- En
- Fr
- عربي
مئة عامٍ من المسيرة... لا تُختصر بصفحاتٍ منظمة العمل الدولية تحتفل بيوبيلها المئوي
المقدّمة
إيمانًا منها بالإنسان، انطلقت منظمة العمل الدولية بمسيرةٍ من القارة العجوز إلى العالم بأسره، وآمنت بأنّ حقوق العمال وحقوق العمل هي الطريق إلى السلام العالمي والدائم. منذ العام 1919، تأسست منظمة العمل الدولية وحملت معها شعار العدالة الاجتماعية وتحسين حقوق العمال، أينما وُجدوا. وقد استطاعت، على الرغم من كل التحديات، أن تُظهر للعالم أهمية الترابط ما بين الحقوق الاجتماعية والسلام الدائم.
تميزّت منظمة العمل الدولية، منذ تأسيسها، بأنّها المنظمة الدولية الوحيدة التي تأخذ بمبدأ الثلاثية، والذي من خلاله يشارك العمال وأصحاب العمل والحكومات في إدارة نشاط المنظمة، من دون أن ننسى أنّها المنظمة الوحيدة التي تأسست في ظل عصبة الأمم، واستمرت إلى أن أصبحت إحدى وكالات منظمة الأمم المتحدة.
وكجهازٍ متخصص في العمل، استطاعت المنظمة، عبر ما تملكه من وسائل قانونية تقليدية أو مبتكرة، من المحافظة على دورها الريادي في التشريع الدولي للعمل. ولم يكن من السهل عليها أن تؤدي هذا الدور في ظل أيديولوجيات مختلفة، وعولمة أخذت بُعدًا اقتصاديًا، في حين بقيت الحقوق الاجتماعية العامة محلية.
إنّنا نعيش في "عالم عمل" متغيّر في الظروف والأحداث، ومتضارب في المصالح. ونعيش في مجتمعات تتخبّط، غالبيتها، في الأزمات الاقتصادية/الاجتماعية، وتسود فيها البطالة الحادة والاستثمار البطيء، وتتّسع الهوّة بين الطبقات. نعيش في مجتمعات تزداد فيها اللامساواة يومًا بعد يوم؛ الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرًا؛ الأمر الذي يؤدي إلى التشرذم بين أفراد المجتمع، ويُولّد ظلمًا، فأزمات، وحروب. وهذا ما يُهدّد السلام العالمي والدائم، كهدفٍ انطلقت منه منظمة العمل الدولية في مسيرة الألف ميل.
لذلك، تُشدّد المنظمة، منذ ولادتها حتى اليوم، على العدالة الاجتماعية والعمل اللائق وغيرهما كسبلٍ إلى السلام العالمي والدائم. وبالتالي، اعتمدت برنامج العمل اللائق كطريقٍ يُسهم في تحسين الوضع الاقتصادي وشروط العمل، إذ يسمح للشركاء الاجتماعيين كافة إقامة نظام يقوم على الازدهار والنمو.
حازت المنظمة على تأييد 187 دولة عضو، ويُدير المكتب الدولي في جنيف مكاتب خارجية في أكثر من 40 دولة. وفي مناسبة عيدها الخمسين، حازت جائزة نوبل للسلام في العام 1969، فهي منظمة ناشطة ومتحركة، تعدّدت مهامها وشعاراتها، ولكن توحّدت أبعادها بأربعةٍ: "تحسين المبادئ والحقوق الأساسية في العمل ووضعها موضع التطبيق، تمكين الرجل والمرأة في الحصول على العمل اللائق، توسيع دائرة الحماية الاجتماعية لتطال الجميع وتفعيلها وتدعيم الثلاثية والحوار الاجتماعي".
وفي العام 2019، تحتفل بعيدها المئة، وهي أول منظمة دولية تحتفل بمئويتها، فنتعرّف على دورها في تنظيم العمل وتحسين حقوق العمال، وعلى ما هو مطلوب منها من أجل إدارة اللعبة في زمن العولمة إذ تسارعت وتيرة الاقتصاد ومحركاته، مقابل تقلبات الاجتماع بحقوقه المتخبّطة.
أولاً: السياسات الدولية للعمل قبل العام ٩١٩١
إنّ الأسباب التي دفعت إلى إقرار قانون للعمل، تكاد تكون متشابهة في كل مراحل التاريخ، وقد تمحورت غاية كل تنظيم للعمل حول حماية العمال، وإخراجهم من حالة البؤس والفقر من خلال تحسين شروط العمل وتدعيم حقوقهم في العمل. وفي ظل جو اجتماعي مشحون باضطراباتٍ ومطالبات عمالية، وأمام تزايد هجرة اليد العاملة، وتزايد أعباء المنافسة التجارية الضارة بين الدول، سعت دول أوروبية كثيرة، لا سيما الصناعية منها، إلى تدويل المسائل الاجتماعية.
تعدّدت الدعوات التي نادت بضرورة وضع تشريع دولي للعمل. ففي العام 1889، جدّدت سويسرا دعوتها إلى عقد مؤتمر دولي في برن Berne، من أجل تبادل المعلومات، ودراسة المقترحات، فيما يتعلق بتنظيم العمل. ولكن سرعان ما سحبت دعوتها هذه، أمام دعوة موجهة من أمبراطور ألمانيا وليام الثانيWilhelm II، المعروف بـ Guillaume II.
ففي العام 1890، عُقد مؤتمر برلين، من 15 إلى 29 آذار، وهو أول مؤتمر دولي يتناول تنظيم العمل في المؤسسات الصناعية والمناجم، وذلك، بمبادرةٍ من الأمبراطور الألماني وليام الثاني Guillaume II، وبتأييدٍ من البابا ليون الثالث عشر ودعمه.
وقد تبنّى المؤتمر جملة من التوصيات، فيما يتعلق بتنظيم العمل في المناجم، والعمل أيام الآحاد، وشروط استخدام الأطفال والنساء. وبهدف تفعيل هذه التوصيات، أوصى المؤتمر بأن يكون تنفيذها تحت إشراف موظفين متخصصين ومستقلين ومراقبتهم. ودعت الدول المشارِكة في المؤتمر، إلى تبادل التقارير السنوية التي يضعها هؤلاء، وكذلك، الإحصاءات وكل النصوص التشريعية والتدابير الإدارية المتعلقة بموضوع العمل.
وقد توالى عقد المؤتمرات، وتمحورت أهدافها الرئيسة حول ضرورة تحديد آثار التدابير الاجتماعية على الاقتصاد؛ فمن جهة، تنظيم الإنتاج الصناعي، ومن جهة أخرى، تحسين أوضاع العمال. وفي العام 1900، انبثق عن مؤتمر باريس "الجمعية الدولية للحماية القانونية للعمال"[1] بهدف ضمان السلم الاجتماعي، وبدأت الجمعية المذكورة بتجميع نصوص قوانين العمل من مختلف الدول للتوصّل إلى وضع قانون دولي للعمل[2]. في العام 1901، وبالأخص في 27 و 28 أيلول، اجتمع المجلس التأسيسي للجمعية الدولية للحماية القانونية للعمال، وأنشأ المكتب الدولي للعمل في بال Bâle؛ فكانت الجمعية تنسّق بين المنادين بالحماية القانونية للعمال، وكان المكتب يُعدّ الجهاز المتخصص.
وبمبادرةٍ منها، تم التوقيع، في برن Berne في العامين 1905 و1906، على أول اتفاقيتَيْن دوليتَيْن للعمل؛ واحدة تتعلق بمنع عمل النساء في الليل (الصناعة)، وأخرى حول منع استعمال الفوسفور الأبيض في صناعة الكبريت. وتطلّعت الجمعية إلى مواضيع أخرى للعمل عليها؛ كوضع حدّ لشغيل الأطفال ليلًا في الصناعة، واعتماد الحد الأقصى لدوام العمل اليومي بعشر ساعات للأحداث والنساء. ولهذه الغاية نظّمت، بين العامي 1913 و1914، مؤتمرات فنية ودبلوماسية في برن Berne لاعتماد هذه المشاريع. ولكن نشوب الحرب العالمية حال دون ذلك.
ثانيًا: ولادة منظمة العمل الدولية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، نشأت منظمة دولية دائمة، مقرها جنيف، وتملك قوة تشريعية، أُنيط بها العمل على تحقيق الأهداف التي دعت إلى تأسيسها، وذلك بموجب النبذة الثالثة عشرة من معاهدة فرساي – المنبثقة عن مؤتمر باريس للسلام - تاريخ 28 حزيران 1919.
