- En
- Fr
- عربي
مبادرات ومشاريع
في حين تتسابق الأزمات وتقفل آفاق الحلول، يواصل الجيش السير إلى الأمام متخطيًا العقبات ومثبتًا أنّه إذا أردنا، نستطيع أن نفعل الكثير لوطننا. وقد تمثلت الخطوة الجديدة في هذا الإطار بوضع قائد الجيش العماد جوزاف عون حجر الأساس لمركز رائد لمعالجة النفايات الطبية في اللواء اللوجستي، لن تقتصر الاستفادة منه على الطبابة العسكرية فحسب، وإنما ستشمل القطاع الطبي اللبناني أيضًا.
تدعم الأمم المتحدة هذا المشروع الحيوي من خلال برنامجها البيئي UNEP وتموّله الدول الصديقة سلوفاكيا والنمسا وتشيكيا. وهو يشكّل دليلًا إضافيًا على ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسة العسكرية، ويأتي في سياق الاهتمام الذي توليه قيادة الجيش لقضايا البيئة وقضايا أخرى خارج النطاق العسكري والأمني، رغم ثقل الحمل الملقى على عاتقها في الظروف الراهنة وفق ما أشار إليه قائد الجيش.
فقد أكّد العماد عون أنّ هذا المشروع «يظهر التزام المجتمع الدولي تجاه لبنان وتحديدًا الجيش»، مركّزًا على أهميته «لا سيّما وأنّه يتعلّق بالقطاعين البيئي والصحّي في لبنان، في ظلّ تفاقم الأزمات التي نعيشها والتي تنعكس على مختلف القطاعات، وتعرقل تنفيذ مشاريع مماثلة».
مسؤولية تجاه الأجيال القادمة
حسب قانون الدفاع الوطني، يضطلع الجيش بثلاث مهمّات: دفاعية وأمنية وإنمائية، لا شكّ في أنّ مهمّاته الأمنية متعدّدة ومتشعّبة، وقد زادت وتيرتها مؤخرًا مواكبة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقّدة التي يعيشها لبنان. ولكن رغم ذلك، يؤكد العماد عون: «الجانب الإنمائي ما زال يحتل حيّزًا من اهتماماتنا، ويشمل حماية البيئة والتراث ومواكبتهما ودعم كل النشاطات المتعلّقة بهما. فحماية لبنان أمنيًّا وعسكريًّا تقتضي أيضًا حمايته وتحصينه بيئيًّا للمحافظة عليه وتسليمه مُصانًا إلى الأجيال القادمة، وهذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا كجهات رسمية.»
وأوضح أنّ الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة العسكرية تتضمن المحافظة على البيئة في لبنان كما على الأمن والاستقرار، وهي تضع كل طاقاتها وقدراتها العسكرية واللوجستية والبشرية في خدمة الشأن البيئي إلى جانب مهماتها الأخرى. وأشار في هذا الإطار إلى مهمات يومية للجيش، من إخماد الحرائق ورشّ المبيدات وتنظيف الأماكن الأثرية، إلى حماية الممتلكات الثقافية وفرز النفايات، مرورًا بإجراء مسح للكسارات والمرامل، وتقديم آليات عسكرية قديمة للجمعيات التي تُعنى بالثروة السمكية لوضعها في قعر البحر، وتشجير المناطق الحدودية عند السلسلة الشرقية، وصولًا إلى التحوّل نحو الطاقة البديلة في معظم الثكنات والمراكز العسكرية. وإذ كشف العماد عون أنه سيجري قريبًا تنظيف جزيرة الأرانب في طرابلس، أشار إلى الجهود المتواصلة التي يبذلها الجيش لإزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحروب من الأراضي الملوثة على امتداد وطننا، مسهمًا بذلك في الحد من أضرار هذه المواد على النظام البيئي، ومتيحًا استصلاح الأراضي واستثمارها، فضلًا عن حماية أرواح المواطنين.
