- En
- Fr
- عربي
الخطر النووي الايراني حقيقة أم وهم؟ السيناريو العسكري الأسرائيلي لضرب ايران
عادت «مسألة السلاح النووي» الإيراني إلى الواجهة مع اقتراب موعد انعقاد جلسةٍ حاسمةٍ لمجلس أمناء المنظّمة الدولية للطاقة النووية والتي يفترض أن تحيل الموضوع إلى مجلس الأمن لبحث إمكانية فرض عقوبات على إيران.
وحدث في الآونة الأخيرة تطورات بارزة: أولاً، يتمثّل بالتصريح الذي أطلقه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والذي قال فيه «يجب محو إسرائيل عن الخارطة»، ثانياً، إعلان إيران في نهاية تشرين الأول عن عزمها على تخصيب كمية من اليورانيوم في المنشأة النووية القريبة من أصفهان. ونقلت وكالة رويترز عن مصدر من المنظمة الدولية للطاقة النووية أن عمليّات تخصيب اليورانيوم قد بدأت بالفعل في المنشأة المذكورة([1]). ويبدو أن إيران قد تعمدت إعادة تشغيل منشآت التخصيب (التي تشكّل المحور الأساسي للنقاش الدولي حول البرنامج النووي الإيراني) قبل 24 تشرين الثاني، موعد انعقاد جلسة المنظمة الدولية للنظر في إحالة الملف الإيراني لمجلس الأمن.
يشكّل القرار الإيراني صدمة للوكالة الدولية للطاقة النووية وللدبلوماسية الأوروبية الساعية إلى احتواء «خطر» النووي الإيراني من خلال المفاوضات.
وكانت إيران قد أعلنت للمنظّمة الدولية عن أنها تسعى لتخصيب مئة وخمسين برميلاً من ا لكعكة الصفراء إلى غاز Uranium Hexafluoride، والذي يمكن تحويله من خلال نظام القلب المركزي إلى يورانيوم مخصّب صالح لصنع قنبلة نووية واحدة([2]).
تعيد تصريحات أحمدي نجاد والقرار الإيراني بإعادة تشغيل منشآت اليورانيوم، الخطر الذي تتحدّث عنه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لأمنهما، إلى رأس الأولويات الاستراتيجية المشتركة.
وكانت الولايات والمتحدة وإسرائيل قد شكّلتا قبل سنة تقريباً فريقاً، لوضع خطة لهجوم مشترك ضد المنشآت النووية الإيرانية وذلك بإشراف أحد المسؤولين البارزين في وزارة الدفاع الأميركية دوغليس فيث. وكان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني قد اعتبر أن إيران تأتي في رأس قائمة الدول «الماكرة» المعادية للولايات المتحدة، كما ألمح أن الولايات المتحدة يمكن أن «تحرّر إسرائيل من أية ضوابط لمهاجمة إيران»([3]).
أثار تصريح أحمدي نجاد موجة غضب في الدول الغربية، لم تخفّف منها التفسيرات التي أعطاها الرئيس الإيراني حول ضرورة محو إسرائيل عن الخارطة بأنها تكرار للمواقف التاريخية لزعيم الثورة الإسلامية الخميني.
ويمكن أن تستغل إسرائيل هذا الغضب في الأسابيع أو الأشهر المقبلة من أجل إعادة التأكيد على مواقفها السابقة، والتي تسعى (إسرائيل) إلى تسويقها مجدداً لدى الولايات المتحدة من أجل إقناعها بضرورة القيام بعملٍ عسكري حاسم ضد المنشآت النووية الإيرانية([4]).
يطرح تصريح أحمدي نجاد بالإضافة إلى مشروع إيران بتخصيب كمية من الكعكة الصفراء الصالحة لإنتاج قنبلة نووية، إمكانية هجوم إسرائيلي أحادي أو إسرائيلي-أميركي مشترك ضد المنشآت النووية الإيرانية.
سنركّز في هذا البحث على سيناريو يمكن أن تعتمده إسرائيل فيما لو قررت مهاجمة إيران بقواها الذاتية وعلى ردود الفعل التي يمكن أن تعتمدها إيران في مثل هذا السيناريو.
الموقف الإسرائيلي:
في آخر تقويم للقدرات النووية الإيرانية، رأى اللواء أهارون زئيفي رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، أنها قد أصبحت على بعد ستّة أشهر لإتمام عملية تخصيب اليورانيوم، وعلى بعد سنتين تمّ إنتاج أول قنبلة نووية، ولم يقم الغرب بالعمل اللازم لمنعها «وفق كل التقديرات، لقد أصبح بمقدور إيران تخصيب اليورانيوم لإنتاج القنبلة النووية. ويلزمها فقط ستة أشهر لإنجاز هذه المهمة باستقلالية كاملة». جاء ذلك في محاضرة ألقاها زئيفي في مركز الدراسات الوطنية والأمنية في جامعة حيفا. وفي محاولة من أجل الضغط على أوروبا لتشديد ضغوطها على إيران أضاف زئيفي، يمكن للإيرانيين ضرب البرتغال بالأسلحة النووية، فإذا كان ذلك لا يثير خوف الأوروبيين بردّهم عليّ بأنهم كانوا تحت التهديد النووي أيّام الاتحاد السوفياتي، فإني سأشرح لهم بأن إيران تشكّل حالة مختلفة([5]).
تعتبر إسرائيل أن الخطر النووي الإيراني سيكون موجّهاً بالأولوية ضدها، وهذا ما يدفعها إلى التخطيط لضربة عسكرية تدمّر فيها المنشآت النووية الإيرانية. وتقدّر مختلف التقارير بأن إسرائيل قد ذهبت في خططها إلى أبعد من استشعار أو تقويم الخطر الإيراني. هناك قناعة لدى القيادات الإسرائيلية حول ضرورة القيام بضربة استباقية ضد إيران على غرار الهجوم الاستباقي الذي نفّذته ضد مفاعل تموز (osirak) في العراق عام 1981([6]).
رأى مائير داغان رئيس المخابرات الخارجية الإسرائيلية (موساد) في شهادة له أمام لجنة العلاقات الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي، بأن إيران قد اقتربت (في برنامجها النووي) من نقطة اللارجوع، وأن احتمال إمتلاك إيران للسلاح النووي يشكّل أكبر تهديد لإسرائيل منذ إنشائها. وصرّح سيلفان شالوم وزير خارجية إسرائيل في 11 تشرين الثاني 2003 بأن إسرائيل «ليس لديها خططاً لمهاجمة المنشآت الإيرانية([7]). لكن بعد أقل من أسبوعين من تصريح شالوم، إعتبر شاوول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي، أثناء زيارته للولايات المتحدة أنه «لا يمكن لإسرائيل أن تسمح تحت أية ظروف لإيران بتملّك أسلحة نووية»([8]). وكانت الموساد قد أعلنت قبل ستة أسابيع عن وجود خطط إسرائيلية لشنّ هجوم وقائي بواسطة قاذفات أف (F16) ضد المراكز النووية الإيرانية([9]).
تلتقي المخاوف الإسرائيلية مع المخاوف الأميركية من أن تتمكّن إيران من تطوير سلاح نووي. وذهب سيلفان شالوم في تصريحاته بعد لقائه المسؤولين الروس في موسكو في حزيران 2003 ، إلى أبعد من ذلك فجعل السلاح النووي في يد إيران بمثابة تهديدٍ شاملٍ للعالم بأسره. وكان ردّ إيفا نوف وزير الخارجية الروسي على ادعاءات شالوم بارداً، حيث تمسّكت موسكو بموقفها، بإعلان عزمها على متابعة بناء مفاعل بوشهر بالرغم من كل الهواجس التي أبدتها إسرائيل والولايات المتحدة. وأعلنت موسكو في تشرين الأول 2004 الانتهاء من بناء محطة بوشهر النووية، وبأن التشغيل معلّق بانتظار التوصّل مع الإيرانيين إلى اتفاقٍ لإعادة الوقود المستنفد إلى روسيا، والذي يمكن استخدامه للحصول على البلوتونيوم الصالح كوقود، لإنتاج القنبلة الذريّة، وذلك ضمن خطوة روسية لتهدئة المخاوف الأميركية والإسرائيلية. ومن المتوقّع أن تفتتح محطّة بوشهر في العام 2005، وأن قدرتها على الإنتاج هي ألف ميغاواط وتكلفتها 800 مليون دولار، وتصل إلى إنتاجها الأقصى في 2006
يرى مارتن فان كرافند وهو باحث إسرائيلي في الشؤون الاستراتيجية، أن الأوضاع الاستراتيجية قد تدهورت بالنسبة لإيران، إذ يعتبر أن إيران شكّلت المستفيد الأكبر من حرب الخليج عام .1991 بعدما ضرب عدوّها الأساسي (العراق) بقساوة من قوات التحالف. لكن بعد اندحار العراق في حرب الخليج الثانية عام ,2003 فإن زوال نظام صدام حسين لم يقدّم لها أية منفعة بل على العكس، فقد وجدت إيران نفسها مطوّقة من قبل القوات الأميركية من اتجاهات ثلاث: من الغرب العراق، من الجنوب دول الخليج، ومن الشرق أفغانستان. وممّا يزيد في الوضع سوءاً، تواجد القوات الأميركية في قواعد عدّة في جمهوريات وسط آسيا أي على طول حدودها الشمالية الشرقية([10]).
لكن الطوق الأميركي لا يبرّر الاندفاع الإيراني لتطوير السلاح النووي، أو صنع صاروخ شهاب (3)، فالقوات الأميركية تمتلك من القدرات التقليدية والنووية ما يمكّنها من تدمير كل القدرات الإيرانية مهما تعاظمت، كما أن إدارة بوش قد أعطت كل المؤشرّات بأنها تضع إيران منذ الآن ضمن الأهداف المستقبلية المحتملة للهجوم، خصوصاً بعدما صنّفها الرئيس بوش ضمن دول «محور الشر» إلى جانب عراق صدام حسين وكوريا الشمالية.
لا يمكن الافتراض أن القيادة الإيرانية بشقّيها المحافظ والإصلاحي لا تدرك مخاطر الدخول في مواجهة نووية مع الولايات المتحدة، ولكن يمكن لإيران التهديد بالسلاح النووي، في حال امتلاكها له، إذا شعرت بأن الولايات المتحدة هي على وشك شنّ هجوم تقليدي واسع ضدّها على غرار ما حدث في الحرب على العراق. وتدرك إيران بالمقابل أن امتلاكها للسلاح النووي سيؤثّر على موازين القوى الإقليمية، كما أنه سيؤثّر على سلوكية كل دولة من جيرانها بما في ذلك إسرائيل. ويمكن أن تلجأ إيران في بعض الحالات إلى نوع من الابتزاز السياسي من خلال فائض القوة التي يؤمّنها سلاحها النووي، ولكن يبقى ذلك ضمن إطار النظريّات السياسية التي تروّج لها إسرائيل، من أجل تأليب الرأي العام الإقليمي والدولي ضد إيران وضد سعيها لامتلاك القنبلة النووية.
يذهب الإسرائيليون في حملتهم ضد إيران «النووية» إلى اعتبار أن إسرائيل تشكّل الهدف الأساسي بالنسبة للسلاح النووي الإيراني. ويقول هذا المنطق الإسرائيلي بأن روسيا والهند وباكستان يملكون الوسائل «النووية» للدفاع عن أنفسهم ضد الخطر الإيراني. وأنه في حال استطاعت إيران بناء صاروخ قادر على الوصول إلى أوروبا، وفق ما ذكرت بعض التقارير الإعلامية، فإن على الاتحاد الأوروبي أن يتحرّك ويعبئ الإمكانات اللازمة لحماية نفسه. ويطرح الإسرائيليون السؤال: ولكن ماذا بالنسبة لإسرائيل([11])؟
ردّ على هذا السؤال اللواء أهارون زئيفي فكرش رئيس الاستخبارات العسكرية في تموز 2003، بأن إسرائيل، وعلى عكس الفكرة السائدة، يجب أن لا تشعر بالخوف الذي يمكن أن تشعر به أية دولة متوسطية أخرى، لأن إسرائيل هي الآن الدولة الوحيدة في العالم التي طوّرت ونشرت نظاماً صاروخياً متكاملاً للدفاع ضد الصواريخ، من خلال منظومة بطاريات أرو وباتريوت.
