- En
- Fr
- عربي
الثابت والمتحوّل في النظام الاقتصادي العالمي
منذ بداية السبعينات من هذا القرن, وتحديداً منذ العام 1973, بعد حرب تشرين استطاعت مجموعة البلدان النامية النفطية, الاعضاء في منظمة الأوبك بثقلها العربي, اتخاذ قرارات في منتهى الأهمية أدّت إلى تصحيح أسعار النفط بنسبة اربعة اضعاف مما كانت عليه سابقاً. بعدها بفترة قصيرة طلب الرئيس الجزائري الراحل “هوارى بومدين” عقد دورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة قضية المواد الأولية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية.
إنعقدت الدورة السادسة الاستثنائية في نيسان 1974 لمناقشة هذه القضايا, وصدر عن هيئة المجتمعين في الأول من أيار 1974 أثر دولي هام, تمثّل بوثيقتين بالغتي الأهمية هما:
1 - إعلان بشأن اقامة نظام اقتصادي دولي جديد.
2 - برنامج عمل من أجل إقامة نظام اقتصادي دولي جديد([1]).
نذكر أوّلاً بأنّ هناك تذكير بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة, وبضرورة تسريع التقدّم الاقتصادي والاجتماعي لكلّ الشعوب. انطلاقاً من هذا كانت الدعوة لاقامة نظام اقتصادي دولي جديد على أسس المساواة والسيادة والتبعية المتبادلة والفائدة المشتركة والتعاون لكلّ الدول بغض النظر عن نظمها الاقتصادية والاجتماعية.
في الإعلان أيضاًً تذكير بالواقع الأليم الذي تعيشه الدول النامية التي تشكّل 70% من سكان العالم, والتي مع هذا لا تنتج إلاّ 30% من الدخل العالمي.
وبما ان الفجوة في ازدياد مضطرد, والأزمات الاقتصادية العميقة التي اندلعت منذ السبعينات تركت آثارها السلبية على الدول النامية,
وبما ان الدول تطرح ضرورة مشاركتها المشاركة الايجابية الكاملة والمتكافئة في صياغة وتطبيق قرارات تهم المجتمع الدولي برمته, باعتبار ان رخاء الدول المتطورة مرتبط, كما هو ظاهر بتنمية وتقدم الدول النامية, كان لا بد من فكرة اقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد كتعبير عن رغبة هذه البلدان النامية في انجاز واستكمال تحررها الاقتصادي, داخل حدودها الاقليمية, وعلى المستوى الدولي أيضاً, الأمر الذي يعني حرية اختيار النظم الاقتصادية الاجتماعية, ورفع الغبن والتمييز, وحق الشعوب في التصرّف بثرواتها الطبيعية الخ...
ودون التوقّف عند تحليل برنامج العمل من أجل إقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد نسجل فقط أهمية الموضوعات المطروحة مثل نظام النقد الدولي وتمويل تنمية العالم الثالث, تصنيعها, نقل التكنولوجيا و التعاون.
والأهم هو في إصدار ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول القرار 3281 المتضمن 34 مادة تطال الأسس الأساسية للعلاقات الاقتصادية الدولية, حقوق وواجبات الدول اقتصادياً, والمسؤوليات الجماعية تجاه المجتمع الدولي([2]).
ولتوضيح الصورة ووضعها في إطارها المنطقي لا بدّ من ذكر محاولات الأمم المتحدة الهادفة إلى تقديم المساعدات إلى الدول النامية من خلال ستراتيجية اقتصادية اجتماعية واضحة. بكلمات أخرى جرت محاولات هامة تحت عنوان عقود التنمية نتوقف عندها بسرعة لتوضيح بعض معالمها, ومن ثم نتابع منطق البحث باتجاه إقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد.
العقد الأول للتنمية: (19 كانون الأول 1961)
إنطلقت الأمم المتحدة ممثّلة بالجمعية العامة من صياغة العقد الأول للتنمية للبلدان النامية وذلك وفقاً لمفهوم برنامج تعاوني اقتصادي دولي يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تسريع التطوّر الاقتصادي باتجاه النمو الذاتي للإقتصاديات, وذلك برفع معدّل نمو الدخل القومي الكلي السنوي بنسبة خمسة بالمئة في نهاية العقد الأول.
وفي هذا السياق, ومن أجل هذا الهدف, طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء تسهيل إمكانية بيع سلع دول العالم النامي بأسعار مستقرّة بشكل يسمح لها بامكانية الاستفادة من عملية استقبال القطع الأجنبي لاهداف التنمية, وتنويع التصنيع, وخلق قطاع زراعي مرتفع الإنتاجية.
كذلك طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة محو الأمية ومحاربة الجوع والمرض, وضرورة التركيز على التعليم وتكوين الاخصائيين الجيدين والاستفادة من تلك المصادر المحررة من نزع السلاح لاهداف التطور الاقتصادي والاجتماعي.
وهذا يعني أن الدورة السادسة عشرة للأمم المتحدة, وبدعوة من الرئيس الاميركي “جون كندي” قدمت حافزاً لزيادة المساعدات للدول النامية والعمل على اتخاذ اجراءات اقتصادية خاصة لتوسيع التقدم الاقتصادي والاجتماعي([3]).
العقد الثاني للتنمية: (لسنوات السبعينات)
بعد المقدمة التي ذكرت فيها مستوى الحياة المتفاوت بين الناس في الدول المتطوّرة والدول النامية, و التأكيد على أهمية تأمين خطوة اضافية إلى الامام باتجاه تأمين السعادة ليس فقط للجيل الحالي, وانما للأجيال المستقبلية, بعد هذا تعود الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التوقّف عند معدّل النمو السنوي للناتج الكلّي فتفترض بأنه يجب ان يصل إلى 6%, اضافة إلى أهمية التعاطي الديمغرافي مع وتيرة التزايد السكاني, التي يجب ان تبلغ لسنوات السبعينات ما يساوي 2,5%.
أما فيما يختص بعملية الانتاج القطاعي فيلحظ العقد الثاني أهمية التوسّع بشكل يصل فيه معدّل النمو السنوي إلى 4% للزراعة و 8% للإنتاج الصناعي, علماً بأن نسبة الادخارات يجب ان تصل في العام 1980 إلى20%, إضافة إلى معدّلات نموّ سنوية للتصدير والاستيراد بحوالي 7%.
والأهم من هذه المؤشرات كلها يبقى القرار بالتزام الدول المتطورة تقديم مساعدات من مواردها المحولة إلى الدول النامية بما يوازي 1% من الناتج القومي الاجمالي لهذه الدول الرأسمالية المتطورة, بحيث أن 0,7% من هذه المساعدات (أي من الواحد بالمئة) تكون مساعدات حكومية والبقية تكون مساعدات خاصة تقيّم بأسعار السوق.
والحقيقة التي يجب ذكرها هنا خارج الحديث عن العقود المتعلّقة بالتنمية هي ان فكرة اقامة نظام اقتصادي دولي جديد ليس مرتبطاً فقط بما ذكرناه أعلاه, بل وليس مرتبطاً بشخص أو مجموعة أشخاص أو منتدى, بل يعود إلى تراكم كمّي لأحداث واجتماعات ومناقشات مستفيضة في الدول النامية كما في بقية دول العالم الرأسمالي كما الاشتراكي, إضافة إلى أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة.
في مقدمة هذه القضية نذكر الدور المميز الذي لعبته مجموعة دول الـ 77 وهي تلك الدول النامية التي ازداد عددها في أيامنا الحالية لاكثر من 120 دولة.
وللحفاظ على التسلسل التاريخي للأحداث نذكر بأنه يجب التأكيد على ثلاث مراحل معينة في مطالب الدول النامية.
* المرحلة الاولى: هي مرحلة مناهضة الاستعمار الكولونيالي (1945 1960) وبروز هذه الدول على الساحة الدولية وخاصة في مؤتمر “باندونغ” 1955.
* المرحلة الثانية: هي مرحلة حق التنمية وحقوق الانسان (1960 1973). هنا يكثر الكلام عن مؤتمرات الأمم المتحدة حول التنمية والتخلف. بدءاً من مؤتمر جنيف 1964, واقرار مبادئ العلاقات التجارية الدولية والسياسة التجارية للدول, وهي تصل بتعدادها إلى 15 مبدأ عام, و13 مبدأ متخصص, وثمانية مبادئ متعلقة بالترانزيت, تخصّ الدول التي ليس لها منفذ على البحر.
وهذه المبادئ كلها تعاطت مع أهم قضايا النظام الاقتصادي الدولي من مختلف الزوايا الاقتصادية والستراتيجية والسياسية والأخلاقية, اي انها تعاطت مع المبادئ الأساسية التي نجملها بخمسة هي تباعاً: السيادة والمساواة والتعاون الدولي والتبعية المتبادلة أو التضامن واحترام القانون الدولي([4]).
ومن ضمن المرحلة الثانية أيضاً نشير إلى المؤتمر الثاني للأمم المتحدة للتنمية والتجارة في سنة 1968, والذي يتلخّص جدول أعماله وقراراته بدعم مقررات المؤتمر الأول في جنيف.
في هذه الدورة اتخذت قرارات متعلقة بتجارة سلع المواد الخام, وهي على كلّ حال قرارات ذات طابع عام, إضافة إلى اتخاذ قرار بموافقة الدول الرأسمالية على تقديم تسهيلات إلى الدول النامية بهدف تشجيع المصادرات الصناعية من الدول النامية والمواد نصف المصنّعة.
وأتى المؤتمر الثالث لهذه المنظمة (اليونكتاد) في العام 1972 في سانتياغو (التشيلي) ليتناول القضايا الملحة أو مسائل الساعة, وجملة القضايا المتعلّقة بمسائل العلاقات الاقتصادية الدولية, الأمر الذي أعطى لهذا المؤتمر أهمية استثنائية.
هنا يجري الحديث عن تسريع التنمية الاقتصادية لمجموعة دول العالم الثالث, إذ أن الفروقات كانت كبيرة للغاية بين الدول الرأسمالية المتطورة والدول النامية وخاصة حول مؤشر الناتج القومي الاجمالي للشخص الواحد, وهي نسبة كانت في بداية السبعينات تصل إلى حوالي 14 مرة, ومع التأكيد أيضاً بأن كلّ الدلائل كانت تشير إلى زيادة الفجوة بدلاً من إنقاصها.
ومن الأمور الهامة التي تناولها هذا المؤتمر كانت مسألة التراكم وتمويل التنمية, بل وضرورة تحريك التمويل الداخلي لعملية التنمية الاقتصادية, اضافة إلى تضييق حدود انسياب الرساميل من الدول النامية, والعمل على تحويل التضامن من تضامن شكلي إلى تضامن فعلي.
* في المرحلة الثالثة هناك المزيد من الأحداث المتسارعة والهامة جداً وخاصة مع بداية ثورة أسعار النفط في العام 1973, والتي كانت نقطة الانطلاق في أزمة الطاقة وما تلاها من مناقشات وقرارات هامة جداً.
وبالرغم مما ذكرناه أعلاه بخصوص اعتماد الإعلان فكرة إقامة نظام اقتصادي دولي جديد يرفض النظام القديم, ويطالب اعتماد برنامج العمل المذكور أعلاه, الا اننا لا ننسى ان بعض الدول الرأسمالية المتطورة كانت قد رفضت فعلاً ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول (أتت نتيجة التصويت نسبة كبيرة لصالح الميثاق حيث صوتت 120 دولة (مع), وستة دول (ضد), بما فيها الولايات المتحدة الاميركية).
أياً كان مجرى الاحداث, الا اننا لا ننسى بعض المحطات اللاحقة والمهمة على طريق اقامة نظام اقتصادي دولي جديد تمثّل في العديد من المناقشات والقرارات والمؤتمرات الدولية نذكر أهمها على الشكل التالي:
مؤتمر التنمية والتعاون الدولي (القرار 3362)
لقد تعززت فكرة ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول مرة ثانية ووجدت صياغتها في الدورة الخاصة السابعة للأمم المتحدة في أيلول 1975, تحت عنوان “التنمية والتعاون الدولي”, وذلك بالعمل على تسريع عملية التنمية, وتنويع تصدير الدول النامية للمنتوجات الصناعية, ونصف المصنّعة, تحسين بنية الاسواق المرتبطة بالمواد الأولية حين يكون هناك مصلحة للبلاد النامية منها, العمل على استقرار الاسعار والتوازن بين العرض والطلب على المواد الأولية, تأكيد اهمية المساعدات الحكومية الغربية بنسبة 0,7% من الناتج القومي الاجمالي بالاسعار الجارية, الربط بين حقوق السحب الخاصة وعملية التنمية, اهمية الدور الذي يجب ان يلعبه صندوق النقد الدولي, اضافة إلى مواضيع عديدة تتناول علوم وتكنولوجيا التصنيع, الزراعة والتغذية والتعاون بين بلدان العالم الثالث.
في حزيران 1976 اجتمع مؤتمر اليونكتاد الرابع C.N.U.C.E.D في نيروبي في محاولة كانت قد نضجت ظروفها لوضع صياغة اخيرة لنظام اقتصادي دولي جديد, في صورة منسقة متفق عليها من القواعد المنظمة للعلاقات الاقتصادية الدولية, وخاصة في ما يتعلق بمبدأ الصندوق المشترك, من أجل تكوين مخزون احتياطي لعدد من السلع التي تنتجها البلدان النامية, وتعمل على تصديرها كمورد اساسي.
ولا يخفى ان الهدف من هذا الصندوق هو تحقيق الاستقرار لأسعار هذه السلع في الاسواق العالمية. وحين نشير بأن الظروف قد نضجت فاننا نأخذ هذا المعنى مشروطا, اذ ان الصعوبات كانت كثيرة, وتقف حجر عثرة على طريق الوصول إلى اتفاق تام, بل ومحاولة الدول الرأسمالية الالتفاف على جهود دول العالم الثالث وفي اكثر من مكان وزمان.
فالإعلان عن مشروع ما والالتزام بتحقيقه أمران مختلفان. والجمعية العامة يمكنها الاقتراح والاعلان ولا تتمتع بصلاحية فرض قراراتها على الدول الاعضاء خاصة ان هناك هوة بين موقف الدول الصناعية ودول العالم الثالث, لذلك نلاحظ بأن اهم المقررات المؤيدة للدول النامية انما تمت برعاية “اليونكتاد” التي عادة ما تعرف بمنظمة معاكسة لاتجاه منظمة “الغات” (اي الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات) المدافعة عن مصالح الدول الغنية([5]).
إلاّ ان المؤتمر الخامس لمنظمة اليونكتاد (التجارة والتنمية الاقتصادية المنعقد في مانيلا الفيليبين 1979), يعطي صورة أوضح عن حجم التناقضات والخلافات بين الدول الرأسمالية المتطورة والدول النامية, على الرغم من حجم المشاركة الواسع في أعمال هذا المؤتمر, حيث وصل العدد إلى 144 دولة من اصل 159 دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة.
ومع أن جدول أعمال هذا المؤتمر يتضمن العديد من النقاط الهامة مثل تجارة المواد الخام والمصنعة, المساعدات الثنائية والمتعددة الاطراف, انسياب رأس المال الخاص إلى الدول النامية, الديون الخارجية, نقل التكنولوجيا, الملاحة والدول التي ليس لها منفذ إلى البحر, التجارة بين الدول ذات الانظمة الاقتصادية الاجتماعية المتصارعة, التعاون بين البلدان النامية نفسها الخ, الا ان وجهات النظر اتت متباينة للغاية, بل ان الدول الرأسمالية المتطورة المهتمة فقط بمشاكلها الاقتصادية لم تكن لتهتم بقضايا التغيرات البنيوية التي حاولت الدول النامية طرحها, وفي مصلحة قيام نظام اقتصادي دولي جديد, والتي ستعمل على نقل وإعطاء الثروة والقوة الاقتصادية إلى مجموعة الدول النامية.