استهل آرتور فونتين Arthur Fontaine [3]، مقدمة دستور المنظمة بالقول "... ما من سبيل إلى إقامة السلام العالمي والدائم، إلا إذا بُني على أساس من العدالة الاجتماعية". وقد تم سَنّ دستور المنظمة من قبل لجنة برئاسة سامويل غومبرز[4] Samuel Gompers، وممثلين عن تسع دول، وهي: بلجيكا، كوبا، الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، إيطاليا، اليابان، بولونيا، المملكة المتحدة وتشيكوسلوفاكيا. في تشرين الأول من العام 1919، عُقِدَ أول مؤتمر للعمل الدولي في واشنطن، حيث تم انتخاب أول مجلس إدارة لمكتب العمل الدولي، وتعيين أول مدير عام له، وهو الفرنسي ألبرت توماس Albert Thomas [5].
هذا وتتألف منظمة العمل الدولية من مؤتمر عام لممثلي الدول الأعضاء، مجلس إدارة، ومن مكتب عمل دولي يخضع لإشراف مجلس الإدارة.
وطبقًا لأحكام الدستور، وبالأخص من المواد 3 إلى 8 منه، يُحدّد مؤتمر العمل الدولي، وهو البرلمان الدولي للعمل، معايير العمل الدولية والسياسات العامة للمنظمة. ويتألف المؤتمر من أربعة ممثلين لكل دولة من الدول الأعضاء؛ اثنان حكوميان، وممثل عن العمال، وآخر عن أصحاب العمل.
أما مجلس الإدارة، وهو المجلس التنفيذي للمنظمة، فيضع البرامج والميزانية والقرارات التي تخص السياسة العامة للمنظمة، حيث تعرض القرارات التي تم الاتفاق عليها، على المؤتمر لاعتمادها. ويتألف من 56 شخصًا؛ 28 يمثلون الحكومات، و14 يمثلون العمال و14 يمثلون أصحاب العمل. تُعيّن الدول الصناعية الرئيسة 10 أعضاء من أصل 28، بينما يختار المندوبون الحكوميون الآخرون العدد المتبقي[6].
وفيما يتعلق بمكتب العمل الدولي، يُعدّ الأمانة العامة الدائمة للمنظمة، ونقطة الاتصال لأنشطتها الشاملة التي يتم إعدادها من قبل مجلس الإدارة. يرأس المكتب مدير عام، يُعيّنه مجلس الإدارة، ويحضر، هو أو نائبه، اجتماعات مجلس الإدارة جميعها.
في العام 1944، صدر إعلان أهداف وأبعاد منظمة العمل الدولية، المعروف بإعلان فيلادلفيا. وتأكيدًا على الأهمية التي أولتها المنظمة للمبادئ التي يتناولها، دُمجَ هذا الإعلان بدستور المنظمة وأصبح جزءًا منه في العام 1946. وقد جَمع إعلان فيلادلفيا في مضمونه أربعة مبادئ، تمحوَرت حول العمل ليس بسلعةٍ؛ حرية التعبير والتجمّع شرط أساسي للنمو؛ الفقر أينما وُجد يُشكّل خطرًا؛ والعمل المتواصل لكل دولة على محاربة العوز، وبالجهد الدولي المتواصل، ومساهمة ممثلي العمال وأصحاب العمل على قدم المساواة مع ممثلي الحكومات في نقاش حر وقرار ديموقراطي بغرض تحقيق رفاه الجميع.
وتجدر الإشارة إلى أنّه في كانون الأول 1946، أصبحت منظمة العمل الدولية، بعد أن نشأت كمنظمةٍ مستقلة عن عصبة الأمم المتحدة، أول وكالة متخصصة في منظمة الأمم المتحدة.
ثالثًا: التشريع الدولي للعمل
لا تقل الاتفاقيات الدولية للعمل أهمية عن دستور منظمة العمل الدولية، كونها تُشكّل مصدرًا مباشرًا لقانون العمل الدولي. وبقراءةٍ للائحة الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، نُلاحظ أنّه، مع إعلان فيلادلفيا، وبخلاف دستور 1919، أُعطيت الأولوية للجانب الاقتصادي على الجانب الاجتماعي[7]. وليس دمج إعلان فيلادلفيا بالدستور، إلا نتيجة لتوسّع دائرة اختصاص منظمة العمل الدولية[8]. وهذا ما دفع إلى اعتماد اتفاقيات تتصل بمجالاتٍ متنوعة، أبعد من سياسات العمل، كالسياسات المالية، النقدية، التجارية والتنموية.
نذكر، من بين المواضيع التي تناولتها اتفاقيات العمل الدولية، الحرية النقابية، المفاوضة الجماعية، العمل الجبري، عمل الأطفال، تكافؤ الفرص، المساواة في العمل، المشاورات الثلاثية، إدارة شؤون العمل، تفتيش العمل، سياسة العمالة، النهوض بالعمالة، السياسة الاجتماعية، مدة العمل، الضمان الاجتماعي، حماية الأمومة، العمال المهاجرين، البحّارة، الشعوب الأصلية والقبلية.
تُنشئ الاتفاقيات موجبات مباشرة على الدول المصدّقة عليها، ويُعدّ التصديق امتيازًا في النظرية الكلاسيكية للقانون الدولي العام، وذلك على عكس التوصيات التي لا تُنشئ موجبات على الدول، إذ يقتصر دورها في تعريف الدول على الاتفاقية، إضافة لدورها التفصيلي والتفسيري. إذًا، يكون التصديق مدخل التزام الدولة المصدّقة أمام مكتب العمل الدولي لتطبيق الاتفاقية، من خلال الحصول على النتيجة المتوخاة من ورائها.
ونظرًا لما تحتله اتفاقيات منظمة العمل الدولية من أهمية، داخل المنظمة وخارجها، حازت بعض أدواتها على نظام خاص، كونها صُنفت إما بالأساسية وإما بالمهمة. فإضافة إلى الاتفاقيات التقنية[9]، نجد الاتفاقيات الأساسية، التي تضمنها إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل للعام 1998 - وسنشير إليها فيما بعد- والاتفاقيات المهمة conventions de gouvernance ou prioritaires، وهي اتفاقيات ذات أولوية نظرًا لأهميتها لسير عمل المعايير الدولية للعمل. فمنذ العام 2008، تم تصنيفها بذلك بموجب إعلان المنظمة حول العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة، وهي: الاتفاقية رقم 81 المتعلقة بتفتيش العمل، للعام 1947*؛ والاتفاقية رقم 122 المتعلقة بسياسة العمل، للعام 1964*؛ الاتفاقية رقم 129 المتعلقة بتفتيش العمل (الزراعة)، للعام 1969؛ والاتفاقية رقم 144 المتعلقة بالمشاورات الثلاثية حول المعايير الدولية للعمل، للعام 1976 [10].
رابعًا: الاتفاقيات الأساسية
أكد مؤتمر العمل الدولي مجددًا في حزيران 1998، التزامه بالمُثُل العليا التي استندت إليها منظمة العمل الدولية، حين اعتمدت الإعلان الخاص بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل ومتابعته. يمثّل هذا الإعلان تعهدًا من الدول الأعضاء كافة بأن تحترم وتشجّع وتطبّق، بعزمٍ صادق، المبادئ والحقوق المتعلقة بحرية التجمّع والاعتراف الفعلي بحق المفاوضة الجماعية؛ القضاء على كل أشكال العمل الجبري أو الإلزامي؛ القضاء الفعلي على عمل الأطفال؛ والقضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة.
وقد أورد هذا الإعلان، أنّه لا يمكن لأي دولة عضو أن تتجاهل هذه المبادئ الأساسية أو أن ترفض الالتزام بها لعدم التصديق على إحدى الاتفاقيات التي يتضمنها. فالاتفاقيات التي يتناولها، أصبحت تشكّل جزءًا من معايير الالتزام المباشر، وهي: الاتفاقية رقم 29 عن العمل الجبري* (1930)، الاتفاقية رقم 87 عن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم (1948)[11]، الاتفاقية رقم 98 حق التنظيم والمفاوضة الجماعية* (1949)، الاتفاقية رقم 100 المساواة في الأجور* (1951)، الاتفاقية رقم 105 إلغاء العمل الجبري* (1957)، الاتفاقية رقم 111 التمييز في الاستخدام والمهنة* (1958)، الاتفاقية رقم 138 الحد الأدنى لسِن الاستخدام* (1973)، الاتفاقية رقم 182 عن أسوأ أشكال عمل الأطفال* (1999) [12].
