- En
- Fr
- عربي
من أجل حمائية جديدة في خدمة التنمية العربية
مقدمة
يعالج النص موضوع حرية التبادل والحمائية كمدخلين للتنمية. هل كانت الحمائية على تلك الدرجة من السوء التي دأبت المقاربة النيو-ليبرالية على تصويرها عليها؟ وهل حرية التبادل المطروحة منذ ثلاثة عقود كحل لمسألة التنمية تمتلك صدقية كافية في هذا المجال؟ ألا ينبغي طرح مسألة الحمائية مجددًا على بساط البحث كسبيل لتحقيق التنمية بوجه عام، والعربية منها بوجه خاص؟ وما الإجراءات الملموسة التي يمكن اقتراحها في هذا الاطار؟
يستعرض الجزء الأول من النص تجربة الحمائية، أو استبدال الواردات (Import Substitution) أو التصنيع باستبدال الواردات، التي سادت في العالم الثالث على مدى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، من خلال ابراز عناوينها الرئيسة، ومقارنة هذه العناوين بما اقترحته النماذج البديلة في التنمية. ويسمح هذا العرض بالتحقق من مكامن الضعف والفشل في هذه التجربة. ويفسح المجال لإعادة طرح مسألة الحمائية كاستراتيجية للتنمية في بلادنا على بساط البحث، بدلاً من الاستمرار بمجاراة الجو العام السائد منذ ثلاثة عقود، الذي يضغط من دون توقف من أجل مزيد من تحرير المبادلات. ويستعرض الجزء الثاني منه تجربة استبدال الواردات العربية والمدى الذي بلغه تحرير التبادل فيها بعد ذلك التاريخ وإلى اليوم. ويقترح الجزء الثالث، اعتماد الحمائية كمقاربة عملية في ميدان التنمية، من خلال استخدام ادوات السياسة التجارية، وخصوصًا الرسوم الجمركية، لحماية الصناعات الناشئة وتحقيق التنمية.
أولاً: تجربة "استبدال الواردات"
1– تعريف "استبدال الواردات"
درجت الأدبيات الاقتصادية على اعتماد تعبير "التصنيع باستبدال الواردات" للدلالة على استراتيجية التنمية التي سادت في بلدان العالم الثالث خلال العقود الثلاثة الأولى التي تلت الحرب العالمية الثانية. واستخدم الكاتب هنري بريتون (Bruton) تعبير "استبدال الواردات" للدلالة على التجربة ذاتها[1]. وقد انطلق من تعريف التنمية بوصفها "مراكمة للتعلّم والمعرفة" (Learning and Knowledge Accumulation). والمقصود هنا هو التعلّم التكنولوجي الذي يفضي إلى تحقيق "التصنيع المتأخر". وبالنسبة إلى بريتون، اذا كانت استراتيجية "استبدال الواردات" قد فشلت، فلانها لم تحقق هدف "التعلم" أو "التمرين" (Learning)، وما يسميه في مكان آخر "التعلّم الجماعي" (Collective Learning)، أو الأصح لأنها أوجدت بيئة لا تشجِّع على "التعلّم" أو "التمرين".
يستعيد الكاتب النقاش النظري داخل "اقتصاد التنمية" الذي سوّغ استراتيجية استبدال الواردات والوقائع التي ميّزت وضعها موضع التطبيق والعمل بها. أي إنه قرأ التجربة بالاستناد إلى إسهامات الاقتصاديين الكبار الذين ساهموا في صوغها ومتابعتها، وليس من خلال المنظور النيو-كلاسيكي وحده، والمنظور النيو-ليبرالي الذي ساد منذ ثلاثة عقود. وتظهر هذه القراءة شدة ارتباط الاستراتيجية المنفذة بعناصر النقاش النظري الذي ساد في أوساط اقتصاديي التنمية على مدى الحقبة المذكورة. ولعل في ذلك ما يُشعر الاقتصاديين بأن اسهاماتهم ليست مجرد حبر على ورق.
تظهر هذه القراءة الأسس التي استندت إليها التجربة الممثلة في:
- عدم الثقة بقدرة السوق على تحقيق التنمية، والتعويل على الدولة بديلاً عن القطاع الخاص في هذا المجال
- اعتبار التنمية مسألة تكوين رأس المال المادي
- نقل التجربة الغربية في عملية التصنيع المعتمدة، أي اعتبار أن الإنتاج في العالم الثالث ينبغي ان يكون مطابقًا في تقنياته ومخرجاته لما تحققه الصناعة في البلدان الغربية. وتظهر هذه القراءة أيضًا العناصر التي ميَّزتها خلال عملية وضعها موضع التنفيذ، وهي التخطيط الاقتصادي واعتماد الرسوم الجمركية والعوائق الكمية لاعاقة التبادل الدولي وحماية الإنتاج المحلي، واعتماد اسعار صرف مرتفعة للعملة الوطنية، تمارس دور المحفّز للاستثمار القائم على استيراد السلع التجهيزية أو الترسملية، لإنتاج السلع المحلية.
ويمكن تقديم قراءة نقدية لتجربة استبدال الواردات من خلال مقارنة العناصر التي تضمَّنتها مع البدائل عنها التي اعتمدت في العقود اللاحقة، أي البديل النيو-ليبرالي والبديل الممثل بتجربة الدولة التنموية الآسيوية. ويمكن إجراء العرض المقارن للتجارب الثلاث بالاستناد إلى ثلاثة محاور: أولها، المفاضلة بين الدولة والسوق في تحقيق التنمية كما تكشّفت عنها هذه التجارب، وثانيها موقف هذه المقاربات الثلاث من مسألة إلتواءات الأسعار، وثالثها مسألة إنتاج السلع الترسملية الذي افتقدته تجربة استبدال الواردات.
ويربط الكل بين انطلاق هذه الاستراتيجية وتعممها، ومساهمة راوول بريبيش[2](Prebisch) التي نشرت العام 1949، وعارض فيها النظرية الليبرالية للتجارة الدولية القائلة إن المنفعة المتحصلة من هذه التجارة يفيد منها كل المتبادلين حكمًا. وكان أهم ما في هذه القراءة أنها اعتبرت أن ثمة تقسيمًا للعمل الدولي يفرض على البلدان النامية التخصص في السلع المنجمية والزراعية وتصديرها إلى الأسواق الدولية من دون أن يتاح لها أن تتحكم في أسعار هذه السلع، أو تستفيد من تحسن الإنتاجية لديها. ويقدم بريبيش الحجة الرئيسة لرفض هذا التقسيم المتمثلة في واقع تدهور حدود التبادل للسلع التي تنتجها البلدان النامية. ولم يرَ بريبيش مخرجًا من تقسيم العمل الدولي هذا سوى الانكفاء إلى السوق المحلية والتصنيع كبديل عن الاستيراد.
كذلك، بدت كتابات ماهالانوبيس (Mahalanobis) في الهند، أساسًا اعتمدته التجربة الهندية وغيرها في ميدان التخطيط الاقتصادي الناجح. وكان أهم ما في هذا النموذج، تشديده على ضرورة رصد جزء من الموارد الوطنية لإنتاج سلع ترسملية. وأسهمت كتابات ارتير لويس (Lewis) في جعل الكل ينظرون إلى التنمية كعملية استبدال للقطاع التقليدي بقطاع رأسمالي حديث، ينسج في ما ينتجه على منوال الصناعات الغربية. وأتاحت إسهامات هارود (Harrod) النظر إلى نمو رأس المال المادي كأساس لنمو الناتج الاجمالي، وكتعبير عن هذا النمو. وقد نسج جميع من أتوا بعد هارود على هذا المنوال، ورأوا أن تكوين رأس المال المادي هو هدف استراتيجية التنمية.
2- عرض لتجربة استبدال الواردات بالمقارنة مع البدائل التي قدمت لها
أ- الدولة محل السوق
أحد أهم عناصر تجربة استبدال الواردات وفق القراءة التي قدمَّها بريتون لها، عدم الوثوق بآليات السوق لتحقيق التنمية، والتعويل على تدخُّل الدولة لتحقيق هذا الهدف. حلَّت الدولة في هذا النموذج محل القطاع الخاص. واختلفت الأمور بين تجربة وأخرى في ما يخص الموقف الحكومي السلبي من القطاع الخاص ودوره في التنمية[3]. يشير بريتون إلى أهمية النموذج السوفياتي والنجاحات التي حقَّقها هذا البلد في نظر متخذي القرار في البلدان النامية. وهو يرى أن هذا النموذج استفاد من جهل الناس آنذاك بحقيقة تلك التجربة. وقد وجد هذا النموذج تعبيرًا عنه في كتابات الاقتصاديين النيو-ماركسيين، وأهمها إسهامات بول باران (Baran). ويشير بريتون إلى أهمية التخطيط في التجربة ككل، ولو أن ادواته كانت بدائية في المرحلة الأولى. ويؤكد أن البلدان التي طبقت نموذج ماهالانوبيس في التخطيط كانت الأنجح على صعيد الانجازات المحققة. ويرى أن المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، كانت هي الأخرى ترى في التخطيط أداة ضرورية للتنمية. وهو ما عبرت عنه على وجه الخصوص نماذج شينيري (Chenery) في البرمجة الاقتصادية، التي اهتمت بتعيين حاجات البلدان النامية من العملات الصعبة على شكل مساعدات دولية. وقد دأبت المؤسسات الدولية أو الاقليمية التابعة للأمم المتحدة آنذاك على إصدار منشورات لتحسين ممارسة التخطيط وتطويرها لدى البلدان النامية.
