- En
- Fr
- عربي
تأثير صواريخ سكود العراقية والصواريخ الباليستي على الستراتيجية الاسرائيلية
كان لهجمات صواريخ سكود العراقية على اسرائيل خلال حرب الخليج تأثير كبير على الفكر الستراتيجي والعقيدة العسكرية للدولة العبرية. فقد أظهرت هذه الضربات مدى عرضة المجتمع المدني الاسرائيلي لهجمات الصواريخ الباليستياً, فبالرغم من أن الصواريخ الباليستية موجودة في منطقة الشرق الأوسط منذ قبل اندلاع حرب الخليج عام واحد وتسعين, فان اسرائيل لم تع حجم خطر هذه الصواريخ إلى أن وجدت نفسها عرضة لضرباتها. وهي لم تستطع الرد عليها في حينه بسبب الضغوط السياسية الأميركية لابقاء الدولة العبرية خارج المواجهة من أجل المحافظة على التحالف العسكري الذي ضم جيوشاً عربية لاخراج القوات العراقية من الكويت([1]).
لقد شعر العديد من المحللين العسكريين والمسؤولين في اسرائيل آن هيبة الردع الاسرائيلية قد تصدعت نتيجة سقوط صواريخ سكود على أراضيها. وقد شكل امتلاك العراق لآسلحة كيماوية وبيولوجية عامل قلق اضافي وأشعل جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والعسكرية الاسرائيلية حول ما إذا كان على اسرائيل اللجوء إلى ترسانتها النووية للرد على هجوم عراقي بأسلحة غير تقليدية([2]). ولا يزال هذا الجدل مستمراً حتى هذا اليوم نظراً لانتشار أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية في المنطقة. ستظهر هذه الدراسة ستظهر حجم تأثير الصواريخ البالستية على العقيدة العسكرية الميدانية للجيش الاسرائيلي بحيث تحوّلت من هجومية فقط إلى دفاعية. وستناقش هذه الدراسة فعالية الاجراءات المضادة التي اتخذتها القوات الاسرائيلية لصد صواريخ سكود, ومدى قدرة نظام الدفاع الجديد المضاد للصواريخ البالستية الذي تقوم اسرائيل بنشره على أراضيها([3]). كما ستسلط هذه الدراسة الضوء على ترسانة الصواريخ البالستية في المنطقة التي تعتبرها اسرائيل مصدر تهديد لها.
جذور العقيدة العسكرية الاسرائيلية
ترى اسرائيل نفسها في محيط معاد. فهي محاطة بدول عربية معارضة لقيامها في المنطقة منذ اللحظة الأولى لاستقلالها. وحتى عام 1990, خاضت اسرائيل خمس حروب (1948 و1956 و1967 و1973 و1982). لذلك فان لديها شعوراً قوياً بأنها عرضة للتهديد. بالاضافة إلى ذلك, فهي تملك عمقاً جغرافياً ضيقاً وعدد سكان منخفضاً, مقارنة مع جيرانها العرب. هذه العوامل الثلاثة ـ الشعور بالخطر, وضيق المساحة الجغرافية وضآلة عدد السكان ـ جعلت اسرائيل تعتبر نفسها في وضع حرج ستراتيجياً وأمنيا ([4]) مما دفع القادة الاسرائيليين لاعتماد ستراتيجية هجومية مبنية على الضربات الاستباقية أو الوقائية, ونقل المعركة إلى أرض الخصم من أجل حسمها بسرعة وتجنب حرب استنزاف مكلفة([5]). وقد بنت اسرائيل قواتها المسلحة من أجل تطبيق هذه الستراتيجية. فقد تحولت إلى دولة “تحت السلاح”, إذ يشكل جنود الاحتياط جزءاً كبيراً من عديد قواتها المسلحة. وسعت لتأمين تفوق نوعي في العتاد والتكنولوجيا للتعويض عن النقص العددي في القوات مقابل الجيوش العربية([6]). ومكنت المساعدات العسكرية الأميركية اللا محدودة اسرائيل من تحقيق تفوق نوعي في العتاد. وقد تدفقت إليها خلال فترة الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي, وكانت بعض الدول في تلك الحقبة, مثل مصر وسوريا والعراق, محسوبة على الاتحاد السوفياتي وتتلقى أسلحة من المعسكر الشرقي.
