- En
- Fr
- عربي
رحلة في الإنسان
من يحب ذاته يحبه الآخرون
النرجسية بالمفهوم العام هي التركيز على الذات، أو الاعتداد بالنفس والميل إلى ترجيح كفة «الأنا» على ما عداها. أما التسميّة، فتعود إلى أسطورة إغريقية قديمة تروي قصة شاب افتتن بصورته المنعكسة على سطح الماء. وحسب الأسطورة، بقي واقفًا يحدّق بجمال ذاته، إلى أن لوى جسده وتحول إلى نرجسة (نوع من الأزهار).
ما هو رأي علم النفس الحديث بهذه الصفّة البشرية، وكيف يقيّمها أصحابها؟
الشخصيّة النرجسيّة
إذا حاولنا التفتيش عن معنى النرجسية في موقع «غوغل» على شبكة الانترنت نرى أنها صفة غير مستحبّة على الإطلاق. فهي تعبّر عن الأنانية والغرور والتعالي، إلى ما هنالك من صفات مكروهة من المجتمع. مع ذلك، فإن علم النفس بدأ يتناولها من زوايا مختلفة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حب «الأنا» يعتبر، بحسب الباحثين، متأصلاً في أعماق كلٍ منا بدرجات متفاوتة، لذا يصبح من الضروري برأيهم، التعرّف إلى ذواتنا من خلال تفهّم أبعاد الشخصيّة النرجسيّة.
كيف نتعرّف إلى النرجسيين؟
في هذا السياق أجريت اختبارات على مجموعات من الناس، طلب إليهم الإجابة على أسئلة تبرز معالم شخصياتهم. ونتيجة ذلك، تبيّن أن النرجسيّين يحبون الحياة الاجتماعيّة أكثر من سواهم، الأمر الذي يسهّل عليهم البروز ولفت الأنظار.
إلى ذلك، فقد أكّد معظمهم أنهم مميّزون، ويتمكنون من تأدية أعمال يعجز عنها سواهم.
واللاّفت أن نتائج الاستجوابات أظهرت صحّة ما ورد في الأسطورة الإغريقية. فالنرجسيون هم على العموم مأخوذون بمظهرهم الخارجي وشخصيتهم الفريدة. وهذا يظهر من خلال اهتمامهم المفرط بالأناقة وبالحياة الاجتماعيّة. والأهم أنهم يتجنّبون استخدام كلمة «نحن» ويستبدلونها بكلمة «أنا».
هل تعتبر مرضًا نفسيًا؟
النرجسيّة على العموم، لا تعتبر مرضًا يستحق العلاج، لكن في حال بلغت حدّ التطرّف، فإنها تصنّف في عداد اضطرابات الشخصيّة. وهذا يظهر من خلال أحلام غير واقعيّة بالنجاح، إضافة إلى الغيرة المفرطة من إنجازات الآخرين. والمعروف أن المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة يعتبرون أنهم يستحقون معاملة خاصة. والمثال على ذلك الصعوبة التي يواجهونها في أثناء انتظار دورهم في الأماكن العامة، وخصوصًا وراء من يجدونهم أقلّ شأنًا.
من هنا يمكن القول أن الشخصية المشار إلها هي مزيج من عاملين هما: الشعور الزائد بالعظمة والغرور المفرط، مع الإقدام على فرض الذات بالقوة. وهي شخصيّة ميّزت قادة سياسيين أشارت إليهم الدراسات، منهم على سبيل المثال صدّام حسين، وموسوليني وهتلر وسواهم من القادة المستبدين من الذين عرفهم التاريخ.
حتى الآن لم بتمكن علم النفس من معرفة أسباب تكوّن الشخصية النرجسية المرضية، لكن الأبحاث الجارية تشير إلى أنها قد تكون تعويضًا عن الشعور بالنقص.
أبعاد الشخصيّة النرجسية المرضية
من خلال دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا الأميركية، تبيّن أن النرجسيّة المرضيّة ترتبط عمومًا بالتهوّر في اتّخاذ القرارات، وبالعدائية والعنف، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العنف الذي يميّز هذا النوع من الإضطراب، قد يصل أحيانًا إلى درجة ارتكاب الجرائم وسواها من الأعمال غير المسؤولة. والمعروف أيضًا أن النرجسيين المرضيين يميلون إلى التفكير بالانتحار، وقد يقدمون عليه في حال شعورهم بالفشل، أو نتيجة عدم إعطائهم الأهمية التي يستحقونها «بنظرهم».
مرآة ذات وجهين
مع ذلك، ينظر علم النفس اليوم إلى النرجسية كمرآة ذات وجهين، أو سيف ذي حدين. فرصيدها، كما أشارت آخر الدراسات، بدأ يرتفع بشكل لافت، وخصوصًا بين طلاب الجامعات ورجال الأعمال والموظّفين في القطاعات العامة والخاصة. وهذا يعني بحسب الباحثين أننا نعيش حاليًا في ظل حضارة نرجسيّة متنامية، حضارة يسودها الأنانية والغرور والتنافس الحاد في جميع المجالات.
صحيح أن الكثيرين يجدون صعوبة في التعامل مع النرجسيين، لكن نتائج الدراسات، أكدّت أنهم يفرضون أنفسهم كقياديين، ويتولّون أعلى المناصب. فالطلاب النرجسيون على سبيل المثال، يبرزون خلال النقاشات الجماعية، كما يتمكّن معظمهم من النجاح في مقابلات العمل بعد التخرّج. والسبب أنهم يبرعون في إظهار ثقتهم بأنفسهم. وعرف نتيجة دراسة أجريت أخيرًا في جامعة كالفورنيا، أن النرجسية تعتبر متفشيّة بين مشاهير العالم بشكل عام.
إن التطّرف في إظهار عظمة الذات لا يخلو من الخطورة، لكن اكتساب الثقة بالنفس، والطموح إلى احتلال أعلى المراكز يعتبر ضروريًا لتحقيق الأهداف، لذا يمكننا تعلّم دروسٍ لا يستهان بها من الذين يعتبرون أنفسهم مركز الكون.