- En
- Fr
- عربي
علاقات دولية
أثارت العلاقات بين الصين واسرائيل إهتمام العديد من الخبراء والسياسيين في العالم. فاسرائيل ليست مجاورة للصين، وهناك فوارق حضارية وأثنية هائلة تفصل بينهما. ومنطقيًا فإن اهتمامات الجانبين ينبغي أن تكون متضاربة، فاسرائيل تعتبر نفسها جزءًا من الغرب المعادي لحضارات الشرق وقيمه، بما في ذلك الكونفوشيوسية.
حليف الخصم
اسرائيل هي الحليف الأول للخصم التاريخي للصين أي الولايات المتحدة الأميركية، وهي تمارس اليوم سياسة تتعارض كليًا مع النهج الذي تتبعه الصين والقائم على دعم العدالة وقيم الحرية والسلام وحق الشعوب في تقرير المصير. ورغم هذا الاختلاف الكبير بين الجانبين، فإن العلاقة مع اسرائيل تحظى حتى الآن باهتمام خاص من جانب بكين. فمنذ أن بدأت بكين بتطبيق سياسة الانفتاح على الخارج والاصلاح من الداخل أواخر سبعينيات القرن العشرين، وتراجعت عن موقف التشدد الايديولوجي الذي شهده عهد ماوتسي تونغ، أرادت توجيه سياستها الخارجية نحو الغرب للاستفادة من رؤوس أمواله بغية النهوض بالاقتصاد الصيني الذي أنهكته تجارب ماو. ولكن الجليد كان قد بدأ يذوب خلال السنوات الأخيرة من حكم ماو، وتحديدًا مع الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس نيكسون إلى بكين في العام 1972، والتي انتهت بتصفية الخلافات حول تايوان من خلال توقيع بيان شانغهاي الذي تمسكت بموجبه واشنطن بسياسة الصين الواحدة. وبذلك زال من أمام اسرائيل أكبر عائق اعترض بناء علاقات متطورة مع الصين، والذي تمثل بالرفض الأميركي المستمر لقيام هذه العلاقات. والتقت المصالح الأخرى بين الدولتين من خلال العداء المشترك للاتحاد السوفياتي. فقد أدركت الصين أن إحدى أهم الوظائف التي أوكلت لاسرائيل، كانت مكافحة المدّ السوفياتي، وإضعاف علاقات موسكو مع الدول العربية. وفي هذا المجال التقت المصالح الصينية مع اسرائيل، حيث رأت الصين في الكيان الاسرائيلي حليفًا محتملا لإضعاف الاتحاد السوفياتي.
بدأت العلاقات الأمنية بين الصين واسرائيل منذ العام 1979, وفي العام 1980 جرت صفقة عسكرية بين الطرفين، فقد حصلت الصين على 54 طائرة مقاتلة اسرائيلية وعدة مئات من دبابات ميركافا، ومدافع ذاتية الحركة وعربات مدرعة وصواريخ جبرائيل المضادة للسفن، بالاضافة إلى مضادات الكترونية متنوعة، قدّرت قيمة الصفقة بحوالى بليون دولار.
أدركت اسرائيل أهمية تنويع علاقاتها وتحالفاتها مع القوى الكبرى، وأن نشاطها مع أوروبا وأميركا ليس كافيًا، وأن تحسين علاقتها مع الصين سيوفر لها ظروفًا أفضل للعمل في آسيا. أما من جهة الصين، فاتّسم نهجها الجديد بالتخلي عن سياسة التشدد والتطرف على الصعيد الخارجي، وتعميق البراغماتية ورفع شعار «مصالح الصين قبل كل شيء». وفي أواخر 1987 تحدثت مجلة «مينز « العسكرية الأسبوعية البريطانية عن اتفاق بمليارات الدولارات بين بكين وتل أبيب ، تزوّد اسرائيل بمقتضاه الصين كميات كبيرة من العتاد الحربي وتقنية صناعة الأسلحة، مقابل حصولها على الفحم والحرير من الصين، وذلك لفترة تراوح بين سنتين وخمس سنوات.