والنتيجة الحتمية لهذه المفاوضات الوصول إلى حالة ليست هي بالانتصار وليست بالفشل, كما يؤكد وزير خارجية الفيليبين رامولو, الأمر الذي يعني وصولها إلى طريق مسدودة لم تسمح حتى بمرور نوع من التوافق في ما يتعلق بالأوضاع الآنية للاقتصاد العالمي.
ولا ننسى ان هذه الحالة إنما تركت بصماتها على وحدة موقف وتماسك الدول النامية التي شعرت بتصدّع قواسمها المشتركة وذلك بخلاف المرحلة السابقة لتجمع الدول الـ 77.
العقد الثالث للتنمية: (1980)
اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بداية العقد الثالث للتنمية ابتداء من أول كانون الثاني 1981, وأرفقت اعلانها بملحق من 180 مقطعاً نلخصها بالتصور التالي:
أوّلاً - بعد التأكيد على الاعلان وبرنامج العمل وميثاق الحقوق والتوصيات الاقتصادية بصدد تأسيس نظام اقتصادي دولي جديد, هناك تذكير بعدم الوصول إلى الاهداف المرجوة من العقد الثاني للتنمية, وان هناك عوامل خارجية اثرت سلباً على دول العالم الثالث, وخاصة لجهة الأزمة الاقتصادية الآنية, وان هناك 850 مليون انسان في البلدان النامية على عتبة الموت جوعا, وتحت رحمة المرض اضافة إلى البطالة المستشرية.
ثانياً - هناك تذكير بحالة الخلل البنيوي المتسمة بتباطؤ معدل النمو وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وعدم الاستقرار النقدي, وتزايد ضغط نظام الحماية الاقتصادية. من هنا مطالبة المجتمع الدولي باعادة بناء العلاقات الاقتصادية الدولية بشكل يتجاوب واحتياجات البلدان النامية وكرامة الانسانية.
ثالثاً - بعد المطالبة بالاسراع بانهاء حالة الاستعمار والاستعمار الجديد والتمييز العنصري والتوسع والاحتلال الاجنبي, هناك مطالبة بتحقيق تقدم ملموس باتجاه نزع السلاح العام تحت مراقبة دولية فعالة, الأمر الذي يسمح بتحرير موارد اضافية واستخدامها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
رابعاً - مع إعلان الاول من كانون الثاني 1981 بداية العمل بالعقد الثالث للتنمية هناك دعوة لتسريع تنمية البلدان الاقل تقدما, والعمل على تحقيق معدل متوسط للنمو السنوي للناتج الداخلي الاجمالي خلال هذه العشرية بنسبة 7% لتصبح 4,5% بعد حسم معدل الزيادة السكانية البالغة 2,5%.وهذه الحالة تسمح برفع مستويات الدخول والاستهلاك والسكن والتعليم والتوسع في التجهيزات الصحية وتسريع عملية النمو الاقتصادي بشكل أكثر عدالة.
ومع تذكيرها بزيادة وتائر الانتاج والتنويع السريع للتجارة الخارجية للبلدان النامية, هناك مطالبة بزيادة المعدل السنوي للنمو في التصدير والاستيراد بنسبة حوالي 8%, وهناك مطالبة موجهة للدول الرأسمالية بضرورة تقديم مساعدات حكومية فعلية بنسبة 0,7% من الناتج القومي الاجمالي, بل والتقيد بحجم المساعدات البالغ (1%) من الناتج القومي الاجمالي.
وهناك نقطة هامة تتعلق بفكرة الانتاج الصناعي وضرورة زيادته بناء لاعلان وخطة عمل وثيقة ليما (في البيرو في آذار 1975), والتي تنص على ضرورة رفع حجم الانتاج الصناعي للبلدان النامية من 7% إلى 25% في العام 2000([6]).
وحين نسرد فكرة اقامة نظام اقتصادي دولي جديد ونضال مجموعة البلدان النامية في هذا المضمار سواء من خلال الاعلان, أو برنامج العمل, أو وثيقة الواجبات والحقوق الاقتصادية, أو من خلال مجموعة الـ 77 ودورها في منظمة اليونكتاد.. الخ الا اننا لا ينبغي أن ننسى حوار الشمال والجنوب, وأموراً اخرى تتناول الدراسات الحديثة والمستقبلية حول النظام الاقتصادي الدولي الجديد, وهي محور اهتمامنا الحالي.
حوار الشمال والجنوب:
الكثير من الأفكار قيل سابقاً بصدد إقامة نظام اقتصادي دولي جديد, ولم نلحظ أي وجود لما يسمى بحوار الشمال والجنوب الذي كان قائما ولسنوات طويلة ومنذ العام 1974 بدعوة من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان.
صحيح ان الولايات المتحدة الأميركية كانت تطالب بالحوار البنّاء داخل اروقة الأمم المتحدة, الا ان الدول الاوروبية الرأسمالية تبنت الفكرة بدعوتها الدول النامية إلى حوار بنّاء خارج أروقة الأمم المتحدة تحت شعار مؤتمر الشمال الجنوب.
وخلال سنتين من “حوار الطرشان” وصلت الأمور إلى طريق مسدود في حزيران 1977, الامر الذي يعني ان النظام الاقتصادي الدولي القديم مازال مسيطرا ودون اي تغيير يذكر.
ولا بدّ من إعطاء فكرة مبسطة عن هذه الآلية في الحوار التي بدأت فعليا في العام 1975, بمشاركة من بعض الدول الغنية وبعض الدول النامية بما فيها مشاركة بعض الدول النامية النفطية, بحيث ان نسبة المشاركة كانت 8 دول من منظمة التعاون الاقتصادي الاوروبي, و19 دولة موزعة على القارات الثلاث على الشكل التالي: 6 من أميركا اللاتينية, 6 من آسيا, و7 من افريقيا. كما ان أعمال هذه المجموعة من الدول التي توزعت على اربعة لجان هي تباعا: لجنة الطاقة, لجنة المواد الأولية, لجنة التنمية ولجنة الاعمال المالية, مع التأكيد بأن الموقف الاميركي كان منذ البداية مع فكرة مناقشة اسعار البترول والتضامن بين دول العالم الغربي في وجه اتفاقية الدول المصدرة للنفط كما عبّر عن هذا “هنري كسينجر” ومساعده “أندرز”([7]).
بعض آفاق التعاون الاقتصادي بين الدول النامية:
واذا ما قلنا بأن قرار الدورة السادسة الاستثنائية للأمم المتحدة حول قيام نظام اقتصادي دولي هو قرار جديد, فإن من جملة ما يعنيه هو التكامل الاقتصادي على الصعيد المناطقي أو على مستوى أعلى, دون ان نتجاهل تلك المحاولات الاقتصادية النشطة لاقامة بعض التكتلات والتجمعات الاقتصادية لاهداف معينة. من هذه التجمعات نذكر على سبيل المثال:
في اميركا اللاتينية:
هناك تواجد لتجمعات تكاملية هامة ولأسواق مشتركة تجد تعبيرها في اتحاد دول أميركا اللاتينية للتجارة الحرة, أو السوق المشتركة للدول الوسطى الخ... وعلى سبيل المثال هناك تجمع لعدد من الدول كـ بوليفيا, فنزويلا, كولومبيا, البيرو والاكوادور, بتعداد سكاني يزيد عن 80 مليون نسمة.
ويعمل التجمع المذكور على إزالة الحواجز الجمركية ووضع تعرفة جمركية موحدة على السلع من الدول الثالثة, اي من خارج التجمع, وتنسيق الخطط القومية في حقل الاقتصاد والتصنيع والسياسات الزراعية والمالية والمشاريع في البنية الأساسية.
في افريقيا:
يوجد اكثر من 50 تجمع أو مشروع دمجي تتوزع على المناطق المختلفة من القارة كالجزء الشرقي (كينيا, تانزانيا, أوغاندا), أو السوق الاقتصادية لدول افريقيا الغربية (تجمع 16 بلداً متخصصاً بـ
2/3 من الانتاج العالمي للكاكاو, دون ان ننسى نيجيريا المنتجة للنفط.
في آسيا:
هناك أيضاً محاولات لإقامة علاقات إقتصادية مشتركة علماً أن العلاقات الآسيوية تأخرت عن مثيلاتها في القارة الأفريقية والأميركية الجنوبية, ومع التأكيد على أن ثلثي هذه البلدان الآسيوية لا تقيم في ما بينها علاقات إقتصادية ذات دلالة هامة.
ومع هذا نذكّر بإتفاقية بانكوك للتعاون الإقتصادي بين بنغلادش, الهند, لاوس, كوريا الجنوبية, الفيليبين, سري لانكا وتايلاند المؤسسة عام 1975 بهدف التعاون الإقتصادي وتقديم التسهيلات والتفضيلات الإقتصادية. وحين نتحدث عن التجمعات الإقتصادية فإننا نذكر التجمعات الإقتصادية للبلدان المتخصصة في إنتاج سلعة واحدة مميزة كأن تكون النفط أو النحاس أو مواد أخرى. ونذكر الدول الأعضاء في منظمة الأوبك (الجزائر, فنزويلا, الغابون, أندونيسيا, العراق, إيران, قطر, الكويت, ليبيا, نيجيريا, السعودية والأكوادور).
كما نذكر الدول المنتجة للبوكسيت (تأسيس 1974) من أوستراليا, هايتي, هايانا, غينيا, غانا, جمهورية الدومينيك, أندونيسيا, سيراليون, يوغوسلافيا وجامايكا. وهي تلك الدول التي تنتج حوالي75% من الإنتاج العالمي لهذه المادة وتبلغ حصة التصدير منها80% من التصدير العالمي.
ضمن المفهوم نفسه هناك دول أخرى متخصصة بإنتاج المواد الخام الهامة كالنحاس وهي زائير, زامبيا, البيرو والتشيلي وأندونيسيا, أو انتاج الحديد لدول تمتد من استراليا إلى الجزائر والبرازيل وفنزويلا والهند وتونس والتشيلي والسويد.
أو كأن نذكر على سبيل المثال أيضاًً الدول المنتجة للكاوتشوك الطبيعي في فيتنام, الهند, أندونيسيا, غينيا الجديدة, سنغافورة, تايلاند, وسري لانكا حيث يصل الإنتاج من هذه المادة الطبيعية إلى حوالي90% من الإنتاج العالمي والتصدير العالمي أيضاً. ولا ننسى اخيرا الدول المنتجة للقهوة والقصدير والصويا وما شابه...
إتفاقية لومي والعلاقات بين الدول النامية والسوق الأوروبية المشتركة:
من المعروف أن اتفاقية روما بصدد إنشاء السوق الأوروبية المشتركة لحظت إمكانية عقد إتفاقيات مع بقية بلدان العالم خارج السوق الأوروبية وذلك على أسس تجارية أو اتفاقيات أخرى Association .
هذا يعني إمكانية توسيع العلاقات مع الدول النامية الأفريقية أو في حوض الكاريبي والمحيط الهادىء والتي بلغ تعدادها 56 دولة منضوية تحت مجموعة البلدان الأفريقية, الكاريبية والباسفيك A.C.P . وترجع فكرة تجمع الدول الأفريقية مع السوق الأوروبية المشتركة إلى السنوات ما بين 1958 - 1962, أي إلى بداية مرحلة حصول هذه الدول على الإستقلال السياسي.
في العام 1963 وقعت إتفاقية (ياووندا) Yaoundé([8]) وهي الأولى للفترة ما بين (1964 - 1969) ما بين 18 دولة أفريقية والسوق المشتركة.
في العام 1966 وقعت الإتفاقية الثانية والتي بقي مفعولها ساريا حتــى العام 1975([9]).
إن معظم البلدان الأفريقية كانت على إرتباط وثيق بفرنسا, أما بلجيكا فكانت متواجدة في الكونغو دون أن ننسى الحاق الصومال بإيطاليا. ومن هنا كانت أهم التوجهات في دعم أنظمة التجارة التفضيلية Préférence .
أما موقف الولايات المتحدة الأميركية, باعتبارها دولة خارج السوق, فكان رافضاً لهذا التوجه, إذ اعتبرته معارضاً لوضعية منظمة الإتفاقية العامة للتعرفة والتجارة G.A.T.T. والمعارضة لمصالح أميركا في المنطقة.
والتفضيل هنا يعني إمكانية إرسال البضائع الأفريقية إلى بلدان السوق مع تقديم التسهيلات دون أن يعني هذا الإمكانية المطلقة للتصدير, بل مع تحديد هذه السلع. وهذا يعني من جهة ثانية تقديم التسهيلات للدول الأوروبية بإرسال سلعها إلى الدول الأفريقية.
وإذا كنا نعلم بأن الصادرات الأفريقية إلى البلدان الأوروبية إنما هي من النوع الزراعي المرتبط بمناخ معين كإمكانية إنتاج القهوة والشاي, الكاكاو, الأخشاب, الأناناس, جوز الهند وما شابه... في الوقت الذي تصدر فيه الدول المتطورة سلعها المصنعة, فإنه لمن الواضح أن يتم رفع التعرفة الجمركية عن هذه السلع الزراعية مقابل سلعها الصناعية, الأمر الذي يعني إمكانية إحتكار أسواق الدول الأفريقية وغزوها بسلع من دون أي ضرائب جمركية.
بعد دخول إنكلترا في السوق الأوروبية المشتركة وفي العام 1975 وقعت إتفاقية لومي (عاصمة توغو) Convention de Lomé مع 46 دولة عضو في الـ A.C.P. ما يعني دخول الدول الأفريقية المستعمَرة سابقا من قبل إنكلترا إلى هذه المعاهدة واكتفاء الدول الآسيوية كالهند, سري لانكا, باكستان, بانغلادش, وهونغ كونغ بعلاقات ذات طابع محدد مع دول السوق الأوروبية. أما الوزن البشري لهذا التجمع من 46 دولة فوصل إلى أكثر من 270 مليون نسمة, بعد أن كان لا يتعدى الـ 80 مليون في السابق.
وبما أنه وقعت أكثر من معاهدة تحت اسم لومي لذلك لا بد من توضيح هذه الإشكالية. فالإتفاقية الأولى في لومي دخلت التنفيذ في الأول من نيسان 1976 ولفترة امتدت على خمس سنوات. وكانت تميز العلاقة بين السوق المشتركة مع دول الـ A.C.P. وخاصة لجهة إمكانية تصدير السلع المصنعة في هذه الدول النامية ودون أي عوائق جمركية وإمكانية تصدير 96% من السلع الزراعية فقط.
في العام 1979 وقعت المعاهدة الثانية من معاهدات لومي بتوقيع 57 دولة مع دول السوق بحيث يبدأ مفعولها في آذار1980 ولفترة تمتد لخمس سنوات أيضاً. ولقد أصبح بإمكان الدول النامية الموقعة, الأعضاء في المعاهدة الإتفاقية, تصدير 99,5% من سلعها, أما بقية النصف بالمئة فهي من نصيب تلك السلع الزراعية التي لم تسمح لها بالمرور إلى اراضي السوق الأوروبية المشتركة بسبب سياستها الزراعية العامة. إضافة إلى هذا جرى التأكيد على أفضلية التبادل وإمكانية دفع التعويض لمنع التقلبات في أسعار47 سلعة من المواد الأولية وذلك تحت اسم ستابكس Stabex وسيسمين Sysmin أي المواد المعدنية([10]).
