- En
- Fr
- عربي
المسؤولية المدنية للجامعة
المقدمة
ثمة حركة عالمية بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، أي بعد نهاية الحرب الباردة، نحو إعادة تقوية الطابع الإنساني أو المدني أو الفكري أو الديمقراطي في التعليم العالي الذي بدأ يفقده بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الحركة سببها نزعة فيه تتنامى نحو الأنانية ومنطق السوق و"البزنس".
أما البلدان العربية فقد خصّها التاريخ مؤخرًا بربيع عربي تمخض عن تحولات ديمقراطية ولا ديمقراطية، وعن نزاعات عنيفة في عدد من البلدان تم فيها توليد أشدّ أنواع السلوك اللامدني واللاإنساني واللاديمقراطي فتكًا بالبشر والحضارة. ليس التعليم العالي ولا التعليم عمومًا هو السبب. لكن المؤامرات والأحداث السياسية والطبيعية على السواء لا تفعل فعلها إلا في بيئة "عميقة" تتلقفها وتستثمر فيها، والتعليم هو جزء من هذه البيئة. إن البحث في الدور المدني للتعليم العالي، بالإضافة إلى الدورين التعليمي والبحثي، هو موضوع يستحق البحث والتفكير في بلداننا. التفكير بالمسؤولية المدنية للجامعات ما هو هنا إلا باب يستحق أن يُطرق، إذا أردنا أن لا نكتفي بالتسويات السياسية التي تترك المجتمعات مفخّخة بالنزاعات التي لا تحلّ إلا بالعنف. أما إغلاق العقل المدني فيطيح، مع سيلان العصبيات، بكل الجهود التي بُذلت سابقًا في التعليم العالي نفسه تحت عناوين مثل"توفير فرص التعليم العالي" و"تحسين الجودة".
أولاً: المشكلة المطروحة
قضت الدول العربية المرحلة الممتدة من الخمسينيات والستينيات، تاريخ استقلال معظمها، حتى نهاية التسعينيات وهي منشغلة بنشر الجامعات والمعاهد العليا لتوفير فرص التعليم العالي. وقد ارتفعت فعلاً بصورة ملحوظة نسب الالتحاق بالتعليم العالي. لكن مع الوصول إلى التسعينيات، تبيّن أن الالتحاق الجامعي مازال محدودًا فأطلقت البلدان العربية العنان للتعليم الخاص[1]، وأدّت هذه السياسة إلى زيادة مؤسسات التعليم العالي بصورة ملفتة وإلى زيادة عدد طلابه خلال العقد الأخير (الأمين، 2008).
المشكلة التي بدأت تظهر إلى العلن إثر التوسّع في التعليم العالي هي مشكلة النوعية. وقد أثيرت هذه المشكلة مع انطلاق التعليم الخاص، لأن هذا التعليم ينزع إلى إعطاء الأولوية لكسب الربح، لكن إثارة مشكلة رداءة النوعية ما لبثت أن شملت التعليم الحكومي، الذي تقلّ موارده، ويكثر طلابه، وتعج صفوفه وتنقص تجهيزاته وتتقادم. فكان الحل بإنشاء هياكل لضمان الجودة[2]. لكن تجربة السنوات العشر الأخيرة بيّنت أن هذه الهياكل لم تحدث فروقًا تذكر. وقد تبيّن أن أهم عامل يفسّر المشكلات المستمرة للنوعية هو كيفية تسيير الجامعات أو ما يسمى بالحكامة (governance) (الأمين، 2014).
هذا في التعليم. أما في البحث العلمي فما علينا سوى الاطلاع على التصنيفات الترتيبية (rankings) الدولية للجامعات وموقع الجامعات العربية فيها، لأن هذه التصنيفات مبنية على المعلومات المتاحة عن النشر العلمي.
ففي تصنيف شانغهاي لأفضل خمسمائة جامعة في العالم، ظهرت أربع جامعات عربية فقط في العام [3]2012 (من أصل حوالى 450 جامعة)، علمًا بأن هناك شكوكًا تطلق حول ظروف تصنيف بعضها، بينما ظهرت سبع من أصل عشر جامعات في إسرائيل.
في هذين البعدين (التعليم والبحث) كانت تثار قضايا التعليم العالي في البلدان العربية عشية "الربيع العربي" (2011). لكن هذا الربيع وما تلاه من أحداث في عدد من البلدان العربية كشف بعدًا آخر للتعليم العالي العربي، نسميه البعد المدني.
لقد بدأت ثورات الربيع العربي في جميع البلدان العربية بمظاهرات سلمية. ومن تابع أخبار هذا "الربيع" في التلفزيون والصحف يكشف الوتيرة العالية لاستخدام مفاهيم مدنية تتعلّق بالديمقراطية وحق المواطنين في المشاركة واستعادة الكرامة بعد عقود من الاستبداد السياسي. المظاهرات كانت شبابية بالدرجة الأولى، منهم الجامعيون، أكانوا طلاباً أو متخرجين، كالنقابيين وأصحاب المهن أو العاطلين عن العمل. كان المتظاهرون شريحة إجتماعية نشطة وناقمة أكثر مما كانوا حزبًا أو تيارًا سياسيًا، فالأحزاب غير موجودة أصلاً في أنظمة الحزب الواحد التي شهدت هذه الثورات، باستثناء مصر، التي التحق فيها حزب الأخوان المسلمين لاحقًا بالثورة واضطر أن يرفع الشعار البسيط والقوي نفسه: "الشعب يريد تغيير النظام"، من دون زيادة "إسلامية" أو نقصان. ومن يقرأ مذكرات وائل غنيم (غنيم 2012) عن تلك المرحلة في مصر لا يجد أي كلمة تحمل معنى سياسيًا حزبيًا، ولو أنه يعتبر نفسه مسلمًا مؤمنًا، ويجد أن شبكة اتصالات غنيم تضمّ طلابًا جامعيين أو متخرجين جدد من جامعات القاهرة والإسكندرية والجامعة الأميركية في القاهرة. وتضمّ أيضًا أساتذة في هذه الجامعات ومفكّرين كانوا على تواصل مع الشباب.ومن المعروف أن أول مطلب رفعه الطلاب والأساتذة بعد الثورة في كل من مصر وتونس هو اختيار رئيس الجامعة وعمدائها ورؤساء الأقسام فيها عن طريق الانتخاب. وكان لهم ذلك في صيف العام 2011، أي بعد أشهر قليلة على سقوط حسني مبارك وبن علي [4].
ما نودّ أن نخلص إليه هو أن التعليم العالي الذي كان يدار في حقبة "الاستبداد" أنجب شريحة ناشطة من المدنيين "الديمقراطيين" الذين ساهموا في صنع حقبة "الربيع". قد تبدو الفكرة متناقضة شكلاً. لكنها تقوم على الافتراض المزدوج الآتي:
1) إن الانخراط في التعليم العالي، يعرّض مرتاديه لمواد وأفكار ومهارات معرفية وقيم وعلاقات وأفكار "مدنية" بسبب العناصر المدنية في المناهج الجامعية وبسبب الاختلاط بين طلاب وأساتذة متنوّعين ومنهم حملة أفكار ملهمة للطلاب.
2) إن المخزون المدني المتكوّن من التعليم العالي، أو من مصادر أخرى، يتفاعل مع السياق السياسي والاجتماعي، فينمو أو يتقلّص. هذان الأمران يفسّران الفروق الملموسة بين تونس ومصر مثلاً، أو بينهما وبين كل من السودان أو إيران أو السعودية، لجهة مناهج التعليم في الجامعات وجملة المخزون المدني المتوافر في المجتمع، من حيث المدى والنطاق.
إلا أن هذه الفكرة، فكرة مساهمة أهل التعليم العالي في الربيع العربي بصورة ما، لا تعني إقامة علاقة سببية بين التعليم العالي والثورة، ونحن لسنا بصدد البحث في هذا الموضوع أصلاً، كما فعل البعض عندما ربط أحداث العام 2011 بأزمة بطالة خريجي التعليم العالي (2012 Campante, F. R., &Chor, D) إنها تعني فقط أن التعليم العالي يتضمن بعدًا مدنيًا، غير بعدي التعليم والبحث، وأن "الربيع" كشف وجود المخزون المدني المتكوّن في فترة ما قبل هذا الربيع.
لكن ما حدث بعد ذلك، في ما يسمى أحيانًا بـ"الخريف العربي" أو غيرها من الأسماء السلبية، كشف ضعف المخزون المدني في عدد من المجتمعات العربية أمام مخزون آخر عميق تراكم عبر الزمن. ما حدث كما هو معروف تحوّل المظاهرات السلمية (المدنية) إلى نزاع وعنف مسلّح في كل من سوريا واليمن وليبيا، وإلى الاقتراب من حافة العنف في مصر. أما الوضع في تونس مازال حذرًا على الرغم من السير الحثيث باتجاه إرساء نظام ديمقراطي.
ثمة من يعتقد أن هناك مؤامرات خارجية هي التي حوّلت الأمور إلى تسلط ونزاعات مسلّحة دموية في عدد من هذه الجمهوريات الخمس. لكن المؤامرات والأحداث السياسية الطبيعية على السواء لا تفعل فعلها إلا في بيئة "عميقة" تتلقفها وتستثمر فيها. وهذه البيئة يصنعها تاريخ هذه المجتمعات والأدوار التي تضطلع بها مؤسسات التنشئة وتكوين النخب.
القضية التي نحن بصددها هنا هي البعد أو الدور المدني للجامعات. والسؤال الذي يشغلنا هو الآتي: ما مكانة الثقافة المدنية في الجامعة في البلدان العربية اليوم؟ ويتبعه سؤال ثان هو: ما فرص بناء الثقافة المدنية أو تطويرها لدى خريجي الجامعات في المستقبل، إذا ما شاءت الدول التي تعيش مخاض التحوّلات أن تعزّز التسويات السياسية التي يمكن التوصّل إليها، بتوجهات في تكوين النخب الجامعية ترسّخ الثقافة المدنية في المجتمع، بما يؤسس لديناميكيّات تماسك اجتماعي وتطوّرات بناءة سلمية؟ نحن الآن لسنا بصدد الإجابة عن هذين السؤالين، لأن هذه الإجابة تتطلّب متابعة البحث استقصائيًا في البلدان العربية. ما نودّ أن نخوض فيه هنا هو ماهية البعد المدني في الجامعة، إذ لا يصح الخوض في مغامرة البحث عن الثقافة المدنية في الجامعات العربية من دون أن نعرف أولاً ما الذي نفتش عنه. هناك سببان لاهتمامنا بهذه القضية، يجب ذكرهما توضيحًا لخلفية هذه الورقة ونطاقها.
السبب الأول مدني، باعتبارنا مواطنين لبنانيين وعربًا. ذلك أن الاستمرار في إدارة شؤون بلادنا بالطريقة التي أديرت فيها خلال الخمسين سنة الأخيرة والتي حقّقت إنجازات على المستويين الكمّي والنوعي بمقدار معيّن أوصلت إلى فشل ذريع على المستويين المدني والسياسي ما يطيح اليوم ليس بمعدّلات الالتحاق الجامعية ونوعية التعليم بل بالبشر أنفسهم وبالثروة وبالتراث، لدرجة أنه يمكن القول أن بلدانًا عربية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا قد تراجعت في ثلاث سنوات، عشرات السنين إلى الوراء، في مقياس التعليم وغيره.
والسبب الثاني أكاديمي أو سوسيولوجي، ذلك أن التعليم العالي هو أفضل قطاع يمكن المراهنة عليه في مسيرة التغيير والبناء للمستقبل، وهو أمر متعارف عليه عالميًا( 2011 Millican, J., &Bourner, T). كل نظام تعليمي، من الابتدائي إلى الجامعي، هو من حيث المبدأ مؤسسة سياسية (1990,Rocher). لكن ميزة التعليم العالي أنه يضمّ النخب الفكرية (الأساتذة) التي يقع عليها أصلاً عبء توليد الأفكار التطويرية، ويضم نخبة الشباب الذي يتوق إلى التغيير وإلى تبني القيم التي تقوم على الاستحقاق والمساواة والعدالة الاجتماعية. والتعليم العالي هو الذي يضخ النخب الاجتماعية في المجتمع بشتى فئاتها ودرجاتها، من المعلمين الذين يعلّمون في مدارس التعليم العام إلى الإعلاميين والقيادات الإدارية الاقتصادية والسياسية. وبالتالي فإن أفضل من يمكن البحث معهم في الموضوع المدني هم أهل التعليم العالي (أساتذة وطلابًا وقيادات).
