- En
- Fr
- عربي
ندوات
نشاطات مراكز الدراسات الاستراتيجية ودورها
في العالم أكثر من خمسة آلاف مركز مخصصة للدراسات الاستراتيجية التي يراوح دورها بين تقديم الإستشارات وصنع القرارات الكبرى. حول هذه المراكز ودورها أقامت كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان ندوة استضافت خلالها الدكتور مايك يافي من مركز «جنوب شرق آسيا الأدنى للدراسات الإستراتيجية (NESA) وعميد الشؤون الأكاديمية في المركز (الذي يشكّل جزءاً من كلية الدفاع الوطنية في واشنطن)، والدكتور سامي حجار (باحث ومحاضر في هذا المركز).
كلمة قائد الكلية العميد الركن الياس فرحات
شارك في الندوة قائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العميد الركن الياس فرحات ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، بحضور ضباط من الألوية والقطع العسكرية كافة، بالاضافة الى ضباط الدورة 23 للأركان.
بداية قدّم قائد الكلية فكرة مقتضبة عن أبرز مراكز الأبحاث في لبنان «بما تضطلع به اليوم من دور مهم في الإستشارات وتقديم النصائح، بالإضافة الى وضع السياسات وصنع القرارات في المؤسسات والمنظمات على مختلف أنواعها، بما توفّره من معلومات دقيقة وتحليلات مهمة، حتى لنعتبرها ذات دور فاعل في كواليس القوى الوطنية في لبنان».
وأشار الى أن المراكز الفلسطينية في بيروت «تعتبر من أقدم مراكز الدراسات، تأسست خلال الستينيات والسبعينيات مستفيدة من حرية الإعلام والصحافة والتعبير في لبنان.
فبالإضافة الى الصحف والمجلات التي نشرها الفلسطينيون، كان هناك مركزان منذ بداية الستينيات وما زالا يعملان حتى الآن:
مركز البحوث الفلسطيني الذي أسّسته منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية التي أنشأها المفكرون والكتّاب الفلسطينيون بتمويل من أثرياء فلسطينيين».
وتابع العميد الركن فرحات: «في السبعينيات تمّ إنشاء مركزين آخرين للبحوث:
معهد الإنماء العربي الذي موّلته ليبيا، وعمل حوالى عشر سنوات ثم أُقفل. ومركز دراسات الوحدة العربية وهو ما زال يعمل حتى اليوم.
وفي الثمانينيات أنشأ الرئيس الأسبق أمين الجميّل «بيت المستقبل» الذي كان مجهّزاً بحواسيب ومكتبة... ونشر مجلة فصليّة (حاليات)، بالإضافة الى العديد من الدراسات والأبحاث. ولكن لسوء الحظ تمّ تدمير هذا المركز خلال الحرب الأهلية وتمّ استخدامه كمركز عسكري من قبل بعض الميليشيات خلال الإشتباكات.
في التسعينيات، قام حزب الله بتأسيس مركز الإستشارات وهو مركز ما زال يعمل حتى اليوم، مع موقع إلكتروني؛ يقوم ايضاً بعقد مؤتمرات من وقت الى آخر في لبنان وخارجه.
كذلك أنشأ نائب رئيس الوزراء الأسبق عصام فارس، مركز الدراسات اللبنانية الذي عمل حوالى عشر سنوات (حتى العام 2005) وحين غادر فارس لبنان أغلق المركز، وانتقل رئيسه الدكتور بول سالم الى مركز كارينجي الأميركي للدراسات، الذي يملك فرعين في بيروت وفي موسكو، وتغطي نشاطاته لبنان ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
أمّا في الجيش اللبناني، فقد أسس قائد الجيش، العام 1998 مركزاً للدراسات الإستراتيجية، لكنه لم يكن فاعلاً بسبب النقص في الموظفين والتمويل والتجهيزات، فتمّ بالتالي نقله الى كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان.
العام 2007 نقلت قيادة الجيش هذا المركز الى الكلية واعتبرته مركزاً مستقلاً يرتبط برئيس أركان الجيش مباشرة، والأمل ببدء العمل فيه حين جهوزه».
