موضوع الغلاف

في آب ٢٠١٦ تخلّوا عن حياتهم المدنية وعن كل الخيارات المهنية والعملية التي كانت مُتاحة أمامهم، اختاروا سلوك درب الصعاب، درب الشرف والتضحية والوفاء، ليكونوا «حاملي كرامة المؤسسة العسكرية وشرفها وسفراءها بين الشعب» (من حديث القائد خلال تفقّده الكلية الحربية قبَيل التخريج). حلقوا رؤوسهم وذقونهم، حزموا أمتعتهم، ودّعوا أهلهم وخطوا أولى خطواتهم داخل بوابة «معهد الحرب الأشم»، وبدأت منذ تلك اللحظة مسيرتهم العسكرية.

ودّعوا الاتكالية واللامبالاة، لينتقلوا إلى كنف الاستقلالية والمناقبية والالتزام... نسوا النوم، وبقي الحلم الأكبر المرافق لسنواتهم الثلاث يوم الأول من آب ٢٠١٩، يوم التخرّج برتبة ملازم. لم يعرفوا أنّ هذا اليوم سيتميّز بتسمية الدورة «دورة اليوبيل الماسي للاستقلال» وسيصادف في هذا التاريخ أيضًا اليوبيل الذهبي لتقليد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيف التخرّج من المدرسة الحربية! فكان لهم في يوم التخرّج أكثر من مفاجأة.
إنّهم ضباط اليوبيل الماسي للاستقلال، مئتان وتسعة وستون ضابطًا أكّدت دورتهم مرّة جديدة أنّ المؤسسة العسكرية هي النموذج الأصدق للانصهار الوطني ونقطة تلاقي اللبنانيين جميعًا، وعنوان عريض لوحدتهم الداخلية... فكان المشهد الجامع الذي تصدّره رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون، ومجلس النواب نبيه بري، والحكومة سعد الحريري، في الاحتفال الذي أُقيم في ملعب ثكنة شكري غانم- الفياضية والذي دعا إليه قائد الجيش العماد جوزاف عون.
هناك، وسط الحضور الذي ضمّ سياسيين ودبلوماسيين وعسكريين وفعاليات، كانت عيون الأمهات شاخصة إلى المتخرّجين. وحدها الأم تستطيع تمييز ابنها من بين ٢٦٩ ضابطًا جديدًا يقفون وقفةً واحدة بزيٍّ موحّد وهامات شامخة في «طقّة الشمس» أعينهم تلمع فخرًا: نجحنا، وها نحن قادمون يا ساحات الوطن!

بكل ما في الدنيا من حب وفخر
صبرت ٦٠ يومًا على غياب فلذة كبدها عن ناظرَيها، وتحمّلت غيابه لأيامٍ وأيام، وها هي اليوم ترمقه بكل ما في الدنيا من حب وفخر، وإلى جانبها الوالد الصامت الذي يشعر اليوم أنّه امتلك الدنيا.
بعد ثلاث سنوات، احتسبوها بالساعة والدقيقة، أقبل أهالي المتخرجين إلى الاحتفال ليفرحوا بأبنائهم في كنف الجيش والوطن، وليشهدوا انطلاقتهم إلى ساحات الواجب.
ازدانت الجدران بشعارات الجيش ومختلف القطع والوحدات، وارتدت المباني علمَي لبنان والجيش. ارتفعت شاشتان ضخمتان أمام الحضور عُرضت عليهما مجريات الاحتفال، إلى أغانٍ وطنية أخرجتها مديرية التوجيه بحلّةٍ جديدة، وتضمّنت مشاهد للشهداء، وإعلانات لحملة العيد هذه السنة (أمن، إنماء، إزدهار)، وفيلم آخر عرض الشعارات الرسمية للقطع والوحدات العسكرية بالطريقة الثلاثية الأبعاد والمتحركة (animated 3D).
علت الصرخات والزغاريد وصفّق الحاضرون بقوةٍ عند دخول المتخرّجين الجدد إلى الساحة، يخبطون الرجل قرب الأخرى وكأنّهم يقولون «وسّع يا دار ساحاتك وصلوا الخيالة»، أفسحوا لنا الطريق ها نحن قادمون لنلبّي النداء، نداء القَسم والواجب، نداء الوفاء للشهداء الأبرار...
شارك التلامذة الضباط في السنة الأولى «عرّابيهم» فرحتهم، وكذلك تلامذة السنة الثانية، هم الذين ما زالت أمامهم مسيرة في الكلية، يأخذون من سابقيهم جرعة أمل وحماسة واندفاع للمتابعة وتخطّي الصعوبات وبلوغ مثل هذا اليوم المشرّف. وشاركت إلى جانب التلامذة فصيلة رتباء اختصاص إناث من مقرّ عام الجيش بقيادة ضابط أنثى، وفصائل من مدرسة الرتباء، القوات البحرية والجوية، فوج المغاوير، والمديريات العامة لقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك.