ثانيًا: مقاربات المسؤولية المدنية
السؤال عن البعد المدني للتعليم العالي ليس سؤالاً عربيًا بالأساس وسنبيّن لاحقًا أنه موضوع صافٍ عربيًا. هو موضوع فكري عالمي أساسه أن الجامعة لا تخّرج فقط أصحاب مهن بل مواطنين منخرطين في الحياة المدنية (2009: 111-112,Heatcher et al). وهناك مصطلحات متعدّدة تدل إلى هذا البعد: المسؤولية الاجتماعية، المسؤولية المدنية، الالتزام المدني، التربية المدنية، التعلّم المدني، الالتزام العام (public engagement)، العقل المدني للخريج (Civic-minding graduate-CMG)، خدمة المجتمع، إلخ. والملفت أن هذه العبارات قد نجدها أحيانًا تبادلية (interchangeable) أي تحل محل بعضها البعض.
في العام 2005 ظهر إعلان تالوار (Talloires Declaration) حول "الأدوار المدنية والمسؤولية الاجتماعية للتعليم العالي" (2005). هذا الاعلان وقّعه 29 رئيس جامعة من 23 بلدًا، بينهم أربعة من البلدان العربية[5]، وقد وصل عدد موقعيه في العام 2012 إلى 247 جامعة وكلية عبر مناطق العالم المختلفة. وهو إعلان من عشر نقاط يشتمل على عدد من المصطلحات تكرّر أو تضيف إلى ما ورد في اللائحة أعلاه: المشاركة المدنية، المسؤولية الاجتماعية، المسؤولية العامة (Public)، الخدمة الاجتماعية، الشراكة مع المجتمعات المحلية، الشراكة مع الحكومة، الشراكة مع المدارس من أجل التربية على المواطنة، الخدمة المدنية، القضايا المدنية[6]. من بين جميع هذه المصطلحات وجدنا اثنين يحيطان بالكثير من الأوجه التي تهمنا وقد اخترنا أحدهما ليكون عنوانًا لورقتنا.
1-المسؤولية الاجتماعية
وضع ويليام سوليفان (2000 .Sullivan, W.M) المسؤولية الاجتماعية للتعليم العالي مقابل التعليم العالي كـ "صناعة" أو "بيزنس". فالكثير من مؤسسات التعليم العالي في أميركا أصبحت تعمل برأيه ضمن قالب فردي أداتي[7] يضع المسائل الاجتماعية والسياسية والأخلاقية خارج السؤال. في هذا القالب الجاهز تعمل المؤسسات كشركات، وتتنافس محليًا وعالميًا، ويجري تصنيفها في المراتب الأولى وتستقطب الطلاب من العالم، ويتخرّج منها قادة ومهنيون ورجال أعمال يحملون بدورهم معهم نزعة "البيزنس"، الأمر الذي نجم عنه انسحاب "معظم الأميركيين الناجحين من المسؤولية المواطنية التشاركية" بحسب سوليفان.
لقد تكوّن هذا الاتجاه في التعليم العالي الأميركي خلال فترة الحرب الباردة، "حيث أخذ التعليم العالي على عاتقه، بدعم من الحكومة الفيدرالية مهمتين ذواتي أهمية وطنية: التقدّم التكنولوجي وتوسيع الطبقة الوسطى"، وبذلك أصبح التعليم العالي "شريكًا مهمًا للصناعة والحكومة في النظام الأميركي ما بعد الحرب العالمية الثانية". لذلك كان هناك علاقة بين الاختصاصات العلمية والتكنولوجيا والحرب، نجم عنها حصول برامج العلوم والهندسة على حصة الأسد في التمويل، وكل شيء أصبح مسوغًا لخدمة "الأمن الوطني والتنمية الاقتصادية"[8]، وأصبحت الجامعات تستخدم لغة السوق (لإرضاء "الزبون"). في هذا السياق "تفقد الأكاديميا الأميركية وكالتها العامة" (public mandate) في حين يعزّز التعليم العالي في الإطار الفردي الأداتي"المسار الاجتماعي التدميري أو يتواطأ معه"(2000: 22-25 Sullivan, W.M).
المسؤولية الاجتماعية تعني في قاموس سوليفان أن الجامعة تخدم هدفًا عامًا (public) عريضًا، وأن الأكاديميين يقدمون معرفة ذات أهمية اجتماعية وأن الوظيفة التي يؤدونها تخدم المجتمع عامة وليس فقط تقديم معرفة ومهارات في خدمة السوق. وإن "التقصي عبر التفكير العملي" يعتبر بديلاً قويًا يفضي إلى "إعادة بناء الجوانب الثلاثة لهوية الجامعة الأميركية: أهدافها التي هي وضعية استفسارية، وظيفتها التكونية التربوية، والمسؤولية الاجتماعية الناجمة عن هويتها المدنية" (2000: 31 Sullivan, W.M).
بعد عشر سنوات نجد "المسؤولية الاجتماعية للتعليم العالي"عنوانًا رئيسًا في البيان الذي صدر عن المؤتمر العالمي الذي عقدته منظمة اليونسكو حول التعليم العالي في باريس في العام 2009. وتحت هذا العنوان نجد ستة عناوين[9]، منها مثلاً أن" يتحمّل التعليم العالي مسؤولية زيادة فهمنا للقضايا ذات الأوجه المتعدّدة، أي ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وزيادة قدراتنا في التعامل معها" و"على مؤسسات التعليم العالي أن تزيد تركيزها المتعدّد الاختصاصات وأن تعزّز التفكير الناقد والمواطنة النشطة"، وأن تساهم "في تربية مواطنين أخلاقيين يلتزمون ببناء السلام والدفاع عن حقوق الإنسان وعن قيم الديمقراطية". لكن المؤتمر يتحدّث تحت هذا العنوان أيضًا عن الشفافية وعن استقلالية الجامعة والنوعية. أي أن المصطلح يتخذ مع هذا المؤتمر معاني تتجاوز ما هو "مدني" إلى الوظيفة الاجتماعية الواسعة للجامعة. وهذا ما فعله أيضًا المؤتمر الإقليمي لليونسكو في بلدان شرق آسيا الباسيفيك[10]، والمؤتمر الاقليمي في أميركا اللاتينية[11] اللذان عقدا قبل العام 2008. في حين كان إعلان المؤتمر الإقليمي العربي الذي عقد في القاهرة أقرب إلى المعنى المدني الذي تحدّث عنه سوليفان، وغيره، إذ تحدّث في الدعوة التمهيدية لانعقاده، تحت باب "المسؤولية الاجتماعية للتعليم العالي" عن نشر "قيم ومعارف ومهارات متعلّقة بالمواطنة والتسامح وتقبّل الآخر والتفكير الأخلاقي والتمييز الجنسي والاجتماعي"، وأشار إلى "برامج خدمة المجتمع"، وتوقّف عند تعليم الانسانيات و"المهن الاجتماعية" (اليونسكو، 2009، ص.ص 12 -13). علمًا بأن الإعلان النهائي للمؤتمر لم يعكس هذه المقاربة الجديدة.
من ناحية أخرى نجد أن مصطلح "المسؤولية الاجتماعية" يستخدم من قبل الشركات، من هنا التعبير المعروف: المسؤولية الاجتماعية للشركات (corporate social responsibility). فالشركات تربح، وهي تريد أن تظهر أنها ليست أنانية وأنها تريد الخير للمجتمع الذي تقيم أو تعمل فيه، فتبادر إلى القيام بأعمال خيرية أو تموّل أنشطة اجتماعية أو تقدّم المساعدات عند حدوث كوارث (فيضانات، زلازل، الخ). ولعلّ شركات النفط هي أول من أدخل "المسؤولية الاجتماعية" إلى البلدان العربية، تبعتها المصارف الدولية والمحلية وسائر أنواع الشركات (2013 ,Avina). وفي أحيان كثيرة تكون أنشطة هذا النوع من المسؤولية تغطية لأغراض تطويرية أو ربحية أو سياسية للشركات نفسها[12].
إن تعدّد دلالات مصطلح المسؤولية الاجتماعية، بين ما هو مدني واجتماعي وتغطية لأعمال ربحية، جعلنا نفضّل مصطلح المسؤولية المدنية عليه، للتعبير عن مركز اهتمام هذه الورقة.
2- المسؤولية المدنية (Civic Responsibilty)
نتعامل مع مصطلح "المسؤولية المدنية" باعتباره أنه يقتصر حصرًا على ما هو مدني.
عمليًا، جعل سوليفان المسؤولية المدنية في صلب مقالة السابقة الذكر، تحل فيها بصورة تبادلية محل مصطلح المسؤولية الاجتماعية. وقبل سنة من نشر مقالته عقد عدد من رؤساء الجامعات في الولايات المتحدة مؤتمرًا[13] أصدروا بعده "إعلان الرؤساء حول المسؤولية المدنية للتعليم العالي" الذي دعا التعليم العالي الأميركي إلى "إعادة النظر في أغراضه ومدى التزامه بالمثل الديمقراطية" وإلى "التطوّع والمشاركة في الخدمة العامة وخدمة المجتمع" و"التأثير على اتخاذ القرارات بطريقة ديمقراطية" وإلى أن يحمل الخريجون معهم "المعارف والعادات الديمقراطية إلى المساحة العامة (public square)" وإلى "البحث عن سبل جديدة للوفاء بوعد العدالة والكرامة للجميع".
كان إيلريش أبرز كتاب مسودّة هذا الإعلان، وهو نفسه محرّر الكتاب الذي ضم مقالة سوليفان المذكورة، والكتاب كان بعنوان "المسؤولية المدنية والتعليم العالي". تحدّث ايلريش في هذا الكتاب عن "الالتزام المدني" (2000,Ehrlich T). في ما وضع آخرون تحت المسؤولية المدنية المشاركة في الانتخابات وأنشطة مثل الخدمة في مجلس محليًا وكتابة رسالة لشخصية منتخبة، وإزالة القمامة عن الشاطئ، (2003 ,McGover)، أو قيمًا معينة مثل "الفعالية السياسية، واحترام آراء الآخرين، وإرادة الوفاء بالمسؤوليات الناجمة عن كون المشاركين مواطنين والقدرة على التقييم والدفاع عن المواقف المتخذة" (.2008 ,Sundberg, E).
ومصطلح المسؤولية المدنية أوسع من مصطلح "التربية المدنية" ويشمله. "التربية المدنية" تعني ما يُعلَّم في الجامعة (أو المدرسة) تحت عناوين ومقررات مثل التربية المدنية أو التربية المواطنية، كجزء من المنهج، وبغض النظر عما إذا كان ذلك مفروضًا على جميع الطلاب في الجامعة أو مقصورًا على اختصاصات معيّنة (في كليات التربية مثلاً). وفي ذلك مسائل، مثل السؤال عما إذا كنا نتحدث عن التربية "حول المواطنة" أم عن التربية "من أجل المواطنة". والفرق هنا يتعلّق بما إذا ما كنا نكتفي بالمحاضرة والمناقشات الصفية (نواتج معرفية)، أو كنا نذهب نحو أنشطة عملية (نواتج سلوكية). ومنها أيضًا مسألة تعليم التربية المدنية في مقرّر معين أم نشرها في المناهج عامة (2012: 53, .Mccowan, T). ومنها مثلاً ما إذا كانت التربية المدنية كميدان تعليمي تفي وحدها بمتطلبات الحياة الديمقراطية (.2012 Carcasson, M).
إن الكلام على البعد المدني، مهما كانت التسمية المعطاة له، والذي يقصد به أن يحيط بالمؤسسة الجامعية ككل وأن لا يكون محصورًا بما يسمى تقنيًا بـ"التربية المدنية"، يطرح على الباحثين والمسؤولين عن التعليم العالي سؤالاً جديًا: ألا يجب أن يشكّل هذا البعد بعدًا ثالثًا معلنًا للجامعة، أن تكون المهمة المدنية هي المهمة الثالثة للجامعة بموازاة التعليم والبحث؟[14]. وعلى الرغم من أن "الحركة المدنية" في التعليم العالي موجودة في أقصى قوتها في الولايات المتحدة، لكن يبدو أن فنلندا هي السباقة في إضافة الرسالة الثالثة المدنية للجامعة منذ العام 2004 (2005,Kantanen, H)، في ما تبدي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) اهتمامًا متزايدًا بهذه الفكرة.وبما أن مفهوم المسؤولية المدنية يبقى موضوعًا واسعًا يضم عددًا كبيرًا من المصطلحات الواردة أعلاه، فسوف نحاول هنا أن نقترح أبعادًا وعناصر له.
ثالثًا: أبعاد المسؤولية المدنية
هنا نحاول أن نقترح أبعادًا حصرية للمسؤولية المدنية، يمكن الانطلاق منها كمرجعية نظرية وتقنية لفحص أحوال الوجه المدني للتعليم العالي عمومًا أو في البلدان العربية خصوصًا أو لأي جامعة إفرادية.