وما يميّز الإتفاقية الثانية عن الأولى هو في تلك المساعدات المقدمة من السوق الأوروبية المشتركة والتي وصلت إلى حوالي مليار وحدة حساب أوروبية أي حوالي 507 مليار دولار, بما في ذلك إمكانية إعطاء قروض لفترات طويلة الأمد تصل إلى 40 سنة.
وفي الإتفاقية الثانية (لومي) هناك مطالب بزيادة الدعم الصناعي وزيادة تمويل الإستثمارات الصناعية وتقوية الدور الذي يلعبه البنك الأوروبي للإستثمارات, الأمر الذي يتطلب تقديم الضمانات القانونية لإمكانية التوظيف المالي في هذه الدول النامية. وإلى جانب آلية التعاون التجاري المتبادل هناك الدور المناط بالصندوق الأوروبي للتنمية.
فالمساعدات الأولى للصندوق الأوروبي للتنمية كانت مساعدات بدون مقابل. ومع تقدم الزمن أصبحت المساعدات الأوروبية بنسبة منها تصل إلى 19% على شكل قروض, علما أن الدول الأوروبية الأساسية المساهمة في هذه العملية كانت ما تزال فرنسا, ألمانيا الغربية وإنكلترا.
ولا ننسى أن الأهداف الأساسية لصندوق التنمية الأوروبية إنما كانت في الزراعة, النقل, الإتصالات والبنية الإرتكازية الإجتماعية (كالتعليم, الصحة, وتجهيز الكادر الفني).
إلا أن كلّ هذا لا يعني أبداً أن العلاقات بين السوق الأوروبية المشتركة والدول النامية إقتصرت فقط على هذه المجموعة من الدول.
فالأمر أوسع من هذا إذ يطال دولاً أخرى من خلال مساعدات إقتصادية متمركزة أساساً في توسيع إنتاج المواد الغذائية وتحديث المستوى الإنتاجي في الزراعة. وعموما نسجل هنا بأن جغرافية توزيع تلك المساعدات على البلدان, خارج مجموعة الـ A.C.P. كانت بنسبة 75% تقريبا لدول آسـيا, 20% لدول اميركا اللاتينيـة والبقيـة لأفريقيا مـن خلال أنغولا وموزامبيق([11]).
والمساعدات التي يجب أن نشير إليها والتي بدأت أول ما بدأت بين دول السوق وبلدان البحر الأبيض المتوسط إنما تعود إلى العام 1962, والإتفاقية الموقعة مع اليونان, ومن ثم مع تركيا 1963, ومع إسبانيا 1970 وهي إتفاقية التفضيل التجاري المؤدية إلى منطقة التبادل الحر, ومن ثم مع مالطا فالبرتغال وقبرص.
ومن أجل تعاون أوسع ونظرة شمولية متوازنة إقترحت بلدان السوق على دول أخرى إتفاقيات ذات آجال غير محددة تتناول نظام التفضيل التجاري وتقديم مختلف المساعدات المالية والتقنية.
وهكذا كانت هناك عدة إتفاقيات بدأتها مع إسرائيل في العام 1975, ومن ثم مع تونس فالجزائر فالمغرب (1976), ومن ثم تباعا مع مصر, الأردن وسوريا في 18 كانون الثاني 1977 ومن ثم مع لبنان في 3 أيار 1977 الخ([12]).
ولقد جرت العادة على ربط بعض الأفكار الإقتصادية المعنية باسم لجان مختصة قامت ببعض الدراسات بناء لطلب جهات حكومية رسمية أو غير رسمية أو تابعة للأمم المتحدة, كما أن هناك حديث عن إتجاه الدراسات المستقبلية وتقديم بعض السيناريوهات لمستقبل تطور العالم بشكل عام أو مستقبل مناطق معينة أو بارتباط المناطق الإقتصادية بالبعض الآخر منها.
بكلمات أخرى نحن أمام كمّ كبير من اللجان الهامة كتقرير الدول الإقتصادية المتطورة الأعضاء في منظمةO.E.C.D. تحت إسم “ لقاء مع المستقبل” المطبوع عام 1979 في إطار البرمجة الطويلة الأمد للتنبوء المستقبلي (انترفيوتشرز) أو أن نكون أمام تقارير أخرى لعلماء معروفين في محاولتهم فهم التكوين الدولي System أو واقع الدول الغنية والدول الفقيرة في الإقتصاد العالمي, وذلك بناء لطلب اللجنة الثلاثية إحدى أهم اللجان في العالم والتي تمثل مصالح رأس المال الدولي التي أسست عام 1972 بناء لمبادرة “روكفلر”([13]).
إضافة إلى ما ذ كرناه أعلاه هنـــــاك تقارير هامـــة دخلت الأدبيات الإقتصاديـــة وبقيت مسجلة تحت اسم أصحابها حيث نذكر منها تقرير “ليونتيف” المشهور بعنوان “مستقبل الإقتصاد العالمي”, أو تقرير “هارمان كان” Kahn ومؤلفه: “الـ200 سنة القادمة” The next 200 years.
ولا ننسى أبدا ذكر تقارير “كلاسيكية” , صيغت في فترات سابقة بناء لطلبية البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية في العام 1968.
وبناء لطلب رئيسه ماكنمارا حيث ألفت لجنة برئاسة رئيس وزراء كنـدا ”بيرسون” الذي يحمل التقرير اسمه, تحت عنوان “شركاء في قضية التنمية” بحيث يطالب رئيس الوزراء برفع فعالية النظام بأجمله من خلال مساعدة دول العالم الثالث, معللاً أسباب تأخر هذه البلدان بالمستوى المنخفض لتطور التقنية وارتفاع نسب الأمية وانخفاض مستوى التراكم وارتفاع مستوى الولادة وعدم الإستقرار السياسي والتسيب الإداري...
تقارير “داغ هامر شولد” و “ويلي برانت”:
عديدة هي التقارير التي تكلمت عن مصير الدول النامية, وذلك مع بداية العام 1976. فإضافة إلى العناوين المثيرة التي أعطيت في وصف أبعاد الدراسة كأن نقرأ “في تأملات الـ 33 سنة القادمة”, أو “ الصغير جميل” Small is Beautiful أو “بحث في مستقبل الإنسانية”, “حضارة الأعمال في انحسار”, “العمل الطيب”, “الإنسانية على المفترق”. إضافة إلى هذه العناوين نقرأ التقرير المقدم إلى صندوق “داغ هامر شولد” تحت عنوان (ماذا بعد؟ نحو تنمية أخرى 1975) والذي تبعه تقرير آخر في العام 1976 في “الطروحات والستراتيجيا”.
والأفكار الرئيسية في تقرير “هامرشولد” نجدها مثبتة في عدة فرضيات أساسية نوجزها على الشكل التالي([14]):
أ - إن أزمة العلاقات الدولية هي أزمة نظام غير متكافىء للعلاقات الإقتصادية الدولية بين أقلية مسيطرة من البلدان وأغلبية خاضعة للسيطرة.
ب - إن إقامة نسق إقتصادي دولي جديد تستلزم إعادة تحديد مضمون وتوجيهات التنمية, وإعادة تنظيم العلاقات الدولية ونظام الأمم المتحدة.
ج - إن تنمية العالم الثالث لا تقوم باندماجه في النظام الإقتصادي العالمي, فالإندماج يزيد من تبعيته ويقلص قدرته على الإعتماد على ذاته لأن ذلك يعني قيامه بإنتاج ما يحتاجه النظام العالمي وليس ما تحتاجه البلدان المندمجة المتخلفة.
وإذ نقرأ ما أتى في هذا التقرير, وخاصة في صفحاته الأولى, لا يسعنا إلا أن نسجل تشابك أفكار ما أتى فيه, مع أفكار إقتصادية قرأناها في مطالب الدول النامية كما برزت في قمة الجزائر, وفي الدورة السادسة الإستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة, وهي تلك المطالب المتلاصقة مع “الإعلان” و “برنامج العمل” بصدد إقامة نظام إقتصادي دولي جديد.
إضافة إلى الفرضيات الأساسية المذكورة أعلاه هناك أفكار هامة تتعلق بالإطار النظري للمشكلة المدروسة ومحاولة إعطاء تعريف واضح لمفهوم التنمية التي لا يجب النظر إليها كمقابل للتخلف باعتبارها عملية لإعادة تكرار التاريخ الإقتصادي للبلدان المسماة صناعية, لأن المشكلة تتمركز في نظام الإستغلال والذي يعود لهيكل السلطة المزروع بواسطة البلدان الصناعية, والتي تعززها “نخبة” في العالم الثالث وتدخل معها في مزاحمة في الوقت نفسه([15]). كما يهتم التقرير بالتنمية كونها تنمية الإنسان قبل كلّ شيء وليس استثمار الأشياء, وهي هنا عملية حضارية شاملة ينبغي أن تكون موجهة للداخل ومعتمدة بصفة أساسية على القوى الذاتية وبالتعاون مع المجتمعات الأخرى التي تشاركها مشاكلها وتطلعاتها. بكلمات أخرى, على الدول النامية ممارسة سيادتها وتحسين شروط تجارتها (شروط التبادل, الدخول للأسواق, البرنامج المتكامل لمنظمة الأونكتاد) وإقامة صناعات جديدة لا تعتمد على نمط الإستهلاك المقلد والعمل على الإصلاح النقدي والإصلاح الزراعي والتجاري ووسائل الإنتاج وتطوير المؤسسات السياسية في إتجاه اللامركزية وبالشكل الذي يحقق ديمقراطية سلطة اتخاذ القرار الإقتصادي والسياسي, مذكراً بأن من ينتج للتصدير فإنه ينتج ما يريده المشتري لا ما تريده حاجة التنمية([16]).
وبشكل إجمالي ينطلق التقرير من بناء نسق إقتصادي دولي جديد, مع الأخذ بعين الإعتبار التغيرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية داخل بلدان العالم الثالث في إطار تنمية معتمدة على الذات, الأمر الذي يستلزم:
البدء بعملية تفسيخ البنى القائمة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وإقامة بنى جديدة مناقضة لمنطق عمل رأس المال وللتقسيم الحالي للعمل الدولي.
التعاون والتكاتف بين بلدان العالم الثالث بمساعدة من المجتمع الدولي.
تقرير ويلي برانت:
أوّلاً - إذا ما كانت مناقشات الشمال - الجنوب تتجه نحو تأكيد إرتباط المصالح المتبادلة, فإن الدعوات كانت في إقامة نوع من التوافق يخدم, ليس فقط مصالح الدول المتطورة, وانما أيضاً مصالح الدول النامية.
ثانياً - مع الصدمة النفطية الثانية المندلعة عام 1979 (مع التذكير بأن الصدمة الأولى كانت في العالم 1973 مع رفع أسعار النفط بنسبة أربعة أضعاف) تحركت قضية حوار الشمال والجنوب من جديد, بحيث نوقشت مهمات النظام الإقتصادي الدولي الجديد داخل أروقة الأمم المتحدة. ويقال بانه ابتداء من هذا التاريخ, وعلى الرغم من مطالب الدول النامية إجراء مفاوضات شاملة, فأن الدول الرأسمالية المتطورة حاصرت هذه المطالب, بل وعملت جاهدة على عدم البدء بها.
وأفضل من يعبر عن المرحلة اللاحقة في حوار الشمالالجنوب هي سلسلة التقارير المقدمة من قبل “ويلي برانت” , المستشار الالماني السابق, المساهمة في نقاش إمكانية تشكيل نظام إقتصادي جديد وارتباطه المتبادل مع المشاكل الخطرة الشاملة التي تتعرض لها الإنسانية من جراء عدم المساواة الإقتصادية والإجتماعية.
إن تقارير “ويلي برانت” ليست إلا إمتداداً لأفضل تقاليد يان تبنبرغن (إعادة بناء النظام الجديد: تقرير مقدم إلى نادي روما عام 1976) التي أصبحت “بيان الأممية الإشتراكية”, علمًا بأن فكرة إنشاء “لجنة برانت” كانت بمبادرة من رئيس البنك الدولي ماكنمارا, مؤكدين في نفس الوقت رفض لجنة “برانت” لأي دعم وتمويل للمشروع الذي خرج إلى النور على ثلاث مراحل.
في التقرير المقدم من قبل اللجنة المستقلة هناك مشاركة لأخصائيين من الدول الرأسمالية المتطورة والدول النامية, مع التذكير بأن هؤلاء الأخصائيين لا يمثلون حكوماتهم أو أحزابهم أو منظمات دولية.
لنرَ أولاً تقاليد الأممية الإشتراكية ومن ثم محتوى تقارير “لجنة برانت” بالتفصيل.
لقد صيغ التقرير الأول في ضوء إيديولوجية المدرسة الإشتراكية الديمقراطية الإصلاحية, وهو يحاول الوصول إلى حلول توفيقية, تشبع إلى حد ما رغبات البلاد المتخلفة وتتجاوب في نفس الوقت مع مصلحة الرأسمالية العالمية. حقاً... إنه يوجد في التقرير قضايا عديدة مثل أبعاد التنمية والمصالح المتبادلة والمجاعة والغذاء وقضايا السكان والهجرة ونزع السلاح والتنمية والطاقة وتجارة المواد الأولية والتصنيع والتجارة الدولية والشركات الدولية والنشاط إلى آخره. ولكن هذه القضايا في جميع الأحوال قد طرحت في التقرير من منظور تنموي تقليدي([17]) .
أما الفرضيات الأساسية لتقرير “برانت” فتتلخص بأن العالم سيئ التنظيم لسبب بسيط هو انه لا يوجد من عنده الإرادة لعمل الأحسن, لذلك ينبغي الجلوس حول مائدة المفاوضات, وإيجاد الحلول اللازمة.
ويؤكد التقرير بأن كلّ الأمم ستستفيد من إقتصاد عالمي قوي, ومن تقلص التضخم ومن تهيئة المناخ للنمو والإستثمار, كما أنه في مصلحة الجنوب الحفاظ على نمو وتوازن الإقتصاد العالمي, اذ أن تنمية الجنوب هي أيضاًً في مصلحة الشمال([18]).
والتقرير الأول يشدّد على بعض الأفكار والمخارج, ويشير إلى أن سبب فشل حوار الشمال الجنوب إنما يعود إلى هيمنة جو “مطالب” الجنوب و “ تراجع” الشمال, وإنه فقط في الفترة الأخيرة بدأنا نلحظ نشاطاً فاعلاً لممثلي الرأي العام الذين يطالبون بحوار ينظر إلى إمكانية التعاون بحيث ان كلّ الأطراف تتعاون لما فيه المصلحة المتبادلة([19]).
وحول إمكانية آفاق التعاون المستقبلي ينص التقرير على أن مفهوم التبعية المتبادلة, لا ينبغي أن ينظر اليه على أساس “أهمية النمو في الشمال للتطور الإقتصادي في الجنوب” فقط, بل وعلى أساس أن “النمو في الجنوب إنما يشكل حافزاً للنمو في الشمال”. من هنا تأتي أهمية تحويل الموارد المالية الهامة التي يفترض بها ان تلعب دوراً مسرّعا للإقتصاد العالمي, مساعداً إياه أثناء الركود ذي الطابع قصير الأجل ومنشطا تسارع النمو في الخطة طويلة الأمد([20]).