وهناك إلى جانب الوسائل الدفاعية، القدرات النووية الهجومية التي تمتلكها إسرائيل والتي وفق تقديرات المصادر الأجنبية، قادرة أن تحوّل كل إيران إلى «صحراء مشعّة»([12]).
يتملّك في المقابل إسرائيل شعور بالإحباط لجهة فعاليّة نظام وآلية التحقّق من قبل الوكالة الدولية من المسار السلمي للبرنامج النووي الإيراني. وكتب في هذا الصدد في أيار 2003، افرايم إسكولاي وهو مسؤول رسمي سابق في وكالة الطاقة النووية الإسرائيلية، مقالاً لمؤسّسة «جافي» للدراسات الاستراتيجية يقول «هناك فشل فاضح في نظام الرقابة والتحقّق، يؤكّده عجز الوكالة الدولية وسماحها لإيران بمتابعة برنامجها الطموح. وفي كل الحالات، فهي عاجزة عن وقفها أو تحويلها عن تطوير أسلحة نووية. ستجد آلية التفتيش نفسها عاجزة عن إثبات أي شيء، وذلك من خلال المنطق الذي يقول بأنه يصعب التأكّد من النوايا من خلال الاستناد على عمل قانوني».
تطرح إسرائيل هواجسها من الخطر النووي الإيراني على كل دوائر القرار الأميركية، وهي تلحّ بضرورة التحضير لعمل عسكري حاسم لتدمير البنى النووية الرئيسية في إيران وخصوصاً في «بوشهر» و «ناطنز» و«أراك». وذكرت بعض المعلومات والتقارير نقلاً عن ضابط استخبارات إسرائيلي رفيع المستوى، أن الرئيس بوش «قد توصّل إلى قناعة مطلقة بأن إيران تشكّل تهديداً لإسرائيل يفوق التهديد الذي كان يمثّله العراق». وأكّدت مصادر وزارة الدفاع الأميركية إيفادها لبعض المخططين العسكريين إلى تل أبيب، لدرس خطط مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية([13]).
تأخذ التسريبات الإعلامية طابع الحرب النفسية بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. لقد ردّت إيران على هذه التهديدات من خلال عرضها العسكري في طهران، بعرض صواريخ شهاب2 وشهاب.3 وشعارات تدعو لمحو إسرائيل عن الخريطة، وأخرى تدعو إلى سحق إسرائيل، وكتب على شعار رافق أحد الصواريخ: «بهذا السلاح يمكننا ضرب الأسطول الأميركي في المتوسّط وفي الخليج». بالمقابل هناك تسريبات إسرائيلية حول إمكانية أن لا تقتصر الهجمات على المواقع النووية الرئيسية بل تتعدّاها لتشمل مرافق أخرى، من خلال استعمال أنظمة إلكترونية متطوّرة، من إنتاج إسرائيلي قادرة على:
* تعطيل نظام الاتصالات بين كل القيادات العسكرية الإيرانية.
* تعطيل كل النظام المصرفي الإلكتروني في إيران.
* تعطيل كل نظام النقل العام في إيران([14]).
يقول ضابط مخابرات إسرائيلي أن «نظام الهجوم الإلكتروني متطوّر جداً، ويمكن توجيهه ضد الأهداف المنتقاة كأهداف عسكرية، وحسنته الكبرى أنه لا يعطّل أنظمة المستشفيات. وأن بإمكانها تجميد حركة الأنظمة الإلكترونية دون التأثير على العاملين عليها».
يبدو أن الاتفاق الأوروبي - الإيراني لم يعط ما يكفي من التطمينات لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، وبأن هذه الأخيرة مستعدّة لإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لإطلاق عمليّة عسكرية مدمّرة في الوقت المناسب، ويرجّح أن هذا مؤجّل لبعض الوقت بانتظار استنفاد كل الجهود الديبلوماسية التي تقوم بها الدول الأوروبية والوكالة الدولية، وخصوصاً الخطوة المنتظرة لجهة توقيع إيران من جديد لاتفاقية عدم الانتشار... وتعديل الاتفاقية الأوروبية - الإيرانية بحيث تحدّد مهلة سريانها لجهة توقّف إيران عن تخصيب اليورانيوم. لكن تستمر في الوقت نفسه الاستعدادات الإسرائيلية للعملية العسكرية بموافقة وبدعم لوجستي وتقني من الولايات المتحدة. في هذا الإطار لم يعد سرّاً أن الولايات المتحدة قد زوّدت إسرائيل وضمن إطار المعاهدة العسكرية المعقودة بينهما بـخمسمئة قنبلة من طراز BLU-109 والتي تعرف باسم «مفجّر الأطمات». واستلمت إسرائيل هذه القنابل في تشرين الثاني .2004 ويبدو أن هذه القنابل ستكون مخصّصة للهجوم على المنشآت الإيرانية المحصّنة والمدفونة تحت الأرض مثل مجمّع «ناطنز» قرب أصفهان القائم تحت الأرض والذي تستعمله إيران لتخصيب اليورانيوم. وتفيد المعلومات أن هناك ألف أنبوب تعمل بطريقة الطرد المركزي، فيما تستمر الخطط لبناء خمسين ألف أنبوب. وجرى بناء هذا المجمّع تحت الأرض بعمق ثلاثين قدما، وتبلغ سماكة الإسمنت المسلّح في جدرانه وسقفه ثمانية أقدام، ويقدّر عدد العاملين فيه بألف عاملٍ وفّني.
مع بداية الولاية الثانية للرئيس بوش، ومع قرب موعد التوضيحات التي ينتظرها لتحديد مدى التزام إيران بالمطالب الأوروبية أو باتفاقية منع الانتشار، يمكن توقّع تحديد صورة الموقف الأميركي من خلال الإجابة على عددٍ من الأسئلة: ماذا تريد الولايات المتحدة من الوكالة الدولية؟ ما هي الشروط التي يجب تطبيقها على إيران؟ هل تكتفي بدبلوماسية «الرشوة» الأوروبية؟
السيناريو الإسرائيلي للهجوم
يرتبط إطلاق العملية الإسرائيلية ضد المنشآت الإيرانية، بالموقف الذي ستتّخذه الولايات المتحدة على ضوء فشل الجهود الدبلوماسية. ولكن تشعر إسرائيل بالطمأنينة مع رئاسة بوش الثانية، «إننا نرى في كسب بوش للانتخابات الرئاسية دعماً لأي عمل تقوم به إسرائيل ضد إيران التي تمثّل تهديداً لإسرائيل وللمصالح الأميركية في المنطقة» هذا ما صرّح به مصدر رفيع في جهاز الموساد الإسرائيلي([15]).
إذا قرّرت إسرائيل التصرّف بمبادرة ذاتيّة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، فإن مهمّتها ستكون أصعب وأكثر تعقيداً من الهجوم الذي نفّذته ضد مفاعل تموز في العراق في حزيران عام .1981 إن المواقع الإيرانية في بوشهر وناطنز وأراك هي أبعد بكثير من مفاعل تموز، كما تفصل بين هذه المواقع الثلاث مئات الأميال، ويترتّب «دون شك» على ذلك مصاعب كبرى إذا ما قرّرت تنفيذ الهجوم على الأهداف الثلاثة في آنٍ معاً، من أجل تحقيق المفاجأة.
وتحدّث عن هذه المصاعب يفتاح شابير أحد المحللين الاستراتيجيين الإسرائيليين، فرأى «أن الخيارات الإسرائيلية لمواجهة التهديد الإيراني هي جدّ محدودة. هناك معضّلة كبيرة تواجه الضربة الوقائية الإسرائيلية ضد المنشآت النووية أو مواقع عديدة وموزّعة على مساحة كبيرة، ومحميّة ومحصّن بعضها تحت الأرض»([16]). بالإضافة إلى هذه المعضّلة المعقّدة، فهناك مشكلة الحصول على أذونات بالطيران في أجواء دول عديدة كتركيا، والعراق، والأردن، والمملكة العربية السعودية، من أجل الوصول إلى مختلف المواقع الإيرانية. ويجب أن نتوقّع رفض كل هذه الدول إعطاء مثل هذا الترخيص وذلك قياساً على رفض العديد منها وخصوصاً تركيا إعطاء الإذن للقوات الأميركية لمهاجمة العراق بالرغم من كل الضغوط والإغراءات التي مارستها واشنطن عليها.
وتمثّل قضيّة الهجوم على إيران كدولة إسلامية مشكلة سياسية وداخلية لجميع أنظمة هذه الدول، ويصعب بالتالي تصوّر تجاهلها لمثل هذا العبور الإسرائيلي لأجوائها دون القيام بعمل ما سياسي أو عسكري، وما ينطبق على تركيا ينطبق على السعودية. فالحكم الإسلامي في تركيا، والمواجهة السعودية مع فلول القاعدة لا يسمحان تحت أية ظروف إعطاء أية تسهيلات للهجوم على إيران، سواء كان الهجوم إسرائيلياً أو أميركياً.
إذا تغاضى الأردن عن عبور الطائرات الإسرائيلية لأجوائه، فإن عليها المرور في الأجواء العراقية للوصول إلى إيران، والتي تسيطر عليها القوات الأميركية، وإن مثل هذه الموافقة الأميركية ستزيد من المعضّلات التي يواجهها الوجود الأميركي داخل العراق، حيث يمكن أن تنضم كل القوى الشيعيّة العراقية الخاضعة للنفوذ الإيراني إلى المقاومة التي تقودها فلول البعث ونظام صدام. إن التحضيرات الإسرائيلية للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية هي عملية مستمرّة وخطيرة في أبعادها السياسية والعسكرية وهي تجري بالتشاور مع الولايات المتحدة. وقد تترتّب عليها نتائج دراماتيكية على صعيد الأمن الإقليمي، ومن المؤكّد بأنه لا يمكن لإسرائيل، حتى ولو افترضنا نجاح قصفها للمنشآت الرئيسية أن تنفّذ مثل هذه العملية دون الحصول على ضوء أخضر أميركي، بالإضافة إلى حصولها على دعم لوجستي وتقني واسع، بالإضافة إلى العمل على احتواء كل التداعيّات السياسية والديبلوماسية والأمنية التي يمكن أن تتسبّب بها العملية. تفترض خطورة العملية والشكوك التي ستحيط بتنفيذها القيام أولاً بتقويم متعدّد الوجوه، بحيث يجري درس الخطوة الأخيرة من العملية قبل البدء بتنفيذ الخطوة الأولى، فلا يترك أي عامل سياسي وأمني وعسكري للصدف. ومن هنا فإن التحضير للخطة لا بدّ أن يمرّ على مراحل ووفق التدرّج الآتي:
أولا: تقويم المخاطر
تبدأ هذه المرحلة من خلال اعتماد عملية تقويمية للأبعاد والأخطار السياسية التي ستترتّب عليها، ويبدو أن مثل هذا التقويم الاستراتيجي قد بدأه بالفعل أرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية في 8 أيلول 2004، عندما صرّح لصحيفة «جيروزاليم بوست» بأن المجتمع الدولي لم يفعل ما فيه الكفاية من أجل وقف البرنامج الإيراني ومنعها بالتالي من صنع السلاح النووي.
وحذّر شارون من أن إسرائيل ستتّخذ كل الإجراءات المناسبة من أجل الدفاع عن نفسها. وشدّد على أن إيران تسعى بجد للحصول على أسلحة نووية، وهي تفعل ذلك عن طريق «الخداع والمراوغة والتمويه». وأضاف بأن الجهود الدولية لاحتواء الطموحات الإيرانية لم تكن كافية. إن معالجة الوضع الراهن تفترض ممارسة أقصى الضغوط بما في ذلك إحالة المسألة على مجلس الأمن من أجل فرض العقوبات المناسبة على طهران. ورأى شارون بأن إسرائيل ستتّخذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن نفسها ضد التهديد الإيراني.
