- En
- Fr
- عربي
زوولوجيا المعرفة السياسية في إسرائيل
منذ عهد رئيسة الوزراء غولدا مئير التي كانت تصف الفلسطينين بالجراد، إلى الثالث عشر من شهر كانون الأول 2004 حيث نعت يحيال هازان، أحد نوّاب حزب ليكود في الكنيست الإسرائيلي، العرب بالدّيدان، إثر عملية عسكرية ناجحة قام بها فلسطينيون ضدّ الجيش الإسرائيلي في رفح، ومروراً بمناحيم بيغن، الذي وصف العرب بالبهائم، والجنرال رافائيل إيتان الذي وصفهم أيضاً بالصراصير المخدرَّين، والجنرال ورئيس الوزراء يهود باراك الذي نعتهم بالتماسيح، والحاخام يوسف الذي وصفهم بالأفاعي، بحضور رئيس دولة إسرائيل، ورئيس الوزراء آرييل شارون الذي عاد ووصف الفلسطنيين بالجراد... سبحة طويلة من الإتهامات تستوقفنا لدلالاتها ولثباتها في القاموس السياسي الإسرائيلي المعاصر. علماً أنّ هذه المفردات المختارة التي لا تبارح الخطاب السياسي الإسرائيلي منذ نشأة دولة إسرائيل وحتى اليوم، تستند إلى حال العداء القائمة بين شعبين وقومين يعيشان على أرض واحدة.
ونشير هنا إلى أنّ حال عداءٍ مشابهة كانت قد نشأت بين قسم من اللبنانيين، إبّان الحرب اللبنانية، والفلسطينيين تحديداً، وكانت قد أفضت إذ ذاك إلى نعت الفلسطينيين بالسوء. وقد تكررّت المسألة إبّان إجتياح الكويت، أثناء حرب الخليج عام 2000، حيث نُعتَ الفلسطينييون بأنّهم بلا وفاء.
نلاحظ هنا مباشرة أنّ الخلاف السياسي الحاد، وحتى الدموي، الذي قام بين اللبنانيين والكويتيين من ناحية، والفلسطينيين من ناحية أخرى، لم يفضِ بأبناء هذين الشعبين إلى الذهاب أبعد من ذلك، فبقي الفلسطينييون، في الوعي السياسي العام، في كلٍ من لبنان والكويت، وعلى الرغم من القطيعة، قوماً وشعباً. أي أنّ الخلاف السياسي لم يؤدِّ إلى العمى السياسي أو إلى اعتماد موقف عنصري كالذي تمخّض عنه الصراع الفلطسيني - الإسرائيلي. علماً أنّ اللبنانيين و الكويتيين ليسوا لا أشدّ ذكاءً ولا أقلّ عصبيَّة من الإسرائيليين. فلمَ يا تُرى هذا الجنوح المقصود في الخطاب السياسي لقادة الدولة العبريّة، إذ لا بدّ أن تكون له وظيفة محدّدة يقوم عليها في الحياة السياسية العامة، لإصراره اللافت على موضعة الفلسطينيين في عالم الحشرات والحيوانات الزاحفة؟ هذا ما سنحاول تحليله في الصفحات الآتية.
1- ثبات الزوولوجيا السياسية الإسرائيلية:
لا تفتقر الصحافة الإسرائيلية إلى مفردات الديمقراطية، وكذلك أهل الياسة في هذه البلاد، بل إنّ إتقاناً لفظياً وإعلامياً كبيراً لها قد ساهم في تعميم فكرة في الغرب مفادها أنّ الدولة العبرية دولة ديمقراطية. ونلاحظ هنا سهراً لافتاً عند القادة السياسيين الإسرائيليين على المحافظة على هذه الصورة المفيدة جداً على المستوى الديبلوماسي والدولي.
بيد أن الأمر يختلف عندما ننتقل من الخطاب السياسي الخارجي إلى الخطاب السياسي الداخلي، حيث نلاحظ تخلّياً مقصوداً عن العِفَّة الديمقراطية ولجؤأً متعمّداً الى قاموس المصطلحات الغريزية، المستمَّدة من الفوبيا السياسية العامة في إسرائيل، لا من الوعي السياسي الموضوعي.
وهنا نتساءل: هل إنّ المسألة مجّرد زلاّت لسان (lapsus)، علماً أن سيغموند فرويد قد أشار إلى دلالة زلاّت اللسان على المستوى النفسي، أم أنّ الأمر يتعلّق بضعفٍ في الضبط الخطابي عند قادة سياسيين لا يتمالكون أعصابهم؟ غير أن الأجوبة التي نتلقّاها على هذين السؤالين مفادها أنّ زلاّت اللسان الإسرائيلية ليست زلاّت لسان نفسية، غير واعية وغير مقصودة، بل إنّها زلاّت لسان سياسية واعية ومقصودة، وإنَّ الأشخاص الّذين صدرت عنهم هم من السياسيين المحنّكين الذين يعرفون تماماً كيف يضبطون انفعالاتهم العامة بغية الوصول إلى الأهداف السياسية التي تخدم مصلحة الكتل السياسية التي ينتمون إليها.
فلا عفوية ولا انفعال في اللجوء إلى زوولوجيا المعرفة السياسية من قِبلهم، تماماً كما أنّ قادة النظام العنصري في جنوب أفريقيا السابقة، أيام النظام العنصري «الأبار تايد» كانوا يصّرون على تشبيه المواطنين السّود في بلادهم بالبهائم والقرود. فاعتماد هذه التشكيلة من المفردات التشبيهيّة هو من ثوابت الأنظمة العنصرية ماضياً وحاضراً، علماً أنّ أبرزها في هذا المجال كان النظام النازي الذي كان اليهود أنفسهم أبرز ضحاياه.
ومما يزيد التأكّد من أصالة هذه النزعة عند قادة إسرائيل أمران: أوّلهما السهر على الإدلاء العلني بهذه النعوت التحقيرية، من على منبرٍ رسمي أو أمام وسائل إعلام واسعة الإنتشار، بغية إيصال رسالة عامة لا لُبس فيها ولا مجال للتراجع عنها لاحقاً. والثاني ثباتها التاريخي، ذلك أنّ العقود المختلفة منذ نشأة دولة إسرائيل وحتى اليوم قد شهدت تعاقباً رسمياً على تصريحات تذهب كلّها في الإتجاه نفسه، وتصّر على عدم الإعتراف بإنسانية الفلسطينيين بإغراقهم الدائم تحت وابلٍ من النّعوت والأوصاف تجعلهم في مصافِ أحقر المخلوقات في عالمي الحيوانات والحشرات.
فالطابع العام للمصطلحات الزوولوجية الإسرائيلية هو طابع رسمي، أي أنّ هذه المفردات السياسية المجازية هي جزءٌ لا يتجزّأ من إيديولوجيا الطبقة السياسية الحاكمة في هذه البلاد، إذ أنّها تندمج تماماً مع ذهنية سياسية عامة تترجم نفسها ميدانياً بنسف المنازل وجرفها والعقاب الجماعي، غير فاسحة المجال أمام بدائل للعنف المادّي المباشر. فأفكار وتصوّرات وأحكام الطبقة السياسية الحاكمة في إسرائيل لا تفصل ما بين الأفكار الواعية والأحكام الغريزية، بل إنها تدمجها كلّها مع بعضها البعض، في طبخة معرفية هاجسها الأكبر الإبقاء على حال العداء وتعميقها إلى ما لا نهاية. كما إنّ إيديولوجيا الزوولوجيا هذه تصرّ على التعميم العنصري المقصود بالإنتقال غير العفوي من الفلسطينيين إلى العرب عامة، كاشفة عن البُعد الحضاري لهذه العنصرية التي تحاول تجاهل ما للعرب تحديداً على بني إسرائيل من أفضال في نقلهم من فلسطين إلى إفريقيا الشمالية ومن بعدها إلى الأندلس حيث انتقلوا منها نحو هولندا وألمانيا لاحقاً.