ليس إعلان العام 1998 الإعلان الأول الذي يصدر عن مؤتمر العمل الدولي[13]، لكنه تميّز عن غيره ببرنامجٍ خاص أُرفِق به لتدعيم مضمونه ولتقييم الجهود. لا يُنشئ الإعـلان التـزامًا قانونيًـا جديـدًا على الـدول الأعـضاء، لكـنه يدعّـم - بواسطة آلية المتابعة - الارتباط المفروض بالمعايير الأساسية. وعلى الرغم من أهمية المتابعة، تبقى وسيلة تحسينية من دون أن تشكّل بديـلًا للآليـات الإشرافية القائـمة، أو تُعـيق سير عملها.
تُشكّل المتابعة ملحقًا لا يتجزأ من الإعلان، وتتضمّن، بشكلٍ أساسي، المتابعة السنوية والتقرير العالمي. تتعلق المتابعة السنوية باتفاقيات الإعلان غير المصدّق عليها، إذ تُبيّن مدى ملاءمة القانون الوضعي مع الممارسة، وبالتالي، تُشكّل وسيلة لتقدير سلوك الدول. ويقوم المدير العام للمنظمة بالتقرير العالمي، في مؤتمر العمل الدولي، الذي يشمل سنويًا إحدى المبادئ والحقوق الأساسية. أما التقرير العالمي، فيهدف إلى تقديم صورة شاملة لكل فئة من فئات المبادئ والحقوق الأساسية، بناء على ما تمّت ملاحظته في فترة السنوات الأربع السابقة؛ فهو وسيلة لتقييم فعالية المساعدة التي تقدّمها المنظمة، ولتحديد الأولويات بالنسبة للفترة اللاحقة[14].
خامسًا: مبدأ الثلاثية
تمتاز منظمة العمل الدولية عن غيرها من المنظمات الدولية، بأنّها اعتمدت مبدأ الثلاثية ذي التقليد الاجتماعي - الديموقراطي الأوروبي، حيث كانت النقابات معروفة كفاعلٍ مهم في الاقتصاد[15]، أو كما يُشار إلى اعتبارها المنظمة الدولية الأكثر انفتاحًا على المجتمع المدني. اعتبر خوان سومافي Juan Somavia هذه البنية أنّها الأساس الوطيد لمنظمة العمل الدولية إذ من خلالها يشارك ممثلو أصحاب العمل والعمال على قدم المساواة مع ممثلي الحكومات لتنمية علاقات عمل سليمة ومتوافقة دوليًا ومحليًا[16].
على الرغم من عدم تعريف المنظمة للثلاثية، إلا أنّ البنود الدستورية تؤكّد على مرتكزات هذا المبدأ. لذلك، أصدرت المنظمة العديد من الاتفاقيات حول هذا المبدأ، كاتفاقية المشاورات الثلاثية رقم 144 للعام 1976 مكمّلة بالتوصية رقم 152 التي تكرّس مبدأ المشاركة بين أطراف الإنتاج الثلاث أي أصحاب العمل ومنظمات العمال والحكومة، والتشاور في وضع الخطط الإنمائية وتنفيذها، وتطوير المؤسسات والإجراءات الوطنية الثلاثية. فهل تسمح مظاهر الثلاثية داخل منظمة العمل الدولية بوضع تعريف للمبدأ؟
إنّ تطبيق الثلاثية يتناقض مع النظرية الكلاسيكية في القانون الدولي حيث الدولة وحدها هي الفاعل الحصري والمنشئ في ولادة القواعد القانونية، الاتفاقيات[17]. تظهر أهمية الثلاثية في المنظمة، من خلال مشاركة نقابات العمال في صياغة معايير العمل الدولية واعتمادها من جهة أولى، ومن خلال إشراف النقابات على تنفيذ المعايير الدولية من جهة ثانية.
حدّد دستور منظمة العمل الدولية ودستور فيلادلفيا، دور النقابات داخل المنظمة عن طريق مشاركتها في صياغة المعايير واعتمادها على المستويَيْن الوطني والعالمي[18]، من خلال مندوب العمال الدائم في جنيف، والذي يحيط أعضاء نقابته بقرار مجلس الإدارة، بإدراج موضوع ما في جدول أعمال المؤتمر. يقوم مكتب العمل الدولي، بإعداد تقرير يشير إلى أكثر جوانب الموضوع أهمية لكي يناقشه المؤتمر، ثم يرسل هذا التقرير إلى الحكومات[19]، وينتظر منها استشارة منظمات العمال وأصحاب العمل. وللمناقشة، يتم إنشاء لجنة المؤتمر الثلاثية خصيصًا لهذه الغاية، إذ تجتمع مجموعة العمال في اللجنة بمفردها، للبحث في نص المشروع، وتوحيد وجهات النظر قدر المستطاع، وإعداد مشاريع التعديلات المناسبة لبحثها في الجلسة الكاملة للجنة الثلاثية. وعادة، ما يقوم رئيس مجموعة العمال – وأحيانًا بمساعدة البعض منهم – بشرح مواقف المجموعة، والدفاع عن وجهات نظر العمال، خلال المناقشة. وجدير بالذكر، أنّ تقييم الأصوات في لجان المؤتمر، يكون بالتساوي بين ممثلي المجموعات الثلاث، لذلك من مصلحة العمال أن يداوم ممثلوهم الدائمون على حضور جلسات اللجنة، خاصة عند التصويت، لأنّ غياب عضو أو اثنين منهم، قد يؤثّر سلبًا على النتائج.
وبعد مناقشة الموضوع من نواحيه كافة، تقوم اللجنة باعتماد تقريرها ونتائجها المقترحة، وتقدّم النص المقترح إلى مؤتمر العمل الدولي، وإذا ما وافقت عليه الأغلبية المطلقة لأصوات المندوبين الحاضرين، يُصدر المؤتمر قرارًا بإدراج المسألة في جدول أعمال الدورة التالية، من أجل المناقشة الثانية.
ويقوم مكتب العمل بإعداد النص المؤقت للاتفاقيات/التوصيات المقترحة، ويرسلها خلال شهرين من انتهاء دورة المؤتمر إلى الحكومات، التي عليها استشارة منظمات العمال، وأصحاب العمل. وعلى أساس الردود، يقوم مكتب العمل الدولي، بإعداد تقريره النهائي للمؤتمر، وعليه إبلاغ الحكومات به[20].
يتبيّن لنا أهمية الدور الذي تضطلع به النقابات العمالية، في صياغة المعايير الدولية واعتمادها، فيكون من الضروري أن تكون هذه النقابات مستقلة في التأسيس، وفي إدارة نشاطها، وبالتالي على ممثّل العمال أن يكون ممثِّلًا فعليًا لهم أي منبثقًا عن إرادة العمال حقيقة. ليس هذا وحسب، لا بل يجب أن تتوفر لديه أيضًا الثقافة العمالية.
ولا تكتفي منظمة العمل الدولية بمشاركة الأطراف الثلاثة في صياغة المعايير واعتمادها، وإنما تمتد أيضًا إلى مرحلة التنفيذ ومراقبة التطبيق؛ وهذا ما يُعرف بنظام الإشراف أو المتابعة.
حدد دستور المنظمة التزامَيْن على الدول الأعضاء التقيّد بهما، ففي حين يتمثّل الالتزام الأول بإبلاغ المدير العام للمنظمة بالقرار المتّخذ من السلطات الوطنية المختصة بالتصديق أو عدمه على الاتفاقيات والتوصيات المحالة إليها، يتناول الالتزام الثاني تقديم تقارير إلى منظمة العمل حول الاتفاقيات والتوصيات التي لم تُصدّق عليها، والتي يعتبرها مجلس إدارة المنظمة من الصكوك المهمة، وكذلك الإشارة إلى الصعوبات التي تمنعها من التصديق[21]. أما بخصوص الاتفاقيات والتوصيات التي صدّقت عليها، فعلى الدول الأعضاء إرسال تقارير سنوية، عن كيفية تطبيقها في التشريعات والممارسات الوطنية[22].
