- En
- Fr
- عربي
الصراع على البحر الأحمر: حقبة ما قبل 1980
المقدمة
منذ زمن موغل في القدم، وقع البحر الأحمر وعرب شبه الجزيرة العربية في خضم الصراع الدولي بين القوتين العظميين آنذاك، قوى الغرب الزاحفة إلى الشرق المتمثلة بالإسكندر ثم روما وبيزنطية من جهة وقوى الشرق الإيرانية من بارثيين وساسانيين من جهة أخرى. وفي التاريخ الحديث والمعاصر، بقي البحر الأحمر عنصرًا مهمًا في الصراعات المحلية والدولية للسيطرة عليه، فكان في بداية القرن السادس عشر هدفًا لمشاريع البرتغال التجارية والإستعمارية، وفي أواخر القرن الثامن عشر أصبح محط أنظار نابليون.
وبعد افتتاح قناة السويس العام 1869، وقع البحر الأحمر مباشرةً تحت تأثير سياسات دول أوروبا الإستعمارية التوسعية في حينه وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولكن خروج الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي من الحرب العالمية الثانية دولتين عظميين، جعلهما يحلاّن مكان هذه الدول الإستعمارية تدريجًا في الشرق الأوسط، ويدخلان في نطاق الصراع والتنافس على البحر الأحمر، لتجسيد نفوذهما في هذه المناطق والاستفادة من مزاياها الإستراتيجية والسياسية والجغرافية والاقتصادية.
1- أهمية البحر الأحمر
أ- التسمية
أطلق الجغرافيون القدماء على البحر الأحمر أسماء كثيرة، فالمؤرخ الإغريقي اغاتار خيدس(Agathar Chides) يذكر أنّ «أريتريان كان إسمًا للبحر الأحمر، وتعني بالفارسية بحر الملك الأحمر وهو الملك الفارسي الذي حكم أمبراطورية فارسية قديمة»[1]، ولعل إيريتريا الحالية إكتسبت إسمها من «إسم قديم للبحر الأحمر»[2].
ويذكر البلدانيون المسلمون في كتاباتهم أسماء كثيرة أطْلِقَت على البحر الأحمر، فإبن خرداذبة يجعله «البحر الشرقي الكبير، فيه يركب التجّار من القلزم إلى الجار وجدة»[3]. ويذهب المقدسي إلى تسميته «بالبحر الفارسي، لأنّه أتى على هذا البحر حين كان فيه معظم صناع السفن من الفرس»[4]، أما المسعودي فيجعله «خليجًا يمتد من البحر الحبشي، فينتهي إلى مدينة القلزم، وبحر الهند هو البحر الحبشي»[5]، وكذلك يطلق عليه إبن خلدون إسم «بحر القلزم وبحر السويس نسبة لمدينة القلزم»[6]، والقلزم مرفأ مصري قديم (السويس حاليًا) كانت تنطلق منه الملاحة في البحر الأحمر. لكنّ بعض الكتاب المحدثين يربط إسم البحر الأحمر بسماته الطبيعية، وينسب صفة الأحمر إلى «الطحالب البُنِّية المائلة للحمرة التي أخذت تتزايد لتغطي مساحات كبيرة من هذا البحر، وأعطته إسمه المعروف»[7].
ب- المميزات الجغرافية
يعتبر البحر الأحمر مضيقًا طويلًا يمتد بين «باب المندب في جنوبه الشرقي وخليج السويس في شماله الغربي»، ويبلغ طوله بين هاتين النقتطين «1200 ميل»[8]، بينما يصل إلى «درجة عمق قصوى تبلغ 8500 قدم»[9]. ويبلغ «أقصى اتساعه 190 ميلًا بين مصوع في أريتريا على الساحل الأفريقي والمخا في اليمن»[10].
ويشكّل خليج العقبة الطرف الشمالي الشرقي للبحر الأحمر، «ويبلغ طوله 110 أميال وعرضه بين 8 أميال و17 ميلًا، وأعمق نقطة عند الوسط تصل إلى 4600 قدم»[11]. وتُقَسِّم جزيرتا تيران وصنافير مدخل هذا الخليج إلى ثلاثة ممرات مائية تسمى مضائق تيران، بينها واحد صالح للملاحة يفصل بين جزيرة تيران وسيناء. ويشرف على خليج العقبة كل من المملكة العربية السعودية والأردن، والأراضي الفلسطينية المحتلة (إسرائيل) ومصر.
ويشكّل خليج السويس الطرف الشمالي الغربي للبحر الأحمر، ويمتد بطول مائتي ميل، ويتراوح عرضه بين 18 و20 ميلًا وعمقه بين 200 إلى 300 قدمًا، ويتصل بالبحر الابيض المتوسط عن طريق قناة السويس. وتقع عند مدخله جزر «أم قمر وشدوان وجوبال»[12]. وبالمقابل يُعْتَبَرْ باب المندب مفتاح البحر الأحمر الجنوبي، ويبلغ عرضه عشرين ميلًا، وتُقَسِّمه جزيرة بريم اليمنية إلى ممرين، ويعتبر الممر الغربي المنفذ الصالح للملاحة.
ج- المميزات الإستراتيجية
ترتبط أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية بموقعه الجغرافي المؤثِّر على العلاقات الإقليمية والدولية. فهو يتوسّط قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويشكِّل «همزة وصل إستراتيجية لكثير من الطرق المائية»[13] بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، كما يجاور منطقة الشرق الأوسط التي تستمد تاريخها من كونها مركز الحضارات القديمة ومهد الديانات السماوية الثلاث.
إلاّ أنّ أهمية البحر الأحمر تكمن في تأثيره الشديد والمباشر على حركة التجارة المحلية والإقليمية والدولية، ومنذ القدم كان بحر القلزم، بفضل ضفتيه المتقابلتين عند الشعيبة وساحل أدوليس، «يُسَهِّل التجارة مع مكة، ويجاور الهضبة الحبشية»[14].
والعام 1869 جـاء افتتاح قناة السويس ليجعل من البحر الأحمر أقصر وأسرع ممر بحري بين الشـرق والغرب، ويصبح بديلًا عن طريق رأس الرجاء الصالح الطويل في حركة التجارة الدولية. ولعل أهم ما يجعل البحر الأحمر محط أنظار الدول الإستعمارية الكبرى، كان تحوّله إلى «ممر مائي تجتازه أهم سلعة استراتيجية (النفط)، بالمقابل تمر فيه المنتجات الصناعية الغربية التي تم تبادلها مقابل المواد الأولية الآتية من العالم الثالث»[15] في «آسيا وأفريقيا بأرخص التكاليف وأقصر الأوقات»[16].
أمّا من الناحية السياسية، فقد كان البحر الأحمر هدفًا حيويًا يدخل في سياسات الدول الكبرى والشعوب المطلة عليه، ومنذ القديم كان التنافس المباشر بين اليمن والحجاز والأحباش في السيطرة عليه يعكس صورة الصراع البيزنطي الفارسي آنذاك. وبعد انحسار الإستعمار الإيطالي والفرنسي والإنكليزي عنه، أصبحت مصالح بعض الدول المطلة عليه، مثل السودان والأردن وإريتريا، مرتبطة حصريًا به كمنفذ بحري وحيد تطل منه على العالم، بينما دول أخرى مشاطئة له تملك منافذ بحرية أخرى مثل السعودية، ومصر، وفلسطين المحتلة.
ولكن الأهمية السياسية والقومية للبحر الأحمر تكمن في وقوعه في قلب كتلة من سبع دول عربية تشرف عليه، الأردن والسعودية واليمن والصومال وجيبوتي والسودان ومصر، تمتد على نحو %90 من سواحله، وهذا ما يجعلها عاملًا مؤثرًا وحساسًا في ميزان القوى والسياسات الدولية. أمّا الدولتان غير العربيتين المشرفتان على سواحله، فلسطين المحتلة وأثيوبيا (قبل استقلال أريتريا)، فقد أدخلتا على البحر الأحمر مشاكل سياسية وإقتصادية وعسكرية، من خلال إطلالة إسرائيل على خليج العقبة، واستيلاء الماركسيين على الحكم في أثيوبيا العام 1977 (خارطة رقم 1).
الدول المطلّة على البحر الأحمر
أما من الناحية العسكرية، فإن البحر الأحمر، ونظرًا إلى موقعه بين أخطر مناطق الصراع الدولي في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي والخليج العربي، أصبح «حلقة الوصل بين جميع تلك المراكز الإستراتيجية»[17]، وتحوّل «مصدرًا من مصادر الصراعات الإقليمية والدولية»[18]. ومنذ القدم، كان البحر الأحمر نطاقًا حيويًا للدول العظمى، على ضفتيه جرت مواجهات حربية بين بيزنطية والفرس، وعلى شواطئه إستقرت دول الإستعمار مثل بريطانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال، وحوله كان يخوض الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي غمار المنافسة للحفاظ على مصالحهما الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية.
ومن جهة أخرى، يشكِّل البحر الأحمر «همزة وصل بين الأساطيل البحرية في البحر المتوسط والمحيط الهندي»[19]، وكذلك يُعْتَبَر الطريق الرئيس الذي تعتمده القوى الدولية «لتحريك قواتها بين قواعدها المختلفة والمنتشرة حول العالم ونقلها إلى مناطق النزاع»[20].
وتشكّل جزر البحر الأحمر قيمة استراتيجية بالنسبة إلى الدول المطلة عليه، ولعل أهميتها تكمن في انتشارها وموقع بعضها الاستراتيجي المسيطر على مداخله، حيث «يمكن استخدام معظمها للأغراض العسكرية»[21]باعتبارها «نقاطًا تكتيكية أو قواعد انطلاق للسيطرة على الملاحة فيه»[22]. تتميّز جزيرة بريم بمينائها الصغير و«بموقعها الذي يتيح التحكّم بالبحر الأحمر من جهة الجنوب»[23]، بينما يقع أرخبيل حنيش بين اليمن وأثيوبيا، ومن جزره المأهولة حنيش الكبرى، أما ذقر «فتتميز بقيمة استراتيجية كبرى بفضل ارتفاعها الذي يتيح إمكان مراقبة الانشطة البحرية ورصدها التي تجري في المياه المحيطة بها»[24] (خارطة رقم 2). وتسمح جزيرتا تيران وصنافير بمراقبة الملاحة في مضيق تيران، في حين تُؤمِّن جزيرة شدوان قرب الغردقة على الساحل المصري مراقبة مدخل قناة السويس (خارطة رقم 3).
وثمة عوامل أخرى سهلت على الدول «البحر-أحمرية» عمليات السيطرة والدفاع عن سواحلها، فقد أفادت من مميزات البحر الأحمر الجغرافية في تقييد الحركات العسكرية وتحديد حرية المناورة فيه مثل «عرض هذا البحر المحدود فضلًا عن إفتقاره إلى العمق الملاحي، ووجود المخاضات وتقلّب الرياح، والسواحل الهشة والمنحدرات العميقة، والتلال المخفية تحت الأعماق، والشعاب المرجانية، وحرارة الطقس وجفافه، ثم الافتقار إلى المرافئ العميقة»[25].
