- En
- Fr
- عربي
مبدعون من بلادي
عاطفي قلق هاجسه التجدد
فنان الريشة الأنيقة والألوان الزاهية المولودة من رحم الأحزان
عاش عمره وهو يحاول. حاول أن يقول بالرسم شعراً، وحاول أن يقوم بالصمت ما تعجز عنه الفرشاة والألوان، وحاول أن يقول بالإصغاء ما لا يقوله الكلام.
إنه الرسام الشاب زعل سلوم، الذي أعطى الفن والرسم كل ما تكتنفه حناياه من عاطفة وحس مرهف وشفافية زائدة وروح نبيلة، وقلق دائم حمله الى أفكار جديدة ورؤى يبتعد فيها عن الخيالات الفنية المتكررة، ليقف أمام لوحة خاصة، متجددة راقية المستوى والأداء.
شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية كمعرض الربيع في الأونيسكو، ومعرض الثقافة والتراث في الرياض وكذلك في فرنسا وروسيا وبريطانيا...
وأقيمت لاعماله معارض خاصة عديدة في فندق «كارلتون» وغاليري «لاماتور» و«الفاندوم» وغيرها...
مسيرة رحلة
ولد زعل سلوم في مدينة النبطية في 15 شباط من العام 1945 من والدين هرمين، وتزوج من المحامية وداد يونس، وله منها ولدان، ايهاب (يحمل شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال والتسويق، وماجستير في التجارة الدولية من جامعة انكلترا، ويعمل حالياً في إحدى الشركات المالية)، وسعد (مخرج سينمائي وعازف بيانو).
تلقى الفنان زعل سلوم علومه الابتدائية والثانوية في مدينته النبطية. انتسب الى كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية مدة سنة وتركها عام 1966 (لم يكن بامكان الطالب حينها الحصول على إجازة). كما انتسب الى الجامعة العربية في بيروت ونال درجة ليسانس في الفلسفة عام 1971، وكذلك نال الماجستير في علم النفس الإبداعي عام 1973 مـن الجـامعـة اللبنانيـة، التي نـال منها أيضاً إجازة في علم الفيزياء وإجازة في علم الاجتماع.
علّم مادتي الرياضيات والفيزياء في مدارس رسمية وخاصة وفي دار المعلمين مدة 15 سنة. وكان رياضياً من الدرجة الأولى حاز على بطولات عدة.
لمع اسم زعل سلوم في بداية السبعينات، وكانت سيرته صاخبة في تلك السنوات، وقد تنبأت له الأقلام بمستقبل فني بارز. كان منطلقاً من لا شيء الى كل شيء. من تحفيزات الألوان وبدائية الخطوط وفطرية العلاقة باللوحة، الى مزيد من التمركز واكتساب الخبرة والمعرفة الفنية، والبحث الدائم عن شخصية فنان جديد متجدد.
بدأ رحلته الفنية من خريف كان يعيشه وأسرته وأبناء منطقته، في حال البؤس والعدوان الإسرائيلي المتكرر على الجنوب عموماً، ومدينته النبطية خصوصاً، والتي عايش أحياءها وصيحاتها المتكررة ومعاناة إنسانها المستمرة.
هاجر الفنان زعل سلوم الى السعودية في العام 1977، إثر دمار محترفه في النبطية بعد سقوط قذيفة عليه، وكان المحترف يضم لوحات عن قرى الجنوب كافة.
في الغربة، وظّف الوقت في العمل على التراث الكلاسيكي، الأمر الذي ساعده على تمتين التركيب للوحة على المستويين التقني والفني. وكان من أهم إنجازاته في السعودية تكليفه من قبل مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث، باعتباره فناناً لبنانياً، لرسم 112 لوحة، تمثل مختلف نواحي الحياة البدوية.
المدارس الفنية
كان الفنان زعل سلوم ضد اللوحة التي تولد من الملل، وكانت اللوحة بالنسبة إليه خلقاً وإبداعاً.
انتمى الى كل مدارس الفن التشكيلي، وأحب معظم الرسامين، ورسم بأساليب متنوعة مستوحياً الجنوب وقراه، والحرب والبحر، كما رسم الخيل والمرأة.