فتعميم الإحتقار السياسي على الفلسطينيين وسحبه على العرب، على أجنحة ما يشبه العفوية اللفظية، يشكّل أيضاً ثابتاً من ثوابت الإيديولوجيا الإسرائيلية المعاصرة التي تنظر إلى مشكلتها ككتلة عامة، شعوراً منها بالتضامن الذي يشدّ أهل الضاد إلى بعضهم البعض، ورغبة منها في التمايز الحضاري عنهم.
فهذا كله يعني أنّ اعتماد قادة إسرائيل لتشكيلة المصطلحات هذه هو إعتماد رسمي وثابت ومدروس. هو مدروس، لأنّه يراد منه تأدية وظائف محدَّدة، بخاصّة على المستوى الداخلي حيث تقوم الحياة اليومية والعملية الإسرائيلية وحيث لا يراد للعملية الديمقراطية الحقيقية أن تأخذ مجراها.
وهو مدروس لأنّه غير عفوي، على عكس ما يتظاهر به. ذلك إنّه يدخل في رؤية متكاملة للشأن السياسي لا اعتراف فيها بالآخر الفلسطيني، واستطراداً بالعربي.
وهو مدروس أخيراً لأنّه يدخل في صميم الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية التي تهدف إلى محو الآخر السياسي من الوجود. فالحيوانات والحشرات لا تساوي البشر من ناحية، كما أن لا قدرة لها على ممارسة الشأن السياسي المسؤول.
فما هي وظائف هذه الزوولوجيا المضحكة المبكية التي تسرّ قلوب الإسرائيليين ولا يعترض عليها أحد، لا سياسياً ولا قضائياً، في بلد يدّعي اعتماد السلوك الديمقراطي في المجال السياسي والعدالة الإجتماعية في القضاء؟
2- الوظيفة السياسية:
الوظيفة الأولى لهذه العملية المتنوّعة الأوجه واللفظية الشكل تكمن في قطع الطريق أمام الحوار مع الآخر، الفلسطيني أو العربي، لا فرق. فكيف ينشأ حوار بين عنصرين غير متكافئين في الطبيعة؟ إذ عندما يغدو الآخر حيواناً زاحفاً أو حشرة، فكيف السبيل إلى قبول فكرة الحوار معه؟ فالحوار شأن راقٍ وإنساني، نمت على أساسه الحضارات وتحققت بفضله الإنجازات الكبيرة على كل صعيد. إلاّ أنّ هذا الشأن لا يصّح إلاّ بين البشر، بين عناصر متكافئة تبغي الدخول في عملية تبادل تجارب وأفكار وتصوّرات. وطالما انّ الفلسطيني هو، في الزوولوجيا السياسية الإسرائيلية، مجرّد حشرة أو حيوان زاحف، فإمكانية الحوار معه منتفية بشكل طبيعي. إن نعت الفلسطيني بهذه التشكيلة من النعوت التحقيرية لا يأتي مصادفة، بل يُراد منه فصل العنصرين اللذين تتألف منهما المعادلة الصراعية الإسرائيلية - الفلسطينية عن بعضهما البعض، كخطوة أولى، ثم محو العنصر الثاني منها، إيديولوجياً، بوضعه في مستوى لا يلتقي معه الإنسان، بحيث يغدو الإسرائيلي في نهاية المطاف وحده في المعادلة الإنسانية، السياسية، يكافح حشرات وحيوانات زاحفة دخيلة على عالمه، آتية من بواطن الأرض ومن عالم الظلم والظلام.
فقادة دولة إسرائيل الحالية، والتي وُضِعَ نموذجها الإرشادي على ضوء نبذٍ طويلٍ وتحقيريّ لليهود في الغرب الأوروبي، فتجسّد هذا النموذج الإرشادي في الإيديولوجيا الصهيونية التي لا يزال يشرب منها أهل هذا الكيان، قد إستبطنوا هذا الموقف النافي لهم فعكسوه على أهل فلسطين. فهم اليوم، رسمياً، وطالما أنهم يجاهرون باللجوء إلى مجموع الإصطلاحات الزوولوجية هذا، يعلنون على الملأ أنهم ليسوا على إستعدادٍ بتاتاً للحوار مع عناصر لا تتساوى معهم في الإنسانية. فبإبعادهم لعناصر المعادلة السياسية وبمحوهم الرمزي للفلسطيني فيها، ينفي قادة إسرائيل إمكانية الحوار البنّاء بين الطرفين. بل إنهّم يدعون مواطنيهم، في لا وعيهم السياسي، إلى التعامل مع الفلسطيني دون رحمة ولا شفقة، بحيث يغيب وخز الضمير عند اللجوء إلى القمع الأعمى. فعندما يهدم الجنود الإسرائيليون منازل للفلسطينيين، لا يشعرون بأيّ ذنب، لأنّهم قد تهيأوا وا تحديداً للتعامل مع هذا الآخر على أساس النفي المطلق من الوجود؛ فهم لا يهدمون بيوتاً بشرية، في وعيهم السياسي العام، بل أوكاراً للصراصير ومخابىء للجراد وحفراً للأفاعي.
وبذلك يكون قادة إسرائيل، منذ نشأة هذه الدولة وحتى اليوم، قد عمدوا إلى تأصيل فكرة باطنية تمنع الحوار من ناحية وتهّيء النفوس للقمع الأعمى من ناحية ثانية. علماً أن العمليتين تتكاملان على الأرض وتُفضيان بالمشهد الفلسطيني إلى مسلسلٍ يومي من القهر والتدمير يشكّل حلقة مفرغة لا مجال للخروج منها من داخلها.
الحوار مقطوع عمداً من رأس الهرم السياسي الإسرائيلي، والدعوات الإعلامية التي تُطلق في هذا المجال، للرأي العام العالمي، إنّما تهدف إلى إرضاء الضمير العالمي المشغول بحقوق الإنسان ووضع حدٍّ للنزاعات.
وقطع الحوار على هذا النحو، من قبل قادة دولة إسرائيل الحالية، يجيء في سياق خطّ سياسي إختاروه لكيانهم، إذ أنّهم يعتقدون أن لا حاجة لهم للحوار، لكونهم في موقع قوة على المستويين العسكري والديبلوماسي. من هنا المسؤولية المشتركة لهذه السياسة، ما بين قادة الدولة العبرية، في الداخل، وقادة الدول النافذة في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية حالياً، في تطويب قطع الحوار الحقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
فقطع الطريق على الحوار، بهذا الشكل البنيوي الحاصل، المحكم والكامل، لا يصحّ لولا تضافر العمليتين: العملية الرسمية الإسرائيلية، في الداخل، والعملية الرسمية للدول النافذة التي تتبنّى العملية الأولى على المستوى العالمي. فحلقة قطع الحوار الداخلية مغلَّفة بحلقة ثانية، عالمية، تحميها من الخارج. وإلاّ كيف نفسّر هذا السكوت الإعلامي الصارخ على الزوولوجيا السياسية لقادة إسرائيل، منذ 1948 وحتى اليوم؟
ماذا لو قام قادة فلسطينيون رسميون برشق الإسرائيليين بنعوتٍ تحقيرية كتلك التي استخدمها رؤساء وزارة ووزراء ونواب إسرائيليون منذ خمسة عقود ونيّف؟ أما كان تناولها الإعلام العربي وندّد بأصحابها وبنى عليها تحليلاً سياسياً يضع الإسرائيليين في خانة الضحايا والفلسطينيين في خانة المعتدين؟ فلماذا لا يُعتبر هذا الإعتداء السياسي اللفظي إعتداءً سياسياً لا مجال للسكوت عليه؟
صحيح أنّه لا يتحرّك ساكن داخل أروقة وزارة العدل الإسرائيلية، ولا من يفكّر برفع دعوى ضدّ من تصدر عنه هذه النعوت السياسية الجارحة والمهنية، لا بالأمس ولا اليوم، إنمّا صحيح أيضاً أنّنا لم نسمع عبر العالم تشهيراً سياسياً بهذه الألفاظ الثابتة والدائمة التي تواكب الخطاب السياسي الرسمي الإسرائيلي.