1- خدمة المجتمع
"خدمة المجتمع" هي أحد أركان الثالوث المتداول في أدبيات التعليم العالي وفي رسالات (missions) ورؤى (visions) العديد من جامعات العالم ولاسيما الأميركية النموذج. والثالوث هو "التعليم والبحث وخدمة المجتمع".
تاريخيًا، لم تكن خدمة المجتمع مدرجة بين الأهداف المعلنة للجامعات، إنه تعبير حديث. الجامعات كانت مكانًا للمداولات ولتعليم العلوم العالية ولجمع أهل وطلبة العلم، وكلهم منقطعون للتعليم والعلم (أي البحث). هكذا كانت الجامعة الإسلامية، منذ ظهور المدرسة النظامية في بغداد (أسست العام 1066) وصولاً لجامعة الأزهر في القاهرة وجامعة النجف في بغداد وجامعة الزيتونة في تونس. وهكذا كانت الحال في جامعات أوروبا (فرنسا وألمانيا) وجامعات أميركا حتى بداية القرن العشرين.
لقد ظهر تعبير خدمة المجتمع في أميركا في الفترة الممتدة بين الحربين العالميتين وتبلور في فترة ما بعد الحرب الثانية. في تلك الحقبة إنتشر أيضًا تعبير "الخدمة"، مع تعاظم قطاع الخدمات في الحقل الاقتصادي، من جهة وتوسع وظيفة الدولة في المجتمع الأميركي من جهة ثانية. إن ظهور "الخدمة" بالمعنى الاجتماعي أي بتعابير "خدمة المجتمع" (community service)، "الخدمة العامة" (public service) والخدمة الوطنية غير العسكرية (non-military national service) كان دالاً على محاولات تقليص الانقسامات الناجمة عن الحرية الاقتصادية التي تحكمها السوق. وحتى اليوم يستخدم تعبير (civil servant) في الولايات المتحدة مقابل تعبير "الموظف" في فرنسا. خدمة المجتمع هي بهذا المعنى امتداد، أو استكمال، لدور الدولة في حل مشاكل المجتمع المحلي الناجمة عن منطق السوق، وهي "ظاهرة في التاريخ الثقافي للولايات المتحدة، حدّدتها طبقة وسطى متعلّمة تبحث عن سبل اعتبارها تعيش في الاستقامة" (p147 1997 ,Morton & Saltmarsh). كانت لصيقة بنشوء التعليم العالي في أميركا وتطوّره، علما بأنه لا يوجد قانون يفرضها (2012:62, 66.Schuetze, H.G).
وقد فتشنا عن خدمة المجتمع في الكتابات الفرنسية فلم نجد لها أثرًا، وفي أوروبا عمومًا لا نجد خدمة المجتمع إلّا في الجامعات البريطانية. أما في أميركا اللاتينية فيستعملون تعبير "التضامن" (solidarity) أو الخدمة المبنية على التضامن بدلاً من خدمة المجتمع (2012:193,.Tapia, M.N).
يتفرّع عن خدمة المجتمع مصطلح الخدمة من أجل التعلّم (service learning) الذي شاع في السنوات الأخيرة في الجامعات الأميركية وفي الأدبيات ذات العلاقة بالمسؤولية المدنية. وترجمته على هذا النحو (الخدمة من أجل التعلّم) يقصد منها الوفاء بالمعنى المقصود بالتعبير الإنكليزي. فهو لا يتعلّق بتعلّم الخدمة وانما بالتعلّم المبني على خدمة المجتمع المحلي أو (community-based learning) كما تقول بولاند (2011,.Boland,J.A). فالخدمة هنا ليست مقصودة بذاتها إنما المقصود التعلّم نفسه، الذي فضلاً عن اعتماده على المختبر أو على التوثيق أو على مراجعة الادبيات أو على المناقشة في الصف أو المحاضرة، فإنه يبنى على تمرينات خدمة المجتمع. من هنا القول أنه مركب من العمل في المقرر والمقاربة التجريبية الفعلية في المجتمع (2005 ,.Caputo, D. A). إنها "تربية متجذّرة في التجربة كقاعدة للتعلّم ومفهوم يعود في أصله إلى اقتراح ديوي ( 1997,.Dewey, J) ومفاده بأن الغرض من التربية يجب أن يربط ربطًا محكمًا بالعمل الاجتماعي"(71: 2012,.Schuetze, H.G).
2- المواطنة (citizenship)
مع المواطنة ننتقل إلى السياسة، لأن خدمة المجتمع، والخدمة من أجل التعلّم، هي في حقيقة الأمر نشاط تطوّعي يطال الكثير من المجالات ويرفع من الالتزام المدني في ظروف معيّنة، إلا أن عددًا من الأكاديميين يرى أنهاغير سياسية بمعنى أنها لا تتعلّق بالحقل السياسي العام ولا تطال أمورًا تعتبر مركزية للديمقراطية، وأنها لا توفّر فرصًا للتفكير في المسائل السياسية ولا تساهم في رفع الالتزام السياسي (2008 Sundberg, E-2011 ,Finley).
إن المواطنة تعني الانخراط في الحياة العامة (public life)، في المجتمع المحلي وفي المجتمع الواسع على السواء، وهذا يتطلّب مهارات التواصل والتفكير النقدي حول الحياة السياسية والقضايا الاجتماعية والسياسية، والمشاركة السياسية والقدرة على التأثير، والتسامح تجاه الأفكار البديلة وحس الشعور بالمسؤولية كمواطنين (2008,Sundberg, E). ويُعرّف المواطن في هذه الحالة كشخص "مزوّد بالمعرفة حول الشؤون العامة (public affairs)، وترسّخت فيه الفضيلة المدنية (civic virtue) ومجهز بمهارات المشاركة في الساحة السياسية" (political arena) (2008: 135 Smith, G. et al). والجامعة، من خلال المحاضرات والمناقشات داخل الصفوف أو الأنشطة خارج الصفوف وفي المنظمات والاتحادات، يمكن أن توفّر للطلاب فرص اكتساب هذه المهارات بما في ذلك استخدام تقنيات الملاحظة والتحليل والقيم وقدراتها "مثل تحويل الغريب إلى أليف، والتنقل بين التعاطف والمسافة النقدية، بين وجهة النظر والموقف" (2005:62 ,.Fernandez, O).
وبخلاف "خدمة المجتمع" نجد مفهوم المواطنة يرد كثيرًا في كتابات من أوروبا أو أميركا الجنوبية أو أفريقيا أو آسيا. كما نجد المصطلح في مؤتمرات المنظمات الدولية وإعلاناتها[15].
ربما يعزى ذلك إلى الارتباط الوثيق بين فكرتي الدولة (أو الحكومة) والمواطنة. المواطنة مرتبطة بالحقل العام الذي تحتل الدولة مركزه، في حين أن خدمة المجتمع مرتبطة بمكانة المجتمع المحلي في التفكير السياسي. والتعليم العالي في أوروبا حكومي تاريخيًا، والدولة في هذه البلدان ذات مكانة توجيهية أساسية في المجتمع. تخرج عن هذه القاعدة المملكة المتحدة وإيرلندا اللتان تشكّلان نموذجًا ثالثًا، لجهة المزج بين المجتمع المحلي والمواطنة أو لجهة التفاوت الداخلي (الجغرافي) في استخدام المفهومين.
في إيرلندا تتداخل المواطنة وخدمة المجتمع لدى بعض الكتّاب (2012 Ronaldo et al)، أو تترابطان عند البعض الآخر، الخدمة تعزز المواطنة (2012:140 ,.McIlrath, L) والاثنتان تخدمان "الالتزام المدني" أو "المسؤولية المدنية" (2012:130-133 ,.Lorraine T). وفي المملكة المتحدة تتباين الأمور بين إنكلترا، الاوروبية الوجهة، منذ تاتشر واسكتلندا الأميركية التوجه (A.C,XVI ,2012:,Bawa, 2011:27 ,.Biesta, G ).
المواطنة مفهوم متعدد ويمكن النظر إليها من عدة مقاربات.
من ناحية الفلسفة السياسية يفرق وايت (من المملكة المتحدة) بين ما يسمى بالتقليد الجمهوري (Republican tradition) للمواطنة، الذي يعرف الانسان باعتباره كائنًا سياسيًا والتقليد الليبرالي (Liberal tradition) الذي يعرفه باعتباره كائنٌا اقتصاديٌا، ويقول، نقلاً عن اغناتييف، أنه في التقليد الليبرالي تغيب كلمة المواطن ليحل محلها مصطلح "دافع الضرائب"، وفيه يتقلّص العقد الاجتماعي إلى تحويلات بين مستهلكين ومنتجين، وتكون الضرائب "وسيلة لبناء التضامن بين غرباء" (2013:112-113, 119 ,.White, M).
وفي علاقتها بسائر المفاهيم المدنية، تعتبر جوزفين بولاند أن المواطنة هي الإطار الجامع. فالـ"المواطنة الأكاديمية" عندها بمكانة "الالتزام المدني" تحل محله في تتويج التعليم والبحث وخدمة المجتمع على السواء في عمل الهيئة التعليمية الاكاديمي (2012:43,54 ,.Boland, J).
ومن مقاربات المواطنة نذكر أيضًا المواطنة الكوكبية (planetary)[16]، والمواطنة الالكترونية (digital citizenship)، والمواطنة المنطلقة من المقاربة النسوية، وتلك القائمة على محاربة العنصرية والخوف (xenophobia) من أقوام معيّنة (2002 ,.Roland-Lévy, c. et al). الخ. كما يمكن إضافة المقاربة القانونية الأخلاقية. ففي المكسيك يجري التركيز على المجال القانوني والأخلاقي، بسبب الفساد المستشري في الإدارة والحكومة، حيث يجب على التعليم العالي أن يتحمّل "مسؤولية تعزيز تنمية المهارات الاخلاقية والمواطنية" لدى الطلبة، و"تزويد المجتمع بالتقنيين والمهنيين الاكفاء الذين هم في الوقت نفسه مواطنون أكفياء وأخلاقيون، يساهمون في مواجهة مشاكل الفساد وعدم الأمان واللامساواة" (2009:353 ,.Patiño‐González, S).
أما لجهة مجالات المواطنة فأولها الهوية. يضاف إلى الهوية، في تصنيف رولان-ليفي، مجال المشاركة السياسية والمجال القانوني الدستوري المتعلّق بالحقوق والواجبات (2002 ,Roland-Lévy, C. et al). ويضيف هيغ إلى الهوية المشاركة السياسية، والالفة الثقافية-الاجتماعية (2008 ,.Haigh,M). ويضيف "المجلس الأوروبي" (2005) مجال القيم (القيم الديمقراطية، وحقوق الانسان، والتسامح والتعدّد الثقافي). كما يضيف "معهد المواطنة" قيمٌا اجتماعية كنشر الوعي حول اللامساواة الاجتماعية، وتمكين الناس من إحداث التغيير الاجتماعي المتدرج ومساعدة المتعلمين على الاضطلاع بدورٍ فعّال في المجتمع، وأن يصبحوا مطلعين، مواطنين متفكرين مسؤولين، مدركين لحقوقهم وواعين لواجباتهم (2008:431 ,.Haigh, M).
ولكل مجال إشكاليته. والهوية أكثرها تساؤلاً ومداولةً مع العولمة (المواطنة العالمية) (global citizenship) وبروز الثقافات المحلية (الدينية والعرقية والثقافية عامة) أو مع النزعات القومية التي تشمل أكثر من "وطن". وتعتبر أوروبا اليوم مثالاً على البلبلة في الهوية، بسبب تراكب عدة مستويات للهوية مع بروز المواطنة الأوروبية. (2010 ,Gifford, C, et al ,2011 Biesta, G).
3- الديمقراطية
يقع مفهوم الديمقراطية، إذا صح التعبير، في مستوى "أعلى" من مستوى مفهوم المواطنة، بل "أعلى" من جميع المفاهيم الرئيسة التي وردت سابقًا. وإذ نتوقّع أن يكون مفهوم المواطنة مثلاً أحد مفاهيم الخطاب الديمقراطي، فإنه من غير الضروري أن يكون مفهوم الديمقراطية أحد مفاهيم الخطاب "المواطني". لأن النظام التسلطي يستعمل أيضًا مفهوم المواطنة، وله تعريفه (القانوني عادة) للمواطن الصالح (الحقوق والواجبات العامة). بل إن التربية المواطنية يمكن أن تتحوّل إلى قبول النظام القائم وليس طرح الأسئلة حوله (2004:169 ,Leighton)، أو يمكن أن تصبح نوعًا من التلقين العقائدي (indoctrination) ,(2006:3,Sears et al ,2008:136, Smith, et al).
