- En
- Fr
- عربي
بين الدول
كائنة ما كانت الظروف التي أدت إلى إقامة الحدود بين القارات والدول والمدن والقرى والأحياء... فإن العلاقات بين الشعوب محكومة بالتعاون والتواصل، اللّهم إلاّ في حالات الاحتلال والعدوان، وهي في كل الأحوال تبادل مستمر للتأثر والتأثير، ولا يمكن حصر مفاعيلها بوطن من الأوطان أو ببقعة من البقاع، وهذا ما يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، وينمو وينتشر سواء في حسن النوايا أو في سوئها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
ولبنان في موقعه المميز على خريطة العالم، والشرق تحديداً، والشرق الأوسط أكثر تحديداً، أو الشرق الأدنى كما كان يصطلح في أوقات سابقة، يدخل في كل التأثر والتأثير، وتنعكس الأمور الخارجية عليه، وهو بحد ذاته يؤثر فيها بما له من إمكانات سواء في موقعه وجغرافيته أو في أبناء شعبه المقيمين منه والمنتشرين.
ولا يطلب هذا الوطن العزلة والابتعاد عن الأحداث، خصوصاً وأنه عضو مؤسس وفاعل في مؤسسات العالم، البعيدة منها والقريبة، من الهيئة العامة للأمم المتحدة إلى الجامعة العربية، وليس الاهتمام الدولي به من باب التأثير فيه فحسب، إنما من باب تأثيره هو وفاعليته وقيمته وتميزه، ولو لم يكن ذلك صحيحاً لبقي معزولاً لا تتجه إليه الأنظار، ولا تعمل فيه المبادرات.
لكن لبنان لم يكن يوماً مطية للأحلاف الجانبية، ولم يمشِ في ركاب التجمعات ولم ينحن ِ للأهواء والرغبات، بل بقي مؤالفاً بين أفراد شعبه وهيئات مجتمعه، واستمر متعاوناً منسجماً مع محيطه العربي في مواجهة تنوعات سياسية تخطّت المعقول في أحيان كثيرة.
ويتسلح لبنان في كل ذلك بوحدته الوطنية، وهو سلاح فعّال «تم تصنيعه» من خلال العودة إلى الماضي والعناية بالحاضر والتأسيس للمستقبل، وما هذا السلاح إلاّ الأداة الفعالة لحماية كيان خاص تعددت طوائفه وتنوعت أفكاره وارتفعت أبواب الحرية فيه. والمؤالفة والتوفيق بين أجنحة الوطن لا يتوقف دورهما على صون الوحدة الوطنية وتفعيل التعاون بين السواعد والهمم، إنما يمتد أثرهما إلى الخارج في ضبط التعاون مع الدول وفي التوجه إلى العالم بتبصّر وحكمة، ورغبة في الاطلاع وحرص على الفاعلية ومن دون خضوع للشروط، وهذا ما يجب أن تهتم به الدول الصغرى، وتعمل في سبيله، كي تحافظ على مواقعها بين الدول.