الجيش والمجتمع

في كنف الصرح العريق: تمارين ودروس في الحياة
إعداد: المعاون كرستينا عباس

المعاون كرستينا عباس

للسنة الثالثة على التوالي، تستقبل الكلية الحربية الطلاب في إطار برنامج cadet challenge الذي شاركت فيه هذه السنة دفعة قوامها 135 طالبًا وطالبة ينتمون إلى مدارس في مناطق مختلفة من لبنان. هذه الدفعة سبقتها أربع دفعات في السنتين الماضيتين، وقد خاض المشاركون فيها تجربة ستبقى تفاصيلها في ذاكرتهم سنوات طويلة، وربما كانت لها تأثيرات عميقة في مسار حياة البعض منهم، خصوصًا أنّ ابنة سبع سنوات كفيفة وقفت أمامهم لتقدّم خبرتها درسًا من دروس الحياة…

أمضى الطلاب ستة أيام في الكلية الحربية عاشوا خلالها كعسكريين، تركوا هواتفهم الخلوية في منازلهم، فانقطعوا عن كل ما في العالم الخارجي، ارتدوا البزات المرقّطة، تابعوا التدريبات العسكرية، واختبروا نمط حياة لم يعرفوه من قبل، وكان لافتًا مقدار حماستهم كما تكيّفهم في أجواء لم يألفوها.
«أردت أن تكون هذه الأيام الستة بمنزلة اختبار جديد لي أتعلّم منه الكثير»، تقول طالبة مشاركة في الـ cadet challenge لهذا العام. وهي تعبّر بذلك عن آراء معظم المشاركين، إذ يتفق مَن تحدّثنا إليهم على أنّهم عاشوا اختبارات متنوعة لا يستطيعون عيشها في مكانٍ آخر، وعادوا إلى منازلهم بجعبة مليئة بالرغبة في التّحدي والثقة وعدم الاستسلام أمام صعوبات الحياة.

تمارين ودروس
التحدي الأساس في المخيم كان الاستيقاظ باكرًا والتغلّب على النعاس وقلّة النوم. فالبرنامج حافل، يبدأ في الصباح الباكر ولا ينتهي قبل حلول الليل. وهو يتضمّن تدريبات متنوعة داخل الكلية، وزيارات إلى عدد من وحدات الجيش حيث نفّذوا بعض التمارين الخاصة بكلٍ منها، كما زاروا سرية الفهود في قوى الأمن الداخلي في ضبية فتعرفوا إلى مهماتها وشاركوا في بعض تدريباتها.
تابع الطلاب تمارين النظام المرصوص والرماية والهبوط بواسطة الحبال، ومكافحة الشغب، فضلًا عن التايكواندو ورياضات أخرى، إلى جانب دروس في فنّ القيادة وعمل الفريق والإسعافات الأولية، وجلسات توعية حول المخدرات والألغام. لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة إليهم، لكنّهم لم يستسلموا للتعب بل كانوا يثابرون على بذل الجهد وأصواتهم تهدر في ساحات الكلية.

في خدمة الوطن
شمل البرنامج أيضًا التعرّف على عدد من الأسلحة الفردية وطريقة اشتغالها بالإضافة إلى الدروس النظرية، ومن أبرزها دروس في فنّ القيادة من شأنها أن تساعد في إكسابهم مهارات يوظفونها في حياتهم العملية مستقبلًا. كذلك، اطّلعوا على شروط الانتساب إلى الكلية الحربية واستمعوا إلى محاضرات في مواضيع مختلفة، وإلى شهادة حياة قدّمها الفنان جورج خباز متحدّثًا عن تجربته كمجنّدٍ في خدمة العلم التي أتاحت له التفاعل مع رفاق من مختلف المناطق، ما عمّق معرفته بشركائه في الوطن… كما تحدّث عن التربية الوطنية التي تلقّاها من عائلته والتي تطبع كل أعماله الفنية وتدفعه إلى أن «يقاتل عبر فنّه من أجل لبنان».
واعتبر خباز أنّ إيمانه بلبنان والعمل على إنعاش المسرح فيه على الرغم من كل الظروف، هو أحد أهم الأسلحة التي يقاتل بها من أجل وطنه. كذلك شدّد على أهمية هذا المخيم في الظروف الحالية، إذ «نحتاج كلبنانيين إلى التكاتف معًا لأنّ وطننا وجيشه يمرّان بأوقات عصيبة، ولذلك علينا أن نكون إلى جانبهما في مختلف الظروف».

سما لمع والدرس الأهم…
وأُتيحت للمشاركين فرصة نادرة، حيث قدّمت فتاة كفيفة عرضًا في لعبة كرة السلة، وهذا ما قامت به سما لمع ابنة السبع سنوات التي أدهشت الطلاب وكان تفاعلهم معها لافتًا. فقد علّمتهم، من خلال مثابرتها على التدريب وتطوير قدراتها الدرس الأبرز، ومفاده أنّ كل شيء يمكن تحقيقه، يكفي أن لا يستسلم المرء أمام الصعوبات والعقبات. «لعبة كرة السلة تحتاج إلى تركيز كبير وحاسة النظر أساسية فيها، وسما على الرغم من أنّها كفيفة، تتدرب على اللعبة بمثابرة وتجتهد من أجل إتقانها»، بحسب ما يقول مدرّبوها، ويضيفون أنّ الملاعب غير مجهّزة من أجل حالات مثل حالتها، ولكنّهم يسعون ليصبح للعبة ملاعب خاصة بالمكفوفين، وربما إقامة بطولات لهم أيضًا.
يؤكد الضباط القيّمون على المخيم أنّ اختيار سما لتقديم عرض كرة السلة أمام الطلاب هدفه توجيه رسالة لهذا الجيل مفادها: لا تستسلموا، فبالإرادة الصلبة أنتم قادرون على تحقيق أي هدف تطمحون إليه. وأشار الضباط إلى أنّ تفاعل الطلاب مع سما هو دليل على وعيهم وجدِّيتهم. في المقابل قال أحد المشاركين: «إنّها تسدّد الكرة أفضل مني».

الاستثمار بالأجيال الصاعدة
ما اكتسبه المشاركون من معرفة ومهارات، وما اختبروه نتيجة تفاعلهم معًا من جهة، ومع العسكريين من جهة أخرى، يُعزز علاقة الشباب بالجيش ويرسّخ انتماءهم إلى وطن يُشكّلون مستقبله وأمله، وهذا ما يمثّل أبرز الأهداف الأساسية للمخيم: الاستثمار بالأجيال الصاعدة.
قبل أن يغادروا الصرح الذي أعربوا عن أملهم بالعودة إليه مجددًا، تسلّم الطلاب شهاداتهم من قائد الكلية، وتمّ تقليد ميداليات للمصنّفين في المراكز الأولى من قبل السيدة نعمت عون عقيلة قائد الجيش العماد جوزاف عون، وتقديم دروع تذكارية للمساهمين. ومع تقدّم كل من المشاركين لتسلّم شهادته، كان الفرح يضيء عيون الأهل ومديري المدارس على السواء.