يبدو بوضوح أن الموضوع النووي الإيراني هو محط تقويم كل المسؤولين الإسرائيليين وخصوصاً في الدوائر الدفاعية والمخابراتية.
رأى رئيس أركان الجيش الجنرال موشي يعالون في تقويم قدّمه أمام ندوة نظّمها المعهد الدولي للسياسة المضادة للإرهاب في هرتزليا بأن «التحدّي لا يواجه إسرائيل وحدها... فالمجتمع الدولي يجب أن يتعامل معه سياسياً أو اقتصادياً، لإقناع إيران بالتخلّي عن برنامجها (النووي)... وإلا فإن علينا أن نجري تقويمنا الخاص».
وكان يعالون قد أدلى بتصريحات سابقة كان أهمها ما قاله لصحيفة «يديعوت احرونوت»، حيث دعا إلى ضرورة توقيف إيران عن التقدّم في برنامجها الهادف لصنع الأسلحة النووية، «إن إيران جاهدة للحصول على قدرات نووية وإنني أقترح أن نأخذ هذا الأمر على عاتقنا وأن لا نتّكل على الآخرين، فالشرق الأوسط سيكون مختلفاً عما هو الآن، وإن الحكومات المعتدلة ستصبح أكثر تطرّفاً. ونقلت «يديعوت احرونوت» في 23 آب 2004، تقويماً متشائماً للمسؤولين الإسرائيليين الذين رفضوا المقولة بأن مفاعل بوشهر سيتأخّر إنجازه سنة كاملة، حيث رأوا أن الصور التي تقدّمها الأقمار الصناعية تؤكّد أن أجهزة التبريد للمفاعل قد أنجزت في عام 2002، وبأن كل التحضيرات، وفق رأي الخبراء، قد أنجزت من أجل تشغيل المفاعل، ولكن الإيرانيين لا يريدون الاعتراف بذلك كجزء من خطّة التمويه والخداع التي يتّبعونها.
وكان اللواء دان هالوتز رئيس الأركان الجديد والقائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، قد قدّم تقويماً نشرته «يديعوت احرونوت» في 14 أيلول 2004 بأن على إسرائيل أن تنتظر ما ستفعله الأسرة الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني، وإذا هي قصّرت، عندها لا بدّ من الاتكال على أنفسنا... إن إيران تملك القدرة التكنولوجية التي تؤهّلها لصنع السلاح النووي خلال سنة أو ثلاث سنوات، وفق مختلف التقديرات... إذا أضفنا إلى ذلك الأيديولوجيا الإيرانية والتي تدعو إلى محو إسرائيل من الوجود، فإن القدرة النووية ستبقى مصدر قلق كبير بالنسبة لنا».
أما التقرير الاستخباري الذي قدمته الموساد في 21 تموز 2004، فقد تضمّن تقويماً بأن إيران ستمتلك السلاح النووي في عام 2008، وذلك وفق ما ذكرته صحيفة «معاريف» في عددها في 22 تموز .2004 يستنتج التقويم الذي تضمّنه التقرير المذكور، بأن حصول إيران على السلاح النووي يشكّل أكبر تهديد لوجود إسرائيل. وكانت المخابرات التابعة للدفاع قد قدّرت إمكانية حصول إيران على السلاح النووي في عام .2005 ويدرك الإسرائيليون الآن أنه في حال التزمت إيران بوقف تخصيب اليورانيوم وفق الاتفاق مع الأوروبيين، فإن ذلك سيؤخّر برنامجها لعدّة سنوات، لأن كل توقّف في عملية التخصيب لا يعني إمكانية استئنافها من حيث توقّفت بل هناك ضرورة لبدء العملية من جديد ومن نقطة البداية.
لا يكفي أن تقوم إسرائيل منفردة بالتهديد النووي الإيراني لوجودها، فالقرار الإسرائيلي حول هذه المسألة الشائكة، لا بدّ أن يبقى ناقصاً إذا لم يقترن بالموافقة الأميركية. إن قيام إسرائيل بعملية عسكرية ضد إيران سيبقى في نظر المجتمع الدولي جزءاً من جزئيات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وتحديداً تجاه إيران. ومن هنا لا يمكن تصوّر قيام إسرائيل بأي عمل عسكري ضد إيران مستندة فقط على تقويمها الخاص، فالتقويم حتى ولو كان إسرائيلياً صرفاً، فإنه لا بدّ أن يخضع للتمحيص والموافقة من قبل دوائر الخارجية والدفاع في واشنطن. في المحصلة، تدرك القيادات الإسرائيلية مدى حاجتها للدعم الأميركي المتعدّد الوجوه من أجل تنفيذ العملية المعقّدة ضد إيران، ضمن حدود مقبولة من الفعالية والنجاح.
ثانياً: الدعم الأميركي المطلوب
إذا أقدمت إسرائيل على تنفيذ هجمات جوية أو صاروخية وقائية ضد المنشآت الإيرانية، فمن المؤكّد أن يترتّب على ذلك نتائج سياسية وديبلوماسية خطيرة. من المتوقّع أن تدعو إيران مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد، وتطلب من الشرعية الدولية إستصدار قرار يدين العمل الإسرائيلي. ومن المتوقّع، في مثل هذه الحالة، أن يلقى الطلب الإيراني الدعم والتأييد الدوليين من أجل تأمين عدد الأصوات اللازمة في مجلس الأمن، لدعم المطلب الإيراني. وهنا ستبرز الحاجة الإسرائيلية الماسة للدعم الأميركي من أجل مواجهة احتمال الإدانة، والتي قد تصل إلى حدّ الحاجة إلى استعمال أميركا حقّ النقض لحماية حليفتها إسرائيل. تتطلّب الخطّة الإسرائيلية للهجوم أولاً، موافقة أميركية مسبقة على استعمال طائرات (أف 15 وأف 16) الأميركية الصنع، من أجل تنفيذ مثل هذا الهجوم، وأيضاً بعض الذخائر الذكية اللازمة للهجوم من الترسانة الأميركية.
ستجد إسرائيل نفسها بأمسّ الحاجة للدعم الاستعلامي والاستخباري الأميركي من أجل تحقيق أفضل معلومات، للتعرّف على الأهداف النووية الإيرانية، وطبيعة هذه الأهداف، وتحديد الطرق الفاعلة لمهاجمتها. ولا يمكن أن تغفل إسرائيل مدى حاجتها للقدرات الاستعلامية التقنية بعد الهجوم، وذلك من أجل تقويم نتائج القصف وتقدير مدى الأضرار اللاحقة بالأهداف الرئيسية والمحصّنة.
ستتمثّل المخاطرة الإسرائيلية الديبلوماسية والسياسية في الموقف الذي سيتّخذه الاتحاد الأوروبي، خصوصاً إذا نفّذت الضربة الوقائية، في وقت تستمر فيه الترويكا الأوروبية - فرنسا وألمانيا وبريطانيا - في مساعيها من أجل إيجاد المخارج الديبلوماسية الناجعة لمعالجة البرنامج النووي الإيراني. في مثل هذه الحالة، سيكون الرد الأوروبي على المبادرة الإسرائيلية قاسياً، خصوصاً وأن أوروبا قد جهدت للحصول على تأييد الرئيس بوش لتسوية سياسية. وكان اللافت في هذا الموضوع، الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية البريطانية جاك سترو مؤخّراً لإذاعة بي بي سي حيث قال «لا أرى أية ظروف تبرّر شنّ عمل عسكري على إيران» سواء كان هذا العمل مستقلاً وبمعزلٍ عن الإرادة الأميركية، وسيترتّب عل مثل هذه الفرضية تداعيّات ديبلوماسية أقوى من تلك التي تسبّب بها الهجوم الأميركي على العراق بقرارٍ أحادي. ويمكن هنا الاستنتاج بأن استمرار العملية السياسية الأوروبية - الإيرانية تشكّل درعاً «شبه واقياً» من احتمال قيام إسرائيل بهجوم جوّي ضد إيران بقرار أحادي أو بموافقة ضمنيّة أميركية.
«إذا قررت الدولة العبرية أن هناك حاجة لحل عسكري، فإن على القيادة العسكرية تقديم هذا الحل». هذا ما صرّح به رئيس أركان القوات الجوية الإسرائيلية اللواء إليعازر شكيدي لإحدى الصحف في منتصف أيلول .2004 وأضاف بأنه لا يمكنه أن يقدّم معلومات خاصة حول هذا الموضوع. وهناك العديد من التقارير الإعلامية التي صدرت في الصحافة الإسرائيلية والأميركية، والتي تتحدّث عن تجهيز خطط إسرائيلية وتدريبات تجري في صحراء النقب استعداداً لمثل هذا الهجوم.
أما الدعم الأميركي الأساسي، فيتركّز على المساعدات العسكرية الأميركية اللازمة لتأمين أفضل النتائج الممكنة في الهجوم. وذكرت صحيفة هاآرتز الإسرائيلية في عدد 21 أيلول 2004، بأن الولايات المتحدة قد استجابت لطلب إسرائيلي لشراء ما قيمته 319 مليون دولار من الذخائر الخاصة. ويتضمّن طلب الشراء خمسة آلاف قنبلة ذكية، كما يتضمّن شراء ألفين وخمسمئة قنبلة زنة طن واحد، وخمسمئة قنبلة زنة مئتين وخمسين رطلاً و850 قنبلة موجّهة JDAM بالإضافة إلى 500 قنبلة موجّهة بواسطة JDAM من طراز BLU-109 الخاصة بتدمير التحصينات العميقة تحت الأرض. ويبدو بوضوح أن هذه الذخائر تمثّل الحاجات الإسرائيلية لمهاجمة عشرات الأهداف النووية الإيرانية.
ويعتقد عدد من الخبراء بأن إسرائيل ستلحق طلبها بالذخائر بإضافة عدد من قنابل BLU-113 والتي ستخصّصها لضرب منشآت ناطنز المحصّنة تحت الأرض، حيث يمكن لهذه القنابل اختراق أكثر من ستة أمتار من الإسمنت المسلّح، كما يمكنها اختراق أكثر من ثلاثين متراً من الأرض الصلبة.[17]
ثالثاً: الأهداف النووية والصاروخية الإيرانية
يقدّر الخبراء عدد المنشآت النووية الإيرانية، وفق ما نشرته بعض وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، بما يتراوح ما بين ستة وثلاثين وأربعين منشأة، وهي موزّعة على كل المناطق الإيرانية. ونجحت بعض التقارير إلى رفع العدد إلى 200 منشأة، ويأتي هذا التضخيم نتيجة القصور في النظام الاستعلامي الغربي والإسرائيلي، وأيضاً بسبب سياسة التمويه والخداع التي اعتمدتها إيران لإخفاء نشاطاتها النووية أو تلك المتعلّقة بصناعة الصواريخ المتوسطة المدى.
من الصعب جداً الاعتقاد أن بمقدرة إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة تنفيذ غارات جوية مدمّرة على مثل هذا العدد الكبير من الأهداف سواء بسبب تحصينها وتمويهها أو بسبب وسع رقعة انتشارها على طول وعرض بلد كبير مثل إيران، ويبدو أنه حتى أيلول ,2004 ووفق ما ذكرته تحليلات المركز الثقافي لسياسة عدم الانتشار «فإن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تملكان ما يكفي من المعلومات حول الأهداف الإيرانية النووية التي يجب تدميرها. في الواقع فقد نجحت إيران في تمويه وإخفاء نشاطاتها النووية عن الولايات المتحدة. ويرى محلّلو المخابرات والوكالة الدولية للطاقة النووية بأن هناك إمكانية أن تحتفظ إيران بصورة سرية بكل ما تحتاجه لصنع قنبلة نووية، بعد تدمير كل منشآتها الرئيسية المعروفة. واعترفت الوكالة الدولية مؤخّراً بأنه لا يمكنها الادعاء بأنها تملك القدرة على اكتشاف كل النشاطات النووية (غير المرخّص بها) الإيرانية([18]).
