- En
- Fr
- عربي
مخيّم الحربية
اليوم الخامس
شبّان وشابات عاشوا حلم الانتساب إلى مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء لمدة أربعة أيام، تعرّفوا إلى الجيش عن كثب وقدّروا رسالته، لا سيّما في ظل تفاقم الأزمات التي يعيشها الوطن على كل الأصعدة. وفي اليوم الأخير نظّمت الكلية احتفالاً سلّمت خلاله هؤلاء شهادات بعد أن خاضوا تجربة فريدة. تعبوا كثيرًا وتعلّموا أكثر... وها هم اليوم ينالون شهادات من «الصرح الحلم» كما سمّوه.
في باحة الكلية «عجقة» جميلة، فالأهالي أتوا لحضور حفل تخرّج أبنائهم، والفرح عارم لدى الجميع ضباطًا وأهالي وطلابًا. كثيرون تمنّوا أن يستعيدوا هذه اللحظات يومًا ما في احتفال تخرّج حقيقي يتقلّدون خلاله سيف الدفاع عن لبنان.
البهجة تنير وجه الدكتور دومينيك سماحة فابنه موسى واحد من المشاركين في المخيم، وهو كان في الخارج وعاد إلى لبنان خصيصًا للمشاركة في المخيم. إنّها تجربة موفّقة يقول سماحة مشيرًا إلى أنّها امتحان لقدرة الشباب على التأقلم مع الظروف الصعبة ومجابهة أي صعوبات قد تعترضهم. الأب الفخور بابنه يؤكد: «نحن نفتخر بالجيش اللبناني». أما موسى فيخبرنا بأنّه بات يعرف ما يجهله الكثيرون عن الحياة العسكرية، ويضيف: «تعلّقت أكثر بالجيش...».
ترتسم ابتسامة كبيرة على وجه العقيد إدوار جرماني عندما نسأله إذا كانت مشاركة ابنه في المخيم هي نتيجة لتشجيعه له على ذلك، ويؤكد: «هو من أصرّ وشجّع بعض الرفاق على المشاركة، أتمنى أن أراه يتخرّج من الكلية في احتفال تخرّج رسمي يومًا ما إذا كانت هذه رغبته»... زوجته التي تعلم جيدًا «أنّ الحياة العسكرية حافلة بالصعوبات» لا تعارض الفكرة، وتقول: «خدمة الوطن والشعب، هي الهدف الأكبر والأسمى عندنا».
غيّرت هذه التجربة نظرة جيو حاج موسى إلى الحياة العسكرية بشكلٍ جذري، الشاب الذي يؤكد أنّه بات يدرك قيمة أن يكون الإنسان جنديًا، يوضح: «تعلّمنا منهم المبادئ والقيم الوطنية المقدّسة. عشنا معًا أحلى الأوقات وأمتعها».
فرح لا يوازيه شيء
«طالما حلمت بالانتساب إلى الكلية الحربية، وأن أكون في احتفال التخرّج الرسمي وأحمل صورة لي مع رئيس الجمهورية يسلّمني سيف الرجولة»، يقول الطالب منير شبيب مضيفًا: «فرحي اليوم لا يوازيه شيء، ووجودي في هذه الكلية شرف لا أستبدله بكنوز العالم، وآمل أن أكون في العام المقبل تلميذًا في صفوفها».
لا تريد بلانكا شلالا أن ينتهي المخيّم وتغادر الكلية، وهي تصف هذه التجربة بأنّها الأجمل في حياتها، تعلّمت خلالها الكثير وتحمل منها ذكريات لا تُنسى. وتضيف زميلتها ساره ماريا أبو عاصي: «تعلّمت أن أكون أقوى في الحياة، وآمل أن تتكرر هذه التجربة». بالنسبة إلى هاني بيرقدار الذي جمع رصيدًا من الذكريات الجميلة التي لا تُنسى «الأهم هو السماح لنا لاحقًا بالانخراط في الحياة العسكرية الحقيقية وخدمة الوطن الذي يحتاجنا في كلّ وقت». ويضيف: «أشعر أنّ وداع الكلية سيكون صعبًا»...
