- En
- Fr
- عربي
صراعات وتوترات
يُعتبر البحر الأحمر أحد أهمّ الممرّات المائية للتجارة العالمية، إذ يمرّ عبره نحو 13 بالمئة من هذه التجارة. لذلك تتصاعد المخاوف إزاء الأعمال العسكرية التي تحصل في باب المندب وتعرقل عبور السفن، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع بسبب اختناق سلاسل التوريد من جهة وارتفاع كلفة النّقل والتأمين من جهة أخرى.
في هذا الإطار، يوضح البروفسور مارون خاطر، وهو كاتب وباحث في الشؤون المالية والاقتصادية وأستاذ محاضر في كليَّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان، في حديث لمجلة «الجيش» أنّ البحر الأحمر يُعتبر أحد أهمّ الممرّات المائية للتّجارة العالميَّة إذ يمرّ عَبره حوالي 13 بالمئة من التجارة البحريّة العالمية، وقُرابة 30 بالمئة من حركة الحاويات العالميَّة. ومع اندلاع الأحداث في البحر الأحمر، أفادت وكالة الطَّاقة الدولية بأنّ قُرابة 10 بالمئة من النَّفط المنقول بحرًا يمرّ يوميًا عبر مضيق باب المندب المتّصل بقناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وهي تُعدّ أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا.
تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي
ورأى خاطر أنّ استمرار التوتر وازدياد الهجمات في هذه الرّقعة الاستراتيجيّة سيؤدي إلى تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي. ومن المتوقّع أن يؤدي تَصاعد العمليّات قُبالة باب المَندِب إلى ارتفاع الأسعار عالميًا بسبب اختناق سلاسل التوريد من جهة، وارتفاع كلفة النّقل والتأمين من جهة ثانية لأنّ السفن مضطرة للالتفاف حول أفريقيا. وأشار إلى أنَّ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتَّنمية (الأونكتاد) الأخير، عَبَّرَ عن قلق المنظمة من أنّ الهجمات على سفن في البحر الأحمر تزيد من التكاليف على التجارة العالمية، وتؤدي إلى تفاقم الاضطرابات التجارية النَّاتجة عن التوترات الجيوسياسية وآثار تغيّر المناخ. وفي سياق متّصل، حذّر من التأثير الهائل لأزمة البحر الأحمر على الشحن العالمي بالنّظر إلى تداعيات الحرب الروسيّة الأوكرانيّة على حركة التجارة عَبر مضيق باناما.
زيادة الأسعار ما بين 5 و10%
وبرأيه، من المتوقّع أن تُسبب الأحداث الدائرة في البحر الأحمر زيادة متفاوتة على أسعار السلع تتراوح بين 5 و10 بالمئة. لكنّ هذه الزيادة تبقى في إطار مقبول بسبب وجود ممرّات بريّة وبحريّة بديلة تمنع تحوّل المشكلة إلى أزمة غذاء وطاقة، وبسبب الانعكاس المحدود لارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على الأسعار النهائية للسلع.
وعن تأثير التوترات على الاقتصاد اللبناني أضاف خاطر: «من البديهي والطبيعي أن تتأثر اقتصادات الدول بالاضطرابات والحروب التي تنشأ في البلدان المحيطة بها أو على أرضها، وفي تلك التي تَربِطُها بها علاقات تجارية أو استراتيجية، فكيف بالحرّي في حالة بلدٍ صغير المساحة ومتعدد الأزمات كلبنان. تُرخي اعتداءات العدو الإسرائيلي المستمرَّة في الجنوب منذ مطلع تشرين الأول المُنصرم وتلك الدائرة في المنطقة بثقلها على اقتصاد لبنان المنهك، والذي يشهد تقلّصًا في الناتج المحلي يتعدى الـ 50 %. صحيح أنَّ لبنان الرَّازح تحت أزمته والمُتعثر ماليًا والمتخلف عن سداد ديونه السيادية لا يستقطب الاستثمارات الجديدة، إلا أنّ لهذه الأحداث تداعيات اقتصادية مؤلمة بتوقيتها وحجمها. على الرّغم من أنّ لبنان يستورد النّفط والجزء الأكبر من المواد الغذائية من حوض المتوسط، إلا أنّ الاقتصاد اللبناني يتأثر بالاضطرابات في البحر الأحمر. فقد تسبّبت هذه الاضطرابات بارتفاع كلفة نقل الحاويات حتى 100% وبارتفاع عقود التأمين حتى 700%، ما سينعكس حتمًا على الأسعار. وسيُـترجِم ذلك مزيدًا من الضغط المعيشي على اللبنانيين بسبب ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة التكاليف من جهة، وعن غياب الرقابة والمحاسبة من جهة ثانية.
كذلك، تؤثر الأوضاع على الصادرات اللبنانية الزراعية والغذائية والتي باتت تسلك طريق البحر بعد الحظر البرّي الذي بقي من دون حلّ.
ومع تواصل الأعمال التي تهدّد سلامة الملاحة في البحر الأحمر، تزداد المخاوف المشوبة بالقلق من انقطاع غالبية المواد الغذائية أو ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، كنتيجة مباشرة لارتفاع منسوب المخاطر على عمليات الشحن، خصوصًا بعد توسُّع رقعة المناوشات بما يوحي ببداية حرب شاملة مع تدخل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا عسكريًا للرّد على الهجمات التي تستهدف بواخر شحنٍ تعبر البحر الأحمر».
المواد الغذائية متوافرة ولكن...
