- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
تُعدّ الأمم المتحدة المنتدى العالمي الوحيد الذي تناقش فيه بلدان العالم جميعها قضايا السلام، وحقوق الإنسان، والتنمية. وقد أرست هذه المنظمة عملها على ثلاث ركائز أساسية هي: حماية حقوق الإنسان، ضمان السلم والأمن الدوليَين، وتوفير التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب.
بعد أن حطّت الحرب العالمية الثانية أوزارها، قام 51 بلدًا بتأسيس هذه المنظمة أملًا في عدم تكرار فظائع النزاعات المسلّحة وارتكاب حمّامات الدم من جديد. وعلى مرّ العقود السبعة الماضية، زاد عدد أعضائها فأصبحت تضم 193 دولة في عضويتها. وأضحت بذلك أضخم المنظمات عالمية وأكثرها أهمية في عصرنا الحاضر. وكان من أوائل إنجازاتها التاريخية التوصّل إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 الذي حدّد المبادئ الأساسية الكامنة في صميم حركة حقوق الإنسان.
شكّل هذا الإعلان مصدر إلهام للقوانين والمؤسسات الدولية التي عملت على تحسين حياة الناس بشكلٍ مباشر في مختلف أنحاء العالم. ومنذ ذلك التاريخ، تمّ إقرار العديد من المعاهدات والإعلانات الخاصة بحقوق الإنسان التي صاغت بدورها نظامًا للقانون الدولي والمعايير التي توفّر الحماية للبشرية جمعاء، منها وضع حدّ للتمييز العنصري والتمييز ضد المرأة، وحظر التعذيب، والإبادة الجماعية، وحماية حقوق الطفل، ورعاية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، واللاجئين، والمهاجرين، والنازحين داخليًا، والأقليات، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والسكان الأصليين، وتنظيم تجارة الأسلحة، والدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
الأونروا: ما لها وما عليها
تتكوّن الأمم المتحدة من 30 منظمة أو وكالة أو برنامج عمل، من بينها «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» وبالمختصر أونروا. وهي وكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لنحو 4،7 مليون لاجىء فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. ويتمّ تمويلها بالكامل تقريبًا من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
تأسست الأونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام التالي لنكبة فلسطين أي العام 1949، وبدأت عملها في العام 1950. وكانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني تسلمت سجلاتهم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك على أمل أن يتمّ التوصّل لاحقًا إلى حلّ لمعاناتهم الوطنية والإنسانية. ويحق اليوم لنحو خمسة ملايين لاجئ منهم الاستفادة من خدماتها في مجالات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير وخدمة الطوارئ في أوقات النزاعات المسلحة.
الدول التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في إيجاد كيان الاحتلال الصهيوني إسرائيل على أرض فلسطين، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، كانت من أكبر المانحين للأونروا التي تواجه في الوقت الراهن طلبًا متزايدًا على خدماتها بسبب زيادة عدد اللاجئين المسجلين، وهشاشة الأوضاع التي يعيشونها وفقرهم المتفاقم والمدقع، فيما لم يواكب الدعم المالي المقدم لها عادةً مستوى النمو في الاحتياجات. ونتيجة لذلك، فإنّ الموازنة البرامجية للأونروا كانت تعاني دائمًا من عجز كبير.
كانت الإدارة الأميركية تقدّم عادة ما يزيد على ثلث موازنة الأونروا، لكنّها في عهد الرئيس ترامب، اقتطعت (في مطلع العام 2018) ما يزيد على نصف المساعدة المالية التي كانت تمنحها لها، فانخفضت من 125 مليون دولار إلى 60 مليون دولار سنويًا. وهذا التقليص سيفاقم من دون شك أعباء الدول المضيفة للاجئين كالأردن ولبنان وسوريا بشكلٍ خاص، ويؤثر سلبًا على استقرارها، في حين أنّه سيهدّد بأوضاعٍ كارثية في قطاع غزة المحاصر، والذي بحسب تقارير الأمم المتحدة أصبح مكانًا «غير صالح للعيش».
