- En
- Fr
- عربي
العوافي يا وطن
لا يقاتل العسكري ليحصل على وسام. وسط نار المعركة يكون البقاء على قيد الحياة مجرّد احتمال، لكنّ الرجال يقاتلون. يقاتلون حتى الرمق الأخير لأنّهم يفكرون بما سيحصل إذا خسروا المعركة. يقاتلون لأنّهم يحملون آمال مواطنيهم ومصير وطنهم أمانة يصونونها بدمائهم وحرقة عائلاتهم.
لبنان اليوم في معركة، بل في حرب هي الأقسى والأبشع في تاريخه. مؤسسات تتحلل، قطاعات تهوي، العدو في صدر الدار، ومن أجل مصالحه تُقفل جميع أبواب الحلول.
اللبنانيون يناضلون للبقاء على قيد الحياة، على قيد الأمل بأنّ الكابوس سينتهي، أو على الأقل ينحسر، يتراجع قليلًا فيلتقطون أنفاسهم.
وحش الفساد تجاوز كل درجات الجشع وما عاد يرضى بأقل من الضربة القاضية. الوحش يصطاد ضحاياه على أبواب المستشفيات والصيدليات ومحطات الوقود، بعد أن امتص كل مقدراتنا والتهم جنى الأعمار وآمال الأجيال. استغاثة المرضى، صراخ الأطفال الرضّع، القهر المرصوص على الطرقات وفي البيوت، مشاهد عادية في الوطن المقيم على فوهة بركان.
ما العمل؟ ما الأمل الباقي؟
محليًا ودوليًا الإجماع واضح: المؤسسة العسكرية آخر ما تبقى من معالم الدولة البائسة. والرهان أن تستطيع هذه المؤسسة الصمود في وجه الرياح العاتية ليبقى لنا ما يتيح العبور إلى دولة حقيقية. الأمل بصمود المؤسسة العسكرية لتجنّب الانهيار الشامل الذي يطيح بالأمن والاستقرار ولا يُبقي على شيء.
وسط هذه المعمعة الرهيبة يخوض قائد الجيش العماد جوزاف عون حربًا شرسة للحفاظ على قدرة الجيش وحماية آخر ما تبقى من أمل بتجنيب لبنان الجرعة الأخيرة من الكأس المسمومة. سبقت زيارته إلى فرنسا اتصالات كثيفة بالأشقاء والأصدقاء طلبًا للمساعدة. فهو يُدرك أنّ كلفة حرمان الجيش من القدرة على الصمود أكبر من أن يتحملها الوطن. ليس سهلًا على من تقلّد الشرف العسكري أن يطلب مساعدة الخارج، لكن لا خيار آخر.
المغوار بطبعه ومسيرته قاوم كثيرًا، وسيستمر بالمقاومة في وجه عواصف السقوط الآتية من كل حدب وصوب، وفي وجه الأخطار التي يتصرف أهل السياسة كأنّها غير موجودة.
زيارة فرنسا بما تخللها من لقاءات وعرض صريح للواقع المرّ والأخطار المحدقة، وبما أسفرت عنه من نتائج، ليست سوى محطة من محطات الحرب التي يخوضها العماد جوزاف عون. سلاحه في هذه الحرب وفاؤه لقسمه وما يرتّبه هذا القسم من مسؤوليات، وسلاحه نزاهته وشفافيته وصراحته. وهذه الصفات يعرفها عنه القاصي والداني، وهي في أساس الثقة التي يحوزها محليًا ودوليًا.
أما هدف هذه الحرب فهو واضح ويدركه جميع الأوفياء لهذا الوطن، الهدف هو الحفاظ على ما يمكن البناء عليه لإعادة بناء الوطن.
نعم، العسكري حين يقاتل لا يفكر بالوسام الذي سيزيّن صدره، إنّه يفكر بالوفاء لعهد قطعه للوطن.
العوافي يا جيشنا.
العوافي يا عمادنا.
العوافي يا وطن.