خارطة رقم – 2 –
باب المندب وجنوب البحر الأحمر
خارطة رقم – 3 –
خليج العقبة وخليج السويس
2- الصراع الدولي على البحر الأحمر
يشغل البحر الأحمر حيّزًا مهمًا من تطلعات الدول الإستعمارية. العام 1513 «حاول البرتغاليون الاستيلاء على مدينة عدن اليمنية لتكون مدخلهم إلى البحر الأحمر، لكنهم فشلوا»[26]. وبعد ذلك سعت بريطانيا لأن يكون لها موطئ قدم في عدن، و«جرّبت شركة الهند التجارية الإنكليزية بناء محطة لها في جزيرة بريم، وفشلت بسبب قلة المياه»[27]. كما نشط الإنكليز في هذه المنطقة عقب احتلال نابليون مصر العام 1798 لكي تبقى طريق الهند أمامهم مفتوحة، فقد خافت بريطانيا من توسّع محمد علي باشا، حليف فرنسا السياسي، إلى اليمن الشمالي العام 1833، «فاحتلت عدن العام 1839 وأصبحت قاعدة عسكرية لها»[28].
ومنذ العقود الأولى من القرن العشرين، شهدت منطقة البحر الأحمر والخليج العربي تحوّلات سياسية وإقتصادية مهمة، فقد أدّى اكتشاف النفط، وتوسيع قناة السويس وتعميقها في السبعينيات لكي تستقبل ناقلات النفط الضخمة، إلى أن يصبح البحر الأحمر شريانًا «تمر فيه أربعة اخماس المواد الأولية مشحونة من آسيا وأفريقيا إلى الغرب الصناعي»[29]. وقد أنتجت هذه الأوضاع الجديدة تنافسًا دوليًا جديدًا، فتشاركت فرنسا وبريطانيا بالسيطرة على مداخل البحر الأحمر، وسيطرت الأولى على جيبوتي وإدارة قناة السويس، واحتلت الثانية عدن ومصر، بينما سارعت إيطاليا إلى فرض نفوذها على أريتريا والصومال.
ومنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، إندلعت الحرب الباردة بين الدولتين المنتصرتين، الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، للسيطرة على ثروات العالم، فاتبع هذان العملاقان سياسات تنافسية زادت من أهمية الشرق الأوسط بسبب مخزونه النفطي وموقعه الإستراتيجي، كما رفعت من أهمية أفريقيا بسبب مواردها الطبيعية. ووجد الجباران في الصراعات الإقليمية في البحر الأحمر ما يحقّق مصالحهما، ويستدعي تَدَخُلُهما، ولعل أهم أوجه هذه التدخلات كان استخدام المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية كطريقة فعالة لجذب الدول المتصارعة إلى معسكرهما. وبالمقابل كانت الدول الضعيفة غالبًا ما تلجأ إلى طلب المساعدات العسكرية من الدول الكبرى التي بدورها يمكن أن تلبي ذلك إذا ما رأت في ذلك خدمةً لمصالحها، فتتحوَّل الصراعات المحلية والاقليمية آنذاك إلى تدخّل دولي.
ومنذ خمسينيات القرن العشرين بدأت الولايات المتحدة تعتبر أمن البحر الأحمر عنصرًا حيويًا في سياساتها، فسعت بعد رحيل القوى الاستعمارية عنه إلى السيطرة على هذه المنطقة من خلال «بناء قواعد عسكرية وتكوين أحلاف للحفاظ على مصالحها»[30]، وعملت على وضع حقول النفط في البحر الأحمر والخليج العربي تحت نفوذها لتأمين حاجاتها النفطية وتسهيل مرورها إلى أوروبا والغرب. كما عملت أيضًا على «الحيلولة دون وصول الإتحاد السوفياتي إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي من خلال هذا المنفذ البحري الإستراتيجي»[31].
وقد ترجمت الولايات المتحدة إستراتيجياتها في البحر الأحمر «باعتماد سياسات موالية لإسرائيل، وتأييد الاتحاد الفيدرالي بين أثيوبيا وإريتريا العام 1952، وتشييد محطة اتصالات في أسمرة في أريتريا العام 1953، واستخدام موانئ إريتريا على البحر الأحمر، والحصول على قاعدة الظهران في السعودية، والاعتماد على المنظومة المحافظة في البحر الأحمر لحماية مصالحها»[32]. كما سعت الولايات المتحدة إلى إقامة علاقات طيبة مع الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر مثل السعودية والأردن ولاحقًا مصر والسودان، إلاّ أن مساعداتها لهذه الدول لا تضاهي ما كانت تقدمه من دعم لإسرائيل.
والعام 1977 حصلت تغييرات مهمة في التحالفات الدولية والمواقع السياسية في البحر الأحمر نظرًا إلى وقوع بعض «الأنظمة البحر - أحمرية تحت تأثيرات تقدمية وراديكالية ووطنية»[33]، فقد أقدم زعيم أثيوبيا الماركسي مانغستو هايلا ميريام على قطع علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، وبالمقابل قامت مصر «بطرد الخبراء السوفيات من أراضيها في تموز/ يوليو العام 1972»[34]، وتبعها السودان في خطوة مماثلة العام 1977، كما سار الصومال على خطى الإثنين فقام بطرد السوفيات ردًا على دعمهم أثيوبيا في الصراع الصومالي - الأثيوبي على منطقة أوغادين. وهكذا صارت صورة البحر الأحمر الدولية بعد 1977 مقسّمة بين القوتين العظميين، فقد كانت دول شمالي البحر الأحمر (مصر والسودان والأردن والسعودية وإسرائيل) موالية تمامًا للولايات المتحدة، أما في جنوب البحر الأحمر، فقد وقفت الصومال وجيبوتي واليمن الشمالي في وجه حلفٍ يضم الإتحاد السوفياتي وكوبا وأثيوبيا، يساندهم اليمن الجنوبي.
إلاّ أنّ الولايات المتحدة الأميركية عززت وجودها السياسي في محيط البحر الأحمر باعتمادها سياسة تسليح الدول المنضوية إلى محورها، فقد استمرت في تسليح السعودية والأردن وإسرائيل، بينما توقّفت العام 1977 عن تقديم السلاح إلى أثيوبيا. وبالمقابل أصبحت الولايات المتحدة مورِّدًا رئيسًا للسلاح لمصر والسودان واليمن الشمالي، بعد تحوّلها عن الإعتماد على الإتحاد السوفياتي في تسلّحها في أعقاب الحرب العربية – الإسرائيلية العام 1973، بينما كانت المساعدات العسكرية الأميركية للصومال لا تكاد تذكر إذا ما قيست بمساعدات السوفيات وكوبا لأثيوبيا. والثابت أنّ سياسة التسليح الأميركية لدول البحر الأحمر كانت تتأثر دائمًا بالصراع العربي - الإسرائيلي، فقد بقي الميزان يميل دائمًا لمصلحة العدو الإسرائيلي وهذا ما دعا السعودية والأردن واليمن الشمالي إلى إعتماد سياسة «تنويع مصادر سلاحها»[35].
أما الاتحاد السوفياتي، فقد اتبع سياسة القياصرة الروس في سعيهم الدائم للوصول إلى المياه الدافئة، وأصبحت نظرته إلى البحر الأحمر تكمن في كونه حوضًا مائيًا استراتيجيًا يمر فيه نفط الخليج، وتُنْقل عبره معوناته إلى حلفائه الدول البحر - أحمرية وغيرها. إضافة إلى ذلك، يُشَكِّل البحر الأحمر «طريقًا قصيرًا وسريعًا بين موانئ البحر الأسود السوفياتية وبين الأسطول السوفياتي في المحيط الهندي، كما أصبحت أعماقه والمناطق المتاخمة له محط اهتمام السياسة السوفياتية لأنها مناطق غنية بالموارد الاستراتيجية ومنها: النفط والنحاس والزنك والفضة والذهب وغيرها من المواد النفيسة»[36].
ويبدو أنّ الإتحاد السوفياتي أفاد من الظروف الدولية السائدة منذ خمسينيات القرن العشرين للتغلغل في منطقة الشرق الأوسط وبسط نفوذه إلى البحر الأحمر، فاستخدم الصراع العربي الإسرائيلي لتوطيد مركزه في هذه المنطقة واتبع سياسة تقديم معونات عسكرية وإقتصادية لبعض الدول العربية، كما وفّرت حركات التحرير الوطنية فرصة له لنشر نفوذه على ضفتي هذا البحر.
ومنذ منتصف الخمسينيات، استفاد السوفيات من انتصار الثورة المصرية ودخلوا مصر، ومنها تمدَّد نفوذهم باتجاه البحر الأحمر والقرن الإفريقي. والعام 1955 أبرم الإتحاد السوفياتي معاهدة صداقة مع اليمن الشمالي، والعام 1962 أغدق معوناته الصناعية والزراعية والعسكرية عليه بعد نجاح ثورة الجمهوريين على الحكم الملكي فيه، وعَرَضَ توسيع ميناء الحديدة وإنشاء مطارات فيه. لكن السوفيات تحوّلوا عن اليمن الشمالي ليساندوا اليمن الجنوبي الذي أصبح جمهورية اليمن الديموقراطية الملتزمة النظام الإشتراكي الموالي لهم.
وكان الصومال أول موطئ قدم للسوفيات في القرن الإفريقي بعد إبحارهم إليه من اليمن. فالعام 1964 إشتدّت حاجة الصومال إلى بناء جيش قوي بعد هزيمته أمام أثيوبيا، وقَبِل عرضًا روسيًا «بقيمة 32 مليون دولار»[37]في مقابل حصول الإتحاد السوفياتي على تسهيلات عسكرية على سواحله، بعد أن رفض عروضًا مشروطة من الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا.
إلاّ أن مصير حلف الصومال مع الإتحاد السوفياتي كان كمصير حلف اليمن الشمالي معه، العام 1977 تحوَّل السوفيات عنه لدعم النظام الماركسي في أثيوبيا عدوّة الصومال في النزاع على إقليم أوغادين، وفضّلوها عليه لثبات نظامها التقدمي والثوري. وكان السوفيات، قبل اتخاذهم هذا القرار، حاولوا والكوبيين في نيسان/ أبريل 1977 تسوية الصراع الصومالي- الأثيوبي بإسم الماركسية، «بحثِّ البلدين على الإنضمام إلى إتحاد فدرالي ماركسي موالٍ للسوفيات يضم أيضًا اليمن الجنوبية، ثم جيبوتي»[38]، لتشكيل جبهة معادية للإستعمار في البحر الأحمر، ومواجهة الأقطار العربية المساندة لحركة تحرير أريتريا المعادية للماركسية. وقد باءت المساعي السوفياتية والكوبية لإقناع الصومال بالإنضمام إلى هذا الحلف بالفشل.
