- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
كانت المعادلة التقليدية للتوصل إلى سلام إسرائيلي مع غالبية الأنظمة العربية تقوم على حلّ القضية الفلسطينية بما يرضى به الفلسطينيون أوّلًا، ومن ثم الذهاب فورًا إلى التطبيع الكامل مع العدو. هذه المعادلة لم تعد قائمة، فالعدو الإسرائيلي يسعى إلى تحقيق السلام والتطبيع أوّلًا، ومن ثم البحث عن تسوية القضية الفلسطينية بما يرضى به هو أوّلًا وأخيرًا.
الهستيريا الاستيطانية
من الواضح أن شرعنة مصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة الغربية بقوانين إسرائيلية، إنما هي امتداد لسياسة الهستيريا الاستيطانية التي تعتمدها حكومة نتنياهو. كما أنّها ترجمة لأولويات تقوم على الاعتقاد بأنّ البيئة الإقليمية والدولية في الوقت الراهن، تشكل ظرفًا مثاليًا لمثل هذا الخيار الذي يتيح فرض الوقائع على الأرض، بهدف دفع الفلسطينيين إلى البحث عن حلول خارج نطاق أرض فلسطين التاريخية. والحقيقة أنّ خلفية تزخيم التوسع الاستيطاني الراهن، لا تقتصر على الأبعاد الإيديولوجية الصهيونية، ولا على الزخم الذي تلقته حكومة العدو بفعل انتخاب الرئيس ترامب، بل هي أيضًا نتيجة التنافس داخل معسكر اليمين نفسه. فرئيس حزب البيت اليهودي، اليميني المتطرف نفتالي بينت، يشدد ضغوطه على نتنياهو، الذي بسبب قلقه على مستقبله السياسي، والملفات القضائية المفتوحة بوجهه، قد يضطر إلى الإستقالة كما حصل مع أولمرت (2009). وفي هذا السياق، يقول خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية: «إنّ لدى إسرائيل برنامجًا واضحًا يقضي بعدم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، والأحزاب الإسرائيلية اليمينية تعتقد أنّ وصول ترامب إلى البيت الأبيض هو بمثابة فرصة تاريخية لتنفيذ هذا المخطط». ويضيف: «البرنامج الإسرائيلي يقضي بضمّ الكتل الاستيطانية الكبرى أولًا في الضفة الغربية، وصولًا إلى ضمّ المنطقة «ج» ومعها القدس الكبرى، وحينها يكون بإمكان الفلسطينيين إدارة حكم ذاتي محدود، في ما تبقى من الأراضي، أي أقل من 40% من مساحة الضفة الغربية». ويؤكد أن: «اليمين الإسرائيلي يعتبر أن فلسطين من البحر إلى النهر هي أرض وقف يهودي، وأنها ليست أراضيَ فلسطينية محتلّة، وإنّما أراضٍ يهودية تمّ تحريرها من أيدي العرب».
الموقف الأميركي
في هذا السياق صرّح الرئيس ترامب لصحيفة «إسرائيل اليوم» قائلًا، «هناك قدر محدود من الأراضي المتبقية، وكل مرة تستولون فيها على أرض من أجل مستوطنة (جديدة) يقلّ ما يتبقى منها. إنّني لست الشخص الذي يعتقد أن تقدّم المستوطنات أمر جيد للسلام». وهنا يستطيع المرء أن يرى منطق خطاب الرئيس بوش لشارون الذي قدم أساسًا لتقييد المستوطنات، لكنّه يعترف رسميًا بأن الحدود النهائية بين الدولتين لن تكون حدود هدنة 1949 أو حدود حرب 1967. فهناك اتفاق واسع النطاق في المجتمع السياسي الإسرائيلي على أنّ حدود الرابع من حزيران 1967 هي حدود لا يمكن الدفاع عنها، ولا يمكن أن تكرّس ضمن أي اتفاق سلام. وقد أعلنت واشنطن أنّها لم تعد متمسكة بحلّ الدولتين أساسًا للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في موقف يتعارض مع الثوابت التاريخية للولايات المتحدة في هذا الشأن. مما جعل نتنياهو يؤكد على طريقته بأنّ «قضية الاستيطان لا تشكل جوهر النزاع مع الفلسطينيين»، مضيفًا أنّه يتمسك بشرطي اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل «دولة يهودية»، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على المنطقة الواقعة ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن لصنع السلام معهم، بغضّ النظر عن مسألة الحدود. لكنّ الفلسطينيين يرفضون الشرطين، معتبرين أنّ الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» يتعارض مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المشرّدين، كما يعرّض مستقبل المواطنين العرب في إسرائيل لخطر التمييز العنصري.
