باختصار

يحتدم الجدال بين جهات السياسة اللبنانية، من دون أن تعدَمَ أيّ منها وسيلة لبزِّ الأخرى، ونعتها بالغريب والطريف من النعوت.
نحن نعلّل السبب بالقول: هذا هو لبنان، وطن الحرية والديمقراطية. يحق لكل إنسان هنا، ولكل مجموعة، التعبير عن الرأي وصولاً إلى الصراع مع الآخر، إنما ضمن شروط الحلبة العامة التي تتسع للجميع، والتي تستمر قائمة صامدة، كائنة ما كانت الكلمات واللكمات.
والرّكون، في ذلك، إلى من يكون؟ إلى جيش لبنان بالتأكيد. وجيش الوطن هو من الوطن، إنساناً وعقيدة وتربية. الكل يثق بالجيش، وتصل الأمور ببعض هذا الكل إلى دعوته إلى عدم الإكتفاء بكونه الطرف المسؤول، والطرف الأقوى، إنما إلى تسلّم الأمور وتحمل الأعباء كاملة، وذلك لما يعرف عنه من التزام القوانين، وارتباط بالوعد والقَسَم، وإخلاص للمبادئ والقيم. لكنّ المؤسسة العسكرية تعرف تماماً حدود المسؤولية، وفحوى المهمة، فلا هي تقصّر في الأداء والمتابعة، ولا هي تغالي بالمقابل في تكثيف الخطوات وتوسيع مداها.
وتؤدّي التقلبات بالبعض الآخر، إلى تصويب السهام نحو المؤسسة نفسها أحياناً، متناسياً أنّ هذا الجيش هو من الوطن، وقد انضوى إليه متطوعون من المناطق كلّها، على اختلاف مذاهبها وثقافاتها وميولها واتجاهاتها السياسية، ليكون بإطلاق صورة عن الوطن كاملاً، ولينظر إلى الجميع على قاعدة أنهم متساوون، سواء في مآثرهم وإنجازاتهم، أو في كبواتهم وأخطائهم.
وتصل الأمور بالقوى السياسية إلى الانشغال بإعداد الحفر المتبادلة في ما بينها، وفي أمنيات كلّ فريق أن يسقط خصمه فيها. لكن يغيب عن بال الفريقين أن أيًّا منهما لن يسقط في الحفرة بمفرده، فالإثنان تحتضنهما أرض خيِّرة واحدة ينيرها القمر والشمس أنفسهما، ولو كان لكيان ما أن يسقط فالسقوط سيكون من نصيب الوطن. لكنّ لبنان، بدوره، لن يسقط في حفرة أيًّا كانت، وكائناً من كان منشؤها. قد تزِلُّ القدم عند تلك الحفرة ويكبو الوطن، إلا أنه كبير وعريق. فلو حلّت ظلمة في زاوية من زواياه لأطل النور في الحال محوّلاً إياها إلى مجرد ظل عابر. لبنان كبير ورأسه شامخ، ينظر دائماً بعيداً نحو الأمام. وهكذا هي مشية جنوده في العرض والاستعراض، كما في ساحات الوغى. وكذلك هي خطوات قيادته في الداخل والخارج، في الإعداد والاستعداد، والتدريب، كما في التفتيش عن مصادر العتاد بأنواعه أينما كانت. ويعرف الجميع أنّ المطلوب من مواصفات السلاح ليس كونه فعّالاً وحسب في الدفاع عن الوطن، وإنما كون الحصول عليه يجب أن يترافق مع شموخ الرأس، وحريّة اتخاذ القرارات الحرّة المسؤولة.