سبق ذلك تهديد من جانب الرئيس الأميركي ترامب وممثّلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، بوقف الدعم المالي عن الوكالة، حتى عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، والتي توقفت على خلفية نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
لم تكن هذه المساعدات يومًا تكفي لتأمين حياة كريمة للاجئين من دون الجهود التي بذلوها ويبذلونها في تعليم أبنائهم، والعمل الجاد لتدبير ما أمكن من أحوالهم، والنهوض من نكبتهم الإنسانية والسياسية والاقتصادية والوطنية.
لكن على الرغم ممّا تقدم، نرى أنّ وجود الأونروا في المناخ السياسي الراهن يبقى أمرًا جوهريًا، وهو مؤشر على المسؤولية الدولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة. ولقد تعايشت الوكالة مع هؤلاء اللاجئين لما يقرب من سبعة عقود، وهي حاضنة لذاكرتهم وتحتفظ بآلاف الوثائق التي تشهد على فاجعتهم التاريخية. وينظر اللاجئون إليها وكأنّها رمز لحقوقهم، ومصدر رزق للكثيرين من فقرائهم. وبالتالي ينبغي عليهم حماية هذا التراث كي لا تُختطف من الوكالة، هويتها الإنسانية ومهمتها الدولية، على يد مَن تسبّب بالأساس في لجوئهم وتشردهم.
دور الوكالة وأثرها على القضية الفلسطينية
لقد تعددت الآراء في ما يخص دور وكالة الغوث وتأثيرها في قضية الشعب الفلسطيني، فهناك من ظنّ بأنّها ستمتص الغضب والطاقة الثورية الشعبية بتوزيع الفتات من لقمة العيش على اللاجئين المشردين، في حين رأى آخرون أنّ الأونروا هي التي أبقت قضية اللاجئين على قيد الحياة. لكن للأسف، نجد أنّ سياساتها في الآونة الأخيرة باتت تهدف لفصل الفلسطينيين عن واقعهم، وإخضاعهم لإملاءات الاحتلال الصهيوني، بل والتماهي معه ومعاونته في طمس التاريخ والهوية الوطنية والحقائق والحقوق الفلسطينية. في هذا السياق عملت الأونروا مؤخرًا على تغيير المناهج الدراسية الفلسطينية، باتجاه حذف وشطب كل ما يتعلّق بجوانب المعاناة الإنسانية والسياسية للشعب الفلسطيني، وجوهر صراعه مع الاحتلال. وعمّمت على المدرّسين عدم الإشارة إلى القدس على أنّها عاصمة فلسطين التاريخية، وفرضت الكثير من التغييرات على قضايا تتعلّق بالأسرى وجدار الفصل العنصري، وغيرها من الانتهاكات التي تدين الاحتلال، وتبيّن حجم الظلم الممارَس بحق الفلسطينيين. على الرغم من كل ما سبق، لم ينسَ المشردون اللاجئون حقهم بالعودة لديارهم رغم مرور الزمن. والأهم في هذا الموضوع أنّ اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم قد حافظوا على هويتهم الوطنية، وحلم حق العودة لوطنهم السليب، وهم الذين احتضنوا ذكريات الأرض والبيوت ونقلوها إلى الأجيال اللاحقة. وهذا الموقف الرافض للتوطين ولاختزال القضية وتهميشها على أنّها قضية معيشية فقط، هو الذي يدفع الشعب الفلسطيني إلى تذكير العالم بأنّ الأونروا لا يمكن حلّها من دون حلّ قضيتهم السياسية كما تنص عليه القرارات الأممية.
في المقابل تتبع إسرائيل سياسة اتّبعتها قبلها قوى استعمارية متعجرفة تنظر إلى الشعوب بفوقية، فتظن أنّها إذا أرهبت وجوّعت وبطشت، ستدفع بهذه الشعوب إلى اليأس والخنوع. ومن دواعي الأسف أنّ إسرائيل تستغل في الوقت الراهن الوضع العربي البائس والمتهالك، وموقف السلطة الفلسطينية الضعيف والمستنزَف لشنّ هجمة جديدة على الأونروا من أجل إضعافها أكثر وأكثر، حتى إذا ما حانت اللحظة السياسية المناسبة، أقدمت على الإجهاز عليها بهدف تصفية القضية الفلسطينية وفرض توطين اللاجئين حيث هم في البلدان المضيفة، وإبطال مفعول القرار الأممي رقم 194 الضامن لحقّ عودتهم.