- En
- Fr
- عربي
قضايا معاصرة
أدّت أنظمة (خواريزمات) الذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًا في الاستجابة لأزمة وباء كورونا كوفيد - ١٩ من مختلف جوانبها، واستطاعت سدّ الثغرات في عمل العلماء.
يؤكد البروفسور أنطوان حرفوش (أستاذ متخصّص في مجال الذكاء الاصطناعي ومحاضر في جامعة باريس نانتير Nanterre) أنّ الذكاء الاصطناعي قد استُخدم لمكافحة وباء كورونا كوفيد - ١٩ في أربع مجالات هي: الكشف المُبكر عن المرض والوقاية منه والردّ السريع عليه أو الاستجابة له والتعافي منه.
الكشف المُبكر
للكشف المُبكر عن فيروس كوفيد - ١٩ وتشخيصه، واكتشاف بؤرة انتشاره Cluster والتخفيف منه، والتنبّؤ بتطوّره، كانت الصين أول من استخدم أنظمة الإنذار المُبكر التي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وقد تمّ ذلك من خلال المراقبة الآلية وتَتَبُّع اتصالات المواطنين عبر جميع الشبكات والمنصّات الإلكترونية، وتحليل المعلومات والأخبار الواردة على شبكة الإنترنت والصور التي رصدت حالة أشخاص سقطوا أرضًا بسبب المرض. ساعد ذلك كله في تحديد بؤر الانتشار وفي الكشف عن الأنماط الوبائية، قبل إجراء فحوصات الـ PCR وظهور عوارض الفيروس.
كما تمّ إجراء التحاليل للملايين من المرضى بواسطة الماسح الضوئي الذكيSmart Scanner، الذي أسهَم في تسريع التشخيص.
ويعرض حرفوش لبعض النماذج الحيّة في هذا المجال، فشركةInfer Vision (صينية) درّبت برنامجًا خاصًا باكتشاف مشاكل الرئة وسرطاناتها ليصبح قادرًا على كشف فيروس كوفيد - ١٩، وتمّ بفضله اكتشاف ٣٢ ألف حالة في وقت مبكر في ٣٤ مستشفى في الصين.
وكانت الشركة الكندية BlueDot (تعمل في مجال تحليل بطاقات السفر والأخبار المُدرجة عبر الشبكات الإلكترونية وأحوال الطقس...) أول من تنبّأ في كانون الأول من العام ٢٠١٩، بأنّه ثمّة فيروس وبائي تاجي عالمي في الصين.
وطوّرت شركة Seegene للتكنولوجيا الحيوية بدورها نظامًا آليًا يُظهر نتائج الاختبارات أو الفحوصات المخبرية kit Dépistage بسرعة (بين ٢٠ و٣٠ ثانية وقد استُخدم هذا النظام في ١١٨ بلدًا في العالم). وقامت جامعة جونز هوبكينز في الولايات المتحدة الأميركية (بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD) بتوفير لوحات معلومـات تفاعليـة Interactive - Boards، تساعـد في تَتَبُّع انتشـار الفيروس وعـدد الإصابـات، والوفيـات والشفـاءات من خـلال البيانـات الحيّـة Live Streaming Data. كذلك، استخدام البيت الأبيض الذكـاء الاصطناعـي لتحليـل مئـات الآلاف من الدراسـات حـول كوفيـد - ١٩، التـي أُعـدّت علـى صعيـد العالـم، وتـمّ استخـراج نتائجهـا، واستكشـاف واقـع المـرض، بهـدف وضـع السياسـات للحـدّ منـه والتغلّـب عليـه.
الوقاية من المرض
استُخدم الذكاء الاصطناعي للوقاية من المرض من خلال تسريع تسلسل الجينيوم DNA ما أتاح التنبّؤ بالهيكل السنوي لتسلسل Sequence RNA الوقاية من المرض خلال ٢٧ ثانية بدلًا من أيام. ومن خلال الحصول على التسلسل للجينيوم الدقيق، وبذلك أصبح باستطاعة العلماء تطوير الاختبارات التشخيصية والتحقّق منها بسرعة.
