- En
- Fr
- عربي
اقتصاد ومال
أقرّت الحكومة مشروع موازنة العام 2019 في 27 أيار الفائت، بعد عشرين جلسة من المناقشة ومن دون قطع الحساب. مشروع الموازنة أصبح في عهدة مجلس النواب بينما تستمر التحركات الاحتجاجية والمواقف المعترضة على الكثير من البنود، خصوصًا ما يتعلق منها باقتطاع جزء من الرواتب وتحميل الفئات الأضعف مسؤولية خفض العجز...
الوزير الأسبق للمالية الدكتور جورج قرم يتحدّث إلى مجلة «الجيش» عن الموازنة وعن التدابير التقشّفية المتخذة.
«من المعلوم أنّ نسبة 35% من الموازنة تذهب إلى الرواتب والمخصّصات ومعاشات التقاعد، و35% خدمة دين عام، و11% عجز كهرباء، وما يقارب 9% إنفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة».
• يُشاع في الوقت الراهن أنّنا نمرّ في مرحلة خطرة من العجوزات الكبيرة: عجز مالي وتجاري وعجز في ميزان المدفوعات. ويطلبون منا أن نبذل المزيد من التضحيات للخروج من هذا الوضع الحرِج، وإلّا ستنهار الليرة وتتوقّف الدولة عن الدفع. فهل موازنة 2019 التقشّفيّة هي الحلّ برأيكم للخروج من هذا النفق؟ وهل الأرقام المُعلنة حتى الآن تتيح تخفيض العجز بالنسبة التي يُحكى عنها؟
- يحتاج لبنان خطّة اقتصادية تنموية، خصوصًا وأنّه يمرّ في ظروف مالية واقتصادية صعبة، إضافة إلى الوضع الإقليمي الدقيق.
إنّ اقتراحات الحكومة حول تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات ترتب آثارًا مؤذية سترتدّ على الفئات الأضعف، بينما تقدّمها الحكومة على أنّها «إصلاحات ضرورية للإنقاذ» فمن هي الفئة التي تحاول إنقاذها؟ يمكننا الاستنتاج...
فخفض 1% من الفائدة وتوفير 800 مليون دولار، أو تحويل الدَّين العام إلى دَين مستدام بفائدة 2%، كلّها إجراءات سوف تتحمّل كلفتها المؤلمة فئات الدخل المحدود والمتدنّي والطبقات المتوسّطة، على حساب حقوقها ومكتسباتها واستهلاكها وقدرتها الشرائية ومستوى معيشتها. وسيقابل ذلك خفض 15% من مجمل قيمة الفوائد المترتبة على الدَّين العام بالليرة اللبنانية، ما قد يوفّر 838 مليار ليرة من الإنفاق العام (565 مليون دولار)، وزيادة الضريبة على الفوائد من 7 إلى 10% لثلاث سنوات فقط، مع إعطاء المصارف حق إعادة حسم هذه القيمة من أرباحها الخاضعة لضريبة الدخل. في الواقع، تشكّل هذه الاقتراحات تكرارًا لـ«سلّة التدابير» نفسها، التي لطالما ردّدتها قوى السلطة في أعقاب كل أزمة مالية. إنّها التدابير نفسها التي رُوِّج لها إبّان مؤتمرات «باريس 1 و2 و3»، وها هي تتكرّر اليوم كمدخلٍ لتخفيض العجز المالي باعتباره شرطًا أساسيًا لفكّ أقفال أموال الدائنين في مؤتمر «سيدر».
وأضاف: إنّ السياسة التقشّفية هذه التي تطال رواتب المتقاعدين، وتخفيض التقديمات الاجتماعية والطبية وموازنة الوزارات... سوف تؤدي إلى المزيد من الانكماش ومن التراجع في إيرادات الخزينة، ما يُنذر بأنّ الحكومة تسير في الطريق الخطأ، فهذه الموازنة لا تملك رؤية تنموية.
علينا العودة إلى الدستور اللبناني الذي يتحدث عن الإنماء المتوازن وكذلك إلى التراث الشهابي الذي امتاز بسياسةٍ إنمائية حكيمة، فثمّة مناطق محرومة في الشمال والبقاع... في حين لم تُعرف لغاية الآن، طبيعة مشاريع سيدر وفي أي مناطق سوف تُنفّذ.
• برأيك ما هو دور المصارف في معالجة الوضع الذي نواجهه؟
- تشكّل موجودات المصارف نحو 3 - 4 في المئة من حجم الاقتصاد اللبناني، وهي تحقّق أرباحًا خيالية على حساب الاقتصاد الوطني، وبالتالي عليها المساهمة في حل جزء من المعضلة الاقتصادية والمالية التي يتخبّط بها لبنان.
• أي برنامج إصلاحي يمكن اعتماده لمواجهة الأزمة؟
- يتّسم النظام الضريبي في لبنان بتكيّفه مع حاجات الاقتصاد الريعي. فهو يكافئ أصحاب الريوع والرساميل ويعفيهم من أيّ ضغط ضريبي، وينقل 90% من هذا الضغط إلى الفئات الشعبية من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة. فنحن نعيش في ظلّ نظام ضريبي مجنون يحمّل الناس العبء الأكبر من تأمين إيرادات الدولة ليموّل كبار الأثرياء.
