- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
الأغنياء يبيعون والفقراء يشترون
من غير المنطقي أن تكون الولايات المتحدة زعيمة العالم وقائدته نحو السلام، وهي زعيمة العالم في إنتاج الأسلحة وبيعها».
الرئيس الأسبق جيمي كارتر في حملته الرئاسية العام 1976
كلما ازداد شعور الإنسان بعدم الأمان، ازدادت رغبته في اقتناء السلاح للدفاع عن نفسه وعائلته، أو ماله. وما ظهر ويظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعات ودول كثيرة، من فقدان الأمن الإجتماعي، وسقوط هيبة القانون، واحتضار العدالة، وبطئها، وانشغال أجهزة الأمن بالأمن السياسي أكثر من الأمن الإجتماعي، دفع بالمواطن الى التفتيش عن وسائل الحماية الذاتية، وبمعزل عن أجهزة السلطة. كما أن سياسات بعض الدول في تصنيف البشر وحضاراتهم، ولجوء بعض المنظمات المتطرّفة الى القيام بأعمال إنتقامية أو إرهابية ضد بعض المجتمعات والفئات، أدى الى اتساع ظاهرة التسلح وتناميها، على مستوى العالم. هذا، فضلاً عن الحركات الثورية والإستقلالية في بعض الدول التي تسعى للإنفصال، أو تغيير أنظمة الحكم، والدور المهم الذي تؤديه بعض المافيات السرية على مستوى العالم، وتجار المخدرات، وبعض العصابات العالمية، في الترويج، وبيع الأسلحة لطالبيها.
تجارة علنية وأخرى سرية
يمكن تعريف تجارة السلاح بأنها بيع السلاح بأنواعه وأشكاله المختلفة من الصانع الى المشتري مباشرة، أو بواسطة طرف آخر، بشكل علني أو سري، أو قد تكون ما بين أطراف آخرين وتتم بطريقة سرية وغير شرعية.
يقودنا هذا التعريف الى التمييز ما بين نوعين من تجارة السلاح: تجارة علنية، متعارف عليها ما بين الدول، وضمن شرعة القانون التجاري والدولي، وفق شروط وعقود ما بين البائع والمشتري، وبأسعار متفق عليها عالمياً، أو وفق صفقات معينة تخضع لقانون العرض والطلب والسياسات والمصالح الدولية، واستراتيجياتها القريبة أو البعيدة. أما التجارة السرية فتتم بطرق مختلفة، وهي غير شرعية وغير قانونية، إنما يمكن أن يتوافر لها الدعم في بعض الدول ومراكز القرار مما يسهم في نجاحها وازدهارها.
الأغنياء يبيعون
تعتبر تجارة السلاح من الأعمال المربحة، كذلك فإن مصانع السلاح هي من المؤسسات التي تؤمن دخلاً كبيراً لأصحابها وللدول التي ترعاها، فعدا عن كونها تؤمن دخلاً قومياً كبيراً، وترفع مستوى صادرات البلد المصنّع، فإنها توفر فرص عمل كثيرة لأبناء هذا البلد مما يخفض من مستوى البطالة، ويرفع من مستوى المعيشة فيه. وما يمكن ذكره هنا أن الدول العشر الأولى في العالم في صناعة السلاح وتصديره هي كالآتي: الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، الصين، إسرائيل، هولندا، إيطاليا، وبعدها السويد والبرازيل.
ونلاحظ أن هذه الدول هي ما يعرف بالدول المتقدّمة وخمس منها هي الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
وقد ذكر تقرير «مصلحة الأبحاث» التابع للكونغرس الأميركي: «أن تجارة السلاح قد انخفضت العام 2009 بنسبة 8.5٪، نتيجة الأزمة الإقتصادية العالمية، ولكنه يضيف أن تعبير «إنخفض» هو تعبير «نسبي»، فما زالت قائمة الأسعار تشير الى الرقم 57.5 مليار دولار، كانت حصة الولايات المتحدة منها 39٪ أي ما يعادل 22.6 مليار دولار وحلت روسيا ثانية بـ10.4 مليار دولار، وفرنسا ثالثة بـ7.4 مليار دولار، وتقاسمت الدول الباقية ما تبقى من كعكة مبيع الأسلحة».
... والفقراء يشترون
أشار التقرير الى أن 45.1 مليار دولار من تجارة السلاح دفعتها الدول النامية، وعلى رأسها الهند، ماليزيا، باكستان والجزائر، كذلك فقد احتلت البرازيل وفنزويلا ومصر وفيتنام موقعاً متقدماً في قائمة الدول المشترية السلاح العام 2009، أما العراق، فقد وضع مخططاً لشراء الأسلحة بقيمة 13 مليار دولار من الولايات المتحدة الأميركية. والجدير بالملاحظة أن هذه الدول تعاني الفقر، ومستوى المعيشة المتدني.