وفي صيف 1977 قامت الصومال بمساعدة جبهة تحرير الصومال الغربي بالإستيلاء على أوغادين، وقد ردّ السوفيات على هذا الحدث بتخفيض شحنات الأسلحة إلى الصومال ونقل مئات المستشارين الكوبيين إلى أثيوبيا. وفي تشرين الاول/ أكتوبر 1977 أعلنت الصومال التخلّي عن المعاهدة الموقّعة مع السوفيات وتخفيض بعثتهم الدبلوماسية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، واتهامهما بالتعامل مع أثيوبيا لشن هجوم على الصومال. وقد أدّى التحوّل الماركسي في أثيوبيا إلى دخول السوفيات إلى البحر الأحمر من بوابته الواسعة واستعمال موانئ أريتريا في عصب ومصوع لأغراض إقتصادية وعسكرية، كما اضطرَّت الصومال إلى الانسحاب من أوغادين.
أمّا في السودان، فقد نجح الاتحاد السوفياتي في مدِّ نفوذه إليه منذ العام 1968، ثم قام بتدعيمه مع نجاح ثورة جعفر النميري وصعوده إلى رأس هرم السلطة العام 1969، إلا أن نفوذ السوفيات ما لبث أن انحسر عن السودان بعد فشل عدة محاولات إنقلابية شيوعية ضد الرئيس السوداني النميري في عامي 1971 و1976. والعام 1977، ردّ السودان على هذا التدخّل السوفياتي في شؤونه بطرد الدبلوماسيين والخبراء العسكريين السوفيات من الخرطوم، وتحوّل نهائيًا إلى جانب الحلف السعودي - المصري، الأمر الذي أنهى الوجود السوفياتي في الشمال الغربي من البحر الأحمر.
ويبدو أن علاقة العالم العربي بالإتحاد السوفياتي كانت تسوء تدريجًا بسبب تدخله ضد المصالح العربية في القرن الإفريقي، ولعلّ السوفيات في تدخّلهم الجامح في صراعات هذه الدول، كانوا يرون أهمية نجاح خططهم للسيطرة على منطقة البحر الأحمر، وقد أفادوا كثيرًا من التراجع الأميركي عن التورّط في هذه الأزمات في ضوء تجربتهم المريرة في فيتنام.
3- الصراع في اليمن
منذ بداية القرن الأول الميلادي، كانت موانئ اليمن السعيد، ولاسيما قنا وعدن، مركزًا لتبادل السلع المحمولة من الصين والهند وأفريقيا، ومع وصول تجار البرتغال إلى المحيط الهندي حاول البرتغاليون الإستيلاء على عدن «لتكون مدخلهم إلى البحر الأحمر (1513) لكنهم فشلوا»[39]، فاحتلها العثمانيون العام 1538 وتولوا آنذاك عبء مقارعة البرتغاليين. إلاّ أنّ سيطرة العثمانيين على اليمن شهدت عمليات توسع إلى الداخل وإنحسارًا على سواحل البحر الأحمر إلى حين خروجهم منها على يد الزيديين العام 1635.
والعام 1818 كان دخول محمد علي باشا بإسم العثمانيين إلى اليمن مؤشرًا لرسم صورته الجغرافية والسياسية وتحديد موقعه في الصراع الدولي. فقد أدّت ثورة الزيدين(1891) إلى عقد إتفاق «دعان» مع الدولة العثمانية العام 1911 «أقر فيه الأتراك بنوع من استقلال ذاتي موسّع لليمن»[40] الذي أصبح ناجزًا منذ هزيمة العثمانيين العام 1918، وصار يعرف لاحقًا بإسم اليمن الشمالي. أما بريطانيا، فقد سعت إلى أن يكون لها موطئ قدم في عدن يخدم مصالح شركة الهند التجارية الإنكليزية التي فشلت في بناء محطة لها في جزيرة بريم الإستراتيجية. والعام 1839 سارع الإنكليز إلى احتلال عدن خشية أن يعود النفوذ الفرنسي إلى الشرق مع احتلال حليف فرنسا السياسي محمد علي باشا اليمن العام 1833، وجعلوها قاعدة عسكرية تحمي طريقهم إلى الهند. وكان إعلان بريطانيا العام 1963 «إتحاد الجنوب العربي» حافزًا لإندلاع الثورة اليمنية التي انتهت بإعلان إستقلال اليمن الجنوبي العام 1967.
وكان تقسيم اليمن بين شماله وجنوبه واندلاع الصراع بينهما، صورة لتنافس القوى العظمى للسيطرة على باب المندب والهيمنة على البحر الأحمر، فقد أدّى تدخّل الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي في اليمن إلى «تعقيد الصراع وقيام حرب الحدود بينهما بين عامي 1972 و1979»[41]. والواقع أن الإتحاد السوفياتي دخل إلى اليمن الجنوبي من باب نظامه الإشتراكي الملتزم سياسته في البحر الأحمر، و«في إبان النزاع الصومالي-الأثيوبي في أوغادن (1978)، قدّم قادة اليمن الجنوبي كل دعم لأثيوبيا الماركسية، كما وقّعوا إتفاقية صداقة وتعاون مع السوفيات لمدة عشرين عامًا»[42].
بالمقابل كان اليمن الشمالي يشهد حربًا أهلية طويلة (1962-1969) إندلعت في أعقاب إنقلاب ناجح أنهى حكم الملكيين، فانتقل الإمام بدر المخلوع إلى السعودية بحماية القبائل الزيدية ليقود من هناك الصراع ضد الحكم الجمهوري الجديد. وكانت الحرب الأهلية في اليمن الشمالي بطبيعتها وشكلها حربًا عربية - عربية بين السعودية ومصر، فقد ساندت المملكة الإمام بدر «وقامت فور إطاحته بإرسال جزء من قواتها إلى حدود اليمن، وساند الأردن أيضًا الإمام في مستهل الأمر محاولًا إيقاف التيار الناصري عند حدود معينة، وأرسل وفدًا عسكريًا للإتصال بعمه، وأعقب ذلك إصدار إعلان أردني - سعودي حول اليمن»[43]. وبالمقابل ساندت مصر النظام الجمهوري الحاكم في اليمن الشمالي وقدمت له دعمًا عسكريًا مباشرًا حتى «وصل عدد القوات المصرية إلى أكثر من 80 ألف جندي»[44].
والواقع أن زيارة الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى الرياض العام 1965 لم تنهِ الحرب في اليمن الشمالي، إلا أن إتفاق الطرفين «أفسح المجال لإنهاء هذه الحرب، وبناء تعاون أخوي قومي بين المملكة ومصر»[45]. وبعد هزيمة حزيران/ يونيو العام 1967 إنسحبت القوات المصرية من اليمن الشمالي في ظل تقارب سياسي عربي، واستقر الأمر للناصرية والحكم الجمهوري في اليمن الشمالي. والعام 1972 نجحت الجهود العربية في عقد إتفاق بين عدن وصنعاء تم توقيعه في طرابلس الغرب لإقامة الجمهورية العربية اليمنية الواحدة لكنه بقي حبرًا على ورق.
ومع اندلاع حرب اليمنين في شباط/ فبراير العام 1979، تلقى اليمن الشمالي مساعدات عسكرية ضخمة من الولايات المتحدة، كما تلقى دعمًا عربيًا من السعودية والأردن الذي أرسل «مستشارين عسكريين لتدريب جنود اليمن الشمالي على استخدام الأسلحة الأميركية»[46]، فيما أرسلت أثيوبيا إلى اليمن الجنوبي «طيارين شاركوا في القتال»[47].
وقد توقّف صراع اليمنين في آذار/ مارس 1979 نتيجة جهود كبيرة بذلتها جامعة الدول العربية، وواكبها صدور بيانين، الأول صدر عن اليمن الشمالي يَتَّهِمْ «الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بمحاولة تحويل شطري اليمن ساحة لصراع القوتين الأعظم، وبيانٌ ثانٍ مماثل صدر عن اليمن الجنوبي إتهم فيه الولايات المتحدة بالذات بتبني سياسة عدوانية تجاه شبه الجزيرة العربية وبتصعيد الصراع اليمني»[48].
4- الصراع العربي – الإسرائيلي على البحر الأحمر
يعتبر البحر الأحمر واحدًا من القضايا المعقّدة في الصراع العربي الإسرائيلي، وقد تم استخدامه بفعالية في حروب 1956 و1967 و1973 لما يملك من مميزات جغرافية وعسكرية وسياسية وإقتصادية مؤثرة على أطراف الصراع.
أ- النزاع القانوني
كان «حق المرور في مضيق تيران وخليج العقبة موضوع نزاع قانوني»[49] بين العرب وإسرائيل، فالعرب يعتبرون هذا الخليج بحرًا داخليًا تتشارك فيه كل من مصر والسعودية والأردن. وتَعْتَبِر مصر «أنّ مضيق تيران مياه إقليمية، ويقع تحت السيادة المصرية، وأنّ السيطرة على شرم الشيخ تعني المواجهة مع إسرائيل، ولكنّ وجود إسرائيل بحد ذاته هو عمل عدواني»[50] لم يتحقّق إلا عندما انتهكت إسرائيل إتفاق الهدنة الذي وقعته مع مصر في 24 شباط/ فبراير 1949، وتقدّمت إلى خليج العقبة واحتلت قرية أم الرشراش في 10 آذار/ مارس 1949 التي كانت ميناءً صغيرًا، وأسمته إيلات. ومن هذا المنطلق، فإن إسرائيل لا تملك أي حق في الخليج ومضائق تيران ويحظر على بحريتها الملاحة فيه، ووفق ذلك فرضت مصر قيودًا على السفن الإسرائيلية أعوام 1949 و1956 و1967، بحكم سيطرتها على مضائق تيران التي تشكِّل نافذة الملاحة الدولية لميناء إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر.
أمّا إسرائيل، فتعتبر أن الملاحة في خليج العقبة ومضائق تيران حق قانوني لها يقوم على وجودها في منطقة إيلات الساحلية، وهذا ما يجعل خليج العقبة من وجهة نظرها مياهًا دولية. وتعتبر أيضًا «إن أي تدخل عسكري لمنع إسرائيل من الملاحة الحرة والمرور البري في مضيق تيران وخليج العقبة يرغم إسرائيل على الدفاع عن النفس إستنادًا إلى المادة 15 من ميثاق الأمم المتحدة»[51]، وقد قامت بحروب عديدة منها العامين 1956 و1967 لكسر القيود المفروضة على حركة مرور سفنها فيها. وكان من تداعيات العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 أنْ تمَّ رفع الحصار العربي من وجه السفن الإسرائيلية في خليج العقبة العام 1957 وفق معادلة فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة تقضي بانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء في مقابل اعتبار خليج العقبة ومضائق تيران ممرات دولية وضمان حرية «الملاحة فيها»[52]، كما وُضِعَت في شرم الشيخ قوات دولية تابعة للأمم المتحدة لمراقبة الملاحة في مضائق تيران.