وركزت اسرائيل منذ بداية تسلحها على تحقيق تفوق جوي على خصومها العرب, وساهم هذا التفوق في تحقيق تقدم سريع للقوات المدرعة والممكننة الاسرائيلية على أرض المعركة, كما حصل في حربي 56 و67 ضد الجيوش العربية([7]). ويعتبر بعض المحللين العسكريين أن تخلي اسرائيل لفترة وجيزة عن عقيدة الضربات الوقائية مكَّن القوات المصرية والسورية من مباغتتها وتحقيق مكاسب عسكرية في حرب الغفران([8]), لكن اسرائيل أعادت إحياء عقيدة الضربات الوقائية بعد حرب 73 وقامت بتطبيقها في حرب 82 عندما هاجمت مقاتلاتها قواعد صواريخ السام السورية في سهل البقاع خلال اجتياح لبنان([9]). وقد هدفت عقيدة الهجوم الاسرائيلية إلى ايجاد عامل الردع, وذلك من أجل دفع العرب عن الخيار العسكري باتجاه الوسائل السياسية والسلمية لحل الخلاف العربي ـ الاسرائيلي([10]), كما بنت اسرائيل ترسانة نووية, في مسعى لتعزيز عامل الردع ومنع العرب من التفكير بامكانية ازالتها من الوجود([11]). وهكذا أصبح هدف اسرائيل الأمني الأساسي بناء عامل رادع منيع وفعال بعد أن اهتز في حرب الغفران([12]). وحتى عام 1991, بقيت هيبة الردع الاسرائيلية فعالة بالرغم من الخروقات المحدودة عبر عمليات الفدائيين الفلسطينيين ورجال المقاومة اللبنانية ضد المستعمرات الشمالية, إنطلاقاً من جنوب لبنان.
فشل الردع
المقاتلات الاسرائيلية المتطورة أمنت سيطرة جوية شبه تامة على الأجواء العربية, ومنعت القاذفات العربية من اختراق أجواء الدولة العبرية وتهديد مدنها. لكن هذه المقاتلات ليست فعّالة ضد الصواريخ البالستية, كما اكتشف الاسرائيليون بعد سقوط أوّل صاروخ سكود عراقي على تل أبيب خلال حرب الخليج([13]). فبالرغم من أن الزعماء الاسرائيليين كانوا يعرفون بوجود الصواريخ البالستية لدى بعض الدول العربية, إلا انهم اعتمدوا على لغة التهديد لثني العرب عن استخدامها ضدهم. ويعتبر تصريح رئيس وزراء اسرائيل الراحل اسحاق رابين عندما كان وزيراً للدفاع في ثمانينات خلال الحرب الايرانية العراقية مثالاً على ذلك. فلقد هدد رابين, في حينه, الدول العربية بعواقب وخيمة في حال أقدمت على قصف المدن الاسرائيلية بالصواريخ البالستية, إقتداء بتبادل القصف الصاروخي يومها بين طهران وبغداد([14]). كما حذر رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحاق شامير في بداية حرب الخليج في آب 1990 بغداد من قصف العمق الاسرائيلي([15]). لكن الردع الاسرائيلي فشل في وقف ضربات الصواريخ العراقية. ووجدت حكومة الليكود اليمينية نفسها تحت ضغط داخلي شديد للرد. لكن تدخل الولايات المتحدة عن طريق المساعي الدبلوماسية, ومد اسرائيل بصواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ البالستية, وتكثيف الغارات الجوية على قواعد صواريخ سكود العراقية؛ نجحت في إبقاء اسرائيل خارج اطار المواجهة في حرب الخليج. ولكن بالرغم من انتهاء تلك الحرب وازالة خطر الصواريخ البالستية العراقية, الا ان مشاعر القلق داخل القيادة الاسرائيلية ما زالت مستمرة بسبب امتلاك عدد من الدول العربية والاسلامية لصواريخ بالستية, بالاضافة إلى الأسلحة غير التقليدية من كيماوية وجرثومية([16]).