فالحلقة السياسية والإعلامية الخارجية تؤمّن الحماية للحلقة السياسية الداخلية وتساهم في تصلّبها وتماديها عبر الزمان، تماماً كما كانت الحال في دولة جنوب أفريقيا السابقة التي كان قادتها العنصريون البيض ينعتون السود بالبهائم والقردة بغية تحقيق عملية الفصل والمحو الرمزي، الثنائية الطابع، القائمة حالياً في إسرائيل. ولم تتّخذ هذه الدولة الإفريقية توجّهها الديموقراطي الجديد إلاّ بعدما إنكسرت الحلقة الخارجية، المغلِّفة للحلقة الداخلية وحاميتها؛ الأمر الذي حرم الخطاب العنصري الداخلي من شرعية الإستمرار، فتداعى خطاب الأبارتايد، ثم تداعى معه الكيان السابق بكامله.
فقطع الحوار السياسي، المقصود، يهدف إلى عدم إعتماد المبدأ الديموقراطي في معالجة الصراع القائم، ذلك أنّ اللجوء الدائم إلى القاموس العنصري عند قادة إسرائيل الحاليين يعني جهراً عدم الرغبة في اعتماد قاموس الديموقراطية، إذ لا مجال لاعتبار الآخر السياسي حيواناً زاحفاً أو حشرة، والدخول معه، بعدها، في حوار متكافىء وبنّاء على أساسٍ ديموقراطي.
من هنا فإنّ الإصرار على إعتماد هذه الترمينولوجيا (terminologie) السياسية يؤدي وظيفة بالغة الأهمية في إبقاء المعادلة السياسية العامة على ما هي عليه. فعلى المستوى الداخلي تؤكد شحن النفوس والمشاعر ضد الآخر (الفلسطيني) على نحو يكرّس القطيعة بين الطرفين ويستفزّ الإسرائيليين إنسانياً ضد الفلسطينيين بشكل ثابت ودائم؛ أمّا على المستوى الخارجي فإنّ هذه الترمينولوجيا السياسية تشكّل بالونات اختبار، يطلقها القادة الإسرائيليون من حين لآخر، للتأكد من أنّ التأييد العالمي لا زال لصالحهم، عبر عدم التعليق على مصطلحاتهم وتطويب مغزاها السياسي ضمناً، فينام عندها قادة إسرائيل نوماً هانئاً لعلمهم أنّ النوايا الديبلوماسية العالمية لا تستعديهم، ولا حتى تعترض على ألفاظٍ غادرت قاموس الديموقراطية الدولية منذ زمن بعيد.
وتغدو بذلك المصطلحات المذكورة ذات وظيفة سياسية مزدوجة: تؤمّن إستمرارية حال العداء وانقطاع الحوار على المستوى الداخلي، كما تسمح بالتأكّد من التأييد الضمني الصامت على المستوى الدولي. فعدم التعليق عليها، خارجياً، يصبح جزءًا من استمرارية استخدامها.
ذلك أنّه لو ظهرت في الإعلام الرسمي الخارجي تعليقات تدين هذه الترمينولوجيا السياسية، لقامت إسرائيل على الفور بالإمتناع عن اللجوء إليها، حفظاً لصورتها العالمية.
غير أنّ هذه الصورة لم تتأثر منذ 56 سنة وحتى اليوم بتلك الترمينولوجيا، لا بل يصّح القول بأنّ هذا الإستخدام الثابت والتاريخي لمصطلحات التحقير السياسي من قبل قادة إسرائيل المعاصرين والسابقين لا يضّر بمصالح هذه الدولة، بل يفيدها في الوقت الراهن
3- الوظيفة الإيديولوجية:
عندما يطلق قادة إسرائيل الكبار نعوت التحقير المشار إليها، فهم إنّما يتوجّهون إلى مستمع محدّد. وهذا المستمع هو الإنسان الإسرائيلي عموماً، علماً أن المستمع الأمثل هو الشباب الإسرائيلي. فهو يشكّل العجينة الطرّية المستعدة للإنفعال أكثر من سواها. وبما أنه الجزء المستقبلي من جسد البلاد، فالتأثير عليه بالغ الأهمية.
لذلك فإنّ الخطاب العنصري الرسمي الإسرائيلي يتوجَّه قبل أي شيء إلى الأجيال الطالعة، فيرسّخ في ذهن أبنائها صوراً للحقد الإنساني، مطلوب منها أن تفعل فعلتها التدميرية لاحقاً في الذهن. فعندما يسمع شابّ أو شابة من الإسرائيليين، في مطلع شبابه، و من على منبر أعلى مؤسسات بلده السياسية، ومن فم كبار الشأن السياسي في البلاد، نعوتاً تحقيرية من هذا العيار، فلا شك أنّه يتأثر بها في عمق وعيه. وهذا هو المطلوب تحديداً. وبما أنّ سكّان إسرائيل يشهدون إزدياداً مطّرداً، فالإبقاء على الإستنفار الإيديولوجي ضروري جداً، و قد قفز عدد سكان إسرائيل من 3.8مليون نسمة عام 1980 إلى4.5 مليون عام ,1990 ثم إلى 6.3 مليون عام 2002 .
ونلاحظ في المقابل وفي موازاة هذه الظاهرة، إزدياداً في اللجوء إلى الترمينولوجيا الزوولوجية، حيث أنّ معظم النعوت التي أُطْلِقَتْ - ما عدا نعت غولدا مئير - جاءت في الحقبة الزمنية الممتدة بين 1980 و,2002 أي في فترة المدّ السكاني في إسرائيل.
ونتساءل هنا: هل إنّ ذلك كان من باب الصدف؟ ونُجيب: بالطبع لا صدفة في الأمر، بل هو تزامن مقصود، يهدف إلى شحن النفوس في زمن التغييرات. فقسم كبير من هؤلاء السكان هو إمّا من الشباب وإمّا من البلدان الإشتراكية السابقة أو الإتحاد السوفياتي السابق. وبالتالي فهم بحاجة إلى تجنيد إيديولوجي وإعادة تأهيل طبقاً لمقتضيات الإيديولوجيا السائدة والقائمة على استعداء الآخر وقطع جسور الحوار معه. فالنعوت الشائنة شعارات سياسية يطلقها قادة إسرائيل عمداً في أزمنة الشدائد والتحوّلات بغية مناهضة التحوّل الذهني والبقاء في دائرة موحَّدة تستفزّ النعرات العصبيّة.
فما يُطلَق عليه تسمية الشعب الإسرائيلي هو في الواقع اليوم مجرّد جمهور تسوده العصبيّات. وتوجيه الحقد على الفلسطينيين (والعرب) أفضل أسلوب لتجنّب تفجّر العصبيّات الداخلية (سفرديم ضد أشكناز، يهود روس ضد يهود محلّيين) التي تحكم المعادلة الداخلية.
