- En
- Fr
- عربي
موضوع الغلاف
لستم بحاجة الى محامي دفاع فعملُكم يدافع عنكم لا يجب النظر إلى الجيش على أنّه خصم في أي زمان ومكان
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن الرهان هو على دور الجيش على الرغم من الظروف الاستثنائية ودقة المهمة المسندة إليه. واعتبر أنه بقدر ما يعمل الجيش بقدر ما يخطئ والمواطنون والسياسيون يخطئون. وإذ توجّه الى الضباط بالقول, أنتم لستم بحاجة الى محامي دفاع، فعملكم يدافع عنكم، وقيادتكم حكيمة، وسياستكم هي التضحية والوفاء وهي للجميع وللتوافق، أكد أن معالجة الخطأ تكون بالتحقيق وتطبيق القوانين، فمناقبية الجيش والمؤسسة العسكرية كفيلة بتصحيح أي خطأ وضبط تداعياته، في أي مكان ومهما اشتدت الظروف، فالرهان هو على المؤسسة التي تنعكس وحدتها على وحدة الوطن.
زيارة قيادة الجيش
مواقف رئيس الجمهورية جاءت في الكلمة التي القاها في قاعة العماد نجيم في وزارة الدفاع الوطني, خلال زيارته قيادة الجيش في اليرزة, صباح 29 أيّار المنصرم, حيث كان في استقباله وزير الدفاع الوطني فايز غصن وقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء الركن وليد سلمان. عند وصوله، عزفت له موسيقى الجيش لحن التعظيم والنشيد الوطني، ثم استعرض ثلة من حرس الشرف، دخل بعدها الى قاعة العماد نجيم حيث كان لقاء حضره الوزير غصن والعماد قهوجي وأركان القيادة والضباط.
كلمة العماد قهوجي
بعد النشيد الوطني اللبناني والوقوف دقيقة صمت على ارواح شهداء الجيش, ألقى العماد قهوجي كلمة جاء فيها:
فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان,
معالي وزير الدفاع الوطني الأستاذ فايز غصن,
باسم أعضاء المجلس العسكري وأركان القيادة وضباط الجيش وعسكرييه كافة، أتوجّه إلى فخامتكم بعميق الشكر والامتنان على زيارتكم الطيبة إلى قيادة الجيش، والتي نرى فيها تأكيدًا واضحًا منكم لدعم المؤسسة العسكرية واحتضانها، وتشديدًا على دورها الوطني في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد.
فخامة الرئيس، لقد تابعنا بكلِّ فخرٍ واعتزاز مواقفكم اليومية الداعية إلى الالتفاف حول الجيش، ووقف حملات التشكيك به من أي جهة أتت، وذلك من منطلق إيمانكم ومعرفتكم العميقة بأن هذه المؤسسة تمثّل العمود الفقري للوطن، ولا بديل عن دورها في أي حالٍ من الأحوال، وأن أي محاولة للانتقاص من هيبتها، هي محاولة للانتقاص من هيبة الدولة عمومًا، وبالتالي تهديد إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها البنيان الوطني الكبير.
فخامة الرئيس، في الفترة الأخيرة كما تعلمون، تلقّى الجيش في صدره الكثير من السهام، وتحديدًا من مسؤولين سياسيين وحزبيين، يفترض بهم أن يكونوا الأشدّ حرصًا على معنويات الجيش وعلى أمن المواطنين واستقرارهم، خصوصًا خلال أحداث طرابلس. وفي الحادث المؤسف الذي حصل في بلدة الكويخات، عمد عدد من السياسيين إلى تصعيد التهجّم على الجيش وصولًا إلى المطالبة بإخراجه من منطقة الشمال، والاقتصاص الفوري من عناصر الحاجز قبل جلاء التحقيق.