الدكتور مايكل يافي
تناول الدكتور مايكل يافي مراكز الدراسات والبحوث وتأثيرها في الولايات المتحدة، واستخدم عبارة «Think Tank» ليشير الى مركز الدراسات الإستراتيجية. قال يافي:
« العام 2007 جرى إحصاء مراكز «Think Tank» في العالم فكانت النتيجة أن هناك حوالى خمسة آلاف وثمانين مركز دراسات في 169 دولة في العالم: 192 مركزاً في الشرق الأوسط وحوالى 1776 مركزاً في الولايات المتحدة، أكثرها داخل الكليات والجامعة».
وفي ما يخص التعريف بهذه المراكز قال:
«ليس هناك تعريف ثابت لمراكز الدراسات في العالم، فمنها ما يكون تابعاً للحكومات والإدارات السياسية، ومنها ما يرتبط بالأحزاب السياسية، بينما ثمة مراكز تعمل لجني الأرباح، وأخرى لا تتوخى الربح أو تُعنى بالمصلحة العامة... جميع هذه المراكز تقدّم الخبرات والمعرفة التي تدخل في عملية صنع القرار، ولكنها تختلف من حيث الحجم والقدرة التمويلية والتوظيف.
مركز NESA مثلاً، يعتبر مركزاً مركباً من حيث مهامه: نقوم بالأبحاث ونتولى التعليم في برنامج يضم حوالى 450 تلميذاً يأتون من الشرق الأوسط وجنوبي شرقي آسيا... وفي الوقت عينه، هذا المركز مسؤول عن الدراسات التي تُعنى بالجدال حول السياسات».
نمو مراكز البحوث والدراسات
يشرح الدكتور يافي نمو مراكز الدراسات «Think Tank» على مستويين جزئي وكلي:
«على المستوى الجزئي، في العديد من الأحيان يعكس نمو هذه المراكز ثورة المعلومات والإقبال الكثيف على طلب المعلومات. وبوجود الوسائل المتعددة للنفاذ الى المعلومات كافة، كالإنترنت والتلفزيون والأقمار الصناعية والمنشورات... تبقى مراكز «Think Tank» عنصراً خاصاً للتعامل مع هذه المعلومات وتنظيمها. إذ تقدم معطيات لصانعي القرار، بطريقة آنية ودقيقة. هذا هو المركز المثالي حيث يمكن للحكومات أن تدفع الأموال لمؤسسة واحدة وتحصل على «منتج» جيد.
كذلك يعكس نمو هذه المراكز الرغبة في النفاذ الى المعلومات الموضوعية بعيداً عن الإنحياز، فبعض المؤسسات ذات الممول الواحد ينتج دراسات منحازة لهذا الممول. أما على المستوى الكلي فيعكس نمو «Think Tank» إنفتاحاً أكبر لدى الحكومات بشكل عام، كما يعكس الإتجاه الى البحث عن معايير لمكافحة الفساد...».
ويشير يافي الى وجوب اتحاد مراكز «Think Tank» وتكاتفها للحصول على المعلومات الدقيقة ومواجهة المشاكل العالمية».
أما المشكة الأكبر التي تواجه مراكز «Think Tank» في العالم، حسب يافي فهي الصدقية، وثمة سبعة عوامل يجب توافرها في هذا المجال: دقة المعلومات، القدرة على النفاذ اليها، جعلها قابلة للفهم، توفيرها لصانعي القرارات، إستقلالية المراكز في تقديمها، الصراحة، وكيفية إستخدام هذه المعلومات.
الدكتور سامي حجار
بعد مداخلة الدكتور يافي، قدّم الدكتور سامي حجار بعض الملاحظات لتطوير مركز الدراسات الإستراتيجية الخاص بالجيش اللبناني مستشهداً بأمثلة عالمية.
وتناول الـ«SSI» وهي مراكز دراسات إستراتيجية تعمل على صعيدين: الأول يتعامل مع المسائل الإقليمية والدراسات حول أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا... والثاني يهتم بتأثير التقديمات والخدمات الممنوحة للعسكريين الأميركيين في العراق (رواتب، طبابة، تغذية...) على هؤلاء وعلى عائلاتهم».
وأشار الى «أن الموظف في الـ«SSI» تابع للحكومة وبالتالي لديه نفاذ الى معلومات مصنّفة وغير مصنّفة حيث عليه أن يكون حذراً في كتابة المواضيع».
