- En
- Fr
- عربي
قضايا إجتماعية
إنّه إنسان مكسور يحتاج إلى التفهّم والعلاح
العنف الأسري أحد أهم أسباب الإدمان
على الرغم من حملات التوعية التي تقوم بها جمعيات مكافحة المخدرات والتي تبيّن حجم الخطورة النفسية والجسدية والاجتماعية للإدمان على المخدرات، وعلى الرغم من العقوبات التي تفرضها القوانين على المتعاطين والمروّجين، ما زالت هذه المعضلة الاجتماعية تسرطن المجتمع اللبناني بمختلف فئاته وطبقاته.
وفيما تستمرّ الأجهزة الأمنية في ملاحقة المروّجين والمتعاطين، تواصل الجمعيات المختصة بذل جهودها للحدّ من حجم هذه الافة، عبر التوعية من جهة، ومعالجة المدمنين من جهة أخرى.
مريض وليس مجرمًا
جمعية شبيبة لمكافحة المخدرات، والتي تأسست خلال التسعينيات، هي إحدى الجمعيات العاملة في هذا المجال، ومسؤولة العلاقات العامة فيها، جويس سالم التي ألّفت كتابًا حول الموضوع، تتحدث إلى «الجيش».
بدايةً تشير سالم إلى أنّ المجتمع اللبناني ينظر إلى المدمن وكأنّه مجرم، مع العلم أنّ المدمن هو إنسان مريض، ضعيف الشخصية، يؤذي نفسه بنفسه، وبالتالي هو بحاجة إلى علاج، ومتابعة ما بعد العلاج، وهذا يتطلّب مجهودًا من الأهل.
تستقبل الجمعية مدمنين، وتوفّر لهم العلاج، لكن عملها هذا يقتصر على الذكور، أمّا الفتيات فهنّ بحاجة إلى مركز منفصل، ما يعيقها حتى الآن عن فتح باب العلاج أمامهنّ.
الأسباب
عن أسباب لجوء الشباب إلى الإدمان على المخدرات، تقول سالم بأنّ الدراسات تؤكد وجود أسباب جينية تدفع إلى التعاطي، في حين أنّ الواقع والتجربة يبيّنان أنّ الخلافات الأسرية داخل المنزل هي السبب الرئيسي لإدمان المخدرات، وتحديدًا العنف الأسري. فالطفل الذي شاهد مثلًا والده يقوم بتعنيف أمه جسديًا وكلاميًا، ينتفض عندما يكبر، وقد يلجأ إلى المخدرات التي برأيه تجعله قويًا، وقادرًا على الثأر لأمّه، كذلك تعرّض الطفل لاعتداء جنسي قد يؤدّي إلى الإدمان.
الدلال الزائد للطفل، والإفراط في حمايته، وعدم اهتمام الأهل بأولادهم وإيجاد وقت للجلوس معهم والاستماع إلى همومهم ومشاكلهم، هي عوامل قد تدفعهم لاحقًا إلى الادمان.
وتضيف: يجب التمييز بين الحرص في التربية وبين التشدّد، فالقسوة الزائدة في معاملة الولد، وإخضاعه لأوامر أهله يجعل منه انسانًا خائبًا مكسورًا، يعاني مشكلة مع ذاته، ممّا يخلق لديه حالة من التمرّد على الواقع، وبالتالي قد يلجأ إلى تعاطي المخدرات. البعض مثلًا يعتبر أنّه اذا تعاطى مادة الهيرويين يصبح بطلًا، لأنّ الكلمة مشتقّة من «Hero».
يضاف إلى ما سبق، تمييز الأهل بين ولد وآخر في العائلة، أو المقارنة بينهما، ممّا يشعر الطفل غير المرضي عن سلوكه، بأنّه منبوذ، حتى من عائلته.
وتحذّر سالم هنا من أنّه في حال شعر الأهل بأنّ ولدهم يعاني رفض رفاقه في المدرسة والنظر إليه على أنّه منبوذ، عليهم أن يعالجوا الأمر على الفور، وينقلوا ولدهم إلى مدرسة أخرى.
مؤشرات تستدعي الحذر
في ما خصّ كيفية معرفة الأهل بتعاطي إبنهم، تشير سالم إلى تصرفات غريبة تصدر عن المدمن، كالرغبة في الإنعزال والوحدة وظهور أصدقاء جدد، فضلًا عن الإنفاق غير المبرّر للمال، علمًا أن المدمن يمكن أن يسرق أهله لشراء المخدرات.
وتضيف: أحيانًا يكون الأهل آخر من يعلم، من الضروري مراقبة الأولاد والتنبّه إلى التصرّفات الغريبة التي تصدر عنهم.