من جهته، طمأن رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إلى توافر المواد الغذائية في الأسواق وعدم فقدانها. وقال ردًا على سؤال لـ«الجيش» إنّ عمليات الشحن تواجه بعض التأخير الذي يترافق مع ارتفاع نسبي في الأسعار. وإذ حذّر من عدم أخذ الموضوع بجديّة من خلال مراقبة التطورات أسبوعيًا، نبّه إلى خطورة الوضع الذي يتطلب متابعة حثيثة، خصوصًا مع تطور المناوشات في البحر الأحمر، والتي تنبئ بحربٍ شبه شاملة.
وأكّد أنّ الأزمة تتفاعل، ولكن ذلك لا يعني أنّ البضائع، ولا سيما المواد الغذائية ستنقطع. فالمنتجات التي يتم شحنها من الشرق الأقصى، حيث يستورد لبنان غالبية بضائعه كالمعلبات والأسماك، سيتأخّر شحنها، وستمر عبر أفريقيا بدلًا من مرورها في البحر الأحمر، ما يؤخّر وصولها إلى لبنان بنحو 20 أو 25 يومًا. وبالتالي، نكون أمام نقص في الإمدادات، وليس أمام فقدان بضائع. فمستوردو المواد الغذائية يتحاشون طلب شحنات إضافية قبل نفاد الكميات الموجودة لديهم، وذلك خشية تكدّسها في المستودعات وبطلان صلاحياتها...
وأشار بحصلي إلى أنّ تأخّر وصول البضائع لأيام يؤدي إلى «خربطة» في سلسلة الإمدادات، من دون أن يكون هناك انقطاع للبضائع كما يحصل في حالة اندلاع حرب شاملة تُعطّل شبكة المواصلات وحركة مرفأ بيروت... كل ذلك لم يحصل حتى اليوم، فالأمور تسير بشكل طبيعي إنمّا مع بعض التأخير.
وبالنسبة الى أسعار المواد الغذائية، يؤكد بحصلي ارتفاع أسعارها، ويقول: «إنّ شركات الشحن رفعت قيمة الشحن بين 100 و150 في المئة. فكلفة شحن الحاوية الواحدة ارتفعت من ألفَي دولار إلى ما يفوق الـ4 آلاف دولار لتبلغ 5 آلاف لحاوية سِعَة 20 قدمًا المستوردة من الصين أو من كوريا أو اليابان... وهذا بالطبع يسبّب ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية وغيرها من حمولة تلك الحاويات. وتختلف نسبة الارتفاع باختلاف قيمة البضاعة. فالتي كانت أسعارها متدنية وتشكّل مادة أساسية للجميع، كالحبوب مثلًا، سيرتفع ثمنها بزيادة تصل إلى 15 و20 في المئة. أما المواد باهظة الثمن فسترتفع أسعارها بنسب أقل، لأنّ كلفة شحنها ثابتة على قيمة البضاعة.»
ولفت بحصلي إلى أنّ منسوب الطلب على المواد الاستهلاكية يرتفع في شهر رمضان وخلال فترة عيد الفصح، ومن المرجّح أن لا تصل المواد في وقتها، وبالتالي سترتفع أسعارها من دون أن يكون هناك انقطاع لأيّ منها.
برأيه، هذا الواقع لا يؤثّر على لبنان فحسب إنمّا على العالم بأسره، من هنا ضرورة مراقبة تطورات الأحداث أسبوعيًا وإعداد تقارير تقويمية في ضوئها...
سيناريوهان يرسمان مخاطر الحرب
سلّط معهد التمويل الدولي في تقريره الأخير حول «التداعيات الاقتصادية العالمية للحرب الإقليمية في الشرق الأوسط» الضوء على التداعيات المحتملة على الاقتصاد العالمي لحرب أوسع نطاقًا وطويلة الأمد في الشرق الأوسط، معتمدًا على سيناريوهين لتقويم مدى تأثير الحرب على أسعار السلع الأساسية، واضطراب التجارة، والتضخم والنمو العالمي.
ولفت التقرير الى أنّ الحرب دفعت منطقة الشرق الأوسط التي تنتج 35% من نفط العالم و13% من الغاز الطبيعي، إلى حافة صراع أوسع نطاقًا مع احتمال ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض حجم التجارة العالمية. وأشار إلى أنّ الهجمات على السفن في البحر الأحمر، الذي يسهم في نقل قرابة 12% من التجارة العالمية، أدّت إلى تعطّل تدفّق البضائع وإلى تضاعف أسعار الشحن منذ نهاية العام 2023. وعلى الرغم من عدم حدوث انقطاع في إمدادات الطاقة بعد، إلا أنّ المخاطر آخذة في الارتفاع، وقد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وفق توقّعات معهد التمويل الدولي الذي رجّح بنسبة 30 % حصول السيناريو المتشائم الذي يفترض تطور الصراع إلى حرب شاملة، ممّا قد يؤدي إلى تعطيل شحن النفط والغاز في مضيق هرمز. وبالتالي، سترتفع أسعار الطاقة وتؤدي إلى ارتفاع الضغوط التضخمية وإلى ضعف النمو العالمي.
ووفق السيناريو الأساسي، سيكون التأثير الاقتصادي محدودًا وسيقتصر بشكل أساسي على البلدان الأكثر تضررًا من الحرب الدائرة في غزة، أي ”إسرائيل“ ومصر ولبنان. ومع ذلك، سيبقى تأثير عدم اليقين الجيوسياسي سلبيًا على العديد من بلدان المنطقة، من خلال انخفاض الاستهلاك الخاص والاستثمار، وتراجع السياحة، وارتفاع الأسعار وتكاليف الاستيراد، وارتفاع علاوات المخاطر التي تؤدي إلى زيادة تكاليف الاقتراض...