فالمطلوب من إصطلاحات الإدانة السياسية الزوولوجية هو استنهاض العدائية الكامنة في الوعي واللاوعي عند الشباب والوافدين بشكل خاص، بحيث يدخلون في النغم العصبي العام السائد في البلاد.
ولهذه العملية التعبوية طابع تربوي يقوم على تمرير الرسائل الهامة وربّما المصيرية في المفهوم الصهيوني تحت أشكال لا تبوح بأهميتها.
وهنا يحضرنا ما كتبه في هذا الصدد عالم الإجتماع الفرنسي بيار بورديو الذي قال إن «حيلة العقل التربوي تكمن تحديداً في أن تنتزع ما هو أساسي، تحت ذريعة أنك تطالب بأمور لا قيمة لها» (2) .
فبحجّة الإنفعال أو عدم ضبط الخطاب، يلجأ قادة إسرائيل إلى شحن العصبيّات، من فوق، بكلمات محدودة، ولكن من خلال صورة تعلق في ذهن المستمع الساكن، الشاب أو الوافد.
هنا لا مجال للكلام عن مُحاور بدل مستمع، إذ أنه عندما يتفوَّه قادة السياسة في إسرائيل بالنعوت الشائنة التي اشتهروا بها، فإنهّم لا يخاطبون محاورين، بل يخطبون في جمهور من المستمعين، يتلقّى وينفعل غريزياً وعصبياً.
فالصورة تستفزّه غريزياً، كما أنّها تستنفره عصبياً؛ والعصبيّة هنا تأخذ معناها الخلدوني الكامل، أي أنّها تعني رابطة الدم والدين، إذ يخاف المستمع بعدها من الفلسطينيين على دمه وعلى دينه، وينهض ذهنياً للدفاع عنهما.
يدّعي قادة إسرائيل أنّهم يعيشون في كيان ديموقراطي، غير أنّنا عندما نستمع إلى الطريقة التي يأتون بها على ذكر الفلسطينيين، وبخاصة عندما لا نسمع أصواتاً أخرى، رسمية أو شعبية، تندّد بالنعوت التحقيرية المستخدمة، فهذا يعني أنّنا في بلد تسوده العصبيّات، إذ أين المحاور الديموقراطي الذي يبدي رأيه بحرّية ويدافع عن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان في كل ذلك؟
فقادة إسرائيل لا يخاطبون ذهنية حديثة، تقيم وزناً للإنسان بغضّ النظر عن أيّ إعتبار آخر، بل إنّها تلعب على عصبيّات و مشاعر منها ما هو واعٍ ومنها ما هو دفين. فهم، بوقاحة قادة القبائل، يمررّون رسائل واضحة ومحدَّدة، بين الحين والآخر، تحافظ على وتيرة الإستنفار الغريزي التي تخدم مصالحهم، ويعاملون جمهورهم كجمهور من الأتباع والأزلام، قد يناقشون كل شيء ما عدا هذه النقطة بالذات التي ترتبط بمصالح السلطة والبقاء، من منظورهم الضيّق.
فالحداثة هي الشقّ المعلن من الخطاب السياسي الرسمي الإسرائيلي؛ أما شقّه الدفين فينبغي البحث عنه في العصبيّة القبلية التي يُسمح لها بالإطلالة العلنية بشكلٍ مدروس، من حين لآخر، حفظاً للمظهر الحديث الذي تتقنّع به أمام الرأي العام العالمي.
يتّضح من كل ما سبق أنّ وظيفة مجموع المصطلحات التحقيرية التي أتينا على ذكرها، على المستوى الآلي، هي إعادة إنتاج منتظم ودوري لعصبيّة الكراهية والعداء، فبدون نعرات العداء، لا قدرة للعداء على أن يستمر. من هنا فإن تصوّرات المعرفة السياسية الإسرائيلية الراهنة، كما يبلورها لفظياً قادة إسرائيل، بخاصّة خلال العقود الثلاثة الماضية، تجدّد حيوية النعرة العصبيّة التي يراد لها أن تكون الترس الإيديولوجي للتعامل السياسي مع الآخر.
وهذا الترس الإيديولوجي، بصلابته العصبيّة، جدير بأن يؤمّن إعادة إنتاج استعدادات العداء عند الإسرائيلي الذي يبقى بذلك أسير نعراته ومخاوفه. فالنعرة العصبيّة الآتية على متن صورة بغيضة وكريهة للآخر الفلسطيني، تحّرك غريزياً عند الإسرائيلي مشاعر الخوف الدفين. فالخوف الأمني من الآخر يضحي بعدها رهاباً عميقاً وفوبيا من إعتداء هذا الآخر الوشيك عليه.
فكلّما سمع الجمهور الإسرائيلي نعتاً تحقيرياً للفلسطيني، مستمدّاً من عالم الحيوانات الزاحفة والحشرات، كلّما تجدّد إستعداده للإقتناع بفحواه.
وبما أنّ هذه المسألة قد مضت عليها أجيال عدة حتى اليوم، فإنّ قوّة الدفع الإيديولوجية، المتراكمة، التي تتمتّع بها، قوية جداً. فيكفي إطلاق نعتٍ مشين من حين لآخر، لتجديد فعالية هذه الإستعدادات العصبيّة. وهذا هو تحديداً ما يفعله قادة إسرائيل الذين يدلون بجرعات تحريضية عندما يرون ذلك مناسباً.
وما يزيد في إطلاقيّة هذه الإتهامات السياسية الهادفة إلى تدمير صورة الآخر في الوعي واللاوعي الإسرائيليين، طابعها التعميمي. فالحشرات والحيوانات الزاحفة المذكورة تأتي دوماً على صورة الجمع، لمزيد من التخويف والترهيب الذهني.
4- الوظيفة المعرفية:
يهدف اللجوء الدوري للنعوت التحقيرية على لسان قادة إسرائيل، على المستوى المعرفي، إلى استبعاد العقلانية جذرياً من الموضوع. فعندما نحاكي عالم الحشرات والحيوانات الزاحفة، لايبقى مجالٌ للّجوء إلى العقلانية، بل إنّ ما يستحضره مباشرة وعيناً هو الغريزيّة.
فالهدف الأبعد من تسليط الإنتباه على هذه الصّور المقزِّزة للآخر الفلسطيني، إنمّا يكمن في توجيه رسالة معرفية مزدوجة في ما يخصّ العلاقة به. فالرسالة الأولى تقصد الفلسطينيين، في حين أنّ الثانية تتوجّه إلى الإسرائيليين.
بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين تبلغهم هذه النعوت بشكل أو بآخر، فالرسالة شديدة الوضوح ومفادها الآتي: أنتم أدنى الحيوانات وأصغر المخلوقات غير الإنسانية على الأرض. وبما أنّكم لستم من البشر، فلا تتوقعوا منّا أن نعاملكم سوى كما تُعامَل هذه الحيوانات والحشرات.
فلا فرصة للتفكير في بناء علاقة عقلانية مع الآخر الفلسطيني، الذي لا يؤتى على ذكر هذه الصفة في التعامل معه، بل يُصار إلى نفيها نفياً رمزياً قاطعاً لا مجال للرجوع عنه.
و هذا يعني أن المسألة تذهب أبعد من قطع الحوار السياسي الذي سبق أن أشرنا إليه، بل إنّها تعكس نيّة واضحة في قطع أي رابطٍ إنساني ومعرفي مع الآخر الفلسطيني؛ فالقطيعة هي المطلوبة، لا مجّرد قطع الحوار. وهنا تحديداً تكمن خطورة الموقف الكلّي الذي تعكسه النعوت الزوولوجية الإسرائيلية التي تتخطى المجال السياسي والإنساني لتفضي بالإسرائيلي إلى نفيٍ كلّيٍ للآخر من حيث هو آخر.
