- En
- Fr
- عربي
إقتصاد ومال
الحروب واجواء التوتر في طليعة المؤثرات السلبية
ربط بلدان المنطقة بمشاريع استثمارية مشتركة يتيح فــــرص النمو للجميع
تحكم معدلات التنمية في منطقة الإسكوا عوامل الحروب، لا بل إحتمالات الحروب، التي تؤثر بشكل قوي ومباشر على معدلات البطالة.
والطفرة النفطية التي تشهدها المنطقة منذ ثلاث سنوات لم تساهم في خفض معدل نسبة البطالة سوى بدرجة واحدة، في حين كان يفترض إنخفاضها 3 او 4 درجات. والسبب في ذلك طريقة الإستثمار ونوعيته، وعدم قيام مشاريع مشتركة تربط ما بين بلدان المنطقة.
فريق الأبحاث والدراسات في «إسكوا» ركز من خلال دراساته في السنوات الأخيرة على هذه المشكلة، والقى الضوء على العوامل المؤثرة سلباً في معدلات النمو والاستثمار في المنطقة.
مجلة «الجيش» التقت رئيس فريق الأبحاث الاقتصادية في «اسكوا» الدكتور علي القادري، وكان الحوار التالي.
* تعدّ «إسكوا» الدراسات الاقتصادية وتقوم بمسح شامل للأوضاع التنموية للمنطقة. فما هي النقاط الرئيسية التي تركّز عليها هذه الدراسات؟
- أجرى فريق الأبحاث الاقتصادية في منطقة «إسكوا» في السنوات الثلاث الأخيرة عدة مسوح، وقد ركّز المسح الأول على تكاليف الحروب وتأثيرها على مسار التنمية، وتبيّن بنتيجته أن الحروب هي المؤثر الرئيسي في تدني معدلات النمو في المنطقة كلها. وطبعاً ثمة تأثير لتقلبات أسعار النفط، لكن أثر الحروب طويل الأمد، بعكس تأثير أسعار النفط، علماً ان الاخيرة تشكل العائق الأساسي للنمو.
وتبيّن لنا خلال المسح أن هناك عوامل عديدة لها تأثير قوي على معدلات النمو، مثل عامل رأس المال البشري وعامل التكنولوجيا وعامل رأس المال الفيزيائي (معامل، منشآت...) لكن تأثير هذه العوامل ضعيف جداً على معدلات النمو، بالمقارنة مع الدول الأخرى في أوروبا وشرق آسيا، ومع تأثيرات الحروب واحتمالات الحروب والتوترات السياسية.
كما وان نسبة الاستثمار تدنت بشكل ملحوظ على المدى البعيد في الثلاثين سنة الفائتة. ففي العام 1980، كانت النسبة تشكّل تقريباً 31 في المئة من الناتج القومي، وقد تدنّت في العام 2004 الى 16 في المئة. وسجل النمو تدنياً ملحوظاً على مدى الثلاثة عقود الأخيرة في معدلاته، حيث اصبح متوسطها السنوي - 1 في المئة تقريباً.
وقد ترافق هذا التدني مع تصاعد في معدلات البطالة في منطقة إسكوا التي تضم 31 دولة عربية مقارنة مع دول العالم. وطبعاً مع مشاكل البطالة نشأت مشكلات إجتماعية عديدة.
* هل كان التركيز في المسح الثاني (2004-2005) على الأهداف ذاتها من أجل المقارنة في التطورات، وما كانت النتائج؟
- حاولنا في المسح الثاني (2004-2005) القاء الضوء على السياسات التي يمكن من خلالها الخروج من الأزمة الاقتصادية والتنموية وليس فقط التعايش معها. ذلك أن العلاقة وثيقة بين مسار التنمية ومسار الأمن الإقليمي.
فإذا كانت عملية التنمية ناجحة، يكون لها أثر إيجابي على عملية الأمن الإقليمي، وبالتالي فهي تساهم في تدني نسبة التوتر في المنطقة.
* كيف وجدتم السبيل لكسر الحلقة المفرغة؟
- لقد برز أمامنا بالتأكيد هذا السؤال الهام والصعب، وهو كيفية كسر الحلقة المفرغة التي تتخبط فيها المنطقة. والجواب على هذا السؤال، هو من مسؤولية الدولة، التي لها الدور الأساسي والفعال في عملية الاستثمارات العامة.