ويبدو أن هذا التوجه الفكري أعطى ثماره بعقد لقاء, بناء لمبادرة اللجنة في “كانكون” (المكسيك) انتهى بتبديد الأوهام والعودة إلى الوراء, الأمر الذي دفع اللجنة إلى إصدار تقريرها الثاني في العام 1983. والتأكيد على “أننا كلنا في زورق واحد, وأنه يجب على الشمال ألاّ يكون لا مبالياً تجاه الطرف الجنوبي في الزورق الذي يغرق, فالطرف الشمالي في الزورق غير قادر أيضاًً على التمسك طويلا. من هنا التأكيد على فكرة الضرر الذي سيحصل في الشمال إذا لم يقدم المساعدة إلى الجنوب”([21]).
والتقرير الثاني الذي يحمل توقيع “لجنة برانت” يؤكد على أهمية المواقف الذرائعية والواقعية في العلاقات بين الشمال والجنوب. وإذا ما كانت مواقف الدول الرأسمالية المتطورة متماسكة ومنظمة بشكل فعال ومتعدد الجوانب فإن التقرير يدعو الدول النامية إلى الوعي المتزايد والسريع بأن عملية تحسين سياسة الشمال ليست فقط في مصلحته بمفرده, بل ومصلحة الجنوب في ذلك, وهي مصلحة لا تدعو إلى التأجيل. ومن هنا أهمية الإتفاق بدلاً من ردات الفعل السلبية والمقاومة السلبية. عندها سيتجاوب الشمال إيجابا مع إقتراحات الجنوب .
ومع هذا يسجل بأن حوار الشمال - الجنوب وصل إلى طريق مسدود الأمر الذي إقتضى “تقرير برانت الثالث” الصادر عام 1985, وهذا يعني أن خبراء الأممية الإشتراكية يقرعون ناقوس الخطر ليس فقط لحالة الإقتصاد العالمي ومرحلة الركود العامة بل ولأنه لا وجود لأي نور في نهاية النفق المظلم ولأي نهوض كلي وقريب([22]).
بكلمات أخرى هناك تكرار لما ذكر في التقريرين السابقين وخاصة لجهة تحويل الموارد المالية إلى الدول النامية وتسهيل انسياب رأس المال الخاص.
إننا هنا أمام تبلور لبعض الأفكار الهامة نذكر منها بشكل خاص العلاقة بين نزع السلاح والتنمية الإقتصادية.
وإذا ما كان تقرير برانت الأول يرفض الفكرة القائلة بأن الصناعات العسكرية إنما تزيد من فرص العمل فإن الحالة معاكسة, وكلمة العكس تعني هنا ان الإنتاج الصناعي العسكري يقلل من فرص العمل مقارنة بالقطاعات الإقتصادية الأخرى (السلمية). ويضيف التقرير الأخير بأنه في حال تنفيذ مبادرة برنامج الدفاع الستراتيجي أو ما يسمى “بحرب النجوم” فإن كلفة الإنفاق العسكري ستزيد قليلا عن نصف الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول النامية برمتها([23]). ونظراً لأهمية هذه الموضوعية نشير فقط إلى الأثر الإقتصادي لنزع السلاح من خلال تقرير المعهد الدولي في استوكهولم لبحث قضايا السلم. فكلفة الإنتاج العسكري على السلاح والعتاد اكثر من 180 مليار دولار تتولى إنتاجه أحدث فروع الإقتصاد بحيث ينخرط بشكل مباشر أو غير مباشر في النشاط العسكري حوالي 70 مليون شخص يعملون منهم حوالي 27,5 مليون شخص في القوات المسلحة مباشرة, وحوالي 5 مليون شخص يعمل في إنتاج الأسلحة, وحوالي 3 ملايين عالم ومهندس يقومون بأعمال البحث العلمي ذات الطابع العسكري. إن ثمن صاروخ واحد من طراز ترايدنغ يعادل حجم الإنفاق الضروري لتعليم 16 مليون طفل أو بناء مساكن لمليوني شخص. وكل مليار دولار ينفق على الأغراض الحربية يخلق فرص عمل أقل بمقدار 50 ألف فرصة عمل مما لو أنفق في الأغراض السلمية, وان البرنامج العسكري للرئيس الاميركي “ريغن” حرم الطبقة العاملة الأميركية من حوالي 900 ألف فرصة عمل..., كما ان نفقات بناء غواصة نووية واحدة (2,3 بليون دولار) تكفي لتغذية 50 مليون طفل يعانون من المجاعة, علماً انه في كلّ دقيقة يموت 30 طفلاً بسبب نقص الغذاء ونقص الأمصال الواقية من الأمراض في معظم دول العالم الثالث([24]).
وفي فترة إصدار تقارير برانت, ومن ثم ما بعدها, تركز حوار الشمال الجنوب حول العديد من النقاط الساخنة والمفاوضات والمؤتمرات الهامة التي تشكل بإضافتها إلى ما سبقها من أمور, ذكرناها سابقا, خلفية النظام الإقتصادي الدولي الجديد, الذي ما زال يطرح نفسه بشدة وخاصة منذ أواسط الثمانينات وحصول المتغيرات الدولية الهامة وبداية التشديد على النظام الدولي الجديد. لذلك لن يستقيم البحث الا بالتوقف عند هذه الإشكاليات القائمة وضمن منهجية معينة نرسمها على الشكل التالي:
إتفاقية لومي الثالثة:
منذ أواسط الثمانينات وضمن حوار الشمال - الجنوب وقعت إتفاقية لومي الثالثة ودخلت حيز التنفيذ منذ آذار 1985. وما يميزها عن لومي (واحد واثنين) هو إرتفاع حجم المساعدات الأوروبية للدول الأعضاء , حتى وصلت إلى حوالي 5,8 مليار وحدة نقد أوروبية, إضافة إلى اهتمامها بالمشروعات الزراعية ومواجهة المجاعات وأزمات الجفاف في أفريقيا تحديداً([25]).
مؤتمرات اليونكتاد الأخيرة:
في مكان سابق توقفنا عند مؤتمرات الأمم المتحدة للتجارة والتنمية, نتابع هنا, ضمن السياق نفسه, المفاوضات لنسجل فقط انه على الرغم من كلّ الجهود الكبيرة التي بُذلت من قبل دول الجنوب, لم تسفر المفاوضات السابقة الا عن امكانية تطبيق النظام المعمم للمزايا والأفضليات التجارية بالنسبة لسلع دول العالم الثالث, وذلك دون مقابل وعلى أساس فردي, إضافة لإقامة برنامج خاص لمساعدة الدول الأكثر فقراً. إلا ان هذه الأمور, إضافة إلى الإلتزام بإقامة صندوق مشترك يسهم في تحقيق أهداف تثبيت أسعار السلع الأساسية, لم تؤدِ إلى تحسين الصورة بالمطلق, بل عملت على امتصاص حماس دول الجنوب وخاصة منها الدول النفطية.
ومع تزايد المطالبة بإجراء تعديلات على مطلب المفاوضات الشاملة وضرورة تبني رؤية أكثر عملية للمفاوضات العالمية, يذكر بأن تعنت الشمال وخاصة الولايات المتحدة كان في أساس تفويت الفرص وهدم كلّ أساس يمكن أن تقوم عليه عملية المؤتمرات اللاحقة. ولقد فشل مؤتمر اليونكتاد السادس المنعقد في العام 1983 في بلغراد حين لم يبدِ الشمال أية مرونة حتى في مناقشة المطالب الأكثر إعتدالا لدول الجنوب. بكلمات أخرى رفض الشمال صياغة الحاجة إلى إنعاش التنمية في الجنوب كوسيلة أساسية لحفز الإقتصاد الدولي وتعزيز الإنتعاش في الأقطار الصناعية ذاتها.
كانت حجته ان الإنتعاش في الشمال قد بدأ أصلا وسيفيض على الجنوب في الوقت المناسب. وزعم الشمال أن محاولة حفز اقتصاديات الجنوب بشكل مباشر لن تؤدي الا إلى ضغوط تضخمية, وقال أنه على الجنوب أن يجري تصحيحا, بمعنى أن يشد الأحزمة على البطون, إلى أن يقع الفيض. وهكذا فإن مؤتمر بلغراد لم يؤكد فقط وجود الطريق المسدود بوجه حوار الشمال والجنوب بل أظهر جليا تلاشي أي التزام مشترك بالحوار([26]).
كذلك فشل المؤتمر الذي تلاه أي اليونكتاد السابع الذي عقد في جنيف في العام 1987 والذي لم يسفر عن أية تغييرات في مواقف دول الشمال, ولم تجد مطالب الجنوب ايّ استجابة ولم يزد الأمر عن إقرار المسؤولية المشتركة للأطراف الرئيسية عن مشكلة الديون العالمية, الأمر الذي يمثل تطورا بصدد استجابة المجتمع الدولي لمشكلة الديون, وربما كان ذلك راجعا إلى خوف الدول المتقدمة والمصارف التجارية من قيام الدول النامية باتخاذ إجراءات موحدة من جانب واحد كالتوقف عن السداد مما يحدث ضررا بالغا بالأسواق المالية العالمية وبالإقتصاد العالمي ككل([27]).
حوار الجنوب - الجنوب:
إذا كانت الدول النامية قد نجحت في التجمع حول هدف إقامة نظام إقتصادي دولي جديد, إلا أنها لم تنجح في دفع الشمال للإستجابة لهذه المطالب والأهداف. وتزايد الحديث عن ضرورة الإعتماد الجماعي على الذات وذلك بالعمل على تسريع التنمية في دول الجنوب ودعم المقدرة التفاوضية في مواجهة الشمال من أجل إقامة هذا النظام الإقتصادي المرتقب.
وحين نتحدث عن الإعتماد المتبادل فإنما نقصد بذلك التكافؤ والقدرة على التأثير بين أطراف هذه العلاقة. وتلك عناصر غائبة تماما في علاقة التبعية. أي في العلاقة بين الشمال والجنوب, الأمر الذي يعني “ان النظام الإقتصادي الدولي القائم نظام استغلالي يتيح تنمية وافرة للأقلية وتخلفاً تابعاً للأغلبية([28]). هذا بين الشمال والجنوب.
أما داخل الجنوب فيجب إيجاد علاقة أخرى تحقق النجاح المنشود. بكلمات أخرى هناك حاجة لإقامة تعاون إقتصادي بين دول الجنوب على أساس تحقيق المنفعة المتبادلة التي تستند إلى إدراك المراحل الإنمائية المختلفة لدول الجنوب. ومصالحها المتباينة, ويعتبر مؤتمر كراكاس لعام 1981 بداية التحول العام في مرحلة وضع برنامج التعاون الإقتصادي بين الدول النامية إلى مرحلة العمل والممارسة. فبرنامج التنمية والتعاون الإقتصادي الدولي خطوة هامة نحو العمل الجماعي تلته خطوات تنفيذية أخرى تمثلت في إنجازات نوردها على الشكل التالي:
أ - إقامة إتحاد المؤسسات التجارية الحكوميةْ وهو مؤسسة تعاونية مشتركة, انشئت وتمول وتدار من خلال الإتحادات التجارية للدول النامية. وجاء إنشاء هذا الاتحاد بمثابة استجابة واعتراف بالدور الحيوي الذي تلعبه هذه الاتحادات كأدوات للتنمية القومية وكوكالات قائدة لعمليات الإستيراد والتصدير والإتصال بين الدول النامية وبينها وبين الأسواق الدولية وذلك منذ العام 1985.
ب - إتخاذ خطوات على طريق إنشاء شبكة معلومات متعددة القطاعات.
ج - إنشاء لجنة الجنوب في أيلول 1986. وهي لجنة غير حكومية مستقلة تهدف إلى وضع ستراتيجية وبرنامج عمل للعالم الثالث وإبراز الإمكانات الهائلة للتعاون بين دول الجنوب كوسيلة خيارات للتنمية المتاحة... (ولقد صدر عن أعمال هذه اللجنـة كتاب بعنوان “التحدي أمام الجنوب” استندنا إليه).
د - التوصل إلى إتفاقية بشأن النظام الشامل للأفضليات التجارية بين بلدان الجنوب (1988) وهي أبرز وأهم ترجمة فعلية لبرنامج التعاون([29]).
إن رأسمالية الثورة العلمية والتكنولوجية وظاهرة التدويل المضطرد للإنتاج والرساميل, وإمكانية تكيّف الرأسمالية وتأقلمها مع الواقع الإقتصادي, ممثلاً بالركود والكساد والتضخم الكسادي وإمكانية تصدير مشاكلها إلى البلدان النامية, من خلال أسعار الصرف, والفائدة والإستثمارات والتضخم ومقص التجارة الخارجية, وآلية الديون الخارجية وقسمة العمل الدولية الجديدة, وما تعنيه من تقسيم الصناعات إلى صناعات حيوية وأخرى غير حيوية (صناعات الكترونية دقيقة مثلاً يقابلها صناعات ملوثة للبيئة أو ذات كثافة يد عاملة كتكرير النفط أو تجميع الأجهزة والأدوات والسيارات..) إن كلّ هذا لا يعطينا أي فسحة تفاؤل, خاصة إذا ما أضفنا إلى هذه الأمور الدور والمكانة الخاصة للدول النامية في العلاقات الإقتصادية الدولية و”انخفاض حصة هذه الدول في التجارة الدولية, بما فيها الدول المصدرة للنفط من 15,2% عام 1968إلى 12,9% عام 1988”([30]).
وإذا ما أضفنا أيضاً عدم وصول التقارب الإقتصادي في هذه البلدان إلى مستوى مرتفع بسبب عوامل داخلية وخارجية تقف حجر عثرة أمام إمكانية تنفيذ النظام الشامل للأفضليات التجارية حيث هناك: ضعف وتشابه الهياكل الإنتاجية, نقص مصادر التمويل اللازمة, وعلاقة التبعية التي لا تزال تربط الدول النامية بالدول الصناعية والتي تجعل الدولة النامية عاجزة في معظم الأحوال عن تغيير اتجاهات علاقاتها الإقتصادية ومن بينها بالطبع علاقاتها التجارية([31]).
إذا ما أضفنا هذه الأمور لخرجنا بانطباع تشاؤمي يدفع بنا باتجاه البحث عن نظام دولي جديد “يستند إلى مجموعة من القيم والمبادىء والمعايير والجزاءات”([32]) الضابطة للسلوك عمادها منظمة الأمم المتحدة, آخذين بعين الإعتبار التغيرات العالمية السياسية منها والإقتصادية, بما في ذلك البريسترويكا الجارية وتراجع مكانة الولايات المتحدة منذ السبعينات بعد انهيار مؤتمر بريتون وودز وتردي أوضاعها الإقتصادية الكلية وخاصة مؤشرات الناتج الصناعي الذي انهار من 52% بعد الحرب العالمية الثانية إلى حوالي 30% من حجم الصناعة على الصعيد العالمي الرأسمالي, إضافة إلى هبوط احتياطها الذهبي وحصتها في التجارة العالمية وازدياد المديونية بوصولها إلى أرقام فلكية وعجز الميزانية التجارية.
ويتنبأ بعض الإقتصاديين بأن الولايات المتحدة التي أضعفها عقدان من الركود ستصبح ثالث قوة اقتصادية بعد أوروبا واليابان بحلول العام 2000 وسوف يتفوق كلاهما على أميركا من حيث الناتج القومي الإجمالي وحجم الإستثمارات في الخارج وحجم الصادرات([33]).