فيغدو الفلسطيني، في المعادلة المعرفية الإسرائيلية الرسمية، كناية عن لا شيء.
إن تشييء الفلسطيني هو المطلوب، وتوجيه رسالة واضحة في هذا المضمار هو ما ترمي إليه هذه التصريحات التي تبدو هوجاء، ولكنها التي تنبع من تفكير عقلاني مدروس ومبني، إذ أنّ اختيار حشرات محدَّدة وليس أي حشرات (إذ منها ما هو لطيف) والحيوانات الزاحفة المؤذية (دون حيوانات أخرى، زاحفة وغير مؤذية) يشير إلى بناءٍ مقصودٍ لصورة الآخر على نحوٍ هدّام. فبناء صورة الآخر الفلسطيني يجيء هنا لهدمه، كمعنى ومغزى.
إنّ استبعاد المعنى الإنساني والمغزى العقلاني من الآخر الفلسطيني يندرج في أُطر تذهب أبعد من الحرب الكلامية أو من الاختلاف الإيديولوجي بين متخاصمين: إن استبعاد معنى ومغزى الفلسطيني، رمزياً، يشير إلى النفي الكلّي للآخر من دائرة الوجود العاقل والإنساني، فيبقى في الدائرة الوحيدة المتبقّية له، أي في دائرة الأشياء.
والفلسطينيون فهموا رسالة التشييء هذه منذ مدّة، كما أنهّم يشعرون بها يومياً، في لحمهم ودمهم، في حياتهم اليومية والعملية. ومن هنا سوداوية رؤيتهم للمستقبل. فهم يلمسون أنّ الآخر لا يعترف بهم، وأنّ عدم الاعتراف هذا ليس مجرد موقف سياسي نابعٍ من اختلافٍ على أرض، بل أنه موقف كلّي، يطول الهوية السياسية والإنسانية والآدمية على حدّ سواء.
فالمقصود من هذا التشييء للآخر هو بالطبع دفعه إلى اليأس والإستسلام استسلاماً كاملاً. غير أنّ المشكلة هنا تحديداً هي أن الدّفع إلى اليأس ممكن ضمن حدودٍ معيّنة وفي ظروفٍ محدَّدة، غير أنّ الاستسلام غير حاصل ولن يحصل. إنّ نزع الصفة الإنسانية والعقلانية عن الفلسطيني رمزياً هو مثل نزع النازيين للصفة الإنسانية لليهود إبّان الحرب العالمية الثانية. فما تمّ تطبيقه على أجداد الإسرائيلي وآبائه ولم ينجح، كيف له أن ينجح مع إنسان آخر؟ التشييء المعرفي يولّد اليأس، كما يولّد الشعور بالقهر، إلاّ أنّه يعجز عن تغيير طبيعة الآخر الجوهرية.
غير أنّ قادة إسرائيل لا يأبهون بهذا الأمر، وربما أنّهم، في طوية أفكارهم، يُدركون استحالة بلوغ هدفهم التشييئي هذا. فما يهمّهم هو مواصلة السيطرة على جمهورهم هم، أي عموم الإسرائيليين، من خلال إبعادهم عن التعامل العقلاني مع الموضوع وإبقائهم عند حدوده الغريزيّة.
فالغريزيّة، لا العقلانية، هي لغة حوار هذه الصور مع الرأي العام الإسرائيلي الذي يوضع أمام حائط فكري مسدود. إذ يُقال له، جهراً ودون مواربة: هؤلاء الذين هم في الخندق المقابل يأتون من بواطن الأرض أو يزحفون على سطحها، وهم لا يملكون مَلَكَة النّطق، وهم لا يقدرون سوى على إلحاق الأذى بكم؛ لذلك فهم لا ينتمون إلى عالمكم، بل يشكّلون تهديداً دائماً لكم وله، فانبذوهم!
لكن كيف للغريزيّة أن تخاطب مجتمعاً إعتاد على العقلانية، طبقاً لتكوين أفراده الوافدين من الغرب؟ كيف للغريزية أن تُقبل محلّياً، بينما المجتمع الإسرائيلي ليس بالغباء أو الجهل الذي يسمح لقادته السياسيين بسَوق خطاب غير عقلاني وعصبي بحتٍ أمامه؟
والجواب هو: بالنعوت التحقيرية تحديداً، التي تصدر عن القادة من حين لآخر، دون تشكيل قاعدة المخاطبة على الدوام.
لم يتمكّن المسؤولون من إيجاد أسلوبٍ بديل. فلغة الشتائم غير مقبولة، وخطاب العصبيّة النيئة يثير الإشمئزاز. لذلك فالحلّ هو الآتي: في سياق خطاب عقلاني متكامل (حول مستقبل المستوطنات أو حول مقتضيات الأمن القومي)، يُمرَّر نعت تحقيري للشعب الفلسطيني، على شكل نبأ عاجل في الأخبار، ثم تتابع النشرة سياقها العقلاني وكأنّ شيئاً لم يكن.
فضمن سياق عقلانية المخاطبة مع الجمهور الإسرائيلي، لقطة سريعة ومركَّزة، هادفة ومختارة، تفي بغرض إيصال الرسالة الغريزيّة. هذه الرسالة التي ما كان لها أن تُقبل لو لم تُطرح في هذا السياق، حيث تأتي مموّهة وموجزة.
فخلف هذه العفوية المصطنعة علم كبير بأصول المخاطبة الجماهيرية عند المسؤولين الإسرائيليين الذين يستخدمون ذكاءهم لأغراض القطيعة مع الآخر. وعلم كبير بطبيعة الجمهور «الديموقراطي» الذي يتعاملون معه، بحيث أنّ اتفاقاً ضمنياً قد نشأ بين الطرفين: فلا يقحم القادة الإسرائيليون جمهورهم في خطاب عنصري متكامل (كما فعل النازيون في ألمانيا والبيض العنصريون في جنوب أفريقيا) ولا يرفض جمهورهم زلاّت لسانهم السياسية المقصودة في المقابل.
وهذا ما يسمح للطرفين بممارسة عنصرية يومية وعملية دون الإعلان عنها ودون التصريح بها، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي.هكذا تلعب النعوت التحقيرية الموجَّهة ضد الفلسطينيين بشكل ثابت، الدور المطلوب منها في التعبئة الغريزيّة والعصبيّة، على المستوى الداخلي والمعيشي، كما أنّها تسمح بتلافي الوقوع في فخ الخطاب العنصري المتكامل الذي سيضرّ حتماً بإسرائيل ويشكّل مستمسكاً سياسياً دولياً على هذه الدولة لو جاهر به المسؤولون.فما أهلك النظام النازي ونظام التمييز العنصري (الأبارتايد)، هو تحديداً ما يتجنّبه بمكرٍ قادة إسرائيل، أي بناء خطاب منهجي متكامل لنفي الآخر. فبديلهم في هذا المضمار هو الاحتفاظ بسرّ العنصرية في قلبهم وعدم التصريح عنه بشكل يسمح بأخذه عليهم ومحاكمتهم على أساسه أمام المراجع القانونية الدولية.
فإخفاء اللعبة بكلام معاكس، كما كان يدعو إليه تاليران، وزير خارجية نابليون (الذي كان يقول بأنّ الكلمات إنما ابتُكرت لتمويه الأفكار) بالتزامن مع زلاّت تحقيرية، يسمح بتزامن العقلانية والغرائزية في خطاب واحد ويحقّق الغرض المنشود.