هناك سبع دول عربية تملك صواريخ بالستية, هي: مصر وسوريا وليبيا والعراق واليمن والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة([17]). ومن بين هذه الدول فقط مصر وسوريا وليبيا تملك أسلحة كيماوية وجرثومية. وتقع اسرائيل في مرمى صواريخ سكود ـ بي وسكود ـ سي المصرية والسورية. كما أن صاروخ الحسين, وهو نموذج سكود ـ بي طورته بغداد محلياً, أثبت قدرته على اصابة اسرائيل في حرب الخليج, ويعتقد بعض الخبراء أن العراق لا يزال يحتفظ بعشرة صواريخ من طراز الحسين على الأقل لم يتم تدميرها, بالاضافة إلى أسلحة بيولوجية([18]). وتستطيع صواريخ سي اس اس ـ 2 الصينية الصنع التي تملكها السعودية الوصول إلى اسرائيل. وهناك دول غير عربية تعتبرها اسرائيل مصدر تهديد ستراتيجي لأمنها, وهي ايران وباكستان. والأولى تملك ترسانة كبيرة من الأسلحة الجرثومية والكيماوية, وتصنع صاروخ شهاب ـ 3 الذي يصل مداه إلى 1,300 كلم, وهو كاف لضرب اسرائيل. كما تعتقد بعض أجهزة الاستخبارات العربية أن ايران تملك برنامجاً سرياً لتصنيع أسلحة نووية([19]). أما باكستان, التي أصبحت حديثاً دولة نووية, فهي تصنع صاروخ غوري ـ 2 الذي يبلغ مداه 2,500 كلم, مما يضع اسرائيل في مرماه([20]).
إلى ذلك, لم تغير العملية السلمية الكثير بالنسبة للاسرائيليين الذين لا يزالون يشعرون بعدم الأمان. وقد وصف بعض مسؤوليهم ومحلليهم الوضع اليوم بأنه أكثر غموضاً وأقل وضوحاً مما كان عليه خلال فترة الحرب الباردة([21]). فلا تزال المفاوضات على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية غير مكتملة وعاجزة عن التوصل إلى اتفاق نهائي. ولا تزال ايران عدوة لدودة لاسرائيل منذ الثورة الاسلامية عام 79 التي أطاحت بحكم الشاه الموالي لأميركا, وهي تعارض العملية السلمية في الشرق الأوسط وقد ساهمت في مساعدة حزب الله في عملياته ضد اسرائيل في جنوب لبنان. أما باكستان, فقد عبر العديد من المسؤولين الاسرائيليين عن قلقهم من خطر امتلاك دولة اسلامية للسلاح النووي الذي قد يستخدم ضدها([22]). وهكذا, يبدو ان اسرائيل تشعر بقلق عميق لانتشار اسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية في المنطقة. فإلى جانب تهديد سكانها المدنيين, فان الصواريخ الباليستية قد أزالت العمق الجغرافي عن طريق توسيعها لدائرة المواجهة لتشمل دولاً بعيدة عن الحدود الاسرائيلية([23]).
التشديد على الدفاع
لم تكن عقدة الهجوم وحدها كافية للتعامل مع أسلحة الدمار الشامل أو الصواريخ الباليستية في المنطقة. فكان لا بد من تطوير عقيدة دفاعية ضمن الستراتيجية العسكرية الاسرائيلية للتعامل مع الخطر الجديد([24]). ميدانياً, وحسب غالبية الخبراء, هناك ثلاث وسائل أساسية للتعامل مع خطر الصواريخ الباليستية([25]). أوّلاً, يوجد الدفاع العملي أو الايجابي, والذي يتكون من نظام صواريخ مضاد للصواريخ الباليستية يجري التحكم به من قبل نظام متكامل للرصد والانذار المبكر مؤلف من أجهزة رادار وطائرات رصد وأقمار صناعية. ثانياً, الدفاع العملي, وهو يشمل التحضيرات لحماية المدنيين من أسلحة الدمار الشامل, عن طريق بناء ملاجىء خاصة للحرب النووية وتوزيع أقنعة وألبسة للوقاية من الغازات السامة والأسلحة الجرثومية. ثالثاً, هناك الهجوم المضاد لاستباق الهجوم الصاروخي, عن طريق شن غارات على منصات اطلاق الصواريخ أو تدمير الصواريخ وهي لا تزال في أوّل مرحلة الانطلاق فوق أرض الخصم([26]).