من هنا تبرز الحاجة لدى المخطّطين العسكريين الإسرائيليين إلى وضع لائحة أولويات بالأهداف المراد تدميرها وفقاً للقدرات العسكرية المحدودة والمتوفّرة، وذلك من ضمن تقويمٍ عام للنتائج المتوخّاة، والتي تتراوح ما بين وقف أو تأخير الجهد الإيراني لاقتناء السلاح النووي. لا يمكن لإسرائيل من خلال قدراتها المحدودة، وبسبب المسافات الطويلة، وعدم امتلاكها لقاذفات كبيرة أن تحقّق كل طموحاتها بتدمير المواقع النووية المشتبه بها، أو المواقع الصناعية التي تنتج الأسلحة الصاروخية، أو مواقع انتشار الصواريخ التي يمكن أن تستعملها إيران ضد إسرائيل إذا ما أرادت الرد على الهجوم «الوقائي». ذكر تقرير نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية في تشرين الاول 2004، أن أرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية قد طلب من مائير داغاني رئيس جهاز «الموساد»، بذل أقصى الجهود لجمع المعلومات حول البرنامج النووي الإيراني، وعلى أساس أن «إيران تشكّل أخطر عدو بالنسبة لإسرائيل» وبأنه هناك تنسيق استعلامي بين الجهود الاستعلامية الإسرائيلية والأميركية في هذا الخصوص، والتي تصل إلى أدق التفاصيل.
وكانت مجلّة دارشبيغل الألمانية قد ذكرت في تشرين الأول 2004، بأن وحدة من «الموساد» قد تلقّت أمراً قبل شهرين لتحضير خطّة هدفها تدمير عدد من المواقع الإيرانية. وذكر التقرير بوجود ثلاثة مواقع إيرانية رئيسية معروفة هي بوشهر وناطنز وأراك. واعتبرت دارشبيغل أن الخطة التي أعدّتها «الموساد» قد سلّمت للقوات الجوية الإسرائيلية وهي تتضمّن هجوماً منسّقاً على ستة أهداف نووية إيرانية. ونسبت المجلة معلوماتها إلى ضابط من سلاح الجو الإسرائيلي والذي رأى أن الخطة لتدمير المواقع النووية الإيرانية «هي معقّدة، ولكن يمكن تنفيذها».
ويأتي في رأس قائمة الأهداف الستّة التي أعدّتها إسرئيل أهمّ ثلاثة مواقع نووّية معروفة وهي:
* محطة «بوشهر»:
وهي عبارة عن مجمّع يضم مفاعلان يعملان بالماء الخفيف ويقع جنوب غرب أصفهان. وكانت عمليات بناء هذا المركز قد بدأت عام 1975 تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي. بعد قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، أفتى آية الله الخميني أن السلاح النووي لا يمكن جوازه إسلامياً، وقد أمر بإقفال موقع بوشهر. عام 1991، وقّعت طهران عقداً مع روسيا بقيمة 800 مليون دولار من أجل استكمال بناء مفاعل بوشهر. قوة المفاعل هي ألف ميغاواط ومن المتوقّع تشغيله عام .2005 في المباحثات التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع روسيا ومع إيران، اعتبرت الوكالة أن بوشهر لم تعد تشكّل هاجساً لها، فهي محطّة لإنتاج الطاقة. وكان محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية، قد أشاد بالقرار الروسي باسترجاع الوقود المستنفذ من محطة بوشهر، وأن ذلك مع فتح المحطة للتفتيشات المفاجئة من قبل المفتّشين الدوليين لم تعد بوشهر مصدراً للقلق. ولكن عادت إيران وأكّدت نيّتها وحقّها في إنتاج الوقود اللازم للمحطة محلياً، وهذا القرار بالإضافة إلى أي تعديل في برنامج التفتيش بقرار أحادي سيفتح المجال أمام إيران للحصول على كميات من البلوتونيوم صالحة لصنع السلاح النووي خلال فترة وجيزة. وهناك معلومات إضافية عن توقيع العقد الجديد لإنشاء المفاعل الثاني بقوة ألف ميغاواط.
* محطة «ناطنز»:
ناطنز هي منشأة نووية سرّية، كشفت عن وجودها معلومات قدّمها المجلس الوطني للمقاومة في إيران (NCRI) في 15 آب 2002 - (جماعة إيرانية معارضة لنظام الجمهورية الإسلامية).
أظهرت الصور المأخوذة، من مقر صناعي في كانون الأول عام ,2002 مؤشراً على استعمال هذه المنشأة في عمليات تخصيب اليورانيوم بواسطة تقنية الطرد المركزي([19]).
ودعت إيران في وقت مبكّر من العام 2003 الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة منشأة ناطنز التي كانت لا تزال قيد الإنشاء. ورفع المفتّشون الدوليون إلى مدير الوكالة في شباط عام 2003 تقريراً كاشفين فيه بأن المنشأة التي هي على وشك الإنجاز، ستخصّص من أجل عمليات تخصيب اليورانيوم، وذلك من خلال إقامة ألف أنبوب (1000P-1) تستعمل في عملية الطرد المركزي.
وفي تقريرٍ لاحق، تعارضت معلومات الوكالة الدولية (2003) مع المزاعم الإيرانية بنفي قيامها بأية عمليات لتخصيب اليورانيوم، واتجهت شكوك الوكالة إلى إمكانية استعمال المنشأة كمحطة لما يعرف Enriching Plant
Plant Pilot Fuel - (PFEP)
وتأكّدت شكوك الوكالة لاحقاً من خلال اكتشافها لذرات من اليورانيوم المخصّب HEU. ومن أجل تبديد هذه الشكوك ادعت إيران أن ذرات HEU التي وجدت على المعدّات هي نتيجة تلوّث المعدّات في بلد المصدر.
ما يطرح علامات استفهام حول الادعاء باستعمالها فقط للأبحاث العلمية. ويبدو أن هناك الآن تركيزاً خاصاً على وضع هذه المنشأة تحت الرقابة «القاسية» للوكالة الدولية، وعلى أساس أنها تشكّل الهاجس الأساسي في عملية تطوير إيران للوقود اللازم لصنع القنبلة النووية عن طريق تخصيب اليورانيوم.
يقدّر العلماء بأن هذه المنشأة قادرة من خلال 50000 أنبوب للطرد المركزي إنتاج كمية من الوقود النووي لبناء عدة قنابل نووية سنوياً. ويمكن لإيران الاكتفاء ذاتياً لصنع ما تحتاجه من اليورانيوم المخصّب وذلك عن طريق مناجمها الكائنة في مقاطعة يزد ومعالجتها في محطة ناطنز.
* محطة «أراك»:
أراك هي الموقع الذي يجري فيه بناء منشأتين لإنتاج الماء الثقيل. وكانت مجموعة إيرانية قد كشفت وجود هذا الموقع في آب .2002 وعندما زاره المفتّشون الدوليون واطلعوا على حقيقة العمل فيه، برّرت إيران ذلك الإدعاء بأن الغاية من إنتاجها للماء الثقيل يعود إلى رغبتها في تصديره إلى دول أخرى. لكنها عادت واعترفت بأن إنتاجها معد للاستعمال في مفاعل للأبحاث بنته في موقع أراك. والمنشأة الثانية هي عبارة عن مفاعل نووي بقوة أربعين ميغاواط يعمل بالماء الثقيل سيجري بناؤه بدءاً من العام .2004 ويعتبر هذا المفاعل مصدراً آخر لبناء إيران للسلاح النووي عن طريق البلوتونيون. يستعمل المفاعل في أراك ديوكسيد الأورانيوم، والذي بعد احتراقه يمكن فصل البلوتونيوم عبر تقنية خاصة - ويقدّر إنتاج كمية ثماني إلى عشر كيلوغرام من البلوتونيوم سنوياً، وهي كميّة كافية لصنع قنبلة نووية واحدة على الأقل. ويقول الإيرانيون بأن هذه المنشأة مخصّصة للأبحاث النووية الطبية.
- أهداف أخرى:
هناك لائحة كبيرة تضمّ المواقع المختلفة التي تشك الوكالة الدولية أو وكالات الاستخبارات ومعاهد الأبحاث الغربية بأنه جزء من البرنامج النووي الإيراني الواسع، بما فيها بعض المراكز الجامعية أو تلك المموّهة في مراكز للأبحاث الزراعية، أو غيرها.
إن الوكالة الدولية وحدها قادرة على التحقّق من حقيقة وجود نشاط نووي في هذه المراكز، من خلال إيفاد مراقبيها الدوليين للتأكّد من نوعية العمليات أو الأبحاث التي تجري في هذه المواقع.
وتجدر الإشارة بأنه وعلى ضوء ما أفضت إليه التفتيشات في العراق لا يمكن الركون إلى ما يصوغه الغرب من تقارير مبنيّة على الشك، سواء كان مصدر هذه التقارير الرصد الإلكتروني عبر الأقمار الصناعية، أو من مصادر بشرية ترتكز في مجملها على ما تقدّمه المعارضة الإيرانية وذلك على ضوء النتائج المغلوطة كلياً التي أثبتتها التفتيشات الدقيقة في العراق.
وتنتشر الأهداف النووية المحتملة في طول وعرض البلاد مما يجعل عملية تنفيذ هجوم وقائي مدمّر عليها عملية معقّدة، وتتطلّب وفرة في الوسائل ودقّة في التخطيط والتنفيذ، خصوصاً في ظل الاحتياطات الدفاعية التي اتخذتها إيران على ضوء الدروس التي استقتها من الهجوم على المفاعل العراقي أو من عمليات التفتيش التي خضع لها العراق خلال عقد كامل.
وهكذا نجد أن المراكز النووية الرئيسية موزّعة بين الشمال في مناطق بوناب وتبريز وطهران وبحر قزوين وفي الوسط ما بين أصفهان ويزد وصاغهند وبرجن وفي الجنوب ما بين داركهومينن وبوشهر وفازا. وتتوزّع مواقع أسلحة الدمار الشامل الكيميائية ومواقع صنع أو قواعد إطلاق أو تخزين الصواريخ وفق نفس مبدأ الانتشار الواسع على طول وعرض إيران([20]).
إن كل المعلومات المتوفّرة عن موقع ناطنز تشير إلى أنه قد جرى بناؤه تحت الأرض، ولكن ذلك لا يعطيه ما يكفي من الحماية. فقد رأى أحد الخبراء الأميركيين الكولونيل إريك ساب بأن طريقة البناء قد جرت داخل حفرة كبيرة حيث جرى بناء المنشأة، ومن ثم جرى دفنها بالصخور والتراب. يمكن أن يتراوح عمق الدفن ما بين بضعة أقدام ومائة قدم كحد أقصى. وفي ظل الوضع الراهن لمنشأة ناطنز، فإن الذخائر التي حصلت عليها إسرائيل مؤخّراً من الولايات المتحدة هي قادرة دون أدنى شك على تدميرها وخصوصاً القنابل BLU-109 و BLU-113 المعروفة بإسم مفجّر الاطمات المحصّنة([21]).
رابعاً: خطة الهجوم والوسائل
في 7 حزيران عام 1981، نفّذت إسرائيل هجوماً جوياً مباغتاً ضد مفاعل «تموز» النووي في العراق (اوزيراك) مستعملة طائرات أف 15 وأف 16 الأميركية الصنع. وقد نجحت في هذا الهجوم في تدمير المفاعل المقام ثلاثين كيلومتراً جنوبي بغداد. إذا قررت إسرائيل تنفيذ هجوم مباغت ضد المنشاءات النووية الإيرانية ودون مشاركة أميركية رئيسية، فإن مهمّتها ستكون أصعب سواء لجهة بعد المسافة أو لجهة توزّع الأهداف على مساحات واسعة. لقد أشار المحلّل الإسرائيلي يفتاح شابير إلى هذه المصاعب بالقول أن خيارات إسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني محدودة. هناك معضلة كبرى تواجه أية خطة لتنفيذ هجوم وقائي تنطلق من واقع المسافات البعيدة، ومن تبدّد الأهداف فوق مساحات شاسعة ومن عدد هذه الأهداف (الذي يقارب أربعين منشأة) ومن الحماية المتوفّرة لبعضها، خصوصاً لجهة وجود بعضها تحت الأرض([22]).