كان زعل سلوم يرسم بلغة الموسيقى والشعر. حفظ جبران خليل جبران أثناء دراسته التكميلية كلمة كلمة، ورسمه كلمة كلمة، ولكن عندما خيّر بين الرسم والشعر، وجد نفسه رسّاماً.
كان يعشق الموسيقى وسماعها خلال الحفلات الموسيقية الخاصة مع الأصدقاء، وكان من المستحيل عليه الرسم من دون سماع الموسيقى التراثية الكلاسيكية، فتنبعث من روحه ووجدانه نحو الألوان والخطوط. وقد احتوت مكتبته الموسيقية كافة أعمال محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وأم كلثوم وسيد درويش وزكريا أحمد وعباس البليدي والصفصكي وفريد الأطرش وغيرهم من عمالقة الموسيقى والغناء الأصيلين.
كان يقول: «أرى نفسي في حالتي الفرح والحزن معاً. لأن النفس الإنسانية ينبوع دائم للفرح، كما أنها أحياناً ينبوع للحزن، والفنان هو إنسان كالآخرين، يعيش ويتصرف مثلهم، لكنه ينقل الأحاسيس الى الأعمال».
رآه معظم النقاد أنه غارق في الصمت الدائم والعبوس، ووجدوا العتمة في أعماله كافة، ولكنه كان يقول: «أضع اللون الأسود أولاً في لوحاتي، ومن ثم استخرج الألوان جميعها، انه عمل يشبه عملية الولادة».
الطبيعة والمرأة والحصان
الطبيعة والمرأة والحصان، مواضيع ثلاثة برزت في معرضه «رحلة العودة» الذي أقيم في صالة فندق «كارلتون» في العام 1994، وأعقب عودته النهائية من السعودية في العام 1990.
أدخل المرأة والحصان الى الطبيعة الصامتة، بحيث أنه يجد في الحصان عنوان القوة والجمال والإخلاص والوفاء والصداقة والتناسق. ويرى أن جسد الحصان من أجمل أجساد المخلوقات، وصفاته حميمة وقريبة الى المفهوم الإنساني، فيما كان يرى أن المرأة هي أجمل مخلوقات الله. وهو يعتبر أن علاقة الرجل بالحياة وبأشيائها، مرتبطة بالمرأة، أناقته، عطره، فنه وإبداعه. المرأة مخلوق مكمّل للرجل، حروبه كلها ضدها ومعها.
وعى الفنان زعل سلوم ضرورة استخدام الوسائل الفنية القادرة على التعبير عن محتوى جديد في الحياة، فطوّع إمكانياته الفنية في سلسلة من اللوحات التي وجدها الأكثر ملامسة لصلته بالطبيعة.
ريشة المبـدع زعـل سلوم المغموسة بالألوان الزيتية كانت متطلبة في سعيها الى التطوّر والاستمرار، ضرباتها الأنيقة جانست بين ما هو شاعري وإبداعي وتطلعت الى مستقبل وضّاء.
رحيله وشوق الأحبة
أقفل الفنان زعل سلوم دائرة العرض في صالة «كارلتون» وختم سيرة ألوانه وخطوطه، التي بدأها منذ الصغر، وانطلق بها من المكان نفسه في العام 1967.
وبجـرأة وشجاعة كبيرتين صارع المرض والموت، وبابتسـامة لم تفـارق وجهه طيلة حياته، رغـم الظروف القاسية التي واجهـها، انطـفأت آخر الومضات التي كانت تلتمع في عينيه، وآخر شعـلة كانت تدغدغ مخيلته الخصبة. في 7 تشرين الأول 1996، ترك عائلته وأصدقاءه وصدى ذكراه الجميلة ولوحات تحكي مسيرة فنان على صهوة حصان ملوّن.
معارضه وأعماله
شارك الفنان زعل سلوم في العديد من المعارض المحلية والدولية وأقيمت لأعماله معارض خاصة عديدة. ومن أهم هذه المعارض:
- معرض في فندق كارلتون برعاية وزير التربية العام 1967، تميّز باللوحات التجريدية وبالتقنية الخاصة التي استعملها بمزج الألوان.
- معرض خاص في غاليري لاماتور عام 1970.
- معرض خاص في الفاندوم عام 1972، تضمن لوحات تجريدية، تكلمت عن البحر والحكايات التي تقصها أعماقه.