وفي 16 أيار/ مايو 1967 أدّى انسحاب قوات الطوارئ الدولية من شرم الشيخ بناءً على طلب مصري، ثم إقفال مضائق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية إلى اندلاع الحرب في 5 حزيران/ يونيو 1967 بين العرب وإسرائيل، وقد عبّر عن خطورة الوضع الذي سيخلِّفه هذا الإنسحاب الدولي في حينه ما قاله المندوب البريطاني في مجلس الأمن: «أن مسألة السماح بحرية المرور في خليج العقبة لا تعني الدول المحيطة بالخليج فقط، بل تمس مصالح جميع الدول البحرية. في الحقيقة لم تكن القضية السلام في الشرق الأوسط بل فعالية النظام الدولي الذي علينا جميعًا إحترامه»[53]. إلاّ أنّ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242 الصادر في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 بعد توقّف هذه الحرب، أكّد «ضرورة ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة»[54]، كما نصّت معاهدة السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل في آذار/ مارس 1979 على اعتراف مصر بحق إسرائيل في الملاحة في خليج العقبة ومضائق تيران.
وقد خضعت حركة الملاحة في قناة السويس لمضمون إتفاقية القسطنطينية العام 1888 التي وقّعتها آنذاك الأمبراطورية العثمانية وبريطانيا والنمسا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وروسيا وإسبانيا، وقد اعتبرت قناة السويس «ممرًا ملاحيًا دوليًا مفتوحًا لكل الدول في زمن السلم والحرب»[55]. إلاّ أنّ مصر إستندت إلى المعاهدة عينها، ولاسيما المادة العاشرة منها التي تقضي بحقها في اتخاذ التدابير العسكرية اللازمة لأغراض الدفاع عن النفس والحفاظ على الأمن العام، فأغلقت القناة في وجه الملاحة الإسرائيلية نظرًا إلى حال الحرب القائمة بينهما، و«بقيت مقفلة أمام البضائع الإسرائيلية»[56] بعد العدوان الثلاثي العام 1956 كما استمرت مغلقة بعد عدوان 1967.
وكان الموقف الإسرائيلي بالمقابل يقول أن قناة السويس ممر مائي دولي، وأن إغلاقه بوجه سفنها يتعارض مع نصوص إتفاقية القسطنطينية والقانون الدولي وإتفاقية الهدنة الموقّعة بين الطرفين التي تحظّر الأعمال العدائية. ولكن المادة الخامسة من معاهدة السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل في 26 آذار/ مارس 1979، أنهت النزاع بين الطرفين و«أصبحت السفن الإسرائيلية والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها تتمتّع بالمرور الحر في قناة السويس وفق أحكام إتفاقية القسطنطينية المطبقة على جميع الدول. واعتبرت أن مضيق تيران وخليج العقبة هما من الممرات المائية المفتوحة للدول كلها من دون عائق»[57].
ويشكّل «باب المندب» منفذًا للسفن المبحرة في البحر الأحمر باتجاه الشرق، وقد وقع هذا الباب الحيوي تحت السيطرة العربية منذ أن استقلَّت محمية عدن البريطانية العام 1967، وجيبوتي العام 1977، فأصبح المدخل الجنوبي المؤدي إلى خليج العقبة وقناة السويس خاضعًا في حينه لسلطة كل من جمهورية اليمن الديمقراطية، والجمهورية العربية اليمنية وجيبوتي، بينما تسيطر الصومال على قسم لا بأس به من سواحله، أمّا إسرائيل فقد وجدت نفسها معنية بحركة الملاحة فيه على الرغم من بعدها عنه.
ويبدو أن هذا المحيط الإقليمي المتنوّع أبقى باب المندب في أجواء التوتر واحتمالات الصراع بسبب حال العداء بين الدول العربية وإسرائيل وكذلك بينها وبين اثيوبيا، ولكن باستثناء استخدام باب المندب من قبل العرب في عملية الحصار ضد إسرائيل العام 1973، كانت الدول المحيطة بهذا الممر الحيوي تجد مصلحتها في تخفيف احتمالات الصراع في محيطه، ربما «لاعتبارات إقتصادية، وللملاحة الدولية، باعتبار أن موانئها في عدن والحديدة وجيبوتي وعصب ومصوع تجني منافع هائلة من حركة مرور السفن»[58].
وكان باب المندب قد خضع لمحاولات التدويل في عدة مناسبات، حيث فشلت بريطانيا قبيل إنسحابها من محمية عدن أن تضع جزيرة بريم التي تقفل البحر الأحمر تحت الحماية الدولية العام 1967، كما فشلت محاولة مماثلة لتدويل بريم جرت العام 1971 بعد هجوم فلسطينيين على ناقلة نفط متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، وكانت بريم قد اختارت أن تكون تحت سيادة جمهورية اليمن الديمقراطية بعد أن نالت إستقلالها العام 1967. إلاّ أن فكرة تدويل باب المندب طرحت مجددًا بعد نجاح مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية في فرض حصار على المضايق خلال حرب تشرين الثاني/ نوفمبر العام 1973 ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه.
وبعد فشل خطط تدويل باب المندب، طرحت الدول العربية مسألة «السيطرة الإقليمية» على البحر الأحمر. العام 1977 سعت مصر والسعودية والسودان بمباركة من الجامعة العربية إلى إقامة حلف يسيطر على الملاحة فيه. ويبدو أن هذا الحلف قام مقابل إتحاد فدرالي سعت إلى تأسيسه كوبا بمباركة سوفياتية كان مقررًا أن يضم أثيوبيا والصومال وجمهورية اليمن الديمقراطية وجيبوتي لأجل الهدف عينه.
أمّا إسرائيل، فقد سعت إلى تعزيز وجودها في البحر الأحمر، فاحتلت سيناء العامين 1956 و1967، ولكن ثمّة عوامل مستجدة دعتها إلى تغيير استراتيجيتها هناك، منها خروج بريطانيا من البحر الأحمر العام 1967، وحادثة ناقلة النفط العام 1971، وإغلاق باب المندب العام 1973، وهذا ما جعلها تُضَمِّن اتفاق فصل القوات الموقع مع مصر العام 1974 «بندًا سريًا تضمّن تعهّد مصر برفع الحصار الذي فرضته ضد الملاحة الإسرائيلية في باب المندب خلال حرب تشرين الثاني/ نوفمبر1973»[59].
ب- الصراع العسكري والأمني
يعتبر الصراع العربي - الإسرائيلي في منطقة البحر الأحمر جزءًا من القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عربية شاملة. فالأطراف المشاركة مباشرةً في هذا الصراع، تتوزّع بين دول عربية مثل مصر والاردن والسودان والسعودية واليمن والصومال وجيبوتي وأطراف غير عربية مثل إسرائيل، وأثيوبيا، فضلًا عن أطراف دولية شاركت في الصراع بصورة غير مباشرة كالقوتين العظميين وحلفاء وأصدقاء للدول البحر – أحمرية.
والواقع أن الصراع العربي الإسرائيلي في البحر الأحمر إنطلقت شرارته منذ أن قامت إسرائيل في آذار/ مارس 1949 باحتلال قرية «أم الرشراش» في خليج العقبة، وأسست على أنقاضها ميناء إيلات العام 1952 لتأمين منفذ لها إلى أفريقيا والشرق الاقصى. وقد ردّت السعودية ومصر على هذا الاعتداء الإسرائيلي، ليس باستعادة «أم الرشراش»، بل بمواجهة إستراتيجية إسرائيل في البحر الأحمر «من خلال اتفاقهما على وضع جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين تحت السيطرة العسكرية المصرية العام 1950»[60]، وقد سمح الإتفاق السعودي-المصري للسلطات المصرية بفرض «حظر مرور السفن الإسرائيلية والسفن التي تحمل شحنات استراتيجية إلى إسرائيل عبر مضائق تيران وخليج العقبة»[61]. وقد ردَّت إسرائيل على إجراءات الحظر المصرية «بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي العام 1956»[62] وحقّقت بعد هذا العدوان «هدف عملياتها الخاص في السيطرة على مضيق تيران»[63]، كما هاجمت مصر وسوريا في الخامس من حزيران/ يونيو 1967 وقامت باحتلال سيناء وشرم الشيخ وجزيرتي تيران وصنافير لفتح مضائق تيران وفك الحصار عن إيلات.
ومنذ حرب العام 1967، أدرك العرب أهمية البحر الأحمر كعمق استراتيجي في حربهم ضد إسرائيل، وبالمقابل تحوّل اهتمام إسرائيل باتجاه إفريقيا وجنوب شرق آسيا. ومنذ العام 1970 إرتاب العرب من خطط إسرائيل الرامية إلى حرمانهم السيطرة على البحر الأحمر، وأدركوا أخطار النشاطات الإسرائيلية فيه، وزادت مخاوفهم ممَّا وردهم من أخبار التحركات الإسرائيلية على الشاطئ الإريتري وقرب باب المندب. وقد صارت أوضاع البحر الأحمر المقلقة في أولويات اجتماعات الجامعة العربية العامين 1970 – 1971 بعد أن أثارت جمهوريتا اليمن الشمالية والجنوبية ودول عربية أخرى الأخطار الناجمة عن نشاطات إسرائيل في جزيرة حالب و«استخدام جزيرة دهلك قاعدة عسكرية إسرائيلية»[64]. وقد تأكدت الجامعة العربية من ذلك بعد إرسالها لجنة مراقبين تحقّقت من الوجود الإسرائيلي في جزر أبو الطير وحالب ودهلك التي كانت إسرائيل قد استأجرتها من أثيوبيا.
والعام 1972 بدأت ملامح استراتيجية عربية لمواجهة النشاط الإسرائيلي في البحر الأحمر، تظهر من خلال «اهتمام العرب بعروبة إريتريا، ودعم مطالبة الصومال بأراضٍ لها في القرن الإفريقي، وتحصين جزيرة بريم ضد إسرائيل»[65]، وكذلك إطلاق دعوة إلى «إنشاء قيادة بحرية عربية لمواجهة تغلغل إسرائيل في البحر الأحمر بوصفه جبهة مهمة وخطيرة في الصراع العربي مع إسرائيل»[66]. أمّا في أيلول/ سبتمبر 1973، فقد دعت الجامعة العربية في قرار لها إلى «ترتيب انعقاد مؤتمر لأقطار البحر الأحمر العربية يتيح لها التوصل إلى مواقف مشتركة في شأن التعاون والتنسيق في هذا الصدد»[67].
وفي حرب 6 تشرين الاول/ أكتوبر 1973، كان البحر الأحمر أحد عناصر خطة فرض الحصار على إسرائيل فقد «بدأ حصار غير معلن على مضيق باب المندب منذ الأسبوع الثاني للحرب»[68] حين أغلقت مصر بالتنسيق مع اليمنين هذا الممر الحيوي، كما قامت قوة من اليمن الشمالي باحتلال بعض جزر البحر الأحمر لمنع إسرائيل من استخدامها لفك الحصار. واللافت في دروس حرب تشرين الاول/ أكتوبر 1973، أن احتلال إسرائيل لمضائق تيران لم يؤمّن لها حرية الملاحة وسلامة المرور باتجاه أفريقيا والشرق الأقصى، فقد اعطى إغلاق باب المندب النتيجة عينها لناحية إحكام الحصار البحري على إسرائيل، وقد أفادت الدول العربية من ذلك، فقامت العام 1974، بعد فك الحصار البحري عن إسرائيل «بوضع جزيرة بريم تحت القيادة المصرية، باتفاق تدفع بموجبه السعودية 10 ملايين دولار سنويًا إلى جمهورية اليمن الديمقراطية»[69].
