- En
- Fr
- عربي
سلامتكم تهمنا
ثنائية القتل المريع على الطرقات
في ظل التصميمات الحديثة للسيارات والمركبات، ترتفع السرعات إلى ما يزيد عن 250 كيلومتر /ساعة، والحقيقة أنه ربما تكون مثل هذه السرعات مطلوبة في سيارات السباق، أما بالنسبة لسيارات ومركبات تسير في طرق يستخدمها كل الناس في ذهابهم وإيابهم لقضاء مصالحهم وحوائجهم، فالأمر مختلف تماماً مهما كانت الطرق معبدة ومصممة على أعلى مستوى هندسي وعلى قدر كبير من الإتساع. ولعل ما نراه من حوادث مرورية قاتلة تعود بالأساس إلى الإفراط في السرعة، والوقوع في مربعها القاتل.. وتشير الإحصائيات إلى أن الإصطدامات الأمامية نتيجة السرعة الزائدة تودي بحياة 55%من الركاب داخل السيارة و22% من إجمالي ضحايا الطرق، بينما الإصطدام الجانبي، نتيجة السرعة أيضاً، يُمثّل 31% من القتلى داخل السيارة و10% من إجمالي ضحايا حوادث الطرق، هذا فضلاً عن حوادث الإصطدام من الخلف وبالحواجز الثابتة وغيرها...
ما هو مربع السرعة القاتلة؟
لا بد في البداية من الإشارة إلى أن المقصود بالسرعة هو "المسافة التي يتم قطعها في وحدة زمنية معينة". وحتى يكون التعريف مكتملاً لا بد من إضافة عنصر ثالث، ألا وهو "الطاقة" وهذا العنصر هو الأشد غموضاً، ومصدر الخطر الرئيسي في هذه المنظومة الثلاثية، إذ لا نستطيع إدراكه بأية حاسة من حواسنا الخمس. وتُحسب الطاقة المرتبطة بالسرعة بحاصل قسمة المسافة على الزمن.
والجدير ذكره أن الإنسان غير مؤهل للتعامل مع السرعة، وبشكلٍ أدق مع السرعة الميكانيكية، خصوصاً وأن الطاقة تتنامى مع مربع السرعة، كما تتزايد المساحة تربيعياً مع طول الضلع. ولنضرب مثالاً. سيارة تنطلق بسرعة 100% كلم/ ساعة، فهي من وجهة نظر الطاقة ليست أسرع بمرتين من السيارة المتحركة بسرعة 50 كلم / ساعة، بل بأربع مرات، ومن دون أن يحس السائق بذلك! وإذا ضُربت السرعة باثنين تضاعفت الطاقة أربع مرات، وإذا زادت تلك ثلاث مرات، تزايدت هذه تسع.. وهكذا، فإن لهذا القانون الفيزيائي في مجال السيارة نتيجتين: الأولى، زيادة المسافة اللازمة للتوقف بالنسبة نفسها، والثانية، في حالة وجود حاجز فإن الصدمة ستكون أعنف بالنسبة ذاتها.
من جهة أخرى، فإنه لإكساب الجسم المتحرك سرعة عالية يجب صرف طاقة كبيرة، ومن أجل تجنّب عائق ما، فإن السيارة المتحركة بسرعة عالية يجب أن تنحرف عنه خلال جزء من الثانية، وهذا الأمر غير آمن. وعلى هذا الأساس إذا كانت لدينا سيارة وزنها 1000 كلغ مزودة بمكابح جيدة قادرة على إبطاء الحركة بمعدل 6 م / ثانية، وكانت السيارة تتحرك بسرعة 50 كم /ساعة، فإنه يلزمها 16 م للتوقف، وإذا بلغت سرعتها 140 كم /ساعة فإن السيارة لن تقف إلا بعد 130 م.
كيف نتجنب الوقوع في هذا المربّع؟
في دراسة حديثة تتعلق بحسابات المربع القاتل للسرعة، ورد أن المسافة التي تفصل بين اللحظة التي يرى فيها السائق الحاجز الذي أمامه، وبين اللحظة التي يتمكن فيها من إيقاف سيارته بشكل كامل، تنقسم إلى مرحلتين:
* المرحلة الأولى: تمتد من لحظة مشاهدة السائق للحاجز (للخطر) حتى بدء الضغط على الكوابح (عملية الفرملة) وهذه المرحلة ثابتة عموماً بالنسبة للسائق الواحد ولكنها تختلف بين سائق وآخر بحسب سلامة وسرعة رد فعله (إستجابته للخطر) وهي تعادل وسطياً 70% من الثانية، تجتاز فيها السيارة مسافة تختلف بحسب السرعة التي كانت تسير بها لحظة رؤية سائقها للحاجز.