ونظرًا لتشديد منظمة العمل الدولية على دور النقابات، داخل المنظمة وخارجها، فقد اعتمدت، بخصوص اتفاقيات الحرية النقابية، على نظامَي إشراف خاص وهما؛ لجنة الحريات النقابية وهي لجنة ثلاثية ولجنة تقصّي الحقائق والتوفيق المعنية بالحرية النقابية وهي ليست بلجنةٍ ثلاثية. فقد أجازت تقديم شكاوى انتهاك الحرية النقابية من قبل منظمات العمال أو أصحاب العمل أو الحكومات، إما بواسطة الحكومة، أو مباشرة إلى مكتب العمل الدولي. وجدير ذكره بأنّه يمكن تقديمها ضد أي حكومة لم تصدّق على الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق النقابية.
سادسًا: العمل اللائق
في العام 1999، اتخذت منظمة العمل الدولية العمل اللائق هدفًا أساسيًا لنشاطها. فهو، بوجيز العبارة، يُضفي البعد الإنساني على سوق العمل. فهو مفهوم يرتبط بكرامة الإنسان في العمل من خلال وضع الحدود ما بين الأشياء التي تقدّر بالثمن والإنسان الذي يقدّر بالكرامة[23]، فيرتبط، بشكلٍ وثيق، بحياة الإنسان وبكرامته، كما أشارت، إلى ذلك، المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 6 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ليس العمل اللائق بمفهومٍ حديث، وإنما يجد مرتكزه في إعلان فيلادلفيا للعام 1944، الذي أعد أنّ العمل ليس بسلعةٍ. وقد أشار آلان سوبيو Alain Supiot، إلى العمل اللائق بأنّه "ليس بفئةٍ قانونية نظامية، وإنما دليلًا أخذته منظمة العمل الدولية منذ العام 1990 لتُدير نشاطها". وحسب التقرير الدولي للعام 2001، يُشكّل الأفق الجديد للنشاط المعياري للمنظمة[24].
أرجعت منظمة العمل الدولية إهمال العمل اللائق إلى نسبة البطالة الزائدة، والعمل المستتر، والعمل المؤقت، وانعدام الحوار الاجتماعي، واستبعاد الحماية الاجتماعية، واستبعاد الحقوق الاجتماعية الأساسية في العمل، وغياب الأمان والصحة.
في العام 2015، توحّدت الجهود الدولية، وعلى رأسها منظمة العمل الدولية، واعتمدت خطة التنمية المستدامة للعام 2030، وبموجب الهدف رقم 8 منها، اتخذ برنامج العمل اللائق في صميم العديد من أهداف التنمية المستدامة، لا بل جزءًا لا يتجزأ من التنمية. ويرمي هذا الهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي المطّرد والشامل والمستدام للجميع، وإلى العمالة الكاملة والمنتجة، وإلى توفير العمل اللائق للجميع[25].
وفي هذا السياق، عوّل غاي رايدر Guy Ryder، المدير العام الحالي لمنظمة العمل الدولية، على ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون Ban Ki-moon حول أهداف العام 2030، بأنّها "من متطلبات البشرية جمعاء من أجل التمكّن من عيش حياة لائقة خالية من الفقر والجوع وعدم المساواة، مع تمكين الرجال والنساء والفتيان والفتيات من تنمية طاقاتهم. كما تلزمنا جميعًا بأن نكون مواطنين عالميين مسؤولين يهتمون بالأقل حظًا وبالأنظمة البيئية في كوكبنا وبالعمل المناخي الذي تعتمد عليه حياتنا". وأضاف "وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات والتغييرات، يمكننا تحقيق رؤية التنمية المستدامة في أجندة التحوّل بحلول العام 2030 في حال انضوينا جميعًا في شراكة عالمية تشمل الجميع... ولكل واحد منا دور يضطلع به لضمان عدم تخلّف أي فرد عن ركب التطوّر والتنمية".
العمل اللائق ليس مجرد غاية، فهو محرك للتنمية المستدامة لا بل هو أساس نجاح أهداف خطة العام 2030، والتي تقوم على فرصة للتغيير، وتحسين حياة البشر.
سابعًا: العدالة الاجتماعية
ربط المدير العام السابق لمنظمة العمل الدولـية، ألبيرت توماس Albert Thomas، بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية إذ اعتبر أنّ "الديموقراطية هي الشرط الأساسي للسلام، والعدالة الاجتماعية هي الشرط الأساسي للديموقراطية"[26]. وكان إعلان فيلادلـفيا للعام 1944، قد اعتبر أنّ "العدالة الاجتماعية هي الركن الأساسي والجوهري للقانون الدولي، والهدف المركزي لكل سياسة داخلية وخارجية"[27].
منذ ولادتها، اعتبرت منظمة العمل الدولية العدالة الاجتماعية، هي الركن والأساس لكل سياسة اقتصادية/اجتماعية. فالقيم الأساسية المتعلقة بالحرية، والحقوق الأساسية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، وعدم التمييز، ضرورية من أجل التنمية، في ظل سياق متسارع التغيير، في علاقات العمل وتنظيمها.
في العام 2008، اعتمدت منظمة العمل الدولية إعلانًا بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة، لتواكب التغييرات الجذرية في عالم العمل. فأمام انتشار التكنولوجيا، وتوسّع التبادل الخدماتي، وتدويل الأعمال والعمليات التجارية، وتنقّل الأشخاص خارج الحدود، وزيادة رؤوس الأموال... أصبح المسار الاقتصادي المتكامل أمام تحديات كبيرة، إذ عليه مواجهة ارتفاع البطالة والفقر، وعدم تساوي الدخل، وهشاشة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية، ونمو الاقتصاد غير المنظم... الأمر الذي أثّر على علاقة الاستخدام، وأشكال الحماية.
لهذه الاعتبارات، صدر إعلان العام 2008، مستندًا إلى القيم والمبادئ المكرّسة في دستور المنظمة وعلى إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، للعام 1998. ويُعدّ احترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل وتعزيزها، في الوقت عينه، من الحقوق الأساسية، وشرطًا ضروريًا لتحقيق الأهداف الاستراتجية للمنظمة تحقيقًا كاملًا. فكيف يستطيع هذا الإعلان إرساء بُعد اجتماعي متين للعولمة؟
لا تتوانَ منظمة العمل الدولية عن التأكيد وإعادة التأكيد، على القيم والإيمان المتجدد برؤيتها لوكالتها في مجال العمل وتنظيمه. وكانت دومًا، تُشدّد على الحوار الاجتماعي كالوسيلة الأكثر ملاءمة للتوصل إلى الحلول، ولبناء التلاحم الاجتماعي[28].
هذا الإعلان، يُجسّد الرؤية المعاصرة لولاية منظمة العمل الدولية في عصر العولمة، إذ إنّه، من ناحية، يدعم برنامج العمل اللائق؛ والذي من خلاله تعمد الدول الأعضاء في المنظمة إلى اعتماد سياسات تهدف إلى العمالة والحماية الاجتماعية والحقوق في العمل، ومن ناحية أخرى، يركّز على نهج شمولي ومتكامل؛ من خلال الاعتراف بأنّ أهداف المنظمة الاستراتيجية غير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتكاملة.
والعدالة الاجتماعية هدف لكل قاعدة قانونية وبُعد لكل بُعد من أبعادها، لا بل ركيزة للتنمية الاجتماعية. فتشكّل مبدأً دستوريًا ودوليًا من دون منازع، إلا أنّها تبقى، ككل المبادئ الدستورية، مبادئ توجيهية. فعلى الدول أن تسعى جاهدة لتحقيقها من خلال قوانينها. وبالتالي، لا تُعد العدالة الاجتماعية وسيلة للسلام العالمي فقط بل هي هدفًا أساسيًا أيضًا.
ثامنًا: العوائق والتحديات
في الماضي، شكّل الاختلاف في الأيديولوجيات والعقائد تحديًا حقيقيًا لتدويل علاقات العمل الدولية، ثم دخلت الآلات لتهدّد العمل، وستبقى العوائق، من كل ميل وصوب، موجودة في عالم العمل، كون العمل يُشكّل إطارًا متحركًا، وأرضًا خصبة للتحوّلات. ففي ظل وتيرة متسارعة من التغيرات في معالم العمل، وفي ظل عولمة اقتصادية سريعة وحقوق اجتماعية خجولة، تصبح الأهداف المرجوة مهددة.
