- En
- Fr
- عربي
تعاون وصداقة
في العام ١٩٧٨ شاهد اللبنانيون في الجنوب لأول مرة القبعات الزرق إثر احتلال العدو الإسرائيلي لجزءٍ من الأراضي اللبنانية، تلك كانت طلائع قوات الأمم المتحدة التي أسسها مجلس الأمن الدولي بهدف التأكد من انسحاب العدو الإسرائيلي من لبنان واستعادة الأمن والسلام الدوليَين، ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعالة في المنطقة. في العام ٢٠٠٦ وعلى أثر عدوان تموز، قام مجلس الأمن الدولي بتعزيز قوة الأمم المتحدة المؤقتة بموجب القرار ١٧٠١، وبالإضافة إلى مهماتها، كلّفها بمراقبة وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية، ومساعدة الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة.
في التاسع والعشرين من شهر أيار من كل عام يُحتفل باليوم العالمي لحَفَظَة السلام التابعين للأمم المتحدة، وقد فَقَد العديد من هؤلاء أرواحهم فيما كانوا يؤدّون مهمتهم النبيلة. ومنذ العام ١٩٧٨، سقط على أرض لبنان ٣٢٢ من عناصر اليونيفيل الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة.
تتمركز قيادة قوات اليونيفيل في الناقورة، وينتشر جنودها في قطاعَين: شرقي بقيادةٍ إسبانية، مقرها في إبل السقي (قضاء مرجعيون)، وغربي قيادته إيطالية ومقرها في شمع (قضاء صور).
«الجيش» زارت القطاع الشرقي قبيل مغادرة قائده الجنرال خافيير أنطونيو ميراغايا والكتيبة الإسبانية بعد أن أنهت مهمتها التي استمرت ستة أشهر. يشمل هذا القطاع الذي تنتشر فيه قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان قضاءَي مرجعيون وحاصبيا، وقد أطلقت على المقر الذي يضم إلى القيادة الكتيبة الإسبانية، تسمية ميغيل دي ثربانتس Miguel de Cervantes تيمّنًا بالكاتب الإسباني الشهير صاحب رواية «دون كيشوت». في هذا القطاع جنود أتوا من أقاصي الأرض ليقوموا بواجبهم الإنساني وينفّذوا مهمة حفظ سلام، لكن هذه المهمة تتشعب وتتفرع منها مهمات أخرى تتمثل بالعديد من الخدمات التي تُقدّم للمواطنين اللبنانيين.
من مرجعيون إلى حرمون
من سهل مرجعيون إلى قمم جبل الشيخ، يستمتع قاطنو القطاع بمن فيهم جنود الأمم المتحدة بجمالٍ طبيعي مدهش. وفي تلك المنطقة الممتدة بمحاذاة الحدود الجنوبية الشرقية، تجمع القبعة الزرقاء أشخاصًا من جهات مختلفة من الأرض: وهؤلاء يُعربون عن اعتزازهم بالمهمة التي يؤدونها، وعن سعادتهم لوجودهم في هذا البلد الجميل المضياف، والذي تختزن مدنه وبلداته وقراه إرثًا ثقافيًا غنيًا يعود إلى قرون ما قبل الميلاد، وتنتشر شواهده في العديد من الأماكن. فالمنطقة الغنية بالينابيع والأنهر جذبت السكان منذ آلاف السنوات، وتعاقبت عليها شعوب وحضارات عديدة. والمشاركون في اليونيفيل يعرفون ذلك، ليس لأنّهم يخدمون في المنطقة فقط، بل لأنّهم تلقّوا قبل المجيء إلى لبنان تدريبًا خاصًا، من بين مواده معرفة العادات والتقاليد لدى السكان الذين سيقيمون بينهم، وأيضًا تاريخهم.
وجهتنا الأولى كانت مقر قيادة القطاع الشرقي في إبل السقي. عند مدخل القاعدة نصب تعبر تحته السيارات للدخول، بشكل قنطرة شبيهة بقناطر Cordoba تتوسطه تماثيل فينيقية. وفي الساحة الرئيسة أعلام وحدات اليونيفيل، ونصب تذكاري لشهداء الجيش الإسباني الذين سقطوا في لبنان.