وكان ثمة عامل أهم من النموذج السوفياتي في دعم فكرة التخطيط، ألا وهو موقف كينز (Keynes) في الأساس، المشكِّك بقدرة الاستثمار الخاص على إيجاد فرص عمل كافية تؤمن الاستخدام الكامل للقوى العاملة. وقد تلقَّف هذا الموقف اقتصاديو التنمية الأوائل وانطلقوا منه لتسويغ تدخل الدولة في التنمية. وكان ثمة اجماع لدى هؤلاء الاقتصاديين من روزنستاين-رودان إلى نوركسه إلى هيرشمان وميردال وليبنشتاين وغيرهم على ضرورة أن تتدخَّل الدولة لتوفير شروط تحقق النمو والتنمية. وقتذاك، كان اقتصاديو التنمية يرون إسهاماتهم والعلم المسمى بـ"اقتصاد التنمية" كـ"رأس الحربة في الهجوم الشامل ضد التخلّف بمختلف مظاهره"، كما يقول هيرشمان[4].
تعاطت المقاربة النيو-ليبرالية مع دور الدولة في التنمية بطريقة مختلفة. وأصبح انسحاب الدولة من الاقتصاد المطلب الأول للقائلين بها.
وحتى الستينيات، كان نقد تدخل الدولة في الاقتصاد الذي تقدمه النظرية النيو-كلاسيكية يقتصر على نقطتين:
الأولى نقد الالتواءات في الأسعار النسبية التي يؤدي إليها هذا التدخل، والثانية سوء تخصيص الموارد المترتب على ذلك. وكانت مساهمات هبرلر (Haberler) وفينر (Viner) وغيرهما في النظرية النيو-كلاسيكية للتجارة الدولية قد أظهرت الكلفة المترتبة على اعتماد رسوم جمركية وعوائق مشابهة تتيح تشجيع إنتاج سلع لا يملك البلد المعني فيها ميزات تنافسية. وهذا ما يتعارض مع حسن تخصيص الموارد، وتنجم عنه كلفة مؤكدة هي كلفة الحمائية. وكان لتدخل الدولة أثر سلبي آخر هو الالتواءات في الأسعار التي تنجم عن إقامة احتكارات حكومية، وعن اعتماد أسعار إدارية بدل الأسعار التي تتكوّن نتيجة التقاء العرض والطلب في السوق الحرّة. وكانت المفاضلة تتناول السعر الاحتكاري المرتفع مقارنة بسعر سوق المنافسة الحرة، الأقل ارتفاعًا والأكثر منفعة للمستهلك. وكان العيب الرئيس في الأسعار الإدارية هو أنها تمنع الأسعار من الارتفاع، الأمر الذي يحبط رغبة المنتجين بزيادة العرض. كما كان ثمة نقد لاستراتيجية "التوجه نحو الداخل" (Inward Orientation) لأنها تقصر الطلب على السوق المحلية، وتتسبَّب بخفض القدرة التشغيلية للتجهيزات القائمة.
أما حقبة السبعينيات فأضافت إلى هذا النقد النيو-كلاسيكي التقليدي لتدخل الدولة، مفهوم التفتيش عن الريع (Rent Seeking). وقد بدت الدولة من خلال هذا النقد أداة لمنفعة العاملين فيها ومنفعة المتمتعين بمواقع تسمح لهم بتجيير السياسات الحكومية لخدمة مصالحهم، خصوصًا ما يتعلق بإجازات الاستيراد والاستثمار وغير ذلك. وبات الاستنتاج الذي حاز شهرة واسعة، أن أفضل ما يمكن عمله بالنسبة إلى الدولة، هو تصغير حجمها والأدوار التي تتولاَّها إلى الحد الأدنى (Government Minimizing).
وأضافت حقبة التسعيينيات وما بعدها فكرة إصلاح المؤسسات كمحتوى لسياسات التنمية المقترحة من قبل المؤسسات الدولية، وذلك تحت شعار "الحاكمية الصالحة". واقترحت هذه السياسات استيراد و"لصق" عدد من المؤسسات إلى بنية البلدان النامية، كالبنك المركزي المستقل على سبيل المثال. ولم تكن نتائجها أفضل من سياسات التصحيح الهيكلي التي اعتمدت خلال الثمانينيات.
أما مقاربة الدولة التنموية لدور الدولة في التنمية، فعبرت عنه تجارب بلدان شمال - شرق آسيا، أي تايوان وكوريا بعد اليابان. وعند بيتر إيفانز[5]، أن قراءة شالمرز جونسون للتجربة اليابانية تظهرها كما لو كانت تطبيقًا ذكيًا لأفكار هيرشمان وغرشنكرون. ويعرّف هيرشمان التنمية كعملية "تصنيع متأخر" تفرض تدخل الدولة لتأطير وتنظيم وحفز الجهود والإمكانات الآيلة إلى تحقيقها. ويرى غرشنكرون هذا التدخل ضروريًا استنادًا إلى التجربة التاريخية للبلدان "التي أتت متأخرة إلى التصنيع" وبسبب الحاجة إلى تمويل للتنمية لا يمكن التعويل على طرف آخر غير الدولة لتوفيره.[6] إلا أن التعريف الأوضح لتجربة تدخل الدولة هذه في تحقيق التنمية والخروج من التخلف نجده عند روبرت واد (Wade)، الذي عرّف الدولة التنموية بانها "الدولة القوية المعنية بتحقيق القدرة التنافسية الدولية للاقتصاد الوطني"[7]. وهي قوية بمعنى امتلاكها القدرة الإدارية على صوغ مشروع التنمية ووضعه موضع التنفيذ. وهي اعتمدت كما الدولة في تجربة استبدال الواردات على التخطيط المركزي وإعطاء الحوافز للقطاع الخاص، وتميَّزت عن سائر تجارب بلدان العالم الثالث بأنها جعلت القطاع الخاص محرك التنمية بعد أن كانت قد حدَّدت أهداف هذه الأخيرة، وتمكَّنت من إقناع هذا القطاع، بل وفرضت عليه، السير في مشروعها. وهي أبقت على حافز الربح لدى القطاع الخاص، ووفَّرت له مختلف الحوافز التي جعلته يقدم على الاستثمار.
وهي حققت كل ذلك من خلال إقامة إدارة حكومية تم تنسيبها على قاعدة الكفاية العالية، وتوفير ما يؤهلها لتستقل في قيادتها لمشروع التنمية عن مراكز القوى وجماعات الضغط. أي أنها لم تكن "إدارة بالتعيين" مخترقة من مراكز القوى والضغط، كما في أميركا اللاتينية، ولا هي كانت إدارة حكومية نيو-باتريمونيالية تستجيب في عملها لمصادرة النخب السياسية للموارد العامة من أجل المنفعة الخاصة كما في غالبية بلدان العالم الثالث. وهي جسَّدت بالتالي نموذجًا لا يمكن تصنيفه بأي حال من الأحوال في فئة "رأسمالية الاصحاب" (Crony Capitalism).
ب- مسألة التواءات الاسعار
يشير بريتون في قراءته تجربة استبدال الواردات إلى أن استخدام الرسوم الجمركية والعوائق الكمية لم يتم بشكل مبرمج، وكان يعتمد لحماية الإنتاج المحلي. ويظهر أن اكتشاف مؤشر معدل الحماية الفعلية الذي يأخذ في الاعتبار الرسوم الموضوعة على المدخلات المستوردة، لم يغيّر الشيء الكثير في مستويات الحماية الجمركية المعتمدة. كما يشير إلى اعتماد أسعار الفائدة التفضيلية أو المخفضة لدعم صناعات بعينها، وإلى عدم أخذ الأجر في الاعتبار بما هو عنصر كلفة.