اقترب الموعد
يقترب الموعد، نتوجّه إلى القاعة الوسطى في الكلية الحربية حيث اصطف الطلبة تحضيرًا للاحتفال بتخرّجهم في ختام المخيّم التدريبي الذي نظّمته الكلية بالتعاون والتنسيق مع قيادة الجيش. يرحّب مدير المخيّم الرائد شربل خوري بالجميع، ويشدد على أهمية تمتين العلاقة بين المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية، مشبّهًا هذه العلاقة بتلك التي تربط الأب بأبنائه. بعد كلمة مدير الدورة كان عرض لفيلمٍ وثائقي عن يوميات الطلاب منذ ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل، بالإضافة إلى الزيارات التي قاموا بها إلى مراكز بعض القطع العسكرية. أتاح الفيلم للأهالي أن يطّلعوا على النشاطات التي نفّذها أبناؤهم وكانوا فخورين بما شاهدوه. الطلاب المشاركون استعرضوا أيضًا تجربتهم الجميلة منذ التحاقهم في المخيّم إلى لحظة الاحتفال. تحدّثوا عن معلومات ومهارات اكتسبوها، وعن الترويقة «المتواضعة»، و«فاصوليا الجيش» المشهورة على مائدة الغداء، وعن فرحتهم الكبيرة بكل ما عاشوه واختبروه متمنّين أن يعودوا يومًا ما إلى هذا الصرح كتلامذةٍ ضباط...
أيام تختصر سنوات
بعد تسليم الشهادات للطلاب، والدروع للمدنيين الذين أسهموا من خلال دعمهم في إنجاح هذا المشروع، ألقى قائد الكلية العميد الركن جورج صقر كلمة توجّه بها إلى التلامذة بالقول: «أهلًا وسهلًا بكم في الكلية، يكبر القلب عند مشاهدتكم، وأنا أكيد أنّ لبنان سيكون بأيادٍ أمينة معكم عندما تكبرون».
وإذ أشار العميد الركن صقر إلى دعم قائد الجيش العماد جوزاف عون لفكرة المخيم ومدى فرحه باستقبال الكلية الحربية للشباب، أضاف قائلًا: «جئتم إلى الكلية فترة قصيرة، منكم من كان متحمّسًا ومنكم من كان مترددًا... أتفهمكم جميعًا، تأتون إلى مكان مجهول بالنسبة إليكم، إلى مؤسسة عسكرية ترونها من الخارج، اليوم رأيتموها من الداخل.
وتابع: حاولنا في الفترة القصيرة داخل المخيم إعطاء فكرة عمّا يمر به التلميذ الضابط في الكلية. اختبرتم التعب والنعاس وتكوّنت لديكم فكرة عن الدروس. هذه المرحلة التي اختصرناها بأربعة أيام يعيشها التلميذ الضابط فترة ثلاث سنوات ليصبح ضابطًا أي قائدًا مسؤولًا».
وتناول مفهوم القيادة الذي يقتضي التحلي «بحس المسؤولية والجرأة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. والأهم من كل ذلك تحمّل مسؤولية القرار المتخذ حتى لا نلوم أنفسنا والآخرين». كما تمنّى أن تبقى تجربة المخيم ذكرى جميلة ومفيدة لكل منهم في المستقبل، وأن يشقّوا طريقهم في الحياة مبتعدين عن الأنانية التي لا توصلهم إلى أي مكان، معتمدين عمل الفريق الذي يؤدي إلى النجاح. وأوصاهم أن يؤمنوا بأنفسهم وقدراتهم ووطنهم ويعملوا لمصلحته العليا مؤكدًا أن الجيش سيكون إلى جانبهم دائمًا ليبقى لبنان، ومعًا نعيد نهوضه.
واختتـم كلمته متوجّهًا بالشكـر إلى قادة الوحـدات والأفواج الذين استقبلوا الطلاب في قطعهم، والضباط والرتباء والأفراد المدرّبين، والتلامذة الضباط، ومديرية التعاون العسكري – المدني، والصليب الأحمر اللبناني، والمدنيين الذين أسهموا من خلال دعمهم في إنجاح هذا المشروع.
أربعة أيام عاشها الكثير من شبابنا في كنف الجيش وتحديدًا الكلية الحربية التي غادروها مع حلم العودة يومًا ما. وما حملوه من هذه التجربة سيكون زادًا لأيامهم الآتية، ودرسًا لمن يستسلمون في الظروف الصعبة.