- En
- Fr
- عربي
كلمتي
في كل سنة، في الأول من آب، قبل أيام وبعد أيام، بين الصغار وبين الكبار، درج اللبنانيون على الاحتفال بعيدهم الوطني، عيد الجيش، سواء من حيث أنه مقدمة لعيد الاستقلال، أو من حيث أنه تتمة له، والعيدان عزيزان، وولادتاهما متقاربتان في التاريخ (سنة 1943 وسنة 1945)، ولم تكن إحداهما لتتم لو لم تكن الثانية واعدة مثلها، ومؤملة مشرقة منيرة.
إلا أن للعيد هذه السنة مذاقاً خاصاً، ولعيد شهداء الجيش، الذي يسبقه بيوم واحد، هيبة متفرّدة، وجلال. ومشاعر المواطنين جيّاشة فوّارة في محبة جيش البلاد، وفي تقديس ذكرى شهدائه الذين تتواصل مسيرتهم ساعة بعد ساعة، والذي بات تراب الوطن، أمام بطولاتهم، يضجّ ويصرخ، ويرفع النبات الأخضر احتجاجاً:
أن كفى يا شهداء بلادي.
رويتم ذرّاتي وحبّاتي وجذوري.
آن للنزف أن يخفّ وأن يجفّ.
آن للعروق أن تنهي صبيبها، وآن لهذا الكَرَمْ، أن يتوقف عن الهدر الفيّاض.
لقد ارتوى الكَرْم، أن كفى يا شهداء بلادي.
يهب اللبنانيون في هذه السنة لمعايدة جيشهم قائلين له بالصوت العالي، والفم الملآن، والنبرة الواضحة، والعاطفة الجيّاشة: الأرض لَكْ، والعيد لَكْ. ثقتنا بك تترسخ وتضحياتك بالمقابل تزداد، وإشراقات الأمل في بلادنا تكبر وتستمر.
أما ثوب العيد فقد توحّدت ألوانه وتكاملت وازدانت خيوطه ترابطاً بعد ان التقى أبناء الوطن على محبة جيشهم، فلعل القضية الوطنية الكبرى لا تحتاج الآن في أذهانهم الى أي نقاش، ولعلّ المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية قد شغلتهم عن كل مسألة فردية، ولعل الوقفات الشجاعة لأهالي الشهداء وعائلاتهم، وصبرهم الجميل، ورباطة جأشهم، واستعدادهم لمواصلة تقديم الأبناء أبطالاً على مذبح الوطن، قد أسكتت كل كلام، وأوقفت كل لهو، وأنهت كل مضيعة للوقت أو تلاعب بالمصير.
ليس جديداً يا جيشنا أن ترى هذه الوحدة تشع حولك، وتترسخ على وقع أقدام جنودك، فإن الأصالة ما زالت خيّرة مباركة في بنات أمتك وأبنائها، وإن ما تقدمه من تضحيات ينبّه ما غفا من الضمائر، وما غاب من القيم والمآثر.