمة طارئة على تلك الحدود، ومن أجل التكيّف مع عمليات استقبال اللاجئين السوريين.
وتركّز الانتشار العسكري التركي على المناطق المقابلة للقامشلي ورأس العين وعين العرب، وعامودا وعفرين، وذلك في إطار التنبّه للمخاطر المترتبة على انتشار ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. ونقلت وكالة رويترز في 7 آب/ أغسطس 2012 عن زعيم الحزب صالح مسلم ردًا على الانتشار العسكري التركي، قوله "إن حماية شعبي في مناطقي، في بلداتي هو حقي، ولا يمكن لأحد أن ينكره عليّ، وهذا ما فعلناه. ولذلك فإنه ليس من حقّ تركيا إطلاق التهديدات"[28]. وتبقى أولوية تركيا مركّزة على منع توسّع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني إلى الجنوب من حدودها، وإقامة منطقة قنديل أخرى.
صحيح أن تركيا ترى أن منع قيام كيان كردي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في شمال – شرق سوريا يشكّل جزءًا مهمًا من استراتيجية الأمن القومي التركي، لكنها لن تلجأ إلى التدخّل المباشر في مسار الأحداث، وذلك يعود لإدراكها أن مثل هذا التدخل سيعقّد المفاوضات التي تجريها مع حزب العمال الكردستاني من أجل إنهاء الصراع مع الأكراد في الداخل، فهي لا تريد تصعيد الموقف مع حزب العمال الكردستاني، وهي تتجنّب في الوقت نفسه الدخول كطرف في الصراع داخل سوريا تجنبًا لإثارة حساسيات طائفية أخرى، وخصوصًا مع الطائفة العلوية، التي ستتهمها بالتدخّل من أجل نصرة أهل السّنة. يضاف إلى ذلك حرص تركيا على عدم الانزلاق إلى "الأتون" السوري، وذلك إدراكًا منها لعدم جدوى مثل هذا التدخل المحدود، غير القادر على التأثير في مسار الأزمة. وتحسب تركيا أي تدخل منفرد، وبمعزل عن حلف شمالي الاطلسي، أو تنفيذًا لقرار صادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع ستنظر إليه إيران والعراق ودول عربية أخرى على أنه يأتي بدوافع إحياء الامبريالية العثمانية الجديدة.
هذا وتسعى تركيا لاستيعاب المخاطر الناشئة عن تحرّكات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني من خلال تعزيز المجلس الوطني الكردستاني على حسابه، ودعمه من قبل مسعود بارازاني. لكنّ الأتراك يدركون بأن التنسيق مع بارازاني لن يدوم طويلاً، لأن هذا الأخير سيسعى في نهاية الأمر إلى إقامة كيان كردي في سوريا، يكون أكثر ارتباطًا مع الإقليم الكردي العراقي منه مع النظام السوري. وستبدي تركيا خشيتها من حصول ذلك، لأنه كفيل بتغذية المشاعر الانفصالية بين الأكراد ضمن تركيا.
وتجد تركيا نفسها في ظل تطورات الحرب في سوريا في وسط مجموعة من التناقضات، وتنشط ديبلوماسيتها من أجل التعامل معها بأقل مستوى ممكن من الاضرار بمصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية. وتأتي قضية مستقبل الأكراد في سوريا في رأس قائمة أولويات الديبلوماسية التركية حيث أنها تتقاطع مع علاقات تركيا مع سلطات الاقليم الكردي العراقي، ومع الجهـود التركية الحثيثة للتوصّل إلى اتفاقية تنهي الصراع الطويل مع حزب العمال الكردستاني. وترتبط أنقرة مع أربيل بعلاقات تجارية مزدهرة جدًا، يضاف إلى ذلك مخطّط إنشاء خط لنقل النفط والغاز من المناطق الكردية إلى تركيا، وبصورة منفصلة كليًا عن الخط الذي تملكه حكومة بغداد.
في المقابل لا تتوافر أي أدلة قاطعة عن تسلل مقاتلين أكراد من سوريا إلى تركيا على الرغم من إنشاء ميليشيا مسلحة تابعة لحزب الاتحاد الكردستاني، والتي باتت تشكل قوة عسكرية فعلية مؤلفة من أكثر من عشرة آلاف مقاتل[29]. ويبدو بوضوح أن قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني تبدي كل الحرص على عدم إعطاء تركيا أي ذريعة أو مبرّر للتدخّل عسكريًا في المناطق الكردية السورية، وخصوصًا في منطقة الجزيرة. وتدرك قيادة الحزب أن لدى الحكومة التركية إجازة سياسية صادرة عن البرلمان التركي للقيام بذلك، حيث صوّت البرلمان المذكور في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 على إعطاء الحكومة الحق بشن عمليات في سوريا من دون تحديد الزمان والمكان. وتنسجم السياسة التي يتبعها زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم مع التحوّل الذي جرى في استراتيجية حزب العمال الكردستاني، بدءًا من العام 2000، إذ تخلى عن الدعوة إلى قيام دولة كردية في كردستان الكبرى، واستبدال ذلك بالسعي إلى إقامة كيانات تتمتع بالحكم الذاتي ضمن الحدود القائمة بموجب إتفاقية سايكس – بيكو، والاتفاقيات اللاحقة.
وفي هذا المجال ترى قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني أن الفرصة مؤاتية لا بل هي متاحة لإنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا (إلى جانب منطقة الحكم الذاتي في العراق)، وهي لا تريد إضاعة هذه الفرصة من خلال التورط بأي عمل عسكري في تركيا، خصوصًا وأن الواقع الجغرافي لا يسمح بأن تكون المنطقة الكردية السورية البديل لمناطق جبال القنديل بتضاريسها الوعرة. وهناك سهولة كبيرة للعبور من تركيا إلى شمال سوريا عبر معابر عديدة، كما تسهّل مراقبة مناطق واسعة جنوب الحدود من داخل الأراضي التركية.
هناك مؤشرات عديدة إلى أن قيادة حزب العمال الكردستاني تدرك الأولويات التي وضعها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لحماية المناطق التي يسيطر عليها من أي تدخل عسكري تركي، ولذلك فإن حزب العمال قد لجأ إلى استعمال "حزب الحياة الحرة الكردستاني" (والذي يشكل النسخة الإيرانية من حزب العمال الكردستاني) لتكثيف هجماته العسكرية في شرق الأناضول، بعد أن أوقف الحزب عملياته (تقريبًا) في إيران، وهناك تساؤلات تطرح حول إمكان وجود توافقات سرّية بين قيادة حزب العمال الكردستاني وبين السلطات الإيرانية للعمل على إرهاق حكومة أردوغان في محاولة لتخفيف الضغوط التي تمارسها أنقرة على النظام السوري من خلال إيواء المعارضة السورية ودعمها. ويمكن أن يصب ما يجري الآن في خدمة إيران أيضًا، حيث ترى طهران فائدة كبرى في توجيه عمل الحركات الانفصالية الكردية على أراضيها نحو أراضي الدول المجاورة، وعلى رأسها تركيا[30].