لقد تلقينا كلّ هذه الافتراءات والتجنيات بطول صبرٍ ورباطة جأش، وبروح المسؤولية العسكرية والوطنية التي تقتضيها المرحلة. فأعدنا الأمن إلى مدينة طرابلس بأقل الخسائر البشرية والمادية الممكنة، كما أعلنّا أسفنا لحصول حادث الكويخات، وأكدنا أن الجيش هو تحت سقف القانون، مع علمنا المسبق بأن قوى الجيش التي تنفّذ مئات المهمّات يوميًا، سواء في الدفاع عن الجنوب ضد العدو الإسرائيلي أو في حفظ الأمن وضبط الحدود ومكافحة الجرائم المنظّمة، قد تقع أحيانًا في خطأ من هنا أو هناك، لكن هذا الخطأ غير مقصود، فليس هناك عسكري يتعمّد ارتكاب الخطأ، بحكم التنشئة الوطنية والمعنوية التي يتلقاها والأنظمة والقوانين المتشدّدة في هذا الشأن.
فخامة الرئيس، إن ما جرى من أحداث وتطورات، لا يمكن في أي شكلٍ من الأشكال أن يؤثّر على الدور الوطني للجيش، وتعاطيه المتجرّد مع جميع اللبنانيين من دون أي تفرقة أو تمييز، كما لا يمكن أن ينال من تماسكنا وإصرارنا على صون وحدة الوطن وحماية مسيرة سلمه الأهلي، كائنةً ما كانت الصعوبات والتضحيات، ونحن على ثقة تامّة أنه بفضل حكمتكم ورؤيتكم الصائبة، ورعايتكم وتوجيهاتكم المستمرّة للمؤسسة العسكرية، التي بذلتم في خدمتها العرق والجهد، وكان لكم دوركم المشهود في تطويرها وإعلاء مداميكها، سيسلم الوطن ويجتاز هذه المرحلة الحرجة من تاريخه.
كلمة الرئيس سليمان
استهلّ رئيس الجمهورية كلمته بالقول: سقى اللـه تلك الأيام التي كانت مليئة بالتعب والعمل والعرق والخوف والحزن والتي كانت مليئة أيضًا بالفرح. منذ لحظة دخول القادم الى وزارة الدفاع - قيادة الجيش، يشعر بحجم المسؤولية والدور المطلوب من الجيش اللبناني. وهو يشعر بحجم العمل الذي يبذله ضباط الجيش وافراده. فمنذ التسعينيات وقبل ذلك، يقوم الجيش بمهمات في جميع أنحاء البلاد. وهو خلية عمل لا تتوقف في مختلف الاتجاهات والميادين الامنية والدفاعية، والانمائية والوطنية أيضًا. واليوم، إضافة الى المهمات الدفاعية في الجنوب, لديكم مهمة كبرى ملقاة على عاتقكم، ومسارح العمليات أصبحت متعددة بالنسبة اليكم. فأنتم تواجهون وتمنعون تمدّد النار من الجوار السوري عبر الحدود. كما تتصدون في الداخل لاحتمال وصول هذه الحرائق عبر الحدود، من شرارات تأتي من الخارج او تلك الآتية من الداخل تجاوبًا مع الخارج أحيانًا, بقرار واحد ومهمة واحدة يريدها المواطنون، كل المواطنين، أنتم تواجهون هذه الصعاب وتنفذون هذه المهمات.
أنتم تعملون على مسارح عمليات متعددة ومتنوعة، وعادة ما تتولى الجيوش تنفيذ مهمات على مسرح عمليات واحد. هناك عين على العدو في الجنوب لحفظ أمن الحدود وأمن المواطنين ومنع التعدّي، ودعم قوات اليونيفيل وحفظ أمنها. وهناك أيضًا عين على الشقيق النازف، وهذه المهمة التي تقومون بها للمرّة الاولى منذ نشوء الدولتين هي من أصعب المهمات. وذلك بالإضافة الى مهمّاتكم في الداخل، حيث أنكم لم تنسوا يومًا مكافحة الارهاب، ولم تتوقفوا يومًا عن محاصرة بؤر الفتنة والتوتر الاهلي، وأيضًا البحث عن شبكات التجسس، ومطاردة عصابات السرقة والخطف الذي يحصل أحيانًا.