الديمقراطية نظرية، كغيرها من النظريات في العلوم السياسية، أو هي فلسفة، أو نظام سياسي متكامل. وبينمـا نعود بمفــهوم خدمــة المجتمــع إلـى ديــوي ( 1997,.Dewey, J) في بداية القرن الماضي في الولايات المتحدة تحديدًا، فإن الديمقراطية تعيدنا إلى أثينا وأصل الثقافة الغربية لأنها تعالج موضوعًا قديمًا بقدم التجمع البشري: موضوع السلطة في المجتمع.
في كل الأحوال ليس من مهمتنا هنا البحث في موضوع الديمقراطية، لا من الناحية الفلسفية ولا من الناحية السياسية ولا التاريخية. ولن نعيد البحث في كل جوانب الديمقراطية وعلاقتها بالتربية والتعليم العالي، لأن ذلك يوقع في التكرار، باعتبار أن خدمة المجتمع والمواطنة وغيرهما مفاهيم متفرّعة عن الديمقراطية أو ترتبط بها أو تجسدها. وفي هذا المجال، سوف نفكّر بالديمقراطية في التعليم العالي من ثلاث زوايا: الثقافة الديمقراطية، المشاركة في صنع القرارات، الحرية الاكاديمية.
أ- الثقافة الديمقراطية-تعليم الانسانيات
تتناول الثقافة الديمقراطية القيم والفضائل والنظرية الديمقراطية، ومعارف ومهارات سبق أن تحدثنا عنها تحت عنواني المواطنة وخدمة المجتمع. الجديد الذي يضاف هنا والذي لم نتحدث عنه سابقًا يتعلّق بتعليم الانسانيات. ويعود الفضل في إثارة هذا الموضوع إلى مارتا نوسبام وكتابها الشهير: "ليس للربح: لماذا تحتاج الديمقراطية إلى الانسانيات؟" ( 2010 .Nussbaum, M).
تقوم مرافعة نوسبام على نقد النموذج الشائع في التعليم العالي عبر العالم والذي يتلخص باللهاث وراء الإنتاج العلمي والتكنولوجيا، وتحويل الجامعة وأهلها إلى أدوات تعمل في حمى التنافس بين الجامعات والشركات والأمم من أجل الربح أو العائد الاقتصادي. هو النموذج الاقتصادي أو بالأصح نموذج النماء الاقتصادي (Economic growth) نفسه الذي ينتقده سوليفان (أنظر أعلاه). لكن نوسبام تعتبر أن الضحية هي تعليم الانسانيات ليس كمواد وأحجام وموارد فقط بل كمقاربة لفهم حياتنا وما يدور حولنا، كمقاربة "إنسانية" للعالم. تقول:"إن حافز الكسب يوحي للقيادات المعنية أن العلوم والتكنولوجيا هي بمنتهى الأهمية لصحة أمتهم في المستقبل. ليس علينا أن نعترض على تعليم جيد للعلوم والتكنولوجيا، وأنا ليس عليَ أن أقترح أن تتوقف الأمم عن التقدّم في هذا المضمار. إن ما يقلقني أن هناك قدرات أخرى، على المستوى نفسه من الأهمية هي معرّضة لخطر الضياع في خضم التنافس، قدرات بمنتهى الأهمية لصحة أي ديمقراطية داخليًا ولخلق ثقافة لائقة للعالم قادرة على مواجهة المشاكل الأكثر ضغطًا. هذه القدرات مرتبطة بالإنسانيات والفنون: القدرة على التفكير نقديًا، القدرة على التسامي عن الولاءات المحلية ومقاربة مشاكل العالم من زاوية "مواطن العالم" وأخيرًا القدرة على تخيّل مأزق الآخر بتعاطف" (2010:7 ,Nussbaum).
إن أنظمة التعليم تقترب شيئًا فشيئًا من النموذج الاقتصادي، وذلك عبر تقييده بمخرجات مقرّرة مسبقًا وتقاس عبر اختبارات تحصيلية يصنّف المتعلمون على أساسها، بحيث يصبح التعليم نفسه وكأنه في خدمة الامتحانات والاختبارات وليس العكس. "التعليم من أجل الاختبار" كما يقولون (teaching for testing). بل إن الاختبارات المقننة في الولايات المتحدة التي انتشرت منذ تقرير "لا طفل يترك مهملاً" (No Child Left Behind) الذي صدر في عهد بوش الابن، قد أصبحت هي القاعدة. على أساسها يحكم على الطالب، وعلى أساس نتائجها يجازى المعلّم والمدير والمسؤول التربوي في الولاية. هذه الاختبارات تضعها شركات يتمّ التعاقد معها من قبل الولايات أو الحكومة الفيديرالية. مقاربة النماء الاقتصادي أسّست لمقاربة التعليم بالعوائد (نتائج الاختبارات). لذلك يعتبر ما حصل على مستوى التعليم ما قبل الثانوي منافيًا للديمقراطية ( 2012 Howe,&Meens). أما في التعليم العالي فقد أدت هذه المقاربة إلى تهميش الانسانيات، عن طريق تقليص ميزانياتها وتخفيض معايير الالتحاق بها.
على الرغم من ذلك، تعتبر نوسبام أن التعليم العالي في الولايات المتحدة مازال أفضل من التعليم العالي في أوروبا وبريطانيا من ناحية تعليم الانسانيات والفنون. فبخلاف سائر أنظمة التعليم العالي في العالم، يوجد في الولايات المتحدة الأميركية ما يسمى "نموذج الآداب الحرة" (liberal arts model) الجامعي. إذ بدلاً من أن يدرس الطالب مقرّراته في اختصاص واحد منذ التحاقه حتى التخرّج عليه أن يتابع بحسب هذا النموذج، خلال السنتين الأولى والثانية على الأخص، مروحة من المقرّرات غير المتعلّقة باختصاصه، وجزء أساسي من هذه المقرّرات يكون من حقل الانسانيات. وهي تقع عادةً ضمن ما يسمى "متطلبات الجامعة". ولكن نوسبام تعتقد أن الحصة المحفوظة للآداب الحرة في الجامعة في أميركا معرّضة لخطر هجمة النموذج الاقتصادي (: 125 Howe &Meens)[17].
ماذا تقدم الانسانيات والفنون للطالب؟ وكيف يفيد هذا الذي تقدمه في موضوع الديمقراطية؟
تشتمل الآداب الحرة على مواد كلاسيكية أو مجالات كالفلسفة والتاريخ والحضارات وغيرها وتشتمل على مقرّرات مستجدة مثل الدراسات الإقليمية (الشرق أوسطية، الافريقية، الآسيوية، الخ)، أو المسائل العامة مثل الاقتصاد العالمي، الأعراق، الدراسات النسائية، النزاعات الدولية وحل النزاعات، وقضايا الفقر والمساواة، إلخ. وهذه المقررات والبرامج تقدّم معارف موثقة حول قضايا العالم والانسانية، فضلاً عن قضايا المجتمع نفسه. وهي تعطي فرصًا للتحليل والتفكير النقدي للوقائع والمواقف والاتجاهات السياسية والفكرية. كما أن الفلسفة تحديدًا تزوّد بالقدرات المنطقية والجدلية (المداولة). وقد بيّنت بعض الدراسات الأثر الإيجابي للدراسات اللغوية والاجتماعية والمدنية على المشاركة السياسية للخريجين لاحقًا ( 2005:26 ,Hillygus). القضية الواحدة لها تفسيرات متعدّدة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفق النظرية التي ينطلق منها المفسر، ووفق المقاربة والطريقة والأدلة والرأي والموقف، الخ. وهي في الأصل تعالج مواضيع الانسان. لذلك عندما يواجه أهل العلوم البحتة والتطبيقية قضايا المجتمع يكونون أقل زادا معرفيًا من طلاب العلوم الإنسانية والاجتماعية وأكثر يقينية. ولعل هذا الفرق في درجة اليقينية هو الذي يفسّر أن طلاب الانسانيات والعلوم الاجتماعية هم الاقل تديّنًا بين سائر الاختصاصات ( 2009 ,Kimbal et al).
أما الفنون فتزوّد بالخيال السردي (narrative imagination) الذي حدثنا عنه فينيكوت (Winnicott) عالم نفس الأطفال الإنكليزي، والذي يمارس في التمثيل المسرحي واللعب والموسيقى. الخيال يطال ما هو أبعد من الملموس والمباشر، وهو في الوقت نفسه مجال للعلاج ومصدر للإلهام والابتكار. إن التربية التي تقوم على الآداب الحرة "تقوّي مهارات التخيّل والتفكير المستقل الحاسمة في الحفاظ على ثقافة ابتكار ناجحة"( 2010:53 ,Nussbaum, M ).
ب- المشاركة في اتخاذ القرارات
إن الديمقراطية هي أصلاً جواب الديمقراطيين حول مسائل الحكم أو السلطة: من يحكم، كيف يتم اختيار الحاكم، كيف يحاسب الحاكم؟ الخ. والنقطة هنا أن المشاركة في صنع القرارات على مستوى الجامعة يمكن أن ينظر إليها على أنها تمرين على ممارسة الديمقراطية في المجتمع السياسي بعد التخرج. من هذه الزاوية تبيّن الدراسات أن ارتفاع المستوى التعليمي والتخرّج من الجامعة، بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط إيجابيًا بالمشاركة المدنية أو السياسية (2008:136 ,Smith). نظن أن ممارسة الديمقراطية في الجامعة هي أكثر من تمرين، هي في صلب ممارسة الديمقراطية بعامةٍ إنما في سياق معيّن هو الجامعة. لذلك نعتقد أن الديمقراطية في الجامعة تشبه الديمقراطية في المجتمع السياسي عمومًا لجهة المبادئ العامة لكنها (الجامعة) ليست كائنًا مصغرًا عن الدولة أو المجتمع السياسي عمومًا بل لها خصوصية، وهي خصوصية أكاديمية.
يتكوّن "مجتمع" الجامعة من الطلاب والأساتذة والإدارة والجهة المشرفة (الحكومة في الجامعات الحكومية ومجلس الأمناء أو مجلس الاشراف في الجامعات غير الحكومية). فكيف تتم المشاركة الديمقراطية لهذه الجهات في حكامة (governance) الجامعة؟ وما هي الحدود الفاصلة بين هذه الجهات؟
من وجهة نظر ديمقراطية، من الطبيعي القول أن لكل من هؤلاء دورًا في اتخاذ القرارات، من دون إقصاء أحد، ومن دون سيطرة طرف معين على الآخرين. ويبقى السؤال حول ثقل كل طرف في هذه القرارات (1972: 160-161 ,Thompson, D). لكن من زاوية هدف المؤسسة، وهو هدف أكاديمي، فإن الأساتذة والطلبة معنيون بكل القرارات ذات الطابع الأكاديمي. وهذه القرارات تشمل التعيينات الأكاديمية (العمداء، رؤساء الأقسام، الأساتذة) وقضايا المناهج والبرامج والمقرّرات والامتحانات ومنح الشهادات. وأكثر القضايا إثارة للتداول أحيانًا هي الحصة التي يمكن أن تعطى للطلاب والقضايا التي يمكن إعطاؤهم الحق بالمشاركة في اتخاذ القرارات فيها.
ثم إن الحكومة، التي تموّل الجامعة الحكومية أو تعين بعض إدارييها أو تراقب الجامعة غير الحكومية، تنزع إلى التحكّم بأمور الجامعة. عندما ننظر إلى إدارة التعليم العالي في بريطانيا، يقول وايت، نجد أن مؤسساته، بإدارييها وهيئتها التعليمية والبحثية، وأعضاء مجالسها الإشرافية، كلهم موجهون عن طريق المعايير التي تضعها الدولة والتي تقوم على مبينات أداء في محاولة منها لإعادة إنتاج السوق أو على الأقل إعادة إنتاج محيط تنافسي. "إن الخير العام للجامعة ملوّث، متدهور، ومسيطر عليه من قبل الحكومة والسوق" (2013:124 ,.White, M).
4- الحرية الأكاديمية
إن العلاقة بين الجامعة والمجتمع فيها شيء من المفارقة ظاهرًا. فهي يفترض أن تخضع لقوانين عامة تضعها الحكومة وأحيانًا لرقابة مباشرة من قبل الحكومة، من جهة، ويفترض أن تتمتع كمؤسسة ويتمتع أهلها بالحرية الاكاديمية، من جهة ثانية. والمخرج من هذه المفارقة الظاهرة هو أن الحرية الاكاديمية تتم ضمن القوانين العامة التي تقوم عليها الديمقراطية من جهة، وهي تلتزم من جهة ثانية بالمعايير الاكاديمية في التقصي والتحليل والاحكام. فإذا لم نكن على بينة من هذا الامر ضاع الفرق بين حرية التعبير التي يتمتع بها المواطنون إجمالاً والحرية الاكاديمية. لذلك فإن الحرية الاكاديمية لا تضبطها عقود العمل بين الجامعة المستخدِمة والأستاذ المستخدَم، "إذا اعتمدنا الديمقراطية غرضًا للجامعة وإذا اعتمدنا الحرية الاكاديمية مبدأً عامًا" (2013: 123 ,.White, M). ما يميّز الجامعة أنـها مكرّسة "للفضائل الفكرية" التي تشمل حرية التقصي، وتعدّد وجهات النظر، وأعـلـــى درجــات المعـاييـر الفــكرية فــي الــبحــث عــن المـــــعرفــة ( 2012:345 ,.Downs, D. A).