ومنذ العام 1976، أصبح البحر الأحمر موضوع اهتمام عربي نظرًا إلى دخول الدول الكبرى على خط الصراعات الاقليمية في هذه المنطقة، وقد سعت الدول العربية، ولا سيما البحر-أحمرية، في اجتماعات متواصلة لقادتها إلى جعل البحر الأحمر «بحيرة عربية»، فتوجّه «خبراء عسكريون من مصر والسعودية إلى باب المندب للقيام بدراسات ميدانية حول توفير الأمن والحماية للمنطقة»[70]، تكون أساسًا لتدابير الأمن العربي الجماعي في البحر الأحمر ضمن إطار معاهدة الدفاع العربي المشترك. ودعا قادة عرب (السعودية ومصر والسودان) في قمم متلاحقة في جدة والسودان العام 1976 إلى «تعاون عسكري عربي في البحر الأحمر، وأكَّدوا تحويله إلى منطقة سلم بالنسبة إلى دوله جميعًا مع إبقائه بمنأى عن استراتيجيات القوتين الأعظم وصراعاتهما»[71].
والعام 1977 تكثَّف الوجود السوفياتي والأميركي والكوبي في مياه البحر الأحمر، وترافق ذلك مع ازدياد النشاطات الإسرائيلية على الساحل الاثيوبي، وهذا ما استدعى تحرّكًا عربيًا لمواجهة هذا الموقف المتوتر، فانعقدت قمة في الخرطوم في شباط/ فبراير1977 حضرها قادة سوريا ومصر والسودان أكّدوا خلالها على إبقاء البحر الأحمر بعيدًا من الصراعات الدولية و«جعله مفتوحًا في وجه الملاحة الدولية»[72]. وفي الاطار عينه، بذلت دول عربية (السعودية والسودان ومصر) جهودًا كبيرة لمواجهة تحرّك كوبي لإقامة حلفٍ موالٍ للسوفيات في حوض البحر الأحمر، يضم أثيوبيا واليمن الديمقراطية والصومال. وقد تكّللت هذه الجهود بانعقاد قمة «تعز» في اليمن الشمالي (آذار/ مارس 1977) التي دعت إلى «إبعاد الصراعات الدولية عن هذه المنطقة، وضرورة الحفاظ على البحر الأحمر كمنطقة سلم، وعلى استغلال ثروات البحر الأحمر لخير شعوب المنطقة»[73].
ومن جهة أخرى، إقترحت الدول البحر - أحمرية على القمة العربية المنعقدة في أيلول/ سبتمبر العام 1977 مشروعًا يدعو إلى «مواجهة التحدي الإسرائيلي - الأثيوبي، ودعم الثورة الإريترية في حصولها على الاستقلال»[74]. إلا أن حدث زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل، خفّف من الاهتمام العربي بالخطط المقترحة للبحر الأحمر.
وبالمقابل، كان لإسرائيل مصالح استراتيجية وعسكرية وإقتصادية تُبَرِّر سياستها التوسعية في البحر الأحمر، بدأت بالظهور مع اتجاهها إلى الاهتمام بمنطقة النقب المشرفة على خليج العقبة، ثم الانطلاق منها إلى الخارج من ميناء إيلات. وقد عبَّر موشي ديّان عن ذلك العام 1955 بإعتباره إيلات «بوابة لآسيا وأفريقيا»[75]. وفي تشرين الأول/ أكتوبر العام 1956 شنّت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا عدوانًا على مصر (العدوان الثلاثي) واحتلوا سيناء، وبذلك أزالت إسرائيل قيود الحظر التي فرضتها مصر آنذاك على حركة مرور سفنها في مضائق تيران. فتحقّق لها «حرية المرور في خليج العقبة»[76]. وفي آذار/ مارس 1957 تمركزت قوات الطوارئ الدولية في شرم الشيخ لضمان ذلك.
ومنذ العام 1957، إزدادت أهمية البحر الأحمر، بالنسبة إلى إسرائيل، وتوسّعت علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع الدول الأفريقية والآسيوية ولا سيما أثيوبيا وجنوب أفريقيا، كما أقامت علاقات «تجارية وبريدية وسياحية مع جنوب اليمن»[77] حين كان لم يزل تحت الانتداب البريطاني. والعام 1967 أبدى القادة الإسرائيليون مخاوفهم على مصالحهم في عدن، ورأوا في احتمال سيطرة مصر على اليمن الجنوبي بعد استقلاله وهيمنتها على باب المندب «تهديدًا للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وتجارتها مع شرق أفريقيا والشرق الأقصى»[78]. وحتى العام 1979، كان البحر الأحمر طريقًا لناقلات النفط التي تنقل حاجات إسرائيل من هذه السلعة الرئيسة من ايران إلى ميناء إيلات، ولذلك إعتبرت الحصار الذي فرضته مصر عليها بإغلاق مضائق تيران العام 1967 عملًا يهدّد وجودها، فكان هذا التدبير المصري سببًا رئيسًا في إندلاع الحرب العربية الإسرائيلية العام 1967.
وبعد انتصارها في حزيران/ يونيو1967، سعت إسرائيل إلى زيادة قدراتها البحرية «بزيادة عدد زوارقها والحصول على غواصات من بريطانيا، وتطوير وحدات الضفادع البشرية، وتزويد بحريتها طائرات الاستطلاع»[79]. والعام 1971 تدخّلت قوارب إسرائيلية من مركزها في جزيرة حالب الاثيوبية لرد هجوم زورق حربي أطلق النار في باب المندب على ناقلة النفط «لورال سي» (Loral Sea) ترفع العلم الليبيري، كانت قد استأجرتها إسرائيل التي استثمرت الحادثة لتكثيف نشاطها في البحر الأحمر، فعرضت على أثيوبيا «تركيب محطات للرادار وقوارب خفر السواحل يديرها الإسرائليون»[80].
وبعد الحصار الناجح الذي فرضته الدول العربية العام 1973 بإقفال باب المندب، وسَّعت إسرائيل وجودها في البحر الأحمر، فطال جزر «حالب ودهلك وحنيش الكبرى والصغرى وذقر»[81]، إلا أن وجودها تقلّص بعد أن قطعت أثيوبيا علاقتها بإسرائيل العام 1973. ولكن الحرارة عادت إلى هذه العلاقات بعد أن ساندت إسرائيل نظام اثيوبيا الماركسي العام 1977 وحذّرته من «انفصال أريتريا بحجة أنها ستجعل البحر الأحمر بحيرة عربية»[82]، ثم تدهورت العام 1978. وحاولت إسرائيل بعد ذلك احتلال جزيرة بريم الاستراتيجية للسيطرة على باب المندب، لكنها واجهت ردة فعل مصرية فورية كانت ترجمتها «بإرسال مدمّرات إلى منطقة بريم لمواجهة أيّ حالة طارئة»[83].
والعام 1977، أدّى انقطاع النفط الإيراني عن إسرائيل بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتوقيع معاهدة السلام التي عقدتها مع مصر، إلى تعديل سياسة إسرائيل في البحر الأحمر بعد أن حصلت على حرية الملاحة في خليج العقبة وقناة السويس، لكن إقفال باب المندب في وجه هذه الملاحة بقي هاجسًا لديها كلما برزت دلائل حرب مع العرب.
5- الصراع في القرن الأفريقي
أ- الصراع الصومالي – الأثيوبي (الصراع على أوغادين)
منذ القرن التاسع عشر وحتى استقلال الصومال العام 1960 خضعت أراضي الصومال للإحتلال الاثيوبي والاستعمار الغربي. ففي الفترة الزمنية الممتدة ما بين 1887 و1891 توسَّعت أثيوبيا في القرن الإفريقي، واستفادت ما بين العامين 1891 و1897 من قرار الدول الاستعمارية بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في تقسيم القرن الافريقي، فقد سيطرت هذه الدول الثلاث على السواحل الصومالية، بينما سيطرت أثيوبيا على الداخل الصومالي، بما فيه إقليم أوغادين، من دون أن تؤخذ بعين الاعتبار رغبات السكان الصوماليين. ومنذ العام 1935 ولغاية نشوب الحرب العالمية الثانية، عادت أوغادين إلى السيطرة الإيطالية، ثم أصبحت متحدة مع الصومال تحت إدارة بريطانية حتى العام 1954 تاريخ عودتها للسيطرة الأثيوبية.
أمّا جمهورية الصومال الديمقراطية فيعود تكوينها في تموز/ يوليو العام 1960 إلى اتحاد الصومالين البريطاني والإيطالي بعد نيلهما الاستقلال. ولكن أهداف الحركة الوطنية الصومالية التي ناضلت منذ العام 1943 لم تتحقّق في إقامة «الصومال الكبير»، فقد بقي كثير من أهل الصومال خارج بلادهم متفرقين في أثيوبيا (أوغادين) وكينيا والصومال الفرنسي (جيبوتي)، وشكّلوا قضية أفريقية أخذت تتفاقم مع مرور الزمن. ومنذ تاريخ استقلالها وحتى العام 1967، ساء الوضع الاقتصادي في جمهورية الصومال، وكان إغلاق قناة السويس العام 1967 عاملًا أساسيًا في تدهور هذا القطاع. وبقي الصومال يتلقى دعمًا إقتصاديًا وعسكريًا سوفياتيًا ما لبث أن اتسع بعد الانقلاب الذي قاده الجيش العام 1969، فتحقّقت إصلاحات في البلاد مع قيام الحكومة الثورية وتضاعفت قوة الجيش إعتبارًا من العام 1974.
ومع حصول الصومال على استقلاله العام 1961، إتخذ الصراع الحدودي بين الصومال وأثيوبيا على منطقة أوغادين بعدًا قوميًا يرتبط بتوحيد الصوماليين جميعًا ضمن حدود الوطن الواحد. وينطلق الموقف الصومالي من مشكلة أوغادين باعتبار «الخط الحدودي بين أوغادين والصومال كان خطًا تعسفيًا يقوم على أساس الإتفاقية الإيطالية الاثيوبية المؤقتة العام 1908، والتي لم تكن الصومال طرفًا فيها»[84]. ومن هذا المنطلق ساندت الصومال جبهة تحرير الصومال الغربي العام 1977 في الاستيلاء على %90 من أراضي هذا الإقليم من يد أثيوبيا.
ويبدو أن أثيوبيا قرأت خطورة الأهداف الصومالية في الصراع أبعد من أوغادين، فوجدت في طروحات الوحدة الصومالية نزعة توسعية يمتد خطرها داخل أثيوبيا إذا ما تحرّك المسلمون الاثيوبيون فيها، وتطال أيضًا جيبوتي والإقليم الشمالي الشرقي من كينيا. ولعل أثيوبيا كانت تجد في مصلحتها الإبقاء على تطبيق الاتفاق الذي ينظّم حدود دول القرن الافريقي بالحفاظ على الحدود الاستعمارية القديمة.