وهناك صعوبة أخرى تتعلّق بالأذونات اللازمة لاستعمال المجال الجوي لدول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية أو الأردن من أجل الوصول إلى إيران. ومن الواضح من مجريات الحرب الأخيرة على العراق أن تركيا قد رفضت السماح للقوات الأميركية باستعمال أراضيها لفتح جبهة من شمال العراق، كما اتسم التنسيق الأردني والسعودي من أجل استعمال القوات الأميركية لأراضيها أو لمجالها الجوي بالكثير من الكتمان. وهنا نبرز أيضاً إمكانية أن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل باستعمال المجال الجوي العراقي للوصول إلى إيران، فهي تدرك مدى الأضرار التي يمكن أن تلحق بأمن قواتها وبمصالحها في العراق ومن منطقة الخليج ككل. لقد سبق وحللنا هذه المصاعب في بحث السيناريو الإسرائيلي.
كشفت مجلة درشبيغل الألمانية في تشرين الأول الماضي بأن إسرائيل قد أعدّت خطة لضرب ست منشآت نووية إيرانية. وصرّح ضابط من سلاح الجو الإسرائيلي، لم يرد الإفصاح عن إسمه بأن «العملية معقّدة ولكنها ممكنة».
وذكرت درشبيغل تكليف وحدة من الموساد الإسرائيلي بالتحضير لخطة مفصّلة للهجوم على المواقع النووية الرئيسية، بما في ذلك تلك المتخصّصة بتخصيب اليورانيوم، وأن من بين الأهداف التي يجري دراستها، ثلاثة أهداف غير معروفة من قبل الوكالة الدولية أو الدول الأخرى المهتمّة بالشأن النووي الإيراني. ووفق نفس التقرير فإن الخطة جاهزة وقد سلّمت لسلاح الجو الإسرائيلي والذي سيعد نفسه لشن عدد من الهجمات بواسطة أسراب أف 15 أي واف 16 المعدّلة.
وكان بعض المحلّلين الإعلاميين قد ربط مجلة درشبيغل بموضوع ممارسة الضغوط على إيران للتجاوب مع الإنذار الذي وجّهته الوكالة ومع الجهود التي تبذلها المجموعة الأوروبية الثلاثية من أجل دفع إيران لوقف الجانب العسكري في برنامجها بما في ذلك عمليات تخصيب اليورانيوم.
وذكرت معلومات أخرى غربية بأن طياري سلاح الجو الإسرائيلي قد بدأوا تدريباتهم على مجسّم في صحراء النقب من أجل التحضير للهجوم على مفاعل بوشهر. ورأى شايي فلومات رئيس مركز جافي للدراسات الاستراتيجية، بأن «المنطق يدعو إلى تنفيذ الهجوم على إيران، حتى إذا لم تتوفّر المعلومات الكافية عن كل المراكز النووية الإيرانية، لأنه يكفي إزالة المنشآت المعروفة الآن، خصوصاً تلك المستعملة في تخصيب اليورانيوم، فإن ذلك كفيل بتأخير القدرات الإيرانية وإضعافها لفترة زمنية طويلة([23]).
وتمتلك إسرائيل منذ 1998، طائرات F15-E Strike Eagle، ويتوفّر الآن لديها خمسة وعشرين من هذه الطائرات والتي يبلغ مداها 4450 كلم أي أنه يمكنها العمل ضمن شعاع طوله 2225 كلم. وكانت إسرائيل قد أوصت أيضاً على عدد من طائرات أف16 المتطوّرة والتي تعرف باسم (F16I-Sufa Strom) قد بدأت إسرائيل باستلام الصفقة مع بدايات .2004 وكانت هذه الطائرات قد عدّلت بعد تزويدها بخزانات وقود جديدة تسمح لها بالعمل ضمن شعاع يصل إلى 2100 كلم بحيث تستطيع مهاجمة محطّة بوشهر وأصفهان التي تبعد عن إسرائيل مسافة 1500 كلم ودون الحاجة للتزوّد بالوقود بالجو([24]).
وكانت أطول غارة نفّذتها الطائرات الإسرائيلية التي استهدفت مقر القيادات الفلسطينية في تونس عام 1985 وعلى بعد 2060 كلم من إسرائيل ولكنها احتاجت في ذلك الوقت للتموين بالوقود في الجو. وكانت إسرائيل قد اشترت من الولايات المتحدة بعض الطائرات الصهاريج. وجاء الهجوم المذكور رداً على مقتل ثلاثة إسرائيليين على يختٍ في قبرص. أما في عملية الهجوم على مفاعل تموز، فإن طائرات أف16 لم تكن تحتاج للتموين بالوقود جواً.
وتمتلك إسرائيل قدرة هجومية صاروخية من البحر يمكنها استعمالها للمؤازرة في الهجوم الجوي. ويعترف المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون بأن إسرائيل قد طوّرت الصاروخ «هاربون» الأميركي الصنع لاستعماله من الغواصات الثلاث من طراز «دولفن»، التي كانت قد صنعتها لها ألمانيا([25]).
وذهب تقرير لوس أنجلوس تايمز إلى القول بأن هذه الصواريخ يمكنها حمل رؤوس نووية وتزيد من قدرات الردع لدى إسرائيل خصوصاً إذا امتلكت إيران السلاح النووي، وهي في المقابل يمكن استعمالها كحجة من قبل إيران لعدم التجاوب مع الجهود الديبلوماسية والضغوط الدولية لإقناع إيران بالتخلّي عن صنع السلاح النووي. وتذكر الصحيفة الأميركية بأن إسرائيل تملك قدرات لتنفيذ هجمات صاروخية نووية من الجو والبحر والأرض بواسطة صواريخ جيريكو-2وذكرت بعض التقارير التي صدرت في كانون الثاني 2005، أن ارييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية قد أعطى أمراً بتحرّك الغواصات الإسرائيلية من طراز «دولفن» إلى خليج عمان لتكون في مواقع تمكّنها من شن هجمات صاروخية ضد إيران. وهذه الغواصات مجهّزة بأفضل التكنولوجيا الأميركية التي تمكّنها من إصابة أهدافها بدقّة متناهية (نظام (Over The Horizon Software - Promis وإلى مسافات تصل إلى 900 ميل بحري، أي ما يزيد على 1500 كلم، أي ما يمكنها من ضرب الأهداف الموجودة في بوشهر وفي وسط إيران وتحديداً في ناطنز وأراك وأركادان قرب أصفهان. وتبلغ زنة رأس الصاروخ الجوال مئتي كيلوغرام ويحتوي على خمس كيلوغرام بلوتونيوم. ومن أجل دعم إمكانية نجاح الهجوم بالكامل، فإن العمل العسكري سيترافق مع استعمال كثيف لوسائل الحرب الإلكترونية والتي تساعد على شل القدرات الإيرانية الدفاعية وذلك بالتركيز، كما سبق وذكرنا سابقاً، على شكل نظامي الاتصالات العسكرية والمدنية، وتعطيل نظام المواصلات وكل الشبكات الإلكترونية والأخرى، بما فيها النظام المصرفي الإيراني.
خامساً: توقيت الهجوم:
ما زالت معظم المنشآت النووية الإيرانية قيد الإنشاء، مما يفصح في المجال لاستعمال الوقت الفاصل عن جهوزها للعمل، لإعطاء فرصة جديدة لمزيد من العمل الديبلوماسي الأوروبي والأميركي. من الطبيعي الافتراض أن توقيت الهجوم الإسرائيلي يرتبط أولاً وأخيراً بالحصول على ضوء أخضر أميركي يجيز الهجوم. يمكن الاستنتاج أن التوقيت يرتبط أيضاً بمجوعة واسعة من الاعتبارات التي يمكن أن تستعجله أو تؤخره وفقاً للتقويم الذي يمكن أن تعتمده القيادة الإسرائيلية، والذي يفترض أن يكون متعدّد الأبعاد الديبلوماسية والعسكرية والبيئية، بالإضافة إلى تقدير مدى قرب أو بعد إيران عن تحضير ما يكفي من الوقود النووي (البلوتونيوم أو اليورانيوم المخصّب) لصنع أول سلاح نووي.
تؤشّر التقديرات الراهنة أنه في حال فشل الديبلوماسية الأوروبية الممثّلة بوزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا في مبادراتها لتطوير الاتفاق المبدئي مع إيران لوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم في منشأة ناطنز قرب أصفهان بشكل نهائي أو لفترة طويلة على الأقل، فإن التوقيت الجدّي لتنفيذ الهجوم الوقائي الإسرائيلي سيتحدّد خلال «النصف الأول» من العام .2005 بالإضافة إلى ذلك هناك معلومات أن إيران كانت تعد العدة لتشغيل محطة التخصيب المعالجة عشرات الأطنان من اليورانيوم خلال عام 2005، وكان يتوقّع أيضاً أن يبدأ تشغيل محطّة إنتاج الماء الثقيل في أراك خلال نفس الفترة.
لا بد من الإشارة بأن محطة بوشهر لتوليد الطاقة هي جاهزة للتشغيل الذي تأخّر بسبب الضغوط الأميركية على موسكو لعدم شحن الوقود اللازم لتشغيل المفاعل قبل التأكد من إمكانية استعادة الوقود المستنفد إلى روسيا، وذلك بهدف منع إيران من استخراج مادة البلوتونيوم منه.
إن كل التقارير والدراسات التي توفّرت لي تؤكّد أن التقديرات الأميركية والإسرائيلية تضع عملية انطلاق إيران لإنتاج كميات كافية من اليورانيوم المخصّب لصنع أول سلاح نووي من منشأة ناطنز خلال عام ,2006 فيما قد يتأخر فصل البلوتونيوم اللازم لنفس الغرض (في أراك) إلى العام 2010([26]).
إن الهجوم «الوقائي» الإسرائيلي لا بد وأن يأخذ بعين الاعتبار عامل الوقت لجهة تشغيل محطات بوشهر وأراك وناطنز. وتدرك إسرائيل خصوصاً المخاطر المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تنتج عن تدمير مفاعل نووي بقوة مفاعل بوشهر سواء على حياة الناس أو على البيئة في منطقتي الخليج والشرق الأوسط.
صرّح اللواء اهارون زئيفي (فركش) رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في وسط آب 2003 للقناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي «إننا نعتقد أنه إذا لم يجر وضع حد للعمليات الإيرانية، فإنها قد تكون قد قاربت الدخول في مرحلة الاكتفاء الذاتي أي نقطة اللارجوع. وبعد مرحلة الاكتفاء الذاتي فإن إيران بحاجة لسنتين لصنع قنبلة نووية». ولكن رفض زئيفي أن يحدّد موعداً لإمكانية قيام إسرائيل بهجوم وقائي ضد المنشآت الإيرانية.
في التقرير السنوي الذي رفعته المخابرات الإسرائيلية للحكومة في 21 تموز 2004، تحدّثت التقديرات عن إمكانية صنع أول سلاح نووي إيراني في عام .2008 ولكن التقرير الذي نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية بعض محتوياته، قد استنتج بأن عمل وحدات التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يؤخّر تقدّم البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم لفترة سنتين أو ثلاث سنوات. كما استنتج بأن التوقّف عن تشغيل هذه المنشآت قد يعطّل أو يؤخّر انطلاق البرنامج من جديد، وفي حال قرّرت إيران الانطلاق فإن عليها استعادة دورة التخصيب من بداياتها.
من جهته، أعطى شاوول موفاز وزير دفاع إسرائيل أثناء زيارته لواشنطن في تشرين الثاني 2003، تقويماً متشائماً حول البرنامج الإيراني «لا يمكن لإسرائيل تحت أية ظروف التسامح مع إيران للحصول على سلاح نووي، وبأن إيران قد تصل إلى نقطة اللارجوع في منتصف عام .2004 فيما ذهب رئيس الموساد مائير داغان في شهادة أمام لجنتي الكنيست للخارجية والدفاع، بأن حصول إيران على سلاح نووي لا يهدّد إسرائيل وحدها بل وأيضاً القارة الأوروبية».