تفتقد تركيا إلى خيار لمعالجة مخاطر وجود خطة متعدّدة الوجوه يشارك فيها حزب العمال الكردستاني مع حزب الحياة الحرة الكردستاني (الإيراني) بتشجيع ودعم من إيران ومن النظام السوري، سوى الإصرار على إنجاح المفاوضات التي بدأتها مع عبدالله أوجلان، وهي تأمل أن تفضي هذه المفاوضات إلى كبح جماح الجناح المتشدّد في الحزب، وتخريب خططه السرّية ضد حكومة أردوغان، بتشجيع إيراني وسوري.
وتدرك الحكومة التركية أنها لا تستطيع الاتكال على حليفيها عبر الحدود والممثلين بمسعود بارازاني والجيش السوري الحر، من أجل ضبط تحرّكات حزب العمال الكردستاني أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المعادية لها. كما تدرك أن أي عملية عسكرية واسعة تشنها القوات التركية باتجاه شمال العراق أو شمال سوريا ستدفع السكان المحليين إلى الوقوف إلى جانب الحزبين المذكورين، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاستقرار في المناطق الكردية داخل تركيا، إضافةً إلى مخاطر الانزلاق نحو نزاع طويل ومكلف للجيش التركي.
كما ترى حكومة أردوغان أن مستقبلها السياسي يرتبط بصورة مباشرة بمدى نجاحها في تطوير علاقاتها مع الإقليم الكردي في العراق، وبالمصالحة التي تسعى إليها مع الأكراد في تركيا، بعد إعلان وقف إطلاق النار من قبل عبدالله أوجلان من سجنه في تركيا. ويبدو أن معارضة تركيا لإقامة إقليم كردي مستقل في العراق قد تراجعت، وهي في طريقها للاضمحلال، وذلك على الرغم من إدراك أنقرة لمدى الضعف الذي ستلحقه سياستها هذه بالحكم المركزي في بغداد. لكن يبدو أن تركيا ستراقب عن كثب طبيعة العلاقات التي يسعى إليها حاكم الإقليم العراقي مسعود بارازاني مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا، حيث أن أي تحالف بين الطرفين سيثير حفيظة أردوغان، وسيدفعه إلى إعادة النظر في علاقاته مع بارازاني.
وتبقى تركيا اللاعب الأبرز في تقرير مصير الأكراد في سوريا، حيث تمسك بأوراق ضاغطة عديدة في سوريا والعراق وبين الأكراد أنفسهم، وأبرز هذه الأوراق هي العلاقات الخاصة مع قيادة المعارضة السورية، وعلى رأسها الائتلاف الوطني السوري وقيادة الجيش الحر، إضافةً إلى علاقاتها القوية مع مسعود بارازاني وحزبه وحكومته في إقليم العراق الكردي.
-9 التناقضات والصراع الكردي الداخلي
وفّرت الحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من سنتين ونصف فرصة تاريخية للأكراد السوريين من أجل بناء مؤسّسات حكم ذاتي، تقود إلى إعلان كيان مستقل تحت اسم "كردستان الغربية". تواجه هذا المشروع مجموعة من التهديدات والمخاطر، بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي. تنطلق التهديدات الخارجية أولاً من المعارضة التي يبديها لهذا المشروع مختلف الفصائل والتنظيمات المسلّحة المنخرطة في الثورة السورية، إضافةً إلى رفض تركيا لإقامة كيان كردي جديد في شمال سوريا[31]. وتتركّز المخاطر الداخلية في الخلافات العميقة القائمة بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الكردية، والموروثة من الفترة السابقة للثورة السورية، فالأكراد السوريون منقسمون داخليًا، في ظل غياب قيادة قادرة على توحيدهم، على غرار ما هو عليه الوضع في العراق وتركيا وإيران. وبعد انسحاب النظام السوري من المناطق الكردية في محافظة الحسكة بدأ الصراع على النفوذ بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية.
لم يحقّق اتفاق أربيل الذي رعاه حاكم إقليم كردستان العراق مسعود بارازاني النتائج المرجوّة منه، حيث فشل في تبديد العداوات والشكوك التي كانت قائمة منذ سنوات بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبقية الأحزاب الكردية المرتبطة بحكومة إقليم كردستان، والتي تعرف باسم أحزاب المجلس الوطني الكردستاني، وهكذا فإن أجواء انعدام الثقة بين الطرفين تزداد سوءًا. من وجهة نظر المجلس الوطني الكردستاني، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يظل قريبًا من حزب العمال الكردستاني، ويرتبط بعلاقات مشبوهة مع النظام السوري ومع النظام الإيراني. في المقابل يشكّك حزب الاتحاد الديمقراطي في قدرة الأحزاب المنضوية تحت لواء المجلس الوطني الكردستاني على تنظيم ذاتها والتوحّد حول رؤية مشتركة لدور الأحزاب في سوريا[32].
في المحصلة لن يكون من السهل تجاوز كل الحواجز والعقبات القائمة في وجه عملية تنفيذ اتفاقية أربيل، في ظل الطموحات التي يظهرها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لفرض سيطرته السياسية والعسكرية على الأرض. ولا بدّ في هذا السياق من ذكر الخلاف الجوهري في نظرتهما إلى مستقبل الأكراد في سوريا، حيث يدعم المجلس الوطني الكردستاني إقامة ترتيبات فيدرالية تشبه التجربة العراقية، في الوقت الذي يكرّر فيه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مقولة أوجلان التي تدعو إلى "حكم ذاتي ديمقراطي" للمناطق الكردية في سوريا.