وساعدت الأنظمة الذكية في دخول سبعة لقاحات مرشّحة، وأحد وثمانين دواءً مرشّحًا، في مرحلة التجارب السريرية في غضون أشهر قليلة، في حين كانت هذه العملية تتطلب أشهرًا طويلة. فقد تمكّن البروفسور ديدييه راوول في فرنسا، من تحديد أنّ مادة الكلوروكين هي دواء فعال لمعالجة مرضى كورونا. وفي الإطار نفسه، اكتشفت شركة BenevolentAI (بريطانية) للذكاء الاصطناعي أنّ دواء Baricitinib الذي يُستعمل لالتهاب المفاصل يمنع إصابة الخلايا الرئوية.
كما استُخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد الأشخاص الضعفاء والـمعرّضين أكثر من غيرهم لخطر الإصابة بالمرض وإيجادهم، بفضل شبكة غوم الطبية Gome Medical Network في شيكاغو.
ويشير حرفوش في هذا السياق إلى أنّه يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي أفضل من الإنسان، ليس لناحية اكتشاف العلاقة بين الأسباب والتأثيرات، ولكن لناحية ترتيب الكمّ الهائل من المعلومات وتحليلها، وخصوصًا التفاصيل الصغيرة والدقيقة منها، التي يغفلها الطب التقليدي في معظم الأحيان.
الردّ السريع
في المجال الثالث، أي الردّ السريع، سرّعت الأنظمة الذكية البحث الطبي لاكتشاف لقاحات وأدوية معالجة لهذا الوباء القاتل.
ومثالًا على ذلك، المسابقة العالمية الإلكترونية Crowdsourcing التي وضعتها شركة Taggle (خاصة بشركة غوغل)، والتي حثّت من خلالها العلماء في العالم أجمع على المشاركة في عرض أفكارهم العلمية، للمساعدة في التوصّل إلى اكتشاف لقاحات أو أدوية Integrate Knowledge. وتمّ وضع نتائج هذه المسابقة في متناول الجميع عبر موقع غوغل.
جدير بالذكر أنّ عدّة دول كالنمسا وبولندا وسنغافورة والصين وبولندا وكوريا الجنوبية أنشأت أنظمة تَتَبُّع الاتصال لتحديد طرق العدوى المحتملة، بهدف تحديد الموقع الجغرافي للأشخاص الذين هم على اتصال وثيق بحاملي الفيروس والمعرضين للعدوى، وإرسال رسائل نصيّة تحضّهم على عزل أنفسهم على الفور.
التعافي من المرض
أدى الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في مجال التعافي من المرض، من خلال تسريع تدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، حول كيفية التعامل مع الأمراض الوبائية بوعي تام وحماية مطلقة.
وقد أطلقت الصين تطبيقًا خاصًا بالمرضى يساعدهم على التحقّق من تطوّر المناعة في أجسامهم، وتشخيص حالتهم. كما تمّ نشر مساعدين افتراضيين أو ما عرف بـ«روبوتات الدردشة» Virtual Assistance or ChatBots لدعم منظمات الرعاية الصحية ومساعدتها في فرز الأشخاص، وفق ظهور عوارض المرض، واقتراح مسار أو خطة العمل.
وبالخلاصة، يذكر حرفوش بأنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يوفّر الحلول من دون الإنسان وذكائه. إنّه يبني تكنولوجيا في خدمة العلم لزيادة الذكاء المُعزَّز Augmented Intelligence، وإلهامه في اكتشاف الأدوية لآلاف الأمراض وغير ذلك. وهو يحوّل حياة الإنسان إلى حياة أفضل من خلال إنجازه للمهمات العادية اليومية بطريقة أفضل وأسلم.