وكان جون بولتون مساعد وزير الخارجية الأميركي المتخصص في شؤون منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، قد صرّح بأن إيران قد أخبرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بأن بإمكانها تخصيب ما يكفي لصنع قنبلة نووية خلال عام، وبأن ذلك قد تحقّق خلال عام .2005 وأضاف «إذا سمحنا لإيران بالذهاب بعيداً في خداعها، فإن الزمن سيداهمنا»([27]).
في المراجعة العامة لكل العناصر وتقويم الظروف التي تحدّد توقيت تنفيذ إسرائيل لتهديداتها، يمكن إدراج هذا الاحتمال وفقاً للاعتبارات الآتية:
أولاً: الحصول على ضوء أخضر أميركي يجيز لإسرائيل تنفيذ العملية.
ثانياً: تأكّد القيادة الإسرائيلية بأن إيران قد قاربت «نقطة اللارجوع» في التحضير لصنع أول سلاح نووي.
ثالثاً: التأكّد من فشل المساعي التي تقوم بها فرنسا وبريطانيا وألمانيا للحصول على موافقة إيران لوقف عمليات تخصيب اليورانيوم بصورة نهائية أو لفترة طويلة.
رابعاً: شحن روسيا لإيران الوقود النووي اللازم لتشغيل محطة بوشهر دون وجود ضمانات باستعادة الوقود المستنفد إلى روسيا لمنع إيران من فصل اليورانيوم عن هذا الوقود. إن شن أي هجوم على مفاعل بوشهر يجب أن يتم قبل تشغيل هذا المفاعل لتحديد الأضرار الجسيمة التي يمكن أن تنتج على المحيط والبيئة.
خامساً: في حال قرّرت إيران بصورة علنية أو ضمنية وقف تعاونها مع الوكالة الدولية لجهة تنفيذ التفتيشات التي تقرّها معاهدة منع الانتشار والبروتوكول الإضافي التابع لها.
سادساً: في حال اكتشفت إسرائيل أن لدى إيران برنامجاً آخر بالتوازي مع البرنامج المعروف وبأنها جاهدة فعلاً لإنتاج السلاح النووي بصورة سرّية.
سابعاً: يرتبط أولاً وأخيراً تنفيذ مثل هذا الهجوم بالتحضيرات التي تضمن من جهة أولى نجاحه كعملية عسكرية وأيضاً بالتحضيرات لاحتواء كل أنواع الفعل الإيرانية والدولية سواء على الصعيد الأمني أو السياسي.
ثامناً: يرتبط أخيراً موعد التنفيذ بتقدير النتائج التي يمكن تحقيقها لجهة عدد المنشآت الأساسية التي ستضرب أو لمدى الدمار الذي يمكن أن تلحقه الغارات بها لتوقيفها عن العمل لفترة طويلة عندما تقرر الولايات المتحدة تنفيذ هجوم جوّي بمشاركة إسرائيلية
سادساً: الشكوك والمخاطر
من أكبر الشكوك والمخاطر التي تواجهها العملية الإسرائيلية ضد إيران تتعلّق بموضوع الثقة والدقّة ووفرة المعلومات التي تملكها حول البرنامج النووي الإيراني ككل، وأيضاً المعلومات الدقيقة حول المنشآت التي تختارها كأهداف رئيسية.
أظهرت التفتيشات التي نفّذتها الفرق الأميركية في العراق بعد احتلاله عقم وعدم وصحة كل المعلومات التي كانت قد تقدّمت بها الحكومتان الأميركية والبريطانية إلى الأمم المتحدة وإلى الكونغرس ومجلس العموم البريطاني ولوسائل الإعلام، وعلى لسان أرفع المسؤولين بدءاً من الرئيس بوش ورئيس الوزراء طوني بلير ووصولاً إلى مطالعات كولن باول وكوندوليزا رايس وجاك سترو. وكانت إسرائيل شريكة رئيسية في الضخ الاستعلامي حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، بهدف التحريض على الحرب واستعجال اندلاعها. والسؤال الذي لا بد من استعجال طرحه: هل تتكرّر بعض جوانب التجربة العراقية في إيران لجهة مدى تقدّم وضخامة البرنامج النووي الإيراني؟
والسؤال الآخر الذي يمكن أن لا يقل أهمية عن الأول: هل تتكرّر المفاجأة التي واجهتها الولايات المتحدة في تقويمها للبرنامج النووي الصيني في عام 1964 ، عندما بدأت تفكّر جدياً في ضرب منشآت الصين النووية؟
كانت المفاجأة مزدوجة، في الوقت الذي أخبرت فيه الحكومة الأميركية الكونغرس عن احتمال قرب موعد صنع أول قنبلة بلوتونيوم صينية - فجّرت الصين قنبلة مصنوعة من اليورانيوم المخصّب، بشكل فاجأ الأميركيين وجعلهم يدركون القصور الاستعلامي لديهم في كشف أسرار وفهم البرنامج النووي الصيني بشكل كامل. ويبدو أن نفس المفاجأة الأميركية قد تتكرّر مع كوريا الشمالية، حيث يبدو بوضوح أن هناك نقصاً في المعلومات حول وجود منشأة كورية شمالية تستعمل لفصل البلوتونيوم من الوقود المستنفد في مفاعلاتها النووية، ولم تدر الأجهزة الأميركية بوجودها أو اعتلامها. كما تجهل الأجهزة الأميركية مكان وجود البرنامج الخاص بتخصيب اليورانيوم، وأن الشكوك تتّجه إلى أنه قائم فعلاً تحت الأرض وفي مكان لم تستطع المراقبة الأميركية اكتشافه.
والاعتقاد السائد اليوم أن البرنامج النووي الإيراني يشابه إلى حد كبير البرنامج الباكستاني وأن كل منشآته باستثناء مصنع تخصيب اليورانيوم في ناطنز قائم فوق الأرض ولكنه منتشر على ما يقارب أربعين موقعاً. لكن كل ذلك لا يمنع إمكانية وجود برنامج سرّي آخر يعمل بالتوازي مع البرنامج، الذي يجري الإعداد لضربه أو وضعه تحت نظام صارم للتفتيش. هناك إشاعات تتكرّر حول مثل هذا البرنامج السرّي والذي تخفي إيران وجوده من خلال المساومة المعقّدة التي تقودها حول ما يجري في البرنامج التي تعترف بوجوده.
لكن هناك منطق مضاد لفكرة وجود برنامج سرّي بالتوازي مع البرنامج الظاهر، وهو يقوم على فرضية أن إيران تدرك أن هناك مصاعب وعقبات والتزامات سياسية وديبلوماسية تمنع أميركا وإسرائيل من المجازفة وتنفيذ تهديداتهم بضرب منشآتها النووية. ويستند المنطق الإيراني هذا على قاعدتين: الأولى، تتمثّل بالمعارضة الأوروبية القاسية لمثل هذه المغامرة، خصوصاً على ضوء ما تكشف عنه من قصور استعلامي للتفتيشات والتقويم الذي تلاها بأنه لم يكن في العراق برامج أو أسلحة دمار شامل على الإطلاق. الثانية، تتمثّل بالمخاوف التي يشعر بها الأميركيون والإسرائيليون من حجم وقوّة ردود الفعل الإيرانية على مثل هذا الهجوم ضد منشآتها النووية.
وهناك أيضاً خطر أن تسبّب هجمات تنفّذها إسرائيل أو أميركا بانسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار، فتضع بذلك نفسها خارج كل أطر نظام التفتيش الدولي، وتتحرّر من كل القيود، للاندفاع سريعاً نحو بناء السلاح النووي. وستجد إسرائيل نفسها في مثل هذه الحالة مكشوفة ومجبرة للتخلّي عن الاستراتيجية الغامضة التي تتّبعها حول امتلاكها للسلاح النووي، وذلك بإعلان امتلاكها هذا السلاح والكشف عن عقيدتها العسكرية لاستعماله وذلك من أجل تفعيل سياسة الردع التي تعتمدها في تحقيق أمنها الاسترتيجي.
تترتّب بعض الشكوك والمخاطر على إمكانية تفرّد إسرائيل في تنفيذ الهجوم الوقائي ضد إيران منها:
* عدم امتلاك إسرائيل للمعلومات الدقيقة التي توفّر أفضل الظروف للهجوم على المنشآت مما يفسح في المجال للشك حول النتائج التدميرية على بعض الأهداف.
* القدرات الإسرائيلية المحدودة والتي لا تسمح إلا بتنفيذ هجوم انتقائي على عدد محدود من المنشآت، مما يجعل المنشآت الأخرى تشعر بالأمان والقدرة على السير قدماً في برامجها، خصوصاً وأن الأوضاع السياسية والتحرّك الديبلوماسي الدولي سيمنعان احتمال قيام إسرائيل بهجمات جديدة.
* يشكّل نظام الحماية ضد الهجمات الجوية الذي أقامته إيران حول منشآتها النووية عقبة يجب دراسة التغلّب عليها بعناية من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. في التقويم العام للشكوك والمخاطر التي تلف سيناريو الهجوم الإسرائيلي في إقرارها لمثل هذا الهجوم. ومن المعلوم أن هذا الهجوم سيؤدّي إلى ردود فعل إيرانية وعلى عدة جبهات، للانتقام من إسرائيل ومعاقبتها. مما يطرح تساؤلاً على إدراك إسرائيل لنتائج الخطوة الأخيرة على هذا الطريق الخطر، وذلك قبل الشروع في تنفيذ الخطوة الأولى، وفق ما حذّر منه فيلسوف الحرب كلوزفيتز في حديثه عن استراتيجية الهجوم في الحرب. والتساؤل الملحّ الذي لا يمكن القفز فوقه يتعلّق بمدى استعداد إسرائيل لخوض حرب ثانية ومن نموذج مختلف للحرب التي تشنّها ضد الفلسطينيين منذ ما يزيد على أربع سنوات.
سابعاً: ردود الفعل الإيرانية
على الرغم من امتلاك إسرائيل منشآت نووية معروفة وعدم توقيع هذه الدولة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع إنتشار الأسلحة النووية فإنها إذا نفّذت خططها لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وبغضّ النظر عن مدى نجاح أو فشل الهجوم في تحقيق أهدافه، فمن المنتظر أن تقوم إيران بمجموعة من ردود الفعل ضد إسرائيل، ومن المحتمل أن تتوسّع ردود الفعل لتطاول الوجود والمصالح الأميركية في المنطقة، بواسطة بعض المجموعات المختلفة في المنطقة.
وستتركّز مثل هذه الحملة على الدول التي يوجد فيها مكاتب تمثيل أو علاقات تجارية مع إسرائيل وقواعد عسكرية أميركية، وسيكون لها مفاعيل متعدّدة الأبعاد على الصعيد الأمني والسياسي داخل العراق. وستنطلق إيران في ردودها من قناعتها بأن الولايات المتحدة هي الشريك الاستراتيجي لإسرائيل في تنفيذ الهجوم، وبأنه لم يكن من الممكن لإسرائيل تنفيذ هجومها إلا إذا حصلت على دعمٍ ديبلوماسي وسياسي وعسكري وتقني ولوجستي من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مظلّة الحماية الجوية للعملية بواسطة ما تملكه الولايات المتحدة في المنطقة من قدرات استطلاعية ووسائل الحرب الإلكترونية اللازمة لإنجاح العملية وتأمين الحماية لها، من خلال المساعدة في رصد التحركات الإيرانية لإفشال الهجوم الإسرائيلي أو لشل أنظمة الدفاع الجوي ونظام القيادة والسيطرة الإيرانيين.
ستكون ردود فعل إيران مختلفة تماماً عن ردود الفعل العراقية على هجوم حزيران 1981 الذي دمّر مفاعل تموز. فالعراق كان غارقاً في تلك الفترة في خضم حرب طاحنة مع إيران، ولم يكن يملك الوسائل العسكرية الصالحة للرد على إسرائيل، بالإضافة إلى أنه لم يكن يريد ذلك خوفاً من التأثير السلبي الذي يمكن أن يتركه هذا الرد على علاقاته مع الولايات المتحدة التي كانت تقدّم له الدعم الذي يحتاجه في الحرب مع إيران.