على منظمة العمل الدولية أن تؤدي دورًا في السيطرة على مخاطر العولمة من خلال إحياء معايير العمل، وإدخال تحسينات على عملية الإشراف، والعمل باتجاهاتٍ أخرى للتخفيف من تأثيرات العولمة كالضغط أكثر باتجاه المؤسسات المالية والتجارية الدولية. وبهذا الإطار، يُعد التنسيق بين منظمة العمل الدولية ومنظمة التجارة العالمية ضروريًا انطلاقًا من البند الاجتماعي. ويبقى السلاح الوحيد هو اقتناع الدول بالمبادئ الأخلاقية العامة كمرتكزٍ لكل معيار دولي للعمل، في ظل العولمة الاقتصادية. فيكون على منظمة العمل أن تخلق آليات جديدة لتفعيل التضامن في مجتمع يدور حول المنافسة.
كذلك، تثير الهيكيلية الثلاثية التي تنفرد بها منظمة العمل الدولية تحديات مفصلية؛ فلذلك، تُعدّ الحرية النقابية بأنّها الحجر الأساس لتفعيل هذه الهيكيلة. إذ ليست البنية الثلاثية هدفًا بحدّ ذاتها، بل تعتبرها المنظمة وسيلة لازمة وضرورية، لكي تتمكّن من تحقيق أهدافها، من عدالة اجتماعية وسلام عالمي دائم. ولهذا السبب، تركّز منظمة العمل الدولية على حرية التنظيم، وتعتبرها النواة المركزية لأدائها، إذ من شأن عمليات انتهاك هذا الحق أن تهدر هيكلية هذه المنظمة ذات التكوين الثلاثي. فهل يُعدّ مبدأ الثلاثية بمنأى عن صعوبات عند التطبيق؟
تطرح التركيبة الثلاثية للمنظمة عدة صعوبات، تتمثّل أولًا، بتضارب المصالح أو القدرات التي تحصل بين ممثلي العمال وممثلي أصحاب العمل. أما الصعوبة الثانية، فتخرج عن إرادتهم لترتبط بأسبابٍ سياسية صادرة عن الممثلين الحكوميين[29]. كثيرًا ما تعرقل هذه الصعوبات مبدأ الثلاثية، إذ يبتعد كل طرف من أطرافها عن الحوار والتضامن للوصول إلى حل جدير بالأخذ به. ويبقى الأهم، ارتباط البنية الثلاثية بالحرية النقابية[30]. ونظرًا لاختلاف الأسس والمبادئ القانونية بين الدول الأعضاء، يَطرح هذا المبدأ في المنظمة نوعَيْن من المشاكل، هما: مشكلة التعددية النقابية، ومشكلة الدول ذات النظام الذي لا تتطابق تشريعاته مع الحرية النقابية.
هذا ويُشكّل استمرار انعدام فرص العمل اللائق، وعدم كفاية الاستثمار، وقلة الاستهلاك إلى تراجع المجتمعات الديموقراطية، كون هذه العوائق والتحديات تضع على المحك دولة القانون. فالعمل اللائق يتمحور حول المساواة بين الجنسَيْن، ويرتكز إلى استحداث فرص عمل وتطوير المؤسسات من خلال تعزيز الوظائف والروح الريادية، ويسعى إلى توفير الحماية الاجتماعية، ويُشدّد على ضمان المعايير والحقوق في العمل، ويدعم تشجيع الحوار الاجتماعي. لذلك، تَطرح مسألة هدف العمل اللائق مشكلة حول مقاربة عالمية حقيقية للعولمة الاقتصادية[31]. فبتقريره للعام 1999، اعتبر خوان سومافيا Juan Somavia، المدير العام السابق للمنظمة، أنّ العمل اللائق يحمل، في الوقت نفسه، بُعدًا شخصيًا للأفراد، وبُعدًا تنمويًا للدول. فيُوفّر العمل اللائق للفرد عملًا يسمح له بحياةٍ لائقة، تفرض مقاربة قانونية جديدة ومعاصرة لقانون العمل. ويفرض على الدول مقاربة إعلاء الإثنية الاجتماعية على القانون الوضعي، وعلى الحرية التعاقدية.
نعود إلى نقطة الانطلاق؛ ما الذي دفع الدول إلى تدويل علاقات العمل؟ ولماذا على الدول أن تنضم إلى المنظمة وتلتزم بمعاييرها؟
من الصعب على منظمة العمل الدولية القيام بدورها الريادي في العمل، ما لم تكن لدى الدول النية الحقيقية والإرادة الفعلية لتفعيل هذه المعايير، بما فيها من قيم ومبادئ وحقوق، في أرض الواقع، ووضعها موضع التطبيق. فلا يمكن لمساعدة المنظمة أن تنجح ما لم تقترن بإرادة الدول المتوجهة، ليس فقط إلى احترام المساعدة التقنية، وإنما إلى الاستفادة من النتائج أيضًا. لذلك، ترتكز فعالية القانون الدولي للعمل على القانون الداخلي. وكذلك، تتمحور الصعوبة حول مدى مشاركة الشركاء الاجتماعيين، ومشاركة فعالة تنطلق من حرية نقابية سليمة في التأسيس وعند الممارسة، وصولًا إلى تمثيل حقيقي. ويُعدّ الالتزام بقواعد هذه المساعدة دورًا بارزًا في تطبيق المعايير الدولية، نظرًا لعدم امتلاك المنظمة، على حد قول ميشال هانسن Michel Hansenne، أسنانًا لمعاقبة المخلّين بالتزاماتهم[32]، ولعدم اعتبار إعلانات المنظمة معيارًا من القانون الصلب وإنما أداة مرنة[33]. ومع ذلك، يؤلّف التنسيق والمساعدة شكلًا تنظيميًا جديدًا في نشاط المنظمة، وبالتالي، تقديرًا حقيقيًا لفعالية المعايير[34]؛ على الرغم من تشكيك البعض بهذه الفعالية[35]. وأشار بروسبر ويل Prosper Weil إلى القانون الدولي المريض بمعاييره معدًا أنّه من دون معايير ذات نوعية جيدة، يكون القانون الدولي أداة غير كاملة، وغير متناسبة مع وظائفها موضحًا ضرورة الانطلاق من عدم القانون إلى القانون في النظام الدولي من خلال التمييز بين القانون المرغوب والقانون الموجود بفعل إرادة الدول[36].
وعليه، لا يمكن أن نتصوّر احترام الدمج الاجتماعي، وتكريس كرامة الإنسان في العمل وتدعيمها، إلا من خلال استبعاد كل تمييز، ما بين الشخص القانوني والشخص البشري. فعلى الرغم من عدم وجوب الفصل بينهما، ما زال المفهومان يتناقضان؛ أحدهما من أجل الذمة، والآخر من أجل الوجود[37]. وأمام هذا التباعد، تُطرح مسألة مدى تحريك الانعكاسات الاجتماعية لفكرة القانون، ومدى مساهمتها في تطوير وظيفته مع الزمن.
ليس اعتماد مؤتمر العمل الدولي، في العام 2009، الميثاق العالمي لفرص العمل، كتحركٍ موجّه من قبل المنظمة لبرنامج العمل اللائق والتزامها تجاه شركائها، إلا بهدف تخطّي الأزمات المتعلقة بالبطالة المتزايدة، والفقر، وعدم المساواة على الصعيد الدولي، وتزايد إفلاس المؤسسات[38]. حتى توصّلت، في العام 2011، إلى اعتماد توصية حول حدّ الحماية الاجتماعية كمكمّلٍ للمعايير المطبّقة. ولعل أبرز ما ورد في هذه الأخيرة، بشكلٍ صريح، أنّها فرضت على الدول تأمين حماية اجتماعية لكل إنسان، سواء كان يعمل بقطاعٍ نظامي أم غير نظامي.
كوكالةٍ متخصصة من وكالات الأمم المتحدة، ومنظمة حازت على تأييد عالمي، وجهاز ينفرد بمزايا لا مثيل لها في سائر المنظمات الدولية، لا يمكن أن تُلام على كل خلل وانتهاك لمنظومة العمل الدولية. فهي جاهزة لتقديم المساعدة للدول الأعضاء، بما تمتلكه من موارد وخبرات، لتحويل العمل من مجرد أداة ووسيلة، إلى مجال لبناء مجتمعات يعمّ فيها الرفاه والسلام. من هنا، تتحمل الدول الأعضاء مسؤولية رئيسة للإسهام، من خلال سياساتها الاجتماعية والاقتصادية، في تحقيق استراتيجية عالمية ومتكاملة، لتنفيذ أهداف منظمة العمل الدولية، وتحقيق رؤيتها في عالم العمل المليء بالتحديات.