مجريات الاحتفال
مع وصول علم الجيش ساد الصمت ووقف الجميع احترامًا وإجلالًا وتوالى وصول الشخصيات: رئيس الأركان اللواء الركن أمين العرم، فقائد الجيش العماد جوزاف عون، ومن ثم وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب، وسط مراسم الاستقبال المحددة لكلٍّ منهم. بعد ذلك، وصل رئيس الحكومة سعد الحريري، ثم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وسط مراسم التكريم. وعند الساعة التاسعة وصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي استُقبل بعزفة التأهب وتقديم السلاح ليتوجّه مباشرةً إلى ساحة الشرف ويضع إكليلًا من الزهر أمام النصب التذكاري للضباط شهداء الجيش على وقع لحن التعظيم والنشيد الوطني اللبناني، يحيط به كل من وزير الدفاع وقائد الجيش ورئيس الأركان وقائد الكلية الحربية العميد الركن جورج الحايك. وعزفت موسيقى الجيش معزوفة الموتى ولازمتَي النشيد الوطني والشهداء في حين ردّدت الدورة المتخرّجة بصرخةٍ واحدة ثلاثًا «لن ننساهم أبدًا»، وشاركهم أهاليهم الصرخة.

بعد هذه الوقفة المؤثرة التي ساد فيها الصمت وسكت فيهــا الجميـع بمن فيهـم الإعلاميـون الذيـن كانـوا بالعشـرات في نقـلٍ مباشـر، استعـرض الرئيـس القـوى بينمـا مـرّت تشكيلات للقوات الجـوية تضمّنت طوافات من نوع Gazelle ،Huey II و Puma وطائرات من نوع Cessna، حملت الأعلام اللبنانية وأعلام الجيش.
بعـد استعـراض القـوى، تـمّ تسـليـم بيـرق الكليـة الحربيـة مـن الدورة المتخرّجـة إلـى طليـع السنـة الثانيـة، وتبـع ذلـك تقـدّم الـدورة مُنشـدة نشيـد الكليـة الحربيـة إلـى وسـط الملعـب، فنـادى قـائـد العـرض: «أيهـا الفتيـان اركعوا»، ثم تقـدّم طليـع الـدورة المـلازم كيفيـن صقـر (أمن داخلي) مـن رئـيـس الجمهوريـة طالبًـا باسـم رفاقـه تسميـة دورتهـم «دورة اليوبيـل الماسـي للاستقـلال»، وردّ الرئيس عون «فلتُسـمَّ دورتكـم دورة اليوبيـل الماسـي للاستقـلال». وصـرخ قائـد العـرض «أيهـا الرجـال قِفـوا»... ليقـف الفتيـان المتخرّجون برتبة ملازم رجالًا يتسلّمون سيوف النصر التي تعهّدت الحفاظ على التضحيات والإنجازات.

تلاوة المراسيم
تلا وزير الدفاع بو صعب مراسيم ترقية تلامذة ضباط قوى الجيش (برية، بحرية وجوية) وعددهم ١٦٦ متخرّجًا، والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وعددهم ٩٠، والمديرية العامة للأمن العام وعددهم ١١. وتلا وزير المالية علي حسن خليل مرسوم ترقية تلامذة ضباط المديرية العامة للجمارك وعددهم ٢.
وعلى الأثر، سلّم الرئيس عون السيوف للضباط المتخرّجين على وقع الزغاريد والهيصات والتصفيقات التي علَت من جهة أهاليهم. تقدّم بعدها علم الجيش أمام الرئيس ثم تقدّم طليع الدورة المتخرّجة وأقسم اليمين «أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملًا حفاظًا على علم بلادي وذودًا عن وطني لبنان» وردّد رفاقه «والله العظيم»، مدركين أنّهم منذ هذه اللحظة ستُلقى على عاتقهم مسؤولية التزام هذا القسم الذي كان وسيبقى شعارًا للتضحيات والانتصارات والآمال.