لكن صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، لا يعترف بأنه يوجّه "دعوة للانفصال، وبأنه "بعد سنة كاملة من العيش بمفردنا على أراضينا، من الضروري تلبية حاجات الناس، الذين هم بحاجة لإدارة بهدف حل مشاكلهم، وإن الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه". وقد وعد مسلم بإجراء إنتخابات في المناطق الكردية فور الانتهاء من تنفيذ بنود اتفاق أربيل وإقامة إدارة محلية، تهتم بشؤون الناس وتؤمّن الخدمات لهم، إضافةً إلى تنظيم مسألة الدفاع عن الحدود ومعالجة الأمور الاقتصادية. إضافة إلى ذلك فإن مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يرون بأن عليهم مواجهة التهديدات العسكرية مع الثوار ومع الأتراك على حد سواء، في حين يبقى الأمل معقودًا على تحسين العلاقات مع جميع "الجيران"[33].
وهكذا يبدو بوضوح أن حزب الاتحاد الكردستاني يسعى بواسطة ذراعه العسكري المعروف باسم وحدات الدفاع الشعبي إلى فرض رأيه على الداخل الكردي وعلى القوى المجاورة، وقد نجح في إحباط كل المحاولات التي بذلتها الأحزاب الكردية لإصلاح هذا الاختلال في موازين القوى الداخلية. من جهة أخرى، تسبّب احتجاز حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لأربعة وسبعين عنصرًا من عناصر الحزب الديمقراطي السوري، والذي يعتبر الحزب الشقيق للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بزعامة مسعود بارازاني، بأزمة حادة مع حكومة إقليم كردستان، نتج عنها إدانة رسمية (بأقوى العبارات) إضافةً إلى إقفال الحدود بين الإقليم وبين المنطقة الكردية في سوريا. وقد اتهم بيان صادر عن مكتب الرئاسة لمسعود بارازاني حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالتراجع عن اتفاقية أربيل وبالعمل على تهميش دور الأحزاب الكردية الأخرى من خلال قتل أو توقيف مناصريها. وحذّر البيان الحزب من التهوّر والتصرّف على أساس أنه يمثل الشعب الكردي في سوريا، قبل إجراء انتخابات عامة في المنطقة الكردية.
وتضمّن البيان تهديدًا مباشرًا باتخاذ التدابير اللازمة لمنع استمرار الوضع على ما هو عليه في الوقت الراهن. وردّ زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم على البيان الرئاسي الصادر عن مكتب البارازاني بأن سوء التفاهم والخرق الذين حصلا لاتفاقية أربيل حصلا الخلاف الناشئ مع المجلس الوطني الكردي، حول تشكيل الاتحاد الديمقراطي الكردي الموالي لبارازاني، وبشكل مخالف للاتفاقية المذكورة. وذكّر صالح مسلم بأن توقيف الأشخاص قد جاء على خلفية تلقيهم تدريبات عسكرية في إقليم كردستان، وبأنه مستمر في اتباع سياسة منع انتشار أي عناصر عسكرية لا تتبع لحزبه تحت مظلّة وحدات الدفاع الشعبي، والتي تخضع لسلطة المجلس الأعلى الكردستاني. وقد رحّب صالح مسلم بأي مساع لتسوية الأمور، مرفقًا ذلك بالتحذير من انحياز البارازاني إلى جانب الأحزاب المنافسة له[34].
من هنا يبدو أن المناطق الكردية في سوريا ستكون معرّضة لتطوّرات واهتزازات أمنية متلاحقة لا تقتصر على تداعيات الصراع بين الفصائل الكردية وبين الفصائل الإسلامية المشكلة من جبهة "غرباء الشام" أو "جبهة النصرة"، بل تتعدّاها إلى صراع حقيقي على النفوذ بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبين حكومة إقليم كردستان والمجلس الوطني الكردستاني، الذي تأسّس في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 في أربيل برعاية مسعود بارازاني، وهو يتكوّن من ستة عشر حزبًا كرديًا سوريًا، وذلك ضمن استراتيجية سعي البارازاني لإقامة توازن سياسي وعسكري على الأرض، ومواجهة عاملي الهيمنة والنفوذ المفروضين بالقوة العسكرية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.
من المؤكّد بأن الدعوة لإجراء انتخابات في المناطق الكردية السورية لن تحل الاشكالية القائمة على الأرض، حيث أن الانتخابات في غياب قوة مستقلّة وغير منحازة تشرف على العملية الانتخابية، ستكون نتائجها معروفة سلفًا، وهي لصالح القوة المهيمنة عسكريًا على الأرض.
أما في "كردستان الغربية" فلا بدّ أن يدرك القادة الأكراد مدى حاجتهم إلى دعم مسعود البارازاني وحكم إقليم كردستان لتحقيق الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مناطقهم، وبأن أي تدهور في علاقات الأحزاب الكردية السورية مع حكومة إقليم كردستان ستكون لـه تداعيات وأضرار على الأكراد وجيرانهم العرب والأتراك. من هنا فإن التمسّك بالأفكار الضيقة التي يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني فرضها ستشكّل خطوة إلى الوراء في مسيرة الأكراد السورية لتحقيق تطلّعاتهم ومصالحهم في سوريا ومع الحكم البديل للنظام الحالي وتشير التطوّرات والأحداث اليومية إلى وجود أخطار حقيقية تهدّد بضياع هذه الفرصة التاريخية المتاحة الآن.
-10 الوضع العسكري العام في "كردستان الغربية"
أحدث الإعلان عن قيام إدارة إنفصالية في المنطقة اصطفافات سياسية وعسكرية يمكن أن تدفع نحو حرب ثلاثية الأطراف: عربية، كردية، وإسلامية متطرّفة. وكان المفاجئ في هذه التحضيرات انشقاق الوحدات الكردية عن الجيش الحر، حيث انضم لواء "جبهة الأكراد" الذي كان يقاتل إلى جانب ذلك الجيش إلى "وحدات الحماية الشعبية" الكردية، التي تخضع لقيادة حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني". وقد شكّل الجيش الحر جبهة لمواجهة الحركة الانفصالية الكردية ضمّت "اللواء 313" و "الفرقة 11" من الجيش الحر، إضافةً إلى بعض الوحدات الأخرى من الرقة. وتشارك في هذه الجبهة عناصر من "الدولة الاسلامية" في العراق والشام، و"جبهة النصرة" و"غرباء الشام" و"أحرار الشام"، ولواء "التوحيد".
ويبدو أن هناك جهوزية تركية للدخول على خط المواجهات في المستقبل، وخصوصًا في منطقة تل أبيض، حيث جرت في هذه المنطقة هجمات متبادلة بين القوات الكردية و"جبهة النصرة" وخصوصًا في رأس العين وتل أبيض. وتفيد المعلومات بأن هناك قرارًا كرديًا بالسيطرة على ممرّ رأس العين وتنظيف المنطقة من مقاتلي "جبهة النصرة" والجيش الحر.