الخاتمة
استطاعت منظمة العمل الدولية، منذ ولادتها حتى اليوم، من أن تكون صوت العمال في العالم بأسره. فعلى الرغم من كل التحديات والصعوبات، شكّلت مرجعًا معياريًا لقوانين العمل، في مختلف دول العالم. فقد حازت هذه المنظمة، عبر التاريخ ومن خلال مسيرتها، على لقب يتخطّى الحدود؛ فأصبحت مصدرًا لقانون العمل الدولي[39].
تعدّدت الأهداف، وتنوّعت الأبعاد، لكنها تصب كلها في خانة تنظيم العمل، وتحسين شروطه، وتمكين العمال من نيل حقوقهم. وعليه، يترابط نشاط منظمة العمل الدولية في الأهداف، ويتداخل في الأبعاد، ضمن سياق متكامل. فحقوق العمال تؤمّن العمل اللائق، والعمل اللائق يحقّق العدالة الاجتماعية، والعدالة الاجتماعية تدعم الثلاثية، والثلاثية تساهم في التنمية المستدامة.
ويبقى على المنظمة، من أجل إتمام رسالتها في عالم العمل، أن تسعى إلى تدعيم الثلاثية، داخلها وخارجها، وحضّ الدول على احترام مبادئ الحرية النقابية المكرسة دوليًا. ذلك أنّ أي خلل يعتري هذه المبادئ، يضر بها والدول في آن، ويضعهما في الخندق عينه، ويجعل من مؤسسات العولمة، المحرك الأساسي للشأنَيْن الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك، على الدول والمنظمة السير معًا، نحو تحقيق التناسق والتناغم بين المعايير الدولية والقوانين الداخلية، للوصول مستقبلًا إلى الغاية الأسمى: تشريع عمل موحد للإنسانية جمعاء.
إنّها مدركة لكل التجاذبات والتأثيرات التي يتخبّط فيها المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، ومؤمنة بأهداف تأسيسها لتحرّك وتيرة الحقوق الاجتماعية بالسرعة المقابلة للحقوق الاقتصادية. ففي كل مرة، تُعدّل الدول تشريعاتها للتناسب مع معايير المنظمة، وفي كل مرة، تُطبّق المحاكم الاتفاقيات المبرمة وتُعليها على القانون الداخلي، تترك المنظمة أثرًا في العمل. فأي دور ستضطلع به في ظل وتيرة متسارعة من الأحداث والتغيرات؟
مع بداية العام 2019، واحتفاءً بمئويتها، صدر تقرير اللجنة العالمية عن مستقبل العمل، التي أطلقتها المنظمة في العام 2017، مسلطًا الضوء على تحديات مستقبل العمل، وموجّهًا النداء للعمل على الاستثمار في المقدرات البشرية على أنّه حجر الزاوية في عقد اجتماعي حيوي يُوسّع نطاق الخيارات المتاحة أمام الناس وترتقي بمعيشتهم. وهذا الاستثمار يتناول، من جهة أولى، الحق الشامل في التعليم المتواصل؛ دعم الناس خلال الانتقال من المدرسة إلى العمل، تغيير الوظائف؛ دعم المساواة بين الجنسَيْن؛ وتوفير حماية اجتماعية أقوى. ومن جهة ثانية، يركّز على الاستثمار في مؤسسات العمل واعتماد التكنولوجيا من أجل العمل اللائق وإبقائها تحت إشراف الإنسان؛ تعزيز التمثيل الجماعي وإنعاش الحوار الاجتماعي؛ وإنشاء ضمانة شاملة للعمال.
لا يخلو العام من مئويتها من معايير تقليدية أو مبتكرة، لتُواكب متطلبات العمل القديمة والمستجدة. ولا يخلو العام من مئويتها من تأكيد على دورها الريادي في العمل، وعلى دورها في إيجاد الحلول، من خلال المساعدة والتنسيق مع الدول الأعضاء. إنّها منظمة العمل الدولية التي وُلدت من رحم العمل، ومخاض البؤس، لتتربّع على عرش المنظمات، في منظومة الأمم المتحدة. ولقد صدق من قال: "إذا أردت سلامًا، ازرع عدلًا"[40].
المراجع
1- دستور منظمة العمل الدولية والنظام الأساسي لمؤتمر العمل الدولي، مكتب العمل الدولي، جنيف، كانون الثاني 1991.
2- غسان صليبي، في الاتحاد كوة، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة فريديريش أيبرت، بيروت، 1999.
3- Alain Sériaux, La notion juridique de patrimoine, Brèves notations civilistes sur le verbe avoir, R.T.D. Civ, 1994.
4- Amartya Sen, Travail et droits, Revue internationale du Travail, n° 2, volume 139, 2000.
5- Béatrice Maurer, Essai de définition théologique et philosophique de la dignité humaine, in Les droits fondamentaux, Actes des l ères journées scientifiques du Réseau Droits fondamentaux de l'AUPELF-UREF tenues à Tunis du 9 au 12 octobre 1996, Bruylant, Bruxelles 1996.
6- Bureau international du travail, Les syndicats et l’O.I.T., 2ème édition, Genève, 1990.
7- Caroline Werkoff, un livre d’Alain Supiot, L’esprit de Philadelphie. La justice sociale face au marché total.
http://www.cadres-plus.net/bdd_fichiers/a_supiot_philadelphie.pdf.
8- Christophe Bezou, la déclaration de l’OIT relative aux principes et droits fondamentaux au travail, CEIM, Montréal, 2002.
www. unites.uqam.ca/gric
9- Jean-Louis Validire, La clause sociale: un débat inachevé in Les droits fondamentaux au travail: état des lieux et perspectives, Education ouvrière, Numéro 122, Bureau des activités pour les travailleurs, Genève, 2001/1.
10- Hélène Gaudemet- Tallon, Les sources du droit du travail international, in les sources du droit du travail, sous la direction de Bernard Teyssié, Presses Universitaires de France, 1ère édition, 1998, page 58.
11- Isabelle Duplessis, La mollesse et le droit international du travail : mode de régulation privilégié pour société décentralisée, in Gouvernance, droit international et responsabilité sociétale des entreprises, Sous la direction de Jean-Claude Javillier, Organisation internationale du Travail- Institut international d'études sociales, Genève, 2007.
12- Marie-Ange Moreau, Quelques observations sur les évolutions juridiques, Revue internationale de droit économique, tome XVI, 2002/2.
13- Michèle Bonnechère, L’optique du travail décent, le Droit Ouvrier, Doctrine, février, 2007, page 59.
14- Nadjib Souamaa, Les origines de l’OIT (1890-1950) : Elaboration et premières expérimentation d’un modèle d’ «Europe sociale», revue de l’IRES, numéro 87, 2015/5.
15- Nathalie McSween, L’Organisation internationale du travail, l’économie sociale et la mondialisation: L’OIT, une «alliée de choix» de la mouvance altermondialiste?, sous la direction de Louis Favreau, Série Comparaisons internationales, nº 9, Mai 2004.
16- Nicolas Valticos, Droit international du travail, tome 8, 2ème édition, Dalloz, 1982.
17- Nicolas Valticos, L'OIT: vue rétrospective et perspectives d'avenir, Revue Internationale du Travail, volume 135, 1996, numéro 3-4.
18- Prosper Weil, Vers une normativité relative en droit international ?, Revue Générale de Droit International Public (RGDIP), Janvier, numéro 2, Paris, 1992, page 7.
19- www.ilo.org
20- www.wikipedia.org
21- www.un.org
[1]-(l'Association Internationale pour la Protection Légale des Travailleurs (AIPLT
[2]-إضافة إلى هذه الجمعية، نذكر اللجنة الدولية الدائمة لحوادث العمل- باريس 1889، والجمعية الدولية لمحاربة البطالة- غان (بلجيكا) وباريس et
.Paris Gand 1910
تميزت الجمعية الدولية للحماية القانونية للعمال، من جهة، بوفرة أعضائها من أساتذة وموظفين مقابل القليل من الصناعيين، وذلك على خلاف اللجنة الدولية الدائمة لحوادث العمل، التي جمعت عددًا من الصناعيين، ومن جهة أخرى، مطالبة أعضائها بتدخّل تشريعي على خلاف اللجنة المذكورة آنفًا. أما الجمعية الدولية لمحاربة البطالة، فكانت أغلبية أعضائها من المنضمين إلى لجنة 1889 وجمعية 1900.