أما السعر الذي كان له الأثر الأكبر على صعيد فعالية هذه الاستراتيجية، فهو سعر صرف العملة. وقد اعتمدت أسعار صرف مرتفعة، بمعنى اعتماد سعر شراء محلي منخفض للعملات الأجنبية، بهدف تشجيع الاستثمار، أي استيراد السلع الترسملية أو التجهيزات لإنتاج سلع محلية استهلاكية أو استهلاكية معمّرة. ويرى بريتون أن الاستمرار باعتماد سعر الصرف المرتفع منع إمكان إنتاج سلع أخرى قابلة للتصدير[8].
وقد عالجت المقاربة النيو-ليبرالية هذه المسألة باعتماد مقاربة موحّدة تقترح جعل الاسعار تعكس كلفة الإنتاج (Getting Relative Prices Right)، إن بالنسبة إلى السلع من خلال إزالة الرسوم الجمركية وغيرها، أو بالنسبة إلى عوامل الإنتاج، من خلال تحرير معدلات الفائدة والأجر[9]. واقترحت دائمًا خفض سعر صرف العملة، انطلاقًا من القناعة الشائعة بأن أسعار صرف عملات البلدان النامية كانت مرتفعة.
أما المقاربة الآسيوية، فقد عبر عنها اعتماد كوريا الجنوبية في منتصف الستينيات مبدأ تحرير سعر الفائدة، والتخلي عن ذلك في مطلع السبعينيات والعودة إلى سياسة الفوائد المدعومة أو ما تسمِّيه المدرسة النيو-كلاسيكية "القمع المالي" (Financial Repression). واعتمدت كوريا من جهة أخرى، مختلف العوائق من فئة الرسوم الجمركية وغيرها لحماية ودعم الصناعات الناشئة لديها. وقد أبقت على سعر صرف للعملة مرتفع نسبيًا، لكنها عوّضت على المصدرين من خلال أشكال مختلفة من دعم الصادرات[10].
وأمكن لأليس أمسدن (Amsden) أن تختصر كل تجربة الدول التنموية الآسيوية في ميدان تشكّل الأسعار، من خلال ما أسمته الأخذ بمبدأ "جعل الأسعار النسبية غير خاضعة لتوازن العرض والطلب في السوق الحرّة"[11] (Getting Relative Prices “Wrong”).
ج- إهمال إنتاج السلع الترسملية (Capital Goods)
كان للحفاظ على سعر صرف قوي، أي سعر منخفض بالعملة الوطنية للعملات الأجنبية (Overvaluation)، دور في خفض فاتورة استيراد السلع الوسيطة التي تستخدم لإنتاج السلع الاستهلاكية والسلع الاستهلاكية المعمرة. وقد منعت أسعار الصرف هذه البلدان النامية من تطوير قطاعات إنتاجية جديدة وفق القاعدة التي وضعها هيرشمان، التي تقترح إنشاء نشاطات إنتاجية يرتبط بعضها ببعض، إلى أعلى وأسفل في السياق الإنتاجي الواحد (Backward and Forward Linkages). فقد جعل سعر الصرف هذا استيراد السلع الترسملية لإنتاج سلع استهلاكية جديدة أقل كلفة وصعوبة من تحفيز نشاطات اقتصادية وطنية تتكامل مع تلك التي باتت قائمة. وأصبح المنتجون يجهدون أنفسهم للحصول على العملات الصعبة لاستيراد هذه السلع، بدل التركيز على تطوير نشاطات وطنية بديلة[12].
وقد وجدت المقاربة النيو-ليبرالية أكثر تطبيقاتها إيلامًا في سياسات التصحيح الهيكلي بواسطة سعر الصرف لحقبة الثمانينيات. فُرِض على ما لا يقل عن 120 دولة نامية ان تُجري خفضًا مريعًا لأسعار صرف عملاتها تحت حجة أن هذا الخفض سيمكنها من التصدير. ولم تستطع الغالبية الساحقة منها أن تصدر شيئًا. وأدى خفض سعر الصرف فيها إلى فرض حالة شد حزام قسرية عليها من خلال خفض قدرتها على الاستيراد، وأسهم في نشوء حالات انكماش كثيرة وطويلة الأمد الأمر الذي برَّر تسمية هذه السياسات بـ"التصحيح الانكماشي".
ومن لا يتذكَّر حاكم المصرف المركزي في لبنان في أواخر النصف الثاني من الثمانينيات وهو يعلن موافقته على الخفض المتلاحق لسعر صرف الليرة، بحجة أن بعثة صندوق النقد الدولي ترى أنها السبيل المؤكد لحفز التصدير، وذلك حين كانت البلاد مقطّعة بالحواجز، والانتقال من حي إلى حي متعذرًا[13].
في المقابل، أتاح تركيز الاقتصاديين النيو-كلاسيكيين على شرط التنافسية، بلورة مؤشر سعر الصرف الفعلي الحقيقي (R.E.E.R) كمؤشر رئيس في رصد تطور تنافسية الاقتصاد الوطني وتتبعه، والإصرار على أن تضع السياسة الاقتصادية في رأس اهتماماتها منع هذا المؤشر من الارتفاع.
أما الدول الآسيوية، فقد كان نجاحها في إنتاج سلع ترسملية وتجهيزات بواسطة "التمرين" أساس نجاحها في تحقيق "تصنيعها المتأخر" وخروجها من التخلف. وقد جعلها "التمرين" قادرة أن تنتج سلعًا مماثلة للسلع التي توفرها الاقتصادات الصناعية الغربية، بجودة مماثلة، وبكلفة أقل. وهي عملت على بناء قاعدة تكنولوجية وطنية أتاحت لها ان تطور بنفسها التقنيات اللازمة لإنتاج السلع الترسملية والتجهيزات، ولم تعوِّل في ذلك على نقل التكنولوجيا من قبل الشركات المتعددة الجنسية.
3- بعض الوقائع في تقييم التجربة
أهم مظاهر فشل هذه التجربة في قراءة بريتون لها:
- ضعف تشغيل التجهيزات القائمة وعدم قدرة القطاعات الإنتاجية على توفير ما يكفي من مواقع العمل الإضافية للقوى العاملة الوطنية. وقد عجزت القطاعات الإنتاجية الجديدة عن استيعاب اليد العاملة الوطنية ما أسهم في استمرار الفقر والعوز في هذه البلدان. ويتساءل بريتون حول مبرر الاستمرار في رفع نسبة رأس المال المادي إلى الناتج، في حين كان ثمة على الدوام استخدام أو تشغيل جزئي للتجهيزات الموجودة.
- الضعف الشديد لعملية نمو الإنتاجية (Productivity) في هذه البلدان. وقد ميّز ضعف الإنتاجية الشديد التجربة بكاملها، وعكَس عجز التجارب المحققة عن إنتاج سلع ترسملية، وعن اكتفائها بتصنيع سلع استهلاكية معمّرة، يصار لاستيراد مستلزماتها من السلع الوسيطة من البلدان الصناعية[14].
ويرى بريتون أن التنمية والتصنيع هي عملية اكتساب وتراكم للكفاية والأهلية لم تتحقق للبلدان النامية. ويستخدم تعبير "التعلّم الجماعي" (Collective Learning) - الذي ينسب اعتماده على نحو أكثر عمومية إلى دوغلاس نورث (North) - لتحديد الشرط الأساس للتنمية. ويلتقي في هذا التوصيف مع اقتصاديي التنمية الآخرين، ومنهم أمسدن[15] التي عرّفت سيرورة "التصنيع المتأخر" بوصفها سيرورة "تعلّم" أو "تمرين" (Learning)، وأن هذا التمرين هو الذي يفضي إلى تحقيق ميزات تنافسية تسمح بالخروج إلى الأسواق الدولية.
وقد سهّل استخدام سعر صرف مريح استيراد السلع الوسيطة، وتجاهل الحاجة إلى بناء قدرة تكنولوجية وطنية لإنتاج السلع الترسملية أو التجهيزات. ولم يكن سعر الصرف القوي سببًا لعدم تحقّق التصنيع، بمقدار ما عَكَسَ رفض "التعلّم"، أي رفض إنتاج سلع ترسملية في هذه البلدان، الأمر الذي أعاق تعميق استراتيجية استبدال الواردات.
أما سياسات التنمية التي استوحت المقاربة النيو-ليبرالية، فقد انطلقت من عدة مسلّمات أثبتت التجربة أنها لم تكن واقعية. أهم هذه المسلمات، أنه يكفي الانفتاح على السوق الدولية، وإزالة التواءات الأسعار، والحد من تدخل الدولة بشكل عام في الاقتصاد، لكي تتدفَّق الرساميل الأجنبية على البلدان المعنية، ويسهم الاستثمار الأجنبي المباشر في نقل التكنولوجيا إلى هذه البلدان، وتتحقَّق التنمية فيها؛ وهذا ما لم يحصل. وهو ما أكدته تجربة العقود الثلاثة المنصرمة.
ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، شرعت المقاربة النيو-ليبرالية في التركيز على ضرورة "التوجه نحو الخارج" واعتماد استراتيجية تصنيع بغاية التصدير. وقدم تقريرا البنك الدولي حول التنمية للعامين 1987 و1993 وقائع كان الهدف منها إظهار أن الدول الأكثر انفتاحًا على السوق الدولية هي الأسرع نموًا. وأصبح همّ المقاربة النيو-ليبرالية التركيز ليس على كلفة الحمائية، وإنما على ضرورة إزالة العوائق أمام التصدير. وأصبح من قبيل تحصيل الحاصل أن على البلدان النامية أن تعمد بأسرع ما يمكن إلى التخلي عن الترسانة الحمائية التي تعتمدها وإزالة العوائق على الواردات لديها. وقد تسبَّب تحرير التجارة الخارجية للعديد من البلدان النامية بانهيار قطاعات إنتاجية بكاملها لديها كانت تعتمد على الحماية الموفرة لها للوقوف على قدميها. ولم تعوّض الاستثمارات الجديدة للقطاع الخاص انهيار هذه القطاعات.
أما الدولة التنموية الآسيوية، فقد حلّت مشكلة نقص تشغيل المنشآت القائمة من خلال تنسيق الاستثمار (Investment Coordination)، أي من خلال الحد من عدد المؤسسات الإنتاجية في قطاع بعينه، ما يجعل المؤسسات الباقية قادرة على العمل بكامل طاقتها وتخفيض كلفة الإنتاج إلى الحد الأقصى، واكتساب التنافسية بهذه الطريقة. أي أنها انطلقت في الأساس من أن المنافسة غير الكاملة واحتكار القلّة (Oligopoly) يمثلان وضعًا أفضل من وضع المنافسة الكاملة لتحقيق التنافسية. وأدت معدلات النمو المرتفعة التي حقَّقتها، وقدرتها على إنتاج سلع ترسملية استخدمتها لإنتاج سلع يمكن الذهاب بها إلى الأسواق الدولية، إلى حل مشكلة البطالة والوصول إلى حالة استخدام كامل للقوى العاملة الوطنية فيها.
وأظهرت تجربتها أن لا التخطيط ولا استخدام أدوات السياسة التجارية ولا اعتماد أسعار صرف مرتفعة استطاعت أن تتسبَّب في إخفاق مشروع التنمية. وما أتاح نجاح هذه التجربة تمثل في القدرة الإدارية الهائلة التي تكشفت عنها الدولة التنموية. وكانت هذه الأخيرة أكثر فعالية في إلزام المؤسسات الإنتاجية رفع مستوى إنتاجيتها واكتساب التنافسية مما تتيحه المنافسة في السوق الحرة. واعتمدت هذه الدولة مقاربة براغماتية في إدارتها لمشروع التنمية، تحتمل الفشل أحيانًا وتقوم على التجريب وتصحيح المسار عند اللزوم. أي أن ما حصل كان سيرورة تعلّم لدى الدولة ايضًا (Government Learning)، من ضمن عملية "التعلّم الجماعي" التي سبقت الاشارة اليها.
ثانيًا: بعض المعطيات حول تجربتي استبدال الواردات وتحرير التبادل العربيتين
ليس المقصود بهذه الفقرة استعادة تجربتي الحماية وتحرير التبادل العربيتين بتفاصيلهما، وإنما إيراد عدد من المعطيات التي تسهّل تقييم التجربتين، والإجابة عن السؤال الأساسي حول دور تحرير التبادل في التنمية العربية وجدوى هذا الخيار.
1- بعض العناصر في تجربة استبدال الواردات العربية
يمكن استعراض التجربة العربية من خلال رصد تطور مختلف الأنشطة الاقتصادية في عدد من البلدان العربية منذ الحرب العالمية الثانية. ويمكن قراءة هذه التجربة بوصفها تجربة استبدال للواردات في مصر وسورية والعراق، تقابلها تجربة اقتصاد سوق أو "اقتصاد خدمات منفتح على الخارج" (Outward Looking Tertiary Economy) في لبنان[16]. وفي الوقائع التي يعرضها روجيه أوين[17] ما يتيح تقديم عرض مقارن لتطور القطاعات الإنتاجية في هذه الاقتصادات على مدى حقبة 1946 - 1990.
وقد تمثّل أول وأهم ركون إلى الدولة في التنمية في مصر وسورية والعراق بتأميم الارض والإصلاح الزراعي الذي بدأ العام 1952 في مصر، والعام 1958 في سورية والعراق. وقد أفادت القوى العاملة الريفية من توزيع الأراضي المصادرة بموجب الإصلاح الزراعي. وتظهر الوقائع أن المساحات المخصَّصة للقطن والحبوب في سورية تضاعفت خلال الحقبة، وانتقلت من 2 إلى 4 مليون هكتار[18]. أما الزراعة في العراق، فقد استفادت من توزيع نحو 10 ملايين دونم أرض على أكثر من ربع مليون مستفيد، ومن إعادة بيع الأراضي المملوكة من الدولة إلى القطاع الخاص وتأجير المتبقي له لاستثماره، الأمر الذي جعل الزراعة بكاملها في العراق منذ نهاية الثمانينيات في عهدة القطاع الخاص[19]. أما في مصر، فقد أتاح الإصلاح الزراعي واستصلاح أراضٍ إضافية على مدى العقود التي تلت العام 1952، تعويض الأراضي الزراعية التي فرض النمو السكاني استخدامها للسكن وغيره. وينتقد أوين التركيز على إقامة البنى التحتية للزراعة وخصوصًا جر المياه للري، وإهمال مسألة التعليم والخدمات الأخرى لأهل الريف، الأمر الذي يتسبَّب برفع نسبة الأمية إلى 50 بالمئة على المستوى الوطني[20].
أما في لبنان، فكانت حصة القطاع الزراعي من القوى العاملة ما تزال تساوي العام 1959، 50 بالمئة منها. وتراجعت هذه الحصة إلى 20 بالمئة منها العام 1970. أي أنها انخفضت بنسبة 30 بالمئة خلال عقد واحد. أما حصة هذا القطاع في الناتج، فكانت تساوي 20 بالمئة منه العام 1948 و12 بالمئة منه العام 1964، وانخفضت إلى 9 بالمئة منه العام 1974 [21]. ويعكس تراجع حصة هذا القطاع في القوى العاملة وفي الدخل الوطني، المآل السيئ للزراعة والريف اللبنانيين على مدى الحقبة.
وقد انسحبت الثقة المطلقة بآليات السوق لتحقيق التنمية التي عبرت عنها التجربة اللبنانية المعاصرة، على دور السوق في القطاع الزراعي. وباسم الاقتصاد الحر، تُرِك المزارعون اللبنانيون سنة بعد سنة وعقدًا بعد عقد، ينتزعون شوكهم بايديهم. وفي حين كان المثقفون لا ينفكون يتغنون بالنموذج، ولا يرون له غير إيجابيات، ويمتدحون قوة العملة وفائض ميزان المدفوعات، كانت الأرياف تفرغ من سكانها، ويهاجر أهلها إلى غير رجعة.
وفي عرض ألبر داغر للأدبيات حول التجربة اللبنانية[22]، والذي تناول إسهامات غالبية من صدرت لهم نصوص حول التجربة حتى العام 1975، لا يتميز سوى اثنان بنقد لدور الدولة فيها، هما روجيه أوين (Owen)[23] وسليم نصر (Nasr)[24]، ويجاريهما إلى حد ما في ذلك يوسف صايغ (Sayigh)[25]. ويتشارك الثلاثة في نقد وقوف الدولة موقف المتفرج أمام التحولات الكبرى التي كانت تشهدها البلاد. ويطغى في ما تبقى من الإسهامات، عدم القدرة على اتخاذ موقف من التجربة، والتأرجح المستمر في النص ذاته بين مواقف إيجابية منها وأخرى مناقضة لها.