لا يقع في باب الحرية الاكاديمية ما يقوم به بعض الأساتذة عندما يخضعون منهجية أبحاثهم ونتائجها لتوقعات "الزبون" في الاعمال الاستشارية. والحرية الأكاديمية ليست حرية أكاديمية عندما يقدم الأكاديميون تعليمًا فقيرًا أو يقومون بأبحاث فقيرة. وهي تتعطل عندما يستسلم الباحثون للأفكار المتأتية من الأيديولوجيات الشائعة. إن الدفاع عن الأفكار غير الشعبية المبنية علميًا هو الذي يشكّل"الفرق بين الشعبوية والديمقراطية" ( 2013:124-125 .White, M). وتتعطّل الحرية الاكاديمية من قبل السلطة في الجامعة، أو من قبل السلطة الحكومية، بقدر ما يفضل الطرفان استتباب الأوضاع القائمة، فيجعلان من توظيف الأستاذ أو طرده من العمل سيفًا مسلطًا على رقبته. لكنهما لا يقومان بذلك إلا عندما يتفاقم الوضع. لأن الوسائل الناجعة ذات المفعول الطويل المدى تقوم على وضع الأنظمة المقيّدة والتوجيهات التي تدفع الدراسات في الاتجاهات المفضلة (نحو نموذج السوق والتنافس مثلاً) وعلى تشجيع التعاقد على حساب التفرّغ والملاك، وعلى تخفيض الشروط الأكاديمية المتعلّقة باختيار الطلاب والأساتذة، وتخفيض الميزانيات والموارد المخصصة للأبحاث. وغيرها من الأساليب الكثيرة التي تنشئ محيطًا يعطّل بصورة آلية الحرية الاكاديمية.
الحرية الاكاديمية بحسب غوتمان هي حقّ أو سمة تسمّ الأكاديميين مثلها مثل أي حق مهني يتمتع به أصحاب المهن الأخرى، من الطبيب إلى الصحافي. وجوهر الموضوع أن الأكاديميين يقومون بفحص النظريات الموجودة، والمؤسسات القائمة، والوقائع والاعتقادات استنادًا إلى "شرائع الحقيقة التي تم تبنّيها في حقل اختصاصهم". وهم يذهبون في استنتاجاتهم بصورة مستقلة حيثما أودت به الأدلة وأدّى إليه منطق البحث، مع التزامهم المطلق بالمعايير الاكاديمية المتعارف عليها للتقصي (1999:175 Gutmann, A). بل تذهب غوتمان إلى حد القول أن الحرية الاكاديمية هي الضمانة ضد القمع السياسي، ليس في ما يتعلّق بالأساتذة إنما في ما يتعلّق بسائر المواطنين (1999: 177 Gutmann, A). وهذا الرأي هو الذي دفع وايت ربما إلى الاعتقاد أن حرية الأساتذة الاكاديمية تساعد على "قيادة النقاش السياسي نحو اتجاهات جديدة أو قديمة أو منسية" (,2013:125 White, M).
5- ثقافة القانون
الديمقراطية تشترط حكم القانون (rule of law). فالناس المختلفون في اتجاهاتهم وآرائهم وانتماءاتهم وفي الجنس واللغة، الخ، متساوون أمام القانون. وإذا لم تكن هناك مساواة أمام القانون، في الحقوق والواجبات، بطلت الديمقراطية، وحل الاستبداد، بما في ذلك استبداد الأكثريات التي تفوز ديمقراطيًا.
هذه فكرة بدهية في القانون وفي العلوم السياسية والاجتماعية. ثمة فكرة ثانية معروفة في هذين الحقلين أيضًا تتلخص بأن حكم القانون لا ينفع وحده، أي أن الاكتفاء باستخدام الشرطة لمراقبة المخالفين وسوقهم إلى العدالة وتأديبهم وفق القانون، هو أمر باهظ الثمن اقتصاديًا واجتماعيًا، وهو لا يتفق أصلاً مع فكرة القانون الذي يمثل في عمقه عقدًا اجتماعيًا، ولم تضعه قوة قاهرة غير وطنية. ما يعطي للقانون معناه عمليًا هو استعداد الافراد والجماعات وجهوزيتهم لتطبيق القانون من تلقاء أنفسهم. وهذا يتم من خلال ما يسمى بـ"الثقافة القانونية" (legal culture) أو التنشئة القانونية (legal socialization) أو "التفكير القانوني" (legal reasoning) أو ثقافة القانون (culture of lawfulness) (2004 ,.Grant, H). ثقافة القانون هي أكثر التعابير إحاطة وشيوعًا. هي مجموعة المعارف والقيم والمهارات والاستعدادات المكتسبة والمترسّخة في الناس أفرادًا وجماعات بصورة "طباع" (habitus)[18] كما يقول بورديو وباسورون (١٩٧٠)، بحيث يسيرون "وحدهم" في المجتمع كما يقول التوسير (1976 ,.Althusser, L). وهذا يعني أيضًا أن حماة القانون وتنفيذه هم الناس أنفسهم قبل أن تتدخل الشرطة أو من دون أن تتدخل أصلاً، وهم الذين يستدعون الشرطة في حال كانوا غير مؤهلين لردع المخالف أو أن ما يجب القيام به هو أصلاً من اختصاص الشرطة.
أما ثقافة القانون، وهذه أيضًا فكرة ثالثة معروفة، فيكتسبها أفراد المجتمع منذ الصغر، عبر وكالات التنشئة الاجتماعية المتنوّعة، وأولها الأسرة وثانيها، زمنيّا، المدرسة، بالإضافة إلى الهيئات والمنظمات الدينية والرعائية ووسائل الاعلام والاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من أن هذه الأخيرة لها أغراض أخرى منها تكوين الآراء والاتجاهات لدى البالغين. وكما هو معلوم فإن الاتجاهات والآراء قابلة للتأثير والتغيّر في ما التنشئة راسخة. المهم أن التربية، أو التنشئة الاجتماعية، التي تكون الطباع بما فيها ثقافة القانون، في ضعفها أو قوتها، تحصل عمليًا في فترة الطفولة، أي بما يوازي التعليم الأساسي، الذي يمتد حتى سن الخامسة أو السادسة عشرة بحسب البلدان.
بناء على كل ما تقدم، أي على أن تكوّن الثقافة القانونية لدى الافراد يتم قبل الجامعة، كيف تكون ثقافة القانون جزءًا من قضيتنا حول المسؤولية المدنية في التعليم العالي؟
تجدر الإشارة أولاً إلى أن مشاكل اكتساب ثقافة القانون تظهر بعد التعليم الأساسي، لدى الشباب من عمر 15 إلى 25. لذلك فإن معظم البرامج المعروفة في العالم حول نشر الثقافة القانونية هي موجهة للشباب في هذا العمر، ويلاحظ ذلك في البلدان التي يكثر فيها الفساد الحكومي والتهريب والجرائم المنظمة والعصابات والتي لا يذكر أي من البلدان العربية من بينها[19]. هذا لا يعني أن الشباب الجامعي يحتاج إلى هذه البرامج، بل إنه يعني أن "التنشئة" تستمر، بصورة أو أخرى، في الجامعة، وأن ثقافة القانون هي مكوّن من مكوّنات الاكاديميا والحياة الجامعية عمومًا. لكن هذا الموضوع، موضوع متابعة التنشئة القانونية في الجامعة، ندرجه في باب المواطنة، كما طرحناها أعلاه.
ما يبقى وما يهمنا هنا هو ثقافة القانون في ما يخصّ المؤسسة الجامعية. فالمؤسسة تعمل وفق القانون العام (الذي ينطبق على جميع مؤسسات التعليم العالي في بلد معين) والقانون الخاص بها (أو الأنظمة التي تخصها) والتي تسمى بـ"القواعد والأنظمة" (rules and regulations).
النقطة الأولى تتعلق بتوافر القواعد والأنظمة في الجامعة، بما يتناسب مع ما تقوم به المؤسسة من أدوار ومع التغيرات المتسارعة التي يشهدها التعليم العالي نتيجة الثورة التكنولوجية. علمًا بأن مقياس "التناسب" غير جاهز عند أحد. في أوروبا مدرستان واحدة تفصل القوانين وتطبّقها بتفاصيلها وأخرى تقتصر على نصوص أكثر عمومية تسمح بالتأويل والتكيّف مع المتغيرات (2004 ,.Bergan, S). ولا توجد أدلة دامغة على أن كثرة القوانين هي دليل عافية قانونية، بل قد تكون كثرة الأنظمة من كثرة المخالفات، أو من سطوة الإداريين والبيروقراطية عمومًا (2004 ,.Dobriansky, P). والقانون كما يقال كالدواء يجب أن يؤخذ بجرعات مناسبة. المهم أن لا تفضي قلة النصوص إلى اتخاذ القرارات وإصدار الاحكام استنسابيًا أو على قاعدة "شخصية". فميزة القانون أنه يجعل القرارات والاحكام لاشخصية (impersonal).
النقطة الثانية تتعلّق بحقوق الأساتذة والطلاب وواجباتهم. وهنا نعتبر أن الإعلانات الدولية والمعاهدات هي جزء من القواعد والأنظمة وبخاصة موضوع حقوق الملكية والسرقة الأدبية لأنهما يقعان في صلب العمل الجامعي. والسؤال هنا إلى أي حد تعتمد هذه المعاهدات والوثائق كجزء من قواعد الجامعة وأنظمتها.
النقطة الثالثة تتعلق بالشفافية. من صفات القانون أن يكون منشورًا متاحًا لجميع المعنيين حتى تصح عليه التسمية ويكون الجميع متساوين أمامه. هذه الاتاحة تتم عبر توزيعه ورقيًا على أهل الجامعة أو على موقع الجامعة الالكتروني أو توافره في مكتبة الجامعة، أو إقامة ندوات أو وضع إعلانات حوله. التعمية على القواعد والأنظمة تحفز على الاستنسابية في إصدار الأحكام، لجهة "إخراج القانون من الجارور" أو "وضعه في الجارور" وفق الحالات.
النقطة الرابعة تتعلّق بصناعة القوانين. عمومًا، وفي الإرث الإداري المركزي، تكون القوانين من صناعة القانونيين والاداريين وهي تغلًّب حكمًا معايير الوظيفة العامة والترتيبات الإدارية. فنجد أن التفصيلات المتعلّقة بأمور مثل التدرج مثلاً والمباريات والتأديب والضوابط المالية، الخ، غزيرة وتفصيلية، بينما في الأمور الاكاديمية تكون النصوص التنظيمية قليلة. السؤال هنا ما مدى مشاركة الأكاديميين في صناعة القواعد والأنظمة الجامعية؟ إن فكرة ثقافة القانون تقوم في الأصل على أهمية مشاركة الذين يطبقون القوانين أو من يمثلهم بتطوير هذه القوانين. فكيف الحال بالمؤسسة الجامعية وهي المؤسسة الوحيدة في المجتمع التي يكون فيها المعنيون بها هم في الوقت نفسه قوة التغيير فيها وهم الخبراء فيها، لا يحتاجون إلى خبراء من الخارج. أي هم المعنيون بتطوير المؤسسة وتطوير القوانين اللازمة لتسهيل هذا التطوير.
6- "بيداغوجيا" التقصي والمداولة
عالجت المحاور السابقة محتوى البعد المدني والعلاقات الداخلية والخارجية في المؤسسة الجامعية المتعلقة به، أما المحور الحالي يتعلق بالكيفية، كيفية نقل المعارف والقيم والمهارات إلى الطلبة.
نعلم أن التلقين هو طريقة في التعليم، وأنه طريقة شائعة بل مسيطرة بقوة في عدد كبير من الأنظمة التعليمية في العالم. التلقين يقوم على المحاضرة، والمحاضرة في الأساس يلقيها الراسخون في العلم أو العلماء المجتهدون على "طلبة العلم" في الصفوف، أو يلقيها هؤلاء على جمهور العلم أو جمهور الناس في التجمعات العامة. والمحاضرة تشير إلى تمكّن المحاضر وإلى أفكاره وقيمه ولكنها لا تشير إلى تعلم الطلبة. عندما تكون المحاضرة هي الطريقة المعتمدة في الصفوف تصبح تلقينًا. ويكتمل منطق التلقين مع إضافة الكتاب المدرسي المقرّر إلى ما يقوله المعلم. في التلقين يقيس الامتحان فقط ما اكتسبه الطالب مما قاله المعلم أو قاله الكتاب، أي ما حفظه.