ترحيب وسرور
هناك، كان في استقبالنا المسؤول الإعلامي في القطاع المقدّم فرناندو بونيللي الذي رحّب بنا بحرارةٍ، وزودنا لمحة عن القطاع والقوات المشاركة فيه، وأتاح لنا لقاء سريعًا مع ممثّلين عن كل وحدة من الوحدات المشاركة، قبل أن نتوجه إلى مكتب قائد القطاع الجنرال الإسباني خافيير أنطونيو ميراغايا. أول ما يُطالعنا به الضباط هو إعرابهم عن السرور بزيارة مجلة «الجيش» لقطاعهم. بالنسبة إليهم من المهم أن يتعرّف اللبنانيون، خصوصًا من هم خارج الجنوب، إلى مهماتهم في لبنان. في المقابل هم يشعرون بالأسى بسبب انتشار كورونا، ما حدّ من مجالات تفاعلهم مع المواطنين اللبنانيين. ومن الأمور التي يجمعون عليها، تقديرهم للشعب اللبناني وللتعايش القائم بين مختلف طوائفه، وإعجابهم بالمطبخ اللبناني، والبقلاوة تأتي على رأس قائمة الحلويات التي أحبوها.
قائد القطاع
يتحدث الجنرال ميراغايا عن علاقة تفهّم متبادل مع المواطنين اللبنانيين Mutual Understanding. ويقول: يرحبون بنا ويدعموننا، في المقابل نحن نأخذ بعين الاعتبار عاداتهم وتقاليدهم، ونبذل جهودًا من أجل مساعدتهم في المجالات الطبية والاجتماعية والإنسانية. ويضيف: الأهم بالنسبة لنا هو الاستقرار عند الخط الأزرق، ووقف أي شكل من أشكال الأعمال العدائية، وذلك بالتعاون طبعًا مع الجيش اللبناني. كما أنّنا نتخذ كل الإجراءات لمنع تفشّي وباء كورونا بين عسكريينا. فانتشار الوباء هو أصعب ما في مهمتنا.
في ما خص مشاركة النساء في قوة اليونيفيل، يقول: ترغب اليونيفيل برفع نسبة النساء بين عناصرها وترى أنّ ذلك يرفع مستوى فاعلية مهمتها، لكن الأمر يرتبط بسياسة الدول المشاركة فيها. أما الوظائف المسندة إليهن فتختلف بحسب كل دولة. وهو يوضح: بالنسبة لنا، هنّ ينفّذن كل المهمات الأساسية. ويقمن بعملٍ رائع. أنا فخور بهنّ. من جهة أخرى، يشير قائد القطاع الشرقي إلى أنّ وجود المرأة في اليونيفيل يساعد كثيرًا في دعم المرأة اللبنانية، فوجودها هنا وقيامها بكل المهمات هو مثال يشجّع اللبنانيات على الانخراط أكثر في مختلف مجالات العمل، خصوصًا وأنّ هناك تواصلًا بين الطرفَين.
العلاقة مع الجيش
تعاون قائم على الثقة Trust Cooperation، هكذا يصف الجنرال ميراغايا العلاقة بالجيش اللبناني، ويوضح: نتعاون معه في كل نشاطاتنا وبشكلٍ يومي. لدينا فريق تنسيقي من الجيش يقيم معنا بشكلٍ مستمر. ونحن نتعلّم من بعضنا. الجيش هو مؤسسة ملتزمة Commitment Institution، وهو يقوم بجهودٍ جبارة في مساعدة الشعب اللبناني. لدينا القيم نفسها. نحن نقدّر كل ما يقوم به وما قام به الجيش اللبناني، خصوصًا بعد انفجار مرفأ بيروت. نتشارك معًا مهمات عديدة مثل الدوريات والتمارين والتدريبات... وندعم بعضنا بعضًا لإنجاح المهمة، والمحافظة على الأمن والاستقرار.
شعب قوي
يعيش الشعب اللبناني حاليًا أوضاعًا صعبة اقتصاديًا واجتماعيًا. لكنّه شعب قوي وقادر على اجتياز الصعوبات، يقول ميراغايا، ويضيف: أوجّه رسالة أمل للبنانيين، وأتمنى أن يستمروا بالعمل من أجل الخروج من هذه الأزمة. وتجربتهم تشكّل مثالًا لنا لنستطيع تجاوز أزماتنا في إسبانيا.
ماذا عن الخدمة في بلد بعيد؟ وسائل التواصل تقلّص المسافات. وعائلاتنا تعلم أنّنا هنا ليس بهدف السياحة، وإنما لمساعدة الشعب اللبناني، وهم يتفهّموننا ويدعموننا. وسنخبرهم لاحقًا بكل ما خبرناه في لبنان... هكذا يجيب عن السؤال.
