- En
- Fr
- عربي
كلمتي
ما بين المؤسسة العسكرية وشهدائها روابط لا تنتهي، لا هي فقط عرفان جميل، ولا هي مجرد تقدير وتعظيم، ولا هي في كل حال تعبير عن خسارة أبناء أو شكوى من غياب أحباب ليس إلاّ... إنّ ما بين الطرفين وثيقة خالدة وعهد مقدّس. نحن نلمس ذلك حين نزور عائلة شهيد في ذكرى استشهاده، فنتحدّث الى بناته وأبنائه، ونستمع الى والديه، ونطمئن الى أحوال زوجته، ونشعر خلال ذلك كله بأننا أفراد من عائلته. ونحن نشعر بذلك أيضاً حين نلتقي أحد أقرباء الشهيد في ثكنة ما، وهو يتقدّم بثقة وفخر واطمئنان. إنه يعتزّ لوجوده في صرح عسكري بنى فيه الشهيد مدماكاً من الكرامة، ويعتزّ أيضاً لأنه، وهذا الشهيد، من ذرّية واحدة.
والمواقف الحقيقية التي يسجّلها تاريخ الوطن لأهالي الشهداء تكون في اللحظات الحرجة والمؤثرة التي ترافق الاستشهاد، ولقد رأينا ذلك أكثر ما رأيناه غداة العدوان الإسرائيلي العام 2006، وخلال المعركة الكبيرة ضد الإرهاب العام 2007.
آنذاك كان الأهالي يحضرون لملاقة الجثمان الطاهر وهم يعلنون أن بينهم أبناء آخرين جاهزين لتسلّم بندقية الشهيد. كانوا يجدّدون الولاء للوطن بالفم الملآن وهم يكفكفون الدموع، وكانوا يحيّون العلم الخافق مثل قلوبهم. لم يكن لزعزعة الإيمان بالمبادئ الوطنية مكان عندهم، كباراً وصغاراً، جيراناً وأقرباء.
وكما أنّ الجيش يستمر مخلصاً لشهدائه ولعائلاتهم، فإن هيئات أهلية مختلفة تواكب عمل القيادة على هذا الصعيد، فتطلق عملاً من هنا، وتنفّذ نشاطاً هناك، دعماً لبنات الشهداء وأبنائهم في مسيرة الحياة. إن للهيئات الأهلية تلك، دوراً حيوياً فعّالاً، لو استمر لأبقى الشعور بالغربة بعيداً كل البعد عن عائلات شهدائنا، وجدّد في نفوسها القدرة على التحضير لمستقبل مستقر كذاك الذي يخطّط له الشهداء.
وفي يقين الجميع أنّ كل ما نفعله، أفراداً وجماعات، لا يوازي تضحيات رجالنا الذين سقطوا في ساحات الوغى، والذين تركوا لنا وطناً مستقراً منتصراً، نستطيع أن نأخذ فيه وأن نعطي، وأن نكرِّم وأن نكرَّم، فلنعطِ في سبيل عائلات شهدائنا ولنكرّم ذكراهم في سبيل أن ينضح الإناء بما يحوي. رحم الله من أبقى الإناء سليماً معافى، وسكب فيه الماء.