عبّر المسؤولون الإيرانيون في مناسبات عديدة عن الموقف الصارم وعن ردود الفعل التي يمكن أن يواجهوا بها أي هجوم إسرائيلي (أو أميركي) على المنشآت النووية. كان أبرزها:
* تصريح وزير الدفاع علي شمخاني في 20 آب 2004 لقناة الجزيرة «لا يمكن أن نجلس مكتوفي الأيدي بانتظار أن يهاجمنا أحد. بعض القادة الإيرانيين مقتنعون بأن التدابير الوقائية التي تتحدّث عنها الولايات المتحدة ليست حكراً عليهم وحدهم. إن أي هجوم على منشآتنا النووية سنعتبره اعتداء على إيران وسنردّ عليه بكل ما نملك من قوة». وأضاف شمخاني «بالنسبة لإسرائيل، لا شك لدينا بأنها تمثّل الشر، ولا يمكنها أن تقوم بأي هجوم عسكري دون ضوء أخضر أميركي. لا يمكن التفريق بينهما... إن الوجود العسكري الأميركي في العراق لن يكون عنصر قوة لواشنطن على حسابنا، فالعكس سيكون صحيحاً لأن قواتهم هناك ستتحوّل إلى رهائن في الأيادي الإيرانية».
* تصريح الجنرال محمد باقر ذو الفقار رئيس الحرس الثوري في 17 آب 2004 «إذا أطلقت إسرائيل صاروخاً على محطّة بوشهر النووية، فيتحتّم عليها أن تودّع منشآتها النووية في «ديمونا» حيث تصنّع وتخزّن أسلحتها النووية([28]).
* تصريح الجنرال سيّد رضا بارديس، قائد سلاح الجو الإيراني في كانون الأول 2003 رداً على تهديدٍ صادرٍ عن وزير الدفاع الإسرائيلي شاوول موفاز «إذا هاجمت إسرائيل إيران فإنها تفتح قبرها بيديها»([29]).
نظراً للأهمية التي تنظر فيها الحكومة الإيرانية إلى البرنامج النووي، والدعم الشعبي العارم له بالإضافة إلى الاستثمارات الهائلة بالمال والوقت، فإنه من المؤكّد بأن إيران ستواجه أي هجوم إسرائيلي على منشآتها برد عسكري عنيف ومباشر.
إن السيناريو المتوقّع للرد الإيراني المباشر سيبدأ بهجوم صاروخي على إسرائيل، وقد يشمل بعض القواعد الأميركية في منطقة الخليج. وكان أحد المسؤولين في الحرس الثوري يد الله جوفاني قد ألمح إلى مثل هكذا ردّ إيراني بقوله «إن كل الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكم الصهيوني، بما في ذلك منشآته النووية هي ضمن مرمى الصواريخ الإيرانية المتطوّرة».
تقدّر الأوساط والدراسات الغربية بأن إيران تمتلك أكثرمن خمسمئة صاروخ باليستي من طراز شهاب معظمها من طراز شهاب-1 وشهاب-2 مع مدى يتراوح ما بين ثلاثمئة وخمسمئة كلم مع رأس متفجّر تتراوح زنته ما بين سبعمئة وتسعمئة وخمسة وثمانين كيلوغراماً([30]). يمكن استعمال هذه الصورايخ ضد القواعد الأميركية في قطر وعمان والبحرين والكويت والعراق. وهناك تقديرات بأن إيران تمتلك مئة صاروخ من طراز شهاب-3 والتي يبلغ مداهاالف وثلاثمئة كلم مع رأس متفجّر بزنة سبعمئة كيلوغراماً، وكانت إيران قد عرضت بعض الصواريخ، لأول مرة، في ذكرى الحرب الإيرانية-العراقية في أيلول 2003، وأن بإمكان هذا الصاروخ بلوغ كل المدن والمنشآت النووية في إسرائيل([31]). يمكن أن تطلق إيران عشرات الصواريخ ضد الأهداف الأميركية ويمكنها أن تكرّر عمليات القصف، ولكن ذلك يتوقّف على سرعة الرد الجوي الأميركي الهادف إلى تدمير قواعد إطلاق الصواريخ الإيرانية.
لا يمكن الاستهتار بمفاعيل القصف الصاروخي الإيراني ضد القواعد الأميركية أو ضد إسرائيل. من المعروف أن هذه الصواريخ هي باليستية وغير موجّهة، ومن هنا فإن ليس بمقدورها إصابة الأهداف بدقّة كالصواريخ الجوّالة الأميركية أو الإسرائيلية. ولكن إيران استطاعت تحسين دقّة الإصابة لهذه الصواريخ بالمقارنة مع صواريخ سكود العراقية، التي أطلقت ضد إسرائيل والسعودية عام 1991. من المتوقّع أن تتسبّب هذه الصواريخ بعددٍ كبير من القتلى إذا استعملت ضد المدن الإسرائيلية والقواعد الأميركية، ويمكن تقدير مثل هذه الخسائر قياساً بالخسائر بالأرواح التي تسبّب بها سقوط صاروخ عراقي على قاعدة سعودية عام 1991 حيث سقط ثماني وثلاثين قتيلاً ومائة جريح([32]).
يذهب بعض المحلّلين بأنه من الأفضل شن هجوم وقائي ضد إيران في أقرب وقتٍ ممكن، لأن ذلك يؤمّن أولاً، منع إيران من تطوير سلاح نووي في القريب العاجل، ثانياً، إن مخاطر هذا الهجوم ستكون أقل من الانتظار وإعطاء إيران الوقت اللازم لتطوير قدراتها الصاروخية سواء لجهة عدد الصواريخ أو لجهة دقّة هذه الصواريخ. هناك معلومات تتحدّث عن جهود حثيثة تبذلها إيران لتطوير صاروخ شهاب-4 والذي ينتظر أن يبلغ مداه ألفي كيلومتر مع تحسين دقّته لإصابة الأهداف العسكرية. من المؤكّد أن إسرائيل ستعمل على تشغيل دفاعاتها المضادّة للصواريخ، سواء بطاريات أرو أو باتريوت، ويعتقد الإسرائيليون أن نظام أرو قادر على تدمير صواريخ شهاب-36 - قبل بلوغها لأهدافها.
من الصعب تقويم فعالية نظام أرو الذي لم يخضع بعد لأية تجربة ميدانية فعلية. في عام 1991، ادّعى الأميركيون أن صواريخ باتريوت التي نشرت في إسرائيل والسعودية قد نجحت في اعتراض وتدمير معظم الصواريخ العراقية. ولكن أظهرت التحقيقات في الكونغرس بأن التقارير حول فعالية نظام باتريوت قد حملت الكثير من المغالاة والمغالطات، وأظهرت هذه التحقيقات بأن فعالية باتريوت في إسقاط الصواريخ العراقية لم تتعد العشرة في المائة. وذكر رئيس لجنة التحقيق التي شكّلها الكونغرس جوزف سيرانسيون لبرنامج الستين دقيقة التلفزيوني أن «أفضل إثبات حول فعالية صواريخ باتريوت بتحقيق إصابتين إلى أربع إصابات كحد أقصى من بين اربعة وأربعين صاروخاً استعملت».
صحيح أن نظام أرو قد نجح في تدمير صاروخ سكود في آخر تجربة له في كاليفورنيا في 29 تموز 2004، ولكن هناك فرق شاسع ما بين نتائج مثل هذه التجربة والمواجهة الحقيقية في ميدان القتال.
من ردود الفعل المباشرة التي يمكن أن تلجأ إليها إيران أن تطلب من المنظّمات الإسلامية في فلسطين وخصوصاً من حزب الله اللبناني شن هجمات كثيفة بالصواريخ ضد إسرائيل. يمكن لحزب الله أن ينفّذ قصفاً صاروخياً كثيفاً ومتكرّراً من جنوبي لبنان، وقد يصل هذا القصف على عمق سبعين كيلومتراً، وستكون له نتائج مدمّرة على المدن والمستعمرات الإسرائيلية.
أما الرد المباشر الثالث فيتمثّل بقدرة إيران على زرع ألغام بحرية في ممرّات شحن النفط، وأيضاً إقفال مضيق هرموز بواسطة قواتها البحرية كمراكب إطلاق الصواريخ والغواصات الصغيرة التي يملكها من طراز Kilo، وأيضاً من خلال نظام الصواريخ بر- بحر الذي أقامته على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في منطقة المضائق. في العودة إلى الرد المباشر الذي يمكن أن تكلّف به إيران كل من حزب الله ومنظمة حماس، فإن إيران قد ساعدت هاتين المنظمتين ووزّعتهما وقدّمت لهما الأموال الطائلة، وكميات غير محدودة من الأسلحة خصوصاً لحزب الله ليخوض معركة قاسية ضد إسرائيل في جنوبي لبنان لأكثر من عقدين. من المنطقي والطبيعي أن يهبّ حزب الله وحماس لمساعدة إيران للثأر من إسرائيل. وفي هذه الحالة يمكن لحماس أن تشن مجموعة من الهجمات الموجّهة داخل إسرائيل بواسطة عدد من العمليات الانتحارية. أما رد حزب الله فيمكن تصوّره ضمن سيناريو إعادة فتح الجبهة اللبنانية وسقوط وقف إطلاق النار عبر الخط الأزرق الذي تشرف عليه قوات يونيفل، وسيأخذ الرد طابع الحرب المفتوحة لعدة أيام على الأقل، حيث من المتوقّع أن يطلق حزب الله زخات وصليات متواصلة بمئات الصواريخ الموجودة بحوزته. وسترد إسرائيل دون شك على ذلك بواسطة المدفعية وسلاح الجو، ويمكن أن تتعدّى الغارات، المناطق الجنوبية إلى عمق بيروت مع احتمال ضرب مراكز قيادية لحزب الله وبعض البنى التحتية الخاصة بالكهرباء أو غيرها من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية لضبط أعمال حزب الله العسكرية.
الاستنتاجات:
أولاً: مع بداية الجمهورية الإسلامية في إيران، اتخذ مرشدها ومؤسّسها آية الله روح الله الخميني، جملة مواقف «عدائية» من دولة إسرائيل، تنكر عليها حقّها في الوجود وعلى أساس أنها دولة مغتصبة لأراضي وحقوق الشعب الفلسطيني.
لكن لم تتعدّ هذه المواقف الشعارات اللفظية، حيث لم تقم إيران بأية خطوات مباشرة تهدّد الأمن الإسرائيلي. إنه موقف إسلامي إيديولوجي، يرتبط مباشرة باحتلال إسرائيل للأراضي المقدّسة واغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني «المسلم».
يقع التصريح الأخير للرئيس الإيراني «المتشدّد» محمود أحمدي نجاد حول ضرورة محو إسرائيل عن الخريطة ضمن نفس السياق الأيديولوجي الذي عبر عنه الخميني. وهو لا يشكّل بالتالي أي تغيير في الاستراتيجية الإيرانية. لكن من الطبيعي أن تستغل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل هذا التصريح من أجل التشهير بالنوايا الإيرانية تجاه المجتمع الدولي، في وقت تستعد فيه المنظمة الدولية للطاقة النووية لبحث إحالة الملف الإيراني النووي إلى مجلس الأمن لبحث فرض عقوبات على إيران كدولة مخالفة لبنود اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية (NPI) أو البرتوكول الإضافي التابع لها.
يمكن أن تعمد إسرائيل إلى توظيف تصريح أحمدي نجاد، والقرار الإيراني الأخير بإعادة تشغيل منشآتها كغطاء من أجل تنفيذ سيناريو عسكري - تسرّبت إلى الإعلان مرات عديدة بعض عناصره - لضرب المنشآت النووية الإيرانية الانتقائية.
ثانياً: يرتبط إطلاق العملية الإسرائيلية ضد إيران بالموقف «الصارم» الذي تتّخذه الولايات المتحدة على ضوء فشل الجهود الدبلوماسية التي قامت بها اللجنة الأوروبية الثلاثية، وداخل مجلس أمناء المنظّمة النووية للطاقة الذرية، والنتائج التي يمكن أن يتّخذها مجلس الأمن الدولي عندما يحال الملف الإيراني إليها.