وحين ذكرنا منظمة الأمم المتحدة فذلك لأن هذه المنظمة مرشحة لأن تلعب دورا متزايدا ليس فقط في الحفاظ على السلام, وهو الهدف الذي من أجله أنشئت هذه المنظمة, بل وفي تطوير آلية صنع القرار بما يؤمن صيغة عادلة للتصويت بعيدا عن امتيازات النقض أو حق الفيتو للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن, وبما يؤمن صيغة عادلة للتصويت من المنظمات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وخاصة في صندوق النقد الدولي بحيث يكون لكل دولة صوت واحد بغض النظر عن مساحة الدولة وقوتها الإقتصادية ومساهمتها المالية في الصندوق.
مكانة دول العالم الثالث في النظام الدولي الجديد:
يلاحظ أن الاتجاه الدولي الراهن في التطور لم يغير حقيقة تعاظم غنى الشمال وتفاقم فقر الجنوب وبؤسه, بل وتكريسهما, بحيث ان الفجوة بين المجموعتين مرشحة للزيادة, خلال العقود القليلة القادمة, وبشكل يبقى على “المعادلة” كما كانت: غنى الشمال يتحقق على حساب الجنوب.
إلا أننا نفضل تدقيق الصورة بما يخدم منطق البحث وذلك على الشكل التالي: في أكثر من مكان مرت معنا جملة “الشمال الغني والجنوب الفقير”. الآن نضيف إلى هذه المقولة ان هذا الشمال الذي كان شمالان (شمال رأسمالي وآخر اشتراكي), يقابلهما جنوب واحد, أصبح شمالاً واحداً يقابل على الأقل جنوبين أحدهما “غني” وعضو في نادي الأغنياء والآخر جنوب “فقير” مرشح لأن يزداد فقراً وخاصة مع إمكانية التهميش المتوقعة.
فالنظام الدولي ليس إلا مجموعة الحقائق الإقتصادية الإجتماعية والسياسية والجغرافية التي تحكم علاقات المجتمع الدولي بكل مفرداته من الدول([34]). والواقع المعاصر يؤكد على إرتباط أوروبا الشرقية بالسوق الدولية على أساس الخضوع لنظام السوق العالمي والتخلي عن التخطيط, كما يؤكد على قيام تكتلات اقتصادية هامة جدا. بكلمات أخرى هناك تحول في السياسات الإقتصادية للدول الإشتراكية, باتجاه نظام السوق, الأمر الذي دفع بالدول الصناعية الغنية إلى إنشاء مصرف خاص بالتنمية في أوروبا الشرقية برأسمال مبدئي قدره 12 مليار دولار مع موافقة صندوق النقد الدولي على تقديم قروض بما يزيد عن 700 مليون دولار إلى بولونيا دون أن ننسى القروض المقدمة من السوق الأوروبية المشتركة, ألمانيا الغربية, الولايات المتحدة واليابان, بحيث يبلغ حجم القروض المقدمة أكثر من 10 مليار دولار. وليس في هذا استغراب.
فالنظام الإقتصادي الرأسمالي يتميز بوجود ميل أساسي إلى إنخفاض معدل الربح في المدى الطويل. ولمقاومة ميل معدل الربح للإنخفاض يتجه النظام الراسمالي إلى إعادة إنتاج نفسه داخل التشكيلة الراسمالية عن طريق التجديد التكنولوجي المستمر لرفع الإنتاجية وبالتالي رفع معدل الربح, وبالتوسع خارج التشكيلة الأصلية إلى التشكيلات الأخرى وذلك بحثاً عن مصادر اقتصادية رخيصة سواء كانت تلك المصادر من المواد الأولية, أو من العمالة المدربة الرخيصة نسبيا. ولا يستطيع النظام الرأسمالي الاستمرار الا بالتوسع المستمر على حساب الاطراف. من هنا نستطيع القول بأن فتح اسواق اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي امام النظام الراسمالي يعطي دفعة جديدة للنظام ككل وسيؤدي إلى دفع مسارات النمو الاقتصادي السريع خاصة داخل الدول الاقتصادية الرأسمالية المتقدمة, بل وقد يكون فتح اسواق اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي العامل الاساسي في تخلص النظام الرأسمالي من ازمة التضخم الركودي الممتدة التي اصابت الاقتصاديات المتقدمة منذ اواخر الستينات([35]).
وهذا الواقع الجديد إنما يؤكد على منافسة دول العالم الثالث في الحصول على الموارد المالية اللازمة لعملية التراكم الرأسمالي, الأمر الذي يعني زيادة التهميش لمستقبل الإستثمار في العالم الثالث.
والجنوب الذي أصبح جنوبان إنما أصبح كذلك لأن التمايز واضح داخل مجموعة بلدان العالم الثالث, وينطبق هذا القول أكثر ما ينطبق على آسيا حيث مجموعة “ التنانين” ممثلين بعدة دول هي هونغ كونغ, سنغافورة, تايوان وكوريا الجنوبية.
وإذا ما كانت هذه “التنانين” تدخل تحت عنوان البلدان الصناعية الجديدة, فإننا نضيف إليها دولا أخرى من أمم جنوب شرق آسيا كأندونيسيا, ماليزيا, فيليبين, تايلاند. وإذا ما أضفنا إلى هذه القائمة بلدانـا أخرى متواجدة في أمـاكن جغرافية بعيداً عن جنوب شرق آسيا, وفي مقدمتهـا البرازيل, الأرجنتين وغيرهـا لـوصلت القـائمة بناء لبعض التوقعات إلى 29 دولة هي أقرب إلى الدول الرأسمالية المتطورة, منها إلى بقية دول العالم الثالث, علما أن للدول النفطية مكانة خاصة في هذه المجموعة.
بين هذه المجموعة من الدول متوسطة النمو والدول الأكثر فقرا في بلدان العالم الثالث فروقات إقتصادية ومعيشية هائلة. لذلك ما يفرق بين هاتين المجموعتين هو أكثر مما يجمع بينهما, وهو أمر وعته الدول النفطية على سبيل المثال فأقبلت على تقديم مساعدات مالية ليس فقط إلى الدول العربية غير المنتجة للنفط, بل وبشكل أساسي إلى باقة كبيرة من الدول النامية غير العربية.
ويأخذ العون العربي طريقه إلى هذه الدول عبر العديد من المؤسسات القطرية والإقليمية والدولية منها, على سبيل المثال, الصناديق الوطنية العربية, المصرف العربي للتنمية الإقتصادية في افريقيا, الصندوق العربي للتنمية الإقتصادية والإجتماعية, منظمة أوبك والبنك الإسلامي والصناديق التابعة له([36]).
والملفت للنظر أن الدول النفطية قدمت مثلا مساعدات مالية وإقتصادية بنسبة تفوق بأضعاف ما قدمته الدول الرأسمالية المتطورة وذلك تنفيذا لقرار الأمم المتحدة عام 1968 تخصيص مساعدات رسمية تبلغ 1% من إجمالي الناتج القومي لهذه الدول المتطورة, وهو على كلّ حلم راود الدول النامية التي لم تستفد الا بشكل ضئيل. فباستثناء الدانمارك وهولندا والنروج والسويد لم تقدم بقية دول العالم المتطور الا نسباً ضئيلة حيث قدمت الولايات المتحدة أكبر وأغنى الدول الرأسمالية قاطبة ما يوازي 0,21% من هذا المؤشر في أواخر الثمانينات. كما أن هذه المساعدات حملت طابعا سياسيا واضحا بحيث دعمت بعض الأنظمة في أكثر من دولة تسير في فلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا..
إزاء حجم المشاكل الإقتصادية الجدية لهذه المجموعة من الدول النامية هناك ضرورة ماسة للتوقف ليس عند المؤشرات التي ترغب الدول النامية بتحقيقها, (على أهمية هذه المؤشرات المركبة النوعية) كمعدلات التعليم وخاصة للمرأة, معدل نصيب الفرد في استهلاك الماء والكهرباء والطاقة, وفرص الحصول على عمل ومسكن لائق ومعدل التلوث واحترام الحقوق والواجبات المدنية والسياسية ونصيب الفرد من الاعلام المقروء والمسموع والمرئي. كما ورد في التقرير السنوي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية, بل هناك حاجة ماسة لتقديم الأهم على المهم.
وان أكدنا بأن في مقدمة الإهتمامات يأتي تأمين الإحتياجات الإنسانية المادية الأساسية من مأكل يبعد شبح الجوع والأمراض, ومن مياه صحية هي حق مكتسب لكل مواطن وغاية أي تنمية مرجوة. إلا أن الحاجة, مع إنتهاء حقبة الحرب الباردة وتهديد مخاطر اندلاع حرب عالمية نووية أصبحت ماسة لإبعاد شبح الحروب المحلية, وهي تلك الحروب المصنفة بحروب “الآخرين” أو بالواسطة بدلاً من الحرب المباشرة بين الكبار, كما أن الحاجة إلى تغيير الواقع الحالي باتجاه نظام دولي جديد إنما يعني توفير الإطار الرشيد, المتماسك والديمقراطي للعلاقات الإقتصادية والسياسية الدولية, بل وللأطر القانونية الدولية التي يمكنها أن تكفل السلام والإزدهار لمجموعة الدول ككل, ولدول العالم الثالث في صيرورة التنمية المتواصلة والمعتمدة على ذاتها, وعلى مساعدات ثابتة ومستقرة ذات توجه إقتصادي مالي تنظيمي, يفسح المجال أمام الدول الأقل نموا والأكثر فقرا في إمكانية التطور الفعلي حتى يتسنى لها الإفلات من حلقة التخلف والفقر المدقع.
بكلمات أخرى هناك حاجة لعملية إصلاح جوهري في الأنظمة الدولية والمناطقية كالأمم المتحدة, جامعة الدول العربية, صندوق النقد الدولي, منظمات التجارة كمنظمة اليونكتاد والغات.. والتخلص من ذكريات معاهدة بريتون وودز بالعمل على إستحداث نظام مالي ونقدي دولي جديد لا يستند فقط إلى “قوة” الولايات المتحدة وحدها, وإلى ما تم إصداره من وحدات سحب خاصة, إستفادت منها الدول المتطورة أكثر مما استفادت منه الدول النامية نفسها, بل ويستند أيضاً إلى الحقائق الإقتصادية المعاصرة كأوروبا الموحدة والنقد الأوروبي الموحد, منطقة الين الياباني, أموال البترودولار والأورودولار (الخ) من تكتلات وأسواق.
وعملية الإصلاح المنشودة مرتبطة بإنشاء آليات للطوارىء لأغراض تدفق الموارد وضمان الإستمرار المنتظم لجهود التنمية بوجه الهزات غير المتوقعة والشكوك غير المنظورة. إن النظام الدولي لما بعد الحرب بحاجة إلى إصلاح شامل وتجديد لآلياته الخاصة بالمشاورة السياسية, وكذلك لمؤسساته الإقتصادية متعددة الأطراف ولإنشاء نظام دولي عادل للعلم والثقافة وهياكل لإدارة منصفة لبيئة الكرة الأرضية([37]). وإذا ما كان القسم الأكبر من المشكلة هو في الموارد المالية وكيفية تأمينها لتأمين تسريع التنمية المنشودة, فإن الحل المنشود لا بد وأن يكون مرتبطا بحلول أكثر شمولية وأكثر خصوصية في آن معاً. فلا بد من تكثيف كلّ الجهود لإقامة مناطق منزوعة السلاح النووي, ومراقبة ما هو موجود فعلا كخطوة أولى على طريق إمكانية نزعه مستقبلا, إضافة إلى ضرورة إعادة النظر الكاملة بالبنى العسكرية وتجهيزاتها في مناطق عديدة من العالم والبحار المرتبطة أو المحيطة بالدول النامية كالبحر الأبيض والأحمر والمحيط الهندي...
ولا بدّ من إعادة إحياء مشاريع طرحت سابقاً ولم تجد آذانا صاغية وقتها, ونقصد بذلك إمكانية إقتطاع 1015% من حصة التسلّح النووي الراهن والحاقه بصندوق تنمية خاص تابع للأمم المتحدة([38]). إضافة إلى ضرورة التزام الدول الرأسمالية المتطورة بالواحد بالمئة من إجمالي إنتاجها القومي سنوياً([39]) على أن تتقيد الدول الرأسمالية بنسبة 0,7% من هذه النسبة كمساعدات رسمية وذلك لتخفيف إمكانية إعادة أخذ ما أعطي باليد اليمنى بواسطة اليد اليسرى.
كما يجب أن نعوّل على المساعدات الرسمية والهبات والقروض الميسرة بفوائد متدنية للغاية مع فترة سماح لا تقل عن 5 سنوات ولقروض طويلة الأمد تعطى لتمويل مشاريع التنمية الزراعية والزراعيةالصناعية وتأمين البنى التحتية اللازمة...
إن عالمنا المعاصر هو عالم مدوّل مدولر ومسلح حتى أسنانه. والرأسمالية المتطورة في مراكزه الأساسية (أميركا الشمالية, أوروبا الغربية واليابان) تعيش ثورتها الثالثة, كما يقال, أي تعيش تكنولوجيا معتمدة على العقل البشري والإلكترونيات الدقيقة والكمبيوتر وتوليد المعلومات “السلعية”, وهي من هذه الزاوية تعيش عالمها الخاص الذي, وعلى ما يبدو, ولسنوات طويلة, لن يسمح للدول النامية أن ترى صورة مستقبلها القريب فيه. فهذه الدول النامية تعيش هاجس الفحم الحجري والبخار والميكانيك, وفي أحسن الأحوال تعيش عصر الكهرباء والنفط والطاقة النووية كاستثناء.
وما يفاقم من حجم المشكلة ما يسمى “بهجرة الأدمغة” من تلك الدول النامية باتجاه الدول المتطورة, الأمر الذي يفقد هذه الدول النامية جزءا أساسيا من كادرها العلمي والفني, المناط به لعب دور الرافعة في عملية النهوض والإقلاع. ولا يخفى أنه خلال عشرة أعوام فقط غادر الدول النامية 230 ألف أخصائي ماهر ومبدع خلاق إلى الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا للعمل في مختلف مراكز الأبحاث وحقول العلم والمعرفة والحياة العملية. بكلمات أخرى تكون الدول النامية قد خسرت ما يوازي 50 مليار دولار لو قدر لنا شرطاً احتساب قيمة تجهيز هذه الأدمغة, وهي على كلّ تزيد بنسبة 4 مليار دولار, عن الحجم الإجمالي للمساعدات الرسمية للفترة الزمنية نفسها([40]).
من النظام الاقتصادي الدولي الجديد إلى العولمة:
في أيامنا الحالية يدور سجال فكري وسياسي عام حول النظام الدولي الجديد وأبعاده الإقتصادية على دول العالم الثالث.
ويرجع هذا الأمر إلى الإعلان عن إنبثاق نظام دولي جديد إلى الجلسة الختامية للمؤتمر المنعقد بباريس في نوفمبر 1990 بدعوة من الرئيس الفرنسي وحضور كلّ من الرئيسين بوش وغورباتشوف, والذي شاركت في أعماله 34 دولة تبنت الإعلان الذي يرسخ الديمقراطية والحريات الشخصية والإقتصادية وحل الخلافات عن طريق التفاوض. في هذا المؤتمر فهم واضح حول انتهاء إتفاقية يالطا وضرورة التعاون الإقتصادي المتبادل بين الدول والذي سيحل محل النزاعات معززاً من ممارسة الديمقراطية.
وإمكانية الوصول إلى تأمين أجواء النظام الدولي الجديد لم تكن واردة أبداً من دون التحولات الجذرية لبنية المجتمعات الإشتراكية لبلدان أوروبا الوسطى وللتحولات الهامة في الإتحاد السوفياتي تحت عنوان “البريسترويكا” الهادفة إلى بناء البيت الأوروبي المشترك والتعاون والسلام والتنمية.