وهكذا نرى أن الولايات المتحدة تسيطر على السوق العالمي لتجارة السلاح، فمن 68.4٪ من حجم السوق العام 2008 الى 45.1٪ العام 2009، وقد أبرمت منذ فترة إتفاقية لبيع أسلحة الى المملكة العربية السعودية بقيمة 60 مليار دولار، يمكن أن تصل الى 120 مليار دولار بعد إضافة قطع الغيار والصيانة، كذلك وقّعت إتفاقاً مع إسرائيل لبيعها 20 طائرة «F-35»، قيمتها أكثر من 4 مليار دولار (مطلع تشرين الأول 2010).
سياسة البيع
قد تعمد الدول المصنعة الأسلحة الى انتهاج سياسات خاصة في بيعها، وذلك وفق استراتيجياتها وعلاقاتها الدولية، أو وفق تصنيفها بعض الدول كحليف أو خصم، أو عدو، لذلك فهي تبيع حلفاءها للوقوف بوجه خصومها. فعندما تبيع الولايات المتحدة مثلاً أسلحة لمصر، وإسرائيل، والأردن، والسعودية، أو الإمارات العربية المتحدة، كولومبيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، فإنها في واقع الأمر تسلّح حلفاء لها تعتمد عليهم ضد أخصامها الإقليميين كإيران، وسوريا، والصين، وفنزويلا. كذلك فإن بيع السلاح لليمن والصومال هو لدعم حلفائها في الحروب الأهلية في هذين البلدين. في المقابل فهي تمنع السلاح لأي من خصومها أو أعدائها من مصانعها الذاتية، كما أنها تفرض ذلك على حلفائها وتحظّر عليهم بيع السلاح للخصم سواء كانت مصانعها مصدر هذا السلاح أو دول أخرى حليفة لها.
دور المجمعات الصناعية العسكرية
الصناعة العسكرية هي أساس تجارة السلاح، فالمصانع إنما تقوم بذلك وتدفع رؤوس الأموال الضخمة في الأبحاث والتطوير لإنتاج سلعة، بمواصفات معينة لتبيعها في ما بعد بأسعار تعوّض نفقاتها، وتؤمن لها الأرباح التي تريد، لذلك فإن مجمعات الصناعة العسكرية في الدول الليبرالية أي غير المملوكة من قبل الدولة، تبذل جهوداً كبيرة، ومستمرة لإنتاج الأسلحة المتطورة، سواء أكان ذلك بطلب من الحكومات، أم بدافع ذاتي يتعلق بإنتاج سلعة عسكرية متفوقة، تدفع الحكومات والجيوش لشرائها، لحاجتها، أو لتأمين تفوقها العسكري النوعي على مستوى المسرح العالمي. وهنا يكمن تواطؤ غير معلن، أو تناغم ضمني ما بين السياسي والعسكري والصناعي، وهذا أكثر ما يظهر في الولايات المتحدة الأميركية، حيث العلاقة المتبادلة - المرتجعة ما بين السياسة والصناعات الحربية، تؤمن استمرار تفوّق الولايات المتحدة وقيادتها العالمية.
إستراتيجية الشركات المصنعة للسلاح
تعمد الشركات الكبرى لصناعة السلاح، في ترويج سلعها وبيعها، الى الوسائل التي تتيح استمرار صناعتها، وهي:
- تنمية مشاعر الخوف لدى حكوماتها لتبنّي سياسات عسكرية لزيادة تسلحها.
- تقديم رشىً لمسؤولي حكوماتها أصحاب العلاقة بالتسلح وكذلك لبعض مسؤولي حكومات الدول الأخرى.
- تقديم بعض الشركات أحياناً تقارير كاذبة عن تسلّح بعض الدول المتنازعة الى البعض الآخر، لزيادة مبيعاتها للطرفين.
- شراء بعض وسائل الإعلام، أو السيطرة عليها للتأثير في جمهور بلدانها والدول الأخرى لخلق تيار يدفع السلطة الى شراء الأسلحة.
كذلك تعمد هذه الشركات الى إقامة «دوائر مقفلة» تعمل على تحريض دول ضد دول أخرى لزيادة سباق التسلح.
كما تعمل على إنشاء مجموعات دولية تعمد الى رفع الأسعار عند بيع السلاح الى الحكومات الأخرى.
والملاحظ أن إستراتيجية عمل المجمعات الصناعية العسكرية لاستمرار عملها، تعتمد على خطة بسيطة تقوم على ما يأتي: مثلاً، عندما تصنع المصانع العسكرية الأميركية سلاحاً وتبيعه الى الخارج، يلجأ أصحاب المصانع الى إقناع السياسيين الأميركيين والعسكريين بالطلب من الحكومة أن تعمل على صناعة سلاح جديد أكثر تفوقاً من السلاح المباع، وهكذا تلجأ المصانع الى صناعة سلاح جديد، ولكن عند بيعه الى الخارج يطلب اليها من جديد صناعة سلاح آخر أكثر تفوقاً، وعند بيعه ايضاً الى الخارج تعاود المصانع عملها لإنتاج سلاح جديد مختلف، وهكذا تستمر هذه المصانع في عملها، في سلسلة متصلة، ودائمة الى ما لا نهاية، وذلك لضمان تفوق الولايات المتحدة العسكري، نوعاً، وكماً، وبالتالي ضمان هيمنتها على العالم، أو قيادته انسجاماً مع سياساتها واستراتيجيتها.
