- En
- Fr
- عربي
وجهة نظر
درجت العادة في لبنان على اعتماد النهج «التسووي» في حلّ الازمات، واختيار الحلول الوسط والسهلة في مواجهة المشاكل، ولم يؤدّ ذلك الاّ الى تراكم الأزمات والمشاكل وتفاقمها.
ولعلّ إتفاق القاهرة الذي تمّ التوصل اليه العام 1969 لمعالجة الانفلاش الفلسطيني المسلّح خير دليل على ذلك.
فنتيجة لهذا الاتفاق الذي حاول التوفيق بين شرعية السلاح الفلسطيني والسيادة اللبنانية، تحوّلت المخيمات الفلسطينية مع الوقت الى مربعات أمنية عصيّة على الشرعية اللبنانية، ما سهّل استقطاب الخارجين على القانون اليها، اضافة الى الجماعات الأصولية من مختلف الجنسيات والانتماءات الدينية والفكرية.
مخيم نهر البارد في شمال لبنان هو واحد من هذه المخيمات الذي تحوّل مع الزمن الى حصن منيع تعج فيه الجماعات المسلحة الفلسطينية واللبنانية والعربية، وتتخذ منه قاعدة إنطلاق لزعزعة الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، ومن هذه الجماعات وأشدها خطراً تنظيم «فتح الإسلام» وهو أبعد ما يكون عن الإسلام وتعاليمه السمحاء.
قبل العشرين من أيار العام 2007 كان الجيش اللبناني منشغلاً بالقيام بواجبه الوطني في الجنوب دفاعاً عن الأرض والسيادة وبحماية السلم الأهلي في الداخل، حين فوجئ في التاريخ المذكور بتعرض ضباطه وجنوده لهجوم وحشي من قِبل تنظيم «فتح الإسلام» أودى بحياة عدد كبير منهم.
سارعت قيادة الجيش، في مواجهة هذا الاعتداء على أمن عناصرها وأمن لبنان، الى اتخاذ القرار الكبير والشجاع والحاسم باستئصال هذا التنظيم والقضاء عليه دفاعاً عن شرف المؤسسة العسكرية وحمايةً للاستقرار والسلم الأهلي في لبنان.
لعلّها المرة الأولى في تاريخ هذا البلد، يتم التصدي لمشكلة ما، باعتماد المواجهة بدلاً من المساومة، والحل الجذري الحاسم بدلاً من التسويف والمماطلة. ولو قدّر للبنانيين عبر تاريخهم اعتماد الحلول الجذرية في مواجهة مشاكلهم، لأمكنهم إنقاذ بلدهم من أزمات كبيرة وحروب عديدة.
وتنفيذاً لقرار قيادة الجيش، خاضت الوحدات العسكرية معارك ضارية مع تنظيم «فتح الإسلام» المزوّد أحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، والمدرّب على حرب العصابات، والمحصّن داخل الملاجئ والخنادق، إضافة الى استفادته من مخازن الأسلحة والذخائر العائدة للفلسطينيين في المخيم.
وعلى الرغم من ضآلة القدرات العسكرية للجيش اللبناني وخلوّ ترسانته من أي سلاح حديث نتيجة للسياسات الخاطئة المتراكمة، فقد سطّر عناصره صفحات تاريخية من البطولة والاندفاع والشجاعة، وخاضوا مواجهات عنيفة وشرسة، من شارع الى شارع، ومن مبنى الى مبنى، للقضاء على تنظيم «فتح الإسلام».
وعلى الرغم من شراسة المعركة وصعوبتها لم يتخلَّ الجيش اللبناني عن مناقبيته في القتال، وكان همّه الدائم تحييد المدنيين الذين استخدمهم عناصر التنظيم دروعاً بشرية في قتالهم ضد الجيش، ولقد دفع الجيش غالياً ثمن هذا النهج الأخلاقي في التعامل مع الواقع وسقط له الكثير من الشهداء الذين سيبقون شعلة متوهّجة تنير الدرب وتشهد للأجيال القادمة على شجاعة الجيش اللبناني في الدفاع عن السيادة والكرامة وحفاظاً على «علم البلاد وذوداً عن الوطن».
كما لا بد من الاشارة الى أن معركة نهر البارد وهي أول معركة يخوضها الجيش اللبناني في الداخل، يسانده ويلتف حوله ويؤيده جميع اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومناطقهم، إضافة الى تأييد الشعب الفلسطيني ودعمه، هذا الشعب الذي عانى بسبب تنظيم «فتح الإسلام» الغريب عن هويته الوطنية، والبعيد كل البعد عن مصالحه القومية.
لقد حقق الجيش اللبناني في معركته في نهر البارد إنجازين كبيرين سيذكرهما التاريخ: القضاء على تنظيم مسلّح خارج عن التركيبة اللبنانية وشكّل خطراً على الكيان اللبناني، وإعتماد أسلوب الحسم في معالجة المشاكل الأمنية بدلاً من الدخول في دهاليز التسويات والمساومات كما درجت العادة على ذلك.