في مواجهة هذه التطورات، اتخذت القيادة التركية مجموعة من التدابير العسكرية لمواجهة الوضع الميداني الطارئ، حيث جرى استنفار الفرقة الثانية، إضافةً إلى القاعدة الجوية التركية في ديار بكر.
هذا ويشكّل تل أبيض رأس ممر استراتيجي بين تركيا وسوريا، وهو يمتد على مسافة 20 كيلومترًا، على شكل "لسان" تقطنه أكثرية عربية، ويشق المنطقة الكردية إلى قسمين. ومن هنا فإن أي تدخّل تركي داخل سوريا سيكون عبر هذا "اللسان" الذي يسهّل الالتفاف على القوى الكردية المنتشرة على طول الحدود. ويدر هذا الممر عائدات جمركية كبيرة، كما أنه تجري من خلاله عمليات تهريب كبيرة لمواد أساسية، منها النفط والمشتقات النفطية على اختلافها، هذا إضافةً إلى أن شحنات الأسلحة إلى شمال سوريا تمرّ عبره، وهو يشكّل هدفًا استراتيجيًا للجيش الحر.
وتحاول القوات الكردية أيضًا العمل على احتلال بعض النقاط الاستراتيجية على الحدود مع العراق ومنها معبر تل كوجر – ربيعة، الذي تحتله جبهة النصرة.
تحاول الميليشيات الكردية احتلال مختلف القرى والبلدات ضمن جبهة تمتد على 70 كلم، وستؤجج هذه العملية الواسعة الصراع الإثني بين العرب والأكراد، وهناك في الواقع دعوات في المساجد العربية للقتال ضد الأكراد وطردهم من القرى والمناطق التي يوجد فيها السوريون العرب. ويبدو أن هذا الصراع سيمتد جنوبًا باتجاه حلب وريفها، وقد يتسبّب ذلك بقطع العديد من الطرقات الرئيسة باتجاه الرقة وحلب.
-11 العلاقات المتوترة مع المعارضة العربية
يعود التوتر في العلاقات بين الأحزاب الكردية وفصائل المعارضة السورية إلى الاختلاف الكبير الحاصل في نظرة الفريقين إلى مستقبل سوريا، وطبيعة النظام الذي قد يخلف النظام الحالي. لكن قبل البحث في هذا الموضوع، لا بدّ من الإشارة إلى المناورة التي قام بها هذا الأخير من أجل قطع الطريق على المعارضة المسلّحة والسيطرة على محافظة الحسكة وبقية مناطق الوجود الكردي في شمال البلاد. انسحبت قوات النظام من المواقع التي كانت تحتلها لصالح بعض القبائل العربية الموالية لها، والتي كانت قد نقلتها إلى المحافظة ضمن خطة تعريب المنطقة، ولصالح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وذلك انطلاقًا من ارتباطات هذا الحزب الأساسية بحزب العمال الكردستاني، والذي يتبع خطًا سياسيًا متباينًا مع تركيا ومع حكومة إقليم كردستان في العراق. وهكذا تحوّلت المناطق الكردية في الشمال إلى مسرح للتنافس السياسي والعسكري بين الفصائل الكردية، وبين هذه الفصائل ومجموعات المعارضة المسلّحة وخصوصًا الجيش الحر وجبهة النصرة. ولم تتمكّن عناصر المعارضة المسلحة بنتيجة هذا التنافس من تحقيق اختراقات في عمق المناطق الكردية، على الرغم من وجود بعض المجموعات المسلحة المتحالفة أو المتعاونة مع الجيش الحر مثل لواء صلاح وكتيبة مشعل تمّو، واللذين يتشكلان من جنود وضباط منشقين عن الجيش السوري.
أقام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مجموعة من المواقع العسكرية ونقاط التفتيش لإعاقة حركة المعارضة المسلحة غير الكردية، وذلك ضمن خطته لمنعها من إقامة المعسكرات أو الوجود العلني في داخل المدن الكردية. وسعى الحزب إلى توافق ضمني مع فصائل المعارضة على هذه التدابير، وذلك لمنع تحوّل المدن إلى نقاط مواجهة ساخنة. ويبدو أن المعارضة، بما فيها الجيش الحر، قد رغبت في هذا الاتفاق الضمني لأنها كانت تريد تركيز معركتها ضد النظام بدل خوض معارك جانبية. وكان من نتيجة ذلك مشاركة الطرفين المعارضين، العربي والكردي، في العمل على السيطرة على حلب وريفها في الشمال الشرقي والشمال الغربي للمدينة[35].
إلا أن تطوّر ًا بارزًا في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، أدى في ظل التوترات المتنامية بين مختلف المجموعات المسلحة من الجانبين الكردي والعربي إلى اشتباكات عنيفة قتل فيها العشرات، كما جرى تبادل لعمليات الخطف. وكانت المشكلة الأساس تدور حول حرية الوصول إلى الحدود التركية في المناطق الواقعة في ريف حلب الشمالي – الغربي[36].
في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، دخل لواء صلاح الدين (الذي يعتبر من مكوّنات الجيش الحر)، ومعه جبهة النصرة السلفية، إلى حي الأشرفية المجاور لمنطقة الشيخ مقصود التي كانت تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وقوات الحماية الشعبية الكردية. هذا وتعتبر منطقة الأشرفية ذات قيمة استراتيجية وعسكرية مهمة بالنسبة للطرفين، حيث أنها تتحكّم بالوصول إلى مدينة عفرين الكردية كما تتحكّم بطرق الوصول إلى مدينة أعزاز على الحدود التركية. فوقعت اشتباكات بين الطرفين سقط خلالها عشرات القتلى، كما امتدت الاشتباكات إلى القرى الكردية في شمال المدينة.