وتطرق الدكتور حجار الى الدور البارز والتأثير الواضح لمراكز «Think Tank» على صنع القرارات مشترطاً إعطاء الحرية للباحث في إجراء دراساته بعيداً عن تأثيرات القيادة».
كذلك تناول الدكتور حجار الموضوع الذي شغل العالم في الفترة الأخيرة: الإدارة الأميركية مع رئاسة أوباما والسياسة الخارجية.
وقال: «النقطة الأساسية التي برزت منذ بداية التحضير للحملات الإنتخابية الأميركية كانت مسألة العراق. ولكن الإنتخابات انتهت فارضة إشكالية جديدة هي الإقتصاد.
من هنا يتوقع الشعب الأميركي من أوباما التركيز على الإقتصاد لا على السياسة الخارجية. في حين أن مسؤولياته كرئيس تفرض عليه التطرق الى الموضوعين: فالإقتصاد القوي هو أساس لسياسة خارجية قوية.
من ناحية أخرى، يصبو أوباما الى نقل الجنود الأميركيين من العراق وأفغانستان في غضون 18 شهراً، فأميركا تنفق حوالى 16 مليار دولار في الشهر على حربها هذه، وهذا يشمل نحو 300 ألف جندي في الخارج. ولكن إذا تمّ تقليص عدد الجنود الى 30 ألف جندي بحلول العام 2013 تتقلص الكلفة الى 1.4 تريليون دولار بعد أن كانت ستبلغ 2.4 تريليون دولار في ما لو خُفّض العدد الى 75 ألف جندي. وهذا يعطي فكرة عن الإتجاه الذي سيسلكه أوباما في الأشهر القادمة.
كذلك يواجه الرئيس أوباما ضغوطاً مالية في خضم الأزمة المالية العالمية. فعجز الموازنة يبلغ 450 مليار دولار لهذه السنة، وهذا لا يشمل الـ700 مليار دولار التي دُفعت لإنقاذ مؤسسات «Wall Street». وهذا الدين الفيديرالي سيضاف الى الدين الوطني الذي يبلغ 10 تريليون دولار (35 ألف دولار لكل مواطن).
لكن إدارة أوباما ستركّز على الأوضاع المعيشية بما فيها الرعاية الصحية ورواتب التقاعد. فالكتلة الأكبر من ناخبي الولايات المتحدة الأميركية تتشكّل من المسنين... وهذه الأمور تشكّل ضغطاً كبيراً بالنسبة اليه».
ويضيف الدكتور حجار:
«في السنة الأولى لإدارة أوباما سيضع أطراً للسياسة الخارجية بحيث عليه العمل على زيادة قدرات الولايات المتحدة من دون التزام أمور تفوق قدرتها. ومن المسائل الأولى التي يجب أن يركّز عليها الإنفتاح على التجارة والإستثمار، وقد اقترح فتح 73 ألف إتفاقية تجارية تصب في المصلحة الأميركية.
كما أنه سيعمل على تصحيح صورة السياسة الخارجية الأميركية التي ارتسمت منذ عشرين سنة واتسمت بعسكرة السياسة الخارجية بعيداً عن الديبلوماسية».
بشكل إجمالي سنرى أطراً لرؤية جديدة في أميركا وأهدافاً إستراتيجية يحددّها الدكتور حجار في لائحة أولويات الرئيس المنتخب كما يلي:
- الطاقة.
- الأمن.
- بناء القدرات مع الشركاء الدوليين.
- التعامل مع حسنات العولمة وسيئاتها.
- العراق، أفغانستان، باكستان، إيران وتركيا ومشاكل الحدود.
- الصراع العربي - الإسرائيلي.
- تحسين صورة أميركا في الخارج.
- الدول الهشّة أو الضعيفة.
- إعادة قولبة العلاقات مع الصين والهند والمملكة المتحدة وفرنسا والبرازيل وألمانيا.
- الإرهاب الدولي.
- الإنتشار النووي.
- التحديات البيئية لا سيما الخاصة بالتغيّر المناخي وذوبان الرؤوس الجليدية.
- معاهدة منع الإنتشار النووي.
- إغلاق معتقل غوانتانامو.
- كيفية إرساء الديمقراطية وتعزيزها.
في الختام أجاب المحاضران عن بعض الأسئلة الإستيضاحية من الحضور، وتسلّما من قائد الكلية العميد الركن الياس فرحات درعين تقديريين.