أي أن الأدبيات الاقتصادية التي صدرت لم تغنِ النقاش العام حول المسألة، وبقي ميشال شيحا طاغيًا في التقريظ الذي قدمه للنظام الذي نشأ في النصف الثاني من الأربعينيات. وتبدو كتابات شيحا كما لو أنها تنطلق من مسلمة، وهي عدم وجود مزارعين وعدم وجود عالم ريفي ينبغي أخذه في الاعتبار. وبالنسبة إليه، فلبنان هو بيروت وبضعة شوارع وأحياء منها يقطنها مصرفيون وتجار. وتنم مقاربته للأمور على أنه كان غريبًا غربة تامة عن لبنان التاريخي الذي نما كاقتصاد زراعي على مدى مئات السنين. وقد ورث معارفه والمحيطون به تجاهل أهل الريف هؤلاء بل واستغراب وجودهم ذاته[26]. واذا كانت القرى تحوَّلت إلى أماكن مقفرة، فهل نجح الذين تركوها ليعملوا "في الخارج وللخارج"، وفق ما اقترح شيحا؟ وأين نبحث عنهم؟ وكيف نجدهم تحت أسمائهم الجديدة؟
في المقابل، فإن تدخل الدولة في الزراعة، خصوصًا في المراحل الأولى من تجربة استبدال الواردات في البلدان العربية الأخرى وفي بلدان العالم الثالث، من خلال إنشاء البنى التحتية التي تتيح نمو الزراعة، وفرض أسعار إدارية مخفضة للإنتاج الزراعي، واعتماد الزراعات الإجبارية في بعض التجارب، مثّل نوعًا من دعم للاستهلاك بواسطة الأسعار الإدارية، وكان من شأنه حفز نمو ديمغرافي فعلي في البلدان التي اعتمدته. وهذا ما جعل من الدولة الوطنية واقعًا قائمًا وأعطاها عمقًا بشريًا جعل ممكنًا تحويل الكيانات الناشئة إلى كيانات قابلة للحياة.
أما الصناعة، فقد انتظرت الحقبة البترولية، أي النصف الأول من سبعينيات القرن الناضي لكي تتوافر لها موارد مالية ذات شأن، أمكن بها تسريع إقامة قطاعات صناعية على طريقة "مفتاح باليد"، في سورية وفي العراق. وقد نما القطاع الصناعي بقوة في سورية خلال حقبة 1975-1981. وحين تراجعت التدفقات المالية الخارجية خلال الثمانينيات في سورية، لم تتمكن الصناعة من توفير بديل لها، لأنها لم تكن معنية بالتصدير، خصوصًا وأنها بنيت وفق منطق استبدال الواردات، أي للاستفادة من الموارد المحلية ولخدمة حاجات السوق الداخلية. وأظهرت تقارير اليونيدو أنها لا تشذّ عن ما هو مشترك في القطاعات الصناعية لبلدان العالم الثالث التي اعتمدت الحمائية، أي تدني نسبة الانتفاع من الطاقات الإنتاجية القائمة[27] وضعف تنافسيتها التي تتسبَّب بظهور فوائض في الإنتاج لا يمكن تصريفها.
وأتيح للعراق على مدى عقدي السبعينيات والثمانينيات استخدام موارد مالية غير محدودة لبناء قطاع صناعي بطريقة مشابهة لما حصل في سورية. وجرى في نهاية الثمانينيات بيع جزء مهم من القطاع الصناعي المملوك من الدولة إلى القطاع الخاص.
وأقامت الحقبة الناصرية في مصر قطاعًا صناعيًا كبيرًا. وتابع القطاع الصناعي نموه على مدى الحقبة اللاحقة، ولو أن تزايد المداخيل الريعية ابتداء من السبعينيات، كالريع البترولي ومداخيل قناة السويس والسياحة، جعلت حصة الصناعة في الناتج تتراجع. لكن أوين يرى أن ما أفتقدته التجربة المصرية هو تعميق القدرة الصناعية المحلية. ويرى أنها اكتفت بتوسيع الصناعات التجميعية التي تنتج سلعًا استهلاكية معمّرة، وأن عدم إنتاج سلع ترسملية طبع ايضًا حقبة التصنيع الأولى التي تولاها القطاع العام[28].
وشهد القطاع الصناعي اللبناني فورة نمو خلال النصف الأول من السبعينيات، تمثلت في إضافة صناعات تجميعية جديدة يصار إلى تصريف إنتاجها في أسواق الخليج القريبة التي نمت قدرتها الاستيعابية بفضل ارتفاع المداخيل البترولية بعد العام 1973. وانضافت هذه القطاعات الجديدة إلى الصناعات التقليدية القائمة، التي عرف عدد منها نموًا لا بأس به بفضل الحماية الجمركية التي وُفرت لها. وقد كان معدل الحماية الفعلية في ثلاثة قطاعات هي النسيج والمفروشات والصناعات الغذائية يساوي ضعف الحماية الإسمية، ويبلغ نحو 90 بالمئة كحد اقصى في قطاع المفروشات[29] العام 1970.
وقد عرضت هذه الفقرة بعض المعطيات فقط حول تدخّل الدولة في التنمية العربية لتبرير طرح عدد من الاسئلة. وأول هذه الاسئلة، هل كان يمكن في غياب الدولة، ومن خلال استمرار التجارب التي سبقتها، حفز النمو وتحقيق إنجازات على النحو الذي أتاحته الحقبة التدخلية؟ وكيف كانت ستكون صورة هذه البلدان مع استمرار القطاع الخاص باحتكار دور المحرّك للاقتصاد؟
2- بعض العناصر في تجربة تحرير التبادل العربية
يشير بريتون إلى أن تغيير السياسات المعتمدة هو أمر أكثر صعوبة من البدء من الصفر، وذلك بسبب نمو مراكز القوى ذات المصلحة في الإبقاء على الأوضاع القائمة (Vested Interests)[30]. وتتكرَّر لدى أوين في أكثر من موضع، الإشارة إلى قوة المصالح القائمة كعائق أمام الإصلاح[31]؛ وقد أظهرت التجربة العربية محدودية الخصخصة والتحرير الاقتصادي مقارنة بالحقبة السابقة. وحتى العام 1997، كان قد تم خصخصة 80 فقط من أصل 314 مؤسسة عامة سبق عرضها للبيع في مصر. وبلغ عدد المؤسسات المخصخصة في المغرب العام 1998، 52 مؤسسة من أصل 112 عرضت أساسًا للبيع[32]. وبين العامين 1999 و2004، تمت خصخصة 97 مؤسسة إضافية في مصر، كما أدى خفض الرسوم الجمركية في هذا البلد الذي أُجري العام 2004، إلى تراجع المعدل الوسطي لهذه الرسوم إلى 20 بالمئة، بعد أن كان بنسبة 27 بالمئة منذ العام 1997 [33]. ولم تشهد سوى بلدان مجلس التعاون الخليجي عملية تحرير واسعة لمبادلاتها الخارجية.
ولا يجد اصحاب المقاربة النيو-ليبرالية غير اقتراح تسريع عملية تحرير المبادلات، والسير قدمًا في فتح هذه الاقتصادات على الأسواق الدولية كحل للمشاكل التي تعانيها. وعلى سبيل المثال، يرسم تقرير "منظمة التعاون والتنمية الدولية" (.O.E.C.D) حول التنمية العربية العام 2006، صورة قاتمة عن التطور الاقتصادي العربي خلال العقدين الأخيرين، وذلك من خلال إظهار تراجع الحصة العربية في التجارة الدولية من 8 بالمئة من المجموع العام سنة 1981 إلى 2 بالمئة العام 2002، وإظهار تراجع الحصة العربية من الأستثمار الاجنبي المباشر من 2 بالمئة العام 1981 إلى أقل من 1 بالمئة العام 2006، وبلوغ حجم الصادرات العربية خارج البترول 86 مليار دولار العام 2001، أي ما يوازي صادرات الأرجنتين خلال السنة ذاتها[34]. وكل هذا للقول إن الأولوية يجب أن تكون لتهيئة مناخ تشريعي يكون أكثر تحفيزًا للاستثمار الأجنبي المباشر.
ويمكن أخذ بضعة أمثلة إضافية حول تحرير المبادلات من تجربة لبنان لحقبة ما بعد العام 1990. والشائع أن للبنان مواصفات طبيعية تتيح له امتلاك ميزات نسبية أكيدة في ميدان السياحة. ويتطلَّع المرء فيرى مناطق غير قادرة على استقبال السياح لجهة تجهيزاتها، وقطاعًا سياحيًا هو الأضعف بين كل البلدان العربية. ولم توفر الدولة اللبنانية البنى التحتية ولا الخدمات العامة كالكهرباء والماء، ولا هي تدخلت بعد الحرب، التي ترافقت مع تضخم كبير خلال المرحلة الأخيرة منها، لجعله قادرًا على اعتماد أسعار تنافسية واستقطاب السياح. وهل كان يمكن استعادة قطاع سياحي تنافسي من دون تدخل مدروس من قبل الدولة؟
ولم يأخذ لبنان بالمقاربة الليبرالية في ميدان سياسة سعر صرف العملة، منذ العام 1993. وقد عطّل ارتفاع سعر الصرف الفعلي الحقيقي بنسبة 100 بالمئة خلال حقبة التسعينيات أي إمكان لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وأدى الى توقف النمو في لبنان. وجاء ذلك نتيجة تثبيت سعر الصرف الأسمي على مدى الحقبة، واعتبار ذلك هدفًا بحد ذاته للسياسة الاقتصادية. ونمّ هذا الخيار عن استمرار نموذج رأسمالية أصحاب الريوع المالية أو الرأسمالية الريعية، التي اعتقد اللبنانيون أنه يمكن أن تكون موضع مفاخرة واعتداد بها.
