- En
- Fr
- عربي
ملف العدد
يجتذب قطاع البترول في لبنان الكثير من الشركات العالمية الكبرى، خصوصًا وأنّ الاكتشافات النفطية التي تحدث في البحر المتوسط أكان في قبرص أو مصر، إلى جانب الدراسات الجيولوجية، كلّها تعطي دليلًا وإشارات إلى احتمال كبير بوجود غاز ونفط في بحرنا. يتميّز هذا القطاع الجديد نسبيًّا في لبنان، بخصوصية تقنية وتشريعية تختلف عن باقي القطاعات. وتقوم هيئة إدارة قطاع البترول Lebanese Petroleum Administration-LPA، التابعة مباشرةً لوصاية وزير الطاقة، بوضع كل المعايير، والقوانين، والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بتنظيم هذا القطاع، والتي يجب أن تلتزم بها الشركات الدولية التي تأتي للعمل في قطاع النفط في لبنان. ولا يتوقف دور الهيئة هنا، بل يمتد إلى متابعة عمليات استخراج وإنتاج النفط في البحر، والتنسيق مع كل الجهات المعنية في لبنان (وزارات، وهيئات حكومية وغير حكومية) لتنفيذ هذه الأعمال بطريقة تتوافق مع القوانين اللبنانية ومع الأنظمة وأعلى المعايير الدولية.
الأنشطة البترولية
ولإلقاء نظرة على الأنشطة البترولية الأساسية التي تمّت في لبنان حتى الآن، تشرح المستشارة البيئيّة في الهيئة دارين المولى: في العام ٢٠١٩ تم حفر أول بئر في المياه البحرية اللبنانية في الرقعة رقم ٤، ولم ينتج عنها أي اكتشاف نفطي. ونحن حاليًّا بصدد التحضير لعملية حفر بئر ثانية سيتم تنفيذها في الرقعة رقم ٩ التي تقع بموازاة الحدود الجنوبية. والعمل جارٍ في هذا الإطار، لتحضير التراخيص الخاصة بالشركة التي ستنفّذ هذه الأعمال، وتنظيم كل الشروط ذات الصلة وإجراء مختلف الدراسات، لتوفير المتطلبات القانونية اللازمة وضمان الالتزام بها.
لماذا يختلف هذا القطاع عن غيره؟
أولًا: تتمّ العمليات على عمق ١٥٠٠ متر في البحر تقريبًا، ويمتدّ الحفر في القاع إلى نحو ٣٠٠٠ - ٤٠٠٠ متر بحسب اختلاف الرقعة، لبلوغ المكان الذي يُتوقَّع أن يكون فيه مكمن نفطي. لا تستطيع أي جهة (رقابية أو عامة) إمكان الوصول بسهولة إلى هذه الأعماق، حيث تُنفَّذ الأعمال بعيدًا عن النظر، وتتطلّب متابعة حثيثة ومناسبة لهذا النوع من العمليات من قبل الجهات المعنية.
ثانيًا: التقنيات المُستخدمَة لعمليات الحفر ضخمة، وتختلف بشكلٍ كبير عن أي تقنيات على البر، من حيث الكلفة لأننا نحفر على عمق كبير جدًّا، وفي محيط بيئي لا نملك الكثير من المعلومات عنه. إضافةً إلى أن أي حادث قد يقع في هذا المجال قد ينعكس سلبًا على الأنشطة البحرية الأخرى كالتجارية منها، وصيد السمك، والقطاع السياحي.
ثالثًا: المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذا القطاع كبيرة جدًّا وتكلفتها أكبر وأكبر. ومثال على الحوادث التي قد نواجهها: وقوع حادث تلوث نفطي يتطلّب معدات خاصة لمعالجته، أو انفجار على منصة الحفر، التي يعمل عليها ما لا يقل عن ٢٠٠ شخص...
رابعًا: يكون الإطار التشريعي لهذا النوع من الأعمال خاصًا جدًّا، واستنادًا إلى القوانين الدولية، فإنّ مسؤولية إدارة المخاطر والحوادث التي قد تنتج عن الأنشطة النفطية وكلفتها تقع على عاتق شركة المشغّل. فمن مسؤولية هذا المشغّل الحاصل على التراخيص اللازمة قانونًا، أن يلتزم كل الشروط والمعايير المُحدَّدة، وبالتالي أن تتضمّن دراساته كل خطط الطوارئ، والمعدات، والموارد البشرية والخبرات لتدارك المخاطر كإجراءات وقائية (اتخاذ كل الإجراءات التي تحمي العملية وتجنبنا الوصول إلى مرحلة طوارئ). وإن وقع أي حادث، يجب أن يكون لديه القدرة الكاملة على ضبط هذه الحوادث وعدم السماح بتفاقمها، وانتشارها أو تأثيرها على قطاعات أخرى.