تسليم وتسلّم
القائد الجديد للقطاع الشرقي هو الجنرال الإسباني Javier Mur Lalaguna. وقد تسلّم مهماته من سلفه في احتفال جرى في الخامس من شهر حزيران المنصرم.
في الكتيبة الإسبانية
في قيادة القطاع، نلتقي عددًا من الذين يؤدون خدمتهم فيه. وفي محصلة أحاديثنا معهم ثمة إجماع على عدة أمور، أولها تقديرهم لقدرة الشعب اللبناني الذي يكافح من أجل مستقبل أفضل رغم كل ما عاشه من حروب وأزمات وفق ما يقول النقيب الإسباني Luis Cabrero de Celestino، وهو يزور لبنان للمرة الأولى. أما ثانيها فهو سعادتهم بالمهمة التي ينفّذونها رغم بعدهم عن أوطانهم وعائلاتهم، فهم يقيمون علاقات جيدة بالمواطنين، وبعضهم يشعر أنّه في وطنه الثاني. وثمة أمر آخر: طبيعة لبنان، وكرم أهله، ومطبخه الغني بالأصناف اللذيذة. وهذا ما يركز عليه الـMaj Abhishek Thakur الذي يأتي من الهند، وكذلك زميلته الأندونيسية 1st SGT Lisda Meilianna Hendrayani التي تخدم معه في وحدة التعاون العسكري - المدني، وهي ترى أنّ مهمتها في اليونيفيل تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة وتوفير الأمان في منطقة عملها. وتؤكد أنّ اهتمام اليونيفيل كبير بالنساء والأطفال لأنّهم الفئة الأضعف في المجتمع.
Capt Sandhya Khwanju طبيبة نيبالية، تعمل كما زميلَيها السابقَين في مجال التعاون العسكري - المدني. هي فخورة بوجودها هنا، وبما تقوم به من مهمات.
Lt Col Maysaros Chea سيدة أخرى من السيدات العاملات ضمن اليونيفيل، هي نائب قائد الوحدة الكمبودية، تتولى مسؤولية 30 امرأة من بلادها، 8 منهن يعملن في نزع الألغام الكمبودية، وتشير إلى أنّ البعض يعتقد أنّه ليس باستطاعة المرأة القيام بهذا النوع من العمل، ولكن المرأة أثبتت قدرتها على ذلك.
يتحدث الـMaj Daniyar Zaripov بكثيرٍ من الحيوية عن المهمات الهادفة إلى المحافظة على الأمن والاستقرار، هو من عديد الوحدة الكازاخستانية، ويؤكد أنّ تجربته في لبنان هي أهم تجربة له.
Lt Milca Jovanovic ضابط أنثى من صربيا، باتت تعرف الكثير عن لبنان، وهي تقدّر كيف يبقى اللبنانيون إيجابيين رغم كل الظروف. أما الصيدلي الصيني Pio. Maj Wei Yu فيرى أنّ لبنان جسر بين الشرق والغرب والشعب اللبناني طيب ومحب.
تضم الكتيبة الإسبانية وحدة من السلفادور قوامها عدد من المهندسين والأطباء وسواهم، من بين هؤلاء النقيب Roberto Landaverde المسؤول عن تنسيق العمل على الأرض بين الإسبان والصرب والسلفادور وتحضير التقارير ورفعها، وهو يشعر بالفخر لأنّ بلاده تمثل القارة الأميركية في اليونيفيل.
لقاؤنا الأخير قبل أن نغادر القطاع، كان مع الجندي الإسبانية Judith Pahissa Hernandez. هذه الشابة تشارك في الدوريات التي تراقب الخط الأزرق، وتشير إلى أنّها محظوظة بسبب وجود أصدقاء من جنسيات مختلفة حولها.
كثيرون ممن خدموا في لبنان ضمن قوات اليونيفيل عادوا إليه سيّاحًا، والجميع على اختلاف وظائفهم وجنسياتهم حملوا معهم ذكريات عزيزة من إقامتهم في بلدنا، حتى أنّ البعض تزوجوا بلبنانياتٍ وباتت تربطهم بلبنان علاقات وثيقة جدًا. لكن يبقى الأهم من كل ذلك أنّهم ينفّذون في لبنان مهمة حيوية، وسكان المناطق الحدودية يدركون مدى أهمية اليونيفيل للحفاظ على الأمن والاستقرار، ويعرفون أنّ دماء العديد من عناصرها سالت إلى جانب دماء اللبنانيين، وأنّ لهم في بلادنا خدمات جلى.