فنحن ننظر الى القضية هذه في ظلّ تفاوت المداخيل بين دولة واخرى بنسبة عالية. فمثلاً 36 في المئة من السكان في اليمن، يعانون من نقص في التغذية، بينما في دول الخليج يقدر فائض الأموال خلال الثلاثين سنة الماضية، بألفي مليار دولار.
وهنا تبرز نظرية ومبدأ أن عملية التنمية في المنطقة هي ليست من مسؤولية البلد الأفقر، إنما هي مسؤولية الجميع، لا سيما دول الجوار وخصوصاً النفطية منها، باعتبار أن عامل الجوار هو عامل رئيسي في التوتر، ويؤثر على تنمية الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. وبالتالي فإن الاستثمار في منطقة الجوار له مردود إقتصادي وأمني.
* هل ان للسياسات النقدية والضرائبية المعتمدة لدى بعض الدول، تأثيراً يعرقل عملية التنمية؟
- الحديث هام جداً هنا عن السياسات المتوافرة لدى أية دولة، لا سيما النقدية والضرائبية منها، ففي مجال السياسة الضرائبية، نحن نسعى الى سياسة ركيزتها الأولى الاستثمارات العامة في البنية التحتية، وفي ظل مساءلة للقطاع العام.
أما في ما خصّ السياسة النقدية، فنحن نسعى الى تغيير انماطها المعتمدة في المنطقة، والمبنية أساساً على مكافحة التضخم.
إن العامل الرئيسي في السياسة النقدية، يجب أن يتمحور حول توسيع الطاقة الاستيعابية للعمالة. علماً انه عندما ترتفع نسبة التضخم تكثر فرص العمل، وبالعكس اذا انخفض التضخم تتضاءل نسب فرص العمل وتزيد البطالة.
واضاف قائلاً: نحن نركز في دراستنا على مسألة تشغيل اليد العاملة، لأن لدينا أعلى نسبة بطالة في العالم. ويمكننا القبول بمستويات بسيطة من التضخم اذا كان هذا الأخير يساهم بتوفير فرص للعمل. وبتوضيح اكثر، فإن التضخم ينتج عن توسيع الرقعة النقدية، وكلما وضعنا أموالاً في الإقتصاد زاد التضخم، بينما عندما نتم عملية بيع وشراء سندات، ينتج عن ذلك فقدان للسيولة وبالتالي، تتضاءل فرص العمل، بينما عندما يتم بيع السندات، يصبح بامكان المواطن، استثمار أمواله في الصناعة وغيرها...
* ما هي الغاية الأساسية التي تسعى إليها «إسكوا» من خلال هذه الدراسات؟
- الهدف الأساسي ربط المنطقة مع بعضها البعض بشكل قوي ومتين، من خلال الاستثمارات في المشاريع المشتركة. فالتعاون الإقليمي الفعال، يوفّر ضمانات تخفف من وطأة التوتر ومن تأثيره على الدورة الاقتصادية، وبالتالي يضع التنمية في بعدها الاستراتيجي.
* تقومون اليوم بإعداد دراسة جديدة للعامين 2005-2006، فما هي النقاط التي سوف يتمّ التركيز عليها؟
- سوف يتمّ التركيز في هذا البحث على حق الفرد في التنمية، فمعظم الدول العربية الأعضاء، تلتزم بمعاهدات حقوق الإنسان، التي تقرّ التنمية والعمل في اطار هذه الحقوق.
* السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم، لماذا لم تستفد الدول العربية من الطفرة النفطية الحاصلة منذ ثلاث سنوات تقريباً؟
- إن الطفرة النفطية التي بدأت منذ ثلاث سنوات تقريباً، ساهمت في رفع نسبة النمو في العام 4002-5002 الى 11 في المئة. ولكنها لم تساهم في خفض نسبة البطالة سوى درجة واحدة، (من 61% الى 51%)، في حين كان يجب أن تنخفض نسبة البطالة ما بين 3 و4 درجات في الأحوال العادية وفي ظل هكذا نمو. والسبب يعود هنا الى نوعية الاستثمارات المعتمدة في المنطقة والمرتكزة على قطاعات غير منتجة، العقارات مثلاً بدلاً من الصناعة.
وختم بالقول:
إن الطاقة الكاملة للمنطقة، نظراً لتوافر رؤوس الأموال (النفطية مثلاً) يمكن أن تحوّل الوضع من حالة اللاتنمية الى تنمية.
تصوير:
المجند جوزف أنطي