فالتفكيك الذاتي للقطب السوفياتي ولحلفه العسكري, حلف وارسو, ترك الساحة مفتوحة أمام قطب آخر واحد ووحيد, ضاغط على القرارات الدولية داخل الأمم المتحدة وخارجها. وهذا النظام الدولي الجديد لا يعني التنازل عن سيادة أميركا الوطنية أو التخلي عن مصالحها. ويضيف الرئيس “بوش” في خطابه في قاعدة مونتغمري الجوية في الاباما, بتاريخ 13 نيسان 1991, ان هذا النظام ينمّ عن مسؤولية املتها علينا نجاحاتنا. وهو يعبر عن وسائل جديدة للعمل مع الأمم الأخرى من أجل ردع العدوان وتحقيق الإستقرار والإزدهار, وفوق كلّ شيء تحقيق السلام([41]).
حين قلنا بأن السجال على أشده فذلك لأنه, وعلى ما يبدو, من المبكر للغاية تصور شكل النظام الدولي وذلك بالنظر إلى حجم التغيرات التي تحدث في العالم, وسرعة هذه التغيرات, ومع هذا يتمحور الموضوع حول أمور هامة في طليعتها ما يلي:
أوّلاً - مبادرة الرئيس غورباتشوف وطرحه عناصر التغيير السياسي الجديد, الأمر الذي يعني أربع نتائج نوجزها على الشكل التالي:
أ - ان الإعتماد المتبادل هو القانون الأساسي للعلاقات الدولية.
ب- ان التناقض بين الرأسمالية والإشتراكية لم يعد هو التناقض الرئيسي في النظام الدولي, وإنما توارى لصالح التناقض الأهم وهو المتعلق باستمرار البشرية.
ج - نزع الصفة الإيديولوجية عن العلاقات الدولية.
إن المبدأ الذي يحكم حل النزاعات الدولية هو توازن المصالح وليس توازن القوى([42]).
بكلمات أخرى نلحظ تغيراً هاماً في السياسة الدولية باعتبار السياسة فن الممكن وليس فن المستحيل, كما نلحظ تغيراً في التجهيز لعملية السلام. في السابق كان القول المشهور هو التالي: إذا أردت السلام عليك أن تحضّر للحرب. والآن تصبح هذه المقولة على الشكل التالي: إذا أردت السلام عليك أن تحضّر للسلام.
ثانياً - شكل النظام الجديد: ان انسحاب الدول الإشتراكية من التوازن الثنائي القطبية أدى إلى مواجهة العالم الأول بالعالم الثالث مباشرةً بسبب غياب العالم الثاني, أي العالم الإشتراكي المنكفىء على ذاته والطامح إلى تطوير علاقاته بالغرب الصناعي التكنولوجي.
وإذا ما كان هناك اختلاف في الآراء حول القطب الواحد (الأميركي) أو المتعدد الأقطاب (أميركا, السوق الأوروبية, اليابان...) فإنه يخشى من إقامة تجمعات إقليمية مسموح بها في إطار النظام الجديد, بحيث يساعد قيامها على تنظيم علاقات الشمال بالجنوب بالصورة التي تستجيب لمتطلبات الهيمنة التي يمارسها هذا النظام, وهي علاقات من نوع علاقة السيد بالعبد كأن يكون على العبيد أن يتعاونوا ليس من أجل تغيير وضعيتهم, بل من أجل خدمة سيدهم بصورة أفضل([43]).
ومواجهة العالم الأول الصناعي الرأسمالي المتطور بالعالم الثالث مباشرةً يرتدي في أيامنا الحالية طابعاً خاصاً من خلال مقولة سقوط النظام الاقتصادي العالمي القديم وبروز مجموعة من المستجدات العالمية كالصعود المفاجيء للقوى الاقتصادية الكبرى الجديدة المنافسة للزعامة العالمية للولايات المتحدة الأميركية وتزايد حدة الصراعات التجارية والاقتصادية العالمية والتي اخذت تحل محل الصراعات السياسية والايديولوجية والقومية والاقليمية التقليدية وتنامي حضور التكتلات التجارية والاقتصادية في العالم كبديل للتكتلات السياسية والعسكرية التي كانت من اهم معالم النظام العالمي القديم , وكل ذلك وفقاً للتصور التالي([44]):
الأنماط السائدة |
النظام العالمي القديم |
النظام العالمي الجديد |
---|---|---|
نمط الانقسامات |
شرق/غرب |
شمال/جنوب |
نمط التكتلات |
تكتلات عسكرية |
تكتلات تجارية |
نمط الصراعات |
صراعات ايديولوجية/سياسية |
صراعات تجارية/اقتصادية |
نمط التفاعلات السياسية |
صراعات |
تسويات |
نمط التفاعلات العسكرية |
سباق التسلح |
نزع التسلح |
نمط الاقطاب |
ثنائي الاقطاب |
احادي وربما تعددي الاقطاب |
نمط الحكومات |
سلطوية/ شمولية |
ديمقراطية |
نمط الايديولوجيات |
الليبرالية الاقتصادية والسياسية |
الرأسمالية/ الاشتراكية |
ضمن هذا الواقع المتغير باستمرار كان لا بدّ من الوقوف أمام محاولات الدول الرأسمالية المتطــــورة, والتي تقف في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركيـــــة بكـــل وزنهـــا الاقتصادي والمالي والسياسي والدبلوماسي, وذلك من خلال مؤسساتها مباشرة أو من خـــلال مؤسسات تابعة للأمم المتحدة, نخص منهــــا بالذكر فقط صندوق النقـــد الدولي والبنــــك الدولي للإنشاء والإعمار, ونخص منها على وجه التحديد مـــا هــــــو متعـــــارف عليــــــه بتعبير “الغات” أو الاتفاقيــــة العامــــة للتجارة والتعريفـــــات The Genenrale Agreement on Trade and Tariffs G.A.T.T, المؤسس لها منذ أكثر من نصف قرن, وتحديداً منذ 30 تشرين الأول 1947, أي بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية, وبدأ سريان مفعولها في الأول من كانون الثاني من العام 1948, بعد توصل 23 دولة إلى الموافقة والتوقيع (أصبحت فيما بعد 135 دولة بعد توقيع اتفاقية مراكش في نيسان 1994, تحوز على حوالي 90% من التجارة العالية للسلع المختلفة, وتحوز منها بشكل مباشر البلدان الصناعية على أكثر من 71% من المتدفقات التجارية الدولية, تصديراً كما استيراداً), متضمنة أحكاماً خاصة بإقامة التوازن بين حماية الإنتاج المحلي وزيادة معدلات التجارة الدولية (وهي على كلّ معدلات تسير بدينامية أعلى من دينامية الإنتاج العالمي), حيث وضعت التزامات وحقوق للأطراف المتعاقدة, خاصة بتحرير التجارة الدولية.
إن أهم أحكام هذه الاتفاقية بايجاز هي:
1 - شرط الدولة الأكثر رعاية: هذا يعني ترتيب الحقوق لجميع الأطراف المتعاقدة بالاتفاق بالتطبيق الفوري لأية ميزة أو تنازل جمركي تقدمه إحدى الدول لأي طرف آخر, مع بعض الاستثناءات الخاصة بالتجمعات الإقليمية, والمرونة الممنوحة للدول التي تعاني من عجز مؤقت في موازين مدفوعاتها (المادة 12), بالإضافة إلى المرونة التي منحت للدول النامية في مراحل لاحقة من اتفاقية الغات 1947.
2 - المعاملة الوطنية: وذلك يعني الالتزام بعدم التفرقة في المعاملة بين السلع الوطنية والمستوردة, حيث تقضي الاتفاقية بأنه بعد سداد الرسوم الجمركية تتمتع السلع المستوردة من حيث القوانين والقواعد وفرض الضرائب والرسوم بمعاملة السلع الوطنية نفسها.
3 - التعرفة الجمركية كأسلوب لحماية الإنتاج الوطني, وهو الأسلوب المشروع لحماية الصناعة الوطنية وفقاً لظروف كلّ دولة, بشرط احترام التزامات كلّ دولة.
4 - عدم اللجوء إلى تقييد الواردات بحصص: في ما عدا الحالات الخاصة الواردة في نصوص الاتفاقية, خاصة للدول النامية التي تعاني عجز ميزان المدفوعات, وشرط أن يسمح باستيراد كميات تجارية, وأن يكون القيد معلوماً ومؤقتاً باستمرار العجز, وتقرّه الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية.
5 - استثني قطاع التجارة الدولية في المنسوجات من مبادئ “الغات”, وذلك بموجب اتفاقية المنسوجات, كما أن عدداً من الأطراف المتعاقدة قد حصل على استثناءات بتراخيص في قطاع الزراعة.
بكلام آخر يلاحظ أنه في صلب “اتفاقية الغات” هناك نوعان من الالتزامات:
1 - الالتزام الأول: هي التزامات عامة من حيث المبادئ, تطبق على جميع الأطراف المتعاقدة. وهذه الإلتزامات تمثل المبادئ العامة للاتفاقية, وهي الدولة الأكثر رعاية أو الأَولى بالرعاية, والمعاملة الوطنية, وعدم اللجوء إلى قيود كمية. وهذا يعني أيضاً أنه لا تقبل أيّة دولة لا تطبق هذه المبادئ العامة في سياستها التجارية مع الالتزام باستمرار هذه السياسة.
2 - الالتزام الثاني: هي التزامات محددة. ويقصد بها قيام الدولة بتثبيت كلّ أو معظم بنود تعريفاتها الجمركية إلى حدود مقبولة من باقي الأطراف المتعاقدة بالاتفاقية, بحيث لا يتم هذا التغيير إلا بعد الرجوع إلى الأطراف المتعاقدة الأخرى. في ما بعد أصبح بالإمكان, من خلال جولات المفاوضات العديدة في إطار الغات, تحسين فرص النفاذ إلى الأسواق عن طريق التفاوض لتحديد الالتزامات المحددة في اتجاه التخفيض وتثبيته و/أو إلغاء القيود غير الجمركية([45]).
بين الأعوام 1947 ـ 1979 جرت عدة مراحل من المفاوضات ضمن إطار الـ GATT كانت نتائجها تدعيم وتقوية الالتزامات العامة وتحسين وزيادة الالتزامات المحددة الأطراف المتعاقدة. معهم شهدنا ثمانية جولات من المفاوضات بدءاً من:
* مفاوضات “جنيف” في العام 1947. عدد الدول المشاركة 23 دولة. (خفض الحواجز الجمركية 15% على التعريفات الجمركية).
* مفاوضات “أنسي” Annecy في جنوب شرق فرنسا ـ العام 1949. عدد الدول المشاركة 13 دولة (خفض الحواجز الجمركية 25% على التعريفات الجمركية).
* مفاوضات “توركواي” Torquay في إنكلترا ـ العام 1950 ـ 1951. (تراجع نظام الحصص ـ الكوتا).
* مفاوضات “جنيف” عام 1952 ـ 1956. عدد الدول المشاركة 25 دولة (خفض الحواجز الجمركية). قبول اليابان عضواً في الغات.
* مفاوضات جنيف, “جولة ديلّون” عام 1960 ـ 1962. عدد الدول المشاركة 26 دولة (خفض الحواجز الجمركية بنسبة 7%).
* مفاوضات جنيف, “جولة كندي” عام 1964 ـ 1967. عدد الدول المشاركة 62 دولة (خفض الحواجز الجمركية بنسبة 50% في المتوسط من مستوى التعريفات التي كانت سائدة وقت بدء الدورة وقواعد المفاوضات Règles de négociation GATT.
* مفاوضات جنيف, “جولة طوكيو” عام 19731979, عدد الدول المشاركة 102 دولة (خفض الحواجز الجمركية العامةRéduction globale بنسبة 35% في المتوسط من مستوى التعريفات التي كانت سائدة وقت بدء الدورة, وبنسبة 5 8% بين الدول المتطورة([46]).
* مفاوضات جنيف, “جولة الـ أوروغواي” في “بونتا ديل ايستا” في العام 1986 ـ 1994 (عدد الدول المشاركة 120 دولة), من بينها 87 دولة نامية, أن الدول العربية الملتزمة اتفاقيات الغات هي التالي: مصر, البحرين, الكويت, المغرب, تونس, الإمارات, قطر وموريتانيا, إضافة إلى تقديم طلبات كلّ من الأردن والسعودية والجزائر, حيث يطلب من العضو الجديد أن “يثبت” سقوف تعريفته, ويعطى مهلة زمنية للتأقلم تمتد لفترة ما بين 4 إلى 10 سنوات حسب وضعه الاقتصادي وحسب نوعية السلع والخدمات التي يطلب فيها مهلة لإلغاء التعريفة أو التخفيض التدريجي عنها, كما تعطى الدولة التي يقل فيها الدخل عن 1000 دولار سنوياً مهلة لرفع مستوى الدخل فيها, كما يطلب من العضو تجنب سياسة الإغراق والتعرف على قائمة السلع التي لا يجوز فيها تقديم دعم السلع التي يلغى عنها الدعم([47]).
وجولة ألـ أوروغواي التي انتهت بصدور مجموعة من الاتفاقات البالغ عددها 28 اتفاقاً وعدداً من القرارات الوزارية التي تنظم برنامج عمل مستقبلي لعدد من الموضوعات التي تم التوصل إليها في ثلاثة أقسام:
* النفاذ إلى الأسواق:
التزمت الدول الصناعية الكبرى على ألا يقلّ مستوى متوسط تخفيض التعرفة الجمركية عن المستوى الذي تم التوصل إليه في الجولة السابقة في طوكيو, أي 33%, بينما لا يوجد مستوى معين لإلتزامات الدول النامية, عدا ما تم الاتفاق إليه في اتفاقات أخرى في قطاعي الزراعة والنسيج. من ناحية ثانية تمّ التوصل إلى اتفاق يضمن تخفيض القيود الجمركية, وذلك بعد تحويل القيود غير الجمركية إلى تعرفة جمركية مع التثبيت والتخفيض على مدة من الزمن تمتد من 6 إلى 10 سنوات, كما تناول الاتفاق فتح الأسواق أمام الواردات التي كانت خاضعة للقيود الغير جمركية, بما لا يقل عن 3%, تزداد إلى 5% عام 2000؛ وتخفيض دعم الإنتاج والتصدير بنسب 21%, و 36 في على التوالي (وبنسبة الثلثين منهما فقط للدول النامية)؛ تنظيم حق الدول في الرقابة الصحية والبيطرية بما لا يشكل عائقاً تجاريا. أخيراً تم التوصل إلى إدخال قطاع المنسوجات في نظام الغات, وذلك بالإلغاء التدريجي لنظام الحصص التي كانت تنظم التجارة الدولية في المنسوجات, ويتمّ الإلغاء على أربع مراحل وفي خلال عشر سنوات.
* الموضوعات المؤسسة أو مجموعة الاتفاقيات المؤسسية:
وتشمل الدعم والوقاية ومكافحة نظام الإغراق (الحالة التي يكون فيها سعر تصدير السلعــة أقل من قيمتها المعتــادة عند تصديرها إلى بلد آخر, أو تقل عن تكاليف إنتاجها)Dumping هذا يعني تعزيز وتقوية نظام فرض الرسوم التعويضية على السلع المدعومة مع كيفية إثبات الضرر للصناعة الوطنية من جراء انتهاج سياسة دعم الصادرات؛ كما تم التوصل إلى كيفية تحديد المنتج الذي يؤدي إلى إغراق السوق ومعايير تحديد الضرر الذي تسببه السلعة المستوردة للصناعة المحلية وإجراءات مكافحة الإغراق وكيفية تنفيذها. أما في ما يتعلق بإجراءات اتفاقية الوقاية فإنه بموجب هذا الاتفاق يحق للدول اللجوء إلى ما من شأنه حماية الصناعة المحلية وذلك عند زيادة الواردات من سلعة معينة بشكل غير متوقع مما يسبب ضرراً بالغاً لهذه الصناعة. ويعطي الاتفاق الحق بأحد البدائل التالية:
ـ فرض حصة على السلعة المستوردة.