بالنسبة إلى الدفاع الايجابي, فقد قامت اسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة بتطوير نظام صواريخ أرو أو السهم المضاد للصواريخ الباليستية. وقد أفادت التقارير بأن أرو قد نجح في إصابة أهداف طائرة من مسافة متوسطة. وبدأت اسرائيل في شهر آذار بنشر بطاريات صواريخ أرو على أراضيها. وكانت الدولة العبرية نشرت بطاريات صواريخ باتريوت باك ـ 3 المتطورة الأميركية الصنع خلال السنتين الفائتتين([27]). وسيتم ادماج نظام باتريوت بنظام أرو ضمن شبكة متكاملة للدفاع. وتملك اسرائيل أيضاً مدافع رشاشة سريعة جداً لاسقاط الأهداف الطائرة القريبة. وستؤمن الأقمار الصناعية الآميركية والاسرائيلية وأجهزة الرصد المتطورة, نظام انذار مبكر فعال لدفاعات الدولة العبرية. إلى ذلك, ساهمت هجمات صواريخ سكود العراقية في رفع مستوى الدفاع السلبي لاسرائيل. فقد تدرب السكان خلال حرب الخليج على كيفية التعامل مع هجمات الصواريخ البالستية والتحضر لحرب بالاسلحة الجرثومية والكيماوية. وقد سقط خلال هذه الحرب 38 صاروخ سكود على اسرائيل, وخاصة على منطقتي تل أبيب وحيفا السكنيتين([28]). إلا ان الخسائر في صفوف المدنيين كانت أقل بكثير من المتوقع, إذ سُجِّلت حالة وفاة واحدة وجرح 200 شخص([29]). وكان تأثير هجمات سكود أكبر على الحياة اليومية منه على سلامة المواطنين. ويعود ذلك إلى فعالية أجهزة الانذار المبكر الأميركية التي حذرت الاسرائيليين لحظة اطلاق الصواريخ من العراق([30]). والسبب الآخر لضآلة عدد الاصابات يعود للمشاكل التقنية التي كانت تعاني منها صواريخ الحسين, والتي كانت تسقط بعيدة جداً عن أهدافها أو تتحطم لحظة دخولها الغلاف الجوي للأرض([31]). واليوم يملك كافة سكان اسرائيل أقنعة وألبسة واقية من الأسلحة الجرثومية والكيماوية. لذلك يمكن القول إن الشعب الاسرائيلي مستعد بشكل جيد لحرب بأسلحة الدمار الشامل. فبالرغم من وجود نظام صواريخ مضاد للصواريخ, إلا أن هذا لا ينفي خطر الاسلحة الكيماوية والجرثومية التي يمكن أن تنتشر في الاجواء الاسرائيلية بعد اصابة الصواريخ([32]). وهنا تأتي ضرورة الدفاع المضاد الذي يُمكِّن المدافع من تدمير الصواريخ الباليستية وهي لا تزال في أجواء الخصم. ويتم الدفاع المضاد عبر البر أو الجو أو البحر([33]). ولهذه الغاية حصل سلاح الجو الاسرائيلي في الآونة الأخيرة على مقاتلات هجومية تكتيكية بعيدة المدى, مثل اف ـ 15 أي, وتستطيع هذه الطائرات الاغارة على أهداف بعيدة, مثل ايران, والعودة دون الحاجة للتزود بالوقود جوا ([34]). كما وقَّعت دائرة الدفاع الاسرائيلية مؤخراً على اتفاقية مع شركة لو كهيد مارتن الأميركية لشراء 50 طائرة طراز اف ـ 16 أي المتعددة المهام والبعيدة المدى([35]). وتملك اسرائيل ترسانة كبيرة من الاسلحة الذكية, مثل الصواريخ الموجهة باللايزر التي تستطيع اصابة أهداف من ارتفاع شاهق بدقة متناهية. وتدخل اسرائيل في الخدمة طائرات هجومية دون طيار قادرة على حمل صواريخ جو ـ جو من أجل تدمير الصواريخ الباليستية وهي في مرحلة انطلاقها الأولى فوق أرض الخصم. ونذكر على سبيل المثال طائرة غلوبال هوك البعيدة المدى والمسلحة بصواريخ جو ـ جو طراز بايتون ـ 4 الاسرائيلية الصنع([36]). وتملك اسرائيل أيضاً صواريخ باليستية طراز جيريكو ـ 2 التي تستطيع اصابة مراكز الصواريخ الباليستية في الدول المجاورة من مسافة 1,500 كلم([37]). وقد استوردت من المانيا السنة الماضية أولى غواصاتها للعمل في المياه العميقة من طراز دولفن. التي تستطيع قطع مسافات بعيدة والبقاء في المياه لفترة طويلة, وهي مسلحة بصواريخ جوالة وقذائف الطوربيد. ويمكن استخدام أسلحة هذه الغواصات لتوفير امكانية “الضربة التالية” أو توجيه ضربات مباغتة لقواعد الصواريخ الباليستية في الدول العربية والاسلامية([38]).