في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 تجدّد القتال بين الطرفين في منطقة رأس العين، والتي كان يسيطر عليها منذ انسحاب قوات النظام السوري مقاتلون أكراد ينتسبون إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والذي كان قد رفض الانضمام إلى الثورة ضد النظام القائم. تشكّل رأس العين بلدة مختلطة، يعيش فيها عرب وأكراد وإثنيات أخرى. وقد شنّت عناصر من الجيش الحر وجبهة النصرة هجومًا على البلدة بهدف السيطرة عليها، وحصلت معارك قاسية ودامية بين الطرفين، نجحت ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وقوات الحماية الشعبية الكردية بنتيجتها في صد الهجوم[37]. هذا وعاد الهجوم فتجدّد على رأس العين في 16 كانون الثاني/ يناير 2013، لكن الميليشيات الكردية نجحت في احتوائه. وتشكلت المجموعات المهاجمة من الجهاديين من "غرباء الشام" و "جبهة النصرة" والجيش الحر وبعض المقاتلين من العشائر العربية المقيمة في المنطقة. وجرى التوافق على وقف النار بمبادرة قادها المعارض السوري ميشال كيلو، وذلك في محاولة لوقف عملية الإنزلاق نحو قتال طائفي وأثني يستفيد منه النظام في دمشق[38]. قضى الاتفاق بانسحاب جميع الفصائل المسلحة من رأس العين، وبأن يتشكّل مجلس مدني يمثل المجموعات الإثنية في المدينة. كما نصّ الاتفاق على أن يقوم الجيش الحر ووحدات الحماية الشعبية الكردية بعمل مشترك لإدارة الحواجز ونقاط التفتيش. لكن يبدو أن مجموعتي غرباء الشام (التي تسيطر على النقطة الحدودية مع تركيا) وجبهة النصرة لم ينسحبا نهائيًا من المنطقة، مما يؤشر إلى إمكان تجدّد الاشتباكات، وتمدّدها لتشمل مناطق أخرى.
بالفعل، تجدّدت هذه الاشتباكات في أواخر تموز/ يناير 2013 وتمدّدت لتشمل محاولة جدية من جبهة النصرة للسيطرة على بعض الحقول النفطية في الرميلان والسويدية. ويتهم الأكراد بعض القبائل العربية بالتدخّل إلى جانب جبهة النصرة، ومنها قبيلة شمّر، وهذا ما دعا حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية إلى إعلان التعبئة العامة[39].
في المقابل أدّت الاشتباكات في رأس العين تكرارًا حول الحقول النفطية إلى تقوية موقع حزب الاتحاد الديمقراطي في جميع المناطق الكردية، حيث سنحت أمامه الفرصة لنشر قواته العسكرية في مختلف المناطق، بما فيها تلك التي استقدمها من جبال قنديل. ولا يصب مثل هذا التطور في انتشار ميليشيات الحزب ونفوذه في صالح تركيا، أو في صالح المعارضة السورية المسلحة. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قـد عبّر صراحة عن رفضه للمشروع الكردي الذي قدّمه صالح مسلم بتاريخ 26 شباط/ فبراير 2013 بقوله: "إن وحدة سوريا وسلامة أراضيها مهمة جدًا بالنسبة إلينا، ولا يمكننا التسامح في الحفاظ على سلامة شمالي سوريا، ولن نسمح بأي تحوير أو إضرار بهذه السلامة، سواء عن طريق حكم ذاتي أو أي تدبير قانوني أو غير قانوني"[40].
أما في عملية البحث عن أسباب التوتر في العلاقات بين الأكراد والمعارضة المسلحة، والتي أدت في المحصلة إلى اشتباكات مسلحة في رأس العين وعدة مواقع أخرى، فإن الجانب العربي يتهم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالتنسيق مع النظام في دمشق وبتنفيذ سياساته[41]. في المقابل يتهم الجانب الكردي تركيا باستعمال المجموعات المسلحة الأصولية لشن حرب ضد الأكراد، أو تحديدًا ضد ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. في المحصلة تشكل هذه الاشتباكات طعنة قاسية في خاصرة الثورة السورية، وهي تشكّل بداية خطرة لحرب أثنية بين الأكراد والعرب، كما تساهم في زرع بذور الشك والعداء بين السنّة وباقي الأقليات. ويبدو أن هناك حاجة ماسة لدى الطرفين الكردي والمعارضة السورية الممثّلة بالجيش الحر، بهدف إنشاء علاقات تنسيق وتعاون واضحة لمنع الإنزلاق نحو فتنة، عربية – كردية. ولا بدّ أن يعمل حزب الاتحاد الديمقراطي كل ما يلزم من أجل تبديد الشكوك التي تحوم حول تعامله مع النظام لإفشال الثورة في المناطق الشمالية. أما المسؤولية الأساسية عن منع اندلاع مواجهات عسكرية جديدة فانها تقع على عاتق الطرفين العربي والكردي للحؤول دون استعمال تركيا للجماعات المسلحة الدينية من أجل إضعاف ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي ونفوذه، من خلال تجديد الاشتباكات في رأس العين أو غيرها من المواقع. فإن الشكوك المثارة حول ضلوع تركيا في الدفع نحو هذه المواجهات فإنها سوف تنعكس سلبًا على الدور الذي كان متوقعًا من تركيا، والذي يرتكز على الحؤول دون حصول مواجهات طائفية أو إثنية بين الفصائل السورية.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يشعر بأنه مستهدف ومطوّق اقتصاديًا وتموينيًا حيث تمنع المجموعات المسلحة (بما فيها الجيش الحر) وصول الغذاء والمشتقات النفطية إلى مناطقه، في الوقت الذي أغلق الإقليم الكردي العراقي حدوده مع سوريا. ويعتقد مسؤولو الحزب المذكور بأن هناك مشروعًا، يشارك فيه مختلف الأطراف بهدف خنق الحزب وإفشال مشروعه السياسي لـ"كردستان الغربية"[42]. إنما لا يمكن توقّع أي تحسن في العلاقات السياسية بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مع المعارضة الممثّلة بالمجلس الوطني السوري (سابقًا) أو الائتلاف الوطني السوري (حاليًا). فالحزب كان يعتبر أن المجلس الوطني مقرّب جدًا من السلطات التركية، وأن الاخوان المسلمين يسيطرون على المجلس. وكان الحزب قد اعتبر في المؤتمر الذي عقده في بروكسيل في آذار/ مارس 2012 أن الإخوان المسلمين يشكلون الفصيل الأكبر في المجلس الوطني، وأنهم يعملون لمنع الأكراد من تحقيق تطلّعاتهم السياسية. وكان للتشبيه الذي أورده رئيس المجلس السابق برهان غليون ما بين الأكراد والمهاجرين المسلمين في فرنسا أسوأ الأثر على علاقات الحزب مع المعارضة، إضافةً إلى مواقف المجلس الوطني التي أشارت إلى رفض التجاوب مع مطالب الأكراد بنزع صفة العروبة عن الجمهورية السورية.
نتيجة هذه الخلافات العميقة فقد اختار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الانضمام إلى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمغرافي، التي ترفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في سوريا. وجرى بنتيجة ذلك إختيار حسن عبد العظيم كنائب لرئيس هيئة التنسيق صالح مسلم، واستقرّ صالح مسلم في موقع الرئاسة، على أساس أنه مستعد للحوار من أجل تحقيق إصلاح في النظام، أما في حال انضمام هيئة التنسيق إلى الائتلاف الوطني فإنه من المتوقّع أن يبتعد صالح مسلم عن الهيئة وعن الائتلاف معًا.