وتقدم لبنان منذ العام 1998 بطلب للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. ولم ينجح في الانضمام اليها بعد 11 سنة على بدء المفاوضات بهذا الشأن. وكان قد أجرى عملية خفض واسعة للرسوم الجمركية التي يعتمدها في خريف العام 2000. وطالب المفاوضون داخل المنظمة لبنان بأن يخفض الرسوم الجمركية على المنسوجات إلى 17.5 بالمئة. وتبيَّن لهم أن هذا الأخير سبقهم إلى إجراء خفض على هذه الرسوم بالذات إلى 5 بالمئة[35]. وأظهرت إحصاءات جمعية الصناعيين من جهة أخرى، أن عدد المصانع في هذا القطاع بالذات انخفض من 1293 مصنعًا العام 1999 إلى 150 مصنعًا العام 2009 [36].
وواجه قطاع السيراميك أزمة منافسة حادة في السوق المحلية منذ سنوات، وطالب بالاستفادة من رسم جمركي نوعي. وألغي هذا الرسم العام 2009. وكان جواب وزير الاقتصاد آنذاك للمراجعين بشأن هذا القطاع، أنه لن يقوم بأي عمل قد يثير استياء دولة الإمارات، حتى ولو كان مصير الصناعة كلها في الميزان.
وقد قدَّمت هذه الفقرة بضعة معطيات محدودة حول تحرير التبادل الذي حصل، وهي تبرر طرح الأسئلة التالية : هل أتاح هذا التحرير نموًا يستحق الأخذ في الاعتبار ويستحق الثناء؟ وهل أن استمرار سيرورة التحرير هذه ستتأذى منها على نحو إضافي القطاعات الإنتاجية غير التنافسية؟ وإذا سلَّمنا أن هذه الاقتصادات تنقصها الفعالية والديناميكية والتركيز على "التعلّم"، فبماذا سوف تستفيد من تحرير التبادل الإضافي، غير تدمير ما هو قائم من قطاعات غير تنافسية؟ وما الذي سوف تكسبه غير وهم استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر؟
وإذا كانت المشكلة هي في نقص كفاية الدولة وضرورة إيجاد مناخ من التعلّم الجماعي وتعلّم الدولة، فلماذا لا يصار إلى التركيز على هذا الهدف، والتركيز على العناصر التي تتيح تحقيقه. ولماذا لا نستمر في حماية ما هو قائم من قطاعات إنتاجية، واعتماد سياسة حماية للصناعات الناشئة، تستخدم فيها أدوات السياسة التجارية، وخصوصًا الرسوم الجمركية.
ويعرض النص في ما يأتي مسوغات الحفاظ على الرسوم الجمركية في وجه محاولات إزالتها، وكأداة رئيسة في السياسة الاقتصادية.
ثالثًا: مقاربة عملية لاستخدام أدوات السياسة التجارية في التنمية العربية، أو من أجل حمائية جديدة في خدمة هذه التنمية
1- المقاربة النيو-ليبرالية تقترح مزيدًا من حرية التبادل في مواجهة إخفاقاتها
خففت الأزمة المالية العالمية التي شهدت تفاقمًا إضافيًا لها منذ ايلول/سبتمبر 2008، مرحليًا على الأقل، الحماس لتحرير المبادلات العالمية، أكانت تتناول الميزان التجاري أم ميزان حركة الرساميل. لكن قناعة البلدان الغربية والمؤسسات الدولية بجدوى تحرير المبادلات على المستوى العالمي بقيت هي نفسها، ولم تتبدل. ولم تنل إخفاقات سياسات التنمية ذات الطابع النيو-ليبرالي في تحسين شروط التنمية من قناعة القائلين بها. واستمر هؤلاء يروّجون لها ويعملون بوحيها.
جسّد مؤتمر الدوحة للغات منذ 2001 استمرارًا لسيرورة تحرير المبادلات الخارجية لمختلف بلدان العالم، وخصوصًا النامية منها. لكن المفاوضات بين المشاركين أظهرت عمق المشاكل والخلافات حول أجندة تحرير المبادلات الدولية. وهو ما تبدَّى من جلسات مؤتمر الدوحة بالذات، وفي اللقاءات التي تلت خلال السنوات اللاحقة. وقد أظهرت هذه اللقاءات تصلّب البلدان الصناعية في دفاعها عن أجندة تحرير المبادلات الدولية، ورفضها من جهة ثانية تقديم تنازلات في الميادين التي تعتمد هي نفسها فيها عوائق على التجارة الدولية. وأظهر اللقاء حول آلية فض المنازعات ضمن إطار منظمة التجارة العالمية الذي عقد في حزيران/يونيو 2008 استمرار الاختلاف في وجهات النظر بين البلدان الصناعية والبلدان النامية حول المبادىء التي تحكم عمل هذه المنظمة[37].
واكتست المفاوضات التي بدأت العام 2005، ضمن إطار منظمة التجارة العالمية، وتناولت تحرير تجارة السلع الصناعية (NAMA-Non Agricultural Market Access) خطورة إضافية، انطلاقًا من الهدف الذي وضع لها، ألا وهو إزالة كل الرسوم الجمركية على المبادلات الصناعية ضمن مهلة زمنية قصيرة. وقد جاءت الولايات المتحدة بمشروع يهدف إلى تخفيض كل الرسوم الجمركية بحيث تكون في مستوى 5 بالمئة في العام 2010، وصولاً إلى إزالتها بالكامل خلال السنوات الممتدة حتى 2015 [38].
-2 التركيز على استخدام الرسوم الجمركية
وقد لفت خبراء التنمية الانتباه إلى خطورة تخفيض وإزالة الرسوم الجمركية على السلع الصناعية بالنسبة إلى البلدان النامية، وقدَّموا جملة من البراهين والقرائن لصالح الإبقاء عليها ورفع معدلاتها واعتمادها أداة أساسية في السياسة التجارية وسياسة التنمية للبلدان النامية.
وكان سبق لهؤلاء الخبراء أن اظهروا سيرورة التراجع المستمر لقدرة البلدان النامية على استخدام أدوات السياسة التجارية التقليدية لحماية الصناعة الوطنية، وتقلص "مساحة الاستقلالية" التي أتيحت لبلدان العالم الثالث في السابق لجهة وضع سياسات تنموية خاصة بها (Policy Space) وتنفيذها. وبدت الأمور لهم وكأن تقليص استقلالية البلدان النامية في اعتماد سياسات خاصة بها يعيدها إلى حقبة التقاسم الاستعماري للعالم، حين كانت البلدان المتخلفة خاضعة لحرية التبادل المفروضة قسرًا عليها، ومنخرطة في اتفاقات تجارية غير متكافئة فرضت هي الأخرى فرضًا عليها.
ويمكن اختصار المحاججة لمصلحة مقاربة تقوم على رفض إزالة الرسوم الجمركية ورفع مستويات هذه الرسوم واعتمادها عنصرًا رئيسًا في سياسات التنمية للبلدان النامية تحت بندين:
الأول، أن الحجج التي تقدمها المقاربة النيو-ليبرالية لتبرير إزالتها تنطلق من فرضيات خاطئة على الصعيد النظري.
الثاني، أن الرسوم الجمركية باتت الأداة الأساسية الوحيدة تقريبًا التي يمكن لبلدان العالم الثالث استخدامها من بين مختلف أدوات السياسة التجارية[39].
ويختصر تشانغ الحجج الخاطئة التي تقدمها المقاربة النيوكلاسيكية لتبرير تخفيض وإزالة الرسوم الجمركية إلى ثلاثة: أولها، الافتراض الخاطئ القائل بسهولة تغيير وجهة استخدام الموارد وخصوصًا البشرية منها، التي يتم الاستغناء عنها من قبل المؤسسات التي تفلس بسبب تحرير المبادلات، وافتراض أنه سيصار لاستيعابها فورًا في نشاطات إنتاجية بديلة، وثانيها، الافتراض الخاطئ بأن التكنولوجيا تكون متوافرة للجميع بالشروط ذاتها، وأن استخدامها لا يقتضي المرور بمرحلة "تمرين" لتحسين الإنتاجية، وأن البلدان النامية لا تحتاج إلى فترة انتقالية تستفيد خلالها من الحماية بغية اكتساب التنافسية، وثالثها، الافتراض الخاطئ بأن المنفعة التي تتحقق للمستهلكين من خلال استيراد سلع أقل ثمنًا، تعوّض الكلفة المترتبة على إفلاس القطاعات المعنية[40].