الا أن تجربة حرب الخليج أثبتت أن توجيه ضربات استباقية لصواريخ سكود العراقية كانت شبه مستحيلة, خاصة عند التعامل مع منصات اطلاق متنقلة. فقد شنت طائرات التحالف الغربي 1460 غارة على منصات سكود العراقية, وكانت النتيجة تدمير 80 هدف وهمي([39]). لذلك يبدو الآن أن الدفاعين السلبي والايجابي هما أفضل خيارين لحماية الدولة من الصواريخ الباليستية, ولكن يجب تعزيز هذه الاجراءات الدفاعية بعامل رادع فعال([40]). ولهذا السبب يبدو ان اسرائيل في صدد بناء نظام دفاعي منيع ومتكامل لصد الصواريخ الباليستية, وفي الوقت نفسه تريد تعزيز قدرتها الهجومية لشن ضربات استباقية ضد هذه الصواريخ. وتعمل اسرائيل اليوم على انشاء قيادة ستراتيجية من أجل “تقييم التهديدات البعيدة والقيام بعمليات بعيدة المدى لمواجهتها([41]).
بين للدفاع والردع
أحدثت هجمات السكود العراقية صدمة قوية للستراتيجيين والزعماء الاسرائيليين الذين تبنوا على مدى سنوات طويلة عقيدة عسكرية هجومية. فقد اكتشفوا أن تفوق اسرائيل التقني وامتلاكها لأسلحة نووية, لم يُشكلا عامل ردع فعال, وأنهم بحاجة إلى تطوير عقيد دفاعية للتماشي مع العقيد الهجومية القديمة. بالاضافة إلى ذلك, فان التغييرات السياسية والجغرافية دولياً واقليمياً والتي أعقبت انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج وبداية محادثات السلام في الشرق الأوسط, قد فرضت قيوداً على صانعي القرار الاسرائيليين من ناحية شن ضربات وقائية أو استباقية([42]). ونظراً لمقدرتها تحظى المقاتلات الاسرائيلية وتهديد العمق الاسرائيلي, كا لا بدّ لاسرائيل من اعتماد اجراءات دفاعية للحد من خطر الصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل.
إلا أن عملية بناء نظام صاروخي مضاد للصواريخ فعالاً بالاضافة إلى تحديث مقدرة اسرائيل على شن ضربات استباقية بعيدة المدى, ستكون مكلفة جداً وستؤثر حتماً على تطوير القدرات الهجومية للقوات المسلحة الاسرائيلية([43]). وهذا أثار مخاوف كبيرة لدى بعض الستراتيجيين الاسرائيليين الذين يخشون من أن يؤدي ذلك إلى تراجع هيبة الردع الاسرائيلية. ويقول افرام انبار إن اسرائيل تخشى من “أن يسيء العرب تفسير عدم رد اسرائيل على الصواريخ العراقية على أنه ضعف”, مما قد “يشجع بعض الدول العربية على استخدام صواريخها الباليستية” ضد الدولة العبرية. ويضيف البار إن عملية السلام قد “حدّت من مقدرة الحكومة الاسرائيلية على اللجوء إلى القوة المطلقة في الرد على أي خرق عربي لأمنها”, وهذا بدوره “يؤثر على هيبة الردع الاسرائيلية”([44]). ومن أجل المحافظة على “الردع”, لم يتخل الجنرالات الاسرائيليون عن فكرة الضربات الاستباقية المزروعة في صلب عقيدتهم العسكرية. ويظهر هذا جلياً في تصريح قائد الأركان الاسرائيلي, الجنرال شاوول موفاز, الذي قال مؤخراً إن اسرائيل “قد تكون مضطرة للجوء إلى الضربات الوقائية من أجل منع ايران من الحصول على أسلحة نووية”([45]). وهكذا, فبالرغم من أن الصواريخ الباليستية وأسلحة الدمار الشامل قد أجبرت اسرائيل على التركيز على ستراتيجية دفاعية, إلا أنها لم تتخل كلياً عن عقيدة الهجوم التي تعمل عبرها على تعزيز عامل الردع ضد خصومها.
[1] Inbar Efraim and Sandler Shmuel: “Israel’s Deterrence Strategy Revised”, Security Studies, Vol. 3, no. 2 (Winter 1993/94), p. 339.