هذه النقطة تحديدًا تشكّل اختلافًا كبيرًا عن الآلية المُعتمدَة في باقي القطاعات، يعني أن دور الدولة وتدخّلها في حال الحوادث (أمن وسلامة) في الأنشطة البترولية، يأتي فقط بطلب من المُشغّل. حين يفقد هذا المشغّل القدرة على استيعاب هذه الحوادث، يطلب من الدولة التدخل بحسب إجراءات خاصة، فيتمّ ذلك بالتنسيق بين المشغّل والدولة اللبنانية أو الوزارات المعنية. وفي حال تدخلت الدولة خلافًا لذلك، عندها تتحمل هي الكلفة، وهذا الأمر علينا تفاديه لأن الكلفة التي نتحدّث عنها هنا ضخمة وتفوق قدرة الدولة اللبنانية على تغطيتها.
ما هي أهمية دور الجيش في هذا الموضوع؟
تقوم هيئة إدارة قطاع البترول، منذ تاريخ إنشائها في العام ٢٠١٢، بأنشطة تنسيقية دائمة مع الجيش اللبناني. وتتحدّث دارين المولى في هذا المجال، عن دور الجيش الذي يمثّل الجهة الشرعية الأساسية الحاضرة والموجودة فعليًّا في المياه البحرية اللبنانية، إذ لا تمتلك أي جهة أخرى المعدات، والعديد والترتيبات اللوجستية اللازمة لذلك. وبالتالي تعتمد هيئة قطاع البترول، وحتى الشركات المُشغّلة بشكلٍ أساس على وجود الجيش لحماية الأنشطة البترولية، ولكن ضمن إطار قانوني واضح.
ولتعزيز هذا الدور، تقوم الهيئة بالتنسيق مع الجيش في الكثير من الأمور، ومنها ما يأتي:
- التعاون والتنسيق في وضع الاستراتيجيات والخطط التي تتعلق بقطاع النفط والغاز، مثلًا:
- تحضير إطار وطني لإدارة الكوارث وحالات الطوارئ التي قد تحدث في البحر والناتجة عن قطاع النفط، والاستجابة لها. هذا الإطار الوطني تم إعداده من قبل الهيئة والوزارات المعنية بمشاركة لجنة استشارية من الجيش، لتتوافق مع قدراته كونه يؤدّي دورًا كبيرًا في حماية المنشآت والحفاظ على سلامتها وأمنها.
- تحضير خطة وطنية لإدارة التلوث النفطي في البحر، بالتنسيق مع الجيش كجزء من أصحاب المصلحة أو الجهات المعنية التي تمّت استشارتها خلال التحضير لهذه الخطة.
- تنفيذ دورات تدريبية لتطبيق هذه الخطة والجيش كان مستلمًا عمليات التنظيف والاستجابة، بالتعاون مع وزارات أخرى (ولكن دور الجيش مهم جدًا في هذا الموضوع).
التعاون مع الجيش لمراجعة خطط الطوارئ والأمن التي تقدّمها شركة المشغّل، بهدف وضع هيكلية تنسيق وتعاون خلال حالات الطوارئ، وخصوصًا مع غرفة العمليات البحرية المُشتركة.
- غرفة العمليات البحرية المُشتركة هي خط التواصل الأساسي الأول الموجود في البحر، فإن حصل أي حادث في البحر، من واجب المُشغّل أن يبلغ الدولة اللبنانية من خلال هذه الغرفة التي تضمّ ممثلين عن كل الجهات. إنّ الإبلاغ ضروري وإلزامي بغض النظر إن كان المُشغل بحاجة إلى تدخل الدولة اللبنانية أم لا، وذلك لتأمين الجهوزية والاستعداد لأي تطورات قد تطرأ.
- عملت الهيئة منذ العام ٢٠١٢ وحتى اليوم على تنفيذ عدد كبير من ورش العمل التدريبية لتعزيز القدرات، مع الجيش ومع الجهات المعنية (في مجالات عدة: إدارة الطوارئ البحرية، إدارة التلوث النفطي، التحقيق...). كذلك، تمّ إصدار شهادات سلامة safety certification يجب أن يمتلكها كل مَن يريد الصعود على منصة الحفر أو زيارتها أو الوجود على متنها، بناءً على تدريب معيّن. هذه التدريبات أُصدرت لمتابعة عملية التنقيب في العام ٢٠١٩، وكان على المنصة عناصر من الجيش موجودون على مدار الساعة خلال العملية.
وانطلاقًا من تنسيقها مع المؤسسة العسكرية كممثلة لهيئة إدارة قطاع البترول، تؤكّد دارين المولى أنّ الجيش قادر على القيام بدوره، لأنه يملك الأشخاص، والعديد، والهيكلية التنظيمية الداخلية المناسبة لذلك. صحيح أنّنا، ومنذ سنوات، نعيش الكثير من المآسي والأزمات، وعلى الرغم من إمكانات المؤسسة المحدودة وحاجتها إلى الدعم والمعدات الأحدث لتتمكّن من تنفيذ هذه المهمة كما يجب، إلّا أنّ التزام عناصرها وتفانيهم في أي مهمّة ينفّذونها، مُضافةً إلى جهود "أبطال" من كل المؤسسات المعنية، لا يخلون من الأمل والمثابرة والعزم والقوة، هو ما سيسمح لنا بالمتابعة قدمًا حتى تحقيق النتائج المرجوة.