وهنا كان يجب أن ننتظر أعمال عدد من الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع والنفس والتربية منذ بداية القرن العشرين لكي يصبح التعليم التقليدي القائم على التلقين موضع نقد عميق وحاد، ولكي نشهد بعدها ظهور موجات من المقاربات التربوية القائمة على ما يسمى اليوم بالتعلّم الناشط (active learning). ويتلخص هذا النقد من الناحية النفسية التربوية بأن التعليم عبر التلقين يعمل في المستوى الأدنى من المستويات المعرفية الستة في "صنافة بلوم" (Bloom taxonomy) التي وضعها في ستينيات القرن الماضي، وهي: التعرف، الفهم، التطبيق، التحليل، التوليف، التقويم. من وجهة نظر "بيداغوجية"، يعتبر التعليم التلقيني تعليمًا قاصرًا وغير فعال، ومن وجهة نظر مدنية، هو تعليم تسلطي، يجعل التعلم سلبيًا والمتعلم مطيعًا وقابلاً بما يقال له أو يقرّر بشأنه وسهل الانقياد.
ينطلق ديوي ( 1997,.Dewey, J) من الجانب "البيداغوجي"[20]، لكن فلسفته ليست تحسين فعالية التعليم لذاته، أو التعامل مع المستويات العليا للمعرفة، التي أصبحت قيد التداول بعده، بل هي فلسفة اجتماعية تقوم على إصلاح المجتمع بحيث تكون التربية ملتزمة بقضايا المجتمع والتغيير من أجل إقامة ديمقراطية قائمة على المشاركة وهو الذي كان يؤمن بقوة بدور المدرسة في هذا "المشروع الديمقراطي". إن طيف ديوي موجود في كل دراسة أطلعنا عليها حول التربية والتقصي والتفكير النقدي والديمقراطية. يحتاج الأطفال طبقًا لقراءة نوسبام لديوي ( 1997,.Dewey, J) إلى أن يأخذوا على عاتقهم مهمة ما يفكرون بـه وبـأن يـنخرطـوا فـي العـالم بــروح فضــولية ونــقدية (64 :2004 ,.Dobriansky, P).
وما كتبته نوسبام في العام 2010، يندرج في هذا الإرث الفكري النقدي للتربية التقليدية، الذي يمكن إرجاعه إلى سقراط وروسو، والذي ينطلق بقوة بصورة خاصة من ديوي ( 1997,.Dewey, J)، كما يندرج فيه لاحقًا به باولو فريري في كتابه الشهير "بيداغوجيا المقهورين" (1970 ,.Freire, P). ضمن هذا الاطار تستعمل نوسبام تعبير "الطريقة السقراطية" للتعبير عن التقصي والتفكير النقدي.
تعرّف الطريقة السقراطية في الموسوعات على أنها "شكل من أشكال التقصي والنقاش مبنية على السؤال والجواب من أجل تحفيز التفكير النقدي"[21]. وهي عند نوسبام "ممارسة اجتماعية" ضرورية "لكل ديمقراطية" وخصوصًا في البلدان التي تقوم على التنوّع (العرقي، والديني)، لأنها مبنية على احترام الآخر وعلى اللجوء إلى العقل وعلى البناء على ما يقوله، وتحفز على التفكير النقدي، وهذا لا يتم إلا من خلال الاستماع والبحث عن قواعد مشتركة تسمح بإظهار التباين. وتطبيق السقراطية أمر منطقي في التعليم العالي وفي الانسانيات على الأقل، باعتبار أن التفكير النقدي يجب أن يتخلل "بيداغوجيا" الكثير من المواد بقدر ما يتعلم الطالب "أن يحقق وأن يقيم الأدلة وأن يكتب أوراقًا بحجج جيدة البناء وأن يحلل حججًا "قدمها الآخر، أكان كتابًا أو شخصًا، طالبًا أو أستاذًا. وفي صف الفلسفة فإن "حوارات أفلاطون لا يعلى عليها لجهة قدرتها على استثارة البحث والتفكير النشط" ( 55-2010:54 ,.Nussbaum, M).
في الطريقة التلقينية، المعلم يسأل الطلبة والمعلم يقدّم الجواب الصحيح، باعتباره مخزن المعرفة، وباعتبار أن الجواب الصحيح موجود في رأس المعلم "العالم" وصاحب السلطة يقدمه للمتعلم "الجاهل" والمطيع. وفي الطريقة المبنية على التقصي يكون السؤال متعدّد المصادر والجواب متعددًا. المعلم يسأل والطلاب يسألون، المعلم يجيب والطلاب يجيبون. هناك أسئلة كثيرة، مفتوحة، وهناك أجوبة كثيرة. وكل جواب يستولد سؤالاً جديدًا. وعلى الذي يود تقديم جواب أن يستقصي المعارف والوقائع لكي يوفي جوابًا يصلح البناء عليه. وفي هذه الحالة يمكن أن تكون الأسئلة فلسفية أو اجتماعية أو سياسية، أو معلوماتية، الخ. وكذلك الأجوبة.
يقترح فريدمان ( 2010 ,Friedman) سلسلة خماسية للتقصي: إسأل، تحقّق، ابتدع، ناقش، تبصر أو تفكّر[22]. وتقترح "فيرجينيا لي" سلمًا للتقصي يزيد فيه دور الطالب تدريجيًا في اختيار الموضوع وطرح السؤال وجمع المواد والمعلومات والتصميم والتحليل واستخراج النتائج حتى يصبح هو الذي يقوم بكل شيء تقريبًا، في الدرجة العليا المسماة عندها "البحث الاستفساري للطالب[23]" ( 2011:154 ,.Lee, V. S). وفي هذا الاقتراح يظهر الدور الجوهري للتقصي في التمهيد للمرحلة "البحثية" في التعليم العالي (على مستوى الماجستير والدكتوراه). هذه الصلة هي التي جعلت ليفي (2011 ,.Levy,P) يميّز بين التقصي من أجل التعلّم (inquiry for learning) والتقصي من أجل بناء المعرفة (inquiry for knowledge-building)، أو بين البارادايم التعلمي والبارادايم الاستكشافي والترابط الوثيق بينهما. في النوع الأول من التقصي يقوم الطالب باستقصاء المعرفة الموجودة وآراء الآخرين، وفي الثاني ينتقل إلى أن يقول شيئًا شخصيًا أو جديدًا في الحقل الذي يدرسه.
وللتقصي صيغ "بيداغوجيـة" متعدّدة الأسماء: التعلّم المبــني على التقــصي (inquiry-based learning-IBL), التعـلّم المبني على المشكــلات (problem-based learning-PBL), التعلّم الموجه عن طريق التقصي (inquiry-guided learning-IGL)، الأنشطة الموجهة عن طريق التقصي (Inquiry-Oriented Activities)، والمنهج المبني على التقصي (inquiry-based curriculum)
(Levy, P. 2011, Lee, V.S., 2012, Aditomo, A., 2011, Ahuna, K. H et al, 2011, Friedman, D. B. et al, 2010, Hu, S.,et al, 2008, Justice, C.,atal, 2010).
وهذه التسميات والأساليب واسعة الانتشار تجريبيًا أو عمليًا في التعليم العالي في بلدان مثل كندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأميركية.
ويرتبط بالتقصي مفهوم المداولة أو المذاكرة (deliberation) الذي يظهر العلاقة مع الآخر في البحث عن الأجوبة وكيفية اتخاذ القرارات، التعلمية أو الاكاديمية أو الاجتماعية والسياسية. المداولة تعكس الفلسفة الديمقراطية والسلوك المدني. ومن هذه الزاوية ينضم التعليم التعاوني إلى الطرق المحفزة على المداولة (245: 1999,.Ehrlich,JT).
خلاصة فكرة المداولة أنها تدرج الطلبة في المجموعة المتعلمة للتأكد من أن المعرفة تم تطويرها أو تم أخذ القرار الصائب فيها، أو حلت المشكلة، فرديًا وجماعيًا، عن طريق التفكير التداولي والنقدي من قبل عدة أطراف متفاعلة ومتعاونة في ما بينها، تضمّ الطلاب والأساتذة وأفرادًا من المجتمع المحلي ( .Saltmarsh ,2011,.Finley, A ,2010:277, Maila, M.W) في "نظرية التداول الديمقراطي" (deliberative democratic theory) يقول ساندبيرغ، تشمل المداولة "النقاش والمناظرة (debate) الهادفة إلى إنتاج آراء مدروسة ومستنيرة (informed opinions) وحيث تكون في نية المشاركين مراجعة آرائهم في ضوء المعلومات الجديدة وإطلاعهم على آراء الآخرين". وهي تزيد الالتزام المدني للمشاركين بقدر ما تقوم على احترام آراء الاخرين، وعلى الإرادة في تحمّل الأفراد مسؤولياتهم كمواطنين (2008 .Sundberg, E).
رابعًا: المسؤولية المدنية في الجامعات العربية
استنادًا إلى ما هو منشور، نعرف ثلاثة أمور عن المسؤولية المدنية في الجامعات العربية.
أولاً، إن هناك إحدى عشرة جامعة عربية[24] مندرجة اليوم في تحالف "معًا"، وهو تجمع إقليمي يشكّل أحد شركاء شبكة "تالوار" العالمية ويعمل بالتعاون معها. وبالتالي فهي موقعة على إعلان تالوار (2005) حول المسؤولية المدنية. ويهدف التحالف إلى "أن يجمع الجامعات العربية معًا لتحقيق هدف جماعي هو تشجيع تطبيق الالتزام المدني وتحسينه في التعليم العالي". وذلك من خلال الاجتماعات والمؤتمرات وورش العمل وتسهيل تبادل التجارب الجيدة و"تشجيع الطلبة على التعاون مع إداريي الجامعة لزيادة برامج الالتزام المدني"[25].
هذه المبادرة تؤشر على نية عدد من الجامعات العربية في الاهتمام بالبعد المدني، وتؤسس لنواة من الأكاديميين والوثائق والأفكار والمبادرات، التي يمكن البناء عليها في المحيط العربي. لكننا لا نعرف التطورات المدنية التي حدثت في الجامعات الأعضاء في التحالف منذ انشائه، ولا الآثار الممكنة التي تركها التحالف على الجامعات الأخرى أو على نظم التعليم العالي. ومن الملفت أنه لا توجد أي جامعة حكومية من مصر أو تونس عضو في التحالف، وأن 9 من 11 من هذه الجامعات هي مؤسسات غير حكومية، وأن 6 منها ذات نظام أميركي في التعليم. ثمة العديد من الاسئلة التي تستحق البحث في تجربة "معًا".
ثانيًا، إن ما هو منشور في الكتابات الأجنبية عن الجانب المدني في الجامعات العربية يكاد يكون لايذكر. من أصل حوالى 150 دراسة تمت مراجعتها لتحضير هذه الورقة عن المسؤولية المدنية، وجدنا أربع دراسات فقط تتعلق بالجامعات العربية.
الدراسة الأولى هي محاولة لتفسير ثورات الربيع العربي وعدم الاستقرار بتزايد أعداد الطلبة الجامعيين بصورة أكبر من فرص العمل المتاحة وآمال الطلاب والخريجين المهنية، الأمر الذي ينجم عنه زيادة بطالة المتعلّمين.على أن الفقرة الوحيدة ذات العلاقة بموضوعنا، أي ما تقدّمه الجامعة في الباب المدني، وردت في نهاية الورقة بصورة إشارة إلى مرجع آخر" وجد "ألغان وغيره" أن تنويع طرق التعليم-مثلاً المناقشة داخل مجموعة مقابل المحاضرة- تبدو ذات أثر على آراء الطلبة ومعتقداتهم" (2012:185 .Campante, F. R., &Chor, D). وهذه الاشارة عامة لا تنحصر طبعًا بالبلدان العربية.