كلمة الرئيس: جيشنا فوق المصالح والتجاذبات
الأمن خط أحمر والأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد تتطلّب التضحيات من الجميع... رسالة واضحة قالها الرئيس عون في كلمته لهذه المناسبة، فتوجّه إلى المتخرّجين قائلًا: إنّ اختياركم الحياة العسكرية، إن دلّ على شيء فعلى شجاعة وإقدام وروح معطاءة ووطنية صافية. وفي إحيائكم اليوبيل الماسي للاستقلال واختياره عنوانًا لدورتكم تؤكّدون التزامكم صون الوطن والدفاع عن استقلاله وسيادته مهما غلت التضحيات...
وتابع مشدّدًا على إنجازات الجيش: لقد أثبت جيشنا الوطني على مرّ السنوات والأزمات أنّه فوق المصالح والتجاذبات، وأنّه ضمانة الوطن. وهو قد حقّق خلال السنتَين الماضيتَين مكاسب وإنجازات يُشهد له بها، فحرّر جرودنا الشمالية والشرقية من الإرهاب وتمكّن هو وسائر القوى الأمنية، وبعملياتٍ استباقية نوعية، من القضاء على معظم الخلايا النائمة للإرهابيين وشلّ حركتهم، محقّقين للبنان أمنًا ثمينًا تسعى إليه جميع الدول. هذه الإنجازات تُستكمل بإبقاء العين ساهرة على حدودنا الجنوبية، مع وجود عدو يتربّص بنا وينتهك باستمرارٍ القرارات والمواثيق الدولية وخصوصًا القرار ١٧٠١، وتُدعَّم أيضًا بتثبيت الأمن والاستقرار في الداخل، فالأمن خط أحمر ولا تهاون مع أي محاولة للتلاعب به...
ثم توجّه الرئيس إلى رفاق السلاح متحدّثًا بتأثّرٍ واضح: نحن يا رفاق السلاح لسنا أبناء مهنة أو وظيفة، وإن كنا نعيش من راتب ونتكئ على تقديمات ممنوحة لنا وهي حقّنا، ولكنّنا في أساسنا وجوهرنا أبناء قسم وأبناء الشرف والتضحية والوفاء... والأخطار التي يتعرّض لها الوطن ليست بالضرورة عسكرية فقط، فالأخطار الاقتصادية أشد قساوة وأشد فتكًا، وهي أخطر ما يعاني منه لبنان اليوم، وتطال الجميع. فهل ننكفئ أمامها؟ هل نتركه لمصيره؟ هل نرفض تضحية بسيطة ببعض المكتسبات ونحن الذين لم نبخل بها بالدم وبالحياة؟
وتطرّق الرئيس عون إلى الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية القاسية التي يمر بها لبنان مشدّدًا على أنّ التضحية المرحلية مطلوبة من كل اللبنانيين من دون استثناء لتنجح عملية الإنقاذ، فإن لم نضحِّ اليوم جميعًا ونرضَ بالتخلّي عن بعض مكتسباتنا فإنّنا نخاطر بفقدها كلها، حين يصبح وطننا على طاولة المؤسسات الدولية المُقرضة... وفي الأزمات يظهر معدن الشعوب، وكلّي ثقة بصفاء معدن شعب لبنان العظيم وبقدرته على مواجهة الواقع بعزمٍ وصلابة، والنهوض من الكبوات.
ثم حذّر الرئيس من لجوء البعض إلى استحضار لغة الماضي، وممارساته، عازفًا على وتر الحساسيات، وطاعنًا في صميم إرادة العيش المشترك ومتطلباته، التي ثبّتها اتفاق الطائف، ممّا يؤذي الحياة الوطنية، ويهدّد بإبطاء مسيرة النمو والخروج من دوامة الأزمة الحالية.
وأخيرًا، توجّه الرئيس إلى العسكريين مؤكدًا لهم: سأسهر على الدوام لتبقى حقوقكم مصانة وكرامتكم محفوظة، كما تحفظون كرامة الوطن بتضحياتكم. وختم قائلًا: هنيئًا للجيش، لذوي الضباط الخريجين وللبنان واللبنانيين هذه المناسبة العزيزة، التي تذكّرنا بأنّ للوطن سياجًا، وللشباب قدوةً، وللأمن عيونًا ساهرة وإرادة لا تلين.