في المقلب الآخر، سعى المجلس الوطني السوري إلى استمالة المجلس الوطني الكردستاني إلى صفوفه في محاولة لتوسيع قاعدة المعارضة وضم أقلية رئيسة إليه، إلا أن هذه الجهود لم تنجح في تحقيق ذلك، وجاء هذا الإخفاق على خلفية رفض المجلس الوطني السوري قبول مصطلح "الأمة الكردية" إضافةً إلى رفضه مناقشة عدة مطالب تقدّم بها الوفد الكردي في المؤتمر الذي استضافته الجامعة العربية في تموز/ يوليو 2012، ومنها الاعتراف بالأكراد كمجموعة عرقية متميّزة، والاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية. كما أصرّ الرئيس السابق برهان غليون على رفض أي مطلب بقيام فدرالية لأن ذلك يعني حتمًا الانفصال. عاد المجلس الوطني السوري وصاغ وثيقة تلتزم بالاعتراف الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي، وذلك في إطار وحدة أراضي سوريا والشعب السوري، مع الدعوة إلى توسيع سلطات الحكومة المحلية، لكن هذه التوضيحات لم تؤد إلى اتفاق بين الطرفين.
كما أن انتخاب عبد الباسط سيدا، وهو كردي الأصل، لم ينجح في التقريب بين المجلس الوطني السوري والمجلس الوطني الكردستاني. وأثارت علاقته الوثيقة بتركيا، الشكوك لدى معظم الأحزاب الكردية. ويبدو أن الجانب الكردي قد نسف كل جسور الحوار من خلال تمسّكه بمطلب تقرير المصير ودعم قيام حكم فيدرالي في سوريا، لكن الحوار لم ينقطع بين المجلسين، وذلك استنادًا للعلاقة التي تربط كل منهما بتركيا[43].
عند تشكيل الائتلاف الوطني السوري في 12 تشرين الثاني/ يناير 2012، حضر أعضاء من المجلس الوطني الكردستاني، كما حضر مسعود البارازاني إلى مؤتمر قطر للمشاركة في المحادثات لتشكيل تحالف معارض يضم الأكراد. ولم يدع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني إلى الاجتماع المذكور. وطالب الجانب الكردي بموقع نائب لرئيس الائتلاف وبأن يكون %15 من أعضاء المجلس من الأكراد، وأن يتم حذف كلمة "عربية" من "الجمهورية العربية السورية". رحّب رئيس الائتلاف السوري السابق معاذ الخطيب بمشاركتهم، ووعدهم بدرس مطالبهم، على أن يبقى بحث المسائل الدستورية إلى ما بعد سقوط النظام في دمشق والتحضير لنظام بديل.
ويبدو بوضوح أنه لا تتوافر في الأفق القريب أي فسحة أمل تخفّف التوتّر القائم في العلاقات الميدانية أو السياسية بين القوى الكردية والمعارضة السورية، وأنه مع استمرار الوقت، وفي ظل المناوشات العسكرية، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني سيعزّز وجوده العسكري، من أجل فرض حال انفصالي، على الرغم من الضغوط التي تمارس عليه من قبل المعارضة المسلحة وتركيا وحكومة إقليم كردستان. سيؤسّس مثل هذا الواقع لإمكان حدوث تغييرات في الحدود التي رسمتها إتفاقية سايكس – بيكو. وتبقى سوريا مهدّدة ايضًا بحدوث عمليتي انفصال إضافيتين في المنطقة العلوية في الغرب والمنطقة الدرزية في الجنوب، إذا ما طالت الحرب وتعذّر حصول توافق إقليمي ودولي على إيجاد حل سياسي بنقل السلطة، مع الحفاظ على وحدة البلاد.
-12 الاستنتاجات
ملأت أحزاب وقوى كردية الفراغ الذي خلّفه انسحاب قوى النظام السوري في تموز/ يوليو 2012 من محافظة الحسكة. تتنافس هذه الأحزاب على النفوذ في هذه المناطق ذات الأكثرية الكردية، ويرتبط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مع حزب العمال الكردستاني الموجود في تركيا بينما ترتبط الأحزاب والقوى الأخرى مع حكومة إقليم كردستان في العراق.
كما يفتح الصراع داخل سوريا الباب على عدة خيارات يمكن أن يعتمدها الأكراد السوريون لاستعادة حقوقهم، ويبدو أن الخيار الذي يعمل بتحقيقه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني هو الأخطر على وحدة سوريا. يتركّز هدفه المعلن على تحقيق كيان مستقل في شمال – شرق سوريا. يصطدم هذا الخيار برفض المعارضة السورية للمطلب الكردي بالتعهد بنزع الهوية العربية عن الجمهورية المقبلة، وبالاعتراف المسبق بحقوق الأكراد بحكم ذاتي، وهويّة وطنية ضمن هذه الجمهورية. ويشكّل ذلك دعوة لقيام دولة فيدرالية على غرار النموذج العراقي.
يبدو من المستبعد إمكان إيجاد أرضية مشتركة بين الأكراد والمعارضة السورية، هذا ما أظهرته التوترات التي شهدتها العلاقات، وما نتج عنها من اشتباكات مسلّحة دامية في رأس العين والشيخ مسعود والمشرفية وغيرها من المواقع، ومن غير المتوقّع أن يتوصّل الطرفان إلى هدنة دائمة. كما تشير الاشتباكات المتتالية، ودعوة وحدات الحماية الشعبية الكردية إلى إعلان "النفير العام" في المناطق الكردية وتعبئة جميع القادرين على حمل السلاح من أجل الدفاع عن هذه المناطق ضد هجمات جبهة النصرة وتنظيم دولة العراق والشام الإسلامية. وكانت الشرارة قد انطلقت من عملية اغتيال المسؤول الكردي عيسى حسو بانفجار في القامشلي، وقد تعهّد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالنيل من الجناة.
في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة يلوح شبح الحرب الأهلية، التي ستترافق من دون شك مع عمليات تنظيف عرقي من الجانبين. لكن، الجيش الحر والمعارضة يحاولان منع الانزلاق إلى مثل هذه الحرب، وذلك ضمن إمكان عدم الوقوع في اللعبة التي يديرها النظام من خلال وجود تواطؤ بينه وبين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلم، والذي يحاول تسريع عملية إقامة إقليم يحكم نفسه ذاتيًا، وهذا ما يؤكّده المخطّط لكتابة دستور خاص لهذا الكيان الكردي، إضافةً إلى إنشاء المؤسسات الأمنية والإدارية والاقتصادية اللازمة لهذه الدويلة.