من هنا، إنّ أي برنامج لمواجهة الأزمة يجب أن ينطلق من النظام الضريبي، ووضع تصوّر لنظام بديل مع مجموعة من الإصلاحات والإجراءات أبرزها:
- إقرار ضريبة موحّدة على الدخل: لم يعد هناك دولة في العالم لديها نظام ضريبي يتضمّن ضرائب مختلفة على الدخل المتأتي من العقارات والفوائد والأجور وأرباح الشركات... سوى لبنان. لذلك يُفترض إقرار نظام الضريبة الموحّدة على الدخل ما يؤدّي إلى رفع الإيرادات المحصّلة من هذه الضريبة ويسهّل حياة المكلّف لناحية تقديمه تصريحًا واحدًا عن دخله، على أن تكون هذه الضريبة موزّعة وفق فئات الدخل. ففي الشطور العليا من المفترض أن ترتفع وتصل إلى 35 % برأيي.
- إعادة النظر بالضريبة على القيمة المضافة: من المفترض إعادة النظر بالضريبة على القيمة المضافة، ورفعها فورًا إلى 18% على الكماليات، وخفضها أو إلغاؤها عن الأساسيات التي تستهلكها الفئات الشعبية.
- تصحيح بدلات إشغال الأملاك البحرية: تُعدّ إيجارات الأملاك البحرية مصدرًا مهمًا للإيرادات، لكنّ أسعارها لم تصحّح منذ العام 1992 بالتوازي مع ارتفاع أسعار العقارات، وهو ما يُفترض إعادة النظر به.
- وضع ضريبة على الأرباح في البورصة: في لبنان، وعلى عكس باقي بلدان العالم، لا تُفرض أي ضريبة على الأرباح الرأسمالية المحقّقة في بورصة بيروت وفي البورصات العالمية، وهو ما يجب العمل عليه في إطار أي تصحيح ضريبي.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الرأسماليين في لبنان هم أنفسهم السياسيون، وهذا أمر مُدان عالميًا.
- إقرار الضريبة على الشركات العقارية: من المعروف أنّ الشركات العقارية أُنشِئت بغرض التهرّب الضريبي، عبر تحويل المتاجرة بالعقار نفسه إلى متاجرة بأسهم الشركات العقارية، وبالتالي التهرّب من دفع نسبة 6,5% من ثمن العقار المُتاجَر به كرسمٍ لتسجيله. لذا من المفترض فرض هذه النسبة على عمليات المتاجرة العقارية عبر الأسهم، وهو ما حاولتُ إقراره حين كنت وزيرًا للمالية، إلّا أنّ مجلس الوزراء رفضه.
- إعادة النظر بكيفية استخدام إيرادات البلديات: يخصّص القانون 10% من بعض إيرادات الدولة للبلديات، إلّا أنّ عدم تحويل هذه الإيرادات حينًا، أو تحويلها واستعمالها كأداة ضغط سياسي على المجالس البلدية كنوعٍ من العلاقة الإقطاعية، فضلًا عن عدم تطبيق اللامركزية الحقيقية، يفرض إعادة النظر بكيفية استخدام هذا المصدر من الإيرادات، بحيث يستمر تحويله إلى البلديات لكن مع زيادة مسؤولياتها في تقديم الخدمات الاجتماعية، وخصوصًا المدارس الابتدائية ودور الحضانة. بالإضافة إلى ما سبق، ينبغي تطبيق قوانين اللامركزية الصادرة منذ عهد الرئيس اللواء فؤاد شهاب، وإنشاء مجالس القضاء والمحافظة لتعزير الوظائف التنموية في المناطق.
- إنشاء صندوق التقاعد المستقلّ لموظّفي الدولة: يبلغ رسم التقاعد 6% من مجمل الراتب. وفي حين باتت فاتورة التقاعد كبيرة جدًا على الدولة اللبنانية، لم يتمّ تأسيس صندوق التقاعد المستقلّ على الرغم من صدور القانون المتعلّق به في عهد الرئيس فؤاد شهاب. وبالتالي ما زالت هذه الرسوم المهمّة تدخل ضمن إيرادات الموازنة في مخالفة دستورية وقانونية ومؤسساتية واضحة.
• تُطرح مجدّدًا قضية الرواتب والأجور الخاصة بالعسكريين وكل ما يتعلّق باحتساب سنوات الخدمة والتقديمات الطبية والاجتماعية... ما رأيكم في هذا الموضوع؟
- هذا صحيح، تُطرح قضية تعويضات العسكريين للنقاش، لذا أرى أنّه من الضروري جعل هذه التعويضات منطقية وغير قابلة للنقاش مجددًا. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ طبيعة مهمات العسكري وعمله مختلفة جدًا عن باقي المهمات في القطاع العام، ولها خصوصيتها، فهو يؤدّي واجبه في الحر والبرد ويواجه الخطر والاستشهاد... وبالتالي أرى أنّه من الضروري أن نزرع الطمأنينة والاستقرار في نفوس العسكريين.
أخيرًا، تمنّى الوزير جورج قرم أن يخرج لبنان بخيرٍ من هذه الأزمة الاقتصادية والأوضاع العصيبة التي يمرّ بها وتشهدها المنطقة.