- En
- Fr
- عربي
تحقيق عسكري
بين آب 2014 واليوم، تغيّر المشهد بشكل جذري في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع.
تلك الجرود التي كانت تعجّ بألوف الإرهابيين، باتت اليوم مقبرة لهم ولمخططاتهم الجهنّمية. دماء الشهداء وبطولاتهم، الثبات والعزم وحسن التخطيط، العديد من العمليات النوعية الجريئة، تحصين المراكز وبناء الاستحكامات، السهر الدائم، والإيمان بالوطن...، عوامل جعلت الجيش يمتلك زمام المبادرة، ويعلن أنّ حدودنا مقفلة في وجه الإرهاب...
العميد الركن محمد الحسن قائد لواء المشاة الثامن، يحدّثنا عن الجهود والتضحيات التي بذلها الجيش وما زال، لمسك الوضع وحماية لبنان من خلال حماية حدوده الشرقية، ويلقي الضوء على أهم التدابير والإجراءات التي تنفّذ لتضييق الخناق على المجموعات الإرهابية وإفشال خططها.
رواسب الماضي والوضع الطارئ
لم يكن إقفال الحدود بالأمر اليسير، فمن المعروف أنّ الحدود الشرقية والشمالية، وبسبب عدّة عوامل، منها الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي، كانت تشهد حركة عبور غير شرعي عبر الكثير من المعابر والمنافذ، مع ما يرافق ذلك من تهريب وسواه... هذا الواقع فرض بذل جهود استثنائية وعلى مرّ السنوات الماضية، لإقفال المعابر غير الشرعية، خصوصًا بعد تفاقم الأزمة في سوريا، وما خلّفته من تداعيات.
يتحدّث العميد الركن الحسن عن الوضع الأمني الذي شهدته الحدود الشرقية منذ سنوات، ما حتّم على الجيش اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة خطر الإرهاب. فعلى أثر الأحداث السورية نزح إلى عرسال عدد كبير من السوريين (حوالى 120 ألف شخص)، وتوجّه حوالى 9 آلاف مسلّح إلى جرودها وانتشروا على مساحة 1200 كلم2 من أراضيها الجردية. وقعت عدّة حوادث، وتعرّض الجيش اللبناني لاعتداءات من الإرهابيين الذين تغلغلوا بين النازحين محاولين النفاذ إلى الداخل، وتنفيذ مخططهم الإجرامي، الذي ما لبثت معالمه أن اتضحت.
حرب مفتوحة
دخل الجيش في حرب مفتوحة ضدّ الإرهاب التكفيري، فتصدّى لمحاولات إشعال الفتنة المتكرّرة، وقضى على العديد من المجموعات الإرهابية في أكثر من منطقة، تارة عبر مواجهات مباشرة وتارة عبر عمليات الرصد والمتابعة والتعقّب.
على الحدود الشرقية، اتّخذت تدابير وإجراءات حاسمة من خلال نشر القوى وتعزيزها وتحصين مراكزها وتجهيزها بالعديد والعتاد اللازمَين. نفّذت القوى المتمركزة في القطاع عمليات نوعية دقيقة شارك فيها إلى جانب اللواء الثامن، وحدات من فوج التدخل الخامس، فوج الحدود البرية الثاني، سرية من فوج المدرعات الأول، مجموعة مدافع مباشرة من فوج المدفعية الثاني، والفوج المجوقل. تمركزت هذه القوى في كامل قطاع المسؤولية وقامت باحتلال نقاط حاكمة، إضافة إلى إقامة مواقع محصّنة مترابطة ومتشابكة بالنيران في ما بينها، بغية قطع الإمداد اللوجستي والتموين على المسلّحين، وعزل عرسال عن أماكن وجودهم في الجرود.
الوضع الحالي
نفّذ العسكريون مهماتهم بثبات مزوّدين أوامر واضحة: إطلاق النار على أي مسلح يظهر ضمن مدى أسلحة الوحدات المقاتلة، والإفادة لاحقًا. كذلك، تمّ استحداث مسالك عسكرية بعيدة عن مرمى نيران الإرهابيين، ما أتاح ربط المراكز العسكرية بشبكة طرقات، والتنقّل في ما بينها من دون التعرّض لأي خطر.
وتمّ بالتوازي نصب الكمائن على مختلف محاور التسلّل التي تربط عرسال بجرودها، ما أدّى إلى القضاء على عدد كبير من الإرهابيين وإلقاء القبض على المئات منهم، حتى بات عددهم لا يتجاوز الألف عنصر ولا تتعدّى بقعة انتشارهم الـ50 كلم2. وبهذا عُزِل المسلّحون عن الحاضنة الشعبية المتوافرة في مخيمات النازحين، وتمّ تأمين الحماية للقرى اللبنانية.
كذلك، نفّذت الوحدات عمليات نوعية داخل بلدة عرسال وفي محيطها وأوقفت أخطر المطلوبين، فأصبحت البلدة آمنة، والمؤشر الأصدق على ذلك كان إجراء الانتخابات البلدية فيها من دون أي حادث يُذكر.
من المعلوم أن العناصر الإرهابية التي واجهها الجيش في الجرود والمنتمية إلى جبهة النصرة، وتنظيم داعش، تنتشر في مراكز غير معروفة في الجرود، وتستغلّ الغرف الزراعية والمغاور لإيواء عناصرها، وهي لا تتبع تنظيمًا معينًا، وتعتمد الهجوم العشوائي المباغت وخصوصًا على النقاط المعزولة.