5- الوظيفة الدينية:
لتقبيح المتعمَّد لصورة الفلسطيني كما يرد على ألسنة قادة إسرائيل،يستمدّ مكوّناته من الاختلاف الديني القائم بين الكتلتين المتصارعتين. ذلك أنّ الإختلاف يُطرح في سياق التصوّرات الإيديولوجية الإسرائيلية على أساس أنه تناقضي، لا مجرّد تعارضي. ففي حين يعتبر المسلم الفلسطيني، بموجب كتابه المقدَّس، أنّ اليهودي هو من أهل الكتب السماويّة، ويعتبر المسيحي الفلسطيني أن اليهوديّة تشكّل المنطلق التاريخي لديانته، مع رابط مميز يتمثّل في شخص العذراء مريم عند الإثنين، فإنّ اليهودي يعتبر نفسه منتمياً دون سواه إلى شعب الله المختار، فيقطع على سواه من أتباع الديانات الأخرى باب الدخول على الإيمان الحق، حاصراً الخيار الربّاني بشخصه هو وحده.
وهذا ما يسمح لليهود الأصوليين بقطع الأوصال مع جميع أبناء الديانات الأخرى واعتبارهم من «الغويم»، وهم الآخرون الذين لا يُعترف بشرعية وجودهم الروحاني.
وبناءً على هذه المقولة الإطلاقية، النافية للآخر في جوهره الروحاني، يسمح السياسي الإسرائيلي لنفسه بالذهاب قدر ما يشاء في عملية نبذه للآخر، فيصل الأمر به إلى محوه رمزياً من الوجود الإنساني ودفنه تحت الأرض في صورة حشرة، أو جعله يزحف على سطحها في صورة حيوان.
ولولا هذه القاعدة المعرفيّة الأساسية لما تمكّن السياسي الإسرائيلي من أن يبلغه ما يبلغه، ذلك أنّ تخطّي إنسانيّة الآخر، في الدينين المسيحي والإسلامي، غير مسموح، أي أنّ جوهره الروحاني لا يقبل المساس، وإنسانيتّه تبقى كاملة، حتى لو تواجد هذا الآخر في خندق المعاداة.
يحتاج نزع إنسانية الآخر لمسوّغ ما ورائي مستمدّ من العقيدة، وهذا ما يتوفر للسياسي الإسرائيلي في قاموسه الديني، فيغرف منه شرعية تصريحاته التي لا تناقض جوهر التفكير الديني الذي تتلازم مصالح بقائه مع مصالحه هو. من هنا إما أن تسكت السلطات الدينية في البلاد، تواطؤاً، أو أن تشارك في العملية، كما حصل مع الحاخام الأكبر يوسف منذ سنوات.
وبهذا المعنى فإنّ الدولة العبرية مشروع نفي للدول الأخرى غير العبريّة، ألتي، مهما فعلت، يستحيل عليها أن تبلغ مرتبة دولة شعب الله المختار.
وهنا تكمن خطورة الأصولية اليهودية التي ما بعدها أصولية، بمعنى أنها لا تعترف جوهرياً بالآخر. في حين أنّ المسيحيّة، عندما طُرِحَت عليها معضلة إكتشاف شعب هندي في القارة الأميركية، بعد عام ,1492 سارعت إلى اعتراف بابوي رسمي بروحانية الهنود الحمر، بعدما كان الكونكيستادورس الإسبان قد فظّعوا بهم بحجّة أنهم من البهائم ولا روح لهم. كذلك امتنع المسلمون، أيام الفتوحات الكبرى، من أي تعرية شرعية للآخر من إنسانيتّه وروحانيتّه. فالفرق كبير بين أن يجد الخطيب السياسي عدّة عقائدية جاهزة بتصرّفه يغرف منها بكل اطمئنان صور نبذه للآخر، وبين أن يكون محروماً شرعياً منها. وما أشدّ دلالة على هذا الأمر سوى السهولة التي يتمادى بها قادة إسرائيل في التطاول التاريخي وارتفاع وتيرته في العقدين الأخيرين.
فالوقاحة السياسية تعني انتفاء الحياء. وانتفاء الحياء بحاجة إلى مفهوم عام يسوّغه. وهذا المفهوم العام موجود في الرؤية الدينية التمييزيّة التي تنطلق منها العقيدة اليهودية التي لا تعمل على تعديل الخطاب السياسي الرسمي في إسرائيل، بل تفتح له أبواب العصبيّة النابذة للآخر.وكان المفكرّ كارل بوبر قد أشار في هذا السياق إلى أنّ المجتمع المنغلق هو مجتمع العصبيّات والسحر والعلاقات العشائرية، وأنّ هذا المجتمع قد ساده، عبر التاريخ، نزوع ثابت لقمع الحرية والمساواة اللتين تشكّلان عماد المجتمع المنفتح(3). فالدولة الإسرائيلية الحالية، من هذا المنظور، هي دولة المجتمع المنغلق، لا دولة المجتمع المنفتح كما تدّعي.وصحيح أنّ الدول العربية الراهنة هي أيضاً دول للمجتمع المنغلق، لكونها تعيش في أحضان العصبيّات الدافئة بشكل أو بآخر، إلاّ أنّ انغلاقها هو انغلاق ظرفي، لا انغلاقاً بنيوياً. والفرق كبير بين هذين الصنفين من الإنغلاق، أي بين الإنغلاق الذي يسمح لمجتمعه بالخروج منه (كما حصل نسبياً للبنان قبل الحرب) والإنغلاق الذي لا يتيح لمجتمعه تصوّر الحياة خارج قضبان الإنغلاق، فيتحوّل، كإسرائيل الحالية، إلى سجن كبير لأبنائه.
فالإنغلاق البنيوي الذي تعيش في ظلّه إسرائيل لا يرغب في ترك بصيص أمل لأبناء دولة تتحوّل إلى ثكنة لا يُسمح فيها للإتصال بالخارج، أي بالآخر الفلسطيني، وكأن لا وجود له. أمّا الإنغلاق الظرفي الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني، والذي تسبّب في إفشال قضيته حتى الآن (لكونه غير موجود في السلطة على عكس الانغلاقات السياسية العربية الأخرى، الموجودة، هي، في السلطة)، فيفتح المجال أمام الحوار مع الآخر. من هنا فإننا نرى الفلسطينيين يبدون استعداداً للحوار مع الإسرائيليين في حين أن الإسرائيليين لا يقبلون بالعرض المطروح عليهم.
فالعلاقات العشائرية التي تسود المجتمع الفلسطيني وكذلك بُناه الاجتماعية التقليدية تحجب عنه في الوقت الحاضر الإنفتاح الحقيقي والمنجز. إلاّ أنّ هذا المجتمع لا يمانع بنيوياً في اعتماد هذا الانفتاح، إذ يقبل بمحاورة الآخر (ولو متأخّراً) ولا ينفي عنه صفة الإنسانية ولا يرغب في محوه من الوجود.
وهذه الاستعدادات في الإنفتاح ليست نابعة فقط عند الفلسطينيين من الهزائم المتكرّرة التي ابتلُوا بها منذ قرن من الزمن تقريباً، بل أيضاً من اعترافهم البنيوي بالآخر الإسرائيلي، على الرغم من طابع الانغلاق الظرفي الذي يسود العلاقات معهم.
فلولا أنّ الانغلاق البنيوي كان سائداً بين الطرفين لَدام الصدام العسكري بينهما دون انقطاع حتى انكسار الآخر انكساراً تاماً وشاملاً. بيد أن الطرف العاقل في هذه المعادلة - أي الفلسطيني - لا يزال يستمدّ من إيمانه مقوّمات الصمود من ناحية، وعناصر الأمل من ناحية أخرى. مع الإشارة إلى أن هذا الإيمان مبنيّ، جوهرياً، على قبول الآخر والإنفتاح عليه.