فأنتم دائمًا في المقدمة الى جانب القوى الأمنية الأخرى. بالأمس طرابلس وعكار والروشة أيضًا... كل يوم هناك حدث، والجيش يتصدى بكل طيبة خاطر له.
وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية والدقيقة التي تمرّون بها، فأنتم تشددون الرهان على دور الجيش، وهذا الرهان نجح وقد عشتموه، ولكم الفخر أنكم اجتزتموه وأثبتم ان الجيش هو الجيش الواحد الذي يحمي وحدة البلد.
وأضاف رئيس الجمهورية قائلًا:
من المؤكد، وكما قال العماد قائد الجيش أنه بقدر ما نعمل، بقدر ما نخطئ. فمن لا يعمل لا يُخطئ. وبقدر دقة المهمة يحصل الخطأ، ويخطئ ايضًا المواطنون ويخطئ أيضًا القادة والسياسيون، وأخطاؤهم أفظع. أنتم لستم بحاجة الى محامي دفاع، فعملكم يدافع عنكم، وقيادتكم حكيمة، وسياستكم هي التضحية والوفاء.
الجميع يريدكم، في كافة المهمات البسيطة منها والصعبة، حتى انه لم يعد لديكم الوقت الكافي للتدريب. فالجميع يريدونكم ولا يتغاضون أبدًا إذا ما أخطأتم، فهم يغضبون في حال خطئكم، ولكن سياستكم هي للجميع، وتبقى للجميع على الرغم من كل شيء. فسياستكم هي للتوافق وربما تتعارض أحيانًا مع سياسة البعض ولكنها ثابتة. وحتى من يطلب مساعدتكم أحيانًا، فتنفيذكم المهمة قد يتعارض مع ما يتمنّاه. وهذا هو العمل الصحيح، والواجب الصحيح. فإذا حصل خطأ، وخطأ كبير كما حصل مع مقتل الشيخين في الكويخات، ومقتل الشاب بالأمس على جسر المدفون، يتألم الجيش لمثل هذه الخسائر أكثر من غيره، وأنا أعلم ذلك علم اليقين.
ويا للأسف، اقول إن الجيش يتمنى أحيانًا أن يسقط ضحايا او شهداء من صفوفه على أن يسقط من المدنيين. وأعلم أن هذا هو شعور كل فرد منكم. إن معالجة الخطأ تكون بالتحقيق وتطبيق القوانين، و«الأخذ بالخواطر» وفق التقاليد والعادات اللبنانية.
وأضاف: إن في الجيش ثوابًا وعقابًا، ويا ليت ذلك كان موجودًا في جميع المؤسسات مثلما هي الحال في الجيش, إضافة الى أن الكلمة الفصل هي للقضاء. فالخطأ لا يعبّر عن سلوك عام للجيش، او لقيادته، وهما لا يحتملان اي تجنّ، وما حصل في بعض الاحيان هو تجنّ. فنتيجة الخطأ يجب الا تستبدل ابدًا بتهديد الاستقرار الامني، ولا يجب أن ندع المؤامرة تأخذ في زمن السلم، ما لم تستطع أخذه في زمن الحرب. فمناقبية الجيش، والمؤسسة كفيلة بتصحيح أي خطأ وضبط تداعياته في أي مكان. ومهما اشتدت الظروف، يبقى الرهان على المؤسسة التي تنعكس وحدتها على وحدة الوطن.
أنا بينكم لأؤكد لكم أهمية دوركم, دور التحدي من أجل وحدة الوطن، ومن أجل أهلكم. لستم في موقع القمع إطلاقًا، ولستم أيضًا في موقع الانكفاء. واجبكم حماية الاختلاف والتعدد، وهذه من أصعب المهمّات. فالاختلاف عند الناس طبيعي في ظل وجود الجيش، ولكن الاختلاف على الجيش مؤذ وخطر.
إن انهيار الدولة في الماضي تسبّب به ضرب الجيش وتشتيته، ووضعه في مواجهة جماعات وطوائف.