Nadjib Souamaa, Les origines de l’OIT (1890-1950): Elaboration et premières expérimentation d’un modèle d’«Europe sociale», revue de l’IRES, numéro 87, 2015/5, pages 67 et ss.
[3]-مهندس فرنسي، كان مديرًا لمكتب العمل في العام 1899. كما كان من المؤسسين للجمعية الدولية للحماية القانونية للعمال.
[4]-رئيس الاتحاد الأميركي للعمل، آنذاك، في الولايات المتحدة الأميركية.
[5]-المدراء العامون للمنظمة منذ التأسيس حتى اليوم:
- الفرنسي ألبرت توماس Albert Thomas 1920-1932.
- الإنكليزي هارولد باتلر Harold Butler 1932-1939.
- الأميركي جون واينانت John Winant 1939-1941.
- الإيرلندي إدوارد فيلان Edward Phelan 1941-1948.
- الأميركي دايفيد مورس David Morse 1949-1970.
- الإنكليزي ولفريد جنكس Wilfred Jenks 1970-1973.
- الفرنسي فرانسيس بلانشار Francis Blanchard 1974-1989.
- البلجيكي ميشيل هانسن Michel Hansenne 1989-1999.
- التشيلي خوان سومافيا Juan Somavia 1999-2012.
- الإنكليزي غاي رايدر Guy Ryder 2012 لتاريخه (2019).
[6]-يقوم مندوبو أصحاب العمل والعمال في المؤتمر، على التوالي، بانتخاب الأشخاص الذين يمثلون أصحاب العمل والعمال. ويَنتخب مجلس الإدارة من بين أعضائه، من وقت لآخر، رئيسًا ونائبَي رئيس؛ على أن يكون واحدًا حكوميًا، وواحدًا من العمال وآخر من أصحاب العمل.
[7]-Nicolas Valticos, L'OIT: vue rétrospective et perspectives d'avenir, Revue Internationale du Travail, volume
.135, 1996, numéro 3-4, page 522
[8]-Christophe Bezou, la déclaration de l’OIT relative aux principes et droits fondamentaux au travail, CEIM,
.Montréal, 2002, page 8. www. unites.uqam.ca/gric
[9]-إنّها الاتفاقيات التي لم تصنّف بالأساسية ولا بالمهمة.
[10]-هذه العلامة (*) للدلالة على الاتفاقيات المبرمة من قبل الدولة اللبنانية.
[11]-مع الإشارة إلى أنّ مندوب الدولة اللبنانية في حينه وافق عليها في مؤتمر العمل الدولي.
غسان صليبي، في الاتحاد كوة، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة فريديريش أيبرت، بيروت، 1999، صفحة 20.
[12]-هذه العلامة (*) للدلالة على الاتفاقيات المبرمة من قبل الدولة اللبنانية.
[13]-يُعدّ إعلان فيلادلفيا في العام 1944 الإعلان الأول، يليه إعلان سياسة الفصل العنصري في العام 1964 والذي أُلغي في العام 1995 بعد بلوغ هدفه.
[14]-استنادًا إلى دستور المنظمة، يتمثل موجب الدول غير المصدّقة على الاتفاقية، وفق المادة 19/5/هـ منه، بإبلاغ المدير العام لمكتب العمل الدولي بموقفها القانوني والعملي إزاء المسائل التي تعالجها الاتفاقية، مع عرض المدى الذي تمّ بلوغه أو يُعتزم بلوغه، من إنفاذ أي من أحكام الاتفاقية عن طريق التشريع أو الإجراءات الإدارية أو الاتفاقات الجماعية، أو أي طريق آخر، وبيان الصعوبات التي تمنع أو تؤخّر التصديق على الاتفاقية المذكورة. أما فيما يتعلق بموجب الدول المصدّقة على الاتفاقية، فيتمثل بتقديم تقرير سنوي إلى مكتب العمل الدولي، عن التدابير التي اتّخذتها من أجل إنفاذ أحكام الاتفاقيات التي تكون طرفًا فيها، حسب أحكام المادة 22 من الدستور.
[15]-Nathalie McSween, L’Organisation internationale du travail, l’économie sociale et la mondialisation: L’OIT, une «alliée de choix» de la mouvance altermondialiste?, sous la direction de Louis Favreau, Série Comparaisons
.internationales, nº 9, Mai 2004, page 8
[16]-منذ نشأتها، أخذت منظمة العمل الدولية بمبدأ الثلاثية بهذا الشكل، على الرغم من معارضة سامويل غومبزSamuel Gompers وليو جوهو Léo Jouhaux التمثيل الحكومي المزدوج نظرًا لعدم مساواته.
Nadjib Souamaa, Les origines de l’OIT (1890-1950) : Elaboration et premières expérimentation d’un modèle
d’ «Europe sociale», revue de l’IRES, numéro 87, 2015/5, pages 81.
[17]-على الرغم من أهمية الأمر، إلا أنّ دستور المنظمة قد أشار إلى حق الاستئناف أمام محكمة العدل الدولية والتي لا تقبل إلا ادعاء الدول، بإطار اختصاصها القضائي.
[18]-لقد صدر عن مؤتمر منظمة العمل الدولية قرار، يتعلّق بتشجيع المشاركة الثلاثية في أنشطة منظمة العمل، في دورته 56 للعام 1971. وقد وجّه مجلس الإدارة، في دورته 183 تموز 1971، توصية إلى الحكومات يدعوهم فيها إلى استشارة أكثر منظمات أصحاب العمل والعمال تمثيلًا قبل إنهاء الردود على استبيانات منظمة العمل الدولية.
[19]-تنص المادة 39 فقرة 3 من النظام الأساسي لمؤتمر العمل الدولي، على وجوب إرسال هذا التقرير إلى الحكومات قبل 4 أشهر من موعد افتتاح دورة المؤتمر.
[20]-منعًا لحرمان منظمات العمال من حقهم في تقديم الاقتراحات، يكون من المستحسن أن تقوم المنظمات النقابية الدولية بتنسيق جهودها مع المنظمات المنتمية إليها للاستعداد للمؤتمر. ويكون عليها أن تدرس الأمر بعنايةٍ لكي تكون قادرة على مناقشتها وأن يعملوا بنشاطٍ في اللجان التقنية للمؤتمر لأنّه المكان الذي تُصاغ فيه معايير العمل الدولية.
[21]-حسب المادة 19 من دستور منظمة العمل الدولية.
[22]-حسب المادة 22 من دستور المنظمة. ويطلب هذا التقرير بخصوص الحرية النقابية كل سنتين.
[23]-Béatrice Maurer, Essai de définition théologique et philosophique de la dignité humaine, in Les droits fondamentaux, Actes des l ères journées scientifiques du Réseau Droits fondamentaux de l'AUPELF-UREF
.tenues à Tunis du 9 au 12 octobre 1996, Bruylant, Bruxelles 1996, page 2
[24]-Marie-Ange Moreau, Quelques observations sur les évolutions juridiques, Revue internationale de droit
.économique, tome XVI, 2002/2, page 396
[25]-بإيجازٍ، يتناول الهدف 8 ما يلي؛ الحفاظ على النمو الاقتصادي الفردي؛ تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية الاقتصادية؛ تعزيز السياسات التي تدعم الأعمال الصغيرة وفرص العمل اللائق؛ تحسين الكفاءة في استخدام الموارد العالمية في مجال الاستهلاك والإنتاج؛ تحقيق العمالة الكاملة والمنتجة وتوفير العمل اللائق للجميع؛ الحد بدرجةٍ كبيرة من نسبة الشباب غير الملتحقين بالعمالة أو التعليم أو التدريب؛ اتخاذ التدابير الفورية والفعالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والإتجار.