يبقى علينا أن نُجيب عن سؤال أساسي هو: لماذا يتّجه القادة السياسيون في إسرائيل دوماً، في تشبيهاتهم التحقيرية، إلى عالم الحيوانات الزاحفة والحشرات؟ لماذا يتوجّهون حصراً إلى هذه الفئات ولا يتوجّهون إلى بعض المخلوقات الأخرى، كالحيوانات المفترسة والشرسة، كالضباع أو الذئاب مثلاً، أو إلى بعض الطيور الكاسرة، كالغربان والعقبان؟ لماذا هذا الإصرار في البقاء على الأرض، زحفاً، وتحت الأرض؟
السبب الأساسي لهذه الظاهرة، وضمن سياق نزع إنسانيّة الإنسان الفلسطيني عنه بتقريبه من عالم البهائم، يعود لعملية اختيار مدروسة في درجات الحقارة. فالحيوانات الزاحفة (كالتماسيح والأفاعي) هي أقل أنساً من تلك التي تدبّ على وجه الأرض أو تطير.
لكّن الأمر في الحقيقة يذهب إلى أبعد من هذا المستوى الفيزيولوجي باتجاه المستوى الروحاني. فتماماً كما يرغب الفكر الإسرائيلي العنصري بنفي إنسانيّة الإنسان الفلسطيني (والعربي استطراداً)، يرغب أيضاً بنفي الروحانية الخاصة به، إذ باللجوء إلى هذه التشكيلة من التشبيهات حصراً يعمل، رمزياً، على نفي سماويَّة هذا الإنسان.
فالفلسطيني، مسلماً كان أم مسيحياً، إنسان يجاهر بانتمائه إلى كتب سماوية يستمد منها سلوكه الأخلاقي في الحياة. لكن، عندما تُلصق به نعوت الحشرات والحيوانات الزاحفة يكون كمن أُفْقِدَ رمزياً هذه الصفة السماوية ليُلصَقَ بالأرض وبواطنها ويُحرم من السماء.
فالغرض هنا سياسي في المقام الأول. إلاّ أنه مبني على قاعدة دينية سلبية تسعى إلى هدم صفة السماوي وإلغائها رمزياً من الإنسان الفلسطيني، للاحتفاظ بها حصراً لليهودي الإسرائيلي.
6- صراع الأصوليّات إلى أين؟
لا تخفي إسرائيل إذاً بناء خطابها على الأصوليّة، بل إنّها تجاهر بشكل مدروس ومن حين لآخر بهذا الأمر، دون الوقوع في فخّ الخطاب العنصري المتكامل الذي سيشكّل مأخذاً ديبلوماسياً وسياسياً دولياً عليها. غير أنّ الدولة العبرية تعمل منذ نشأتها وحتى اليوم في ظلّ إيديولوجيا أصوليّة تجعلها رافضة بامتياز للدولة الديموقراطية.
فالديموقراطية، نظام الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، كما تعرّفها كل المواثيق الدولية. وإسرائيل تدير ظهرها لهذه العناصر التأسيسية للنظام الديموقراطي الصحيح. وتماماً كما أنّ الأنظمة العربية تحتال عموماً على الديموقراطية فتمارسها تحت سقف العصبيّات العشائرية والمذهبيّة، فإن النظام الإسرائيلي الذي ليس أكثر تقدميّة منها، يمارس هذه الديموقراطية تحت سقف الأصوليّة الدينية والتمييز السياسي، بحيث أن لا وجود فعلياً للديموقراطية لا هنا ولا هناك.
فالأصوليّة الدينية في إسرائيل، والتي هي حفّاز (catalyseur)،الأصوليّات الأخرى التي تأتّت عنها في المنطقة (بدءاً بالأصوليّة الدفاعية المسيحية التي ظهرت خلال الحرب اللبنانية وانتهاءً بالأصوليّات الدفاعية الإسلامية التي ظهرت بعدها في معظم البلدان العربية) هي في عين العاصفة التي تجتاح الشرق الأوسط منذ نصف قرن ونيف.
فالطاقة التوليديّة التي تتمتّع بها كبيرة وراسخة، وربما لكونها أقدم العصبيّات الدينية تاريخياً، ولكن بكلّ تأكيد لأنّ طبيعتها أيضاً هي إطلاقيّة وطابعها هجومي. فالأصوليّة الدينية التي تحكم حالياً إيديولوجيا الطبقة السياسية في إسرائيل تنفي الآخر ولا تعترف به جوهرياً، في حين أنّ العصبيات الأخرى، المسيحية سابقاً والإسلامية حالياً، لا قدرة لها بنيوياً على نفي الآخر، أيّاً كان هذا الآخر، وبخاصة اليهودي.
لذلك يصحّ أن نطلق على الأصولية اليهودية صفة أمّ العصبيّات. والمفارقة هنا تكمن في أنّ العالم بأسره تقريباً يأخذ على العالم العربي وإيران بناء أصوليّاتهم، في حين أنّه يتجاهل عمل إسرائيل الدؤوب على ديمومة أصوليّتها.إلام يعود هذا الأمر؟ إنّه يعود إلى الفارق الإعلامي والبحثي الهائل القائم بين الدول العربية وإسرائيل. ففي حين أنّ مراكز الأبحاث في إسرائيل تشارك في تزويد السلطة بمعرفة تحليلية للمحيط والعالم، فإن كوادر السلطة في العالم العربي لا يكترثون بالبحث الاستراتيجي ويفضّلون عليه المعالجات الآنية المحلية والخطاب السياسي التأييدي.
كما أنّ مهارات الإعلام الإسرائيلي، داخل وخارج البلاد، قادرة على إعادة تركيب أبشع صور الممارسة السياسية الإسرائيلية على نحو يجلب لها تأييد الرأي العام العالمي.
فلا الأصولية اليهودية تبدو أصولية، بل يتمّ تصويرها على أساس أنها مجرّد تعبير ثقافي خاص بجماعة بشرية محدّدة، ولا القمع الإسرائيلي يبدو وحشياً، بل يقدَّم للمشاهدين والقرّاء عبر العالم على أساس أنّه إمّا ردّة فعل على اعتداء، وإمّا - أكثر فأكثر - مكافحة لتمدّد الأصولية الإسلامية، مع تلميحات دائمة إلى ارتباط هذه الأصولية المحلّية بالتنظيم الذي نفَّذ اعتداء الحادي عشر من أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
من هنا لا يكفي للفلسطينيين (ومعهم العرب) أن تكون لهم أنبل قضيّة في أطهر أرض، بل إنّ عليهم أن يحذوا حذوَ الإسرائيليين أنفسهم على المستويين البحثي والإعلامي، للتمكّن من الدفاع عن شعبهم الذي يدبّ فيه الوهن كلّما تقدمت الأيام.
فمواجهة العنصرية الإسرائيلية تفترض إدراكاً حقيقياً لمسألة أساسية هي أنّ هذه العنصرية هي عنصرية نظامية. فهي تتعلّق بنظام كامل لا ببنية محدودة ضمن هذا النظام. ومن هنا صعوبة مواجهتها والتعامل معها بفعالية في المدى القريب.فاستبعاد الآخر ورفض التحاور معه على قدم المساواة ليس موجوداً فقط في قاموس العسكر الإسرائيلي وتعاملهم اليومي مع الفلسطينيين، بل نجده أيضاً في المؤسسات العدلية والقضاء، حيث أنّ التمييز المتعمَّد والثابت قد دفع بالمحامية الشهيرة فيليشيا لانغر إلى مغادرة البلاد يأساً من المؤسسة القضائية الإسرائيلية. والعنصرية موجودة أيضاً في المؤسسة التربوية، داخل المدارس الإسرائيلية والجامعات، حيث يتمّ ليّ الحقائق التاريخية وتصوير فلسطين كأرضٍ بلا شعب؛ ونجد العنصرية متغلغلة أيضاً في الإعلام الإسرائيلي الذي يشارك الطبقة الحاكمة نشرها لوهم الديموقراطية، على أنغام دونيَّة العنصر الفلسطيني في المعادلة العامة.