والواقع أن أزمة أوغادين جذبت، ربما بسبب «وجود النفط والذهب فيها»[85] وموقع القرن الإفريقي الإستراتيجي، التدخّل الدولي في هذه المنطقة، ففي الفترة التي كان يتلقى فيها الصومال دعمًا عسكريًا سوفياتيًا كثيفًا لبناء جيشه (1963-1977) كانت الولايات المتحدة بالمقابل تقوِّي الجيش الأثيوبي. ولكن العام 1977 كان إنقلاب الصورة، فقد حلَّ محلها «الإتحاد السوفياتي وكوبا وإسرائيل وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وألمانيا الشرقية»[86]، داعمين النظام الماركسي في أثيوبيا. واللافت أن التقاء هذه الدول في دعمها أثيوبيا كان منطلقًا فحسب من مصالحها، فقد ظهرت رغبة مشتركة لكلٍ من الإتحاد السوفياتي وكوبا وإسرائيل في منع امتداد السيطرة العربية على البحر الأحمر وسواحل القرن الإفريقي، ولكنّ فشل الإتحاد السوفياتي وكوبا في إدخال الصومال إلى حلفهما مع أثيوبيا واليمن الجنوبي، ربما بسبب أزمة أوغادين، كان خسارة كبيرة للنفوذ الماركسي في البحر الأحمر.
بالمقابل أعلنت الولايات المتحدة استعدادها لتزويد الصومال بالأسلحة، وشجعت فرنسا وإيران ومصر والسعودية على دعم الصومال وإريتريا ضد أثيوبيا. وبالفعل نجحت جبهة تحرير الصومال الغربي في استرجاع أوغادين بالإستناد إلى الموقف الاميركي وحلفائه، إلاّ ان قرارًا مفاجئًا إتخذته الولايات المتحدة ودول الغرب بالتخلي عن وعودها في تسليم الصومال السلاح اللازم لإتمام حربها في أوغادين غيَّر الأوضاع هناك، وقد علّلت هذه الدول قرارها بوجود مخاوف من أطماع الصومال لضم جيبوتي وشمالي شرقي كينيا، ورغبة أميركية بالبقاء بعيدًا من الصراعات الأفريقية الداخلية. وكان من تداعيات هذا القرار أن عادت أثيوبيا إلى الهجوم على أوغادين العام 1978.
وفي المواقف الأخرى، فقد أبدت مجموعة الدول العربية تعاطفها مع الصومال ضد أثيوبيا التي صارت أكثر تعلّقًا بالسوفيات من أجل الحصول على جميع أشكال الدعم والمساعدة بعد خسارتها في أوغادين العام 1977. بالمقابل إستجاب الصومال لجهود السودان في تنظيم تحالف عربي يواجه الاتحاد السوفياتي، فجاء انضمامه رسميًا إلى الجامعة العربية في شباط/ فبراير 1974، ومشاركته في مؤتمر تعز في آذار/ مارس 1977 تتويجًا لتعزيز خياره السياسي والاستراتيجي بالانضمام إلى مجموعة الدول العربية الناهضة في وجه الدعم السوفياتي لأثيوبيا والتدخل الإسرائيلي في البحر الأحمر.
ب- الصراع الإريتري - الأثيوبي
حازت إريتريا، بحكم موقعها الإستراتيجي كشريط ساحلي يمتد من السودان إلى جيبوتي ووفرة مواردها الطبيعية والإقتصادية مثل «اليورانيوم والغاز الطبيعي وثروات حيوانية وسمكية»[87]، اهتمام أثيوبيا والولايات المتحدة وإسرائيل والإتحاد السوفياتي. والعام 1950 وافقت الأمم المتحدة على اقتراح الولايات المتحدة «بإنشاء إتحاد فدرالي بين أثيوبيا وإريتريا»[88] فيما عارضت ذلك الدول العربية. أمّا العام 1962 فقد صوّت برلمان أريتريا تحت ضغط أثيوبي على إندماج إريتريا الكامل ضمن أثيوبيا.
وفي أيلول/ سبتمبر 1961، إنطلقت جبهة التحرير الإريترية للعمل ضد أثيوبيا بعد أن تلقى أفرادها تدريبًا عسكريًا في مصر. وقد قامت هذه الجبهة منذ البداية بربط نفسها بصورة متزايدة مع دعوة القومية العربية، وتلقّت دعمًا عربيًا متفاوتًا منذ العام 1961، جاء ردًا على «المذابح الجماعية التي ارتكبتها أثيوبيا ضد الإريتريين، والعلاقة بين إسرائيل وأثيوبيا، ولمواجهة التغلغل السوفياتي في البحر الأحمر عن طريق أثيوبيا، والمحافظة على المصالح الإستراتيجية العربية في البحر الأحمر»[89]. ولعل الدول العربية كانت تأمل في نجاح الثورة الاريترية ولادة دولة إريترية عربية مستقلة تشكّل طريقًا «لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية، ومكافحة التغلغل الإسرائيلي في هذه المنطقة، وإستكمال سيطرتها على باب المندب»[90].
أما أثيوبيا، فقد أدركت خطورة نجاح الثورة الإريترية وتأسيس دولة إريترية عربية مستقلّة تحول دون وصولها إلى البحر الأحمر، فعمدت منذ العام 1977 إلى مواجهة الدول العربية الداعمة لحركات تحرير إريتريّة باتهامها بتقويض النظام الماركسي في القرن الإفريقي، وقد عبّر مندوب أثيوبيا عن مخاوف بلاده في مؤتمر القمة العربي الأفريقي في آذار/ مارس 1977 بقوله: «هناك حلم يقضي بجعل البحر الأحمر بحيرة عربية، لكن الجزء الوحيد غير العربي من سواحل هذا البحر إنما يقع في إريتريا، والبلدان العربية تريد وضع نهاية لهذا الوضع»[91].
أمّا الاتحاد السوفياتي فقد عزَّز وجوده على ضفة البحر الأحمر ووقف بثقل «إلى جانب النظام الماركسي في أثيوبيا»[92]، فقام بتزويده شحونات جوية ضخمة من الأسلحة قلبت ميزان القوة إلى جانبه، وقدّم له الدعم السياسي والإعلامي في وسائل إعلامه بإعلانه مواقف مناهضة للدول العربية بقوله: «إن بعض الدوائر الحاكمة في المنطقة تستخدم تعبير البحيرة العربية في معرض إشارتها إلى البحر الأحمر، وهذا لا يعكس سوى روح التعصّب القومي. إن أمن منطقة البحر الأحمر لا يمكن التوصّل إليه إلا عندما يصبح المحيط الهندي منطقة تشارك في حمايتها جهود القوى التقدمية المعادية للإستعمار»[93].
ج- الصراع السوداني - الأثيوبي
شكَّل السودان العمود الفقري في صياغة السياسة العربية في البحر الأحمر بحكم مواقفه ضد الاتحاد السوفياتي وأثيوبيا. العام 1976 شكّل السودان حلفًا دفاعيًا مع مصر بعد أن قضى على محاولة انقلاب إستهدفت نظامه مدعومة من السوفيات وليبيا وأثيوبيا. ومع انهيار العلاقات السودانية - السوفياتية، أحس السودان بأخطار النظام الدولي الماركسي الجديد في البحر الأحمر، وقد تلقى تحذيرًا من موسكو بعد طرده الخبراء السوفيات مفاده «أن القوى الامبريالية والرجعية الدولية تلعب بالنار إذا ما تولَّت القيام بدور خطير في الاستعدادات لتدمير نظام أثيوبيا التقدمي»[94].
أما على الصعيد الإقليمي، فقد كان التوتّر يطغى دائمًا على العلاقات السودانية - الاثيوبية، واعتبارًا من العام 1969 كان السودان بقيادة رئيسه جعفر نميري يقِّدم الدعم لجبهة تحرير إريتريا في نشاطها الحربي ضد أثيوبيا. بالمقابل كانت هذه الأخيرة ترد على ذلك بالسماح باستخدام مطاراتها لإمداد الحركة الإنفصالية في جنوبي السودان بالمواد والمعدات المقدّمة منها، ومن الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي آذار/ مارس 1972، عُقِد إتفاق في أديس أبابا برعاية ملك أثيوبيا بين السودان والحركة الانفصالية في جنوبه أنهى تمرّدها، كما اتفق السودان وأثيوبيا على «تخفيف الخرطوم مساعداتها لثوار إريتريا في مقابل التزام أديس أبابا وقف المساعدات الإسرائيلية إلى الانفصاليين في جنوب السودان»[95].
ولكن اتفاق أديس أبابا (1972)، لم يُعمِّر طويلًا، فقد أدّى الانقلاب الماركسي في أثيوبيا العام 1974 إلى إنهاء جميع مفاعيله، وعادت أديس أبابا إلى الهجوم على ثوار إريتريا ودعم الانفصالين في الجنوب السوداني، والعام 1979 «أغارت أثيوبيا على القرى الجنوبية السودانية، وضاعفت طيرانها فوق الحدود الجنوبية للسودان ربما لأغراض الردع»[96]. وقد انتهت هذه الحالة المتوتّرة بين الدولتين الجارتين بعد اجتماعات جرت بين قادتهما العام 1980، أفْضَت إلى اتفاق الطرفين على أمور عديدة منها «ضرورة الحفاظ على البحر الأحمر والمحيط الهندي بعيدين عن التدخّل الإستعماري»[97].
د- أوضاع جيبوتي
كانت جيبوتي تعيش حتى تاريخ استقلالها في حزيران/ يونيو 1977 مخاوف الأطماع الصومالية والاثيوبية بأراضيها، والعام 1966 أعلنت أثيوبيا «أن الساحل الصومالي (بما فيه جيبوتي) أرض أثيوبية لأسباب تاريخية وعرقية»[98]. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ جيبوتي لا تملك قدرات إقتصادية سوى أنّها تشكّل «منفذًا بحريًا» يتصل بأديس أبابا بخط سكة الحديد.
ومنذ حصولها على الاستقلال العام 1977، إعتمدت جيبوتي السياسة العربية حيال إسرائيل والبحر الأحمر بصفتها عضوًا في الجامعة العربية، وأكَّدت حكومتها أنها «تعارض أي تدخل أجنبي في البحر الأحمر والمحيط الهندي»[99]. وقد تلقّت جيبوتي معونات إقتصادية مختلفة من الدول العربية النفطية مثل السعودية والعراق.
ﻫ- التدخل الإسرائيلي
وجدت إسرائيل في القرن الإفريقي عمقًا استراتيجيًا لسياستها في البحر الأحمر فعملت على «تصعيد الصراعات في منطقة البحر الأحمر لإعاقة تعريبها»[100]، كما رأت في «أمن أثيوبيا ضمانة لها»[101]. وأقامت إسرائيل علاقات «تعاون دبلوماسي واقتصادي مع النظام الحاكم في جنوب أفريقيا»[102] وغيرها من الدول الافريقية التي نالت استقلالها في حينه، فاستغلّت «افتقارها للخبرة السياسية، وعرضت تقديم مساعدات لها غير مشروطة في مجالات المال والاقتصاد»[103].