نتيجة للإجراءات التي ينفّذها الجيش، تعاني هذه المجموعات صعوبة الحصول على الإمداد اللوجستي، وبالتالي فإنّ كميات الذخيرة محدودة لديها. كذلك، لا يملك المسلّحون القدرة على القتال ليلاً، أسلحتهم فردية ومتوسطة ويملكون مضادات أرضية، هواوين متعدّدة العيارات، راجمات قصيرة المدى، صواريخ م/د كورنيت- كونكورس، إضافة إلى الأحزمة الناسفة والقدرة على التفخيخ.
يؤكّد العميد الركن الحسن أنّ الجيش يمسك بالوضع، ويقول: من خلال إجراءات السيطرة وتدابير الحيطة التي اتخذناها، استطعنا تكبيل حركتهم وإفشال مخطّطاتهم والحدّ من تأثيرهم على الداخل اللبناني.
كفاءة والتزام
على الرغم من دقة المهمة وخطورتها، فمن الواضح أنّ اللواء ينفذها بكفاءة عالية، وفي هذا السياق يوضح العميد الركن الحسن، أن المبادئ الأساسيّة التي تحكم أداء العسكريين، هي: أولاً، التضحية ونكران الذات، كونهما من المسلّمات في الحياة العسكرية. ثانيًا، إرادة القتال، فنحن نمثّل الشرعية التي تقاتل إرهابيين غرباء عن كل القيم والأخلاق الإنسانية، ولن نسمح لهم باستهداف وطننا. وثالثًا، نحن نعمل تحت مستوًى عالٍ من المخاطرة، فالإنجازات لا تتحقّق إلّا بالمخاطرة التي ميّزت كل المهمات التي نفّذناها، من الكمائن إلى الاحتكاك المباشر بالمسلحين ومداهمة أخطر المطلوبين.
تذليل الصعوبات العملانية
خلف هذا الإنجاز والانتصار على شرّ الإرهاب، عسكريّون جابهوا الصعوبات العملانية بعزم وثبات... فطبيعة الأرض الجبلية ووعورتها وطقسها القاسي، سبّبت صعوبات جمّة، في المراقبة (خصوصًا في العمق)، وتحديد الأهداف، كما حدّت من فعالية رمايات المدفعية وزادت من أعطال الآليات... لكن، على الرغم من كل ذلك، تقدّموا واحتلّوا النقاط الحاكمة وشلّوا حركة الإرهابيين، مستخدمين العتاد المتوافر بأنسب الطرق وأكثرها فعالية. اليوم بات الوضع أفضل بكثير لناحية العتاد، فقد حصلت الوحدات على دعم دولي أمّن أنظمة مراقبة واتصال، وعددًا من الآليات الحديثة، وفّرتها الهبات الأميركية والهولندية والدانمركية والبريطانية...
أبناء المؤسّسة وأهلها
بين شباط 2013، تاريخ تعرّض الجيش اللبناني للاعتداء داخل عرسال واستشهاد الرائد بيار بشعلاني ورفاقه، وآب 2014، تاريخ معركة عرسال ضدّ الإرهاب، اختلفت الصورة. فالبلدة التي كانت مأوًى لإرهابيين اعتدوا على الجيش، هي كما يؤكّد العميد الركن الحسن، «بلدة وطنية بامتياز»، ينتمي عدد كبير من أبنائها إلى المؤسسة العسكرية. ويضيف: استطعنا من خلال الإجراءات التي قمنا بها، أن نعيد عرسال إلى حضن الدولة وإلى حضن المؤسّسة العسكرية، وأكبر دليل على ذلك تعاون أهاليها مع الجيش لإلقاء القبض على الإرهابيين، وحماية الوحدات العسكرية.
في المرصاد!
اليوم باتت الحدود الشرقية وحدة متماسكة يسهر الجيش اللبناني على أمنها، من خلال إجراءات حيث يتمّ رصد التحركات بعدة وسائل، أبرزها: الوحدات المنتشرة ميدانيًا، الاستطلاع الجوي، الرادارات وكاميرات المراقبة والمناطيد المتوافرة في القطاع، والتقارير الأمنية والتعامل الفوري مع أي ظهور للمسلّحين، بالأسلحة المناسبة. كما تتابع الوحدات تنفيذ الدوريات المؤلّلة لرصد التحركات المحتملة للإرهابيين داخل مخيمات النازحين وبين المدنيين. كذلك, تقوم بدهم الأماكن المشبوهة وتفتيش السيارات على جميع الحواجز لمنع أي عملية تهريب.
ومع انعدام العمل الميداني للإرهابيين تقريبًا، يركّز اللواء على التصدّي لأي خطر محتمل وخصوصًا العمليات الانتحارية الفردية والعبوات الناسفة، كما حدث في بلدة القاع. كذلك، تعمل الوحدات على تضييق الحصار المفروض على المسلّحين واستهدافهم بالعمق من خلال المتابعة اليومية للإجراءات الميدانية وتعزيز التحصينات وتعهّدها، وبذلك يتمّ إبعاد خطرهم وتأمين أفضل ظروف الخدمة والأمان للعسكريين.
وفي كلمة أخيرة يؤكّد العميد الركن الحسن: في تنفيذنا للمهمات الموكلة إلينا، نحن نحرص دومًا على التزام القانون الدولي الإنساني، انطلاقًا من المناقبية التي طالما عُرف بها جيشنا.
شعار اللواء الثامن
يتألّف شعار اللواء من درع قاعدته وميض البرق، وسيف قبضته أرزة يتوسطه الرقم /8/. ويرمز الشعار إلى أن اللواء الثامن هو الدرع الحصين في الدفاع عن الوطن، وسيف الحق القاطع في مواجهة العدو، والبرق الخاطف في سرعة التنفيذ من أجل خلود لبنان وأرزه.