فقد تغلغل هذا التعامل العنصري مع الفلسطينيين إلى ثنايا الوعي الإسرائيلي لدرجة أنّه أضحى كثوب الساحرة ديجانير الذي التصق بأكتاف هرقل وألهب دمه لدرجة أنه رمى بنفسه في الجحيم، بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة. ولأنّ هذه العنصرية النظامية قد تغلغلت في شتّى أعضاء الجسم الإسرائيلي وأفسدت العلاقة بين الطرفين، ملطّخة إياها بالدم، يسهل على قادة إسرائيل اللجوء إلى نعوتهم الزوولوجية التحقيرية، للتذكير بما هو قائم في النفوس.
فهكذا تُقفل حلقات السلسلة على دائرة محكمة الإغلاق، يصعب الدخول إليها من الخارج، فتبدو لنا الأمور غير قابلة للتبديل أو للتغيير.
في الواقع يقتضي التعامل مع هذه العنصرية النظامية، المتأصلة في النسيج المعرفي الإسرائيلي الحالي، تماماً كما حصل مع نظام التمييز العنصري في دولة جنوب أفريقيا سابقاً. أي أنّه يعني، عربياً، وقبل كل شيء، الإقتناع بضرورة عدم مواجهة العنصرية بعنصرية أخرى. فالحالة المرضية لا تعالَج بحالة مرضية أخرى، وإلاّ دخلنا كلّنا في عالم من المجانين؛ تماماً كما كان يقول غاندي حول الثأر الذي يُبقي كلا الطرفين في دائرة العنف الدموي والعمى السياسي ولا يحلّ شيئاً.
كذلك فإنّ كسر طوق العنصرية الإسرائيلية لا يعني محوَ هذه الدولة من الوجود في الشرق الأوسط، بل فتح صفحة جديدة يستفيد منها الفلسطينيون والإسرائيليون وجميع شعوب المنطقة على السواء.
بيد أن تبريد العنصرية الإسرائيلية ثم شلّ فاعليّتها ينبغي أن يأتي من خارج المنطقة، بإيعاز دولي وأميركي على حدّ سواء، لكي تكون له حظوظ القبول والتنفيذ داخل إسرائيل.
ثم يُصار بعدها إلى إنشاء دولتين، على أرض فلسطين الجامعة، برعاية دولية، وتطوى صفحة الماضي إلى غير رجعة.
فهذا القرار الصعب،والذي يتطلّب تبدّلاً شبه كلّي في الشخصية الأساسية الإسرائيلية هو، في الواقع، الخيار الوحيد المطروح. ذلك أن لا بديل له سوى متابعة إسرائيل حروبها السبارتية على الأرض إلى ما لا نهاية، واعتمادها الدائم على دعم القوى العظمى لها من الخارج.
فهل من مجال لهذه الرؤية الجديدة في خريطة الشرق الأوسط الكبير على المدى المنظور؟
1-L'Etat de Monde 2004, éd. La Découverte, paris, 2003, p.222
2-Pierre BOURDIEU, Le sens pratique, éd. de Minuit, Paris, 1980, p. 117
3-karl POPPER, La Société ouverte et ses ennemis, éd. du seuil, Paris, 1979
Zoology of political Knowledge in Israel
The researcher notices a general direction for the Israelian leaders,chiefs,and supervisors which pushs them to release the adjectives of insects and animals on the Palestinians;so,they describe them as warms,locusts,snakes,or beasts, and another harmful adjectives. So in the opinion of the researcher there are undoubtful indications of racism
The Israeli persists to generalize this political misprision for the palestinians,and for the Arabs in general to prove his opinion about all those people, and to indicate that they are below the human level. And this includes indications of racism
For this behavior many functions,such as political functions, ideological functions, knowledge functions, and religious functions
So, on the political level, this behavior aims to justify the severance of conversation procedure with the others(the Palestinian or the Arab);so how can the conversation and the settlement take place with an insect
From here, the convocations that come out from the highest posts in Israel for conversation and settlement, are nothing but a mean to attract the international general opinion, no more
On the ideological level, the disrespectful Israeli speech aims to educate the developing Israeli generations to disrespect the Arabs and to fix its harshness against them, and this for the liability of the Israeli future
On the knowledge level, the Israeli speech aims to put rationalism from the subject of relation with the Palestinian and the(Arab) aside, and consequently the severance of any probable political conversation, and to open the scope widely for instinct. On the religious level, this disrespectful speech aims to stop the relations with other religious followers as if it is Jewish religious duty
So, as the Israeli racism thought desires to exile the Palestinian and the Arab humanity;also,it desires to exile his spirituality and humanity as well.
The researcher concludes from what have proceeded the absence of any kind of democracy in Israel which closes all doors to bet on the future of best Israeli-Arab relations.
The research reaches a set of advices:
- The Arabs shouldn't face the Israeli racism in other racism.
- Working to lessen the Israeli racism and to paralyze it effect.
- Establish two nations on the Palestinian land
La zoologie de la connaissance politique en Israël
Le chercheur remarque que la plupart des leaders et des responsables israéliens qualifient souvent les palestiniens par des noms d'insectes et d'animaux comme : vers de terre, sauterelle, serpenté.. ainsi que d'autres adjectifs humiliants. Selon le chercheur, ce comportement porte des significations racistes. Les israéliens ont coutume de généraliser ce mépris politique sur les palestiniens puis sur les arabes en général, afin d'exprimer leur point de vue : les palestiniens et les arabes appartiennent à la classe humaine la plus dégénérée, c'est l'apogée du racisme
Ce comportement a plusieurs fonctions : politique, idéologique, fonction de connaissance, et religieuse. Sur le plan politique, ce comportement vise à justifier la rupture du dialogue avec autrui( le palestinien ou l'arabe) ; comment pourrait-on faire un dialogue avec......un insecte
D'où,les invitations lancées par les Israéliens pour le dialogue avec les arabes ne sont qu'un moyen pour implorer l'opinion publique mondiale
Sur le plan idéologique,le discours de dédain israélien vise à éduquer les générations israéliennes en méprisant les arabes afin de garantir le futur d'Israël
Sur le plan de la connaissance,le discours palestinien vise à épargner le rationalisme définitivement dans la relation avec les palestiniens(et les arabes)et par la suite arrêter un dialogue politique possible,et donner libre cours à l'instinct
Sur le plan religieux,ce discours de dédain vise à rompre les relations avec les autres religions,comme si cette action est un devoir religieux juif.Non seulement l'esprit raciste israélien désire exiler l'humanité du palestinien et de l'arabe,mais aussi son spiritualisme
Le chercheur déduit l'absence de toute sorte de démocratie en Israël, ce qui met le futur d'une meilleure relation Israélo-arabe dans une impasse
Le chercheur conclut en citant plusieurs conseils
les arabes ne doivent pas confronter le racisme israélien par une autre sorte de racisme
il faut ouvrer à réfrigérer le racisme israélien et le rendre inefficace
Etablir deux Etats sur le territoire de la Palestine