وفي هذا الاطار استفادت إسرائيل من موقعها في أثيوبيا، فانطلقت منه «لدعم الحركة الإنفصالية في جنوب السودان»[104] وإضعاف جهود حكومته المناهضة لسياستها في القرن الإفريقي. كما سعت إلى «إقناع فرنسا والرأي العام العالمي بأخطار استقلال جيبوتي على الملاحة الدولية في البحر الأحمر بغية إبقائها تحت الانتداب الفرنسي، بحجة أن جيبوتي المستقلة سوف تنضم إلى الكتلة العربية، مما يؤثّر على الملاحة الإسرائيلية عن طريق باب المندب»[105].
و- التدخل الإيراني
ترتبط إيران بالبحر الأحمر بوصفه ممرًا مائيًا يؤمّن لها مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، ويُنْقَل عبره إنتاجها النفطي بحرية إلى الغرب. وقد انطلقت إيران، بعد إعلان بريطانيا نيتها الإنسحاب من منطقة الخليج، إلى ملء الفراغ الذي خلَّفته، وسعى الشاه في حينه إلى لعب دور «شرطي الخليج» والهيمنة على المسالك النفطية المائية وحمايتها.
وفي هذا الإطار، تدخّل الشاه في الحرب الأهلية في اليمن الشمالي العام 1962 واقفًا إلى جانب الملكيين في مواجهة نظام الحكم الجمهوري وحليفه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، علّه ينجح في وقف الفكر الناصري المنادي بالوحدة والقومية العربية في حينه، ويحافظ على موطئ قدم في باب المندب. والعام 1973 ساعدت إيران أمبراطور أثيوبيا ضد الثوار الإريتريين. والعام 1987 زوّدت الصومال الأسلحة، ووقفت إلى جانبه ضد أثيوبيا.
وكانت سياسة الشاه الخليجية تنطلق من واقع الهيمنة على المنطقة، فوجدت دعمًا قويًا من الولايات المتحدة الأميركية التي رأت في قوة إيران تعزيزًا لقوتها ومصالحها في منطقة الخليج والبحر الأحمر، وسندًا للأنظمة الدائرة في فلكها، وقاعدة لمواجهة السوفيات وحلفائهم مثل اليمن الجنوبي والعراق وأفغانستان.
الخلاصـــة
ثمة عوامل إقليمية ودولية كانت تقف في وجه وضع سياسات مستقبلية عربية لمنطقة البحر الأحمر، وكان أهمها عاملان إثنان، الأول يرتبط بالتدخّلات الدولية ولاسيما القوتين العظميين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، والثاني عدم الاستقرار الإقليمي لارتباط هذه المنطقة بالصراع العربي الإسرائيلي، ولعل حرية الملاحة في البحر الأحمر وممراته ومضائقه كانت دائمًا أحد أسباب إندلاع النزاعات المحلية والإقليمية.
لكن الأقطار العربية أدركت على الرغم من هذه العوائق أهمية وضع استراتيجية عربية موحّدة وفعّالة في البحر الأحمر، ووضعت عناوين مختلفة لها تناولت جعله «بحيرة عربية»، وإبعاده عن الصراع الدولي، والعمل على مواجهة النفوذ الإسرائيلي الممتد إلى جزره وسواحله الأفريقية، كما نجحت في مراحل عديدة في التدخّل في صراعات القرن الإفريقي وفشلت في بعضها، ولكنها أفلحت في إقفال باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية لإحكام الحصار على إسرائيل في حربها العام 1973.
إلا أن الاستراتيجية العربية في البحر الأحمر لم تحقّق نجاحًا على المدى الطويل، فقد أدى غياب الموقف العربي الموحّد اللازم لتنفيذ قرارات القمم والمؤتمرات العربية ذات الصلة، إلى إبقاء أهداف هذه السياسات الكبرى بعيدة المنال. وبقيت المعونات والمساعدات العربية المبذولة لإريتريا والصومال قاصرة عن تحقيق الغايات العربية، في حين فشلت سياسات العرب في ضم إريتريا إلى المجموعة العربية وتحقيق شريط ساحلي عربي طويل في القرن الأفريقي.
ويبدو أن الصراعات بين الأقطار العربية الناجمة عن ارتباطها كليًا أو جزئيًا بأحد المعسكرين الدوليين في حينه الماركسي او الرأسمالي، منع قيام استراتيجية موحّدة للبحر الاحمر، وليس صراع اليمنين سوى صورة عن التنافس الدولي. أما الإنقلابات العسكرية والثورات، فقد خلقت أنظمة حكم تبنّت عقائد سياسية وإقتصادية متعارضة، ودخلت في تشكيل أحلاف دولية جديدة أثّرت على ميزان القوى في منطقة البحر الأحمر، فقد وقفت ليبيا واليمن الجنوبي في المعسكر الماركسي إلى جانب النظام الاثيوبي المدعوم من كوبا والاتحاد السوفياتي في وجه الجهود العربية في القرن الإفريقي. أمّا المعاهدة المصرية الإسرائيلية المعقودة في آذار/ مارس 1978، فقد حالت دون صوغ سياسة عربية فاعلة تواجه التنافس الدولي في البحر الأحمر.
إلاّ أنّ الصراع على البحر الأحمر لم يتوقّف في حدود الثمانينيات في حين تستمر المواجهات العسكرية والدبلوماسية على ضفافه وعبره في منطقة الخليج العربي وأفغانستان. فالسياسة الإسرائيلية التوسعية التي تحاول مدَّ ذراعها إلى البحر الأحمر ودوله وجزره ومضائقه تشكّل مشروع حرب دائمة، وهي ترى مثلًا في منطقة تيران «جبل طارق اليهودية»[106]، ولذلك لن تتورّع عن خرق المعاهدة المصرية الإسرائيلية إذا ما تبيّن لها أن مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر تقتضي ذلك.
ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، بدأ المسرح العالمي والشرق أوسطي، يشهد أحداثًا وتطورات سياسية ضخمة أرخت بظلالها الثقيلة على منطقة البحر الأحمر. فقد أنزلت الثورة الإسلامية في إيران العامين 1978 و1979 ضربة قاصمة بالاستراتيجية الاميركية والمصالح الغربية باقتلاع نظام الشاه. ثم تسارعت الأحداث بعد ذلك، فاندلعت مباشرةً حرب عراقية إيرانية طاحنة دامت ثماني سنوات (1980–1988)، أعقبها قيام العراق بغزو الكويت في آب/ أغسطس 1990. وفي كانون الثاني/ يناير 1991 قادت الولايات المتحدة حلفًا دوليًا شارك فيه العرب، وأطلقت عملية «عاصفة الصحراء» ردًا على غزو الكويت، إنتهت باحتلال العراق في آذار/ مارس من العام عينه.
أمّا العام 1991 فقد مهّد قدوم الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إلى الحكم حاملاً معه البريسترويكا إلى انهيار الاتحاد السوفياتي السلمي، وتفكّك المنظومة الاشتراكية العالمية التي تدور في فلكه. وكان من الطبيعي أن يَنْجُمَ عن هذه التطورات العالمية المتسارعة تداعيات ضخمة في منطقة الشرق الأوسط، أصابت دول هذه المنطقة، ولاسيما المشاطئة للبحر الأحمر، فعمدت في ضوء هذه التحولات، إلى تعديل نظمها السياسية وسياساتها الإقتصادية والعسكرية.
[1]- القوصي عطية، «تجارة مصر في البحر الأحمر منذ فجر الاسلام حتى سقوط الخلافة العباسية»، دار النهضة العربية، القاهرة 1976، ص10.
[2]- يحي جلال، «البحر الأحمر والاستعمار»، دار القلم، القاهرة، 1962، ص12.
[3]- إبن خرداذبة، أبي القاسم عبيدالله، «المسالك والممالك»، وضع فهارسه الدكتور محمد مخزوم، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1988 ص61 و131.
[4]- المقدسي المعروف بالبشاري، «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»، مكتبة مدبولي، ط3، 1991، ص18.
[5]- المسعودي، «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، عني بتنقيحه وتصحيحه شارل بلاّ، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1965، الجزء الاول، ص 125 و127.
[6]- ابن خلدون الامام عبد الرحمن بن محمد، «مقدمة ابن خلدون»، تحقيق درويش الجويدي، ط2، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت، 1996، ص51.
[7]- جرجس، أجيه يونان، «البحر الأحمر ومضايقه بين الحق العربي والصراع العالمي»، مكتبة غريب، القاهرة، 1979 ص23.
[8]- محمود محمود توفيق، «البحر الأحمر في الإستراتيجية الدولية»، مجلة «السياسة الدولية»، السنة 15، العدد 57، القاهرة 1979، ص27-28.
[9]- شديد كمال، «البحر الأحمر في الميزان العربي والعالمي»، مجلة الدفاع، العدد 121، مؤسسة الأهرام، القاهرة، آب/ أغسطس1996، ص43.
[10]- محمود محمود توفيق، المرجع السابق، ص29.
[11]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1984، ص28.
[12]- محمود محمود توفيق، المرجع السابق، ص28-29.
[13]- السلطان عبد المحسن عبد الله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 33.
[14]- جويدي (Guidi)، «مقالة في دائرة المعارف الاسلامية»، يصدرها باللغة العربية أحمد الشنتناوي وابراهيم زكي خورشيد، دار الفكر، بيروت، مجلد7، د.ت، ص282.
[15]- محمود محمود توفيق، «البحر الأحمر في الإستراتيجية الدولية»، ص 27-37.
[16]- قدورة عماد، «حول أمن عربي للبحر الأحمر»، مجلة دراسات استراتيجية، تصدر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، العدد 22، ط1، 1998، ص14.
[17]- محمد عبد العاطي، «البحر الأحمر ومخاطر الصراع الدولي»، مجلة السياسة الدولية، العدد 54، تشرين الاول/ اكتوبر1978، ص66.
[18]- يحي جلال، «البحر الأحمر والاستعمار»، ص 4-5.
[19]- هلال علي الدين، «الأمن العربي والصراع الإستراتيجي في منطقة البحر الأحمر»، المستقبل العربي، العدد9، أيلول/ سبتمبر1979، ص100.
[20]- قدورة عماد، «حول أمن عربي للبحر الأحمر»، ص34.
[21]- نعناعة محمود، «إسرائيل والبحر الأحمر»، مكتبة خانجي، القاهرة، 1974، ص30-33.
[22]- محمود محمود توفيق، «البحر الأحمر في الإستراتيجية الدولية»، ص 30.
[23]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص32.
[24]- المرجع عينه، ص 32.
[25]- المرجع عينه، ص 27-33.
[26]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الشركة العالمية للموسوعات ش.م.م، بيروت-لبنان، 2004، الجزء20، ص458.
[27]- المرجع عينه، ص458.
[28]- المرجع عينه، ص458.
[29]- الاسلامبولي عبد الحميد، «تدويل البحر الأحمر مؤامرة ترفضها مصر»، مقالة في جريدة الأهرام في 28/ 5/ 1974، ص3.
[30]- الاسلامبولي عبد الحميد، «تدويل البحر الأحمر مؤامرة ترفضها مصر»، ص137.
[31]- شديد كمال، «البحر الأحمر في الميزان العربي والعالمي»، ص43.
[32]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 137.
[33]- محمود محمود توفيق، «البحر الأحمر في الإستراتيجية الدولية»، ص 39.
[34]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الثامن عشر، ص271.