[26]-Nicolas Valticos, Droit international du travail, tome 8, 2ème édition, Dalloz, 1982, page 109
[27]-Caroline Werkoff, un livre d’Alain Supiot, L’esprit de Philadelphie. La justice sociale face au marché total
http://www.cadres-plus.net/bdd_fichiers/a_supiot_philadelphie.pdf
[28]-لذلك، على الدول، في إطار التزاماتها، وعلى المنظمة وفق ولايتها الدستورية، أن تقوم سياساتها على الأهداف الاستراتيجية الأربعة، والتي من خلالها يتجلّى برنامج العمل اللائق، وهي:
1- تعزيز العمالة من خلال خلق بيئة مؤسسة واقتصادية مستدامة، تمكّن الأفراد من تعزيز قدراتهم وتنميتها، وتمكّن المنشآت من تحقيق أهدافها بالتنمية، وتؤمّن مستوى معيشيًا لائقًا، وتُحقّق تقدمًا اجتماعيًا.
2- وضع تدابير الحماية الاجتماعية التي تتضمن الضمان الاجتماعي وتعزيزها، وحماية اليد العاملة. فعلى الضمان الاجتماعي أن يشمل الجميع، وأن يوسّع مضمون الحقوق التي يغطيها. وعلى الحماية أن تشمل ظروف عمل صحية وآمنة، وسياسات أجور عادلة، وساعات عمل محددة.
3- تعزيز الحوار الاجتماعي، والهيكلية الثلاثية كأنسب وسيلتَيْن لتكييف الأهداف، مع احتياجات كل بلد وظروفه الاقتصادية والاجتماعية، من جهة أولى؛ وكترجمة التنمية الاقتصادية إلى تقدّم اجتماعي والعكس بالعكس، من جهة ثانية؛ وتسهيل بناء توافق الآراء حول السياسات الدولية والوطنية التي تؤثّر في برامج العمالة والعمل اللائق، من جهة ثالثة؛ وإضفاء الفعالية على قانون العمل ومؤسسات العمل وتفعيل دور مفتّشي العمل، من جهة رابعة وأخيرة.
4- احترام وتعزيز الحقوق الأساسية في العمل.
[29]-.Nicolas Valticos, Droit international du travail, tome 8, 2ème édition, Dalloz, 1982, pages 194 et 195
[30]-Bureau international du travail, Les syndicats et l’O.I.T., 2ème édition, Genève, 1990, préface
[31]-Amartya Sen, Travail et droits, Revue internationale du Travail, n° 2, volume 139, 2000, page 138
[32]-Jean-Louis Validire, La clause sociale: un débat inachevé in Les droits fondamentaux au travail: état des lieux et
.perspectives, Education ouvrière 2001/1, Numéro 122, Bureau des activités pour les travailleurs, Genève, page 57
[33]-Isabelle Duplessis, La mollesse et le droit international du travail : mode de régulation privilégié pour société décentralisée, in Gouvernance, droit international et responsabilité sociétale des entreprises, Sous la direction de Jean-Claude Javillier, Organisation internationale du Travail- Institut international d'études
.sociales,Genève, 2007, page 13
[34]-Isabelle Duplessis, La mollesse et le droit international du travail : mode de régulation privilégié pour société
.décentralisée, ibidem, page 14
[35]-Michèle Bonnechère, L’optique du travail décent, le Droit Ouvrier, Doctrine, février, 2007, page 59
[36]-Prosper Weil, Vers une normativité relative en droit international ?, Revue Générale de Droit International
.Public (RGDIP), Janvier, numéro 2, Paris, 1992, page 7
[37]-Alain Sériaux, La notion juridique de patrimoine, Brèves notations civilistes sur le verbe avoir, R.T.D. Civ
.1994, page 804
[38]-http://www.ilo.org/global/about-the-ilo/press-and-media-centre/news/WCMS_108483/lang--fr/index.htm
[39]-Hélène Gaudemet- Tallon, Les sources du droit du travail international, in les sources du droit du travail, sous
.la direction de Bernard Teyssié, Presses Universitaires de France, 1ère édition, 1998, page 58
[40]-Mme Aase Lionaes, Présidente du Comité Nobel, déclara à l’occasion du Prix Nobel de la Paix à l’OIT, le 10 décembre 1969: «Sous la première pierre du bâtiment principal du BIT, à Genève, se trouve un document dans
.lequel il est écrit : "Si vis pacem, cole justitiam" - Si tu veux la paix, cultive la justice
The World Trade Organization celebrates its 100 years
In 2019, the WTO will be celebrating its centennial. The Organization that is based in Geneva was created in 1919 in the frame of the Versailles Treaty based on the belief that a universal and sustainable peace cannot be based but on social justice. The tripartite and unique agency that is part of the United Nations Organization joins representatives of governments, employers and workers with the aim of setting international norms, elaborating policies and establishing programs with the purpose of promoting decent job opportunities for men and women in the world.
International norms of work (mainly conventions and recommendation) are adopted and applied based on the tripartite structure or the International Labor Conference. When these norms are adopted, member states are obliged to refer them to the relevant national authorities. States which ratify conventions are also obliged to enforce their resolutions.
In 1998, the Administrative Council of Labor classified 8 conventions as “fundamental” since they addressed issues considered as principles and essential laws such as Trade Union Freedom, Forced Labor, minimum age of employment as well as equal opportunity and treatment. These conventions were equally covered by the relative declaration of fundamental principles and laws related to work.
In the frame of securing a sustainable world peace, social justice remains a primary principle ruling over the work of the WTO and continues to be an objective to accomplish, not to mention the Decent Work program.
The Decent Work Program revolves around four strategic objectives; promoting the right to work, jobs creation, social protection and social dialogue. In the frame of its mission, the WTO aims to provide productive work offers, and decent work which are two vital factors leading to fair globalization to reduce poverty.
Many challenges still lie ahead nowadays, many of which remain to be discovered, be it the fundamental work laws and principle, the social dialogue based on trade union freedoms and joint negotiations, the repercussions of economic crises and the issue of sustainable development.
This centennial is thus an occasion to reaffirm the importance of the WTO and the action of social partners.
L’Organisation Internationale du Travail fête ses 100 ans
En cette année 2019, l’OIT fête son centenaire. Basée à Genève, l’OIT est fondée, en 1919, sous l’égide du Traité de Versailles, sur la conviction que la paix universelle et durable ne peut être fondée que sur la base de la justice sociale. Unique agence tripartite de l’Organisation des Nations Unies, l’OIT réunit des représentants des gouvernements, employeurs et travailleurs pour établir des normes internationales, élaborer des politiques, et concevoir des programmes visant à promouvoir le travail décent pour tous les hommes et les femmes dans le monde.
Concernant les normes internationales du travail (principalement les conventions et les recommandations), elles sont adoptées et leur application est contrôlée par le biais d’une structure tripartite, la Conférence internationale du Travail. Lors de son adoption, les Etats membres doivent les soumettre à l’autorité nationale compétente. Les pays ayant ratifiées une convention sont obligés de l’appliquer en droit et en pratique et de faire rapport sur son application.
En 1998, le Conseil d’administration du Travail a qualifié de «fondamentales» huit conventions qui traitent des questions considérées comme des principes et droits fondamentaux au travail, telles que la liberté syndicale, le travail forcé, l’âge minimum au travail, et l’égalité des chances et du traitement. Ces conventions sont également couvertes par la déclaration relative aux principes et droits fondamentaux au travail
Au titre d’assurer la paix mondiale et durable, la justice sociale reste au cœur du travail de l’Organisation, et demeure un objectif à atteindre, sans oublier le programme du travail décent. Le travail décent reformule autour de quatre objectifs stratégiques; la promotion des droits au travail, la création de l’emploi, la protection sociale, et le dialogue social. Dans le cadre de sa mission, l’OIT vise à assurer l’emploi productif et le travail décent qui sont des facteurs clés pour parvenir à une mondialisation équitable pour réduire la pauvreté
De nombreux défis se posent encore aujourd’hui et beaucoup d’entre eux restent à relever, que ce soit en matière des principes et droits fondamentaux au travail, du dialogue social fondé sur la liberté syndicale et la négociation collective, des conséquences des crises économiques, et du problème du développement durable.
Le centenaire est donc une occasion de réaffirmer l'importance de l'OIT et l'action des partenaires sociaux. Pour cela, l’OIT a formé la commission mondiale sur l’avenir du travail. Cet objectif lui permet de comprendre et répondre, efficacement, aux défis que constituent les évolutions technologiques et autres pour le mandat de l’OIT en faveur de la justice sociale.
L'OIT a été partie prenante de l'histoire d'un siècle chargé de problèmes et de défis, encore aujourd'hui, son rôle et sa pertinence sont plus que jamais prépondérants. Et pour que son action soit pertinente, il faut veiller à ce qu'elle reste à l'abri des intérêts du capital privé.