وفي كانون الثاني 1992 كرست العلاقات بصورة رسمية بين الطرفين، ووقّع وزيرا خارجيتيهما آنذاك، دايفيد ليفي وتشيان تشي تشنغ، بيانًا مشتركًا يعلن إقامة علاقات بينهما على مستوى السفراء.
تعاون علني وآخر سرّي
دخلت العلاقات الصينية - الإسرائيلية مرحلة جديدة من التعاون والتطور العلني على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، أما في المجال العسكري، فقد اتفق الطرفان على ابقاء تعاونهما بعيدًا عن الأنظار استنادًا إلى ما يأتي:
1- معارضة الولايات المتحدة الأميركية تزويد الصين الأسلحة والتقنية الحديثة، وتخوفها من أن تصبح دولة عسكرية كبرى.
2- خشية بكين من تأثر علاقاتها مع الدول العربية، إذا ما تسربت أنباء عن تعاونها العسكري مع اسرائيل.
3- مرونة السياسة الصينية وحرصها على النهج السلمي، وبالتالي فإنها بعدم اعلانها التعاون مع اسرائيل، تتجنب إحراجات كثيرة. أما في المجال النووي فربما كان هناك بين الجانبين تعاون سري أيضا.
لقد أدركت الحكومة الصينية أهمية إقامة علاقات وطيدة مع واشنطن، مع علمها أن هذه العلاقات عرضة لكثير من التقلبات والاضطرابات. لذلك اعتمدت إلى حد كبير على اللوبي اليهودي، فكلما احتدمت الخلافات بين بكين وواشنطن، تتحرك القوى الخفية لتبريد سخونة الخلافات أو إبعادها عن الأضواء تمهيدًا لحلّها. ومع انتخاب جورج بوش الابن رئيسًا لأميركا، كان احتواء الصين والحدّ من نفوذها المتنامي في طليعة اهتماماته. أصيبت إسرائيل بالهلع إزاء هذه السياسة، ذلك أن، العداء بين أميركا والصين يعني بداية النهاية للتعاون القائم بين بكين وتل أبيب في كل المجالات، ولا سيّما العسكرية منها. لكن أحداث 11 أيلول 2001 وفّرت الحل الملائم لإسرائيل. فقد سارعت الصين للإعلان عن تضامنها مع أميركا واستعدادها للدخول في تحالف معها في وجه الإرهاب.
ماذا تريد اسرائيل من الصين؟
يمكننا القول إنه على الرغم من العلاقات القائمة بين الصين واسرائيل، ثمة معلومات تمنع وصولها إلى مراحل متقدمة. أبرز هذه الكوابح التحفظ الأميركي من جهة والتخوف من تأثر العلاقات العربية – الصينية بشكل سلبي، من جهة أخرى. فالصين بحكم مصالحها الهائلة والمتشعبة مع العالم العربي، لا تستطيع تجاهل تأثير تعاونها مع اسرائيل على علاقاتها مع العرب، التي تضرب جذورها عميقًا في التاريخ، وترتكز على أسس تجارية وثقافية وسياسية متينة.
أخيرًا، إن ما يدفع الصين إلى الحفاظ على علاقتها مع اسرائيل والسعي لتطوير التعاون معها، هو حاجتها إلى تحديث قوتها المسلحة والنهوض باقتصادها عبر الاستفادة من التقنية الاسرائيلية ورؤوس الأموال اليهودية، واستغلال وجود اللوبي اليهودي في أميركا من أجل التخفيف من العداء للصين في السياسة الأميركية. والصين تبحث اليوم عن حليف قوي أو حلفاء أقوياء تستعين بهم في أوقات الشدة. أما بالنسبة لاسرائيل، فإن الأسباب الحقيقية لتوجهها نحو الصين، ما زالت غير واضحة تمامًا.