تجارة السلاح والسوق السوداء
من المعروف أن تجارة السلاح لا تقتصر على التجارة الرسمية ما بين الدول كما مرّ معنا، ولكن هناك تجارة سرية تتم في الخفاء، سواء ما بين بعض الدول أو ما بين بعض الدول ومنظمات عسكرية، أو إرهابية، أو غير ذلك، أو ما بين بعض الشركات المنتجة وهذه المجموعات والمنظمات، وبواسطة عملاء متخصصين في هذا المجال، وقد يكون ذلك بمعرفة السلطات الرسمية في البلد المصدّر أو بدون معرفتها، لذلك فقد نشأت سوق موازية لتجارة الأسلحة الرسمية هي «السوق السوداء»، حيث يمكن شراء الأسلحة المختلفة (دون الثقيلة) وبأسعار تخضع لقانون العرض والطلب، وقد يتواطأ فيها رسميون مع مصانع السلاح وعملاء عالميون، حيث يتم تهريب السلاح الى الزبون بطرق سرية، ويتم الدفع إما بالعملة الصعبة أو لقاء بدل معين قد يكون المخدرات أو بعض المعادن الثمينة أو أي بدل آخر يتفق عليه، سياسياً كان أم أمنياً، أو أي سلعة أخرى موازية. تعتبر تجارة الأسلحة الخفيفة من أنشط أنواع هذه التجارة، لسهولة نقلها، وتهريبها، ورخص ثمنها ولكنها تقدر سنوياً بأكثر من 6 مليارات دولار، وأهم مكوناتها هي: البنادق الرشاشة (كلاشينكوف)، آر. بي. جي - صاروخ ستنغر (المحمول على الكتف)، المسدسات، البنادق م16 و15 و18، وغيرها من الأسلحة، وتعتبر الدول الكبرى المصنعة هي المورد الأساسي لها، أو ما يعرف بالدزينة القذرة (Dirty Dozen) وهي 12 دولة ذكرنا عشرة منها ويمكن أن تضاف اليها كل من جنوب أفريقيا، وبلجيكا.
وفق هيئة «Control Arms»، وهي هيئة لمراقبة السلاح في العالم، فإن هناك حوالى 650 مليون قطعة سلاح خفيف وصغير في العالم، ويتم إنتاج 8 ملايين قطعة سنوياً، وهذه الأسلحة تقتل ألف شخص كل يوم!! وتطرح هذه الهيئة ضرورة عمل الحكومات لتنظيم نقل الأسلحة وبيعها لضمان عدم وقوعها في أيدي منتهكي حقوق الإنسان.
كذلك دعت «شبكة التحرك الدولي» «International Action network» الى وضع معايير دولية لتنظيم عمليات بيع السلاح ونقله ووصوله الى أيدي المدنيين، وتنظيم عملية «السمسرة على تجارة السلاح ووضع قوانين لها، كذلك الحدّ من تهريب السلاح، ومكافحة السوق السوداء في تجارته».
الربح ليس الهدف الوحيد
لا يمكن النظر الى تجارة السلاح بأنها عمل تجاري، هدفه الربح فحسب، ولكنه يدخل في سياسات واستراتيجيات الدول الكبرى، وتحالفاتها مع الدول التي لا تنتجه، بل تجهد لشرائه، لذلك فهي تمنحه لبعضها لقاء تأييد سياساتها الإقليمية أو الدولية، وهي تبيعه لمن يقدر على دفع ثمنه نقداً، أو على فترات وعقود طويلة الأجل، وذلك انسجاماً مع مصالحها، وتوجهاتها، تحت شعارات شتى، منها، حماية الديمقراطية، أو محاربة الإرهاب، أو التطرّف، أو الشراكة الإستراتيجية الخ... ولكن الهدف الحقيقي هو حماية مصالح هذه الدول الكبرى، عبر تشغيل مصانعها العسكرية، وضمان أمنها المحلي والإقليمي والدولي، والمتمثّل في تأمين الموارد، وخصوصاً الطاقة من الوصول بشكل دائم لاستمرار تفوّقها، ورخاء شعوبها، ولو كان ذلك على حساب شعوب أخرى، ومصالح دولها، وأرواح أبنائها.
المراجع:
• Counterpunch: America's best political News letter, the global arms trade, by Conn Halinan.
• Arabic-military.com: دراسة بقلم اللواء صلاح سويلم حول تجارة السلاح.
• www.Global issues.org: the arms trade is big business.
• www.wikipedia.org.Arms Industry.
• www.Controlarms.org - control arms compaign.
• «The World's wasted wealth II» by J.W. Smith. Institute for Economic Democracy 1994 .