أؤكد لكم أنه لا بديل أبدًا عن الدولة التي لا تقوم إلا على المؤسسات وفي طليعتها الجيش. فيجب عدم النظر الى الجيش على أنه خصم في اي مكان او زمان. لقد أُسقط الجيش سابقًا وقامت جيوش، كجيش لبنان الحر والجيش العربي، ومحاولات أخرى، فماذا حصل؟
إن ضرب الجيش هو مدخل للفتن والمؤامرات والفوضى. ولقد جرت عدة محاولات لضربه، من بينها أحداث نهر البارد، ووقف جميع اللبنانيين ضدها وخصوصًا أهل عكار الذين دفعوا أثمانًا باهظة من أرواحهم، وكذلك وقف جميع أهل الشمال وطرابلس أيضًا الى جانب الجيش ليمنعوا ضربه. والشهداء الذين سقطوا، كم وفّروا على الوطن آلامًا وشهداء وضحايا؟
إن خروج الجيش من الجنوب وغيابه عنه أكثر من ثلاثين سنة كلّف الوطن كثيرًا.
وقال رئيس الجمهورية: إن التحدي هو أن تبقوا انتم الثابت الوحيد وسط التحولات الخارجية, ولن يستطيع أحد وضعكم في مواجهة أي طائفة او جماعة أو فئة. قراركم موحّد، ومركز صنع القرار في الجيش هو واحد يشارك فيه الجميع، من الأركان الى قادة القطع والوحدات مجسّدًا روح المشاركة. فلا يتهمنّ احد الجيش بقرار فئوي او طائفي او مناطقي. وهذا أمر طبيعي لأن البلد لا يحكم إلا بالشراكة، وقد نص الطائف على مبدأ الشراكة وأرسى مظلة أمان فوق لبنان، وانا أعتقد أنه مهما حصل من حوادث فالبلد يبقى بأمان بفضل الطائف والجيش. فالحوادث تعالج ويعود الوضع الى طبيعته والى الاستقرار.
أنتم الحصن الكبير في الدفاع عن الجميع، من يتجنى عليكم ومن يصفق لكم,
أنتم تدافعون عن الاثنين معًا. وربما وقع الخطأ في عكار لأنكم كنتم تدافعون عن الاثنين معًا, فالظلم واللوم كانا ليقعا لو لم تدافعوا عن الاثنين معًا. لقد حصل خطأ ولكن مهمتكم كانت سامية ووطنية بامتياز. وعلى الرغم من تجرؤ البعض عليكم، فإن ردّكم الوحيد يجب أن يكون الجرأة في التمسّك بقناعاتكم في مواجهة الفتنة المقنّعة.
إن القادة اللبنانيين واعون وهم قاموا بواجبهم، والتفّوا حول الجيش واتصلوا بي، كما فعلوا في اثناء حادثتي الضنية ونهر البارد، وهذا هو باب الامل الكبير في الوضع اللبناني. فعند الازمات يلتف الجميع حول الجيش ولكن يجب ألا ننتظر الازمة كي نظهر مدى التفافنا وتأييدنا للجيش، بل يجب أن نلتف حوله ونؤيده في جميع الاوقات.
والشعب ايضًا يريدكم انتم بالذات، وهمّه البحث عن لقمة العيش والهناء في ظل وجودكم، وعملكم الصامت يزيد ثقة المواطنين بكم. ابتعدوا عن التجاذبات وانبذوا الطائفية وانتم نبذتموها، واعتمدوا التجرد ولا تفرّقوا بين المواطنين، فأنتم العمود الفقري للمؤسسات، التي تبنى حولكم. لا تتفرقوا ابدًا لأنكم ستبذلون الغالي والنفيس لتجتمعوا لاحقًا, هذا ما حصل في الماضي وكنتم شهودًا عليه، وقد بذل الجيش الغالي والنفيس حتى استعاد وحدته، كما بذل المواطنون والزعماء الغالي والنفيس حتى عادت وحدة الجيش.