ـ فرض رسوم إضافية عليها.
ـ سحب التزام بتنازلات جمركية على هذه السلع, مع التعويض.
* الموضوعات الجديدة:
وتتناول كلّ من إجراءات الاستثمار والملكية الفكرية والتجارية في الخدمات. في ما يتعلق بالمستثمر الأجنبي الذي كان يريد إزالة بعض الشروط المفروضة عليه, كمّا وشرطا, نجد أن الاتفاقية لحظت إزالة التشوهات التي كانت تحصل في الماضي والتي تؤدي إلى تعارض مع اتفاقية الغات. هذا يعني أولاً استخدام نسبة من المكوّن الحالي في المنتج النهائي, كما يعني تصدير حصة من الإنتاج إلى الخارج أو بالعكس, بمنح نسبة من الإنتاج إلى السوق المحلي, كما يعني أخيراً الالتزام بالتوازن بين الصادرات والواردات. ولقد نص الاتفاق على تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية التي تقضي بالمساواة بين المشروعات المحلية والاستثمارية الأجنبية([48]).
المهم واللافت في الأمر ما يلي:
أوّلاً: أن الفترات الزمنية التي كانت تمر بها هذه الجولات كانت تطول, كما كانت تتعقد أعمالها. فلقد امتدت جولة كندي حوالي أربعة أعوام بينما استمرت جولة طوكيو حوالي ستة أعوام.
ثانياً: كان يلاحظ إهمال النقاط الهامة التي كانت تطالب بها البلدان الأكثر فقرا, فأتت البيانات وإعلانات المبادئ على مقاييس من يصنعها.
ما هو الكولستيرول؟استجابة لمصالح بعض الدول الغنية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تم تخفيض معدل الرسوم الجمركية من 120% في نهاية الأربعينات من القرن العشرين, لبعض السلع, ومن 40% (كمعدل وسطي) إلى أقل من 5% وسطيا. هذا يعني حصول نـــوع من “نزع الحدود الجمركيــــة”, الأمــــر الذي يسمح للمستـــورد بدفع تعرفة جمركيــــة متوسطة بحدود الـ 6%, عن بضاعته المستودة. وهــــذا الوضع لا ينفي وجود حواجز غير جمركية Barrières non tarifaires تقارب الـ 72,2% تستوفى عن البضائع المستوردة إلى الدول الصناعية, وهي تصل في بعض الأحيان إلى المائة بالمائة (100%) لبعض الحالات كالأرز مثلاً بالنسبة إلى اليابان والألبان والأجبان بالنسبة إلى كندا والإنتاج الزراعي بالنسبة إلى أوروبا, علماً أن البنك الدولي اعتبر أن تخفيض الحماية للقطاع الزراعي في الدول الصناعية بنسبة 50% يسهم في زيادة صادرات دول العالم الثالث إلى حوالي 6 مليار دولار سنوياً إلى هذه المناطق([49]). وهذه الحواجز غير الجمركية هي عبارة عن نظام “الحصة” أو “الكوتة”Quotas يتم التوافق عليها بين الدول المنتجة والدول المستوردة وعلى قاعدة من “الطوعية” التوافقية بين الأطراف المتفاوضة, وهي كميات محدودة من السلع المتنوعة ما بين سيارات ومنسوجات وملابس وأحذية وكل ما من شأنه أن يلحق الضرر بمصلحة المنتج المحلي لآلاف السلع الزراعية والصناعية, كما أنها تلحق الضرر بشعوب العالم الثالث. هذا يعني أن القيود غير الجمركية التي تفرضها البلدان الغربية على شعوب العالم الثالث تؤدي إلى تخفيض قيمة صادرات هذه الشعوب بمقدار 20% في القطاعات الحساسة مثل صناعة النسيج والفولاذ وصيد الأسماك والإنتاج الحيواني والمنتجات الزراعية, وان 13% من صادرات العالم الثالث خاضعة للعقبات غير الجمركية([50]).
ولقد اخترعت الولايات المتحدة الأميركية ما يسمى بالإجراءات الرمادية, أو التسويق المنظم, فلجأت إلى مبدأ “التقييد الاختياري” حيث تمنع دولاً كاليابان, أو هونغ كونغ, أو سنغافورة, أو كوريا الجنوبية, أو ماليزيا, أو تايوان وغيرها من تصدير عدد من السلع إلى الولايات المتحدة الأميركية يزيد عن العدد المتفق عليه مقدما, وإلا تعرضت لعقوبات تجارية, وتلتزم هذه الدول أيضاً بالاستيراد من الولايات المتحدة بشكل واسع([51]). ويمكن للمرء أن يواصل سرد بعض الإجراءات الأخرى والتي لا تقلّ أهمية عن غيرها على الرغم من طابعها الإداري كأن نذكر وضع العديد من الصعوبات أمام عمليات التصدير وجعلها شبه مستحيلة إن لم تكن مستحيلة فعلاً, (الأسس المتبعة والضرورية في شهادات المنشأ, إجراءات ترخيص الاستيراد, التدقيق ما قبل الشحن) مما يعني وجود الشكليات المعقدة والمتغيرة باستمرار, إضافة إلى المقاييس التقنية” بمعاييرها الصحية والبيئية.
وإذا ما كانت دول العالم الثالث قد نجحت في صياغة الأهداف والمطالب بطريقة جماعية موحدة إلى حد كبير, إلا أنها في النهاية لم تنجح في دفع دول الشمال للاستجابة لهذه المطالب وتلك الأهداف, بحيث أتت الإنجازات أقل بكثير من مستوى التوقعات, مما يعني المزيد من توتر العلاقة بين الشمال والجنوب, وخاصة مع بداية الثمانينات من القرن العشرين, الأمر الذي يعود لمجموعة من العوامل الأساسية منها جوهر الحوار بين المجموعتين والفجوة القائمة في مواقف الأطراف (محاولة تفسير تزايد الأزمة الإنمائية بالعوامل الخارجية أو بالعوامل الداخلية), ومنها أيضاًً فكرة التعاطي بالحوار والتفاوض على المستوى الفردي, كما تريد الدول الرأسمالية, أو على المستوى الجماعي كما تريد دول العالم الثالث. أخيراً هناك العامل الثالث الذي نقل الصراع وشتته من صراع شمال ـ جنوب إلى صراع شرق ـ غرب, في جو من عدم وجود الخبرة التفاوضية اللازمة لدول الجنوب وازدواجية “ميكانيزم” التفاوض بين “الأداة الاقتصادية والديبلوماسية” لبلدان العالم الثالث من خلال “مجموعة الـ 77”, و “الأداة السياسية” لهذه المجموعة من خلال حركة عدم الانحياز, مما يعني تأكيد الاستنتاج القاضي بفشل هذه الحركة الجماعية لدول العالم الثالث الهادفة إلى إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد. ومع استمرار أشكال المطالبة بتصحيح أوضاعها من خلال “مؤتمرات اليونكتاد”, غير الملزمة بقراراتها, كما رأينا, كان هناك, من ناحية ثانية, ومباشرة بعد الانتهاء من أوزار الحرب العالمية الثانية, اتجاه معاكس ضاغط ممثّل باتفاقية الـ “غات”, المتوافقة جزئياً مع ميثاق “هافانا” - حيث عقد مؤتمر دولي للتجارة في الفترة بين 21 تشرين الثاني 1947 و 24 آذار 1948 واشتركت فيه 55 دولة بدون مشاركة من الاتحاد السوفيتي, تماماً كما حصل مع اتفاقية “بريتون وودز”([52]), التي قامت في المرحلة الأولى بإبداء التعاطف مع الدول النامية, الأمر الذي أدى بها إلى ارتكاب مخالفة صريحة لناحية مبدأ عدم التمييز بإعفائها معظم السلع الصناعية التي تصدرها البلاد النامية إلى أسواق البلاد الصناعية من الرسوم الجمركية. وبانضمام عدد كبير من الدول النامية إلى “الغات” بعد أن وجدت الدول النامية ما “يوفر لها المزيد من الحماية فضلاً عن المعاملة التفضيلية التي يتيحها في ضوء متطلبات التنمية”([53]) أصبحت هذه الاتفاقية ذات شأن كبير, دون أن ننسى أن نظام التفضيلات لم يمس القيود غير التعريفية والتي بقيت عقبة في وجه صادرات عدد كبير من السلع الصناعية ذات الأهمية الخاصة للبلاد النامية([54]).
واللافت في الأمر أيضاً أنه رغم الإنجازات التي تمت في إطار “الغات” خلال كلّ الفترة التي سبقت دورة الـ أوروغواي, فإن عملية التحرير ظلت قاصرة في المجالات الأساسية التالية:
1 - انصبت عملية تحرير التجارة الدولية على السلغ ذات الأهمية الخاصة بصفة أساسية بين الدول الصناعية, ولم تلحظ السلع ذات الأهمية الخاصة في التجارة بين البلاد النامية والبلاد الصناعية الدرجة نفسها من العناية. وهكذا ظلت الرسوم الجمركية في البلاد الصناعية مرتفعة على صادرات الدول النامية من السلع كثيفة العمل, أي تلك التي تتطلب يداً عاملة غزيرة ـ وهي سمة من سمات البلدان المتخلفة.
2 - حرمت البلاد النامية من الاستفادة من تحرير التجارة في أهم صناعة تتمتع فيها بميزات نسبية واضحة (سلعة المنسوجات).
3- بقيت الزراعة خارج نطاق المفاوضات التجارية إلى أن قامت دورة الـ أوروغواي بإخضاعها لأول مرة للقواعد التي تحكم التجارة الدولية في السلع الصناعية([55]).
وجديد “الغات” من خلال جولة الـ “أوروغواي” ونتائجها ليس فقط الزراعة واتفاقية المنسوجات, وإنما أيضاًً جملة القضايا الجديدة الهامة, وفي مقدمتها قضايا الخدمات والملكية الأدبية وسياسات الاستثمارات الدولية وتنظيمها وتسهيل حركتها, بحيث تعامل الاستثمارات الأجنبية معاملة “الاستثمارات المحلية” وترك فترة تأقلم للأعضاء مدتها خمس سنوات للدول النامية وسنتان للدول الرأسمالية المتطورة.
وإذا ما كانت التجارة الخارجية بشكلها العام هي التي ترسم الإطار الرئيسي للسنوات الأولى ما بعد الحرب العالمية الثانية, بل ولكل الفترة الماضية الممتدة طيلة القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين, وهذه هي الرأسمالية في طورها الأول, فإن رأسمالية القرن العشرين لم تعد تقتصر فقط على حركة السلع وإنما وبصفة أكبر على حركة رؤوس الأموال وكافة أنواع الخدمات الأخرى. والحديث عن الاستثمارات يدفع بنا سريعاً إلى التأكيد على أنه خلال التسعينات من القرن العشرين ازدادت أموال الاستثمار الأجنبي المباشر المتجهة إلى البلدان النامية بنسبة أربعة أضعاف تقريباً, وهي بذلك فاقت الأنواع الأخرى لمصادر التمويل, فبلغت معدلاً وسطياً يقارب 1,7% من الدخل القومي الإجمالي لهذه البلدان, مع وجود تأكيد لدور عاملين رئيسيين وراء هذه الزيادة وهما: قيام البلدان النامية بتحرير اقتصادياتها وتوجه الشركات غير الوطنية نحو استراتيجيات عالمية أكثر تكاملاً في ما يتعلق بالاستثمار والإنتاج. وتمثل حالياً أموال الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى البلدان النامية حوالي 40% من أموال الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية, والمقدر أنها بلغت ما يقارب 110 مليارات دولار في سنة 1996([56]). أما المتدفقات الصافية لرؤوس الأموال الخاصة نحو البلدان النامية فكانت بلغت 243,8 مليار دولار أميركي, منها دخل البلدان العربية وبلدان شرق المتوسط وشمال أفريقيا 6,9 مليار دولار فقط أي ما يوازي 2,8% من المجموع, مع تركيز مرتفع على مصر والمملكة المغربية وتركيا, في وقت كان التوزيع الجغرافي غير المتساوي ينصب باتجاه مناطق أخرى من العالم كبلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ وبلدان أوروبا وآسيا الوسطى وبلدان أميركا الجنوبية وجزر الكراييب. بكلمات أخرى نجد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل بقيت على الهامش ولم تتكامل مع أسواق رأس المال الدولية, علماً أن هناك حوالي 600 مليار دولار من الرساميل العربية الموظفة في موجودات سائلة خارج الشرق الأوسط([57]). والجدير ذكره ذلك التوجه المطلوب من البلدان النامية في تحقيق الاستقرار على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية, بالإضافة إلى محاولات إنشاء أطر مؤسسية ونظم ضريبية وقانونية ورقابية تعمل على تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي بهدف تحقيق نمو اقتصادي حقيقي, والخروج من الدوائر المغلقة للفقر والتخلف.
ضمن هذا الإطار تندرج اتفاقيات التسعينات, مع إضافة ما يسمى بحقوق الملكية الفكرية التي يمكن القول فيها أنها “تحقق أهداف الغرب وأساليبه الجديدة في السيطرة على العالم” من خلال جدول المشتملات التالية: حقوق الطباعة والحقوق المرتبطة بها, العلامة التجارية, المؤشرات التجارية, التصميمات الصناعية, براءة الاختراع, حماية المعلومات السرية, تصميمات المعروضات من الدوائر المتكاملة والسيطرة على الممارسات التي تعين التنافس في مجال التراخيص التعاقدية([58]). هنا لا بد من إيراد الملاحظة المتعلقة بالدول الكبرى, وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية, التي أقدمت لفترة على التبرؤ من كثير من اجتماعاتها أو قراراتها, وضرب بعرض الحائط كلّ ما اتفق عليه عام 1947, خاصة في مسألة اقتصادية مثل “دعم مسألة التبادل التجاري الدولي” حسب تقديرات “الغات” عن التجارة الدولية خلال العامين 1985 و 1986, حيث يلاحظ أن معدل التبادل التجاري قد انخفض. هنا أيضاً يورد السفير المصري “عبد الرؤوف الريدي” في واشنطن أن الولايات المتحدة لم تكن لتهتم بكثير من الاتفاقات التي تحدث حولها, فاتفاقية “برن” التي تحافظ على الملكية الفكرية وقعت عليها دول كثيرة منها مصر, ووافق عليها مجلس الشعب عام 1976, ومع ذلك فإن أميركا لم توافق عليها إلا بعد سنوات (1989) حيث هددت مصالحها الثقافية, فمع ظهور الفيديو اكتشف كثير من المنتجين الأميركيين أن القرصنة الأجنبية تستخدم إنتاجهم... لذلك كانت الولايات المتحدة من أول الدول التي سعت إلى توجيه مفاوضات “الغات” وخاصة في مجال الصناعات الثقافية([59]).
[1] للمزيد من الوضوح والاطلاع على هذه الوثائق أنظر:
Brigitte Stern. Un nouvel ordre economique international.