أهمية المشروع
وقدّر العماد عون مبادرة الداعمين للمشروع، فقال: «نشكر ثقتكم بنا واختياركم المؤسسة العسكرية مركزًا لإنشاء معمل حديث ومتطوّر لمعالجة النفايات الطبية، وهو مشروع بيئي وصحي حيوي، نظرًا لخطورة المواد الطبية الناتجة عن المستشفيات. سيكون لهذا المشروع أهمية كبرى إذ سيساهم في مرحلته الأولى في معالجة النفايات الطبية الناتجة عن المستشفى العسكري المركزي والمستوصفات العسكرية، ولاحقًا في معالجة النفايات الطبية للمستشفيات المدنية أيضًا».
وأضاف: «لا شكّ في أنّ التزام برنامج الأمم المتحدة البيئي ودول سلوفاكيا والنمسا وتشيكيا تجاه لبنان وجيشه، هو تأكيد إضافي لاهتمامها الدائم بنا، وبخاصة في ما يتعلّق بصحّة المواطن وبيئته، فالشكر الجزيل لأصدقائنا على تقديم هذا المشروع، على أن يتولّى الجيش إدارته بالطريقة المثالية ووضعه في تصرّف القطاع الطبّي اللبناني.
ختامًا، ورغم كل الأزمات التي تلاحقنا وتنعكس على أولوياتنا، تبقى البيئة مسؤولية مشتركة تستوجب منا جميعًا، سواء القطاعَين العام والخاص أو المواطنين، المساهمة في الحفاظ عليها وحمايتها.»
نحو الإدارة المستدامة للنفايات الطبية
من ناحيته، أشار وزير خارجية سلوفاكيا إلى الشراكة الوثيقة بين النمسا وتشيكيا وسلوفاكيا والجمهورية اللبنانية، وكذلك برنامج الأمم المتحدة للبيئة... وأكّد أنّ المشروع يشكّل مساعدة هادفة وضرورية وشاملة للبنان على المدى البعيد، لافتًا إلى أنّ بلاده «تبذل جهودًا مشتركة مع النمسا وتشيكيا، لدعم لبنان بقوة للتغلّب على هذه المشكلة البيئية والصحية الصعبة وتعزيز الإدارة المستدامة للنفايات الطبية في البلاد... وتعطي الأولوية لمساعدة لبنان على تطبيق الشروط البيئية السليمة ضمن القطاع الصحي، ودعمه من خلال رعاية صحية بيئية منسّقة.»
بدوره أكد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين أنّ المشروع خطوة إلى الأمام على طريق المعالجة البيئية المستدامة، مشيدًا بالتعاون بين وزارة البيئة والجيش اللبناني في التصدّي للكثير من التحدّيات على المستوى الوطني، وبخاصة في ما يتعلّق بالكسّارات والتخلّص من المواد الكيميائية الخطرة ومكافحة حرائق الغابات.
وسلّط ممثل الـUNEP السيد سامي ديماسي الضوء على أهمية معالجة النفايات الصحية بوصفها مسألة تتطلّب الاهتمام الفوري، شاكرًا الجيش اللبناني على تعاونه لإنجاز المرحلة الأولى في هذا السياق، بما يؤسّس لخطوات مستقبلية تُفضي إلى حلول بيئية مستدامة على المستوى الوطني.
تحضير الأرضية في أيام والجهوزية التامة قاب قوسين!
المدى الزمني بين إقرار المشروع وتحضير الأرضية لبدء تنفيذه لم تتخطَّ بضعة أيام. ويوضح قائد اللواء اللوجستي
العميد الركن جوني عقل أن اختيار اللواء كموقع للمركز هو بسبب توافر المساحة والعديد، مشيرًا إلى أنّ العمل تم في وقت قياسي. فبفضل اندفاع العسكريين أُنجز تزفيت الأرض تحضيرًا لإقامة منشأة تضم مركز المعالجة، وصب أخرى لإنشاء مركز تدريب للعاملين الذين سيتولّون تشغيل المركز خلال ثلاثة أيام فقط.
وأوضح أنّه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEPووالمدير الإقليمي لغرب آسيا للبرنامج السيد سامي ديماسي، ودول الإتحاد الأوروبي الممثلة بالنمسا وسلوفاكيا وتشيكيا، تم الاتفاق على بناء هذا المركز الرائد بيئيًا داخل المؤسسة العسكرية التي ستؤمّن له الموقع والمشغّلين، في مقابل الهبة الأجنبية التي ستهتم بالتمويل والتدريب.