الدراسة الثانية قديمة نسبيًا، في تاريخ نشرها وفي معلوماتها. لكن فائدتها أنها تعكس المعاني المتداولة للخدمة الاجتماعية. فالمؤلفة تعتبر أن الخدمة المدنية في البلدان العربية ذات أساس ديني، ويتمثل ذلك في الزكاة والصدقة عند المسلمين. كما تشير إلى الخدمة المدنية التي يديرها عسكريون. كما هي الحال في مصر مع البرنامج الذي أطلق في العام 1973 للطلاب الجامعيين المعفيين من الخدمة العسكرية واستبداله ببرنامج خدمة مدنية يمتد من ستة أشهر إلى سنة. ويعمل الملتحقون في هذا البرنامج في حقول التعليم والخدمات الصحية وتنظيم الأسرة والتنمية المحلية وتقديم المساعدة في الكوارث. أما المعنى الثالث، فيتعلق بخدمة المجتمع والعمل التطوعي. (2004 .Kandil, A). الدراسة الثالثة عن الجامعة الأميركية في بيروت ومدى التزامها المدني، من خلال "مبادرة حسن الجوار" (2013. Myntti, C). ونجد للمؤلّفة دراسة أخرى عن الموضوع نفسه نشرته مع زملاء لها قبل ثلاث سنوات تشرح فيها السياق الجامعي للالتزام المدني وإنشاء مركز الالتزام المدني وخدمة المجتمع في الجامعة، ونشاط الجامعة في وادي البقاع، ومبادرة حسن الجوار (2010 Myntti, C. et al)، كما نجد نسخة عربية منشورة عن هذه الدراسة الأخيرة (مينتي وزملاؤها، 2010). الدراسة الرابعة عن الالتزام الاجتماعي في الجامعة اليسوعية والمتمثل بما يسمى "اليوم السابع"، وهي منشورة على غرار دراسة مينتي باللغتين العربية (عون، ج، 2010) والفرنسية (2010,.Aoun, G).
هذه القلة في الكتابات باللغة الاجنبية لا تعوّضها الكتابات العربية.
هناك دراستان نشرتا في أعمال المؤتمر الإقليمي العربي إلى جانب دراستي منتي وعون واحدة عن المواقف الديمقراطية للطلاب حسب القطاع في مصر (سيكا، 2010) وثانية عن تجربة برنامج ماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت (قسيس، 2010).
كما وجدنا حوالى 20 دراسة تتناول معظمها المواطنة والتربية المواطنية والتربية المدنية في التعليم العالي، معظمها دراسات أمبيريقية الطابع تستعمل الاستبيان وتفضي إلى أرقام ودلالات إحصائية، لكن دون أن تزوّد القارئ أي فكرة عن أحوال التربية المدنية أو المواطنية في البلدان والجامعات المدروسة.
موضوع تعليم الانسانيات في الجامعات العربية كتب عنه في العام 2008، وتبيّن الدراسة الإهمال الرسمي (مؤتمرات وزراء التعليم العالي العرب)، والتضخّم والكثافة الطالبية في الفروع الإنسانية التي تطبّق فيها معايير اصطفاء أدنى بصورة تفضي إلى ثنائية عامة: نخبوية الاختصاصات العلمية وشعبية الاختصاصات الإنسانية (الأمين، 2008).
موضوع الحريات الاكاديمية كان مدار اهتمام كثيف خلال السنوات العشر الماضية. لم تكتب دراسات أكاديمية مهمة، إنما عقدت ندوات ومؤتمرات وصدرت إعلانات على غرار الإعلانات العالمية، وخلاصة ما قيل هو الاحتجاج الشديد اللهجة على ما يجري في جامعات هذه البلدان وأولها "ضرورة إلغاء الوصاية السياسية عن المجتمع الأكاديمي، والتزام السلطات العمومية باحترام استقلال المجتمع العلمي بمكوّناته الثلاثة من أساتذة وطلبة وإداريين، وتجنيبه الضغوط الخارجية والتدخلات السياسية التي تسيء إلى حرية الهيئات الأكاديمية مما يوفر شرطًا ضروريًا لنجاح العملية التعليمية وتطوّر البحث العلمي" كما جاء في إعلان عمّان 2004 [26]. دراسة واحدة شكّلت استثناءً إذ قامت بتحليل موثق لخط تدهور الحريات الاكاديمية في مصر من طه حسين وكتابه " في الشعر الجاهلي" (1926) وصولاً إلى قضية نصر حامد أبو زيد في العام 1992 فإلى تحريم الكتب في الجامعة الأميركية في القاهرة (1998-1999) وممارسة القهر والقمع في سائر الجامعات المصرية (نوفل، ن. 1999).
النتيجة مما يسمى "مراجعة الأعمال السابقة" عربيًا في موضوع المسؤولية المدنية للجامعة، أو المصطلحات الأخرى التي تجسّدها تفيد، مقارنة بالمراجعة العامة، أن معرفتنا الاكاديمية بأحوال البعد المدني للتعليم العالي في بلداننا محدودة جدًا قياسًا بحجم التعليم العالي في المجتمع وبخطورة القضية المدنية في البلدان العربية وتعقدها. وفي حين أن الكتابات الاميركية والاوروبية تثير مسألتي النموذج الاقتصادي والتسلط الحكومي، على حساب النموذج المدني، فإن ورقة نوفل تثير مسألتي النموذج الأيديولوجي والثقافة السياسية الدينية الممتدة عبر البيئة العميقة للمجتمع.
نحن في النهاية أمام حقل خام في المعرفة وفي الممارسة في المحيط الجامعي العربي، يستحق التنقيب المتأني.
لائحة المراجع
- الأمين، ع. (2004)، "التنشئة الاجتماعية وتكوين الطباع"، بيروت، المركز الثقافي العربي
- الأمين، ع. (2008)، "التعليم العالي في البلدان العربية، في: التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية"، بيروت، مؤسسة الفكر العربي، ص ص 14-206
- الأمين، ع. (4201)، "قضايا النوعية في التعليم العالي في البلدان العربية"، بيروت، الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية
- سيكا، ن. (2010)، الجامعات الخاصة في مصر: هل تعتبر أماكن لتنمية المواقف الديمقراطية؟ في: الأمين، ع. (محرر)." نحو فضاء عربي للتعليم العالي: التحديات العالمية والمسؤولية الاجتماعية" أعمال المؤتمر الإقليمي العربي حول التعليم العالي، القاهرة 31 أيار/مايو، 1-2 حزيران/يونيو 2009، بيروت، مكتب اليونسكو الإقليمي، ص ص 769-784
- عون، ج. (2010). الالتزام الاجتماعي للطلبة الجامعيين: تجربة جامعة القديس يوسف في بيروت، في: الأمين، ع. (محرر). "نحو فضاء عربي للتعليم العالي: التحديات العالمية والمسؤولية الاجتماعية" أعمال المؤتمر الإقليمي العربي حول التعليم العالي، القاهرة 31 أيار/مايو، 1-2 حزيران/يونيو 2009، بيروت، مكتب اليونسكو الإقليمي، ص ص 673-682
- غنيم، و. (2012)، الثورة 2.0، "إذا الشعب يومًا أراد الحياة"، القاهرة، دار الشروق
- قسيس، م. (2010). برنامج الماجستير في الديمقراطية وحقوق الانسان في جامعة بيرزيت، في: الأمين، ع. (محرر)." نحو فضاء عربي للتعليم العالي: التحديات العالمية والمسؤولية الاجتماعية-" أعمال المؤتمر الإقليمي العربي حول التعليم العالي، القاهرة 31 أيار/مايو، 1-2 حزيران/يونيو 2009، بيروت، مكتب اليونسكو الإقليمي، ص ص 745-768
- نوفل، ن. (1999)."الحـرية الأكاديمـية بين النظرية والتطبيق (قراءة في الواقع المصري)"، ورقة غير منشورة
- اليونسكو (2009)،" دليل المؤتمر الإقليمي العربي حول التعليم العالي"، القاهرة 31/5-1/6/2009، بيروت، 63 صفحة.
- Aditomo, A., Goodyear, P., Bliuc, A., & Ellis, R.A- (2011), “Inquiry-based learning in higher education: principal forms, educational objectives, and disciplinary variations”, Studies in Higher Education, 38 (9), 1-20. doi: 10.1080/03075079.2011.616584.
- Ahuna, K. H., Tinnesz, C. G., & Vanzile-Tamsen, C- (2011), “Methods of inquiry: Using critical thinking to retain students”, Innovative Higher Education, 36(4), 249-259. doi : 10.1007/s10755-010-9173-5
- Althusser, L. (1976), «Idéologie et appareils idéologiques d'état», in Positions (pp 67-127). Paris, éditions sociales
- Aoun, G. (2010), “L’engagement social des étudiantsuniversitaires: expérience de l’Université Saint-Joseph de Beyrouth”, in Lamine, B. (ed): Towards an Arab Higher Education Space : International Challenges and Societal Responsibilities, (pp593-602), UNESCO.
- Avina, J. (2013), “The evolution of corporate social responsibility (CSR) in the Arab Spring”, The Middle East Journal, 67(1), 76-91.
- Bawa A.C. &Munck, R (2012), “Globalizing civic engagement”, In McIlrath, L. (Eds), “Higher education and civic engagement: comparative perspectives” (pp. IX-XIX), New York: Palgrave Macmillan.
- Belfield C. R. & Levin M.L (2002), “Education Privatization: causes, consequences and planning Implications”, UNESCO Report
- Bergan, S. (2004), “A tale of two cultures in higher education policies: The rule of law or an excess of legalism?”, Journal of Studies in International Education, 8(2), 172-185. doi: 10.1177/1028315303260828
- Biesta, G. (2011), “Learning democracy in school and society education, lifelong learning, and the politics of citizenship”, Rotterdam: Sense Publishers.
- Boland, J. A. (2011), “Positioning civic engagement on the higher education landscape: Insights from a civically engaged pedagogy”, Tertiary Education and Management, 17(2), 101-115.doi: 10.1080/13583883.2011.562523
- Boland, J. A. (2012), “Orientations to civic engagement: Insights into the sustainability of a challenging pedagogy”, Studies in Higher Education, 39(1), 1-16.doi: 10.1080/03075079.2011.648177
Bourdieu, P, et Passeron, C. (1970), «La reproduction, éléments pour une théorie du système d'enseignement», Paris, Minuit
- Bringle, G. & Clayton, P.H (2012), “Civic education through Service Learning: What, how, and why?”, In: McIlrath, L. (Eds), Higher education and civic engagement: comparative perspectives (pp. 101-124). New York: Palgrave Macmillan.
- Campante, F. R., & Chor, D. (2012), “Why was the Arab world poised for revolution? Schooling, economic opportunities, and the Arab Spring”, Journal of Economic Perspectives, 26(2), 167-188.doi: 10.1257/jep.26.2.167
- Caputo, D. A. (2005), “A Campus View: Civic engagement And The Higher Education Community”, National Civic Review, 94(2), 3-9.
- Carcasson, M., & Sprain, L. (2012), “Deliberative democracy and adult civic education, New Directions for Adult and Continuing Education”, (135), 15-23. doi: 10.1002/ace.20022
- Dewey, J. (1907), “The School and Society”, Chicago, University of Chicago Press:
- Dobriansky, P. (2004), “Promoting a Culture of Lawfulness”, Georgetown University.
- Downs, D. A. (2012), “Civic education versus civic engagement”, Academic Questions, 25(3), 343-347.doi: 10.1007/s12129-012-9302-y
- Ehrlich, T. (2000), “Civic responsibility and higher education”, Westport, Conn.: Oryx Press.
- Fernandez, O. (2005), “Towards European citizenship through higher education?”, European Journal of Education, 40(1), 60-68.
- Finley, A. (2011), “Civic learning and democratic engagements: A review of the literature on civic engagement in post‐secondary education”, Association of American Colleges & Universities, 0, 28.
-Freire, P. (1970), “Pedagogy of the Oppressed”, freire_pedagogy_oppresed1.pdf
- Friedman, D. B., Crews, T. B., Caicedo, J. M., Besley, J. C., Weinberg, J., & Freeman, M. L. (2010), “An exploration into inquiry-based learning by a multidisciplinary group of higher education faculty”, Higher Education, 59(6), 765-783. doi: 10.1007/s 10734-009-9279-9
- Gifford, C., Gonçalves, S., Wołodźko, E., &Gocsal. (2010), “Post-national citizenship and higher education in the European Union”, European Political Science, 9(3), 341-357.
- Gutmann, A. (1987), “Democratic education”, Princeton, N.J.: Princeton University Press.
- Haigh, M. (2008), “Internationalization, planetary citizenship and higher Education Inc. Compare: A journal of comparative education”,38(4), 427-440. doi: 10.1080/03057920701582731.
- Hillygus, S. D. (2005), “The missing link: Exploring the relationship between higher education and political Engagement. Political Behavior”, 27(1), 25-47. doi:10.1007/s11109-005-3075-8
- Howe, K.R. & Meens, D.E. (2012), “Democracy left behind: How recent education reforms undermine local school governance and democratic education”, Boulder, CO: National Education Policy Center.
- Hu, S., Kuh, G. D., & Li, S. (2008), “The effects of engagement in inquiry-oriented activities on student learning and personal development”, Innovative Higher Education, 33(2), 71-81. doi: 10.1007/s10755-008-9066z
- Justice, C., Rice, J., Roy, D., Hudspith, B., & Jenkins, H. (2009), “Inquiry-based learning in higher education: administrators’ perspectives on integrating inquiry pedagogy into the curriculum”, Higher Education, 58(6), 841-855. doi: 10.1007/s10734-009-9228-7
- Kandil, A. (2004), “Civic service in the Arab region”, Nonprofit and Voluntary Sector Quarterly, 33(4 suppl), 39S-50S.doi: 10.1177/0899764004270097
- Kantanen, H. (2005). "Mission civique et responsabilité sociale" Les nouveaux enjeux des relations publiques, dans l'enseignement supérieur. - Politiques et gestion de l'enseignement supérieur, 17(1), 117-134.