للعُلى أنا سرت...
بعد انتهاء عرض التحية الأخير للقوى، أمر طليع الدورة المتخرجة بتوشيح الحسام ثم بغمده، وسار المتخرجون وهم ينشدون بصوتٍ جهور نشيد الجيش «للعُلى أنا سرتُ للخلود...»، ولدى وصولهم إلى نهاية الملعب رموا قبعاتهم ناظرين عاليًا إلى المستقبل وما يحمله لهم من آمالٍ وتوقعات وتمنيات لأيامٍ أفضل.

في السجل الذهبي
عقب انتهاء حفل التخريح، أقيم حفل كوكتيل احتفاءً بالمناسبة، ودوّن الرؤساء الثلاثة والوزراء المعنيون كلمات في السجل الذهبي للمدرسة الحربية، وأخذت الصورة التذكارية.

كتيّب العيد
وزّعت قيادة الجيش- مديرية التوجيه خلال الاحتفال بعيد الجيش الرابع والسبعين، كتيّبًا تضمّن صور شعار العيد لهذه السنة (شرف. تضحية. أمن. ازدهار. إنماء). وحملت صفحاته كلمات من القلب وجّهها كل من رئيس الجمهورية ووزير الدفاع وقائد الجيش إلى العسكريين، بالإضافة إلى أمر اليوم وبرنامج الاحتفال.
جاء في كلمة رئيس الجمهورية: يطلّ عيد الجيش هذا العام والمؤسسة العسكرية صلبة الرسوخ في قلوب اللبنانيين وعقولهم. فيها يودعون لا تطلعاتهم فحسب بل أغلى ما لديهم: فلذات أكبادهم. أجل! ليس من عائلة لبنانية إلّا وافتخرت أنّ لها في هذه المؤسسة أبًا أو ابنًا أو أخًا أو صديقًا غاليًا...
أمّا وزير الدفاع فتوجّه إلى الضباط المتخرجين قائلًا: يتزامن تقليدكم السيوف هذا اليوم مع اليوبيل الماسي للاستقلال الذي كان الجيش وما زال درعه الواقي وعينه الساهرة، والحريص على إرساء دولة القانون والمؤسسات والمساهم في الحفاظ على حقوق المواطنين كل المواطنين على حدٍّ سواء...
بدوره تحدّث قائد الجيش عن أربعة وسبعين عامًا من الشرف والتضحية والوفاء، مسيرة طويلة في خدمة الوطن والمواطن، عنوانها الكرامة وبذل الذات. إرادة صلبة لم تكسرها رياح الحروب أو الفتن، ولم يقوَ عليها العدو الإسرائيلي والإرهاب المتربّص بنا. إنّها إرادة جيشنا، الذي أقسم جنوده على الدفاع عن وطنهم مهما كانت التضحيات والتحديات... فعهد منّا أن تبقى المؤسسة العسكرية قبلة أنظار اللبنانيين ومدعاة فخرهم، ووعد بأن تبقى صمام الأمان والحضن الجامع لكل أبناء الوطن. وسنبقى على قدر ثقتهم وآمالهم ومحبّتهم، فلأجلهم يتحوّل الشرف والتضحية والوفاء أمنًا وازدهارًا وإنماء...
لم يقتصر الكتيّب على الكلمات، بل نقلت القيادة فيه جزءًا من صور معرض «ذاكرة الجيش» التي تعيد متصفّحه إلى أيام مضت من تاريخ الجيش لا يدركها الكثير من اللبنانيين ولم يرَوا لها مثيلًا من قبل، وقد يتوق جزء كبير منهم إلى التعرّف عليها. صور عن عهود وأحداث مرّت، منها الجميل ومنها المؤلم. من وثيقة ١٩٤١ إلى أول عرض عسكري (١٩٤٥) وجلاء أول فرقة فرنسية عن لبنان (١٩٤٦)، إضافة إلى صور تذكارية لتلامذة من المدرسة الحربية في الستينيات، ووقفات عزٍّ في ذكرى الاستقلال والشهداء وعيد الجيش، ومهمات نفّذها الجيش ومواجهات له مع العدو الإسرائيلي والإرهاب، وتمارين عسكرية ومناورات... صور بمعظمها بالأسود والأبيض، تحرّك الحنين، وتحفظ تاريخ المؤسسة العسكرية المتمسكة بإرثها، والتي تعرّضت وما زالت تتعرّض لكثيرٍ من الاعتداءات، ولكنّها تعود لتنهض من جديد أكثر قوةً وإصرارًا.