أنا أتوجّه اليكم، عن خبرة، لتتجاوزوا الاتهام السياسي، وتنسوه, فمحبة الشعب اكبر من كل شيء. وانتم ترون محبة الناس في عيونكم، ولو استُقطبوا احيانًا الى شعارات التجني والطائفية، إلّا أنهم يرون دائمًا فيكم الامل ويثقون بكم. في الجنوب يريدونكم، وفي الشمال كذلك. ولا حياة لعكار من دون الجيش، ولا وجود للجيش من دون عكار. فلا أحد يستطيع أن يفصل الجيش عن عكار او عكار عن الجيش، فهل يمكن أن ننادي بطرد ابنائنا؟ لا. هذا ليس حقًا لأحد.
لكم علينا واجب الدعم والحماية، السياسية منها والمعنوية. فعملكم وتضحياتكم يستحقان من الجميع الدعم المعنوي والسياسي والمادي. تأكدوا أن الحكومة تدعمكم، وأن رئيس البلاد يدعمكم ويطلب من الجميع الاقتداء بكم.
ويجب أن يتجلى الدعم كذلك بعدم إدخال السياسة في الجيش، وعدم إدخال المحاصصة الى الادارة, وإفساح المجال للجيش لتطبيق قناعاته خلال تنفيذ القرار السياسي، وهو كفيل بإبقاء المؤسسة للوطن، وليس للنظام. وقد تبين أن الجيش اللبناني هو للمواطنين وفي خدمتهم، وهو للوطن وليس للأنظمة مثل ما تبين خلال ما سمي بالربيع العربي.
أحبائي، إذا توزع اللبنانيون محاور، وبقيتم أنتم المحور الاساسي، تدور حولكم آفاق الحلول، شرط أن تبقوا انتم هذا المحور. إن سياسة النأي بالنفس، التي نعتمدها ليست بجديدة، فهي منذ ميثاق 1943 حيث نأى لبنان بنفسه عن الانحياز شرقًا ام غربًا. ومبدأ أن لبنان ليس مقرًا ولا ممرًا ورد كذلك بشكل صارم في البيان الوزاري لأول حكومة استقلالية. وقد شهدنا معًا أنه كلما انحاز لبنان اختل التوازن الداخلي. هذا ما حصل العام 1958 أمام المد الناصري ومشروع أيزنهاور، وحلف بغداد. وهكذا حصل العام 1969 بعدما انقسم الوطن حول العمل الفلسطيني المسلح وتأججت الحرب ابتداء من العام 1975 وتبعها دخول سوري واجتياح اسرائيلي وتورّط جميع القوى الخارجية في الصراع.
إذا كان النأي بالنفس يقضي بعدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، فإنه لا يصل الى حد الابتعاد عن قدر الجغرافيا ودروس التاريخ. نحن ننأى بالنفس لعدم تأجيج الخلافات وليس لقطع العلاقات مع الاشقاء.لن نقبل بجعل لبنان ساحة صراع مجددًا، او قاعدة تخريب او قاعدة عسكرية للتخريب على سوريا وغير سوريا. لا لفتح الحدود امام سلاح التهريب وأنتم تراقبون هذه الحدود بجدارة. ولا لإقفالها امام النازحين بل لمساعدتهم وفق القوانين المحلية والدولية، وتأمين اقامتهم الشرعية والآمنة وتشجيع عودتهم الى بلادهم عندما تسنح ظروف سوريا بذلك.
سنستمر بسياسة الحياد الايجابي، وهي سياسة حكيمة ومطلوبة، وقرارنا واضح وهو تلازم الامن والحرية, فلن ينفع قمع الأمن للحريات. وهذا ما تطبقونه ولا حاجة الى فرض أي شكل من أشكال حالة الطوارئ في أي بقعة وخصوصًا في عكار. أنتم في عكار عند أهلكم، وليس من أفق للاستقرار إلا من خلال الحياد الفعلي للدولة تجاه القضايا الخارجية والحياد في الداخل الذي يتجسد في العدالة. فاقتسام الدولة ارضًا وأمنًا ومؤسسات وجعلها حصصًا سياسية وطائفية على حساب الكفاءة، لن يجلب إلا الفوضى وهو لا يوفر العدالة والاستقرار.
