- En
- Fr
- عربي
رحيل
أخلف موعده مع الأول من آب
للسنة الأولى يتخلّف الكوميدي الشعبي الفنان محمود مبسوط عن إحياء الحفلات لمناسبة عيد الجيش، وهو الذي يحملُ حب الوطن والجيش في قلبه ووجدانه. تغيّب «فهمان» هذه المرة، فالموت خطفه وهو على خشبة المسرح.
رحيله خسارة كبيرة للفن اللبناني، وخصوصًا الكوميديا الشعبية التي كان واحدًا من أبرز نجومها.
سطور تروي البداية والغياب
غيَّبَ الموت في 25 تموز الفائت الممثل الشعبي اللبناني محمود مبسوط المعروف بشخصية «فهمان»، عن عمر يناهز الـ70 عامًا، بعدما هوى على خشبة المسرح، مسدلاً الستارة على مسيرة فنية كان خلالها أحد رموز الكوميديا الشعبية اللبنانية.
وكان توفيَّ مبسوط خلال تقديمه مسرحية عرضت ضمن معرض التراث البلدي والقروي في بلدة كفرصير- النبطية (جنوب لبنان)، الذي نظمته البلدية بالتعاون مع الأندية والجمعيات في البلدة، وبالتنسيق مع مركز كامل يوسف جابر الثقافي والاجتماعي.
«الحياة مزحة وفرصةً للابتهاج من دون تكلفة»، هكذا اختصر «فهمان» الحياة، التي ملأها بالضحك والفرح.
ولد الفنان محمود مبسوط المعروف بـ «فهمان» في طرابلس العام 1941.
انتسب إلى «ثانوية الحدادين» في طرابلس، ولكنه لم يكن يرغب في التحصيل العلمي، وكان يخبر دائمًا قصة رسوبه في الصف الأول ابتدائي لستّ مرات، وكيف أرسل مدير الثانوية بطلب والده, عندما كان في سنّ الثانية عشرة, راجياً منه أن يسلّم بالأمر الواقع «لأن الولد مش خرج علم».
يوم عرف والده أنه ألّف مع أصدقائه في «كشاف الجراح»، فرقة «درابزين آغا» التي تقدم «السكتشات»، عاقبه، ولم يشفع به يومذاك أن فرقته لاقت رواجًا، جعلها تصبح الفرقة التي تستعين بها «مدرسة الفرير» في طرابلس خلال مهرجاناتها.
وأصبح الوالد يقفل عليه باب الغرفة مانعًا إيّاه من الخروج لأنّ «الفن حرام» في نظره، وهكذا لم يبقََ للشاب المشاغب سوى الهرب، عبر حبل ربطه إلى الشرفة.
حين أتمّ السادسة عشرة، أرسله والده إلى أفريقيا حيث يعمل أخواه في الخياطة. عمل معهما نهارًا، لكن الليل كان فسحة لهوايته لعبة الطرنيب.
السمراني، «زعيم» الجالية العربية في غانا دعمه، فألّـف مع مجمـوعة من الهـواة فـرقـة فنـية كانت تعرض المسرحيات في بيوت اللبنانيين.
وعاد محمود لينال نصيبه من الضرب، هذه المرة على يد أخويه. سجناه في المنزل، لكنّ «الزعيم» تدخّل وطلب منهما، ألا يعترضا طريق الفنان الصاعد. لم يبقَ أمام الأخوين، إلا أن يعيدا هذه «المصيبة» من حيث أتت، إلى لبنان.
بداية طريق النجومية
أواخر الخمسينيات، تمّ افتتاح «القناة 7» (شركة التلفزيون اللبنانية)، وكان إبن مدينته «أبو سليم» (صلاح تيزاني)، قد بدأ يقدم مع فرقته برنامجًا على الأثير. أما «القناة 11» (شركة تلفزيون لبنان والمشرق) فكانت تستعدّ لبدء البث. وتمّ دمج المحطتين لاحقًا، كما هو معروف، لتشكلا معًا «تلفزيون لبنان».