حصل الاجتماع الأوّلي، في بداية نيسان الماضي مع ممثل الـUNEP الذي زار لاحقًا برفقة سفراء الدول المانحة الثلاث قائد الجيش، للتباحث في المشروع المُزمع إنشاؤه لمعالجة النفايات الطبية. وقد فوجئ السفراء الثلاثة بسرعة تحضير قاعدة المركز.
وأشار قائد اللواء إلى أنّ إدارة النفايات الطبيّة هي مهمةٌ معقّدة نوعًا ما، لأنّها تخضع لعدة معالجات ومنها التعقيم، التلف، وإعادة التدوير.
لماذا؟
بالإضافة إلى الإسهام في المحافظة على البيئة والحد من التلوّث الناجم عن النفايات الطبية، فإنّ للمشروع هدفًا آخر يتمثل في توفير الأموال التي تدفعها المؤسسة للتخلّص من النفايات الطبية الناتجة عن المستشفى العسكري المركزي والمستوصفات العسكرية المنتشرة في المناطق، وتأمين تمويل إضافي لقاء معالجة نفايات المستشفيات المدنية لاحقًا، وبيع المواد المُعاد تدويرها كالحديد والبلاستيك والورق.
المعدات من الأحدث عالميًا
وبالنسبة للوقت الذي يتطلبه تحقيق جاهزية المركز لبدء العمل فيه، لفت العميد الركن عقل إلى أنّ المدة المخصصة لأعمال البناء والتجهيز وتدريب الكوادر لن تتجاوز السنة. وستكون المعدّات من الأحدث عالميًا وهي تعمل على البخار وتُعقّم النفايات الطبية على حرارة عالية، مع الحرص على عدم إتلاف المواد الأولية التي يمكن لاحقًا إعادة تدويرها. وسيتم إنشاء منصّة معلومات ترتبط ببرنامج الأمم المتّحدة البيئي والمستشفى العسكري والمستوصفات، ولاحقًا المستشفيات المدنية.
ولتأمين الكادر الصناعي للمركز، سيتم الاستعانة بحوالى ١٥عسكريًا، يقوم فريق أجنبي متخصّص من قِبل برنامج المنظمة البيئي بتدريبهم على تشغيل معدّات المعمل، ومن المرجّح أن تستغرق عملية التدريب حوالى ٦ أشهر.
مراكز أخرى في المناطق!
جدير بالذكر أنّ هذا المشروع هو نموذج لمركز أولي يعالج النفايات الطبية العسكرية، ليتطوّر لاحقًا فيعالج نفايات المستشفيات الطبية المدنية، وسيُصار إلى بناء خمسة معامل أخرى في المناطق.
واعتبر قائد اللواء «أنّ المشروع هو خطوة نحو الأمام في مسيرة الجيش الإنمائية، وكونه الجهة الأكثر موثوقية في لبنان، أعطانا رصيدًا وتقديرًا عالميين، يُستثمر فيه ليس فقط بالأمن، بل ويمكن أن يكون أيضًا قطاعًا منتجًا على الصعيد الوطني والإنمائي والاقتصادي. هذا الاستثمار البيئي برعاية الجيش، هو دليل ثقة المجتمع الدولي به، وهو بداية لعدة مشاريع بيئية مع الـUNEP.
ثمار الجهود والثقة رصيد كبير من الاحترام والتقدير لجيشنا، وهذا الجيش يثبت كل يوم أنّه رصيد الوطن الأهم، و»قرشه الأبيض لليوم الأسود».
في حضور الداعمين
حضر احتفال وضع حجر الأساس، وزير خارجية سلوفاكيا Miroslav Wlachovsky، وسفراء سلوفاكيا Marek Varga، والنمسا Rene Paul Amry، وتشيكيا Jiri Dolzel، وإسبانيا Jesus Santos Aguado، وممثل UNEP سامي ديماسي، إلى جانب وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين وعدد من الملحقين العسكريين والضباط.