- En
- Fr
- عربي
كلمات ليست كالكلمات
لم يعد سراً أن لبنان أصبح في دائرة الضوء إقليمياً وعالمياً، خصوصاً بعد الجريمة المروّعة التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتداعياتها. لقد حملت أيادي السوء الإجرام إلى الوطن، هادفة إلى خلخلة صموده ووقف مسيرة نهوضه وتطوره. امتدت إلى المؤسسات والأشخاص، فاغتالت الشهيدين جورج حاوي وسمير قصير، وحاولت اغتيال وزير الدفاع الياس المر والإعلامية مي شدياق، ومن قبلهما الوزير مروان حمادة. وضربت تلك الأيادي في المؤسسات التجارية والسكنية والصناعية محاولة إرهاب الناس، وإطالة عمر إيقاع التفجيرات الذي يجري من خلاله تمرير سياسات التفرقة والتشرذم وضرب الوحدة الوطنية.
إزاء هذه التطورات والأحداث أين نرى الجيش؟ اننا نراه دائماً بين الناس ليل نهار، التدابير الأمنية تكثّفت وتشدّدت، وحالت دون وقوع الكثير من الأعمال الإرهابية والاعتداءات على المؤسسات والمرافق العامة، ولا تزال التدابير مستمرة رغم الأهداف " النقطية "، اذا صح التعبير، للإرهابيين، وعجزهم عن الظهور او القيام باعتداءات واسعة إلى حد معين. ذلك ان قوى الجيش بالمرصاد، وعلى مدار الساعة لقمع أي إخلال بالأمن. والمهم ان الجيش، وبكامل طاقته، يضع نصب العينين كشف هؤلاء المجرمين وسوقهم إلى العدالة.
والناس كل الناس مع جيشهم أنى كان ومتى، وهم على ثقة تامة به وبأدائه، وتراهم يلتفون حوله في كل مناسبة أو استحقاق، ويعربون عن تعلقهم به في كل حين. وهم على قناعة تامة بحيوية دوره ومركزيته في حياة الوطن وسلامة أبنائه، وفي نهوض الدولة بمؤسساتها كافة.
هؤلاء الناس هم الهدف الحقيقي للإرهابيين. يريدون زعزعة ثقتهم بدولتهم وجيشهم. يريدون بث التفرقة بينهم واستحضار أجواء النزاعات والحروب الأهلية سيئة الذكر. يريدون التعرض للحالة الوفاقية بين أبناء الشعب الواحد المتمثلة في الاختلاط الواضح بين جميع الفئات، والتداخل السكني والتجاري والعملي والثقافي والفني والرياضي... بين اللبنانيين، تحت علم واحد هو علم لبنان. لكن هدف الإرهابيين لن يبلغ مناه، فوحدة اللبنانيين المبنية على روابط عميقة الجذور ومصالح مشتركة وأهداف متداخلة وإيمان واحد بالوطن، هي أقوى من أن تهزها جرائم الإرهاب والغدر، رغم كل ما يرافق ذلك من شائعات وطبول إعلامية، وأجواء شحن مشبوهة.
لكن الحقيقة تبقى ناصعة ولا تستطيع أوساخ الإرهاب ان تلوثها مهما كان الشكل والنوع. لا شك في أن صدمة كل عمل إرهابي قوية جداً في إيذاء الضحية، سواء كانت شخصاً أو مؤسسة، وأنّ الأهل القريبين يتأثرون كما الأهل البعيدون، وأهل الوطن يتألّمون أيضاً ويشكون من الخسائر، لكن الألم والغضب لا يتحولان أبداً إلى خروج عن الحق، ولا إلى جنوح نحو ردود فعل تصب زيتاً على نار حاقدة، فتأكل نارُ الفتنة بذلك الصالح والطالح، وتطيح بالوفاق والوئام بين أبناء الشعب، وتحوّل حياته إلى جحيم مستمر. الناس كل الناس يدركون عواقب ما يهدف إليه الإرهابيون، فيحرصون على رد الفعل الذي يغيظ الإرهابي وحده، ويحول دون تحقيق أهدافه. وليس أدلّ على صحة ما نعرض، مع الأسف الشديد لهذا الدليل الذي لا يرغب أحد بوجوده، ان كل هذه التفجيرات أدت الى ردود فعل تصب جميعاً في إدانة الإرهاب والتمسك بالدولة ومؤسساتها، والتشبث بالوحدة الوطنية والوفاق، وتدعو الى المزيد من الالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية الأخرى.
نعم، في الوحدة الوطنية وحدها مصلحة اللبنانيين العليا. وإن هذه الوحدة قوية ومتينة. إنها صخرة صلبة تتكسر عليها كل الأعمال الإرهابية والجرائم والشائعات وأعمال التضليل والتحريض. صخرة عتيدة مواجهة لكل أنواع الاستغلال والترغيب والترهيب... والجيش المرتكز على الوحدة الوطنية، والمدافع الأول عنها، لن يتوانى عن التصدي لكل محاولات المس بهذه الصخرة التي ستبقى دائماً صلبة قوية قاسية.