- En
- Fr
- عربي
مستمرون
منذ بدأت الأزمة الاقتصادية الأخيرة تعصف بلبنان، وشعبه يشكو، ويئن ويتذمّر... «ما في شي زابط»، يقف في طوابير ذلٍّ ليحصل على ربطة الخبز، محروم من طعم اللحم والدجاج، وحتى الخضار باتت بعيدة المنال من البعض! فما هو الحل؟ وحتى متى نقبع مستسلمين ننتظر الفرج؟ سؤال طرحه أبناء المؤسسة العسكرية، وكما عهدناهم لا يستسلمون ولا يرضخون، وها هي هذه الأزمة تكشف بين صفوفهم مهارات وقدرات يشهرونها سلاحًا فاعلًا...
بالإرادة والتصميم، ومن خلال التشجيع على الابتكار والخلق واكتشاف المهارات واستثمارها في الصمود لمواجهة الأزمة، خطا أبناء المؤسسة العسكرية خطواتهم الأولى نحو تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي، لتكون هذه المؤسسة التي أثبتت على مرّ السنين أنها نقطة ارتكاز البلد وقوته، قدوة تعليمية تبرهن للمجتمع أنّ الاعتماد على الذات واستنباط الحلول والصمود في الظروف الصعبة ليس ممكنًا فحسب، وإنما ضروري للنهوض مجددًا.
لواء المشاة السادس خير مثال
انطلقت القيادة بحلول تخفف من ثقل المعاناة، وراحت مع كل جدار ينهار في المجتمع اللبناني، تبني دعامةً لأبنائها تقيهم من الانهيار، فعزّزت طبابة عسكرييها، وأمّنت لهم المساعدات والحصص الغذائية، وعملت على إيجاد الحلول لمشكلة ارتفاع كلفة تنقلّهم بين منازلهم ومراكز خدمتهم والعكس... في المقابل شرعت وحداتها في استنباط الحلول استجابةً لهموم العسكريين.
لواء المشاة السادس المتمركز في البقاع هو إحدى الوحدات التي تشكّل نموذجًا يُحتذى ومثالًا في القدرة على مواكبة الأزمة ومواجهتها بالحلول الفاعلة. انطلقت خطة قيادة اللواء من مبدأ ضرورة إيجاد سبل تخفف معاناة عسكرييه وتساعدهم في تجاوز المرحلة القاسية، مع التأكيد على أنّ الهم الأساسي ليس الإنتاج بهدف توفير الحلول الآنية أو تحقيق الأرباح، بل اكتشاف قدرات كل عسكري ومهاراته، وتأمين الاستمرارية من خلال تعميم هذه المهارات عبر تعليمها لأكبر عدد من رفاقه. أكثر من ذلك، يطمح القيمون على هذه الخطة إلى تعميم خبرات العسكريين في مختلف مجالات الإنتاج في محيطهم، ما يُسهم في نشر ثقافة الاكتفاء الذاتي بدل ثقافة الاستهلاك، ليصبح الجيش مدرسة ونموذجًا للاعتماد على القدرات الذاتية.
يشدّد قائد اللواء العميد الركن جوني عقل على أهمية دور الجيوش في تحريك العجلة الاقتصادية مستشهدًا بالأمثلة الهندية والمصرية وغيرها من الدول التي عانت أزمات، وكان الجيش فيها مساهمًا أساسيًا في النهوض بالاقتصاد. ويؤكّد أنّ الجيش رغم المعاناة ومحدودية الرواتب التي يتقاضها العسكريون، نجح في بسط سيطرته على الأمن في بعلبك الهرمل، ومكافحة المطلوبين والمخلّين بالأمن وتجّار المخدرات وعصابات الخطف في عقر دارهم. وقد تمكّن كما دائمًا من بث الأمان والطمأنينة في نفوس المواطنين الذين تعبوا من العواصف الاقتصادية والأمنية التي تهدّد أمنهم وأمانهم، مؤكدًا مرة جديدة أنّ المؤسسة العسكرية تبقى صمام الأمان والجهة الوحيدة التي تعطي اللبنانيين دفعًا للبقاء في هذا الوطن وأملًا بغدٍ أفضل.
نقطة الانطلاق
كان تفشّي وباء كورونا في ظل الأزمة الاقتصادية بمثابة الدافع الأول الذي جعل اللواء يتحرّك لتأمين الكمامات والمعقّمات للعسكريين من دون تكبيدهم كلفة شرائها. أُنشىء معمل صناعة الكمامات الذي ذاع صيته في المؤسسة، وتبعته غرف التعقيم عند مداخل الثكنات، وماكينات تعقيم المراكز. وقد أثبتت هذه التجربة لعناصر اللواء أنّهم قادرون على فعل الكثير، وكشفت عن مهارات وكفاءات لا تحتاج سوى إلى التشجيع وفتح المجال لإظهارها.
وتوالت المشاريع، الواحد تلو الآخر على طريق تأمين الحاجات: من استصلاح الأراضي وزراعتها، إلى تربية الدجاج والماشية وزراعة الأزولا كعلف لها، واستحداث الأفران لتأمين الفطور اليومي للعسكريين، وصناعة الصابون ومستحضرات التنظيف والغسيل ومواد التعقيم التي باتت مكلفة جدًّا اليوم... وكلما ظهرت مشكلة، عمل اللواء على معالجتها مستعينًا بقدرات عسكرييه ومهاراتهم.
هذا لا يكفي...
كل ما ذكرناه آنفًا مهم وضروري، ولكنه غير كافٍ للاستمرار والصمود. فكما يحتاج العسكري إلى طاقة، كذلك تحتاج آليات اللواء إلى صيانة للحفاظ على جهوزيته العملانية، بالإضافة إلى الحاجة للقرطاسية والأدوات المكتبية التي ارتفعت أسعارها بشكلٍ جنوني مع انهيار الليرة اللبنانية. وفي حين لم تعد الميزانية المخصصة للواء (ما زالت هي نفسها منذ سنوات) تكفيه لتلبية كل هذه الحاجات، كان الحل بالاستفادة من الحديد والخرضوات لصناعة القطع الفنية، التي أُضيفت إليها صناعة عدد من التحف الخشبية والرسم على الزجاج وتحضير المعارض الفنية لبيعها واستثمار مردودها لتغطية هذه الحاجات.
يتابع اللواء السادس مسيرته، محققًا التطور في مشاريع إنتاجية لا تتطلب جهود أكثر من 1% من عديده، بينما ينصب الجهد الكبير في مجال الحفاظ على الأمن وتنفيذ المهمات العسكرية من دون أي تقصير، وذلك بشهادة مناطق انتشاره وأهاليها وزوارها. ويأمل اللواء أن يصبح قدوةً للوحدات الأخرى كما للمجتمع اللبناني، فالجيش كان وسيبقى النواة الأساسية لصمود لبنان، وها هو اليوم يُقدم نموذجًا في كيفية مواجهة الأزمات بالاعتماد على القدرات الذاتية.
إننا ننهار فماذا نفعل؟ هي تجربة جديدة، ولكنّنا مصممون على النجاح... وما مننكسر!