- En
- Fr
- عربي
وداع وتكربم
ملحم كرم: عاشق الكلمة والحرية والوطن حتى الرمق الأخير
غيّب الموت عاشق الحرية والكلمة والوطن، نقيب المحررين اللبنانيين ملحم كرم عن عمر 76 عاماً، بعد صراع مع المرض لم يستطع إبعاده عن الصحافة والنقابة، الى أن أتت الساعة.
حتى اليوم الأخير من حياته بقي كرم مضطلعاً بواجباته كما في مكتبه في دار «ألف ليلة وليلة»، مشرفاً على مطبوعات الدار مترئساً تحرير عدد منها. ولم يفقد يوماً إيمانه بجوهر الصحافة القائم على الدفاع عن الحقيقة دائماً، فظل الشعار الشهير «علمتني الحقيقة أن أكرهها فما استطعت» الذي وضعه والده الروائي الشهير كرم ملحم كرم، يتصدّر جميع إصداراته.
لم يتغرّب عن التكنولوجيا الحديثة والتطويرات التي أدخلتها على العمل الإعلامي، فالنقيب كرم الذي مارس الصحافة يوم كانت الكلمة تكتب بالقلم والجرائد تصفّ باليد حرفاً حرفاً، واكب ركب التطور، فأصدر الصحافة الإلكترونية الى جانب الصحافة المطبوعة.
ظلّ حاضراً في الحياة الإجتماعية والسياسية في لبنان، فكان موجوداً في المناسبات الإجتماعية والسياسية المهمة، بأناقته التقليدية ودماثة طبعه وكرم أخلاقه، ينقل الرسائل ويوفّق بين الأطراف المتنازعة، حاضراً في المنابر السياسية والإعلامية مدافعاً حتى النهاية عن ثوابته الوطنية المتجسّدة في لبنان الواحد والعيش المشترك بين جميع أبنائه.
ولد النقيب ملحم كرم في دير القمر العام 1932، وهو نجل الأديب اللبناني الكبير كرم ملحم كرم، صاحب روايات «ألف ليلة وليلة» و«العاصفة» و«الأسرار»، وكاتب ألف قصة وقصة ومئة قصة طويلة، فضلاً عن الدراسات والمحاضرات والمقالات.
تابع علومه الثانوية في مدرسة «الحكمة» وتخرّج منها حاملاً شهادة البكالوريا الجزء الثاني (الفلسفة). ثم نال شهادة الحقوق من معهدي اليسوعية والجامعة اللبنانية. وأنشأ كرم إتحادي الطلاب الثانويين والجامعيين في لبنان، وكان رئيساً لاتحاد الطلاب الثانويين ست سنوات، ثم رئيساً لاتحاد الطلاب الجامعيين على مدى خمسة أعوام.
انتُخب نقيباً للمحررين العام 1961، ثم نال شهادة الدكتوراه في القانون. ومنذ ذلك العام يجدّد المحررون انتخابه نقيباً لهم كل ثلاث سنوات. كما انتُخب نائباً أولاً لرئيس اتحاد الصحافيين العرب العام 1977 وظل يشغل هذا المنصب الى حين وفاته. كذلك كان رئيس الجامعة الدولية للصحافيين.
رأس النقيب كرم تحرير: مجلة «الحوادث»، جريدة «البيرق»، مجلة «لا ريڤو دي ليبان»، ومجلة «مونداي مورنينغ»، كما شغل منصب مدير عام لـ«دار ألف ليلة وليلة» التي تصدر 14 امتيازاً لأربع عشرة مطبوعة.
النقيب ملحم كرم كان جسراً للمودة والمحبة والوئام، وعرفه الجميع لبنانياً عربياً فصيحاً، بليغاً، فيه كل الجرأة والإقدام والرجولة... ولا غرور في ذلك؛ فقد ولد وتربّى بين الحروف والكلمات وترعرع مع ورق الصحف والمجلات.
لبنان ودّع النقيب كرم في مأتم مهيب في كاتدرائية مار جرجس المارونية وسط بيروت، قلّده فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان «الوسام الرئاسي المذهّب تقديراً لعطاءاته من أجل لبنان».
ترأس الصلاة رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر ممثلاً البطريرك مار نصر الله بطرس صفير يحيط به المطران مخائيل أبرص ممثلاً بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، والمونسينيور توماس حبيب ممثلاً السفارة البابوية ولفيف من الأساقفة والكهنة.
حضر الصلاة الوزير جان أوغاسبيان ممثلاً رئيس الجمهورية، النائب نهاد المشنوق ممثلاً رئيس المجلس النيابي والوزير عدنان القصار ممثلاً رئيس الحكومة، ومثّل السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي الرئيس السوري بشار الأسد، ومثّل وزير الإعلام التونسي أسامة رمضاني الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
كما حضر الجناز حشد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وشخصيات عسكرية وفي مقدمهم قائد الجيش العماد جان قهوجي، وقضاة وديبلوماسيون وحزبيون ونقابيون وممثلون عن المجلس الوطني للإعلام ومجلس نقابة المحررين، ورؤساء تحرير صحف وصحافيون ووفد من دير القمر (مسقط رأس الفقيد) ومزرعة الشوف ورشميا.
تلا الرقيم البطريركي المونسينيور يوسف طوق الذي رثا الراحل واعتبره «خسارة كبيرة لكل من عرفه وقدّر ما كان يتحلّى به من مروءة وشجاعة وإقدام».
وقال نقيب الصحافة محمد البعلبكي في كلمة الصحافة اللبنانية والعربية: «إن الموت حق، لكن كلنا مؤمنون أننا نموت على رجاء القيامة ورحمة الله ولقاء الأحبة في الدار الآخرة، ملحم كرم لم يكن نقيباً للمحررين وحسب، ولا زميلي وحسب، ولا صديقي وحسب، ملحم كرم كان أخي بحق، ورُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك. معاً مشينا دروب النضال من أجل حرية الصحافة. معاً سهرنا الليالي الطوال حتى يطلع الفجر على قانون الصحافة أو قرار للصحافيين أو خدمة للصحف. نذر نفسه للمهنة النبيلة، وجاد بعمره وقلبه ونفسه لمجدها ومجد لبنان، والجود بالنفس أقصى غاية الجود».
وألقى شقيق الراحل النقيب السابق للمحامين عصام كرم كلمة العائلة قال فيها: «قسا عليّ زمني يحملني على أن أقول كلمة العائلة في يوم، وهو والكلمة كانا على وشائج متينة وعلى علاقات حميمة يزدهي بها وتختال به فيتفاعل معها وتتفاعل معه فيكون إذاك مقام لمداميك البهاء».
وإذ شكر التمثيل الرئاسي في المأتم، رأى أن «الوسام هو للكلمة والفكر والصحافة بانية مداميك الأمجاد وقائلة كلمة الحرية لأن يوم تنفقد الحرية لا يعود مجال لقيام صحافة».
وبعد أن وضع الوزير أوغاسبيان الوسام على نعش الفقيد، تقبلت العائلة التعازي داخل الكنيسة. ثم نقل الجثمان بموكب مهيب الى مسقطه في دير القمر حيث ووري الثرى.