[2] Haselkorn Avigdor: “The Continuing Storm: Iraq Poisonous Weapons and Deterrence” ) New Haven: Yale University Press, 1999), pp. 125 - 137.
[3] Roda Steve: “Israel Seeks US partner for Arrow”, Jane’s Defence Weekly (1/3/2000) , p. 3.
[4] Cohen Elliot A., Eisenstadt Michael J. and Bacevich Andrew J.: “Israel’s Revolution in Military Affairs”, Survival; vol. 40, no. 1, (Spring 1988) , pp. 48 - 50.
[5] Kober Avi: “A Paradigm in Crisis? Israel's Doctrine of Military Decision”, in Efraim Karsh (ed) : Between War and Peace: Dilemmas of Israeli Security (London: Frank Cass,1996), pp. 188 - 207.
[6] Kemp Geoffrey: “The Control of the Middle East Arms Race” (Washington D. C.: Carnegie Endowment for International Peace, 1991) , p. 104.
[7] Kober: A Paradigm. pp. 194 - 198.
[8] Ibid, p. 200.
[9] Naveh Shimon: “The Cult of the Offensive: Pre-emption and Future Challenges for Israeli Operational Thought”, in Efraim Karsh (ed.)
: Between War and Peace: Dilemmas of Israeli Security (London: Frank Cass, 1996) , p. 177.
[10] Inbar and Sandler: Israel’s, p. 331.
[11] Karsh Efraim (ed.) :”Between War and Peace: Dilemmas of Israeli Security” (London: Frank Cass, 1996) , pp. 8 - 10.
[12] Inbar and Sandler: Israel, p. 333.
[13] Naveh: The Cult, p. 179.
[14] Haselkorn: The Continuing, p. 126.
[15] Martin Navies: Saddam’s Scud War and Ballistic Missiles Proliferation (London: Centre for Defence Studies, 1991) p. 14.
[16] Efraim Inbar: “Israel Strategy”, Meria Journal, vol. 2, no. 4, (November 1998) .
[17] Ed Blanche and Duncan Lennox: “Shifting Balance”, Jane’s Defence Weekly, (10/3/1999) , pp. 60 - 69.
[18] Cordesman Anthony: “perilous Prospects”: The Peace Process and the Arab-Israeli Military Balance (Colorado: Westview Press, 1996), p. 260.
[19] Ibid, p. 259.
[20] Lennox Duncan: “Middle East Ballistic Missile Threats”, Ballistic Missile Proliferation 99: Identifying the Real Threat (London: Jane’s Conference, 27-28/9/1999) .
[21] Inbar and Sandler: Israel’s, p. 346 - 347.
[22] Romero Juan: “Charting Reactions to the Islamic Bomb”, Jane’s Intelligence Review (March 1999) , p. 35.
[23] Kober: Israel, pp. 204 - 205.
[24] Naveh: The Cult, pp.179 – 180.
[25] Lennox Duncan: “Why is it Difficult to Defend Against Ballistic Missiles” Jane’s Defence Weekly (10/3/1999) , pp. 72 - 73.
[26] Eshel David: “In Search of an Effective Defence, Jane’s Defence Weekly (10/3/1999) , p. 71.
[27] Ed Blanche: “Israel Addresses the Threats of the New Millenium - Part 2”, Jane’s Intelligence Review (March 1999) , pp. 27 - 31.
[28] Navias: Saddam’s, pp. 21 - 22.
[29] Ibid, p. 24.
[30] Ibid, p. 25.
[31] Lennox: Why, p. 72.
[32] Eshel: In Search, p. 71.
[33] Kober: Paradigm, p. 297.
[34] Blanche: Israel, p. 29.
[35] Hoyle Craig: “Israel’s Multi-Role F - 161s Get Final Contract”, Jane’s Defence Weekly (26/1/2000) , p. 6.
[36] Eshel: In Search, p. 71.
[37] Cordesman: Perilous, p.233.
[38] Ed. Blanche: “German Subs Give Israel Heftier Punch”, Jane’s Intellgence Review, (September 1999) , p. 6.
[39] Eshel: In Search, p. 71
[40] Kemp: The Control, p.107.
[41] Blanch and Lennox: Shifting, p. 60
[42] Inbar and Sandler: Israel, p. 330 - 350.
[43] Kober: Paradigm, p. 207.
[44] Inbar and Sandler: Israel’s, pp. 346 - 348.
[45] Blanch: German, p. 6.