يمكن أن تتصرّف إسرائيل بمبادرة ذاتية لتنفيذ السيناريو العسكري المعد من قبلها، مع الأخذ بعين الاعتبار كل المصاعب والتعقيدات التي ستواجهها للنجاح، وذلك بالمقارنة مع الهجوم الذي نفّذته ضد مفاعل «تموز» العراقي في حزيران عام .1981
يتطلّب تنفيذ إسرائيل للسيناريو العسكري موافقة أمريكية مسبقة سواء لجهة استكمال الطائرات أف 15 و16 الأميركية الصنع لتنفيذ الهجوم، أو لجهة طلب أذونات أميركية لاختراق الأجواء العراقية وهي في طريقها «الأقصر» إلى إيران. وتبقى إسرائيل دون شك بحاجة للدعم الأميركي الاستعلامي والاستخباري حول مجمل الأهداف النووية داخل إيران.
ثالثاً: سيركّز الهجوم الإسرائيلي على عدد من الأهداف «المنتقاة» من بين عشرات الأهداف المعتلمة حيث يقدّر عدد الأهداف الرئيسية بما يتراوح ما بين 36 و40 منشأة فيما تجنح بعض التقارير الغربية إلى رفع العدد إلى 200 منشأة. لا يمكن لإسرائيل تغطية كل الأهداف الإيرانية بسبب وسع رقعة انتشارها على كل أنحاء البلاد، كما أن إسرائيل لا تملك القدرة العسكرية الكافية لشن مثل هذا الهجوم الكثيف والمتكرّر إلا في حال دخلت الولايات المتحدة على الخط للمساعدة من خلال الاشتراك بالهجوم بشكل علني أو مستتر.
رابعاً: يمكن لإسرائيل أن تشن هجومها بواسطة قواتها الجوية والبحرية. تمتلك من خلال أسطول الطائرات من طراز أف 15 وأف 16 والذخائر الذكية التي زوّدتها بها الولايات المتحدة العام الماضي القدرة على بلوغ أكبر عدد من الأهداف الإيرانية وخصوصاً تلك الموجودة في جنوب وشرق ووسط إيران. كما وذلك بعدما طورت صواريخ طويلة المدى يمكن إطلاقها من الغوّاصات «دولفين» الألمانية الصنع. وتقدّر بعض التقارير مدى الصواريخ بـ 1500 كيلومتر، كما أن بمقدورها حمل رأس نووي. وهي من طراز الصواريخ الجوالة بأفضل تقنيات التكنولوجيا الأميركية التي تؤهّلها لإصابة أهدافها بدقة متناهية.
خامساً: تواجه العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران مجموعة من المخاطر والشكوك أبرزها القصور في المعلومات الدقيقة حول الأهداف المنتقاة.
والسؤال الذي لا بد من طرحه: هل تملك إيران برنامجاً خفياً بالتوازي مع البرنامج المعتلم حالياً؟
ويشكّل نظام المدافعة الذي أقامته إيران للدفاع عن منشآتها النووية إحدى مصادر الشكوك حول مدى النجاح الذي يمكن أن تحقّقه الهجمات الإسرائيلية، بالإضافة إلى الشكوك الاستراتيجية التي ستساور إسرائيل من ردود الفعل الإيرانية. وعلى جبهات عديدة للانتقام من إسرائيل - والوجود الأميركي في المنطقة وعلى أساس أن هناك مسؤولية أميركية تتركّز في السماح لإسرائيل بتنفيذ هجماتها وبسلاح ومؤازرة أميركية تحديداً.
سادساً: ستكون ردود الفعل الإيرانية على أي هجوم إسرائيلي ضد منشآتها النووية مختلفاً كلياً عن ردود الفعل العراقية على هجوم حزيران 1981 ضد مفاعل «تموز».
من المتوقّع أن تقوم إيران بردود فعل متنوّعة ضد إسرائيل وضد المصالح والتواجد الأميركي في المنطقة.
تتراوح ردود الفعل الإيرانية ما بين العمل العسكري المباشر ضد إسرائيل والمواقع الأميركية داخل العراق وفي منطقة الخليج، وذلك من خلال هجوم صاروخي بواسطة صواريخ «شهاب» التي تمتلك بضع مئات منها.
يمكن أن تلجأ إيران أيضاً إلى إغلاق مضائق هرموز بوجه السفن الأميركية وبوجه ناقلات النفط كما يمكنها زرع الغام بحرية في الممرّات المعتادة للإبحار في الخليج وبحر عمان.
لا بد من إهمال الرد الذي تكلّف إيران حزب الله اللبناني الاضطلاع به عبر الحدود اللبنانية حيث يمكن للحزب إطلاق آلاف الصواريخ التي زوّدته بها إيران ضد شمالي ووسط إسرائيل.
يبقى ما يمكن أن تقوم به إيران بصورة مباشرة أو بواسطة خلايا إسلامية من عمليات تخريب ضد المصالح الإسرائيلية والأميركية حول العالم.
إذا قرّرت إيران تحميل الولايات المتحدة أية مسؤولية مباشرة عن السماح بتنفيذ الهجوم الإسرائيلي فإنه في مثل هذه الحالة أن تأمر حلفاءها داخل العراق، وما أكثرهم، لتسعير الحرب التواجد العسكري الأميركي - البريطاني بحيث يشمل كل المناطق الجنوبية والشرقية ذات الأكثرية الشيعية، وحيث أدخلت إيران آلافاً.
سابعاً: يبقى الاحتمال الأخطر أن تلجأ إسرائيل في هجماتها ضد المنشآت الإيرانية المحصّنة أو المقامة تحت الأرض إلى استعمال رؤوس نووية صغيرة من أجل التأكّد من تدميرها، وأيضاً من أجل إشعار إيران بمخاطر قيامها بأي قصف كيماوي ضد إسرائيل. وهناك أيضاً احتمال آخر أن ترد إيران باستعمال سلاحها النووي ضد إسرائيل في حال قرّرت هذه الأخيرة تنفيذ هجمات إنتقامية ضد المدن الإسرائيلية بواسطة صواريخها المحمّلة برؤوس كيماوية.
[1] Ha’aretz newspaper: Iran starts converting New Uranium Batch, Diplomat Says. By Reuters 17.11.2005 www.ha’aretz.com/hasen/objects/pages/printarticleEn.HTML
[2] Ibid
[3] Mechel Clossoudousky: planned US-Israeli Attack on Iran. May 1, 2005, www.globalresearch.ca/articles/cho505a.
[4] Peter Beamont: Iran’s Dangerous Blunder. The Guardian weekly. November 5, 2005.http://www.guardian.co.uk/guardianweekly/story
[5] “Israel’s Plan for Iran Strikes, 16 July 2004. http://www.janes.com
[6] Shalom: there is no intention to attack nuclear facilities in Iran”, Maariv, 11 November 2003
[7] Ross Dunn, “Israel threatens strikers on Iranian nuclear targets”, The Scotsman, 23 November 2003.
[8] “Israel ready to launch preventive strike on nuclear sites in Iran”, AFP. 11 October 2003.http://www.iranexpert.com
[9] “Israel says iran’s atomic plan threat to global security”, Reuters 10 June 2003. http://www.haaretzdaily.com
[10] “Russia declares: Finish building Bushahr nuclear facilities”, Ash Sharq Alawssat Newspaper, 15October 2004
[11] Martin Van Creveld, “Tehran: playing with fire”, Jerusalem Post, 24 july 2003
[12] Ibid
[13] Gordon Thomas, “ Israel Planning to hit Iran’s Nuclear facilities”, GlobeIntel, 14 January 2005.http://reuse.com/general58/iran
[14] Ibid
[15] Ibid
[16] Gordon Thomas, “Israel “ Israel Planning to hit Iran’s Nuclear facilities”, GlobeIntel, 14 January2005. http://reuse.com/general58/iran
[17] Yiftah Saphir, “Iranian Missiles: The Nature of the Threat”, Jaffee Center for strategic studies”, 9 July 2003. http://www.tan.ac.il/JC55/7
[18] “ Experts don’t expect London to support Washington in any military action against Tehran” Ash-Sharq Alawsat 22 January 2005
[19] “Target Iran-Air Strikes, http://www.globalsecurity.org/military (maintained by John Pike).
[20] “Natanz” Global Security, http://www.globalsecurity.org/wmd/world/Iran/natanz.htm.
[21] Breit,”Iran programs to produce plutonium and enriched uranium, “Canergie Fact Sheet”.
[22] Col. Eric M. Sepp, occacinal paper N. 14 (May 2000) Air War College Center for Strategy and Technology, can be found at http:// globalsecurity.org/military/ops/Iran-strikes
[23] Shapir, ”Iranian Missiles: The Nature of the Threat”.
[24] Target Iran – Air Strikes
[25] Ibid
[26] “Israel to Adapt Submarines with Missiles System”, Report, Los Angeles Times, 9 October 2004
[27] Target Iran – Air Strikes
[28] John Bolton at the Hudson Institute, “ Iran will have nuclear weapons”, 17 August 2004. http://www.globalsecurity.org
[29] “Iran warns against an invasion by any country”, Associated Press. 5 July 2004. http://www.iranexpert.com
[30] “Iran warns against Israeli Strike”, BBC, 22 December 2003. http://www.bbc.co.uk
[31] “Iran Missile Overview and capabilities”, Nuclear threat initiative. http://www.nit.org/e-research/profibs/iran/missile/367html
[32] “Iran Demonstrates military capabilities, Shihab-3 Missile”, Tehran Visions of the Islamic Republic Network, 22 September 2003
The Iranian Nuclear Danger: A Reality or a Fantasy (the Israeli Military Scenario to Strike Iran)
The issue of the Iranian nuclear weapon is again in the spotlight with the oncoming decisive meeting of the secretaries’ council of the Atomic Energy International Agency that is supposed to transmit the issue to the Security Council in order to study the possibility of imposing sanctions on Iran.
This research focuses on a scenario that could be exploited by Israel if ever it decides to fight Iran with its own forces, in other words the Israeli positions believing that the Iranian danger will be at first directed against them incites Israel to prepare a military strike to destroy the Iranian nuclear installations.
The searcher amplifies on the possible reactions of Iran facing this kind of scenario, as this country is expected to react on more than one level against Israel, so as these reactions increase to affect the American presence and interests in the region.
The searcher comes to several conclusions: the Iranian positions did not go beyond verbal expressions. In return, Israel acts on a private initiative to carry out the military scenario, set by it, and that requires a previous American approval; the author draws conclusions concerning Iranian reactions, Iranian nuclear dangers and the extent of their impact on Israel and the international community.
Le Danger Nucléaire Iranien: Réalité ou Illusion? (Le Scénario Militaire Israélien pour Mener une Frappe contre Iran)
Le sujet des armes nucléaires iraniennes revient au devant de la scène avec l’approche de la session décisive du Conseil des Secrétaires de l’Agence Internationale de l’Energie Atomique supposée transmettre le sujet au Conseil de Sécurité en vue d’étudier la possibilité d’imposer des sanctions contre Iran.
Cette recherche s’attarde sur le scénario qu’Israël pourrait adopter au cas où ce pays déciderait de mener par ses propres moyens une attaque militaire contre Iran, en d’autres termes les positions israéliennes considèrent que le danger iranien serait en premier lieu dirigé contre elles, ce qui les poussent à planifier une frappe militaire afin de détruire les institutions nucléaires iraniennes.
Le chercheur insiste sur les réactions qu’Iran pourrait adopter face à un scénario pareil, et il est attendu qu’Iran opte pour des ripostes multiples contre Israël qui vont grandissantes jusqu’à affecter la présence ainsi que les intérêts américains dans la région.
Le chercheur avance plusieurs constatations : Les positions iraniennes n’ont pas été au-delà de formules verbales. En contrepartie, Israël pourrait agir de sa propre initiative pour exécuter le scénario militaire préparé par ce même pays, qui requiert un consentement américain au préalable ; le chercheur finit par tirer des conclusions concernant les réactions iraniennes, les dangers nucléaires iraniens et l’étendue de leur impact sur Israël et la communauté internationale.