- Kimball, M.S.et al (2009), “Empirics on the Origins of References: The case of college Major and Religiosity”, National Bureau of Economic Research
- Kenney, D. J., & Godson, R. (2002), “Countering crime and corruption: A school-based program on the US-Mexico border”, Criminology and Criminal Justice, 2(4), 439-470. doi: 10.1177/17488958020020040401
- Lee, V. S. (2011), “The power of inquiry as a way of learning”, Innovative Higher Education, 36(3), 149-160. doi: 10.1007/s10755-010-9166-4
- Levy, P. (2011), “Embedding inquiry and research into mainstream higher education: A UK perspective”, Council on Undergraduate Research, 32(1), 36-43.
- Maila, M.W. (2010), “Curriculum as open-ended inquiry in higher education”, Africa Education Review, 7(2), 263-282. doi: 10.1080/18146627.2010.515385
- Mccowan, T. (2012), “Opening spaces for citizenship in higher education: Three initiatives in English universities”, Studies in Higher Education, 37(1), 51-67. doi: 10.1080/03075079.2010.493934
- McGover, P. (2003), “Civic Engagement in Higher Education: A Grounded Theory”, The University of Montana, (UMI No. 3093124).
- McIlrath, L. (2012), “Higher education and civic engagement: comparative perspectives”, New York: Palgrave Macmillan. 268 p. doi:10.1057/9781137074829
- Millican, J., &Bourner, T. (2011), “Student-community engagement and the changing role and context of higher education”, Education + Training, 53(2/3), 89-99.Doi: 10.1108/00400911111115645
- Morton, K. & Saltmarsh, J. (1997), Addams, Day, and Dewey, “The emergence of Community Service in American culture”, Michigan Journal of Community Service Learning, Fall 1997, pp 137-142.
- Munck, R. (2010), “Civic engagement and global citizenship in a university context, Arts and Humanities in Higher Education”, 9(1). In McIlrath, L. (Eds), “Higher education and civic engagement: comparative perspectives” (pp. 31 - 41). New York: Palgrave Macmillan.
- Myntti, C. (2013), “Civic engagement in a challenging political context: The Neighborhood Initiative at the American University of Beirut”, Lebanon. The Journal of General Education, 62(4), 238-246.doi: 10.1353/jge.2013.0024
- Myntti, C.,Zuraik, Rami, Mabsout, Mounir (2010), "Beyond the Walls : The American University in Beirut Engages its Communities", In Lamine, B. (ed.) “Towards an Arab Higher Education Space: International Challenges and Social Responsibilities” (pp 603-620), UNESCO
- Nussbaum, M. C. (2010), “Not for profit: why democracy needs the humanities”, Princeton, N.J.: Princeton University Press.
- Patiño‐González, S. (2009), “Promoting ethical competencies: education for democratic citizenship in a Mexican institution of higher education”, Journal of Moral Education, 38(4), 533-551. doi: 10.1080/03057240903321980
- Rocher, G. (1990), «Redéfinition du rôle de l’université »,
- Roland-Lévy, C., Raubik, R., Davies, I., Bauer, T., Fülöp, M., & Krull, E. (2002), Implementing citizenship education: Issues from higher education in Europe, "Citizenship, Social and Economics Education", 5(1), 53-61.
- Saltmarsh, J., Hartley, M. and Clayton, P.H. (2009), “Democratic Engagement White Paper”, Boston, MA: New England Resource Center for Higher Education.
- Schutze, H.G. (2012), “Universities and their communities - Engagement and service as primary mission”, In: McIlrath, L. (Eds), “Higher education and civic engagement: comparative perspectives”, (pp. 61-77) New York: Palgrave Macmillan.
- Smith, G., Ottewill, R., Jubb, E., Sperling, E., & Wyman, M. (2008), “Teaching citizenship in higher education”, European Political Science, 7(2), 135-143. doi:10.1057/eps.2008.8
- Sullivan M. W. (2000), “Institutional identity and social responsibility in higher education”, in Ehrlich, T. (Eds), “Civic Responsibility and Higher education”, Phoenix, American Council of Education and the Oryx press
- Sundberg, E. (2008), “Deliberative Civic Education and Student Engagement (Doctoral dissertation)”, Retrieved from ProQuest Digital Dissertations, (UMI No. 3317754)
- Tansey, L. (2012), “Volunteering within Higher Education - A literature exploration and case study”, In: McIlrath, L. (Eds), “Higher education and civic engagement: comparative perspectives”, (pp. 125 - 138) New York: Palgrave Macmillan.
- Tapia, M.N (2012), “Academic excellence and community engagement: Reflections on the Latin American experience”, In: McIlrath, L. (Eds), “Higher education and civic engagement: comparative perspectives”, (pp. 188 - 203) New York: Palgrave Macmillan.
- Thompson, D. F.(1972), “Democracy and the governing of the university”, Annals of the American Academy of Political and Social Science, 404, “American Higher Education: Prospects and Choices” (Nov., 1972), 157-169.
- White, M. (2013), “Higher education and problems of citizenship formation”, Journal of Philosophy of Education, 47(1), 112-127.
[1]-شجّع البنك الدولي هذه الوجهة في عدد لابأس به من بلدان العالم، عن طريق ربط القروض بالخصخصة، في التعليم كما في غيره
(2002 Belfield &Levin)
[2]- توجد حاليًا عشر هيئات وطنية لضمان الجودة والاعتماد في البلدان العربية هي بالترتيب الأبجدي: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السعودية، السودان، عمان، فلسطين، الكويت، ليبيا، مصر. والدول الباقية هي بصدد إنشاء هيئات مماثلة أو إنها تضع أنظمة بديلة لرقابة النوعية.
[3]- ثلاث جامعات في المملكة العربية السعودية، وجامعة القاهرة في مصر.
[4]-ألغي أسلوب انتخاب الرئيس والعمداء ورؤساء الأقسام في مصر بعد انتخاب السيسي.
[5]- الجامعة الأميركية في القاهرة، جامعة القديس يوسف في بيروت، جامعة الاحفاد للبنات في السودان، وجامعة القدس في فلسطين.
[6]- http://talloiresnetwork.tufts.edu/what-is-the-talloires-network/talloires-declaration
[7]-A default program of instrumental individualism
[8]-Economic growth
[9]-
[10]- 7910=http://www.unescobkk.org/index.php?id
[11]- http://www.congresouniversidad.cu/documentos/declaration.pdf
[12]- كما تفعل شركات النفط عندما تقدّم منحًا للطلاب لمتابعة تخصصهم في هندسة البترول مثلاً، أو عندما تموّل الشركات مشاريع خيرية تديرها جهات سياسية نافذة، وخصوصًا زوجات الرؤساء في عدد من البلدان العربية، على غرار ما قدّمته الشركات لدعم مشاريع لسوزان مبارك في مصر، وليلى بن علي في تونس والملكة رانيا في الأردن ( p5 ,2013 ,Avina)
[13]- 1999, July 1 - 29 Aspen Institute on June
[14]-
[16]- الموجهة نحو بيئة كوكب الارض
[17]- يصل هذا الخطر إلى الجامعة عن طريق توجهات بعض مجالس الأمناء بحجة التركيز على البرامج ذات "العائد"، وتوجهات الإداريين الذين يريدون "ضبط الانفاق" من خلال زيادة أعداد الطلبة في الصفوف وتقليص عدد الباحثين المساعدين الملحقين بالأساتذة، ومن خلال الاستغناء عن بعض المقرّرات ذات الاقبال الأقل، وهي مقرّرات إنسانية عادةً، الخ
[18]- لقد اعتمدنا كلمة طباع ترجمة لكلمة (habitus) بسبب معناها الاجتماعي، على غرار "طبائع الاستبداد" عند عبد الرحمن الكواكبي و"طبائع العمران" عند إبن خلدون. انظر كتابنا: "التنشئة الاجتماعية وتكوين الطباع" (الأمين، ع.، 2004)
[19]- المكسيك، كولومبيا، صقلية، بلغاريا، جورجيا، الخ
[20]-
[21]- http://en.wikipedia.org/wiki/Socratic_method
[22]- Ask-Investigate-Create-Discuss-Reflect
[23]- Structured, guided, student-directed, and finally independent student-research inquiry
[24]- الجامعة الاميركية في القاهرة (مصر)، الجامعة الاميركية في بيروت، الجامعة اللبنانية-الاميركية، جامعة سيدة اللويزة، جامعة القديس يوسف (لبنان)، جامعة عفت (السعودية)، جامعة الاحفاد (السودان)، جامعة القدس، جامعة بيرزيت (فلسطين)، مدرسة دبي للحكم (الإمارات العربية المتحدة)، الجامعة الأميركية في الكويت (الكويت).
[25]-
[26]- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (2004)
The civil responsibility of the university
A global movement began since the 90s after the end of the cold war, with the aim of reinforcing the humanitarian, civil, intellectual or democratic aspect in higher education which was lost after World War II. This movement is stirred by a growing tendency to act with selfishness where the logic of business and market reigns.
As for the Arab countries, they lately registered a unique mark in history which is the Arab Spring that emanated from both democratic and non democratic changes and from violent conflicts in several countries where the most severe types of non-civil, non-humanitarian and non-democratic behavior were created in the aim of destroying humanity and civilization. Higher education is not the reason, nor is education in general. However, the conspiracies as well as political and natural events can only have an impact in a “deep” environment that can contain it and education is part of this environment. Moreover, inquiring into the civil, educational and research role of higher education is a subject that is worthy of being studied and considered in our countries.
Thinking of the civil responsibility of universities here is only a subject worth studying if we aim to not only settle for political concessions that leave societies drowning in conflicts which can only be solved with violence. Nevertheless, having a closed civil mind in light of growing irritability would only eliminate all efforts that were previously exerted in higher education that aimed to “provide opportunities of higher education” and to “improve its quality”.
The issue that we are dealing with here is the civil dimension or role of universities. The main question here is: what is the status of civil education in the universities of Arab countries today? It is followed by another question: What are the chances of building or improving civil education for future university graduates if countries that are going through changes ever decided to boost achievable political concessions by taking measures in forming university elites in a way that strengthens civil education in the society and forms the dynamics of a social solidarity and of constructive peaceful developments? What we would like to discuss here is the essence of the civil dimension in the university.
La responsabilité civile des universités
Depuis les années 90 du siècle dernier, après la fin de la guerre froide, un mouvement mondial s’est manifesté visant à renforcer l’aspect humain, civil, intellectuel ou démocratique dans le domaine de l’enseignement supérieur, et qui témoignait un déclin après la deuxième guerre mondiale. Ce mouvement fut le résultat d’une tendance vers l’égoïsme et la logique du marché.
Les pays arabes ont connu récemment un printemps arabe qui fut le résultat de changements démocratiques et non démocratiques, de violents combats dans certains pays où apparait une sorte de comportement non civil, inhumain, et non démocratique détruisant ainsi l’humanité et la civilisation. Cela ne remonte ni à l’enseignement supérieur ni à l’enseignement en général. Or les complots et les événements à la fois politiques et naturels, ne peuvent être efficaces que dans un environnement «fertile», dont l’enseignement fait partie. Le rôle civil de l’enseignement supérieur, ainsi que les deux rôles éducatif et de recherche, sont des sujets qui méritent d’être étudiés dans nos pays. Penser à la responsabilité civile des universités est une affaire qui mérite d’être abordée, dans le cas où on ne voulait pas se contenter des arrangements politiques qui laissent derrière eux des sociétés vulnérables aux conflits qui ne peuvent avoir fin qu’en ayant recours à la violence. Un esprit civil renfermé détruit tous les efforts consentis précédemment dans le domaine de l’enseignement supérieur au niveau de «la création de nouvelles opportunités dans l’enseignement supérieur» et «l’amélioration de la qualité».
L’affaire que nous sommes en train d’étudier touche le rôle civil des universités. La question qui se pose alors est la suivante: quelle est la place qu’occupe de nos jours, la culture civile dans les universités des pays arabes? Cette question est suivie par une autre: quelles seront à l’avenir, les chances de développement de la culture civile chez les diplômés universitaires, dans le cas où les pays qui connaissent des changements voulaient renforcer les arrangements politiques qui peuvent être conclus, en formant les élites universitaires, lesquelles instaurent la culture civile dans la société. Cela aboutit à la formation de dynamismes de solidarité sociale et des développements constructifs pacifiques? Ce qui nous intéresse à ce niveau est la nature de l’aspect civil de l’université.