لا تقتصر التهديدات والمخاطر على مشروع إقامة كيان يتمتّع بالحكم الذاتي، على المعارضة المسلّحة التي تبديها جبهة النصرة والتيارات الإسلامية الأخرى لهذا المشروع، بل تتوسّع لتشمل المعارضة التركية الشديدة له، وخصوصًا بأن الحزب الذي يقف وراءه هو امتداد فعلي لحزب العمال الكردستاني. من هنا فإن الحكومة التركية قد لا تكتفي بتسليح الجبهات الإسلامية العاملة في الشمال السوري، بل يمكن توقّع أن تقوم القوات المسلّحة التركية بعمليات عسكرية عبر الحدود من أجل إضعاف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني تمهيدًا لإسقاط مشروعه الانفصالي. يضاف إلى معارضة تركيا للحزب المذكور المعارضة التي تبديها حكومة إقليم كردستان في العراق، والتي تحاول مؤازرة الجيش الوطني الكردستاني، المعارض بقوة للنظام السوري. وقد حاول الائتلاف الوطني السوري، وقبله المجلس الوطني السوري استمالة هذه القوى الكردية في محاولة لتوسيع قاعدة تمثيله، ولكنه فشل بسبب عدم اهتمامه بالتطلعات الكردية، ولرفضه مصطلح "الأمة الكردية". ويبقى من المستبعد جدًا أن تساوم المعارضة السورية على الهوية العربية لسوريا، أو أن تتجاوب مع أي طروحات كردية لإقامة إقليم كردي، وفق النموذج العراقي، وذلك ضمن رفض سياسة التفتيت أو قيام جمهورية فيدرالية.
في الواقع لا تختلف طبيعة الصراع في سوريا عما رأيناه في الصراعات التي حدثت في العقود الأربعة الماضية، حيث برزت استعادة لطموحات وهويات وطنية، طالما اعتقدنا أنها ضاعت واندثرت في كتب التاريخ[44]. إذ إن ما نشهده اليوم هو عودة جديدة لعدة هويات وطنية داخل سوريا، وإن ما يذكيها هو موجات العنف المفرط التي تشهدها البلاد. يطرح ظهور هذه "الهويات الوطنية" بقوة إمكان أن تعود سوريا إلى التجربة الخطيرة التي مرّت بها في ظل الانتداب الفرنسي حيث جرى تقسيم بلاد الشام إلى ست دويلات. هل تتكرّر هذه التجربة، فتنسلخ عن الوطن الأم عدة دويلات مذهبية وإثنية.
في النهاية سيرتكب الأكراد السوريون خطأً فادحًا إن هم استعجلوا الأمور لإقامة كيان كردي منفصل. فالواقعية والعقلانية السياسية تفرضان أن يتفق جميع الأحزاب والقوى الكردية هناك على صياغة رؤية مستقبلية تحفظ حقوق المواطن، وتؤمّن الاعتراف بهوية وطنية في سوريا موحّدة، وأن يتم التفاوض مع الائتلاف الوطني السوري. ولا بدّ في نهاية المطاف من إدراك أنه لن يكون من السهل إقناع النظام أو المعارضة بقبول تمثيل الأكراد بوفد منفصل ومستقل في مؤتمر "جنيف – 2".
إن جميع الحدود الجغرافية القائمة الآن في هذا المشرق العربي هي نتيجة مباشرة لاتفاقية سايكس – بيكو والاتفاقيات اللاحقة، والتي قسّمت المنطقة أولاً إلى مناطق نفوذ، ولاحقًا إلى دول ضمن حدودها الراهنة ولا بدّ أن يدرك الجميع بأن اللعب بحدود الدولة السورية سيؤدّي حتمًا إلى انزلاق الدول الأخرى إلى لعبة التفتّت والتقسيم، وهو تطوّر خطير لن يكون في صالح الأمن والاستقرار الاقليميين.
تبقى سوريا وحدها القادرة على تحديد مستقبل المنطقة، بخلاف الآراء القائلة بأن ظروف العراق هي التّي تحدّد ذلك المستقبل[45]، حيث أن سوريا تشكّل النقطة المركزية، وأن أي اهتزاز يصيبها ستكون له ارتدادات مؤثّرة أكيدة على الآخرين.
[1]- نزار عبد القادر، "الربيع العربي والبركان السوري – نحو سايكس بيكو جديد"، صدر في بيروت، كانون الأول 2012، صفحة 319.
[2]- نفس المصدر ص. 320.
[3]- Robert Olson, "Empowerment of Kurds in a Dramatically changing Middle East", Today Zaman, 28 July 2013.
0The Syrian Kurdish minority comprises 3 million people in other writings such as "view point- the Kurdish minority
and the future of Syria", see next reference.
[4]- "The Kurdish Minority and the feature of Syria"
[5]- نفس المصدر.
[6]- History of the Kurdish people – wikipedia, the free encyclopedia
www.wikipedia.org/ wik/ history_of_the_kurdish_people
See also Kurdish history timeline, www.infoplease.com/ spot/ kurds3.html
[7]- Jacques Neriah, "Kurdistan: the next flashpoint between Turkey, Iraq and the Syrian revolt”, August, 5, 2012
[8]- نفس المصدر.
[9]- نفس المصدر والمصدر المذكور في المرجع رقم 3.
[10]- نفس المصدر.
[11]-.Kurds in Syria – www.wikipidia.org/ wiki/ kurds_in_syria#history
[12]- نفس المصدر.
[13]- نفس المصدر.
[14]- نفس المصدر.
[15]-.Kurds in Syria, "wikipedia the free encyclopedia", see reference 11
[16]- نفس المصدر.
[17]- Kurdistan at the tri-border area between Iraq, Syria and Turkey,see reference 7
[18]- نفس المصدر – راجع أيضًا تقرير مجموعة الأزمات رقم 136 الصادر في 22 كانون الثاني/ يناير 2013 بعنوان "أكراد سوريا صراع داخل الصراع" ص.ص. 5 و6. حرم الأكراد السوريون أيضًا من حقوقهم اللغوية، وبمرسوم صدر في العام 1958 حظر نشر المطبوعات باللغة الكردية، حتى المدارس الخاصة منعت من تدريس تلك اللغة. واستبدل النظام الأسماء الكردية للبلدان والقرى بأسماء عربية، فأصبحت على سبيل المثال كوبانا الكردية عين عرب العربية، وفي 2008 صدر مرسوم يقيّد حق الملكية للأكراد.
