- En
- Fr
- عربي
طفولة وتربية
العلاج متوفر ومطلوب منذ السنوات الأولى للدراسة
هل كنتِ يوماً في إحدى الحفلات المدرسية تتأملين الأطفال ينشدون ويرقصون على المسرح، فيما تقف ابنتك الصغيرة وحيدة في زاوية المسرح ترفض المشاركة، ثم تجهش بالبكاء حين تلح عليها المعلمة للاقتراب من رفاقها والغناء معهم؟
إذا صادفتك حالة كهذه، لا تجزعي، فلست الأولى ولا الأخيرة التي يعاني أطفالها من الشعور بالخجل. فهذا الإحساس طبيعي في مراحل نمو الأطفال شرط ألا يزيد عن حده فيتحوّل الى حالة مرضية.
لذلك ينصح الخبراء الأهل الذين يلاحظون لدى أطفالهم شعوراً متزايداً بالخجل اتباع أساليب معينة من شأنها تعزيز ثقة الطفل بنفسه والتخلص من خجله تدريجياً.
الخجل شعور عالمي
يؤكد الخبراء والاختصاصيون أن الخجل شعور «عالمي» لا بد وأن يختبره كل إنسان ولو مرة واحدة خلال موقف معيّن. أما بالنسبة الى الأطفال، فالخجل مسألة طبيعية تظهر خلال مختلف مراحل النمو، بدءاً من العام الأول حيث تترافق مع الخوف من الغرباء وتستمر في السنوات اللاحقة بمظاهر ونسب مختلفة، ثم تبدأ بالإضمحلال تدريجياً كلما ازدادت قدرة الولد على التكيّف اجتماعياً.
ويشير الخبراء الى ان بعض الأطفال هم بطبيعتهم حساسون للغاية وأكثر عرضة للشعور بالخجل، في حين نجد آخرين: "اجتماعيين” منذ مراحل الطفولة الأولى. وهذه الخصائص يمكن ملاحظتها بسهولة، فالطفل الاجتماعي يبتسم للغرباء ويقوم أمامهم ببعض الحركات للفت النظر، في حين أن الطفل الخجول يهرع في موقف مماثل الى حضن أمه ويخبئ وجهه في صدرها.
ويؤكد الخبراء أن هذا النوع من الخجل يختفي شيئاً فشيئاً خلال عملية النمو حيث يكتسب الولد النامي خبرة في التعاطي مع الوجوه الجديدة، والقدرة على مواجهة العادات الاجتماعية التي يتعرف عليها تباعاً.
إلا أن المشكلة تظهر لدى الأطفال الذين يفتقرون الى المهارات اللازمة للتكيف مع المجتمع فيلاقون إحراجاً في القيام بمبادرات بسيطة، كطرح سؤال على المعلمة في الصف أو طلب المساعدة من زميل لهم، وغيرها من الأمور التي يعتبرها الآخرون عادية جداً . وتزداد مشكلة هؤلاء الأطفال في حال لم تعالج مبكراً إذ ترافقهم الى مرحلة النضوج حيث يقف خجلهم عثرة تعيق تقدمهم في الحياة.
في هذا الإطار، يطمئن الاختصاصيون الأهالي الى أن المشكلة المذكورة يمكن ملاحظتها وعلاجها منذ السنوات المدرسية الأولى. فالطفل الخجول لا يشارك في النشاطات المدرسية أو في الحوار داخل قاعة الصف، وقد يشعر بعض الأطفال الخجولين بالدونية، والبعض الآخر بالعدائية تجاه زملائهم حيث أنهم غير قادرين على التأقلم معهم. هذا الوضع يخلق في المقابل نفوراً من قبل الزملاء الذين يتجاهلون الولد الخجول ويبتعدون عنه، فيخسر بالتالي فرصته لتكوين صداقات ومهارات اجتماعية. وترافق هذه المشكلة بعض الاشخاص حتى مرحلة ما بعد النضوج وقد تبلغ في بعض الأحيان حالة مرضية حيث نجد أن الشخص الخجول يتردد في أداء أبسط الأمور كمثل الدخول الى المطعم وطلب طبقه المفضل.
كيف نحمي أولادنا؟
بغية حماية الطفل الخجول من التحوّل الى شاب خجول ينصح الخبراء الأهل بمراقبة أطفالهم في المنزل والتحري عن تصرفاتهم وردود فعلهم في المدرسة من خلال معلميهم، وذلك بهدف علاج المشكلة في حال وجودها قبل تفاقمها. خلال هذه العملية يجب على الأهل أن ينطلقوا من الأسئلة التالية:
* هل يهرع طفلنا الى غرفته للإنزواء فيها عندما يزورنا أحد المعارف أو الأقارب؟
* هل أنه يخشى الإدلاء برأيه أمام الأقارب والجيران؟
* هل يحمر خجلاً عندما تطلب إليه المعلمة القيام الى اللوح؟
* هل يفضل الاختبار الخطي على الامتحان الشفهي؟
* هل يجلس وحيداً في غرفته ساعات طويلة بدلاً من اللعب ضمن مجموعة من الأطفال؟
إذا كان الرد بالإيجاب على سؤال أو أكثر فهذا يعني أن الطفل بحاجة الى بعض الدعم العائلي.