أما بقاء الرسوم الجمركية أداة شبه وحيدة في ميدان حماية الإنتاج الوطني، فيعود إلى منع اعتماد الإجراءين الآخرين المتمثلين في العوائق الكمية والدعم، من قبل منظمة التجارة العالمية. وقد جرى منذ نشوء هذه المنظمة استبدال العوائق الكمية برسوم جمركية ذات أثر موازٍ. وأظهرت الدراسات من جهة اخرى، أن عمل منظمة التجارة العالمية انصب منذ انشائها على تضييق مجالات استخدام الدعم في ميداني الإنتاج والتصدير، بحيث اصبح استخدام هذه الأداة شبه ممنوع على البلدان النامية ومحصورًا في مجالات محدودة للغاية فيها. ويشير تشانغ إلى أن النظرية النيو-كلاسيكية تدين استخدام الرسوم الجمركية، لأن استخدامها يتسبب بالتواءات في الأسعار، وتفضل مقارنة بها الدعم الذي لا يتسبب بالتواءات في الأسعار. لكن هذا التفضيل النظري للدعم لا ينعكس في التطبيق، لأن الدعم كأداة تجارية هو الذي كان الأكثر عرضة لتحريم استخدامه[41].
ولم تنص مقررات مؤتمر الأوروغواي على إزالة الرسوم الجمركية، بل أبقت على استخدامها ضمن شروط محددة. ويفترض استخدامها ليس على شاكلة ما حصل ضمن اطار استبدال الواردات، بل كما اعتمدت ضمن اطار تجربة الدولة التنموية الآسيوية. وفي الحالة الأولى، اعتمدت رسوم جمركية بلغت مستويات قياسية في العديد من البلدان النامية، وأفادت منها الصناعات الناشئة، أكانت حكومية أو خاصة، وجعل طابعها الدائم وغير المشروط المؤسسات الإنتاجية المستفيدة منها تتهاون في حيازة شروط التنافسية. أما في الحالة الثانية، فقد اعتمدت بشكل انتقائي لتأمين شروط حيازة التنافسية لقطاعات بعينها، وكانت مستوياتها تعدّل رفعًا أو خفضًا في ضوء هدف تحقيق التنافسية. ويحدد بريتون من جهته منطق الحمائية المطلوبة بالقول، "إن المسألة الاساسية في السياسة الاقتصادية هي بلورة إجراءات حمائية تؤمن تحقيق "التعلّم" وليس توفير حياة سهلة"[42].
ملاحظات ختامية
تظهر التجربة الآسيوية أن دور الدولة كان أكثر فعالية من المنافسة في السوق الحرة، لجهة إجبار المؤسسات الإنتاجية على حيازة التنافسية. وتظهر تجربة "استبدال الواردات" أن "التعلّم" أو "التمرين" هو ما افتقدته هذه التجربة، وأن هذا الأخير هدف لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توفير الحماية للمؤسسات الإنتاجية.
يصبح تحرير التبادل ضمن هذا الإطار غير ذي طائل، أو إن تحرير التبادل ومزيدًا من التحرير له لا يعود المدخل إلى تحقيق التنمية و"التصنيع المتأخر". بل يصبح طرح الأمور على هذا النحو مريبًا، لأنه يصرف الانتباه عن المسألة ذات الأولوية في التنمية، ألا وهي رفع مستوى كفاية الدولة في إدارة مشروع التنمية (Government Learning). وهذا ما يدعو إليه منظرو نموذج الدولة التنموية الآسيوية.
وهل نجح الخطاب النيو-ليبرالي في شيء أكثر من نجاحه في استهداف الدولة القومية، وإلغاء "مساحة الاستقلالية" لديها التي سبقت الإشارة اليها؟ ألا ينبغي لنخب العالم الثالث أن تطالب باستعادة "مساحة الاستقلالية" هذه، في ما يتعلق بصوغ السياسة الاقتصادية؟ ألم تكن مداخلة بريبيش في الأساس محاولة لاستعادة مساحة استقلالية للبلدان النامية، قبل أن تكون برنامجًا ونموذجًا في السياسة الاقتصادية؟ ألم تكن الدولة التنموية الآسيوية هي الأخرى طريقة لاكتساب الاستقلالية في القرار الاقتصادي؟
[1]- أنظر، Henry Bruton, A Reconsideration of Import Substitution, in Journal of Economic Literature, vol. 35, June 1998, pp. 903-936
وكان بريتون قد كتب تقريره الأول في تقييم هذه التجربة العام 1970.
[2]- أنظر، Raoul Prebisch, The economic development of Latin America and its principal problems, in Economic Bulletin of Latin America, Vol. VII, N. 1, February 1962, first published 1949
[3]- يميز جون واتربري بين هذه التجارب من خلال مفهومي "اشتراكية الدولة" ورأسمالية الدولة". أنظر:
John Waterbury, The Long Gestation and Brief Triumph of Import Substituting Industrialization, in World Development, vol. 27, no. 2, 1999, pp. 323-341
ويلفت هذا النص انتباهنا إلى أن الخيارات الاقتصادية للعديد من البلدان النامية أملتها، بالاضافة إلى خيارات النخب الحاكمة، العلاقات الدولية وموقع كل من هذه الدول بين معسكري الحرب الباردة.
[4]- أنظر، Albert Otto Hirschman, The Rise and Decline of Development Economics, in A. Hirschman, Essays in Trespassing: Economics to Politics and Beyond, Cambridge University Press, 1981, pp. 1-24, p. 23
[5]- أنظر، Peter Evans, The State as problem and solution: predation, embedded autonomy and structural change, in S. Haggard, R. Kaufman (eds.), The Politics of Economic Adjustement, Princeton univ. press, 1992, p. 153
[6]- أنظر، Albert Otto Hirschman, The rise and decline of development economics, p. ...
[7]- أنظر، Robert Wade, The role of government in overcoming market failure: Taïwan, republic of Korea and Japan, in H. Huges (ed.), Achieving Industrialization in Asia, Cambridge univ. press, 1988, p. 161.
[8]- أنظر، Henry Bruton, A Reconsideration…, p. 913
[9]- أنظر، Marie-France l’Hériteau, Le Modèle de politique économique du FMI, in l’Hériteau, Le Fonds Monétaire International et les pays du Tiers Monde, Paris, PUF, 1990, pp. 121-164
[10]- أنظر، Larry Westphal, Industrial Policy in an Export-Propelled Economy: Lessons from South Korea's Experience, in Journal of Economic Perspective, Vol. 4, n. 3, Summer 1990
[11]- أنظر، Alice Amsden, Getting Relative Prices, Wrong: A Summary, in Amsden A., Asia’s Next Giant: South Korea and Late Industrialization, Oxford University Press, 1989, pp. 139-155
[12]- أنظر، Henry Bruton, A Reconsideration…, p. 913
[13]- أنظر، البر داغر، سياسة سعر صرف العملة: التجربة اللبنانية والدور المطلوب من هذه السياسة، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد 42، تشرين الأول 2002، واعيد نشرها في البر داغر، أية سياسة صناعية للبنان: مقاربة مختلفة لدور الدولة في الاقتصاد، المركز اللبناني للدراسات، 197 صفحة، ص. 75 – 125.
[14]- أنظر، Henry Bruton, A Reconsideration…, p. 920
[15]- أنظر، Alice Amsden, Asia’s Industrial Revolution. Late Industrialization on the Rim, in Dissent, Summer, 1993, pp. 324-332
[16]- وفق تعريف كارولين غيتس له. انظر، Carolyn Gates, The Merchant Republic of Lebanon: Rise of an Open Economy, London: centre for Lebanese Studies with I.B. Tauris, 1998
[17]- أنظر، R. Owen, S. Pamuk, Syria, Lebanon, and Irak, in Roger Owen & Sevket Pamuk,
A history of Middle East economies in the twentieth century, London : I.B. Tauris, c1998, pp. 150-175
[18]- المصدر نفسه، ص. 156.
[19]- المصدر نفسه، ص. 167 و 171.