[19]- .Kurds in Syria – wikipedia, the free encyclopedia
[20]- "أكراد سوريا: الصراع داخل الصراع"، تقرير مجموعة الأزمات رقم 136 بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير 2012، ص. 7.
[21]- BBC, 7 April 2011 degree 49 (April 2011) grants citizen ship to stateless registered ajaneb, but does not mention Maktumin المرسوم رقم 49 يمنح الجنسية للأشخاص الذين لا دولة لهم، والأجانب المسجلين لكنه لم يأت على ذكر مكتومي القيد.
[22]- "أكراد سوريا: الصراع داخل الصراع"¡ Õ. 6 æ7 æ19 æ21.
[23]- www.kurdwatch.org/ syria_article.php?aid=2719&z=en&cure=240
كان أكثر الشعارات إنتشارًا في المظاهرات الكردية "لا للبعث، لا للتدخّل الأجنبي".
[24]- .Dimitar Bechev, "Syria: the Kurdish view", European Council on foreign relations, 24 June, 2013
[25]- نفس المصدر.
[26]- نفس المصدر.
See also, Ben Gittlossen, "Syria's kurds look to Iraqi minority for support".New York Times, January 31, 2013.
www.nytimes.com 31/ 01/ 2013world/ middleeast/ 31iht-m31-kurds.html.
[27]- تقرير مجموعة الأزمات رقم 108، "الإحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط: ثورة الشعب السوري ذات الإيقاع البطيء"،
تموز / يوليو 2011، ص. 20.
[28]- للتدليل على جدّية الانتشار التركي والإستعداد للتدّخل إذا دعت الحاجة، فقد أجرت القوات التركية تدريبات عسكرية في مدينة ماردين، التي تبعد ÚÔÑÉ كيلومترات شمال القامشلي، وفي سروج مقابل عين عرب، حيث شاركت فيها دبابات وبطاريات مدفعية تمركزت قرب عين عرب.
Servet Yanatrue, "Drills aimed at PYD underway", Today's Zaman, 2 Aug 12.
[29]- هيكو ويمن، "صعود الأكراد في سوريا"، راجع أيضًا، المرجع رقم 7.
.www.carnegieendowment.org/ 02 / 05/ 2013
[30]- نفس المصدر.
[31]- Bashdar Puncho Ismaeel, "Syrian Kurdish discard threatens to Derail historical-Juncture"
www.bashdar.co.uk / 05 / 2013 / Syrian-kurdish-discard-threatens-to-derail-historical- juncture
[32]- نفس المصدر.
[33]- Erika Solomon & Isabel Cobs, "Syrian Kurdish group Aims for independent local administration"
[34]- يمكن مراجعة تقرير مجموعة الأزمان رقم 136 "أكراد سوريا – صراع داخل صراع"،
للإطلاع على الخلافات والتوتّرات بين الأكراد ومع مسعود بارازاني ص. 22-23.
[35]- "The Arab Kurdish battle in Syria has a major impact on Turkey's standing in the Syrian conflict"
[36]- "أكراد سوريا: صراع داخل الصراع"، تقرير مجموعة الأزمات رقم 136، ص. 30.
[37]- نفس المصدر ص.311.
[38]-.The Arab Kurdish battle in Syria has a major Impact.." See annotation No. 35"
[39]-39 جريدة الديار الأول من آب 2013 – جاءت الإشتباكات في سياق الرد على مقتل عيسى حسّو بمتفجرة وضعت في سيارته في القامشلي.
[40]-40 Prime Minister Erdogan has said initiatives towards partitioning Syria will not be allowed
[41]- Luke Harding, "The regime exit from Kurdish areas has sparked mistrust between rebels and Kurds",
the Guardian, 14 December 2012
[42]- "أكراد سوريا: صراع داخل الصراع"، صفحة 31.
[43]- نفس المصدر، صفحة 32.
[44]- Michael Williams, "Back to the future for Syria", the world today, volume 69, number 5.
[45]- نسيم خوري، "الأكراد أو "الدولة" المتعثّرة بين الوقائع والوعود"، مجلّة الدفاع الوطني اللبناني، العدد السادس والخمسون، نيسان/ أبريل 2006، ص 53.
Syrian Kurds between the choices of separation and unity
Syria represents a pivotal role in the regional system left behind by the Sykes-Picot agreement and the affiliated French – British agreements.
The central location and the role assumed by Syria during the Arab – Israeli conflict and in the wars which ravaged the region gave special importance to the role of Syria in preserving regional peace and stability. This was confirmed by the Lebanese war and the political and ethnic disturbances in Iraq in consequence of the American invasion in 2003. This fact was greatly manifested through the Turkish – Iranian rivalry and the attempts to gain the Syrian regime’s central position as a crossing bridge to spread their influence in the Arab Levant countries.
After a general overview of the Kurdish identity and distributing the Kurdish people in 4 countries which are all determined to preserve their unity and legacy, we will focus our research on the situation of the Kurds in Syria and what they could face amid the ongoing internal war which has broke out since more than two years ago such as the challenges and opportunities that could change or fix the borders drawn according to the Sykes – Picot agreement and the ongoing agreements.
Les Kurdes syriens entre deux choix:la séparation et l’union
La Syrie constitue un point central dans le système régional créé par l’accord Sykes – Picot et les accords français et britanniques qui l’ont suivi. Le rôle central joué par la Syrie dans le conflit arabo – israélien, et lors des guerres qu’a connu la région, a accordé à la Syrie un rôle important au niveau de la préservation de la sécurité et la stabilité régionales. Ce fait a été prouvé lors de la guerre libanaise, les troubles politiques et ethniques qu’a connus l’Irak après l’invasion américaine en 2003. Il est clairement apparu à travers la concurrence irano – turque afin de gagner les liens d’amitié avec le régime syrien pour bénéficier de la position centrale de la Syrie comme étant un pont de passage de leur influence vers les pays du Levant arabe.
Après une introduction sur l’identité kurde et la répartition du peuple kurde sur quatre pays, dont chacun tient à préserver l’unité de son peuple et de son patrimoine, nous concentrons notre recherche sur la situation des kurdes en Syrie et à tout ce qu’ils peuvent faire à l’ombre de la guerre interne qui dure depuis plus de deux ans, à travers laquelle les frontières dressées à partir de l’accord Sykes – Picot et les conventions annexes, pourraient être modifiées ou confirmées