[35]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص14.
[36]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 149.
[37]- المرجع عينه، ص 145.
[38]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص146.
[39]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، ص458.
[40]- المرجع عينه، الجزء 20، ص464.
[41]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص157.
[42]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، ص460.
[43]- مطاوع سمير، «الاردن في حرب 1967»، عمره للنشر والتوزيع، ط1، لندن-عمان، 1408هـ/ 1988م، ص32.
[44]- المرجع عينه، ص466.
[45]- الخوند، المرجع السابق، ص466.
[46]- Hussein's Secret Aid¡ News Week (15 october 1979)¡ P37.
[47]- League's Peace¡ «Mission Arrives in South Yemen Arab News»¡ 13 March. 1979¡ P1.
[48]- Ibid.
[49]- بيلي سيدني، «الحروب العربية الإسرائيلية وعملية السلام»، ترجمة المقدم الركن الياس فرحات، دار الحرف العربي، طبعة اولى، بيروت-لبنان، 1412ﻫ 1992م.، ص160.
[50]- المرجع عينه، ص165.
[51]- بيلي سيدني، «الحروب العربية الإسرائيلية وعملية السلام»، ص185.
[52]- المرجع عينه، ص164-165.
[53]- المرجع عينه، ص205.
[54]- بيلي سيدني، «الحروب العربية الإسرائيلية وعملية السلام»، ص276.
[55]- المرجع عينه، ص105.
[56]- المرجع عينه، ص171.
[57]- المرجع عينه، ص433.
[58]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 94.
[59]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الثامن عشر، ص275.
[60]- بيلي سيدني، «الحروب العربية الإسرائيلية وعملية السلام»، ص185.
[61]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 184.
[62]- الايوبي الهيثم، «دراسات عسكرية في حرب تشرين»، دار الحقيقة، بيروت، 1975، ص89.
[63]- بيلي سيدني، «الحروب العربية الإسرائيلية وعملية السلام»، ص131.
[64]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الاول، ص 276.
[65]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص186.
[66]- هيكل محمد حسنين، «الخطر فوق البحر الأحمر»، مقالة في جريدة الاهرام، عدد 27/ 10/ 1972، ص3.
[67]- السماك محمد، «البحر الأحمر مسرح عربي إسرائيلي أو أميركي وسوفياتي؟»، مقالة منشورة في الأسبوع العربي، عدد نيسان/ أبريل 1977، ص11-13.
[68]- بيلي سيدني، «الحروب العربية الإسرائيلية وعملية السلام»، ص324.
[69]- السلطان عبد المحسن عبدالله، المرجع السابق، ص 187.
[70]- هلال علي الدين، «الأمن العربي والصراع الاستراتيجي في منطقة البحر الأحمر»، مجلة المستقبل العربي، العدد5، أيلول/ سبتمبر 1979، ص101.
[71]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص187.
[72]- الخوري راجح، «الشطرنج الأميركي-السوفياتي فوق قرن أفريقيا»، مقالة منشورة في مجلة الحوادث،1 آذار/ مارس 1977، ص29.
[73]- عليوة السيد، «سياسة اليمن في البحر الأحمر»، السياسة الدولية، السنة 14، العدد54، تشرين الأول/ أكتوبر 1978، ص107.
[74]- »موقف عربي موحد لدعم ثوار الصومال العربي والنضال الاستقلالي في إريتريا»، صحيفة الندوة السعودية، 6/ 9/ 1977، ص1.
[75]- نعناعة محمود، «إسرائيل والبحر الأحمر»، ص59.
[76]- المرجع عينه، ص 79.
[77]- مرجع عينه، ص112.
[78]- المرجع عينه، ص115.
[79]- البدري حسن والمجذوب طه، وزهدي ضياء الدين، «حرب رمضان: الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة»، تشرين الأول/ أكتوبر 1973، طبعة 4، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1974، ص 232.
[80]- نعناعة محمود، «إسرائيل والبحر الأحمر»، ص 100-102.
[81]- الشبيبي علي، «الصهيونية والبحر الأحمر وأفريقيا»، ص 69.
[82]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الاول، ص 271.
[83]- »منع العدو من احتلال جزيرة بريم»، مقال منشور في صحيفة الندوة السعودية، 21/ 2/ 1978، ص2.
[84]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 150.
[85]- يونس محمد، «القصة الكاملة للثورة في الصومال الغربي،مقالة منشورة في مجلة النهضة»، الكويت، 30 تموز 1977، ص23.
[86]- Ottway David, «Revolutionary Ethiopia is 3 years old», Washington Post, 8 October, 1977, PA13.
[87]- النفيسي عبدالله، «إريتريا: شأن جزيري عربي»، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، السنة2، العدد8، تشرين الاول1976، ص76.
[88]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الاول، ص262.
[89]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 205.
[90]- النفيسي عبدالله، المرجع السابق، ص 76.
[91]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص207.
[92]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الاول، ص263.
[93]- الاسلامبولي عبد الحميد، «تدويل البحر الأحمر مؤامرة ترفضها مصر»، ص 3.
[94]- «اتساع الشقة بين السودان وموسكو»، مقالة منشورة في جريدة الرياض(الرياض)، 14/ 6/ 1977، ص5.
[95]- السلطان عبد المحسن عبدالله، «البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي»، ص 214.
[96]- فهمي فوزية، «القرن الأفريقي: السلاح الاميركي يعيد التوازن الأثيوبي-الأريتري»، الوطن العربي، كانون الثاني/ يناير1980، ص31.
[97]- السلطان عبد المحسن عبدالله، المرجع السابق، ص216.
[98]- نعناعة محمود، «إسرائيل والبحر الأحمر»، ص 107.
[99]- «جيبوتي تطالب بتحويل المحيط الهندي والبحر الأحمر إلى منطقة سلام»، تصريح لحسن جوليد في مجلة الوطن العربي، 21-27 آذار/ مارس 1980، ص35.
[100]- حلمي نبيل أحمد، «أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي»، السياسة الدولية، السنة 14، العدد54، تشرين الأول/ أكتوبر 1978، ص 83.
[101]- النفيسي عبدالله، «إريتريا: شأن جزيري عربي»، ص 71.
[102]- أحمد أحمد يوسف، «الصراع العربي في البحر الأحمر»، سياسات البحر الأحمر والعلاقات العربية الإفريقية، مجلة السياسة الدولية، السنة 16، العدد59، كانون الثاني/ يناير 1980، ص19.
[103]- الشبيبي علي، «الصهيونية والبحر الأحمر وأفريقيا»، ص 57.
[104]- الخوند مسعود، «الموسوعة التاريخية الجغرافية»، الجزء الاول، ص271.
[105]- السنعوسي عبدالله ناصر، «متى يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية؟»، مقالة في جريدة السياسة الكويتية،19/ 3/ 1979، ص19.
[106] نعناعة محمود، «إسرائيل والبحر الأحمر»، ص 82.
The conflict over the Red Sea: the pre 1980 era
Since ancient times, the Red Sea and the Arabs of the Peninsula were entangled in the turmoil of the international conflict between the two great powers at that time or the West from one side and the Eastern forces of Iran on the other side. In contemporary history, the Red Sea remained as an important factor in local and international conflicts.
After the inauguration of the Suez Canal in 1869, the Red Sea fell directly under the influence of the colonialist and expansionist policy of the European States at that time such as Great Britain, France and Italy.
However, the Soviet Union and the United States emerged as two Great Powers after World War II and this fact enabled them to gradually replace these colonialist States in the Middle East and embarked upon a conflict and competed over the Red Sea to incorporate their influence in these regions and benefit from their strategic, political, geographic, economic features.
Since the 1980s, the international and Middle Eastern scene started witnessing immense political developments and events which greatly affected the region of the Red Sea. The Islamic revolution of Iran in 1978/1979 struck a heavy blow to the American strategy and western interests by eradicating the regime of the Shah. Afterwards, the events flowed in succession and a destructive war broke out between Iran and Iraq and lasted for 8 years (1980 – 1988). That war was followed by the Iraqi invasion of Kuwait in August 1990. In January 1991, the United States led an international alliance with the participation of the Arab countries and launched operation “Desert Storm” as retaliation to the invasion of Kuwait. The Operation resulted in the invasion of Iraq in March of the same year.
However, the year 1991 paved the way toward the arrival of the Soviet President Mikhail Gorbachev who introduced the Perestroika movement and led to the peaceful collapse of the Soviet Union and the dismantling of the world socialist system circuiting its orbit. It was completely natural that these international developments lead to immense repercussions in the Middle East which affected the countries in this region, especially those located on the coast of the Red Sea. These countries resorted, in light of these transformations, to modifying their political regimes as well as their military and economic policies.
Le conflit sur la Mer Rouge: la phase antérieure à l’année 1980
Depuis très longtemps, la Mer Rouge et les Arabes de la Péninsule Arabe se trouvèrent en plein conflit international entre deux grandes forces dans ce temps-là, les forces de l’Ouest d’une part et les forces de l’Est Iraniennes d’autre part. Dans l’histoire moderne et contemporaine, la Mer Rouge demeura un facteur important dans les conflits locaux et internationaux afin de la contrôler.
Après l’ouverture du canal de Suez en 1869, la Mer Rouge est devenue directement sous l’influence des politiques coloniales expansionnistes des Etats d’Europe dans ce temps-là: la Grande Bretagne, la France et l’Italie. Or les Etats-Unis et l’Union Soviétique devenus deux grandes puissances après la Deuxième Guerre Mondiale, remplacèrent graduellement ces états coloniaux au Moyen-Orient, et entrèrent dans le cercle du conflit et de la concurrence dans la Mer Rouge, pour incarner leur influence dans ces régions afin de bénéficier de leurs qualités stratégiques, politiques, géographiques et économiques.
Depuis les années 80 du 20ème Siècle, la scène internationale et celle du Moyen-Orient commencèrent à témoigner des événements et des développements politiques énormes dont les répercussions touchèrent la région de la Mer Rouge. En déracinant le régime du Shah, la révolution Islamique en Iran en 1978/1979, fut un désastre pour la stratégie américaine et pour les intérêts de l’Ouest. Les événements se succédèrent ensuite: une guerre féroce entre l’Iraq et l’Iran éclata tout de suite et dura huit ans (1980 – 1988), l’invasion irakienne du Koweït en Août 1990. Et en Janvier 1991 les Etats-Unis ont commandé une alliance internationale à laquelle ont participé les Arabes, et l’ont nommée «la tempête du désert». Cette guerre fut la réponse à l’invasion du Koweït, et qui finira par l’occupation de l’Iraq en Mars de la même année.
En 1991, l’arrivée du président soviétique Michael Gorbatchev avec la Perestroïka a mené vers l’effondrement pacifique de l’Union Soviétique, la dislocation du système socialiste international qui le tient. Il était normal que ces développements internationaux rapides auraient de grandes répercussions sur la région du Moyen-Orient et qui touchèrent les états de cette région, notamment ceux qui se trouvent sur les côtes de la Mer Rouge. C’est alors qu’à la lumière de ces changements, ces états ont modifié leur système politique et leurs politiques économiques et militaires.