- معرض خاص في الفاندوم برعاية وزير التربية عام 1973، تضمن لوحات عبرت عن الجنوب الجريح وقراه الصامدة.
- شارك في معارض عديدة في كافة أنحاء أوروبا عام 1973، مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وروسيا، وذلك بعد اختياره من قبل الأونيسكو لتمثيل لبنان.
- شارك طوال اثنتي عشرة سنة في معرض الربيع في الأونيسكو، ولوحاته ما زالت محفوظة لغاية اليوم في قصر الأونيسكو.
- له أكثر من 400 عمل في قصور الأسرة الملكية السعودية، تضمنت العديد من البورتريهات أهمها للأمير عبدالله والملك عبد العزيز وعاصي الرحباني والسيدة فيروز.
- رسم 112 لوحة في مدينة الثقافة والتراث - الجنادرية - الرياض، ويزور هذه المدينة أكثر من مليون مشاهد.
- معرض خاص في البيت الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في الرياض العام 1990.
- شارك في معرض الوطن والحرية في دمشق عام 1988.
- شارك في كل معارض المجلس الثقافي للبنان الجنوبي.
- شارك في معرض الخريف في قصر بسترس عام 1991.
- شارك في معرض البيت الثقافي الألماني برعاية السيدة منى الهراوي عام 1992.
حاز الفنان زعل سلوم على جائزة المدارس الثانوية عام 1962 التي قدمها جوزف أبي رزق، وجائزة الأسبوع الثقافي اللبناني في باريس العام 1968.
أقوال عنه
- زعل سلوم يعتصم بعملية خلق أشياء مقنعة عبر النضوج، وامتلاك ناصية فنه، من دون أن يتخلى عن الشجاعة التي تغامر وعن الطراوة التي لا تستبدل وعن الإحساس الذي هو قطاعه الأول ومدار تحركه الإبداعي.
الدكتور ميشال سليمان
- زعل سلوم يعرضنا لهزات إنفعالية... فمن طبيعته التوسع المتمهّل في وضع يده على العديد من معطيات فنه... إنه لا يحترف البراعة للبراعة إنما يلاحق لوحته بذكاء واع مقرون بانفعالية عاطفية متحركة بغية بقائها شديدة، متينة ومتفتحة على المستقبل.
نزيه خاطر
- بحر زعل سلوم ليس بحراً سكونياً منفلشاً، بل فيه تصطرع وتتألف فقاقيع وجودية تخالها توتّر الجنس في انفعالات ارتعاشية تمنح الناظر حياة خصبة ورجاء مستقبلياً.
أنسي الحاج
- زعل سلوم شاعر ساحر قوي الشعور، خصب المخيلة.
أمين أبي نادر
- زعل سلوم، عاطفته ومشاعره، أقوى من وعيه الإبداعي، لأن العاطفة فيه تحولت الى لغة والى ألوان، يرسم لنا زعل هذا فرحاً يصل الى الغيبوبة، يرسم لنا هذا العشق المسكر حتى الخدر، يرسم زعل عواطفه أكثر من تفتيشه عن اسلوبه الخاص.
سمير الصايغ
- أهمية أعمال زعل سلوم تنطلق من إزدواجية الرغبة في إشباع الذات الفنية من جهة، والتفريج عن الألم الذي يستوطن نفسه الرحبة بحيوية الخلق من جهة أخرى.
ناديا أبي عاصي
حكاية إسم زعل
روى الفنان زعل سلوم حكاية إسمه على النحو الآتي:
«كان والدي مكارياً (يملك قطيعاً من البغال) في العام 1945. حينها كانت الحرب العالمية الثانية مندلعة، وظهرت بدايات المجاعة في بلدنا، بعد أن ضرب موسم القمح. وأثناء رحلة لوالدي الى حوران في سوريا، رافقته والدتي وكانت حاملاً، وفي آخر حمل ممكن لها. في ذلك الوقت توفي الأمير زعل السلوم (خال فريد الأطرش وأسمهان) في بلدة «نوى». قالت أمي: «إذا أنجبت صبياً سأسميه زعل سلوم»، وكان إسمي الأول وإسم الشهرة متطابقين واسم وعائلة الأمير الراحل.
وكلمة «زعل» كما جاء تحديدها في «المنجد» هي أحد أسماء الحصان. وفي الكويت يطلقون هذا الإسم على حصان الرقص في الأفراح.