هل يؤدّي العلاج الى شفاء المدمن؟
تقول سالم إنّ نسبة الشفاء لا تصل إلى 100%، وإنّ الصعوبة تكمن في المرحلة الأولى، لأنّها تتطلّب إقناع المدمن بأنّه مريض وبحاجة إلى مساعدة وعلاج ومتابعة، وإلاّ فشل العلاج. وهنا، يبدأ التعاون والتواصل بين الجمعية والأهل، بحيث نعرض المدمن على معالج نفسي يقنعه بضرورة العلاج ونستقبله في مركزنا (في جونية)، وبعدها ينتقل إلى مركز المعالجة (في الغينة) لمدة سنة كاملة، مقسّمة إلى ثلاث مراحل. في الأشهر الثلاثة الأولى ينقطع المريض عن العالم الخارجي، ويكون برفقة المعالج النفسي والمرشدة الاجتماعية والمرضى الموجودين معه.
أمّا المرحلة الثانية، فتتطلّب أيضًا ثلاثة أشهر يُسمح خلالها للمريض بزيارة أهله مرة في الأسبوع، برفقة مدمن سبق له أن عولج لفترة في المركز، وما زال يتابع العلاج.
الهدف من هذه الخطوة هو تشجيع المريض على متابعة العلاج، ومرافقة مريض آخر له تمدّه بالدعم المعنوي، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على الطرفين.
تأمين الانخراط الاجتماعي
توضح سالم بأنّ التعاطي مع أهل المدمن يتطلب أيضًا مجهودًا، وحتى بعد خروجه من مركز العلاج، لأنّه بحاجة إلى متابعة واهتمام. ولهذا السبب وجد «مركز الأب بشارة» في الشياح. فقد أنشىء هذا المركز بهدف تأمين الانخراط الاجتماعي للمدمن، لأنّه بحاجة إلى مجتمع آخر مختلف عن المجتمع الذي كان ينتمي إليه عندما كان مريضًا. مرحلة الإنخراط الإجتماعي هي المرحلة الثالثة في العلاج، والتي تؤمن للمريض بيئة داعمة، فهو بحاجة إلى تقدير المحيطين به وتشجعيهم، كي لا يعود إلى الدخول في عالم المخدرات مجددًا. وهناك الكثير من المرضى ينهون العلاج، ومن ثمّ يعودون إلى الإدمان، ويقعون في ما يعرف بـ«الانتكاسة». فالإدمان ينام في الدماغ ومن ثم يستفيق، ومن هنا، فإنّ المريض الذي يلجأ إلى الجمعية يبقى سنة تحت اشرافنا.
الأكثر استهلاكًا
تؤكّد الدراسات أنّ «حشيشة الكيف» هي الأكثر استهلاكًا من بين المواد المخدّرة، كونها متوافرة بأسعار متدنية. والمشكلة أنّ وسائل الإعلام تجعل في أحيان كثيرة من «التحشيش» مادة للضحك والسخرية، وتتناول تعاطي الحشيشة وكأنّه ظاهرة طبيعية لدى شريحة كبيرة من النّاس. المدمن في هذه الحالة يشعر أنّه على صواب في ما يقوم به.
يجب أن نعي أنّ من يتعاطى المخدّرات يعيش حياة محفوفة بالآلام النفسيّة والعذاب، وعلى المجتمع أن يتقبّله ويساعده بالتالي على العلاج.
أمّا المواد المخدّرة الباقية، فتستهلك بنسب مختلفة وفق التسلسل الآتي: هيرويين، كوكايين، وحبوب مخدّرة. وتكشف سالم عن أنّ حبوب الـ tramal التي يحصل عليها المدمن أحيانًا، من دون مراقبة، تسجّل نسبة لا يستهان بها مقارنة بالمواد المخدّرة المذكورة آنفًا، ولكن لا احصاءات حتى الآن تثبت نسبة الإقبال عليها، إلّا أنّ ثمّة ما يشير إلى ارتفاع هذه النسبة، كذلك فإن الدواء المضاد السعال يستخدمه المدمنون أحيانًا كنوع من أنواع المخدرات.
...الأكثر إقبالًا
يتوزّع المدمنون وفق الفئات العمرية كالآتي:
- 20% 20 سنة وما دون.
- 40% بين 20 وما دون 30 سنة.
- 15% بين 31 و40 سنة.
- 10% بين 41 و50 سنة.
- 12% بين 51 و60 سنة.
- 4% أكثر من سنة 60 سنة.
وإذا نظرنا إلى المدمنين وفق المستوى المعيشي، فإنّ الإحصاءات تشير إلى الآتي:
- 28% من الطبقة الغنية.
- 25% من الطبقة المتوسّطة.
- 47% من الطبقة الفقيرة.