* المرحلة الثانية: تفصل بين بدء عملية الفرملة ووقوف السيارة تماماً، وتجتاز فيها السيارة مسافة تتناسب طرداً مع مربع سرعتها عند بدء الفرملة، على إفتراض حدوث القيادة في ضوء النهار وسلامة نظر السائق والحالة الجيدة للكوابح ولدواليب السيارة، وكذلك الحالة الجيدة لأرض الطريق جفافها، قلة انحدارها...) وألاّ يكون السائق في حالة نعاس أو تعبٍ شديد. وفي إحصائية أجراها معهد (كورنل) ورد أن "ثلثي حوادث السرعة التي لا تنتهي بإصطدام سيارتين، تتم على خطٍ مستقيم هو خط سير السيارة نفسها، كأن ترتطم هذه الأخيرة بحاجز أو جدار أو شجرة أو عامود... وتزداد خطورة الضرر الذي يتعرض له سائق سيارة معينة وركابها عند إرتطامها بمثل هذه الأجسام الثابتة كلما زادت السرعة التي كانت تسير بها لحظة الحادث".
وقد ورد في دراسة علمية حول تفسير الأضرار التي تصيب الركاب عند الإصطدام بالحواجز إنه عندما تتوقف السيارة بشكلٍ فجائي نتيجة لإصطدامها بحاجزٍ معين (سواء أكان ثابتاً كعامود أو متحركاً كسيارة) فإن الركاب الجالسين بداخلها لا تتوقف أجسامهم، وإنما تتابع حركتها إلى الأمام بحسب سرعة السيارة، ثم تعود إلى الخلف بحسب قوة الصدمة، وغالباً ما يرتطم رأس السائق بالزجاج الأمامي (زجاج الواجهة) ويرتطم صدره بالمقود ولوحة العدادات، وترتطم ساقاه بحامل لوحة العدادات من الأسفل، ويزيد الخطر بمقدار المسافة التي يتحرك فيها جسم السائق إلى الأمام، وعند الصدمة قد يعود الجسم إلى الخلف بعد إندفاعه إلى الأمام كردة فعل للحركة الأولى هذا بالنسبة للسائق والشخص الذي يجلس بقربه، أما بالنسبة للركاب في المقاعد الخلفية، فإن الأخطار تنجم عن إرتطام أجسامهم بظهر المقعد الأمامي أو بأجسام ورؤوس ركاب الصف الأمامي، كما يُحتمل إندفاع أجسامهم إلى خارج السيارة في بعض الأحوال، وبالنسبة لجميع ركاب السيارة من الممكن الاصابة بالشلل نتيجة لإنخلاع بعض فقرات العامود الفقري وأحياناً الموت نتيجة لتراجع اللسان إلى الخلف وسده لمجرى الهواء النازل إلى الرئتين.
سبل الوقاية من براثن هذا المربع القاتل
يمكن وبوسائل بسيطة، وبمزيد من الوعي والتعقل والحكمة، تجنّب الوقوع في مربع السرعة القاتلة، لذلك عليك عزيزي السائق أن تعلم بأن:
* منحنى الحوادث المرورية القاتلة يتنامى بإطراد مع الإفراط في السرعة، ونتيجة البحث عن سرعة يبقى معها إحتمال وقوع الحوادث ضئيلاً ومقبولاً، أظهرت التجارب أن هذه السرعة بالتحديد هي تلك التي تنسجم بشكلٍ طبيعي مع التكوين الإنساني وهي تساوي حوالى 10 م/ ثانية، أي 36 كم / ساعة، ولكن بما انه من الصعب التقيُّد بهذا المعدل يمكن مضاعفة السرعة إلى 70 كم / ساعة إذا أخذنا منظومات الكوابح والقيادة المستخدمة حالياً في السيارات. أما اعتماد سرعات أعلى فيتطلب إعادة النظر جذرياً في منظومة السير، وذلك إما بتدريب السائقين على المناورة حول العوائق التي تعترض طريقهم بدلاً من اللجوء إلى الكوابح، وإما بتأمين شوارع عريضة تقل فيها كثافة حركة المرور، أو بجعل الحركة الميكانيكية تخضع كلية لقيادة ميكانيكية لا علاقة للإنسان بها، وهذا هو الطريق العلمي الوحيد.
* الخطر يزداد بمقدار المسافة التي يتحرك فيها السائق إلى الأمام، لذا كن حريصاً على إستخدام حزام الأمان، فهو يُقلل كثيراً من الأخطار في حال الصدمة وقد دلت الإحصائيات على أن 50% من حوادث الطرق المميتة كان يمكن تجنّب جل أخطارها لو حرص قائد المركبة وكذلك الركاب على إستخدام أحزمة الأمان. وقد أكدت التجارب على أن أفضل أحزمة الأمان هي تلك التي ترتكز على الكتفين والخصر، بحيث يتوزع ضغطها على أعضاء الجسم، ويُفضّل أن تأتي بشكل متشابك على الجسم، فيما يُشبه حمالات البنطال. وينبغي الحرص على تثبيت حزام الأمان جيداً بحيث لا يتمدد أثناء الحادث، لأن تمدده يُعطي للجسم مجالاً بالتحرك إلى الأمام والإصطدام بالمقود أو الزجاج الأمامي، كما أن المقعد الذي يرتبط به حزام الأمان يجب أن يكون مثبتاً بشكلٍ جيد على أرضية هيكل السيارة، ومن الأفضل تثبيت الحزام بهيكل السيارة مباشرة.