المكاسب الاستراتيجية
بناءً على ما تقدّم، يستطيع نتنياهو أن يلوّح للجمهور الإسرائيلي بأنه يحقّق عددًا من المكاسب الاستراتيجية مع الرئيس الجديد. وهذه المكاسب تتضمن تبنّي ترامب مواقف تتناقض جوهريًا مع البنود الأساسية في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2234 بشأن عدم شرعية المستوطنات، وقبوله «ابتلاع» إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية في أي اتفاق سلام، وإنهاء الخلافات الإسرائيلية الأميركية الرسمية بشأن واحد من مواضيع التوتر التاريخية في العلاقات المشتركة. وجدير بالذكر أنّه بعد تولّي ترامب مقاليد الحكم بيومين، أعلن نتنياهو، في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي السياسي – الأمني المصغر «الكابينيت»، أنّه قرّر إزالة جميع القيود السياسية المفروضة على بناء الوحدات السكنية في القدس الشرقية المحتلة، وأكّد في الوقت نفسه أن جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية. وفي السابع من شباط الماضي أقرّ الكنيست الصهيوني قانونًا خطيرًا للغاية يستبيح الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة ويمكّن سلطات الاحتلال من نهبها، ومصادرتها ومنحها للمستوطنين اليهود الوافدين من مختلف أصقاع الأرض. وهو يمنح في الوقت نفسه صفةً قانونيّة للبؤر الاستيطانيّة اليهودية التي أقامها المستوطنون اليهود عنوةً في العقود الماضية. وخلافًا لمواقف الإدارات الأميركية السابقة في العقود الخمسة الماضية، ولمواقف مجلس الأمن الدولي التي أجمعت على إدانة قرارات إسرائيل الاستيطانيّة من طرف واحد، لم تدن إدارة ترامب هذه القرارات، بل اكتفت بإصدار بيان أوضحت فيه، أنّها لا ترى بأنّ المستوطنات القائمة تشكل عقبة أمام تحقيق السلام، ولكن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية «قد يشوّش على عملية السلام نفسها». وهذا الموقف مخفف للغاية، من حيث الانتقال من اعتبار الاستيطان غير قانوني وغير شرعي، إلى اعتباره عقبة أمام السلام، ثم إلى اعتباره «غير مفيد» في تحقيق السلام.
فرض الأمر الواقع
يسعى نتنياهو حاليًا إلى استصدار موقف من إدارة ترامب يتبنّى تصريح الرئيس جورج بوش الابن، بأنّ أيّ حلّ بين إسرائيل والفلسطينيين، ينبغي أن يأخذ في الحسبان الواقع الديموغرافي القائم في الكتل الاستيطانية في المناطق الفلسطينية المحتلة. كما يسعى إلى الحصول على موقف متسامح من إدارة الرئيس ترامب إزاء انتفاخ الاستيطان اليهودي، في البؤر والمستوطنات القائمة خارج الكتل الكبرى في الضفة الغربية، وذلك بالاتفاق المسبق معها، تحت ذريعة التكاثر الطبيعي للسكّان. وفي الوقت نفسه، يعمل نتنياهو للحصول على التزام أميركي بعدم ممارسة أيّ ضغط عليه في مختلف ملفات القضية الفلسطينية، وصدّ أيّ ضغط دولي عبر استخدام حق النقض ضدّ أيّ قرار يدينه. أمّا في ما يخص مسألة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فإنّ نتنياهو سيناور ويساوم في هذه المسألة مقابل تساهل إدارة ترامب حيال الاستيطان.
هامش:
المنطقة «ج» هي المنطقة التي تعود فيها الصلاحيات الأمنية والصلاحيات المتعلّقة بملكية الأراضي واستخدامها، إلى سلطات العدو الإسرائيلي.
أما السلطة الفلسطينية فيقتصر دورها في هذه المنطقة على توفير الخدمات الصحية والتربوية.