«ما منعرف نربّي قد ما هنّي ربّوهن»
تختلج المشاعر وتختلط في قلوب أهالي المتخرّجين، تتناقض بين الفخر والفرحة التي لا توصَف من جهة، والخوف على أولادهم الذين سلّموهم إلى ساحات الوطن وأوكلوا إليهم أمنه وازدهاره وإنماءه، من جهة أخرى.
هنا أبٌ اغرَوْرَقَت عيناه بالدموع، يصف هذه الفرحة بأنّها لا تأتي سوى مرّة في العمر. ويستذكر أول أيام دخول ابنه إلى الكلية الحربية: «كنا نحزن ونقلق على أولادنا من التعب والصعوبات والقسوة التي كانوا يواجهونها في التدريب، ولكنّنا اليوم عرفنا قيمة الصعوبات التي نحتت الرجولية ومعنى المسؤولية في شخصيتهم... «طلعنا ما منعرف نربّي قدّ ما هنّي ربّوهن صح»! ولا يسعنا اليوم في هذه المناسبة سوى أن ندعو أن يحميهم الله ويردّ عنهم الأذى لأنّ الجيش هو الوحيد الذي يدفع التضحيات وهو دائمًا «في بوز المدفع».
قرب المنصة وقفت إحدى الأمهات تنتظر لقاء ابنها بعد الاحتفال لتقبّله قبلة الفخر... «لقد ميّزتُه من بين المئات ولوّحتُ له بيدي. مرّت أمامي خلال الاحتفال كل لحظة من السنوات الثلاث التي قضاها في الكلية، حين غاب للمرة الأولى عن عينَي، هو وحيدي نام خارج المنزل لمدة ٦٠ يومًا، وحين حصل على مأذونيته الأولى مدّني بالقوة، وكان في كل مرّة يمنعني من البكاء. والحمدلله أراه اليوم فيكبر قلبي به كونه حقّق حلم الطفولة بالانتساب إلى صفوف المؤسسة العسكرية، وفي هذه اللحظة نسيتُ كل الفترة الصعبة التي مرّت».
ومن بين الأهالي أيضًا أمّ لم تعرف كيف تعبّر عن مشاعرها في هذه المناسبة: «شعور لا يوصَف، لم أعرف أأبكي أم أضحك أم أزغرد أم أصفق...؟ لا يمكنني القول سوى الله يحميهم ويوفّقهم. فاليوم انتهت مرحلة من حياتهم كنّا نقلق فيها عليهم من البرد والتدريب في الشتاء والنوم خارج المنزل، ولكنّني كنتُ خلال هذه الفترة الصعبة مطمئنة إلى أنّه أمّن مستقبله في أشرف مؤسسة في البلد».
أخ شجّع أخاه على اتخاذ القرار بالالتحاق بالكلية الحربية، وهو اليوم ينظر إليه بفرحٍ وعزّة لبلوغه هذه المرحلة. والده عسكري متقاعد ومختار، يتحدّث بحماسةٍ قائلًا: لقد اختبرنا الأوجاع والأوقات الصعبة ولكنّنا تربّينا ونشأنا على حب المؤسسة العسكرية، ولدينا قناعة وإيمان بهذا الوطن وبمؤسساته الأمنية، لذا سنستمر هنا وفخرنا أن ينتمي أولادنا للمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية، الضمانة الوحيدة لاستمرارية وطننا بعيدًا من الانتماءات الحزبية والطائفية».

ضيوف مغتربون وأجانب
إلى جانب الأهالي والحضور، شارك في الاحتفال بعيد الجيش مجموعة من الطلاب المغتربين والأجانب، من ضمن برنامج السياحة السياسية الذي تنظّمه وزارة الخارجية اللبنانية بالتعاون مع طلاب جامعيين يتخصّصون بالعلاقات الدولية. إحدى المسؤولات في هذا البرنامج عبّرت عن مدى أهمية الاحتفال بالقول: «نريد أن نظهر للمغتربين والأجانب صورة لبنان بحضارته وثقافته، وأحد أركان هذه الصورة هو الجيش اللبناني حامي الوطن وأساس أمنه وأمانه وازدهاره».

الضباط المتخرّجون

تصوير: الرقيب أول رواد العلم - الرقيب أول الياس درغم - العريف روي الحلو - شربل طوبيا - شربل جرجس