قدّم محمود مبسوط نفسه لأحد مؤسسي المحطة الفتية، عصام حموي، فقبله فورًا، وكان العصر الذهبي للتلفزيون قد بدأ لتوّه. والتحق محمود مبسوط بالرعيل المؤسـس، إلى جانب شوشو ومحمد شامل والياس رزق وأنطوان ريمي وجان كلود بولس وعزّ الدين صبح، وكثيرين غيرهم من ممثلين ومخرجين ومنتجين وإداريين صنعوا مجد التلفزيون اللبناني في سنواته الذهبية.
العام 1962، انتقل من «القناة 11» إلى «القناة 7»، بناءً على رغبة مديرَي المحطّة اللذين توقّعا لهذا النجم الكوميدي مزيدًا من النجاح، إذا انضمّ إلى فرقة «أبو سليم الطبل». والعام نفسه ولدت شخصيّة «فهمان» التي لازمته طوال حياته.
بدأ العمل مع الفرقة الشهيرة التي اقترن بها نجاحه، على مسلسل يتغير موضوعه وعنوانه كل 13 حلقة: «شي ما بيتصدق»، «سوا سوا»، «الأبواب السبعة»، «اضحك مع التلفزيون» و«اسأل عن المرأة».
وكان الأداء يرتكز على الارتجال، أبو سليم يضع الخطوط العريضة، أما الممثلون، فيتولون مهمّة نحت شخصياتهم، وتضخيم عيوبها كالبخل (شكري) والحماقة (أسعد) والاحتيال (فهمان) إلى جانب تطوير الحبكة الطريفة. أسلوب ساهم بنحو أساسي في شهرة هؤلاء الممثلين لدى أجيال متلاحقة، بكنيتهم لا بأسمائهم الحقيقية. والمعروف عن فهمان أنه لا يحفظ أدواره، بل يرتجل على الخشبة وأمام الكاميرا.
إرتبط اسم الراحل باسم زميله صلاح تيزاني وآخَرين، في مسلسل «أبو سليم الطبل» الاجتماعي الفكاهي الذي كان يعرضه «تلفزيون لبنان» الرسمي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وطبع ذاكرة جيل تلك المرحلة.
رحلة الأعمال
إلى جانب عمله في تلفزيون لبنان، ضمن فرقة أبو سليم، عمل فهمان مع الأخوين الرحابني في مسلسل «من يوم ليوم» (1972) بطولة هدى، ومثل في فيلمي «سفربرلك» (1967) و«بنت الحارس (1971).
بلغ عدد المسرحيّات التي قدّمها الـ25، معظمها مع فرقة « أبو سليم».
خاض «فهمان» أيضًا بعض التجارب مع فرق أخرى مثل «عيلة أبو المجد» مع محمد شامل، كما مثّل في 33 فيلمًا، تحت إدارة بعض المخرجين مثل محمد سلمان، وسمير الغصيني، وبركات، وصولاً إلى عاطف الطيب، وزياد الدويري، وهاني طمبا، وفيليب عرقتنجي، وسمير حبشي، وبرهان علوية وغيرهم.
العام٢٠٠١، لمّ فهمان شمل الزملاء القدامى، وأسّس فرقة «طقّش فقّش» التي تحيي الحفلات والمهرجانات والأعراس، مع شكري، وزغلول، وعلا عيد (وردة)، وفاتن طويل (سعدية).
كان «فهمان» يفضّل الخشبة على الاستديو، وهو الذي صنعت مجدَه الشاشة الصغيرة، وكان يعتبر من أعمدة العصر الذهبي لـتلفزيون لبنان «لأن الممثل على المسرح يكون على تماس مباشر مع الجمهور، أما في التلفزيون فالمشهد الرائع قد لا يعجب المخرج بسبب عيب تقني فيجبرك على أن تعيده»، إلا انّ لليالي تلفزيون لبنان في ذاكرته موقعاً خاصاً.
«غياب فهمان خسارة لا تعوّض للفن وللبنان. كان فنانًا كبيرًا، وأستاذًا، يمكن أن يأتي مثله، إنما لن يأتي أفضل منه». بهذه الكلمات عبّر صلاح تيزاني عن حزنه لخسارة رفيق الدرب. برحيله خسر الفن ركنًا من أركانه وعمودًا من أعمدة الفن اللبناني والعربي.