ماذا بإمكاننا أن نفعل؟ سؤال يطرحه الأهل باستمرار. ويشير الاختصاصيون بدورهم الى عدد من الخطوات التي يجب أن يتخذها الأهل لمساعدة الأطفال لتخطي خجلهم. من أبرز هذه الخطوات، نذكر ما يلي:
* حاولوا تحديد نوع الخجل الذي يعاني منه طفلكم: هل يظهر خجله أثناء وجوده ضمن جماعات أو في الحفلات؟ أو عند لقاء أشخاص غرباء أو خلال هذه المناسبات مجتمعة؟ هل يجد مشكلة في تناول الطعام في مكان عام، أو في اللعب مع أطفال آخرين، أو في إجراء مكالمة هاتفية؟
عندما يتمكن الأهل من تحديد الموقف الذي يخلق لدى الطفل الشعور بالخجل، يمكنهم مساعدته على تطوير المهارات الاجتماعية المطلوبة للتعامل مع الموقف المذكور.
* كونوا المثل الصالح على صعيد السلوك الاجتماعي الصحيح، فالمعلوم أن الأطفال يتماثلون بآبائهم وأمهاتهم، لذا يفترض بالأهل أن يكونوا القدوة لا سيما في التصرفات التي يرغبون أن يتبناها أطفالهم. وفي هذا الإطار ينصح الخبراء الأهل باتباع نمط من السلوك الإيجابي الذي يظهر انفتاحاً على المجتمع، كمثل المبادرة بإلقاء التحية على الآخرين، والتصرف بطريقة ودية مع الجميع، ومد يد المساعدة لمن يحتاجها، والمشاركة في الأحاديث العامة بانفتاح كلي والدفاع عن الرأي بصورة منطقية من دون احترام.
هذه الخطوات وغيرها من التصرفات الإيجابية تعزز لدى الطفل روح المبادرة والرغبة في المشاركة والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
* ساعدوا طفلكم في تكوين صورة إيجابية عن ذاته، فالطفل الخجول يفتقر الى الثقة بالنفس، اذ ينظر الى ذاته بصورة سلبية ويخشى باستمرار أن يقابل بالرفض أو الفشل في مساعيه الاجتماعية.
ودور الأهل في هذا الإطار التأكيد لطفلهم أن الفشل ليس نهاية المطاف وإنما هو الطريق الى النجاح، لأن المرء يتعلم من أخطائه. ويمكن الاستعانة بأمثال حيّة من تاريخ العظماء والمشاهير لتأكيد وجهة النظر هذه.
* ساندوا طفلكم في التوصل الى التغيير خطوة تلو الأخرى، فمن غير المستحب الضغط عليه للقيام بالمبادرات التي تشعره بالخجل.
باشروا معه بالخطوات الأقل إحراجاً بالنسبة إليه، كأن تشجعوه على استقبال الضيوف والابتسام لهم، وإن لم يرغب في الحديث في المرة الأولى، دعوا هذا الأمر للقاء الثاني، وبهذه الطريقة يتطور الطفل بتجاوبه الاجتماعي تدريجياً.
* شجعوا طفلكم على تطوير مهاراته الذاتية، وذلك عبر اكتشاف هواياته المفضلة ومساعدته في تخطي شعوره بالنقص.
وينصح الخبراء الأهل بالابتعاد كلياً عن بعض الخطوات السلبية التي تعيق النمو الاجتماعي للطفل، من بين هذه الخطوات:
* لا تتحدثوا عن خجل طفلكم أمام الآخرين لأن ذلك يزيد من إرباكه.
* لا توجهوا إليه النقد أمام رفاقه أو أي من الموجودين، ومن المستحسن ألا تتعاملوا بأسلوب النقد إطلاقاً، وإنما حاولوا أن تجعلوه يرى أخطاءه بروية من دون إحراجه.
* لا تحاولوا حماية أطفالكم من الفشل لأن ذلك لا يؤخر نموهم الاجتماعي وحسب، وإنما يحرمهم من تكوين مناعة لمواجهة خيبات الأمل في المستقبل.
دور المدرسة
إضافة الى دور الأهل، للمدرسة أهمية كبرى في مساعدة الطفل الخجول على تنمية قدرته على التواصل مع الآخرين والتأقلم ضمن المجموعة.
وفي هذا الإطار يقدم الخبراء للمعلمات والمعلمين عدداً من النصائح، نذكر منها ما يلي:
* تواصلوا مع الطفل الخجول بشكل منتظم، ويكفي أن تطرحوا عليه سؤالاً ما أو أن توجهوا إليه تعليقاً معيناً، أو ربما ابتسامة بسيطة، فهذه الأمور الصغيرة تترك أثراً إيجابياً كبيراً في نفسه وتعطيه الثقة، كما تنمي لديه القدرة على التواصل.
* ادفعوا الطفل الخجول للمشاركة في النشاطات الجماعية داخل الصف، لأن ذلك يعطيه الإحساس بالإنتماء الى المجموعة، كما يمنحه الفرصة للتواصل مع رفاقه، علماً أن عدداً كبيراً من الأطفال الخجولين يرغبون بهذا التواصل لكنهم عاجزون عن المبادرة.
* أثنوا على أعماله الحسنة وإنجازاته أمام رفاقه في الصف، لأن ذلك من شأنه أن يعزز ثقته بنفسه.
* إبقوا على اتصال دائم مع الأهل لتتبادلوا المعلومات حول نقاط ضعفه ومعالجتها معاً. فإذا كانت المشكلة مثلاً الخجل من القراءة أمام رفاقه في الصف، يمكن للأهل أن يساعدوه على تخطيها عبر تشجيعه على قراءة قصة ما قبل النوم لإخوته أو للعائلة.