Economica Paris. 1983, vol.1
[2] أنظر: المصدر السابق, ص5762
[3] أنظر وثيقة الأمم المتحدة E/481, p. 23-46
[4] Dominique carreau. Le N.O.E.I. 1977. p. 595-605
[5] Michel Belanger. Institutions economiques internationales. Economica.Paris, 1981, p.53
[6] L'Industrialisation du tiers-monde. Le monde diplomatique. Février 1980 p. 17-24
أنظر أيضاًً المصدر المذكور سابقاً لبريجيت ستارن, صفحة 345-346
[7] أنظر: د. عبدالقادر سيد أحمد وفريق العلوم الإقتصادية الستراتيجية. إشراف د. جورج قرم. إدارة د. أحمد ملك, حوار الشمال والجنوب. أسسه ونتائجه. معهد الإنماء العربي, بيروت 1981, ص 61 وما بعد وخاصة لائحة المواضيع التي أعدها فريق البلدان الـ19 في الصفحات161 170 أيضاً:
Maurice Flory. Droit International du development. Press Paris. 1977
[8] عاصمة الكاميرون. ولقد تضمنت هذه الإتفاقية الأولى الإزالة التدريجية للتعرفات الجمركية, الألغاء الفوري للجمارك الأوروبية على عدد من المنتجات السلعية الاستوائية ومراعاة أسس السياسة الزراعية الأوروبية وتقديم معونات بقيمة 730 مليون دولار.
[9] توسعت الإتفاقية الثانية في إعفاء المنتجات الأولية من التعرفات الجمركية ورفعت المعونة إلى مليار دولار أميركي خلال 5 سنوات.
[10] حول هذا الموضوع أنظر:
Droit International du Developpement. Dalloz. Paris.,5891p.495
إرتفعت قيمة المعونات إلى 4 مليار دولار وتقرر تخصيص 11% من المعونة لتحقيق الإستقرار في اسعار السلع من الدول النامية وخاصة تلك السلع التي تمثل على الأقل 7% من إجمالي دخلها التصديري بحيث لو حدث إنخفاض يصبح من حق الدولة المتضررة الحصول على تعويض من الجماعة الأوروبية.
[11] The courier., 1979, March-Av, p.XVII
[12] Droit intern.Ibidem. p. 440
والجدير بالذكر أنه بموجب هذه الإتفاقيات يتم تحويل مساعدات إلى الدول العربية المذكورة أعلاه وذلك تباعا 20 و 40 و 60 و80 مليون وحدة حساب وتماثلت الإتفاقيات بالمعاملة التفضيلية للصادرات الزراعية العربية المتوسطة في أسواق الجماعة الأوروبية تفاوتت نسبتها من40% إلى 80% من التخفيضات في الرسوم الجمركية باستثناء الحاصلات الزراعية المنتجة داخل السوق الأوروبية.
[13] أكثر من 300 عضو هم أعضاء اللجنة الثلاثية منهم على سبيل المثال تشيزمانهاتن بنك, بنك أوف أميركا, لويدزينك, جنرال موتورز, أكسون, بوينغ, تويوتا, كوكا كولا, فيات, وشخصيات سياسية ورؤساء حكومات ودول...
[14] الدكتور مصطفى حسن علي. شركاء في تشويه التنمية. دار الطليعة. بيروت, 1983, ص 226 وما يلي.
[15] المصدر السابق, ص226227.
[16] المصدر السابق, ص 227.
[17] د. مصطفى حسن علي, مصدر مذكور, ص 231232
[18] North- South: A programme for suvival. The report of the Independent commission on inter-issues uneder the chairman ship of willy Brandt. London, 1980.
[19] Ibidem, p. 67.
[20] Ibidem, p. 139-141.
[21] Global Challenge. From crisis to cooperation. Ereaking the north-south stalmaat.London.1985 p. 25
[22] Ibidem, p. 17-18-22
[23] د. بسام مقداد. نزع السلاح وأثره على التنمية في بلدان “العالم الثالث” ورقة عمل قدمت إلى الندوة اللبنانية العربية العالمية. محور قضايا السلم. طرابلس (لبنان) 913 كانون الأول 1986, ص 2.
[24] كاظم عكاب. الحرب والدمار الشامل. الفكر الإستراتيجي العربي. العدد 38, تشرين أول 1991, ص 3745. أيضاً: د. عبد القادر ياسين. قراءة في التقرير السنوي للمعهد الدولي لأبحاث السلام. الوحدة, العدد 54 آذار 1989, ص 211215. يبلغ عدد القوات المسلحة الأميركية وحدها 2 مليون جندي؛ والولايات المتحدة وحدها قادرة على تخصيص 270 مليار دولار سنوياً للأغراض العسكرية (اي تخصيص اكثر من مليون دولار في كلّ دقيقة من دقائق الساعة على مدار السنة من أجل الاغراض العسكرية فقط), اي ما يوازي 30% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي الذي يقدر بحوالي 900 مليار دولار. انظر: د. عبد الخالق عبدالله. النظام العالمي الجديد.. الحقائق والأوهام. مجلة السياسة الدولية, 1996, نيسان, العدد 124, ص 43.
[25] حول إتفاقيات لومي أنظر: د. نازلي معوض أحمد. سياسات الجماعة الأوروبية تجاه العالم الثالث في الثمانينات. الفكر الإستراتيجي العربي. العدد 36 نيسان 1991. ص 7077
[26] التحدي أمام الجنوب. مركز دراسات الوحدة العربية, ترجمة عطا عبد الوهاب. بيروت 1990, ص267
[27] أنظر: زينب عبد العظيم محمد. العالم الثالث والنظام الإقتصادي العالمي: بين حوار الشمال الجنوب وحوار الجنوب الجنوب. الفكر الإستراتيجي العربي. العدد 37, تموز 1991, ص 199202 .
[28] زينب عبد العظيم محمد. العالم الثالث والنظام الإقتصادي العالمي بين حوار الشمال الجنوب وحوار الجنوب الجنوب. الفكر الإستراتيجي العربي. العدد 37, تموز 1991, ص 191.
[29] المصدر السابق, ص 212213
[30] حالة التنمية الإنسانية. التقرير الصادر عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة لعام 1991. الطريق. 1991, العدد 56, ص126.
[31] زينب عبد العظيم محمد, مصدر سابق, ص 213 .
[32] د. سعد الدين إبراهيم. الأبعاد الثقافية للنظام العالمي الجديد. الفصل السابع في كتاب د. ابراهيم حلمي عبد الرحمن. مصدر مذكور سابقاً . ص 146.
[33] د. علي الدين هلال. حول مستقبل النظام الدولي. مصدر مذكور. ص 132
[34] أنظر: أحمد شرف. مسيرة النظام الدولي الجديد قبل وبعد حرب الخليج. الوحدة, العدد 84, أيلول 1991, ص 145.
[35] د. ناديا رمسيس فرج. آثار الوفاق الدولي على أداء النظام الإقتصادي العالمي. الفكر العربي. العدد السادس والستون, 1991, ص 103.
[36] حول المساعدات العربية أنظر: د. سنان الشببي. حصة العرب من مساعدات الأوبك الإنمائية: بعض الحقائق ذات الصلة. المستقبل العربي. العدد 115, 1988/9, ص6279.
[37] التحدي أمام الجنوب. مصدر مذكور سابقاً . ص 271272.
[38] كاظم حبيب. حول الواقع الراهن في بلدان العالم الثالث واتجاهات التغيير المنشود فيها: رأي للمناقشة. المستقبل العربي. العدد 146 . نيسان 1991. ص 3234
[39] للتذكير فقط نسجل بأن مشروع “ مارشال” لإعادة بناء أوروبا إنما خصص 2% من الناتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة. أنظر:
1975 World politics and International Economics. Eds. C.F.B ergstem. L.B. Krause Wash. p. 135
[40] أنظر: تقرير مجموعة الخبراء الحكوميين حول نقل التكنولوجيا بالإتجاه المعاكس. الأمم المتحدة. 1978. ص 11
[41] د. سليم الحص. أي نظام عالمي جديد. الفكر العربي. العدد السادس والستون 1991.
[42] د. علي الدين هلال. حول مستقبل النظام الدولي. في كتاب: عالم الغد. عالم واحد أم عوامل متعددة. إعداد د. إبراهيم حلمي عبد الرحمن. كتاب الإهرام الإقتصادي, العدد 44, أكتوبر 1991. ص 130.
[43] محمد عابد الجابري. آفاق المستقبل العربي. المستقبل العربي. العدد 156. عام 1992. ص 89.
[44] د. عبد الخالق عبدالله. مصدر سابق, ص 58.
[45] الدكتور فلاح سعيد جبر, اتفاقيات الغات ونظام الايزو 9000 - 9004 وأثرهما على الأمن والصناعات الغذائية في الوطن العربي. منشورات الاتحاد العربي للصناعات الغذائية. هيثم هشام الجفّان. الجفّان والجابي للطباعة والنشر, 1996, ص 133 ـ 135.
[46] Codes non tarifaires de barrière, fourniture de gouvernement, valeur de douane, subventions et mesures de compensation, antidumping, normes, subordination de l'importation la délivrance d'une licence. Voir: Une brève histoire de l'Accord Général sur des Tarifs Et Le Commerce. Rounds du GATT (par internet) .
أيضاًً: ياسر زغيب. اتفاقية الغات بين النشأة والتطور والأهداف. منافع ومخاطر.. بيروت, دار الندى, 1999, ص 29 ـ 30.
[47] ياسر زغيب. اتفاقية الغات بين النشأة والتطور والأهداف. منافع ومخاطر.. بيروت, دار الندى, 1999 ص 37 38, كما أنظر إلى الملاحق الهامة التي يوردها في الكتاب من الصفحة 95 إلى الصفحة 543 والمتعلقة بهذه المواضيع.
[48] الدكتور فلاح سعيد جبر, ص 137 141.
[49] عبد الهادي يموت. العولمة الإقتصادية وأثرها في الدول العربية من خلال اتفاقية الغات. محلة دراسات لبنانية, بيروت, ربيع وصيف 1997, العدد 5/6, ص 111.
[50] كمال مجيد. العولمة والديمقراطية. دراسة لأثر العولمة على العالم والعراق. دار الحكمة و Woodstock Publishing, لندن, باللغة العربية, الطبعة الأولى 2000, ص 54.
[51] عبد الهادي يموت. العولمة الإقتصادية وأثرها في الدول العربية من خلال اتفاقية الغات. محلة دراسات لبنانية, بيروت, ربيع وصيف 1997, العدد 5/6, ص 111. وهناك أنواع عديدة من تقييد الاستيراد من الحماية الجمركية منها: كوتة الرسوم التي هي مزيج من الرسوم الجمركية والكوته, وبموجبها تزداد الرسوم الجمركية المفروضة على بضاعة ما بعد أن تبلغ المستوردات من تلك البضاعة رقماً معينا, كما هناك الكوتا الثابتة ـ أي تحديد كمية المستوردات من مختلف البضائع تحديداً ثابتاً لا يجوز تخطيه, كما هناك الكوتة العامة التي تشجع التمييز في المعاملة وخاصة حين يمكن لبلد واحد مثلاً استيراد كامل كمية البضاعة وبحيث تحرم بقية البلدان من دخول سوق البلد المستورد الخ.. ـ أنظر: ياسر زغيب. إتفاقية الغات بين النشأة والتطور والأهداف. منافع ومخاطر.. بيروت, دار الندى, 1999, ص 29.
[52] وكانت السمة الغالبة على أعمال هذا المؤتمر تأمين المساواة في المعاملة الجمركية والاهتمام بتخفيضها سنوياً عن طريق المفاوضات ومباركة إنشاء الاتحادات الجمركية ومناطق التجارة الحرة مع بعض الإستثناءات المتعلقة بخصوصيات الدول النامية لناحية السلع الخاصة بالمنتجات الزراعية ولإنشاء صناعات جديدة ولحظ واقع العجز في الميزان التجاري. الأمر الذي أدى إلى ضرورة انتهاج الدول الصناعية المتطورة سياسات تجارية تخدم مصالح جميع الدول والشعوب, وهو ما عدلت عنه هذه الدول عند التطبيق وقرن القول بالفعل. من هنا يقال بأن اتفاقية “الغات” تمثل جزءاً من ميثاق “هافانا”, علماً أن الكونغرس الأميركي رفض المصادقة على هذا الميثاق الأمر الذي حال دون وضعها موضع التنفيذ.
[53] زينب حسين عوض الله. العلاقات الاقتصادية الدولية. الدار الجامعية, بيروت, 1995, ص 230 والجدير بالذكر أن المعاملة المتميزة والأكثر تفضيلاً نجدها في المادة 18 وفي الجزء الرابع من معاهدة الغات.
[54] بناء لتقرير الفايننشال تايمز فرضت الولايات المتحدة رسوم الاستيراد الوقائية ضد بنغلادش, وتصل هذه الرسوم نسبة 42% من قيمة استيراد المناشف القطنية. وبنغلادش تعد من أفقر بلدان العالم وتصدر إلى الولايات المتحدة المناشف القطنية التي لا تزيد قيمتها عن 2,46 مليون دولار فقط. انظر: كمال مجيد. العولمة والديمقراطية. دراسة لأثر العولمة على العالم والعراق. دار الحكمة و Woodstock Publising, لندن, باللغة العربية, الطبعة الأولى 2000, ص 54.
[55] زينت حسبن عوض الله. العلاقات الاقتصادية الدولية. دار الجامعية, بيروت, 1995, ص 232 ـ 233.
[56] د. ناصر السعيدي. أسواق رأس المال الدولية والتنمية الاقتصادية في البلدان العربية: الحاجة إلى ثورة هادئة. مجلة دراسات لبنانية, بيروت, 5/6, ربيع وصيف 1997, ص 86.
[57] د. ناصر السعيدي. أسواق رأس المال الدولية والتنمية الاقتصادية في البلدان العربية: الحاجة إلى ثورة هادئة. مجلة دراسات لبنانية, بيروت, 5/6, ربيع وصيف 1997, ص 79 ـ 101.
[58] د. مصطفى عبد الغني. الجات والتبعة الثقافية, الهيئة المصرية العامة للكتاب, مكتبة الأسرة 1999, ص 19. في هذا الكتاب نجد ملاحق متعلقة بـ الوثيقة الختامية لمراكش 15 آذار عام 1994, اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية وتفاهم بشأن الوقاعد والإجراءات التي تحكم تسوية المنازعات.
[59] نوفمبر تشرين الثاني 1909, وفي روما في 2 يونيو حزيران 1928, وعقد أكثر من مؤتمر بعد ذلك لتحسين بنوده وشروطه, ووقع عليه حتى الآن 104 دولة. أنظر ـ د. مصطفى عبد الغني. الجات والتبعية الثقافية. ص 17- 18.
وبالمناسبة نفيد بأن لبنان كان انفرد دون غيره منذ القدم في منطقة الشرق الأوسط بـ “نظام حقوق الملكية التجارية والصناعية والأدبية والفنية والموسيقية” بموجب القرار الصادر عن المفوض السامي الفرنسي رقم 2385 تاريخ 17/1/1924, وتعدل بالقانون الصادر بتاريخ 31/1/1946, وبالقانون الصادر بتاريخ 23/5/1969 حيث نصت المواد (137 ـ 183) على حماية حقوق الملكية الأدبية والفنية والموسيقية. كما أن لبنان كان قد انضم إلى اتفاق برن, والمعدل في روما عام 1928 بموجب القرار رقم 141 الصادر بتاريخ 28/6/1934.
أنظر: القاضي عبد الله ناصر. التعديلات المقترحة على قانون حماية حقوق المؤلف. مجلة