[20]- R. Owen, S. Pamuk, Egypt, in Roger Owen & Sevket Pamuk, A history… p. 142
[21]- أنظر، S. Nasr (1978), The Crisis of Lebanese Capitalism, Merip Reports, December 1978, p. 8
[22]- أنظر، Albert Dagher, L’Etat et l’Economie au Liban: action gouvernementale et finances publiques de l’Indépendance à 1975, Introduction, pp. 15 – 33, CERMOC, Beyrouth, 1995, 222 pages.
[23]- أنظر، R. Owen (1988), The Economic History of Lebanon 1943-1974: its Salient Features, in H. Barakat éd.: Toward a Viable Lebanon, Croom Helm, p. [27-41]
[24]- أنظر، S. Nasr (1978), The Crisis of Lebanese Capitalism...
[25]- أنظر، Y. Sayigh (1978), Lebanon in The Economies of the Arab World: Development Since 1945, Croom Helm, London, p. [281-315]
[26]- كنا اطفالاً تسللنا الى واحدة من مجموعة حافلات أقلت أهل منطقتنا أواخر الستينيات للقاء الرئيس شارل حلو بصفته رئيسًا، ليطرحوا عليه ظلامتهم وأوضاعهم الصعبة كمزارعين ومنتجي تفاح، تتحالف الطبيعة مع التجار ليفقداهم أي أمل بتحسن أوضاعهم ويفقداهم الرغبة بالاستمرار كمنتجين. رفض الرجل مقابلتهم. وعادوا أدراجهم مطأطئي الرؤوس مهانين. وفي حين استمر هو غافلاً عن الأمر طوال سنوات حكمه، امتلأت الطرقات التي شقّت باموال القوانين-البرامج الشهابية، بهؤلاء وعائلاتهم، واتاحت انتقالهم جماعات وافرادًا من الريف الى المدينة، وقسمًا منهم الى المهجر.
[27]- أنظر، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، الصناعة السورية والمستقبل، ورقة عمل للمناقشة في ندوة الصناعة السورية والمستقبل، دمشق، 13Ü14/4/1997، 55 صفحة، ص. 22.
[28]- R. Owen, S. Pamuk, Egypt, p. 140
[29]- أنظر، Girair Achdjian, La notion de protection effective et son application au Liban, in Bulletin Trimestriel de la Banque du Liban,. N. 13, 1982, pp. 4-12, p. 11.
[30]- أنظر، Henry Bruton, A Reconsideration…, p. 920
[31]- أنظر، R. Owen, S. Pamuk, Egypt…, p. 145. أنظر ايضًا، Roger Owen, The Politics of Economic Restructuring, ch. 7 in Owen, State, Power and Politics in the Making of the Modern middle East, third Edition, Routledge, 2004, pp. 113-130, p. 114.
[32]- المصدر نفسه، ص. 117.
[33]- أنظر، Raed Safadi, The legacy of Trade Reforms in the Arab Countries, paper presented at the roundtable: “Partnership for Arab Development: A window of Opportunity”, OFID Pamphlet series 35, OECD, December, 2006, p. 30.
[34]- أنظر، Raed Safadi, The legacy of Trade Reforms in the Arab…, p. 15
[35]- أنظر، رشا ابو زكي، الانضمام إلى WTO يتحول كابوسًا، تحقيق منشور في الاخبار، 28 و 29 و 5/30 و 1 و2009 / 6 / 2
[36]- أنظر، رشا ابو زكي، 1143 مصنع ألبسة اغلقت منذ 1999، الاخبار، 5 / 5 / 2009.
[37]- أنظر، Shafaeddin, Mehdi, The political Economy of WTO with special reference to NAMA Negotiations, paper prepared for presentation at: The Conference on Political Economy of International Organizations, Geneva, January, 2009, 48 pages, in: http: //mpra.ub.uni-muenchen.de/10894/
[38]- أنظر، Ha-Joon Chang, Why Developing Countries Need Tariffs: How WTO NAMA Negociations Could Deny Developing Countries Right to a Future, South Center-Oxfam, November 2005, 113 pages, p. 1.
[39]- المصدر نفسه، ص. 24.
[40]- المصدر نفسه، ص. 27.
[41]- المصدر نفسه، ص. 17.
[42]- أنظر، Henry Bruton, A Reconsideration…, p. 931
Towards a new Strategy of «Import Substitution» to serve the arabic development
The development strategy, called «Import Substitution», was adopted by the majority of developing countries during the post World War II period.
This strategy was subject to criticisms expressed by neo-liberal and neo-classic economists during the last three or four decades.
These criticisms aimed at discrediting this strategy. In criticizing protectionism which is inherent to this strategy, its «internal orientation» and the wrong appropriation of resources, neo-liberal criticism strived to force developing countries to liberalize their exchanges with the rest of the world. The other objective of this criticism was to delegitimize state intervention in economy.
The research we are tackling referred to a number of authors and economists who have understood the experience of «Import Substitution» from inside and outside the neo-liberal prism and the researcher referred mainly to the works of Henry Bruton who defined development as «the learning and knowledge accumulation». On this level, developing countries have failed in their mission and failure manifested itself in the inability of these countries to produce equipment goods and capital goods. Bruton also demonstrated that development is a process of collective learning and government learning. The materialization of this process and the achievement of these objectives necessitate the need to resort to a certain level of protectionism.
The researches leaned on this theoretical reading of the strategy of «import substitution» and on the objectives of development to put forward the Arab experience in the «Import Substitution» as well as the liberation of exchange which followed briefly. Bruton presented facts which justified a protectionist attitude towards the agenda of neo-liberal economy.
In the third and final section, the research suggested the adoption of an Arab commercial policy based on a new protectionist system. Taxes on imports and customs are supposed to play crucial role. The first reason is that these taxes represent a tool of commercial policy which every state could always resort to. The second reason is that these taxes ensure the protection of new industries and provide one of the conditions to achieve the objective of learning new technologies. The third reason is that the use of these taxes gives the State the space that it needs in order to formulate its economic policy which is very necessary to ensure the success of the development project.
Pour une nouvelle stratégie de «Substitution des Importation» au service du développement arabe
Une stratégie de développement, dite de «Substitution des Importations» a été adoptée par la plupart des pays en voie de développement au cours de la période postérieure à la deuxième guerre mondiale. Elle a été l’objet tout au long des trois ou quatre décennies précédentes, de critiques formulées par les économistes néo-classiques et néo-libéraux.
Ces critiques ont visé à discréditer cette stratégie. En critiquant le protectionnisme inhérent à cette stratégie, son «orientation interne», et la mauvaise allocation des ressources dont elle a fait preuve, la critique néo-libérale a cherché à forcer les pays en voie de développement à libéraliser leurs échanges avec le reste du monde. L’autre objectif de cette critique était de délégitimer l’intervention de l’Etat dans l’économie.
Le papier en question s’est référé à des auteurs et économistes qui ont lu l’expérience de «Substitution des Importations» de l’intérieur et en dehors du prisme néo-libéral. Il s’est référé en particulier aux travaux de Henry Bruton, lequel a défini le développement comme une «accumulation d’apprentissage et de connaissance» (Learning and knowledge accumulation). C’est à ce niveau là que les pays en voie de développement ont échoué. L’échec s’est manifesté en particulier dans l’incapacité de ces pays à produire des biens d’équipement ou biens de capital (capital goods). Bruton a également montré que le développement est un processus d’»apprentissage collectif» (collective learning) et d’apprentissage de l’Etat (government learning). La concrétisation de ce processus et la réalisation de ces objectifs suppose le recours à un certain niveau de protectionnisme. Ce qui est en contradiction avec l’orientation néo-libérale cherchant et s’acharnant même à imposer le libre-échange à l’ensemble des pays en voie de développement.
Le papier s’est appuyé sur cette lecture théorique de la stratégie de «Substitution des Importations» et des objectifs du développement, pour présenter l’expérience de «Substitution des Importations» arabe, et celle de libéralisation des échanges qui lui a fait suite, brièvement. Il a présenté des faits qui justifient une attitude très réservée à l’égard de l’agenda économique néo-libéral, comme contenu aux politiques de développement arabe requises.
Dans son troisième et dernier volet, le papier a proposé l’adoption d’une politique commerciale arabe, faite d’un protectionnisme nouveau. Les taxes à l’importation ou tarifs douaniers sont censés y jouer un rôle crucial. La première raison de cela est que ces tarifs sont un outil de politique commerciale auquel il est toujours possible de recourir et qu’il ne faut pas abandonner. La seconde est que ces tarifs assurent la protection des industries naissantes, et assurent une des conditions de réalisation de l’objectif d’apprentissage technologique. La troisième est que l’usage des tarifs restitue à l’Etat «l’espace dont il a besoin pour formuler et mettre en oeuvre la politique économique» (policy space) , sans quoi il ne peut pas assurer le succès du projet de développement.