كذلك فإن استقبال المتغيرات الاقليمية بموقف خاص لكل طائفة بعيدًا من الاجماع الوطني لا يؤمن الاستقرار.
إن الاستقرار شكّل قاعدة للتحرير العام 2000، وهو الاساس في الإعمار والازدهار والنمو الاقتصادي. وهو جعل لبنان مقصدًا للأخوة العرب وأدى الى زيادة في الودائع المصرفية.
كما ان الاستقرار نتج عن حماية الحريات، وحمايتها متوجبة كشرط لاستمرار الاستقرار الذي نتج ايضًا من احترام الديموقراطية ونبذ التطرف. فإذا كان السلم الاهلي توافقيًا او بالتراضي بين المكونات التي تؤلف الدولة، إلا أن الأمن لا يتم بالتراضي أبدًا، وعلى الجميع أن يعوا ويعرفوا مسؤولياتهم لحماية السلم الاهلي وتمكين القوى العسكرية من أن تقوم بواجبها كما تنص على ذلك قوانينها ومنطق الدولة والمؤسسات.
نحن اليوم نتجه الى الحوار، وهو بالطبع ليس مجرد حوارٍ للحوار. فهو يعبّر أولًا عن التلاقي بين المرجعيات والشخصيات التي اتصل بعضها بالبعض الآخر في خلال الازمات التي مرّت في الشهر المنصرم. كما انه ليس لإعادة تعريف العقيدة، فالعدو معروف وانتم تعرفونه واطلقتم النار عليه ووجهتم سلاحكم صوبه، ووجهة السلاح معروفة التطبيق عند قاعدة القوى العسكرية الشرعية، كما حصل في العديسة وغيرها، حيث قام الجيش بواجبه وكانت المقاومة مستعدة للدعم إذا طُلب منها ذلك.
إن المطروح اليوم في الحوار هو الاستفادة من قدرات قوى أهلية تولت راية المقاومة في مرحلة معينة، واشتركتم معها انتم، حيث سطرتم وسط احتضان الشعب اللبناني البطولات التي ادت الى انجاز التحرير العام 2000 وصد العدوان الاسرائيلي العام 2006 الذي تلاه انتشار الجيش في الجنوب بعد 35 سنة من الغياب.
نحن لن نخرج من منظومة الصراع العربي الاسرائيلي في بحثنا الاستراتيجية الدفاعية، ولن نبدّل موقع لبنان الاقليمي على خط التماس مع القضايا العربية، واولها القضية الفلسطينية. فنحن في صلب هذه القضايا, ولبنان هو الرقم واحد في القضية العربية المركزية فلسطين. لكننا نريد تحديد ظروف عمل المقاومة لدعم الجيش في الدفاع عن الأرض والتصدي للعدو الاسرائيلي ورسم حدود هذا العمل وآلياته التنسيقية، حتى نستطيع لاحقًا تحديد المدى الزمني لهذا العمل والذي نراه محصورًا بالنزاع اللبناني - الاسرائيلي.
لن يحيد لبنان عن خطه الاستراتيجي المتّبع لاسترداد كامل اراضيه وتحصيل حقوقه بحرًا وبرًا. كما انّ للحوار واجبًا ايضًا وهو أن نعمل لتجاوز الأزمات المتنوعة من طريق اعتماد الحوار السياسي.
لقد مررتم بمراحل كثيرة أمّنت انتقال الوطن من عهد الدويلات الى الدولة، وواكبتم التحرير العام 2000 وحميتم المتظاهرين والتظاهرات المتقابلة العام 2005. كما هزمتم اسرائيل العام 2006 مع المقاومة واقتلعتم الارهاب العام 2007، وملأتم الفراغ السياسي والامني والدستوري، وانتم مستمرون في الدفاع عن لبنان جنوبًا وشمالًا وشرقًا، وفي تحصين الاستقرار والعيش الواحد لتحصين دستور الطائف الذي نعتز به.
ان تجديد الرهان عليكم مستمر، حمايةً للربيع اللبناني الذي يتجلى في تأكيد نموذج العيش الواحد على حدّي الخطر والحرية.